الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وَسُئِلَ رحمه الله تعالى - عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شيء فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يعبر بِهِ الْحَمَّامَ، ولا يقدر أن يقلب عَلَيْهِ مَاءً بَارِدًا في ذلك الوقت لِشِدَّةِ البرد، ثُمَّ إنَّهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَلَهُ وَظِيفَةٌ فِي الْجَامِعِ فَقَرَأَ فِيهَا، وبَعْدَ ذَلِكَ دَخَلَ الْحَمَّامَ، فهَلْ يَأْثَمُ بتيممه وصلاته وقراءته في وظيفته، و
لبثه في الجامع أَمْ لَا؟ .
فَأَجَابَ رحمه الله تعالى -: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ بَلْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، فَإِنَّ مَنْ خَافَ إذَا اغتسل بالْمَاء الْبَارِد أَنْ يَحْصُلَ لَهُ صُدَاعٌ أَوْ نَزْلَةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَلَمْ يُمْكِنه الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ - وَإِنْ كَانَ جُنُبًا - وَيُصَلِّي عِنْدَ جَمَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ، حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ وِرْدٌ بِاللَّيْلِ وَأَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ وَالْمَاءُ البَارِد يَضُرُّهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وِرْدَهُ التَّطَوُّع، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلَا يُفَوِّتُ وِرْدَهُ لِتَعَذُّرِ الِاغْتِسَالِ بِالْمَاءِ.
وَهَلْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الفرض؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
وَالثَّانِي: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، هَذَا إذَا كَانَ فِي الْحَضَرِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَهُوَ أَوْلَى أَنْ لَا يُعِيدَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَكُلُّ مَنْ جَازَتْ لَهُ [الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ جَازَتْ لَهُ] قِرَاءَةُ القرآن ولبثه فِي الْمَسْجِدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى أَحَدٍ صَلَّى بحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِ، سَوَاءً إن كَانَتْ الْجَنَابَةُ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، لَكِنَّ فَاعِلَ الْحَرَامِ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ وَنَجَاسَةُ الذَّنْبِ، فَإِنْ تَابَ وَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ أَحَبَّهُ اللَّهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [وَإِنْ تَطَهَّرَ وَلَمْ يَتُبْ، تَطَهَّرَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَمْ يَتَطَهَّرْ] مِنْ نَجَاسَةِ
الذَّنْبِ؛ فَإِنَّ تِلْكَ لَا يُزِيلُهَا إلَّا التَّوْبَةُ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُعْطِي الحمامي جَازَ لَهُ أن يتيمم وَيُصَلِّي بِلَا رَيْبٍ إِذَا لَمْ يُنْظِرُهُ الْحَمَّامي، وَلَمْ يَجِدْ مَا يَرْهَنُهُ عِنْدَهُ، أو لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ (رهنًا، وإن كان الحمامي ينظره - كما جرت به عادة كثير من الناس - أو يقبل منه رهنًا وعنده رهن) فَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ بِالْأُجْرَةِ الْمُؤَجَّلَةِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، هُمَا وَجْهَانِ عند أصحاب أَحْمَد. وَالْأَظْهَرُ إذَا كَانَت عَادَته إنظار الحمامي لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْحَمَّامِ كَعَادَته، وَإِنْ مَنْعَهُ الْحَمَّامي مِنْ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ - ومع أنه يُوَفِّيه حَقَّهُ - لِبُغْضِ الحمامي له وَنَحْوِ ذَلِكَ دَخَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الحمامي، وَأَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أُجْرَته فَمَنَعَهُ الحمامي لِكَوْنِهِ ما يُوَفِّيه أجرته فِي الْحَالِ وَلَا هُوَ مِمَّنْ يَعْرِفُهُ الْحَمَّامي لِيُنْظِرَهُ، فَهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ إلَّا بِرِضَا الحمامي (بل يصلي بالتيمم، وليس له أن يأخذ الماء الحار إلا بعوض أو برضا الحمامي) وَإِنْ طَابَتْ نَفْسُ الحمامي بِأَخْذِ [مَاءٍ فِي الْإِنَاءِ] وَلَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِأَنْ يَتَطَهَّرَ فِي الْحَمَّامِ، جَازَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُه دُونَ مَا لَا تَطِيبُ إلَّا بِعِوَضِ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَاءَ الْبَارِدَ وَالْحَارَّ، وَيُعْطِيَ الحمامي أُجْرَةَ الدُّخُولِ، إذَا كَانَ الْمَاءُ يُبْذَلُ له بعوض الْمِثْلِ أَوْ بِزِيَادَة لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا (بزيادة ثمن المثل) وتلك الزِّيَادَةُ لَا [تُجْحِفُ بِمَالِهِ] فَفِي [وُجُوبِ بَذْلِ الْعِوَضِ فِي] ذَلِكَ قَوْلَانِ عن مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ، هذا كله مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ لِنَفَقَتِهِ، أَوْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ، أَوْ وَفَاءِ دَيْنِهِ