المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تمهيد: 1- العوامل التي أثرت في المذاهب الأدبية. 2- البيئة في جنوب - المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية

[علي علي صبح]

الفصل: ‌ ‌تمهيد: 1- العوامل التي أثرت في المذاهب الأدبية. 2- البيئة في جنوب

‌تمهيد:

1-

العوامل التي أثرت في المذاهب الأدبية.

2-

البيئة في جنوب المملكة العربية السعودية.

3-

الطبيعة الساحرة في جنوب المملكة العربية السعودية.

الشعر الحديث في المملكة العربية السعودية بصفة عامَّة، وشعر جنوبها بصفة خاصَّة، تأثر بواقعه الذي عاش فيه، وبيئته التي نبع منها، ومن بواكير هذه المؤثرات:

دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، التي حررت العقيدة والإنسان، والفكر والاتجاه والهدف، فظهر شعر الدعوة، وكان منطلقًا للتحرر من قيود الجمود والتخلف والركاكة والفهاهة وما شابه ذلك1.

ثم تتابعت مؤثرات أخرى نبعت من واقع النهضة الكبرى للمملكة العربية السعودية، والوثبة المذهلة التي غيَّرت مجرى الحياة؛ كوحدة الإنسان لبناء الوطن، وتحقيق الهدف لإعادة بناء الأمم الإسلامية المجيدة، فيعود لها وجهها المشرق كما كانت في الماضي، والاهتمام بالتعليم في شتَّى مراحله، وبالصحافة، وبالمجلات، وبالإذاعة المسموعة والمرئية، وكذلك العناية بالمطابع ودور النشر، وإحياء التراث وجمعه من أقطار العالم الإسلامي وغيره، والاهتمام بالمكتبات العامة الخاضعة للمؤسسات المختلفة، وبالمكتبات الخاصة بالعلماء والأدباء والشعراء.

ومن أحدث المؤثرات في الأدب السعودي الحديث هو التجاوب الفكري والثقافي والعلمي والأدبي مع التيارات الأدبية المعاصرة، والمذاهب النقدية الحديثة في مصر والعراق والشام وبلاد المغرب، ثم الانفتاح أمام المذاهب الأدبية والنقد في الغرب، والتأثر بجوهرها واتجاهاتها، وتطويع ما يتناسب مع القيم الإسلامية والعربية الأصيلة، وطرح ما يتجافى مع الفطرة الشرقية الملهمة.

لا شكَّ أن التجاوب الفكري والأدبي كان أظهر وأقوى مع المذاهب الأدبية العربية العريقة، التي أينعت في الأرض الخصبة للعروبة والإسلام، مثل التأثر بمدارس المحافظين، ومدارس المجددين، ومدارس المبدعين، كالتأثر بمدرسة الديوان، ومدرسة أبوللو، ومدرسة المهاجرة العرب، ورابطة الأدب الحديث، والمتمردين في الشعر، وغير ذلك.

تلك هي المؤثرات العامة التي أثرت في الأدب السعودي، ويكاد يسيطر عليه مؤثر ظاهر له دور خطير وعظيم وقوي، وهو سيادة التيار الإسلامي فيه، وسريان الشريعة الإسلامية بين جوانبه بصفة خاصة2.

1 انظر: الأدب الحجازي في النهضة الحديثة. نهضة مصر - القاهرة 1948، الوحدة الإسلامية: زيد بن فياض. مطابع القصيم 1388 هـ، دورنا في الكفاح: حسن عبد الله آل الشيخ، مطابع نجد - الرياض 1383هـ.

2 انظر: الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية: د. بكري شيخ أمين. دار صادر بيروت. طبعة أولى 1393هـ/1973م، قصة الأدب في الحجاز: محمد عبد المنعم خفاجه وعبد الله عبد الجبار. دار مصر- القاهرة 1958، والتيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية: عبد الله عبد الجبار وغيرها.

ص: 17

وبعد ذلك يأتي مؤثر متميز في شعر الجنوب، نبع من واقع البيئة العربية العريقة، وهو ما يتميز به أدب الجنوب من جمال الموقع، وسحر الطبيعة، وكرم السماء، وتعانق السحب، وفراهة الجبال، ويفاعة الآكام، وعمق الأودية، ورحابة السهول، وتدفق السيول، وتراسل الشلالات، وشموخ الأشجار المتعانقة، وعذوبة المياه الرقراقة، وتلاحم البسط الخضراء على قمم الجبال وفي السهول على السواء، في طبيعة أخَّاذه، وحياة ساحرة، وهواء طري منعش، ومناخ متقارب تتلاحم فيه فصول السنة في توافق وانسجام، فلا تدري في أيِّ فصل تكون، مع ما يتمتع به أهل الجنوب من برود الطبع، ودماثة الخلق، وسعة الأفق، وحِدَّة الذكاء، وغير ذلك مما يلهم الشعراء، ويعين على التأثر السريع بالمذاهب الأدبية التي تعشق الطبيعة، وتهيم بجمال الكون، وتذوب في سحر الحياة.

ويحتاج هذا المؤثر المتميز الأخير إلى توضيح أكثر للبيئة التي نبت فيها شعراء الجنوب "منطقة الجنوب"؛ حيث تنوعت فيها مشارب الشعراء، وتدفقت روافدهم من منابعها الصافية العذبة، واختلفت اتجاهاتهم الأدبية ومدارسهم الشعرية.

"الجنوب" منطقة واسعة تصل مساحتها إلى ربع المملكة العربية السعودية، يقطنها سكان كثيرون، في عشرة آلاف قرية تقريبًا، وعاصمتها أبها، ترتفع عن سطح البحر الأحمر بسبعة آلاف قدم، وفي القرى تكثر الزراعة والبساتين لأصناف كثيرة من الحبوب والفواكه والخضروات.

الأشجار الكثيفة والغابات الملتفة توجد في بعض مناطق الجنوب، مثل منطقة السودة، وتهلل، والباحة، وتمنية، وتهامة، والقرعاء، والجرة، والمحالة، وغيرها. أما مناخها فشبيه بمناخ لبنان في سحره وجماله في الصيف والخريف، ولا سيما في جبال السراة، وفي الشتاء والربيع تشتد البرودة، ويغطي الضباب جبالها وقراها أثناء الربيع من حينٍ لآخر1.

ويصف الأستاذ يحيى إبراهيم الألمعي السودة وتهلل، التي ترتفع تسعة آلاف قدم:2 "فإنك تشعر بجمال الطبيعة وكمال حسنها؛ لما يتوفَّر فيها من مناظر خلَّابة، وأماكن شاعرية أخاذة، غابات تتعانق فيها الأشجار المخضرة المخضلة، وربوات ترى فيها الأزهار المورقة، ذات الألوان المختلفة، وتفوح منها رائحة عطرية عبقة، تتناثر في أجواء تلك الأماكن العالية.. ومن أشجارها المعروفة الوافرة: البلسان، والأثل، والعرعر، والأقحوان، وعندما يهب النسيم، نسيم الصبا، وتشرق شمس الأصيل على تلك الروابي والمرتفعات الشاهقة، تمتزج هذه العطور الفواحة مع الرذاذ الذي يتساقط على الأرض كالدر أو اللؤلؤ، من أثر الطل، حينئذ تستمتع بمنظر جميل

1 انظر: في ربوع عسير: محمد عمر. العهد الجديد - القاهرة 1954، تاريخ عسير في الماضي والحاضر. هاشم بن سعيد النعمي.

2 رحلات في عسير: يحيى إبراهيم الألمعي.

ص: 18

أخاذ، يرغمك على التجوال بين غابات لا ترى لها نهاية، وربما صادفك في طريقك ما يشبه الشلالات، التي تتدفق منها المياه الرقراقة العذبة، وتنساب فيها الجداول الصغيرة الصافية.. أما تهامة وأخصّ بالذكر منها جهات معروفة، فهي معتدلة، لا حر ولا برد، ولا سآمة، وفيها كثير من الأشجار الباسقة، ويعتمد معظم أهلها على الزراعة، ولا تخلو جبالها أيضًا من مراتع الأرانب والعقبان، ومراعي الحجل والغزلان، وفيها من الطيور، البلبل، والحباري، والعندليب، والخضاري، والهدهد، واليمامة".

في هذه البيئة الساحرة نبتت ونمت مؤسسات علمية وأدبية راسخة في ظلال المملكة الرشيدة المعطاءة، كان لها الدور الكبير في تعميق الجوانب الفكرية والثقافية، وتوسيع المجالات العلمية والأدبية، وهذه المؤسسات العلمية هي جامعة الملك سعود "الرياض" سابقًا، فرع أبها، وتضم كلية التربية، وكلية الطب، ثم كلية الشريعة وأصول الدين، وكلية اللغة العربية والعلوم الإنسانية والاجتماعية، التابعتين لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم الكيات المتوسطة للبنين والبنات التابعة لوزارة المعارف السعودية، ثم النوادي الثقافية والاجتماعية والرياضية والأدبية في جيزان وبيشه ونجران وخميس مشيط، وأحد رفيده والباحة وأبها وغيرها، ولقد اشتركت في ندوات كثيرة في بعض هذه النوادي مثل نادي "ضمك" بخميس مشيط، ونادي "جرش" بأحد رفيده، وفي أبها وغيرها.

واشتركت في حفل افتتاح "نادي أبها الأدبي" حين شهدت أبها حفلًا تاريخيًّا في يوم 11/ 3/ 1400هـ -نيابة عن صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل- أمير منطقة عسير، افتتح صاحب السمو الملكي الأمير فيصل ابن بندر بن عبد العزيز - وكيل إمارة منطقة عسير- نادي أبها الأدبي في تمام الساعة الثامنة من مساء الثلاثاء الموافق 11/ 3 / 1400هـ بحضور عدد كبير من المسئولين والمثقفين وأبناء المنطقة"1

وفي هذا الحفل حثَّ المسئولون الشباب والأدباء على الإبداع العلمي والأدبي، قال صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر: "فلقد اهتمَّت حكومتنا الرشيدة، وعن طريق إحدى مؤسساتها

لإنشاء ورعاية وتأسيس النوادي الأدبية، وقامت على دعمها بكل ما يساعدها لتحقيق أهدافها، والتي على رأسها بعث تراث هذه الأمة المجيدة وأدبها وعلومها، ودعم كافة الطاقات الشابَّة وحفزها؛ لتقديم ما عندها من قدرات على الإنتاج والإبداع العلمي والأدبي"2.

وباسم المؤسسات الجامعية العلمية في الجنوب تحدث الدكتور مزيد إبراهيم عميد كلية

1 كلمات وقصائد: نادي أبها الأدبي. المقدمة: مطبعة عسير 1400هـ.

2 المرجع السابق ص5، 6.

ص: 19

التربية في أبها فقال: "لا يسعنا اليوم إلَّا أن نشكر الله عز وجل ونحن نشهد تدشين هذه المؤسسة الأدبية الثقافية، التي تعتبر لبنة أساسية في كيان الصرح الثقافي في منطقة عسير.. أما المجتمع فعليه أن يدرك أيضًا انتماءه العميق لهذا الجزء منه، ألا وهو مؤسساته الثقافية، فهي كما ورد الذكر، لم توجد إلّا لخدمته، وهي المصدر الأساسي الذي يمده بالقوة البشرية المؤهلة للمساهمة في تقدُّم البلاد وازدهارها"1.

ومما ذكره في كلمته الأستاذ محمد عبد الله الحميد رئيس النادي: "ونحن في هذه المنطقة الجميلة المعطاءة، الموحية بالأفكار البناءة والأخيلة الشعرية الصافية، أحوج ما نكون إلى ملتقى فكري يجمعنا، ومنتدى أدبي نغذي به أرواحنا"2.

ثم تتفجر شاعرية الأستاذ أحمد فرح العقيلان -مدير إدارة الأندية بالنيابة- فأنشد قصيدته من وحي الساعة، بعنوان:"أبها الشاعرة":

سلم على أبها وحيِّ جمالها

واسأل عن السحر الحلال جبالها

نفسي الفداء لها ربوع فضائل

تتشرف الأرواح أن تهدي لها

أنشد عن الطهر العفيف نساءها

واسأل عن الخلق الشريف رجالها

الأسد فيها والظباء سوانح

بأبي وأمي ليثها وغزالها

قد كنت أحسبني كبرت على الهوى

وتركت أحلام الصبا ودلالها

حتى رأيت ظباء أبها رتّعًا

والحب يرتع والعفاف حيالها

وإذا الوقار يلومني ويقول لي

العب وشارك في الصبا أطفالها

لولا وفائي للرياض وأهلها

لنقلت عائلتي هنا وعيالها

أو كنت أتركهم هناك وأمهم

وأسوم بعض الطاهرات حلالها3

أبها مصيف الطيبين يؤمها

من كان ينشد في الحياة جمالها

بعض المصايف ضلة وفضائح

وهنا فضائلها تمد ظلالها

حورية السروات أنت نموذج

للحسن ترسمه الحسان مثالها

في روض أبها كل شيء شاعر

فالحسن يصقل في النفوس خيالها

ولحكمة رزقت أميرًا شاعرًا

والشعر يرسم للنفوس كمالها

والشعر عبر عصوره أنشودة

رسمت لروح التضحيات مجالها

ما أروع الآداب إن هي أنهلت

من منهل الخلق الكريم خصالها

أنا لم أنل في العمر صحبة خالد

لكن سمعت الحمد ممن نالها

1 المرجع السابق 12، 13.

2 المرجع السابق: 8

3 ضج النادي بالتصفيق والضحك.

ص: 20

وقرأت في صحف روائع شعره

ما كان أحلى نظمها وصقالها

ورأيت في أبها غراس يمينه

نشرت على قمم الجبال ظلالها

ورأيت رأي العين إنجازاته

غراء يسبق فعلها أقوالها

لا تعجبن فخالد من أسرة

يتفيأ الشرف الرفيع ظلالها

عفوًا شغلت بخالد عن فيصل

حرس الإله حياته وأطالها

نور على نور بجانب خالد

بهما غدت أبها تسوق دلالها1

ومن أشهر مناطق الجنوب أبها، وتهامة عسير، أو رجال ألمع، وبلاد الحجر، والنماص، وتثليث، وجاش، وظهران الجنوب، وبلاد بلقرن، وبلاد شهران، ومحائل، وجازان وغيرها، وترجع القبائل فيها إلى أصول العدنانية والقحطانية، وأشهر من فيها: رجال ألمع، وآل حفظي، وبنو شهر، وبنو عمرو، وبنو الأحمر، وبنو الأسمر، وبنو مسعود، وبنو شهران، وغيرهم.

ذكر الهمذاني المتوفَّى سنة 334هـ بلاد الحجر: "أن عبل من أوطان عسير، ويقع في بلاد بني الأحمر، وهم من رجال الحجر بن الهنو بن الأزد"2.

وقال الهمداني أيضًا: "وأول بلاد الحجر من يمانيها عبل: واد فيه الحبل، ساكنه بنو مالك بن شهر، وصبح وادي زرع، وباطنه بهوان: وادي زرع وأعناب، وساكنه بنو شهر"3.

وفي الحجر نشأ الشنفرى الأزدي العداء المشهور، صاحب اللامية التي أولها:

أقيموا بني أمي صدور مطيكم

فإني إلى قوم سواكم لأميل4

في هذه الطبيعة الساحرة، والبيئة الأخاذة، مرَّ الشعر الحديث في الجنوب بالأطوار التي مرَّت بالشعر السعودي بصفة عامَّة، واتخذ في سيره التاريخي مراحل متنوعة في التطور والتجديد، ويمثل في كل مرحلة من مراحله مدرسة فنية ومذهبًا أدبيًّا يتميز بخصائصه وسماته، ومن خلال هذه المدارس الأدبية برزت معالم المذاهب الأدبية في هذا الشعر، وسنفصِّل القول في أشهر هذه الاتجاهات المدرسية في شعر الجنوب، وذلك في الأبواب والفصول التالية:

1 المرجع السابق: 23، 27.

2 صفة جزيرة العرب: تحقيق محمد بن بليهد النجدي ص118.

3 المرجع السابق: 121.

4 انظر في: ربوع وعسير: محمد عمر رفيع - وانظر: تاريخ المخلاف السليماني: محمد أحمد العقيلي، السراج المنير في سيرة أمراء عسير: عبد الله بن على بن مسفر، تاريخ عسير في الماضي والحاضر: هاشم سعيد النعمي، في بلاد عسير: فؤاد حمزة، الحياة الفكرية والأدبية: عبد الله محمد أبو داهش - دار الأصالة - الرياض.

ص: 21