الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: الشاعر أحمد العسيري
أحمد عسيري - نشأته وحياته:
الشاعر أحمد علي عسيري، من مواليد قرية "آل زيدي" في أبها، ولد عام "1366هـ"، وتوفي والده وهو في الرابعة من عمره، ودخل المدرسة "السعودية" بأبها عام "1374هـ"، ثم انتقل إلى "مكة المكرمة"، ودخل دار الأيتام عام "1375هـ"، وفصل منها، ثم عاد إليها، وظلَّ يتقلب في المدارس حتى وصل إلى قسم اللغة العربية في كلية الشريعة "بمكة المكرمة"، ثم تركها ودخل كلية "الأمن الداخلي" عام "1390هـ"، ثم تخرج برتبة ملازم ثاني، ويعمل الآن في شرطة "جدة"، له ديوان شعر مطبوع "في متاهات الحياة"، وله كتب تحت الطبع1.
ومن خلال تلك النشأة والحياة التي تعتصرها المرارة والألم في مرحلة هي أشد ما تكون إلى عطف الأم وحنان الوالد تمزقت حياة الشاعر، فكان شعره قطعة من العلقم الذي شعر به، وفاض به في قصائده، ليصور آلامه وآهاته، وأحزانه وتمزقه في إطار من القلق والحيرة والشكوى، وذهاب الأمل، والتيه في غياهب السراب والضباب.
كان من وراء هذا الاتجاه الأدبي عوامل لاذعة هي التي نزفت من نشأته وحياته من أهمها:
أولًا: في الرابعة من عمره فقَدَ والده، مصدر العطف والحب والولاء والطاعة، والتعاون والرعاية، وحفاز الآمال ومحقق الرجاء، وصدره المفتوح، وظهره الذي يحميه، ويدفع عنه، فقد كان ذلك في باكورة حياته وأخطر مرحلة يمر بها الطفل مرحلة يكون تسجيل الطفل لما حوله عن طريق إحساسه، ومشاعره، وعواطفه، صادقًا ودقيقًا وعميقًا؛ لأنه ما زال قريب عهد بالفطرة البريئة الصافية.
ثانيًا: والفطرة البريئة الصافية في تلك البداية المريرة تتطلع إلى الكون من حولها؛ لتجد عوضًا وتسلية وسلوانًا، فتتملي من آيات الجمال على صفحة الطبيعة الساحرة ما يشغلها، وتتجاوب معها، هي طبيعة أبها الأخاذة، وروعة الحياة في الجنوب، وجلال الكون من حولها، ووقار الجبال الراسيات فيها، ورقرقة المياه المنسابة والسارية في مجاليها، وابتسام الزهور لثغرها،
1 الديوان: في متاهات الحياة للشاعر، تقديم الشاعر محمد حسن عواد، جدة عام 1393هـ-1973م.
وتعانق الأشجار في غاباتها، وجد في ذلك كله عوضًا وعزاء وسلوانًا مما كان له الأثر الكبير في تفجير مشاعره وشاعريته.
ثالثًا: يلجأ في مكة المكرمة إلى الحضن الدفيء للوالد الكبير راعي الأمة؛ حيث دار الأيتام؛ ليشعر بيد البشر الحنونة، ونظرة الإنسان الدافئة من حيث الرعاية والحفظ والتوجيه والبناء العاطفي والوجداني، فلما أحسَّ بأن اليد ليست يد أبيه الوالد، والنظرة ليس فيها دفء الأب الحقيقي، فرَّ من الدار وانفصل عنها، لكنه وجد نفسه في فراغ بلا يد، وبلا نظرة فاضطر عائدًا للمرة الثانية إلى الوالد الكبير، ونظرة الإنسان الرحيم إلى دار الأيتام؛ ليشق حياته في العلم والتعليم، ويفتح صدره لقدره المحتوم.
رابعًا: تدرجه في سلم التعليم، حتى وصل إلى قسم اللغة العربية في كلية الشريعة، ليخصب حقله اللغوي والأدبي من هذا الميدان التعليمي الثري بلغته وأدبه وفكره واتجاهاته؛ ليعينه على تنمية موهبته الشعرية، وصقلها وتهذيبها بعد أن تفجرت من ذي قبل.
خامسًا: بعد أن حدَّد اتجاهه في سلم التعليم، ومكَّن موهبته الشعرية من حقل اللغة والأدب، حفزه الأمن الذي كان منذ الصغر يبحث عنه ولا زال، فالتحق بكلية "الأمن الداخلي" ليؤمن حياته، ويشق شاعريته وهو في ظلال لقمة العيش الكريمة، وهي ترفرف عليه في عزم ورجولة، وتهمس في أذنيه، فيتردد صدى الهمس بين جوانحه وفي جنبات أحشائه، أصبحت رجلًا.. إنسانًا.. شاعرًا.. ضابطًا.. مكافحًا من أجل الإنسان والقيم الفاضلة والحياة.
الأغراض الأدبية وخصائصها الفنية:
أولًا: شعر الوجدان والتأمل
هذا الغرض من شعره ينزف به وجدانه، ويسبر به أعماق نفسه، ويبحث عن ذاتها في الضياع في تصوير أدبي يفيض أسى وحزنًا، ويقطر ألمًا ودمًا، يسوده القتام "والبؤس والحرمان، فهو يمثل حياته بصدق ودقة، يقول في "ومضة" تكشف عن موطنه في الجنوب:
ولي في "الأزد" عرق منه أصلي
…
ونعم الجد من "شهر" النجيب
ورثت العزم من أهلي وأرضي
…
سراة الأزد أم للعريب
وللإنسان في قلبي مكان
…
فذا الإنسان يا قلبي حبيبي
وما فخري بقومي غير ومض
…
ينير النفس للفعل المصيب1
لكن الشاعر العسيري ترك موطنه الذي ولد فيه، وتاه في دروب الحياة التي امتلأت بالشوك والماء يقول في قصيدته:
أين دربي في حياتي
…
والدجى غطى رباها
أبذل الجهد ولكن
…
ضاع جهدي وتناها
مذ طواني الدهر طيًّا
…
مذ رماني بشظاها
وبحثنا عن طريق
…
يمنح النفس مناها
فرأيت الدرب شوكًا
…
وضياعا ومتاها2
وتاه في الحياة من طول الضياع، فهو يخرج من متاهة إلى أخرى، وأجمل حلم يراه هو انتباهته بقدر ما يميز بين درب ودرب، وفي متاهاته تهديه الحياة الضياع، يقول في "آه من طول الضياع":
1 في متاهات الحياة: 19.
2 الديوان: 20.
كم رأينا الليل فجرًا
…
وأمانينا قريبه
فإذا بالفجر ليل
…
إن ذي الدنيا عجيبه
كم مشينا لا نبالي
…
أي حزن أو مصيبه
فإذا بالحزن بحر
…
ضعت في "لج" رهيبه
رأيت الدرب ماء
…
وأراني في صراع
كلما غيرت دربي
…
واجهت نفسي متاهه
أجمل الأحلام في
…
قلبي وفي فكري انتباهه
وإذا بالدهر يهدي
…
وجهتي نحو الضياع1
يغوص الشاعر في أعماق الضياع، وهو يخبط في متاهات الحياة، فإذا خواطره الإنسانية في دموع يذرفها على إنسانيته المهدورة، لكنه من خلال الشعر الوجداني المحموم تتجسَّد روح الإسلام العادلة التي ترد كيد الظالمين للضعفاء والمظلومين، فيرفع يديه إلى السماء في سكون الليل البهيم، فيتردَّد الدعاء في جنبات السماء، فترتد صاعقة توقظ الحائرين والمعتدين، وكيف يدعو الإنسان على أخيه الإنسان بالزوال والموت، فصفة القربى الإنسانية ميثاق وأواصر بين البشرية جمعاء، لا تفرق بين إنسان وآخر، فلماذا العنصرية؟! وإنها العنجهية! وإنها الصراع والتحطيم والموت والضياع، فلماذا لا تزرع المحبة؟ فيعي الإنسان دربه.. يصور هذه المعاني وأكثر في مشاعر متدفقة وعاطفة مشبوبة وتجربة شعرية صادقة، كابدها الشاعر عن كثب، ووجدان ملتهب تؤججه القيم الإنسانية المهدورة في عصر الماديات المسرفة، والتيه والقلق والضياع في قصيدته "خواطر إنسان تائه":
أيها الإنسان لا تطغ عليّا
إن ظلمي قوة ملك يديّا
دعوة في الليل لا تبقيك حيّا
لا تلمني إن دعوت
فتزول وتموت
عصرنا يسعى ولكن للخطر
يا أخي إياك أن توري الشرر
يا أخي إياك تفني البشر
أنت منهم وأنا
آدم جد لنا
فلنقدس جدنا
1 في متاهات الحياة: 21/ 22.
إن في القربى لميثاق أواصر
فاغتنمها فرصة إن كنت قادر
لا تفرق بين إنسان وآخر
ولماذا العنصرية؟
إنها العنجهية!
أيها الإنسان ماذا في الصراع
غير تحطيم وموت أو ضياع
حبذا لو ضمنا درب اجتماع
نزرع الأرض محبة
فيعي الإنسان دربه1
تجديد في الإيقاع والوزن والموسيقى، وإن كان يسير على نظام "المقطعات" التي تتغير في الحجم والشكل والقافية، لكن الإنسانية لا تتغير، مهما اختلفت العنصرية، فهو شاعر وإنسان، وفوق هذا "مسلم عربي" لا يفرق دينه بين إنسان وآخر، وذلك في قصيدته "عربي يقول:
من أنا؟ من ضاع بين الدروب؟
لا يرى غير ظلال من غروب
ضاع دربي بين آمال تذوب
من أنا يا زورق الأحداث من؟
تائه في عصره يشكو المحن
عربي أبي ضاع في طي الزمن!! 2
لكنه عاش في "الواقع الأليم والمركب التائه":
لقد غبت عن عالمي برهة
…
أناجي خيالي وأشدو حزين
أعلل نفسي بإشراقة
…
تضيء دربي فأنسى الأنين
1 في متاهات الحياة: 31/ 34.
2 في متاهات الحياة: 46.
ففي واقعي كما أرى تائهًا
…
وإن أنا أول التائهين
أقلب طرفي وبي لهفة
…
إلى عالم فيه يحيا اليقين
شربت الحياة بأكوابها
…
فما ذقت فيا سوى دمعتي
وغنيت فيها بقيثارتي
…
فذابت على نغمتي مهجتي
تأملت فيها جمال الوجود
…
فتهت على مركب الحيرة
أجوب البلاد وما أهتدي
…
وهذا الضياع على صورتي
أقلب طرفي لعلي أرى
…
طريق يقين يزيل الظنون
ولكن طرفي به حيرة
…
من الناس حتى نفيت اليقين
وهكذا إلى آخر القصيدة يصور نفسه في مركب تائه من الألم، ينتهي به إلى الضياع، وقلبه يسيل أسى من الحياة التي تذيب الحياة:
فهذي الحياة تذيب الحياة
…
وهذا فؤادي فيها يسيل1
لكن الشاعر الملهم هو الذي يجد في قيثارة الشعر العزاء الذي ينسيه همومه، والدواء الذي يخفف آلام الحياة، يقول الشاعر في "قيثارة":
قيثارتي تشدو ودهري يسمع
قيثارتي ثكلى وأم ترضع
تبكي الصبا يمضي فلا يسترجع
وترضع الأحلام من ثدي الألم
قيثارتي لحن وأوتار هزيله
ناجيتها هات فقالت لي عليله
الحزن يدميني وأوتاري ذليله
قيثارتي شعري وعمر كالوتر
قيثارتي الثكلى وعمري المنتحر2
1 الديوان: 57/ 63.
2 في متاهات الحياة: 69.
وهكذا صارت حياته بؤسًا وشقاءً، وحزنًا وآلامًا، وشكوى وتضعضعًا، وإسرافًا في إطلاق المشاعر، وطغيانًا في الوجدان، لكن إنسان من البشر يعيش مع الناس في هذا القرن له "حق الإنسانية"1، وأمام ظلم البشر للإنسان، هل يستجيب له القدر، وتحضنه الحياة، ويحنو عليها الدهر، وذلك في قصيدته "لو يسمح القدر"، بعد أن اعتصرته مرارة البؤس والشقاء في قصيدته "حياة في القرن العشرين"3.
هذا هو شعر الوجدان بسماته وخصائصه التي جعلته غرضًا شعريًّا متميزًا في شعر العسيري، فهذا الغرض يعبّر بصدق ودقة عن حياة الشاعر، فالوجدان فيه هي حياته، والشعر الصادق هو الذي يرسم فيه الوجدان حياة صاحبه في شعر محموم وعاطفة جياشة، ومشاعر رقيقة، وتصوير أدبي رائع.
إن شعر الوجدان في شعر العسيري يؤرخ للشاعر حياته المريرة وعلاقاته بالناس من حوله، وموقعه في دنياه،
…
دنيا القرن العشرين.
ثانيًا: الشعر الإسلامي
والشعر الإسلامي هو أكثر شعر العسيري بعد الشعر الوجداني، ويغلب عليه الجانب الإنساني العالمي، فالإسلام دين عالمي عام لكل البشرية، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} 4، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 5.
وفي عام 1948م أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة حقوق الإنسان العالمية، حينئذ ذكر الدكتور عثمان خليل 6 أنَّ الإسلام منذ خمسة عشر قرنًا أقر هذه الحقوق العالمية للإنسان، مثل المساواة، وتحقيق الحريات في التملك والعقيدة والعمل والمحافظة على الحرمات.. وهذه المبادئ الإسلامية هي التي جعلت الدين الإسلامي ينشر سماحته شرقًا وغربًا بلا إكراه، وبمجهود ضئيل، وبغير دعوة مطلقًا.
1 الديوان: 70.
2 الديوان: 72.
3 الديوان: 93.
4 سورة سبأ: آية 28.
5 سورة الأنبياء: آية 107.
6 الديمقراطية الإسلامية: 35/ 56 القاهرة 1958م.
ويقر بعالمية الدين الإسلامي وإنسانيته المستشرق توماس أرنولد، فيرى:"أنَّ في هذه اللحظات التي تطرق فيها الضعف السياسي إلى قوة الإسلام، ترى أنه حقق بعض غزواته الروحية الرائعة، فالأتراك السلاجقة والمغول كانوا فاتحين غالبين، ومع ذلك اعتنقوا ديانة المغلوبين، وهو دين الإسلام"1.
وأحمد العسيري في شعره الإسلامي خرج به إلى تلك الآفاق الإنسانية، التي دعا من أجلها الإسلام، وهذا الجانب الإنساني العالمي لاقى هوى من نفسه، التي تلهث بالآهات والأحزان والآلام من كيد الظالمين المعتدين، الذين اعتدوا على كرامة الإنسان وحقه وحريته في أي موقع من أرجاء المعمورة، يصور مشاعره هذه في قصيدة "الدنيا ص35-36"، وقصيدة "يا عالمي ص37، 39"، وقصيدة "العاصفة ص49، 52"، وقصيدة "حديث مع الزهرة ص64، 67"، وقصيدة "إنسانية ص72، 78"، وقصيدة "إلى أعدائي ص86، 92"، وقصيدة "نكسة أخرى ص47، 48" بمناسبة نكسة حزيران المشئومة.
والعسيري يصرح في وجه العالم بقصيدته "يا عالمي"، ويقول مقدمًا لها: "في الهند مجاعة، وفي فيتنام النار، وفي فلسطين الطغيان، وفي نيجيريا الانقسام، وفي اليمن مجازر، وفي كل ركن من أركان الدنيا جائعة، وينفث آهاته وأحزانه على ظلم الظالم للإنسان، فيقول في هذه القصيدة:
يا عالمي إني هنا أبكي المصير
…
ألا ترون
دمعًا مراقًا ثم جوع والفقير
…
أو ترحمون
فقر طغى- ظلم- وحرب- وشرر
…
أو تنكرون
في كل أرض صرخة هل من مجير
…
لم تضحكون؟
عقائد قد ألهبت هذا السعير
…
فستندمون
1 الدعوة إلى الإسلام: توماس أرنولد ص26 النهضة المصرية 1957م.
"الله أكبر" قلتها والأمر شر
…
في ذي الحياة
"الله أكبر" قد طغى أمر الشر
…
وبلا أناه
"الله أكبر" دق ناقوس الخطر
…
أين النجاة
"الله أكبر" صرخة فيها العبر
…
مما نراه
"الله أكبر" ذا وجود ينتحر
…
هل من صلاة؟
ذا عالم يسعى بعزم مستمر
…
وبلا اتجاه
يا رب أني تائه بين الدروب
…
أين الطريق؟
ذا عالمي يسعى ولكن للغروب
…
بعد الشروق
يا رب صدري الرحب قد مل الكروب
…
عافى البريق
رباه عالمنا غريق في الذنوب
…
وفي المروق
فقنابل ذرية أين الهروب؟
…
وهل نطيق؟
للكيمياء خنقه.. لا.. لا هروب
…
ضاع الطريق
كم دمعة فرشت بساطًا من عذاب
…
كم من جريح
كم صرخة خارت فماتت في التراب
…
كي تستريح
كم شهقة.. كم أنة تشكو العذاب
…
كم من طريح1
وهذا الاتجاه الإسلامي الإنساني العالمي نجده في شعره الإسلامي من قصيدته "حديث مع الزهرة":
إني على شك من القيم
…
أوحته أحداث على عظم
في العالم الأرضي ملحمة
…
في القدس في الأردن في الهرم
في الشرق جزار ومذبحة
…
في الغرب تأييد من النظم
في كل يوم من الدنيا حدث
…
والعرب تلهو من ذرى الوهم
قضيت في هم وفي حزن
…
أرعى نجوم الليل لم أنم
نادتني الزهراء قائلة
…
مالي أراكم رؤية العدم
إلى قوله:
ما كنت أرضى بالهوان ولا
…
أرضى ولا شعب من الأمم
فأجبت يا حسناء قد غربت
…
شمس وآبت موجة الظلم
ابك معي قومي وعزهم
…
ذل أصاب العرب في الهمم
إلى قوله:
قالت لي الزهراء لائمة
…
نصركم بالدمع والكلم
المدفع الهدار يكسبكم
…
نصرًا وليست هيئة الأمم
إن رمت حقًّا إن مكمنه
…
في القوة الهوجاء في الحمم
دبابة الميدان هي سند
…
والمدفع الغضبان في القمم
1 في متاهات الحياة: 37/ 39.
والطير في الأجواء حائمة
…
تبقى جموع الجيش كالرمم
ما مات حق أنت تطلبه
…
بالفعل لا بالقول والحلم1
ويتضح أيضًا هذا الاتجاه الإنساني العالمي في شعره الإسلامي الذي يغلب عليه مذهبه الشعري من التحرر في التجديد، وما يتسم به شعره من الوجدان الثائر المحموم الذي يعصف بأعداء الإنسان في أي مكان، وذلك في قصيدته "إنسانية" ويقول في تقديمها:"عندما يعيش الإنسان بين مجموعة من البشر.. أحد أفرادها يضر به، وأحدهم يغضب أرضه، وثالثهم يحكم عليه بالأمر الواقع،.. عندما يعيش الإنسان هذا الواقع المرير، ينظر يمنة ويسرة، يتذكر الماضي، ويمقت الحاضر، ويتشاءم من المستقبل.. رغم2 أننا في عصر علمي" ومطلعها:
أنا الإنسان في الأرض
…
أراني الفاني المعدم
فعلمي بات يرميني
…
إلى جهل مما أعلم
إلى قوله:
ودمعي موجة حري
…
لأني كنت في المأتم
أنا الإنسان في الأرض
…
أراني الفاني المعدم
فنفسي سوف أنعيها
…
وأنعى أمة توصم
وأنعى أمة كانت
…
تقود الأرض لا تهزم
إلى قوله:
تردت في متاهات
…
من اللذات كي تنعم
ولا زالت على حال
…
تثير الحزن في المسلم
ألا تبًّا لإنسان
…
يميت الروح في المأتم
أيهوى لذة الدنيا
…
ويعصى شرعه الأعظم3
1 الديوان: 64/ 67.
2 رغم: والصواب على الرغم من....
3 في متاهات الحياة: 72/ 78.
ثانيًا: الرثاء
وهذا الغرض لا تجده إلّا في قصيدة واحدة من ديوانه، ويخرج فيها الشاعر على النمط التقليدي المعروف في الرثاء القديم؛ من ذكر مآثر المرثي ومحامده التي اتصف بها في الماضي، وبذ أقرانه فيها، بل مضى الشاعر في هذا الغرض يسير على مذهبه الشعري الوجداني الإبداعي من التغني بأحزانه وآلامه، ويسكب دموعه وعبراته من وجدانه على نفسه، ثم يتأمل حقيقة الحياة في تيهٍ وحيرة، يقول في قصيدته "دموع الحياة" ويهديها إلى روح الملازم عمر سلطان الطجل:
أتاني يقول فقدنا الصديق
…
فقدنا الخطيب فقدنا "عمر"
تأملت ما قاله في خشوع
…
وغامت ظنوني وحار النظر
ثم يدير العسيري حوارًا بينه وبين الحياة في ثوب قاتم حزين؛ ليقف من خلال الحوار على حقيقة الحياة والموت، والشك واليقين، والناس يركبون زورق الحياة، يسيرون في ظلام دامس، فمنهم من ضل وارتدى لباس الرياء، وطوى قلبه عذاب الحياة، فيرسو زورقه في سقر، وطوبى لزورق أعطى راكبه حق الحياة، وحق الآخرة معًا، وخشي الله وشكره، يقول:
أرى في الوجود دموع الحياة
…
تسيل على خدها تحتضر
فتحفر في الخلد جرحًا عميقًا
…
عليه أرى قوة المقتدر
فأهمس للنفس في رهبة
…
أراك تمجين هذا الأثر
فقالت: أراك تقول الحقيقة
…
إن الحقيقة شيء أمر
أمر من الموت لو تعلمون
…
وأسمى طبائع من يقتدر
أتسمح للفكر في رحلة
…
تجوب المعاني وتملي العبر
فقلت: المعاني في عصرنا
…
عليها من الشك ثوب ستر
ففي الشك بحث كذا وفي اليقين
…
علوم يجادل فيها البشر
رأيت الشك بحث كذا وفي اليقين
…
علوم يجادل فيها البشر
رأيت الحياة لها مركب
…
عليه من الشك زاد السفر
فما تتمناه من غاية
…
فعمَّا قليل تراها تضر
نعيش الحياة على زورق
…
يسير بنا في ظلام فغر
ومرساه صعب لمن يرتدي
…
لباس الرياء وقلبًا فجر
فوارحمتاه لمن قد حوى
…
عذاب الحياة ويلقى سقر
وطوبى لمرء رأى في الحياة
…
سرورًا يزول فهاب الأخر
وعاش يغني لما في الوجود
…
ويشكر ربي على ما أمر
وأقصى ما يذكره العسيرى من ثناء الراحل أنه فقد فيه الشباب الناضر، وفقد في نفسه المعاني لمن يبتغيها منه، فهو في حيرة من أمره، فقد سيق الصديق المرحوم إلى رمسه في
رهبة وخفوت وأسدلوا عليه الستار، وغطوه بالتراب، وعاد المشيعون في حيارى لا من صديقه، ولكن الحيرة كل الحيرة من حقيقة الحياة والموت التي أعقبت حسرة في نفس الشاعر، وقرحت جرحًا على خده، وعشى عنها البصر، وترددت أصداء الحيرة في الوجود، لتقرر أن الإنسان عاجز عن فهم الحقيقة التي لا يدركها إلا الله وحده سبحانه وتعالى، خالق الوجود "يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير" والدموع والتسليم هما الأمل الذي يبدد الحيرة والشك، والرضا بالقضاء والقدر هو تسبيح العاجز أمام جبروت القوي القادر، وحلاوة العلقم في الختم صلاة الضعف أمام الخالق العليم، فالأول والآخر والظاهر والباطن هو وحده يعلم حقيقة الوجود
…
يقول العسيري:
أتاني يقول فقدنا الصديق
…
فقلت فقدنا شبابًا نضر
فقدت المعاني من فقده
…
فماذا أقول لمن ينتظر
شعوري إذا ما فقدت الصديق
…
وساقوه في رهبة للحفر
وغطوه التراب في رمسه
…
وعدنا حيارى ولا من "عمر"
فماذا أقول وبي حسرة
…
تقرح خدي وتعشى البصر
أرى في الوجود دموع الحياة
…
وألمح فيها دبيب القدر
وينعتق في الركب صوت الأفول
…
فيرسم في الكون شتى الصور
وفي الرسم روح تسوق الحياة
…
إلى حكمة حار فيها النظر
ويحفر في الفكر هذا الغموض
…
صلاة الضعيف أمام الخطر1
1 في متاهات الحياة: أحمد العسيري
رابعًا: الهجاء
"وفي متاهات الحياة" نجد قصيدة واحدة من هذا الغرض الأدبي بعنوان: "الغر"، وسار فيها الشاعر على نمط جديد أيضًا، لا يتبع فيه منهج الشعر القديم في الهجاء من السباب والقبح، والفحش في القول، والوصف البذيء، وغير ذلك مما هو معروف في هجاء الهجائين القدامى.
لكن العسيري يرى فيمن هجاه أنه غر جاهل، وأن نور العلم سيقذف به في التيه والأوهام، وحينما يصطدم بالحق يتمادى في السخط، وتعتصر مقلتاه بالشر، فهو يقطع عمره لا في بناء الحياة وتقدمها، ولا يتم ذلك إلا بوحدة الجماعة واعتصامها، لكنه يفني جسده لهدمها، فيزرع البؤس والذل ليحصد شقاءه وآلامه.
وينبغي أن يعلم الجميع أن مثل هذا الغر الجاهل والأحمق سيتحطم في زوايا الحقد، ويتمطى في ثياب السخط، وتنزف عيناه بالشر واللهب، فهو عليل الفكر، ينهش عرض الجار، ويظلم العقلاء المخلصين بزهوه وخيلائه يقول في مطلعها:
هزيم اللذة الغاوي موات
…
يصيب الناس إن أبقوا عليه
وينخر في تلافيف الحيارى
…
ويحلم أن قيدي في يديه
وقيدي عزة تصبو إلينا
…
سمت فينا وما كانت لديه
وفكري سوف يحميني بنور
…
يذيب الغر في حلم وتيه
وقيد الحق أوهى كل قيد
…
رءوف المس إن سقنا إليه
وما في الباطل المجنون عز
…
وعز الحق أن تدني بنيه
هزيم اللذة الغاوي رآني
…
أقول الحق فيما ينتويه
تمادى في ثياب السخط حتى
…
رأيت الشر في مقلتيه
وأملي فكره المغرور غيًّا
…
تعالى في كراماتي بفيه
أأجني جذوة من كل قول
…
ترم الجسم يا ويل النبيه
يهد العمر يبني حياة
…
تشل البؤس أو تقضي عليه
ويحفر في قلوب الناس نبعًا
…
رحيق العدل يسقي شاطئيه
فيقبر في تراب الذل أجرًا
…
ويسعى رغبة الغر السفيه
أجيل الطرف في ركب الحيارى
…
يمر الدرب لا يدري بتيهي
سوى الإنسان والإنسان وصف
…
تواري في متاهات النزيه
ويرفع صوته الحيران يشكو
…
فتسمع قصتي من أصغريه
سأسمع للورى.. للناس قولي
…
وعز الحق أن تدني بنيه
وأترك في زوايا الحقد غرًّا
…
رآني أرشد الدنيا إليه
تمطي في ثياب السخط حتى
…
رأيت الشر يدمي مقلتيه
عليل الفكر كالمسموم يلهو
…
بعرض الجار أو ظلم النبيه1
وهذا الهجاء هو الذي ينبغي أن يتخذه الشعر غرضًا أدبيًّا، فهو يهذب الشعور وينمِّي الذوق، فهو هجاء يبني في الناس أخلاقًا، ويشيد فيهم الفضائل النبيلة عن طريق واضح وتصوير مباشر، ويحقر فيهم الرذائل لا كما في "أزهار الشر" لبودلير، فهو يزين الشر في تصوير جميل أخاذ ليصرف الناس عنه بطريق غير مباشر كما يدعون.
وهذا النمط من الهجاء يدفع بصراحة وقوة إلى قول الحق والتصدي للباطل، ويرغب في العلم، وينفر من الجهل، ويصوّر الغر الأحمق في أقبح صورة يتوقاها الإنسان في أيّ اتجاه، ويحذرها في كل خطوة، ويخشى على نفسه منها في كل حين؛ لأن العلم والحق والنور هو الذي يبني الحياة ويرفع الذكر، ويمضي أهله مع الخالدين.
ومما يجعل هذا النمط من الهجاء هو بغية الشاعر النابه والجادِّ في شعره، هو أن يظل خالدًا بهذا الغرض الأدبي الذي يسمو به في سماء الأدب الرفيع والشعر السامي، ويربأ عمَّا اتصف به هذا الغرض قديمًا من السباب والفحش، والتدمير والهدم لأشخاص بعينهم، أخملهم الشعر القديم، وذهب بهم مع أهل السباب والفحش، وربما يكون المهجو بريئًا مما نسب إليه، قد تحامل عليه الشاعر لحاجة في نفسه، عند ذلك يكون الهدم والتدمير.
لكن هذا النمط من الهجاء للعسيري يسمو بالغرض الأدبي للمعالي والبناء السامي؛ لأن الشاعر شغله تمجيد القيم السابقة عند ذكر الشخص المهجو أو التلميح إليه، مما جعل القصيدة تدور حول القيم النبيلة التي ينبغي أن يترسّم خطاها الغرّ والجاهل والأحمق؛ لتزول منه الصفات الذميمة من الجهل والحماقة والغرور، بذلك يكون قد رسم منهجًا جديدًا للهجاء في الشعر السعودي عامَّة، وفي شعر الجنوب العسيري خاصة.
1 الديوان: 83/ 85.
التصوير الشعري:
والتصوير الشعري عند العسيري يغرينا بالحديث عن تجربته الشعورية ومدى صدقها الفني، وعن ألفاظه وأساليبه، وعن الخيال وصوره الأدبية، وفي النهاية عن الإيقاع الموسيقي، وموسيقاه الشعرية: الوزن والقافية.
ذلك كله من خلال النقد العربي الأصيل، وذوق الناقد الذي هزه شعر الشاعر وتصويره الأدبي الرائع.
أولًا: التجربة الشعورية عند العسيري
لو أدار القارئ عينيه وقلبه ليعيش في "متاهات الحياة" مع العسيري في تجربة الإنسان الشاعر الذي عانى مرارة الحرمان في تجربة حياته الواقعية، وهو يتلظَّى بنار الوجد فيها، ويصطلي بوهج السعير المحرق،
عانى الشاعر تجربته في التصوير الشعري معاناة أليمة مريرة، أخذته من الوجود حوله، ليتمدد داخل وجدانه ومشاعره الذاتية، ولذلك لم ير غير ذات الإنسان حقيقة في الكون، تفجر شعرًا من أجلها ولها، حتى في لحظات المجاملة إذا رثى صديقًا، يلوي عنقه عن الصديق ليصور النفس والذات، وينسى أنه يرثي صديقًا حبيبًا إليه، لكنه في الحقيقة أنه يرثي نفسه وذاته؛ لأنها هي أقرب الأشياء إليه، وهي أصدق في التعبير عن نفس كل إنسان، وهذا هو الصدق الفني عمود التجربة الشعرية الصادقة الجيدة الشاعرة يقول:
فقدت المعاني من فقده
…
فماذا أقول لمن ينتظر
أو تجربة الهجاء التي ينصب فيها الهجاء على الشخص المهجو المغرور، ينعتق الشاعر من ذلك الجسد الموجود والواقع أمام أنظار الناس، ويتمدد في حنايا نفسه، ويغوص في أعماق تجربته ليصورها في تجربة شعرية ذاتية تتنزى ألمًا ومرارة، يقول:
وأملي فكره المغرور غيًّا
…
تعالى في كراماتي بفيه
أأجني جذوة من كل قول
…
ترم الجسم يا ويل النبيه
والواقع أنَّ ديوان الشاعر كله وخاصَّة ما يتصل بالشعر الوجداني، يعد تجربة شعورية.
لحياة العسيري المتكاملة الأجزاء، يصورها الشعر في الديوان بجميع أبعادها في دقة شاملة، وصدق فني، تتلاءم فيه كل المعاني والأفكار والمشاعر والأحاسيس مع الأخيلة والصور، والألفاظ والأساليب، يقول:
أبث شعوري للسكون لعله
…
يهيم بأشعاري فهام ورنما
فيالك من صمت أذعت مشاعري
…
لقد كنت يا صامتي سميعًا وملهمًا
وما قلت شعري رغبة في ترحم
…
ولكن نفسي قد أباحت ببعض ما
فلا تعجبوا فالحزن محراب نجوتي
…
ضحكي دعاء والبكاء تكلما1
والتجربة الشعرية عنده صادقة محمومة ببركان متفجر من مرارة الحياة، وظلام الحزن، وحميم الشر الذي يصيب من كأس النعيم، ليزداد جوى على جوى، وحسرة على لوعة، فلا يذوق منه إلّا الدموع، يقول العسيري في واقعه الأليم ومركبه التائه:
شربت الحياة بأكوابها
…
فما ذقت فيها سوى دمعتي
وغنيت فيها بقيثارتي
…
فذابت على نغمتي مهجتي
تأملت فيها جمال الوجود
…
فتهت على مركب الحيرة
أجوب البلاد وما أهتدي
…
وهذا الضياع على صورتي
ظلام الحزن أشقاني وأعيا
…
أأبقى في ظلام الحزن حيا
يصب الشر من كأس النعيم
…
لأني عشت في عصر الجحيم2
ولقد عبر العسيري عن صدق هذه التجربة في شعره، في الإهداء الذي قدم به ديوانه يقول فيه:
إلى الإنسان الذي يشق طريقه في الحياة بعصاميته
إلى كل إنسان ذاق مرارة الحرمان أو ضاع في متاهات الحياة3
ويقول:
فأذيب الحزن شعرًا
…
مد للإحساس عذرًا4
1 في متاهات الحياة: 41/ 43.
2 الديوان: 58.
3 الديوان: 17.
4 الديوان: 27.
ثالثًا: الألفاظ والأساليب
لا ينبغي في التصور عقد التلازم بين الصنعة الشعرية الفائقة وبين الدرجة العالية "الأكاديمية" في التعليم، وتجربة الباروي رائد البعث الأدبي والشعري في العالم العربي حديثًا هي الدليل الواقعي، فقد تتلمذ على دواوين الفحول من الشعراء القدامي فقط لا في جامعة متخصصة.
فالشاعر العسيري التحق بكلية الشريعة قسم اللغة العربية في مكة المكرمة لسنة واحدة فقط، وتركها ليلتحق بكلية "قوى الأمن الداخلي" في 12/ 3م 1390هـ؛ ليعمل بعد ذلك في شرطة "جدة"، وقدم لنا هذا الديوان لكي ينفي من التصور هذا التلازم، فالموهبة الشعرية لا تحتاج إلى "أكاديمية" التعليم، حتى يحصل الشاعر على الشهادة العالية في اللغة العربية وآدابها، ولكن الإلهام الشعري حقله الخصب هو اللغة العربية وآدابها، فالشاعر هو الذي يدرك أسرار اللغة، ويحسب بإلهامه العلاقات بين ألفاظها ومعانيها، وخاصة إذا كان مثل الشاعر العسيري، الذي عاش في حقول اللغة العربية وموطنها الأصيل؛ حيث تلقاها بفطرته السليمة، من ذوي الفطر الصافية حوله، فقد ازدهرت بين حقولهم اللغة العربية، لذلك لا تعجب أن يظل الشاعر مفطورًا على ما اشتهر بين قومه وعشيرته من لهجة، تمكنت من ألسنتهم بالسليقة، وما زالت بين أهل الجنوب حتى يومنا هذا، وهي:
أن ينطقوا الظاء ضادًا وبالعكس، ويكتبوها كذلك في كتاباتهم، وهذا ما عبَّر عنه العسيري في قوله:
ضل يبكي في خشوع
…
هل ستنجيه الدموع1
والمشهور في لغة القرآن الكريم "ظل".
والألفاظ والأساليب عند الشاعر لا تجد فيها لفظ سوقيًّا ولا عاميًّا، بل تمتاز بالرقة والعذوبة والجزالة والوضوح، والشفافية عن معناها، كما تجد الأساليب محكمة غير قلقة في مكانها، متلاحمة النسج بلا اضطراب.
والألفاظ والأساليب تتلاءم مع المعاني والأغراض في شعره، فقصيدته "دموع الحياة" يتلاءم النظم فيها مع الغرض في نسج من الألفاظ الدامية الجريحة التي تعبِّر عن قوة جبروت القادر:
1 في متاهات الحياة: 29.
أرى في الوجود دموع الحياة
…
تسيل على خدها تحتضر
فتحفر في الخد جرحًا عميقًا
…
عليه أرى قوة المقتدر1
وللنظم القوي في "الأحلام المنحورة" متلاحم ومتآخٍ لما يحمل من معانٍ وألفاظ: التبديد، والغيم، والوهم، والمسارب، وانتحار الصدر، والرجم بالحزن، والمتاهة، والقيظ، والبؤس والسقم وحصد الخسران، وغيرها مما يتلاءم مع الأحلام المنحورة، إلى آخر القصيدة:
يبدد الدهر أحلامي مع الغيم
…
وينثر العمر في داء وفي وهم2
وينحر الصبر في نفسي فيرجمني
…
بالحزن ما عشت لا يسهو عن الرجم
لكن الشاعر في قصيدة "العاصفة" يضطره الوزن أن يخطئ في إعراب الكلمة وذلك في قوله:
للقدس الحزين
عشرون عام
ويكرر الخطأ فيقول في نفس القصيدة:
عشرون عام
والقدس في القيود3
1 الديوان: 79.
2 الديوان: 96.
3 الديوان: ص50/ 51.
ثالثًا: خصائص الخيال والصور
والخيال في شعر العسيري خصب متجدد، يتفجّر من خلال عاطفة قوية متدفقة، تحرك المعاني والجمادات، فتجعل منها شخوصًا تحيا وتتحرك، لذلك فقد غلب التشخيص على صورة الخيالية، فيبعث في الشوق "وهو معنى مجرد" الحياة، فيصير شخصًا، فالشوق يذوي ويروي ويدمي المهج، يقول في قصيدة "شوق":
الشوق يذويني ويرويني اللقاء
…
والوصل للأرواح برؤ وشفاء
رباه هذا الشوق يدمي مهجتي
…
واللوعة الحرى على قلبي عناء1
وتدب الحياة في أحشاء قيثارته، وتسري الروح في جوانبها، وهي جماد لا يحس، وآلة لا تئن ولا تتألم، فيجعل الشاعر منهما إنسانًا يخاطبه، وشخصًا يتجاوب معه، فشاركه آلامه وأحلامه، وتستجيب أوتارها لآهاته وأحزانه، يقول لها مخاطبًا:
قيثارتي تشدو ودهري يسمع
قيثارتي ثكلى وأم ترضع
تبكي الصبا يمضي فلا يسترجع
وترضع الأحلام من ثدي الألم
قيثارتي لحن وأوتارى هزيله
ناجيتها هات فقالت لى عليله
الحزن يدمينى وأوتارى ذليله
قيثارتي شعري وعمري كالوتر
فيثارتي الثكلي وعمري المنتحر1
ومن صوره الخيالية الرائعة الجديدة التي تمثل واقع عصره العالمي وتكون من وحي ابتكاره الخيالي، وهي صورة العالم الذي سخَّر العلم لغير ما هو له، سخره في الحرب وإذلال الإنسان، لا للسلم والبناء، ولا لعزة الإنسان، وبهذا غرق العالم في الذنوب، وخرج عن
1 الديوان: 25.
2 في متاهات الحياة: 69.
الأديان والعقائد السمحة، باستخدام القنابل الذرية للدمار والإذلال، والسيطرة والاحتكار، فلا يجد الإنسان مهربًا، ولا يطيق سمومها القاتلة، لأنها سموم الكيمياء الخانقة، التي لا يفلت من قبضتها الذكي الماهر، مما يجعله يضل طريق النجاة، يقول مستغيثًا:
رباه عالمنا غريق في الذنوب
…
وفي المروق
فقنابل ذرية أين الهروب
…
وهل نطيق
للكيمياء خنقة..لا.. لا هروب
…
ضاع الطريق1
تصوير جديد وخيال بكر في شعره؛ لأن الشاعر يعاني تجربة عصره لا عصور خلت، وإنما يعيشها بوجدانه وأحاسيسه، وهي كثيرة منه مقطوعة "عربي"، وقصيدة "نكسة أخرى"، وقصيدة "طائر"، وقصيدة الواقع الأليم والمركب التائه"، وقصيدة "سمير الأحزان" وغيرها.
وتمتاز صوره الخيالية أنها تظهر في بعضها ملامح البيئة التي عاش فيها "في عسير"؛ حيث تنتشر فيها الجبال الشاهقة والتلال والنفود، يقول في قصيدة "أعدائي":
سوف تدمي بالصخور
من جبالي في "عسير"
من "نفودي" والتلال
سوف تطويك التلال
كم طوت فيها الرجال2
ثم يقول:
من ربا نجد ومن حول الحرم
من سراة "الأزد" من سيف التهم
من سراة "زهران" من كثبان "حائل"
من جبالي من مهودي
…
والسواحل 3
الديوان: 39.
2الديوان: 87.
3 الديوان: 88.
فجبال عسير والنفود والتلال والأزد وزهران والجنوب، والجبال والمهود، والسواحل في عسير كلها من بيئة الشاعر، التي عاش تجربتها، وخصبت خياله من مواقعها وإيحاءاتها وتاريخها المجيد.
ولم يسلم العسيري من خبط في بعض الصور الأدبية التي لا تغض من شاعريته بحال، وإنما هي مثل الملح في الطعام مثل قوله تصوير النابه الذي يحاب الغر السفيه:
يهد العمر كي يبني حياة
…
تشل البؤس أو تقضي عليه
ويحفر في قلوب الناس نبعًا
…
رحيق العدل يسقي شاطئيه
فيقبر في تراب الذل أجرًا
…
ويسعى رغبة الغر السفيه1
فالشاعر يريد من وراء هذه القصيدة الأدبية أن يصور النابه حين يقضي عمره في بناء الحياة بالعلم، الذي يقضي على البؤس والشقاء ليحل محل العدل بين الناس، وبذلك ينال أجرًا من الله عز وجل، وفي نفس الوقت يقضي على الرغبات المدمرة للغر السفيه، لكن الصورة هنا عجزت عن أداء هذا المعنى، بل تناقضت أجزاؤها في التصوير.
فالنابه الذي يبني الحياة ويهدم البؤس، لا يعد عمره هددًا "يهد"، بل يعد بناء وخلودًا، وبقاء بهذا العمل، فكان ينبغي أن يقول:"يسمو" أو على الأقل "يقضي"، ومن يعمر قلوب الناس بنبع العدل، لا يصح أن يوصف هذا بالحفر، بل يوصف "بالتفجير" فيقول:"يفجر في قلوب الناس نبعًا".
ومن ينشر العدل لا يقبر الأجر ويدفنه، بل الأولى أن يحيا الأجر ويبقى، لا في تراب الذل، بل في ساحة الرضى والقبول، فيقول:"فيحيى في سماء العز أجرًا".
وأظن أن كلمة "يسعى" لا ترتبط بمعنى البيت، والصواب فيها لكي يصح المعنى:"ويسعر رغبة الغر السفيه" أي عمل النابه يحرق رغبات الغر السفيه.
وهذا كله يدل على التناقض بين أجزاء الصورة، كنت أود ألا يقع الشاعر في مثل هذا، ولكن كما يقولون لكل جواد كبوة، ولكل فارس نبوة.
ومن التناقض أيضًا في التصوير الأدبي عند الشاعر قوله:
فهذي الشروق سموم الحياة
…
ستمضي بنا فوق نعش السرور
تناقض عجيب؟ هل للسرور نعش؟ وما أبعد اللفظان في تصوير المعنى، فالسرور
1 الديوان: 84.
نقيض النعش؛ لأن النعش يحمل الميت إلى مقرّه وتشيعه الأحزان، بينما السرور لا مكان له في هذا الجو الحزين، الذي يخيم عليه الشرور والسموم والأحزان والنعوش، ولعل الحاجة إلى القافية هي التي اضطرت الشاعر إلى حشو كلمة "السرور".
ولا يشفع الشاعر أن يقبل قول من يقول: بأن هذا التصوير رمزي من باب تبادل الحواس، فيقولون: يرى بأذنه، ويسمع بعينيه؛ لأننا لا نجد في مذهب الشاعر خيطًا رفيعًا من الرمزية، فليس رمزيًّا، بل هو واضح في تصويره الأدبي كما رأينا، أمَّا عناصر التصوير الأدبي في شعره فقد غنيت صوره بها من حركة ولون وطعم ورائحة وحجم وشكل، فالبيت السابق يحمل هذه العناصر: فترى اللون القاتم في الشرور والسموم والنعوش، وترى الحركة السريعة والمتجددة في الفعل المضارع ستمضي، لما يدل عليه من الحدوث والاستمرار والتجدد، وتتذوق طعم الشر، وتشم رائحة السم، وحجم الشر بمقدار سموم الحياة، وتجسيد الشرور في شكل النعوش، وهكذا فالشاعر له قدرة عجيبة على مزج عناصر الصورة بروافدها، كما رأيت في صورة متناقضة في جزء منها، فما بالك لو رجعت معي إلى الصورة البديعة التي سبقت وهي كثيرة وكثيرة.
لهذا الإبداع الشعري في التصوير الأدبي كان لا بد أن نضع فنه في ميزان النقد، لنرى رأي الشاعر والناقد في شعر العسيري.
رابعًا: الموسيقى الشعرية
العسيري شاعر ثائر، ومتجدد في تجديده، ولا غرابة في ذلك فقد تحرر في تجديده فخرج على الموسيقى الخليلية في العروض والقافية بعض الخروج في بعض قصائده، وليس معنى ذلك أنَّ العسيري لم يحافظ على الوزن والقافية التقليدية المشهورة في عمود الشعر العربي، بل كانت معظم مقطوعاته وقصائده يلتزم فيها البحر الخليلي، وقافية الشعر المحافظ، وإن كان الشاعر يميل في شعره إلى البحور الخفيفة، وإلى المجزوء من البحور مثل:
قصيدة "شوق"، وقصيدة "الدنيا"، وقصيدة "وصفحة من حياتي"، وقصيدة "ونكسة أخرى"، وقصيدة "طائر"، وقصيدة "حديث مع الزهرة"، وقصيدة "سمير الأحزان"، وقصيدة "إنسانية"، وقصيدة "دموع الحياة"، وقصيدة "الغر" وغيرها، ومرت الأمثلة والشواهد.
ومن قصائده ما يسير على نظام المقطعات مع الاحتفاظ بالوزن والبحر، واختلاف القافية وحرف الروي، وهذا أقلّ مما سبق بكثير مثل قصيدة "عمري الضائع"، وقصيدة "ضياع في ركب المتاهة"، وقصيدة "عيد بلا اجتماع"، وقصيدة "سامحيني" ومقطوعة "عربي"، "عودي"، "في المستشفى"، وقصيدة "الواقع الأليم والمراكب التائه"، وقصيدة إلى أعدائي" وغيرها، وقد مرت الأمثلة ولا داعي لتكرارها.
ومنها ما يلتزم فيها الشاعر البحر الواحد، لكن البيت ينتهي بتذييل يقوم على تفعيلة، ليضيف بها لحنًا جديدًا في ألحانها، وينسحب عليها إيقاعًا ينظم توقيعاتها الأخيرة، وهذا أقلّ مما سبق بكثير، مثل قصيدة "يا عالمي" يقول:
يا عالمي إني هنا أبكى المصير
…
ألا ترون
وقد مرَّ ذكرها.
ومثل قصيدة "خواطر إنسان تائه؛ حيث بناها الشاعر على تسع مقطعات مختلفات في القافية، كل قطعة تقوم على ثلاثة أبيات تنتهي بعدها بتذييل يشمل توقيعتين، يقول العسيري:
أيها الإنسان لا تطغ عليَّا
إن ظلمي قوة ملك يديّا
دعوة في الليل لا تبقيك حيّا
لا تلمني إن دعوت
فتزول وتموت
ومصير الشر في الدنيا قريب
بعد ضعفي سوف أقوى وتذوب
إن بعد الشمس أغلاس المغيب
هكذا حكم الحياة
لا بقاء للطغاة
أيها الإنسان في عصر الفضاء
لا تضيق بالحق يقتلك الفتاء.
ثم تبقي صاحبًا ثوب الشقاء
ثم تبكي لمصيرك
سوف تذوي
كضميرك1
ومنها قصيدة واحدة لم تتكرر، قامت على نظام التفعيلة، مع محافظته على الموسيقى والإيقاع المنغوم بلا اتحاد في القافية، وذلك في قصيدة "العاصفة":
في القدس عاصفة
تحطم الجسور
وتهدم القبور
على الغزاة2
وهي طويلة لا أرغب في ذكرها، واكتفيت بذلك لكي يصح النقد وتوجيه اللوم إلى العسيري ومن سار على دربهم من الشعراء المعاصرين.
وكنت أود أن هذا النمط الموسيقي والقالب النثري لا الشعري لا يدخل فنّ الشعر، ويجد منزلة من نفس العسيري ومن ديوانه الجيد، إلا إن كان الشاعر يريد أن يعرفنا بنثره المشعور، وأحسب أن العسيري لا يقصد ذلك، فهو يريد أن يجاري من يجعل التفعيلة شعرًا بلا قافية ولا بحر عروضي.
وفي رأيي أن شعر التفعيلة هي معبر الخطأ والخطل السريع، فاليوم يكون على تفعيلة ووزن واحد، وغدًا بلا تفعيلة ووزن، وأصبحت الآن قول إن الموشحات الأندلسية هي التي رخصت
1 في متاهات الحياة: 31/ 34.
2 الديوان: 49/ 52.
للمعاصرين هذا التسيب، وهم الآن يتذرَّعون بذلك، ولكن الحقيقة أن الفرق كبير، فالموشحات وسط بين القصيد العمودي وبين نظام المقطعات المعاصرة.
وهي أيضًا معبر سريع إلى العامية، والقضاء على الفصحة لغة القرآن الكريم، وإننا اليوم لنرى بعض الشعراء -شعراء التفعيلة- ينظمون نثرهم المشعور بالعامية لا بالفصحى، وهذا أخطر وأشد؛ لأنها حرب ضد الفصحى ولغة القرآن لا حرب ضد القصيد العمودي، ولا أدلَّ على ذلك من قول العسيري نفسه حينما اعتسف هذا المركب الوطيء، مما جعله يتورَّط في العامية والخطأ في الإعراب، وهو استعمال عامي في التعبير يقول:
للقدس الحزين
عشرون عام
القدس في خطر
عشرون عام
ثم يقول:
عشرون عام
والقدس في القيود
وعيشنا على الوعود1
كرر "عام" ثلاث مرات خطأ، والصواب عشرون عامًا، وهكذا يعترف العسيري بهذا في شعره فيقول:
ومصير الشر أن يقتات أهله
فاعتساف المركب الوطيء وهو شعر التفعيلة، يؤدي في النهاية إلى جعل العامية والخطأ في التعبير وهجر الفصحى مذهبًا شعريًّا حديثًا، لا قدر الله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} .
صدق الله العظيم
1 الديوان: 50/ 51.
خامسًا: شاعريته في ميزان النقد
الشاعر أحمد عسيري يصوّر حياته بكل جزئياتها؛ لأنه يعبِّر عن ذات نفسه، ويصور مشاعره الأليمة، وإحساساته الحزينة في الحياة ليصوغ من شعره قصة حياة تمرَّدت على القيم التقليدية الكلاسيكية متحررًا من قيودها، فلا نجد في شعره تعددًا في موضوع القصيدة الواحدة، بل الغرض فيها واحدًا، بل كان الديوان يصور غرضًا واحدًا، وهو حياة الشاعر فقط، في وحدة عضوية وفنية، وتتلاحم فيها الأفكار، وتتعانق المعاني في إيقاع حزين، تشيعها موسيقى دامية، تنزف مرارة وأسى.
ولذلك يقول العسيري في إهداء الديوان:
إلى الإنسان الذي يشق طريقه بعصامية....!! 1
إلى كل إنسان ذاق مرارة الحرمان، أو ضاع في متاهات الحياة
…
!!
لأن الشعر الصادق هو الذي يكون صادقًا مع قائله، وتجربة حية يعيشها صاحبه، حتى يكون قطعة منه، بل حياته كلها، ليكون مثلًا أعلى، ونموذجًا رفيعًا، يتجاوب مع الإنسان في أي موقع كان؛ لأنه للإنسان متجردًا على الأرض والزمان.
هذا هو ما أقصده من عالمية الأدب وإنسانيته، لا يعرف الحدود في الزمان والمكان في المجال البشري الإنساني، وليس هذا الاتجاه وهو "عالمية الأدب وإنسانيته" غريبًا على أدبنا الإسلامي، بل هو أصيل وجوهري فيه؛ لأن غاية الإسلام تحقيق عالمية الإنسانية بلا تفريق بين العربي والعجمي، ولا بين الشرقي والغربي، ولا بين الدول النامية والدول العظمى إلَّا بالمثل العليا، والمبادئ العادلة المستقيمة، والقيم الفاضلة المنصفة للإنسان في أي موقع كان، وخلال الزمان والمكان، لمختلف الأجناس والأجيال؛ لأن الإنسان كان ولا يزال هو الإنسان.
وحين فتح الشاعر الكبير محمد حسن عواد عينيه على ديوان أحمد العسيري وجد نفسه، كما يقول: "أمام شاعر شاب يستطيع هذا الوطن العربي، وهذه اللغة الخالدة، أن يعتز به، ولا مبالغة في هذا القول، إنك ستدهش لشاعر الحرمان والضياع، يجسم لك هذه المعاني، وينفخ فيها من روحه، فتتوهج في قوالب من اللفظ، أعطيت قدرة الوصول إلى أعماق القارئ، ورفعه إلى مستوى تلك المعاني الإنسانية الخالدة، إلى قدرة الإيحاء، ومد الظلال، ورقرقة الحيوية في الأفكار الفلسفية والاجتماعية.
1 في متاهات الحياة، أحمد عسيري، الإهداء.
وللشاعر فوق ذلك قدرة أخرى على صياغة تعابير إبداعية، يخيّل أنك تقرؤها لأول مرة مثل:
وقيد الحق أوهى كل قيد
…
رءوف المس إن سقنا إليه
من قصيدة "العز".
وقوله:
ومصير الشر أن يقتات أهله
من قصيدة "إلى أعدائي".
ومنها أيضًا:
وتنطق الأرض تملي سرها1
ثم مرة أخرى يشيد الشاعر الناقد محمد حسن عواد بأحمد العسيري فيقول:
"أهنِّئ أخي الفاضل الملازم أول الأستاذ أحمد علي سعد العسيري بهذه الشاعرية الحقيقية، وأهنئ عسيرًا كله سراته وتهامته، بل أهنئ المملكة العربية السعودية كلها، وآمل أن ينجب هذا البلد المعطاء كثيرًا من شعراء هذا الطراز"2.
وتحرر العسيري في تجديده للقصيدة في أدب الجنوب يظهر في اتجاه الشاعر إلى لون واحد من الشعر يصور فيها ذاته ووجدانه، فتجد أغراضه الأدبية قد أخذت هذا الاتجاه من التحرر، وكذلك في معانيه وفي خياله، وفي تصويره الأدبي، وفي موسيقاه الشعرية؛ حيث خرج على القصيدة العمودية في القافية في القليل من قصائده، مثل قصيدته "العاصفة"3، وإن كان هذا التحرر محل نظر منَّا وقد ذكرته في مكانه.
ومرت الأمثلة في كل ذلك، توضّح سمات التجديد في المعاني والأغراض والخيال والصور والموسيقى والقافية، مما يجعله من شعراء مدرسة التحرر في التجديد.
1 في متاهات الحياة: أحمد العسيري المقدمة 12.
2 في متاهات الحياة: أحمد العسيري المقدمة 13.
3 الديوان: 47.