الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: الشاعر يحيى إبراهيم الألمعي
نشأ يحيى الألمعي وحياته
إلى مدرسة المحافظين المجددين في مذهبها الأدبي ينضمّ الشاعر الأديب يحيى إبراهيم الألمعي، ولد بمدينة "رجال ألمع" حاضرة تهامة عسير، عام "1356هـ"، وتلقى دراسته الابتدائية فيها، وتتلمذ على علماء المدينة.
ثم اشتغل بالتجارة حتى وصل إلى مدينة "جدة" ليعمل موظفًا في وزارة الصحة عام "1373هـ"، وظلّ بها سنتين.
وفي عام 1375هـ" عاد إلى أبها ليباشر أعماله في الحكومة، يتقلّب في وظائف مختلفة، في ديوان إمارة منطقة عسير، حتى عين مديرًا للجوازات والجنسية في منطقة "بيشة" عام 1384هـ".
وفي عام "1386هـ" انتقل إلى أبها؛ ليعمل رئيسًا لقسم التحرير بمديرية الجوازات والجنسية في عاصمة الجنوب.
ثم عيِّن مديرًا للجوازات والجنسية في "ظهران الجنوب" عام 1388هـ".
ثم عاد إلى مدينة أبها في عمله السابق رئيسًا لقسم التحرير في مديرية الجوازات والأحوال المدنية، وأثناء ذلك عمل رئيسًا لتحرير صحيفة عسير، التي كانت تصدر بصحيفة "عكاظ" خلال عام "83-1384هـ".
ويحيى الألمعي في زحمة أعماله كان يعبِّر عن ذاته ومشاعره في شتى الميادين من الصحف والمجلات السعودية منذ عام 1374هـ، وله أحاديث كثيرة انتشرت مع موجات الأثير في الإذاعة العربية السعودية، استمتع بها المستمعون.
أما مخطوطاته التي أتمنى أن ترى النور من أهمها:
"الإيضاح والتيسير في تاريخ عسير"، وديوان "أحاسيس"، وله أيضًا "لمسات وهمسات"، و"حلو ومر"1.
1 انظر كتاب شعراء العصر الحديث: عبد الكريم الحقيل، ص16، وانظر في "عبير من عسير" في التقديم.
وصدر له من المؤلفات حتى الآن: كتاب "رحلات عسير"، وكتاب "الأمثال الشعبية في المنطقة الجنوبية".
وديوان "عبير من عسير" الذي أهداه "لحضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز -أمير منطقة الرياض، الرجل الإنسان ذو القلب الكبير، الذي غمرني بعطفه وحنانه وكرمه وإحسانه -فإلى سموه الكريم أهدي ديواني هذا"1.
والديوان ظهر في حجم كبير ضمَّ نيفًا وأربعين قصيدة في طبعة أنيقة، أصدرتها مطابع الرياض -الطبعة الأولى عام "1401هـ"، وقدم له الشاعر الدكتور زاهر عواض الألمعي -عميد شئون المكتبات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، يقول:
"لا أجدني في حاجة إلى وصف أو تقديم لهذا الديوان، ولا التنويه بقيمته الشعرية، وقد كفانا الشاعر الفاضل "يحيى" مئونة ذلك كله بحسن مطالعه في قصائده، ومقاطعه في أبياته بما جال في خاطره، وجاش في صدره
…
فأنت من هذا الديوان ستجد نفسك بين أخ لك مواس ومواطن لأمته مخلص، وعاشق لبلده "أبها"، موله ينشد على ضفافه الخضر أناشيده المطربة، ويقدم في قصوره لزائريه الكرام من "آل سعود" وغيرهم تحياته الشعرية العبقة، والشاعر الكريم بما جبل عليه من خلق فاضل قد تنزَّه عن الفحش، فخلا ديوانه من الهجاء، وكاد يخلو من الوصف، وهو شديد الارتباط بالشعر العمودي، بعيد عن التيارات الحديثة التي طرأت على الشعر العربي الأصيل.. وختامًا أقول لأخي الشاعر "يحيى الألمعي": هنيئًا لك بهذه الباكورة من الشعر راجيًا لك التوفيق إلى أقوم طريق"2.
1 عبير من عسير: يحيى الألمعي: ص5.
2 مقدمة عبير من عسير: 15/ 22.
الأغراض الأدبية في شعره:
تنوعت الأغراض الأدبية في شعر يحيى الألمعي، فاشتملت على أغراض: المدح والوطنيات، والشعر الإسلامي، والشعر الوجداني، والوصف، والرثاء، وحضارة العلم الحديث، وفي المعارضات الأدبية.
وسنوضِّح الخصائص الفنية لهذه الأغراض التي تدل على المذهب الأدبي للشاعر، في مدرسة المحافظين المجددين في الشعر الجنوبي خاصة، وفي الشعر السعودي عامة.
أولًا: المدح
والشعر الوطني عند الشاعر متلاحم بالمدح؛ لأن الشاعر حينما يمدح ملكًا أو أميرًا أو وزيرًا، إنما يكون ذلك من خلال ما أسدى إلى الوطن من بناء ورقي وتقدم وحضارة، فهو يشيد بكل مواطن يفتدي وطنه بماله ودمه وروحه، وممن هو جدير بالثناء والتقدير هؤلاء المسئولون المخلصون لوطنهم ولشعبهم ولأمتهم، بل أول المخلصين في ذلك هم الذين يسوسون الرعية، ويوجهونها إلى الرقي والتقدم والسعادة والرفاهية.
ومن ذلك كان الشعر الوطني لا ينفصل عن المدح، وكذلك المدح لا ينفصل عنه، قد صيغا معًا في بنية واحدة، يقومان على غرض واحد وهو المدح في بناء الوطن.
ويعد هذا الغرض الأدبي أكثر الأغراض عنده شعرًا وقصائد في ديوانه المنشور، الذي يضم بين دفتيه هذه "المدحيات" التي تضم قصيدة "تحية من الأزد" لحضرة الفيصل العظيم، ألقاها الشاعر بقصر الحكم بالرياض في الساعة الحادية عشرة من يوم الخميس الموافق 16/ 11/ 1384هـ أمام جلالته والحاضرين من الأمراء والعلماء، يقول1:
يا بلادي يا موطن الخير غني
…
واملئي الكون فرحة وابتساما
صفي اليوم يا جزيرة حتى
…
ترفض الجيد تعتلي الآكاما
وانثري الورد في ربوع تحلت
…
بلباس الحبور نالت مقاما
وارقصي واطربي حجازًا ونجدًا
…
وعسيرًا وبيشة واليماما
1 عبير من عسير: يحيى إبراهيم الألمعي ص32/ 36 - الطبعة الأولى - 1401 - مطابع الرياض.
إلى قوله:
أيا الفيصل العظيم هنيئًا
…
لك بالملك عزة وقوامًا
أنت رمز البلاد بل أن فذ
…
قد عرفناك عادلًا رحَّاما
فلأنت الجدير بالعرش حقًّا
…
ولأنت المليك تحمي السلاما
وحمى الدين والعروبة طرًّا
…
يا له ضرغمًا حكيمًا هماما
باني المجد والمفاخر فينا
…
ناشر العدل والهدى لن يضاما
عمم الأمن حكم الشرع فينا
…
ينشد الحق لا يريد الظلاما
قائد الشعب ملهم عبقري
…
من أذاق العدو موتًا زؤاما
حاز بالسبق للعلا كل فضل
…
وامتطى ذروة السها وتسامى
وهكذا نمضي الشاعر في مدح الفيصل باني الأمة والوطن وناشر العدل والهدى، ومحكم الشريعة والحق، حتى حقق السعادة والأمن لوطنه وأمته، ويستمر على هذا النحو حتى نهاية القصيدة، وذلك في أسلوب مشرق واضح قريب إلى الأفهام وتصوير عذب يسيل إلى القلب كسيلان الماء على الصخر الأملس في انحدار.
وقد اشتركت الطبيعة والحياة، والجزيرة والبلاد، والكون والورود مع الشاعر في مدح الفيصل بأعماله وبطولاته وإنجازاته وعبقريته وقيادته الحكيمة، ورحمته وحمايته للدين والسلام، وعروبته وعدله، وتحقيقه السعادة والرفاهية لوطنه، وهذه أبرز خصائص المدح عند الشاعر.
وكذلك قصيدة "العهد الجديد ص37، 39" رفعها الشاعر مع التحية والإجلال لحضرة صاحب السموّ الملكي الأمير خالد بن عبد العزيز ولي العهد المعظّم "جلالة الملك حاليًا"، في 19 / 2/ 1387هـ، وقصيدة "تحية ص49، 52" مهداة مع عظيم الأشواق لحضرة صاحب المعالي الأمير خالد بن أحمد السديري -وقاه الله من كل مكروه- في 12/ 3/ 1385هـ، وقصيدة "تحية" مرفوعة لحضرة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة عسير، ألقيت أمام سموه يوم الأربعاء الموافق 12/ 6/ 1391هـ الساعة العاشرة صباحًا في نادي الفاروق بأبها، بحضور سمو الأمير خالد الفهد وكيل وزارة المعارف، وسمو الأمير محمد العبد الله الفيصل، يقول1:
1 عبير من عسير: 60/ 69.
سلام الله يسري ما أقيمت
…
صلاة من عباد خاشعينا
وما جادت بماء المزن سحب
…
سقى الأشجار والزرع الدفينا
وما ناحت حمام في غصون
…
تغرد تارة وتطير حينا
وما طاف الحجيج بركن بيت
…
يردد حمد رب العالمينا
سلام عاطر وله أريج
…
إذا ما فاح يعبق ياسمينا
أقدمه مع الإجلال شفعًا
…
وفيه الحب ممزوجًا حنينا
إلى الشهم الهمام أبي وليد
…
وأعني خالد الفذ الأمينا
وشبل الفيصل المقدام حقًّا
…
سليل المجد موثوقًا أمينًا
إلى قوله:
فهذا العهد عهد الخير حقًّا
…
وعهد النور والإشراق فينا
فأمن وارف والجهل ولَّى
…
وعدل شامل للقاطنينا
لقد عمَّ البلاد وكل صقع
…
فأبناء الجزيرة آمنينا
وفي الطرقات إصلاح عظيم
…
تراها سهلة للسالكينا
وإنعاش الزراعة غير خاف
…
لكي تكفي جميع المعوزينا
وللمرضى مصحات ودور
…
وتوفير الدواء للعاجزينا
فلا ثمن يقدم في علاج
…
كذا التعليم مجانًا لدينا
وكم من نعمة وجميل صنع
…
ستبقى دائمًا أثرًا سنينا
مشاريع بها التاريخ يزهو
…
ويفخر معلنا للمصلحينا
جزى الله الحكومة كل خير
…
بما فيها زعيم الملسمينا
إلى قوله:
مناظر في ربانا ساحرات
…
ستغدو مقصدًا للسائحينا
ترى في "السودة" الشما
…
وغابات تسر الناظرينا
وفي "القرعاء" مصطاف جميل
…
ونزهة خاطر للصائفينا
وفي أرض "المحالة" سلسبيل
…
كوادي النيل يروي الظامئينا
كأن "سويسرا" تلك المراعي
…
و "لبنان" ترى أو "طورسينا".
وفي أبها البهية كل شيء
…
جميل صالح للقادمينا
بها ماء زلال في شعاف
…
وأشجار تظل السائرينا
وجو بارد في الصيف يحلو
…
وينعش نفس كل المتعبينا
لا أظن أحدًا يقول بأن الشاعر من مدرسة التقليد؛ لأننا لا نجد أثرًا من خصائصها: الإسفاف في المعنى والركاكة في التعبير وفهاهة الأسلوب، ولا أن يكون من مدرسة المحافظين فقط الذين يسيرون على نهج القدماء من الشعراء الفحول مقلدًا إياهم؛ لأن الشاعر يعيش عصره لا عصر الفحول، ويصور حضارة وطنه المعاصر لا وطنهم، يتجاوب مع إنجازات مملكته وأمته من مشروعات الرقذ ي والتقدم لا التخلف والبداوة، ولا أدلّ على ذلك من تصوير المصيف الجميل الحديث المتحضر عروس الجنوب "أبها" في تصوير أدبي قوي متجدد لحياة جديدة في هذا الموطن الجذاب موطن الشاعر الذي عاش فيه، وتفجَّرت تجاربه الشعرية من مناطقه الساحرة في السودة والقرعاء والمحالة وغيرها، فهي مثل سويسرا ووادي النيل، ولبنان وطور سيناء.
ولن تخلو القصيدة من هزات تستوقف النظر، وهي كسر الوزن بقوله:"وتوفير الدواء للعاجزينا" هكذا بتسكين الهمزة، وقد يصحّ فيما لو حذفت الهمزة:"وتوفير الدوا للعاجزينا" كصنيعة في قوله: "ترى في السودة الشما، فحذف الهمزة ليصح الوزن، وكذلك قوله: "بما فيها زعيم المسلمينا"، كان الأولى ليسمو عن النثرية والتعبير العامي يأتي بما يتناسب مع سمو الشعر ولغته الخاصة، فيقول: "بقائدها زعيم المسلمينا"، وفرق كبير بين القائد والزعيم وبين ما تدل عليه الظرفية "في"، وإن كان القائد والزعيم من بينهم.
وكذلك التعبير بلفظ "المراعي" لا يتناسب في التصوير الأدبي مع المصيف الذي يشبه سويسرا ووادي النيل ولبنان، فلا تسمَّى جمال الغابات الكثيفة الساحر والزروع السندسية الخضراء والماء العذب الزلال بالمراعى، والأجدر بالتسمية والأقوى تصويرًا وإيحاءً وشاعرية كلمة "بالمعاني"، فهي لفظة شعرية تتلاءم في قوة ووحي وأضواء وظلال مع هذا المصيف الجميل الساحر.
وكذلك قصيدة "تحية ص76، 80"، مرفوعة لأعتاب حضرة صاحب الجلالة الملك "فيصل بن عبد العزيز المعظّم، ألقيت أمام جلالته في القصر الملكي "بجدة" حين قدِم من الرياض لزيارة السودان الشقيق عام 1387هـ، وقصيدة "تحية ص83، 85" مرفوعة مع عظيم الإجلال لحضرة صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزارء ووزير الداخلية -ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء حاليًا- في عام 1388هـ.
وقصيدة "تحية ص93، 97" مرفوعة لحضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز -أمير منطقة الرياض، وقصيدة "تحية ص93، 97" مهداة لسعادة الشيخ هاشم معتوق المدير العام للجوازات والجنسية، "وكيل وزارة الداخلية للجوازات والأحوال المدنية حاليا"، في 9/ 12/ 1398هـ، وقصيدة "تحية" مرفوعة لحضرة صاحب الجلالة.
"مولاي" الملك فيصل المعظم بمناسبة عودة جلالته من جدة إلى الرياض في 25/ 1/ 1389هـ، وألقاها الشاعر بقصر "المعذر "بالرياض"1.
وقصيدة "تحية"، وتهنئة بمناسبة اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، مرفوعة مع التحية والإجلال لحضرة صاحب الجلالة "مولاي" الملك خالد بن عبد العزيز في 10/ 10/ 1397هـ، ثم يقول:
إلى الخالد المغوار أرنو وأنشد
…
لعيد عظيم مشرق يتجدد
لذكرى لدى الشعب العزيز مجيدة
…
بها نحتفي في كل عام ونسعد
وتغمرنا الأفراح فيها بسمة
…
وفيض سرور وافر يتعدد
ألا إنها ذكرى بحق سعيدة
…
ليوم أغر خالد سيمجد
فيوم بلادي حين توحيد شعبها
…
على يد ملك عادل سنخلد
بأغلى معاني الفخر والشكر والثنا
…
وبالحب والتقدير يسمو ويصمد
لباني بناء العز والمجد والعلا
…
لأمته يسعى لقصد يوحد
لقد كان توحيد الجزيرة مطلبًا
…
لعبد العزيز الفذ للخير يقصد
فكافح في عزم وصدق وحكمة
…
لتحقيق ما يصبو إليه وينشد
وهذا بحمد الله فضل ونعمة
…
من الله للشعب السعودي ومقصد
فحق لنا أن نحتفي بحلوله
…
وذكراه لن ننسى وسوف تجدد
ستبقى لهذا اليوم ذكرى مجيدة
…
لدى الشعب في "عبد العزيز" تخلد2
وهكذا إلى آخر القصيدة، وهي من غرر وطنياته القوية ومدائحه الهادفة السامية.
وقصيدة "تحية ص123، 126"، وتهنئة بمناسبة اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، مرفوعة مع التحية والإجلال لحضرة صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز ولي العهد، ونائب رئيس مجلس الوزراء المعظم في 10/ 10/ 1397هـ، وقصيدة "تحية" مرفوعة لصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل عام 1389هـ، وهي من خماسياته يقول3:
1 عبير من عسير: 108/ 112
2 الديوان: 117/ 122.
3 عبير من عسير: 134/ 138.
أيها القاموس أستاذ البيان
…
وأمير الشعر والدر الحسان
صاحب "المحروم" في نظم الأغاني
…
من بديع اللفظ معروف المعاني
طعمه كالشهد يزهو كالجمان
إيه يا شعري رويدًا في النشيد
…
وقليلًا لا تبالع في القصيد
لست تحصى فعل أصحاب المزيد
…
مثل عبد الله ذي الرأي السديد
إنه شهم وصنديد أكيد
يا طويل العمر عفوًا يا أمير
…
إن باعي كان في الشعر قصير
ليس هذا المدح بالنظم المثير
…
فبحور الشعر تحتاج الخبير
والقوافي بابها باب عسير
وقصيدة "تحية ص143، 147" لسمو الأمير بندر الفيصل في عام 1389هـ، وقصيدة "تحية ص153، 156" مرفوعة لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران، بمناسبة زيارة سموه لمنطقة الجنوب في شهر جمادي الأولى 1388هـ، وقصيدة "فرحة الشفاء ص161، 164" بمناسبة شفاء وعودة جلالة الملك خالد بن عبد العزيز إلى أرض الوطن سليمًا معافى عام 1398هـ، وقصيدة "تحية وتهنئة ص165، 167" مرفوعتان مع التحية والإجلال المقام حضرة صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز وليّ العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء المعظم، بمناسبة عودة وشفاء العاهل المفدَّى جلالة الملك خالد بن عبد العزيز المعظَّم، قيلت في 27/ 12/ 1398هـ.
ثانيًا: الشعر الوجداني
هذا اللسون من الشعر من أقوى الأغراض الأدبية عند يحيى الألمعي وأجودها، فهو الذي يعبّر عن موهبته الشعرية في تصوير أدبي رائع، والقصائد التي أنشدها في هذا الغرض، قصيدة "يا ليل"، وهو يناجي الليل في 18/ 6/ 1376هـ، يقول1:
يا ليل إني قد ضجرت طويلًا
…
وغدوت منك معذبًا وعليلًا
فلقد رأيت تطاولًا لا ينبغي
…
إن التطاول منك ليس جميلًا
إن المريض تناله بمخافة
…
وتأوه قد كنت فيه مهيلا
وكذلك الولهان يسهر هائمًا
…
ويراك عن صبح الفلاح ثقيلًا
ويبيت يمضي ليله في حرقة
…
وعذابه يا ليل ليس قليلًا
1عبير من عسير: 23، 24.
وقصيدة "شكوى ص25، 26" إلى الله العليّ القدير من جوار الكعبة المشرفة في 10/ 5/ 1388هـ، وقصيدة "عتاب" يعارض فيها معلقة عمرو بن كلثوم المشهورة، ومطلعها:
ألا هبى بصحنك فاصبحينا
عارضها الشاعر الألمعي في عام 1383هـ بقصيدة مطلعها1:
ألا جودي بوصلك وارحمينا
…
ولا تكوي قلوب العاشقينا
وداوي حالتي وجروح قلبي
…
وما قد ساور القلب الحزينا
فمنذ النظرة الأولى رمتني
…
رموش العين رمي القادرينا
فطارت مهجتي لهفًا وشوقًا
…
وقرحت الدموع لنا جفونا
فصرت متيمًا وأسير حب
…
أعاني من مرارته الشجونا
وقصيدة "مع الأطياف ص45، 48" قالها الشاعر في 1388هـ، وقصيدة "مع الخيال ص70، 72" قالها الشاعر في عام 1385هـ، وقصيدة "إليها" معارضة للمقطوعة الشعرية التي قالها عمر بن أبي ربيعة في بيع الحمر لدى الدارمي، يقول عمر:
قل للمليحة في الخمار الأسود
…
ماذا فعلت بزاهد متعبد
إلى آخر المقطوعة، فيعارضها الألمعي بقصيدة طويلة عام 1384هـ ومطلعها:
قل للمليحة في الرداء الأسود
…
ماذا صنعت بناسك متهجد
قد كان حسر للوضوء ذراعه
…
حتى وقفت له بباب المعبد
إلى قوله:
وتأججت نيران قلب قد سلا
…
ونكأت جرح العابد المتزهد
وسرت دماء الحب في أحشائه
…
كيف السيل وأنت كل المقصد
حسناء ما هذا التجني على فتى
…
متبتل متضرع متنهد
"رديّ عليه صيامه وقيامه"
…
ودعيه يبقى دائمًا في المعبد
لا تصرفيه عن التبتل والدعا
…
"لا تقتليه بحق دين محمد"2
1 عبير من عسير: 40/ 44.
2 عبير من عسير: 73/ 75.
وقصيدة "أحلام الصبا ص81، 82" قالها الشاعر في 1388هـ، وقصيدة "نجوى ص86، 87" أنشدها الشاعر في عام 1388هـ، وقصيدة "صدفة ص102" قالها في 1382هـ، وقصيدة "مع الخليل ص132، 133" في عام 1388هـ، وقصيدة "شكوى ص141، 142" في عام 1388هـ، وقصيدة "شكر الإله ص148، 150" وهي وقفة تأمّل وتدبر في آلاء الله بين جبال عسير الشاهقة عام 1388هـ، وقصيدة "الحبيب المجهول ص151، 152" في عام 1388هـ، وقصيدة "ذكرى ص159، 160" في عام 1378هـ، وقصيدة "ذكريات وتساؤلات ص168، 170" في عام 1399هـ، وقصيدة "مع الأنغام ص139، 140" في عام 1388هـ، وقصيدة "ظهران الجنوب ص157، 158" في عام 1388هـ.
وشعر الوجدان تنساب فيه شاعرية الألمعي انسياب الماء الصافي العذب الزلال، يتَّسم بالخفة والحلاوة والعذوبة، ينساب مع القارئ كأنَّ ألفة تمت بينهما من قبل في تجربة سابقة، ويشعر بأن الشعر للقارئ لا للشاعر؛ لأنه في إمكانه أن يصدر عنه مثله أو هو نفسه، وذلك لسهولته وجريانه على اللسان كما يجري الحديث اليومي مع الناس حين يتسامرون ويأنسون، فلا يحتاج إلى جهد في فهمه وإدراكه، ولا إلى مراجعة يحكك فيه ويهذب منه، بل نشعر بأن الشاعر أنشد هذه القصائد بلا استئذان ولا تهيؤ قبلها، وكأنه يرتجلها ارتجالًا لا يعانيها، ولا يقلب النظر في صورها وكلماتها، بل إذا صدرت عنه ساعتها لا يدير نظرة عليها مرة ثانية، بل تذهب في الحياة نبعًا فطريًّا صافيًا، لا تحتاج منه إلى المراجعة والتدقيق والتهذيب، حتي يحذف منها الكلمة العامية أو يجبر خللًا هو كيان الصورة، أو يقصر ممدودًا في وسط البيت، أو يمد مقصورًا للحفاظ على الوزن، لا يعنيه كل هذا ما دامت القصيدة قد صدرت عنه لأول مرة.
لهذا كله كان شعر الوجدان عند يحيى الألمعي صادرًا عن نفس شفافة وروح صافية، سواء أكان وجدانه يكتوي بنار الحب التي ألهبته حبيبته ومزقت بالشوق قلبه، أم كان وجدانه من شكواه لله عز وجل وثنائه عليه بنعمه وآلائه؛ ليطلب منه المغفرة والعفو، كلاهما يعتمد على مشاعر الحب العميق الصادق، وفورة الوجدان المحموم، والتأمل في جوانب النفس وحناياها لمعرفة حقيقة الحب والولهان وكنه الوجدان والإلهام.
وشعر الوجدان عنده شعر قوي العاطفة صادقة التجربة قطعة نابضة من نفس الشاعر وقلبه، ويكفيه وحده أن يضع الشاعر في منزلة بين شعراء مدرسته ومذهبها الأدبي: مدرسة التجديد المحافظ؛ ليكون يحيى من شعراء منطقة الجنوب بلا ريب يزاحم شعراء المملكة العربية السعودية بفنه الشعري.
وليس معنى ذلك أنَّ الأغراض الأخرى لا تدل على موهبة الشاعر؛ لأن الموهبة في ذاتها موجودة عند الشاعر، وقوية أصيلة، فلا تهمل الأغراض، لكن بعضها كالمدح مثلًا كان يحتاج من الشاعر إلى المراجعة والتهذيب، فقد يصيب أحيانًا، وقد يركب الصعب حينًا آخر، وبقية الأغراض أخذت منزلتها من الشاعر بعد شعر الوجدان مباشرة، وعند التعرف على الخصائص الفنية في مجال التصوير الأدبي سأقيم الشواهد والأمثلة التي تدل على ما ذهبت إليه من رأي في الأغراض الأدبية عند الشاعر.
ومن خصائص شعر الوجدان أيضًا أنه نبع عن الشاعر في عام واحد وهو عام 1388هـ"، هذا بالنسبة للأعوام الأخرى، فقد أنشد كثيرًا من القصائد في الغرض، كما اتضح ذلك من تاريخ إبداع شعره وإنشاده السابق، وهي "شكوى"، "أحلام الصبا"، "نجوى"، "مع الخليل"، "وشكوى" مرة أخرى، "شكر الإله"، "الحبيب المجهول"، وغيرها، وهي من أجود قصائده، وأنشد في نفس العام قصيدتين في المدح وهما: "تحية" بمناسبة زيارة سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز لمنطقة الجنوب، وقصيدة "تحية" بمناسبة عودة جلالة الملك فيصل من جدة إلى الرياض، وأنشد قصائد أخرى في نفس العام مثل قصيدة "مع الأنغام"، وقصيدة "رمضان"، وقصيدة "فلسطين ووعد بلفور".
وهذه القصائد التي أنشدها في عام 1388هـ بعد أن انتقل من عمله في أبها إلى ظهران الجنوب، تدل على أنَّ الشاعر كان يعاني تجربة وجدانية قوية، ألهبت عواطفه، وأرَّقت مشاعره، ففاضت تجاربه الشعرية المتدفقة بحشد كبير، وقد أعقب هذا الانتقال استقرار في أبها حتى الآن.
وفي هذا الشعر أيضًا دلالة تدل على نوع من التعويض لفقد رغبة عزيزة كان يرغب فيها ولم تتحقق، فذهب إلى الجنوب ليجد العوض في هذا الشعر النابض الذي يظهر الشاعر من آلامه وآهاته وفقدانه، ويجد فيه الأنس كل الأنس، بحيث يملأ هذا الفراغ، الذي خلفته الآمال المفقودة، والرغبات التي ذهبت مع الرياح.
ولهذه الأسباب كانت القصائد السابقة يغلب عليها هذا اللون من الحزن والألم والشكوى والمرارة، سواء أكانت هذه الشكوى في جوار الكعبة المشرفة؛ حيث يتنفس الصدر، ويفيض القلب بمكنونه في البقعة الطاهرة، فيتطهر من بلوائه التي ألمَّت بها، ويكشف ضره الذي مزقه، وتتجرد أحشاؤه عن الآهات والأحزان، وهذا عينه ما يصوره الشاعر في قصيدة "شكوى" يقول1:
1 عبير من عسير: 25/ 26.
إلى الله أشكو لوعتي وبلائي
…
ومنه أرجو الكشف في البلواء
وأطلب منه كشف ضر ألم بي
…
وأدعوه في السراء والضراء
ألمت بي البلوى فكنت أسيرها
…
ومارت بي الآهات في الأحشاء
صبرت على ما نالني صبر زاهد
…
يرى في ثواب الله خير شفاء
إذا المرء لم يصبر على ما أصابه
…
ولم يحمد المولى على البلواء
تحمل ذنبًا يا له من مصيبة
…
وأشغل قلبًا بالأسى وبكاء
وأضحى طريدًا من رضاء إلهه
…
ينوح ويبكي في الضحى ومساء
فرحماك ربي أنني لست ضائقًا
…
من الضر ما دام القضاء قضائي
واقتصرت على بعضها للدلالة على المراد، أو كانت الشكوى من الزمان وأهله، كما في قصيدته الثانية "شكوى" يقول1:
أشكو الزمان وأهله قد نالني
…
من هذه الفئتين ما قد نالني
أشكو الأحبة والرفاق جميعهم
…
أشكو بني عمي ومن قد عالني
أشكو همو والله يعلم أنني
…
أهواهمو بالرغم ممن خانني
فلقد سئمت من الحياة وأهلها
…
لم أبلغ منهم أي شيء فاتني
حتى لقد ناجيت ربي سائلًا
…
وأقول يا موت ألا لاقيتني
إن الخطوب إذا أحاطت بالضنى
…
كره الحياة وقال ماذا غالني
إني وجدت مرارة العيش الذي
…
جرعته منهم ودومًا طالني
فلتهنأ الأقوام بالعيش
…
الرغيد وكل شيء جاءني
وعليك يا دنيا السلام فإنني
…
لم أبغ منك العيش مما هالني
أو يهرب الشاعر من واقعه المرِّ، ومحنته التي يمر بها في الظهران لينسى آلامه وأحزانه في حلم جميل، وخيال ممتع رائع، وما أروع أحلام الصبا، وملاعبه الغانية، ومسارح الخيال فيه، وخاصة عندما يأوي إليها المحروم من آمال الشباب والكهولة، فيتنفس الصدر فيها مما يريح النفس ولو ساعة، ويتذوق القلب حلاوتها فتنسيه آلام المكابدة والمعاناة أثناء المعاناة والمكايدة، لذلك يتوق يحيى الألمعي إلى "أحلام الصبا" يبث شكواه في لوحة فنية أخرى2:
1 الديوان: 141، 142.
2 الديوان: 81/ 82.
تاقت النفس لأحلام الصبا
…
والليالي الغر في عهد الصغر
تلك آمال بها كل المنى
…
تغمر النفس بأطياف السحر
في رياض الزهر والورد التي
…
تملأ القلب بإشعاع القمر1
ومع الخلان نعدو في الربا
…
في رماعيها وأفياء الشجر
وغمام السحب يبدو في الذرى
…
بذرف الطل ويأتي بالمطر
قطرات كنت قد شبهتها
…
كجمان نثرها أو كالدرر
ليت شعري حين تأتي في الدجى
…
غادة العمر لكي نقضي السمر
تحت ظل الدوح فواح الشذا
…
تصدح الطير بأنغام الوتر
يا لها من ليلة جادت بها
…
قدرة الله وتصريف القدر
حبذا لو صادفتنا دائمًا
…
هذه الأقدار في وقت الكبر
كي ننال السعد في أيامنا
…
والليالي عندما نقضي الوطر
قلت: الموهبة متمكنة من الشاعر، ومن يقرأ هذه القصيدة مع ارتجالها، وتراسل المشاعر فيها، وانثيال الصور الرائعة، مما يجعل شعره يسيل كالندى المعبق بالشذا والطيب، ولقد فطن لهذا الشاعر زاهر عواض حين علق على ديوانه قائلًا:
"كنت أود من أخي الشاعر يحيى الألمعي وهو في أبها؛ حيث الهواء الطلق والسماء الصافية، والشمس الساطعة، والغيث المسكوب، ينهل هتونًا فتجري به الأودية وتمتلئ الغدران
…
أقول: ماذا يضير الشاعر وهو بين هذه المشاهد الرائعة، والمناظر الخلابة، أن يطوف بنا في مجال تلك الطبيعة الغناء أكثر فأكثر، ويتحفنا وهو الشاعر المطبوع من شعره، ويضفي علينا الإحساس بما أفاض الله عليه، فإن الطبيعة الفاتنة إذا صادفت كفئًا لها أضفى عليها ملابسها، وكشف عن نفائسها، وكانت له رائدًا فيما طلب وهاديًا حيث ذهب، وشاعرنا كان من أحق الشعراء في ذلك؛ لأنه من هنالك"2.
وحين يستيقظ يحيى للألمعي من أحلام الصبا يبث شكواه إلى "الحبيب المجهول"، وكلاهما أحلام عذبة ينتشي لها الشاعر، فينسى آلامه وأحزانه، ويطهر بها قلبه من المكابدة والمعاناة، إن الصورة الشعرية القوية أحيانًا حينما تهز الوجدان تذهب بالحزن وتنسخ المعاناة، وتزيل مرارة الحرمان، فيحيا بها الوجدان مرة ثانية، فما بالك بالشاعر الذي ينسج الصور الشعرية الرائعة كالغيث الذي ينزل على الأرض، فيترك الصخر أملس ناعمًا لينجرف ما عليه في التيارات
1 التي تملأ: تعود على الآمال التي تملأ
2 مقدمة الديوان: 19، 20 الدكتور زاهر عواض.
الطموية المائية؛ لتستقر في الأرض الخصبة، فتمرع وتزهر وتخضر وتحيا، وهكذا تعود الحياة كما كانت؛ ليعود إليها الغيث مرات ومرات يشكو إلى "الحبيب المجهول" فيقول1:
الحب أضناني وقرَّح مهجتي
…
وبراني الشوق فزاد بليتي
وتتابعت زفرات قلبي بالأسى
…
وتناثرت قطرات دمع المقلة
لم هكذا تنثابني في وحشتي
…
وثير أشجان الفراق ولوعتي
لم أيها الصب المتيم بالهوى؟
…
تدمي ضلوعي بعد حرق المهجة
لم هكذا تشكو البعاد وطوله؟
…
وتقول إنك ساهر في محنتي
لم لا تروم لقاءنا يا صاحبي؟
…
كيف السبيل وأنت أهل الفتنة
لم لا تجود بوصلنا طول المدى؟
…
وتزيل هم الواله المتعنت
أتريد مني أن أكون ضحية؟
…
بئس المراد وأنت كنت ضحيتي
الله يجمعنا ويكتب وصلنا
…
ويحقق الآمال بعد الفرقة
وهكذا يفيق يحيى من أحلام الصبا وأحلام اليقظة في الحبيب المجهول؛ ليبث شكواه في واقعه الذي يعيشه في شبابه، فيبث آلامه وآهاته إلى خليله وصديقه الذي يستريح إليه، فيستريح هو من عنائها، ويخفف ويلاتها بنظرات الصديق الحنونة وكلماته الحانية، ونبراته اللطيفة، وأنفاسه الرحيمة، فيبدد بشعره وحشة الليل والظلام والنوم والسهام، مع أنيس شعره "مع الخليل"2.
يا خليلي يا أنيسي في الدجى
…
ومرامي دائمًا عند المنام
جد حبيبي باللقا وقت المساء
…
لا تغب عني فإني مستهام
قد حرمت النوم حتى نالني
…
كل ضر قد برى مني العظام
وغدا جسمي نحيلًا خائرًا
…
من سهام الحب أو سهم الغرام
لو رأيت الحال يا خلي وما
…
قد أتاني لم تطق حتى الكلام
إن إحساسي ليشدو بالغناء
…
قلد الطير وتغريد الحمام
زفرات القلب آهات لنا
…
زادت النيران في النفس اضطرام
ذقت مر العيش من طول النوى
…
وانقضى العمر ولم اقض المرام
يا حبيبي لا تدعني حائرًا
…
هائمًا في الحب أبكي في الظلام
ولتكن مني قريبًا دائمًا
…
لتزيل الهم عني والسهام
1 الديوان: 151/ 152.
2 الديوان: 132/ 133.
غاية والقصد تجديد اللقا
…
تحت ظل الدوح أو بين الخيام
فاستمتع مني كلامي والنداء
…
وتحياتي وإقراء السلام
ولتكن مني قريبًا دائمًا
…
يا حبيبي إن ذا البعد حرام
وإذا ما بثَّ شكواه إلى خليله رأى أنَّ الملجأ الحقيقي في المناجاة هي الشكوى إلى الله عز وجل، فيناجيه في "نجوى"1 ومنها:
يا إلهي وأنت رب كريم
…
عالم بالخفا وكل السرائر
إلى قوله:
واغفر الذنب والخطايا جميعًا
…
والمعاصي وكل تلك الكبائر
واصرف الشر أينما كان عنا
…
واعطنا الخير والهدى والبشائر
وإذا كان الملجأ الحقيقي هو لله وحده، فينبغي أن نشكر الله عز وجل على محنته، ولا يحمد على مكروه سواه؛ لأن المؤمن الصادق هو الذي يرضى بقضاء الله وقدره، يقول في قصيدته "شكر الإله" عام 1388هـ2:
جل الإله تعالى في تفضله
…
على العباد له فضل وإحسان
قد أوجد الكون من لا شيء من عدم
…
سبحانه الخالق المعبود منان
أعطى لنا النعمى الكبرى وأوهبنا
…
حب الحياة لها سر وإعلان
فالكل يفنى ولا يبقى له أثر
…
إلّا الصلاح وتقوى وإحسان
ثالثًا: الشعر الإسلامي
وهو من الأغراض التي تناولها الشاعر في ديوانه، ويضم قصيدة "رمضان" في 1/ 9/ 1388هـ، ومطلعها 3:
رمضان يا شهر الصيام تحية
…
حييت يا أملًا أتى أسرارًا
رمضان يا شهر الفضائل والمنى
…
قد جئت فينا ناقلًا أخبارًا
فيك الملائك تزدهي في نشوة
…
ولك الحنان تزينت إقرارًا
والحور فيها رقصن وصفقت
…
ولبسن أثواب الهنا أعطارًا
1 الديوان: 86/ 87.
2 الديوان: 148/ 150.
3 الديوان: 53/ 56.
"ريان" يفتح عندما تأتي لنا
…
والجن تحبس لا ترى أخطارًا
هذي المساجد قد زهت وتزينت
…
للمقدم الميمون جاء مرارًا
يا من له القرآن يتلى في الضحى
…
والليل يحيى بالدعاء أذكارًا
إلى آخر القصيدة، وقصيدة "فلسطين ووعد بلفور" في عام 1388هـ، وهي من الشعر الإسلامي، على اعتبار أن قضية فلسطين أصبحت قضية إسلامية، والقدس الشريف من القضايا الإسلامية المعاصرة، يقول في مطلعها1:
يا وعد "بلفور" كم هيجت أشجانا
…
ونالنا منك إيذاء فأضنانا
أضنى العروبة والإسلام كلهمو
…
وسامهم بالأذى سواء فأبكانا
وقصيدة "أخي" أنشدها الشاعر نداء لتحرير فلسطين الجريمة عام 1394هـ ومطلعها2:
أخي إننا اليوم في محنة
…
تدك الصخور بطول المدى
وقصيدة "صرخة الإسلام" أذيعت من صوت الإسلام عام 1386هـ، يقول3:
إن الديانة في الإسلام تغتنم
…
فيها الصلاح وفيها الخير والنعم
في أرض مكة مهد الوحي انتشرت
…
قوم وقام بها الإصلاح والأمم
قد قام فيها رسول الله داعية
…
يريد خيرًا وكل الناس تلتئم
تحطمت كل أوثان مدنسة
…
بالشرك والكفر والطغيان ينهدم
لم يبق فيها سوى الدين الحنيف هدى
…
فانهالت القوم تترى للهدى أمم
نور الهداية شمس في العلا أبدًا
…
يشع في الكون حتى عمنا الكرم
وهكذا إلى آخر القصيدة وهي طويلة، والشعر الإسلامي عند يحيى دون الشعر الوجداني بكثير، لا من حيث المضمون، ولكن من حيث التصوير الأدبي، فنرى هذا الغرض أقرب إلى النثر منه إلى الشعر، فالشاعر يكتب مقالًا عن رمضان، أو عن صرخة في الإسلام، يجمع فيها الأشتات من هنا وهناك لكي يستقيم له الوزن، وتقوم الأبيات على العروض والقافية، وإن كانت القافية توضع في غير مكانها أحيانًا.
1 الديوان: 57/ 59.
2 الديوان: 91/ 93.
3 الديوان: 113/ 116.
"فالأمم" تأتي قافية ثلاث مرات، و"يلتئم" مرتين، و"الكرم" مرتين، ويضطر إلى الترادف في المعنى من أجل القافية أيضًا مرات كثيرة مثل "الخير والنعم"، "قوم - الأمم"، "الخير والإنعام والكرم"، و"البغي والظلم"، "شرك ولا صنم" وغيرها.
وقد يضطر الوزن إلى الأساليب غير المشهورة عند العرب، فيسير على المنهج غير الفصيح من الألفاظ ومشتقاتها، فقد جعل همزة الوصل في قوله "انتشرت" همزة قطع لكي يستقيم الوزن، واستعمل المصدر "الإعجام" مكان الجمع، وهو يقصد الجمع "العجم" وهو الجمع عند العرب، فاضطر الشاعر إلى الاستعمال غير الفصيح ليحافظ على الوزن في القصيدة.
ومن الشعر الإسلامي أيضًا قصيدة "إليك يا أبي" في رثاء شهيد الإسلام، جلالة الملك فيصل المعظم، الذي اهتزّت الدنيا لموته، قالها في 15/ 3/ 1395هـ ومطلعها:
العين تبكي والفؤاد محرق
…
والنفس تحزن ودائمًا تتمزق
حتى كأن الدمع من نهر جرى
…
في المقلتين وفوق خد يبرق
وله خرير لست أحصى قطره
…
ينساب ما بين الجفون ويدفق
في موت "فيصل" قد مادت بنا أكم
…
واهتزت الأرض من خطب له حرق
حامي حمى الإسلام رائده
…
أبو المعالي وفيه الوصف ينتطق
حققت للشعب ما يزهو به حقبًا
…
وللعروبة والإسلام ينبثق
وها وجودك يا مولاي مفخرة
…
للمسلمين عمومًا كنت تأتلق
سكنت في كل قلب وهي عامرة
…
بالحب دومًا وفيه الود معتلق
يا رائد العرب والإسلام إن بنا
…
من الأسية ما لا يوسع له الورق
إلى آخر القصيدة، وهي من أجود قصائده في الشعر الإسلامي، ومنه أيضًا قصيدة "نصيحة ص27، 28" أهداها إلى الأخ فائع إبراهيم الألمعي في عام 1377هـ، ويحث فيها على طلب العلم، وينفر من الجهل، والعلم يحث عليه الإسلام، بل هو أساس الإسلام وقاعدته العريضة، وقصيدة "العلم والجهل" ألقاها الشاعر في المركز الصيفي بأبها عام 1391هـ، ومطلعها 2:
العلم يبني والجهالة تهدم
…
والعلم نور ساطع وتقدم
بالعلم تبلغ كل قصد في المنى
…
ويحقق الأهداف من يتعلم
1 الديوان: 98/ 101.
2 الديوان: 103/ 107.
والجهل داء والثقافة بلسم
…
للجهل إذا فيه الشفاء الأعظم
والعلم طعم في المذاق حلاوة
…
والجهل مر طعمه بل علقم
بالعلم يرقى كل شعب للعلا
…
ويكون في أعلا المراتب ينعم
إلى قوله:
يبني صروح المجد شامخة الذرى
…
وبها الدعامة قوة لا تثلم
فأخو الجهالة في الشقاوة قابع
…
لم لا وهذا الجهل ليل مظلم
إن الجهول بماله وثرائه
…
مثل السفينة بالتجارة تلقم
ماذا يفيد من التجارة عندما
…
تهوي إلى قاع البحار وترطم
هذي المعاهد والمدارس جمة
…
في كل بيت دارس ومعلم
قد عمت الأرجاء وهي مناهل
…
للضامئين وفرحة بل مغنم
والقصيدة مع طولها تغلب عليها روح النثر الأدبي، ولا يبقى من الخصائص إلّا الوزن والقافية، أما العاطفة القوية والمشاعر المتدفقة، والتصوير الذي يهز الوجدان، ويسيطر على المشاعر، فهذا هو أقل الجوانب في القصيدة، ويستعمل الشاعر لهجة الجنوب الجارية على اللسان، وهي إبدال الظاء ضادًا في قوله:"وهي مناهل للضامئين" وأصلها فيما اشتهر عند العرب ما نزل به القرآن الكريم "للظامئين".
وقفات مع الشاعر:
أولًا: التصوير الأدبي
ديوان يحيى الألمعي يضم بين دفتيه ألوانًا متنوعة من التجارب الشعرية، منها التي لم تكن كاملة ناضجة بالقدر المطلوب في الشعر الجيد، مثل التجارب الشعرية التي كانت تحتاج إلى مراجعة من الشاعر، وذلك في كل الأغراض ما عدا شعر الوجدان.
ومنها التجارب الشعرية القوية التي أقامت الحجة الناصعة على أنه شاعر موهوب، يعد من شعراء مدرسة المحافظين المجددين في الجنوب، وهو شعر الوجدان، وقد فصلنا القول في ذلك عند الحديث عن خصائص هذا الغرض الأدبي، وما دامت التجربة الشعورية قوية فالصدق الفني قد تحقق فيها، الذي يسمو بالقصيدة إلى المستوى الجيد في الشعر، ويستبد بالعاطفة، ويحرك المشاعر والأحاسيس، لهذا كان التصوير الأدبي في هذا الغرض يسمو الشاعر إلى مصاف الشعراء المجيدين في طبقته الفنية، وإلى ما سبق من شواهد على ما نقول نتأمل قصيدته "مع الأطياف"1:
يسائلني المحبوب عما جرى ليا
…
وهل كان إلا بلوتي وشقائيا
لقد جرح القلب الذي كان سالمًا
…
ومزقه حبًّا بعيدًا ودانيا
وألقى بسهم ليته ما أصابني
…
ولم يأت للقلب الذي كان نائيا
سهرت الليالي لا أرى فيه ساهرًا
…
سوى طيف هذا اللد قد لاح رائيا
يداعبني حتى إذا ما رأيتني
…
أداعبه انسلَّ مني ورائيا
يروح ويغدو شاردًا متهربًا
…
ويأوي إلى كل من كان خصمًا معاديًا
فليتك يا متبول قدرت حالتي
…
وأكرمتني بالوصل ما دمت راضيا
وليتك ترضيني ولو بزيارة
…
لأرجع قلبي منك إن كنت نائيا
وإلا فدعني في عنائي ولهفتي
…
لأبقى حزينًا طيلة العمر باكيا
1 الديوان: 45.
وهكذا يمضي الشاعر يصور تجربته الشعورية القوية في عاطفة صادقة وخيال خصب، وصور أدبية رائعة، وعبارات عذبة رقية، وأسلوب جزل حلو، يكشف عن معانيه بلا غموض أو إبهام، فتأخذ موقعها من العقل حين تستقبلها الأذن مباشرة؛ لأن الشاعر يعبر بصدق عن وجدانه في وضوح وشاعرية ملهمة.
لم يسلم الشاعر من هفوات لا تغض من شاعريته، ويكفينا شعره الوجداني في الدلالة على ذلك، وهذه الهفوات قد وضحنا بعضها في مجال الأغراض، وهي بإيجاز:
روح التعبير النثري في بعض الأغراض الأدبية عنده مثل المدح والشعر الإسلامي، والرثاء، فنرى الشاعر يتحدث فيها مع عامة الناس بلغتهم الدارجة الواضحة الدانية؛ لأن الشعر له لغته القوية المتدفقة بالمشاعر، ويعتمد على الإيحاء والأضواء والتصوير القوي، مما يثير الوجدان في الآخرين، ويلهب مشاعرهم، ويحفز عواطفهم لإثارة الانجذاب، وذلك في مثل قوله:
أمل العرب يا إمام البلاد
…
داعي الخير والهدى والرشاد
حامي الدين والشريعة حقًّا
…
ناصر الحق في الربا والبوادي
ناشر العدل والمساواة فينا
…
قائد الشعب يا ابن خير التلاد
يا مليكي فدتك نفسي وروحي
…
أنت نور العيون في كل نادي
كل فرد من شعبك المتفاني
…
يتمنى لقياك كالمعتاد1
وهكذا يسير في القصيدة كلها على هذا الأسلوب النثري الدارج بين المتخاطبين في مثل هذه المواقف مع شرف المضمون وعمق المعنى وجميل المقصد والغاية التي ترمي إليها القصيدة من الإشادة بوطنه الحبيب، والقيادة المخلصة الرشيدة التي حققت المجد والحضارة له.
ثانيًا: البديع والضرورات
لم يخل شعر الألمعي من قصد البديع، واتخاذه وسيلة في التصوير الأدبي، وإن كان عصره قد ولَّى، ومدرسته قد ذهبت مع التاريخ، لكن الشاعر قد يميل إليه حينًا، وهو ما أشار إليه الدكتور زاهر عواض في مقدمة الديوان يقول:
"وبعد: فهذا "عبير من عسير"، وكفى.... فليس من الإنصاف أن أقدم ديوانًا من الشعر هو يقدم نفسه لقارئه، فقديمًا قالت العرب: الكتاب يعرف من عنوانه، والظاهر عنوان
1 الديوان: 76/ 77.
الباطن.. وشاعرنا الفاضل "يحيى الألمعي" لم يبرأ من علة السجع والجناس، فعنوان ديوانه بهذا العنوان "عبير من عسير"1.
والحق أنَّ الشاعر لم يغلب عليه الاتجاه البديعي في شعره، لكنه مع نذره اليسير يؤخذ عليه التكلف فيه، وحمله على المعنى بلا داع ولا هدف يسمو بالشعر، يقول:
أيا خالدًا "لازالت في الناس خالدا"
…
ولا زالت في أوج المفاخر صاعدًا
حليم حكيم زاده الله رفعة
…
فكان كما البدر المضيء إذا بدا
وما خالد إلا خلود تخلدت
…
أفاء عليه في الخافقين مسددًا
والتكلف البديعي ظاهر في قوله: "يا خالدًا وخالدا"، و "حليم وحكيم"، و "وما خالد إلا خلود تخلدت".
أما الضرورات الشعرية من أجل الوزن والقافية التي اضطرت الشاعر إلى اعتساف الخطأ في مواضع يؤاخذ عليها، ووضحت بعضها قبل ذلك، ونكتفي به هناك.
ثالثًا: معالم الجنوب في شعره
الشعر القوي هو ما يحمل إلينا الواقع الذي يعيشه الشاعر في بيئته، فالبيئة أصبحت جزءًا من الشعر، ومن عواطفه وأحاسيسه، لذلك كان يحيى وفيًّا لوطنه الصغير في الجنوب، لا ينسى جماله وسحره، ولا الذكريات التي تردد صداها في جنبات المواطن الكثيرة، يقول:
مناظر في ربانا ساحرات
…
ستغدو مقصدًا للسائحينا
ترى في السودة الشما رياضًا
…
وغابات تسر الناظرينا
وفي القرعاء مصطاف جميل
…
ونزهة خاطر للصائفينا
وفي أبها البهية كل شيء
…
جميل صالح للقادمينا
فالسودة والقرعاء والمحالة وأبها، كلها مناطق ساحرة في منطقة الجنوب، يتزاحم فيها المصطافون كل عام في الصيف لقضاء أجمل أوقات العمر وأحلاها من أبناء المملكة والخليج العربي وغيرهم.
وتظهر لهجة الجنوب وهي من خصائصه في كلمة "الضامئينا" فالمشهور في لغة القرآن الكريم "الظامئينا" بالظاء لا بالضاد، ومع ذلك فهي لهجة اشتهرت في جنوب المملكة العربية السعودية، ومثل قوله في قصيدته "ذكريات وتساؤلات" 2:
1 مقدمة الديوان: 15/ 16.
2 الديوان: 168/ 170.
سل ربا أبها لتعطيك الخبر
…
سل ذراها والفيافي والشجر
سل رياضًا في "عسير" إنها
…
تمنح النفس سرورًا مستمر
في "رجال" في بني زيد" وفي
…
"ألمع" قد طاب لي فيها السمر
عند وادي "العوص" في أقصى الذرى
…
عندها الأشجار لا تبغي المطر
في "كسان" في "لصاف" و"البنا"
…
في "حلى" ذقنا حلاوة السهر
في ذرى "قيس" وفي "الميل" الذي
…
مال قلبي فيه أحلام الصغر
وما بين الأقواس مرابع ومنازل في "رجال ألمع" من تهامة عسير، عاشها الشاعر وذاق حلاوتها ومرارتها، وتجاوبت مشاعره معها، وخرجت شعرًا من معامل تجاربه الشعرية لتعطي صورة واضحة عن الجمال والسحر في مواطن الجنوب، في عسير، المنطقة الخضراء في المملكة العربية السعودية.
رابعًا: الوحدة الفنية في شعره
الوحدة الموضوعية في شعر يحيى الألمعي قد تحققت في شعره كله، فالقصيدة عنده تقوم على موضوع واحد، بلا تعدد في الأغراض والموضوعات.
والوحدة الموضوعية إذا ما تحققت في الشعر الوجداني تحققت الوحدة الفنية بالتأكيد، التي تقوم على التلاؤم بين التجربة والعاطفة والمعاني والخيال والمشاعر والخواطر، وبين الألفاظ والأساليب والصور والموسيقى، وبذلك يتحقق الصدق الفني في تجربة الشاعر الشعرية، وكل ما مضى من قصائد في شعر الوجدان ابتنى على الوحدة الفنية، ونذكر قصيدة أخرى أنشدها الشاعر في عام 1387هـ، وهو في الطريق من أبها إلى خميس مشيط1 يقول:
في المروج الخضر في الأرض الجميلة
…
في رياض يانعات مستطيلة
وخرير الماء يسبو في الذرى
…
ونسيم الصبح يعلو في المسيلة
وتصد الطيور وتشدو بالغنا
…
فوق أشجار وأغصان جميلة
في ربا أبها التي ناجيتها
…
ذكريات كلها كانت طويلة
كم شفيت النفس في أكامها
…
وجرت فيها دموع مستغيلة
ونمت في الأرض آهاتنا
…
دوحة الحب وأشجار خميلة
لست أدري ما الذي صيرنا
…
نذرف الدمع ونحيى كل ليلة
1 الديوان: 159/ 160.
نتناجى والهوى يمنعنا
…
أن نبيح السر في تلك النثيلة
دأب القلب على كتمانه
…
وأبى أن يذكر الحال العليلة
قلت يا هذا ألا ترحمني
…
وتريح القلب بل تشفي غليله
ثم إني أيها الصب الذي
…
قد جفاني واختفى مني بحيلة
لم أعد أسطاع هجرانًا ولا
…
يستطيع القلب أن يسلو خليله
فرجائي الوصل دومًا دائمًا
…
ولقاء ليس يخبو أو تزيله
عالج النفس وأطفيء نارها
…
بمياه الحب لا أرضى بديلة
موضوع واحد من خلال تجربة صادقة المشاعر ملتهبة العاطفة قد انسابت معانيها في ألفاظ قوية جزلة وأساليب عذبة رقراقة، وصور تموج بالألوان والحركة والطعوم والروائح التي امتزجت بروافد القصيدة، كما امتزجت بالطبيعة الساحرة في أبها وخميس مشيط، كل ذلك يتلاحم في إطار الوحدة الفنية، تشد القصيدة في جميع روافدها وعناصرها؛ لتكوّن صورة كلية واحدة تعبِّر عن مشهد واحد تفجَّرت به تجربة الشاعر الشعورية.