الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
قال شيخنا الحافظ ابن عبد الهادي - رحمة الله عليه -:
93 -
في «القاعدة الزرعية» : لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجهر بالبسملة، وليس في الصحاح ولا في السنن حديثٌ صحيحٌ صريحٌ بالجهر، والأحاديث الصريحة بالجهر كلها ضعيفة بل موضوعةٌ.
94 -
وقال أيضًا: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على صلاة الضحى باتفاق أهل العلم بسنته، ومن زعم من الفقهاء أن ركعتي الضحى كانت واجبة عليه؛ فقد غلط، والحديث الذي يذكرونه:«ثلاث هن عليَّ فريضةٌ وهن لكم تطوعٌ: الوتر، والنحر، وركعتا الضحى» حديثٌ موضوعٌ.
وقال أيضًا في موضع آخر: ضعفه.
95 -
وقال أيضًا في موضع آخر: والحديثُ الذي يُروَى «في الرجل الذي قال: إن امرأتي لا تَردُّ يد لامسٍ» قد ضعَّفُوه.
وقال في موضع آخر: هذا الحديث قد ضعفه / أحمد وغيره، وتأوله بعضهم على أنها لا ترد طالب مالٍ، لكن ظاهر الحديث يدل على خلافه، ومنهم من اعتقد ثبوته وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يمسكها مع كونها لا تمنع الرجال، وهذا مما أنكره غير واحدٍ من الأئمة.
96 -
قال شيخنا: فواتح السور تناسب خواتمها، وذلك تناسب مضمون كما أن «البقرة» افتتحت بذكر الكتاب وأنه هدًى للمتقين، وذكر في ذلك الإيمان بما أنزل إلينا وما أنزل على من قبلنا، ووُسطت بمثل ذلك، وختمت بمثل ذلك، قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ
…
} إلى آخر السورة، وكان في «البقرة» مخاطبة لجميع الخلق حتى يدخل فيه من لم يؤمن بالرسل عمومًا، ومن أقر بهم خصوصًا، وللمؤمنين بالجميع خصوص الخصوص؛ ففيها خطاب الأصناف الثلاثة.
وأما «آل عمران» فالغالب عليها مخاطبة من أقر بالرسل من أهل الكتاب، ومخاطبة المؤمنين، فافتتحها سبحانه بذكر وحدانيته / ردًّا على المشركين من النصارى وغيرهم، وذكر تنزيل الكتاب، وذكر ضلال من اتبع المتشابه، ووسطها بمثل ذلك، وختمها بقوله:{وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ} .
وأما السور المكية كـ «الأنعام» و «الأعراف» وغيرهما [ففيها مخاطبة] الناس الذين يدخل فيهم المكذب بالرسل، ولهذا كانت السور مكية في تقرير أصول (
…
) اتفق عليها المرسلون، بخلاف السور المدنية؛ فإن فيها مخاطبة أهل الكتاب الذين آمنوا ببعض الكتب، ومخاطبة المؤمنين الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله
ما ليس في السور المكية، ولها كان الخطاب بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} مختصًّا بالسور المدنية، وأما الخطاب بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فالغالب أنه في السور المكية، وربما كان في السور المدنية؛ لأن الخطاب العام يدخل فيه المؤمنون وغيرهم بخلاف الخاص، والأصول تعم ما لا يعم الفروع، وإن كانت الفروع واجبة على الكفار على أصح القولين؛ فإنما ذلك ليعاقبون عليها في الآخرة، وأما [كون] / الكافر يؤمر بعمل الفروع قبل الإيمان فلا.
و«سورة النساء» والغالب عليها مخاطبة الناس في الصلات التي بينهم بالنسب والعقد وأحكام ذلك، فافتتحها الله سبحانه بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} لعموم أحكامها وقال: {اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} ، فذكر اشتراك جميع الناس في الأصل، وأمرهم بتقوى الله الذي [به] يتعاقدون ويتعاهدون؛ فإن كل واحدٍ من المتعاقدين يطلب من الآخر ما قصده بالعقد، وهو بالله يعقده؛ إذ قد جعلوا الله عليهم كفيلاً، وبصلة الأرحام التي خلقها الله سبحانه وتعالى كما جمع بينهما في قوله عز وجل:{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ • وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} ، وفي قوله عز وجل:{وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ • الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} .
/ وأما «سورة المائدة» فإنها سورة العقود - وهي العهود والمواثيق - التي يعقدها بنو آدم بينهم وبين ربهم، ويعقدها بعضهم لبعضٍ، مثل عقد الإيمان وعقد الأيمان، فأمر الله بالوفاء بالعهود، والوفاء بالعهود من صفات الصادقين دون
الكاذبين، وختم السورة بما يناسب ما فيها فقال:{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} الآية، فالموفون بالعقود صادقون؛ فنفعهم الصدق بالوفاء يوم القيامة بما وعدهم من الكرامة، ثم تكلم سبحانه وتعالى على الوفاء بالعهد.
وقال: وهذه سورة «المائدة» للمؤمنين أمرهم فيها بالوفاء بالعقود، وذكَّرهم فيها بنعمته، كما قال تعالى لبني إسرائيل:{اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} فذكر النعم التي توجب الشكر، والوفاء بالعقود يحتاج إلى الصبر، ولا بد أن يكون صبارًا أو شكورًا؛ كما قال في أثناء السورة بعد آية الطهارة:{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} .
/ قال: فلما كان هذا فاتحة السورة كان من مضمونها الشريعة والمنهاج التي جعلها لأهل القرآن، فبين لهم من تفصيل أمره ونهيه الذي جعل الله لهم شرعة ومنهاجًا في هذه السورة ما وجب عليهم الوفاء به؛ لأجل إيمانهم الذي هو عقد يوجب عليهم طاعة الله ورسله واتباع كتابه، ولهذا رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إن سورة المائدة آخر القرآن نزولاً؛ فأحلوا حلالها وحرموا حرامها» ، وعن أبي ميسرة:«إن فيها بضع عشرة شريعة ليست في غيرها» .
لما أمرهم الله عز وجل أن يوفوا بالعهود المتناولة لعقوده التي وجب عليها
بالإيمان به، بيَّن ما أمر به وبيَّن ما نهى عنه، وما حلله وما حرمه، ليبين أن الوفاء بالعقود باتباع هذا الأمر والنهي والتحليل والتحريم؛ فقال: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ
…
} الآيات، فأحل لهم بهيمة الأنعام بشرط أن لا تحلوا الصيد وأنتم حرم، ونهاهم عن إحلال شعائره وما معها / وأحل لهم الصيد بعد الإحرام، ونهاهم عن أن يحملهم بغض قوم يمنعوهم (
…
) الدين أن يعتدوا، وأمرهم كلهم جمعة أن يتعاونوا على البر والتقوى، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان. ثم فصَّل لهم ما حرم عليهم، كالميت حتف أنفه أو لسببٍ غير الذكاة، واستثنى من ذلك ما أدركوه حيًّا فذكوه، وذكر ما ذُبح على النصب واللاستقسام بالأزلام (وذلك يتضمن طلب العبد قسمته وما قُدر له فيما يريد أن يفعله ليكون مؤتمرًا مزجرًا عن الأزلام)، أو فيما لا يريد أن يفعله فيتضمن اعتقاده لما يكون عن الأزلام؛ فإن المستقسم بالأزلام يعتقد ما دلت عليه من خيرٍ أو شرٍّ فيما يفعله فيفعل أو يترك، وفيما لا يفعل (فيعتقد أن ما رجوه ومخافه) وذلك خروج فسق، وهو خروج عن طاعة الله فيما أمر به من الاستغفار والتوكل / عليه.
ثم تكلم على الطيرة والفأل، وأنوع الاستقسام بالأزلام، وتكلم أيضًا على السحرة والنجوم وعلى الكسوف.
وقال في أثناء كلامه: فلولا أن الكسوف والخسوف قد يكونان سببا تلفٍ وعذابٍ لم يصح التخويف بهما، وكذلك سائر الآيات المخوفة: كالريح الشديدة، والزلزلة، وسائر الكواكب، وغير ذلك؛ ولهذا يُسمي العلماء الصلاة المشروعة [عند]
ذلك صلاة الآيات، وهي صلاة قد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بركوعين طويلين وسجودين طويلين، ولم يُصَلِّ قط صلاة في جماعة أطول من صلاة الكسوف، ويُصلى أيضًا عند بعض العلماء - وهو المنصوص عن أحمد [عند] الزلزلة، ويُصلى أيضًا عند محققي أصحابه لجميع الآيات، كما دل على ذلك السنن والآثار، وهذه صلاة [رهبةٍ] وخوفٍ كما أن صلاة الاستسقاء صلاة [رغبةٍ ورجاءٍ، وقد أمر الله عباده أن يدعوه] خوفًا وطمعًا.
ثم قال الشيخ - رحمه الله تعالى-: لما ذكر ما حرم عليهم ذكر ما أحل لهم / {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} فأمر بالأكل مما أمسكن علينا الجوارح التي علمنا مكلبين، ونذكر اسم الله عليه، وهذه اعتبار لثلاثة:
أحدها: أن يكون الخارج الجارح مُعَلَّمًا، فما ليس بمعلَّمٍ لم يدخل في ذلك.
الثاني: أن يمسك علينا فيكون بمنزلة الوكيل من عبدٍ وغيره، وهذا لا يكون إلا إذا استرسل بإرسال الصيد، ومن تمام الإمساك علينا أن لا يأكل منه؛ فإذا أكل فقد يكون الإمساك على نفسه لا علينا، فيكون فعله وتصرفه بغير طريق الوكالة.
ثم ذكر حديث عدي بن حاتم وأطال الكلام في ذلك.
97 -
لما تكلم على التمتع والإفراد والقران وما الأفضل [قال]: والتحقيق أنه يتنوع باختلاف حال الحاج، فإن كان يسافر سفرة العمرة وسفرة أخرى للحج، أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ويقيم بها حتى / يحج فهذا الإفراد له أفضل باتفاق الأئمة الأربعة، وأما إذا فعل ما يفعله غالب الناس، وهو أن يجمع بين الحج والعمرة في سفرةٍ واحدةٍ ويقدم مكة في أشهر الحج، فهذا إن ساق الهدي فالقران أفضل له، وإن لم يسق الهدي فالتحلل من إحرامه بعمرة أفضل.
98 -
وكان رحمه الله يذهب إلى أن الأفضل أن [يسوق] الهدي ويكون قارنًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا فعل.
99 -
قال: فإذا أراد الإحرام فإن كان قارنًا قال: «لبيك عمرة وحجًّا» ، وإن كان متمتعًا قال:«لبيك عمرة [متمتعًا بها إلى الحج» ، وإن كان مفردًا قال:«لبيك حجة» ، أو قال:«اللَّهم إني أوجبت عمرة] وحجًّا» . أو «أوجبت عمرة وأوجبت حجًّا» ، أو «أوجبت عمرة أتمتع بها إلى الحج» ، أو قال:«اللهم إني أريد العمرة أتمتع بها إلى الحج» ، أو قال:«اللَّهم أريد العمرة وأريد الحج» ، أو «أريدهما» ، أو «أريد التمتع بالعمرة إلى الحج» فمهما قال من ذلك أجزأه باتفاق الأئمة ليس في ذلك عبارة / مخصوصة، ولا يجب شيءٌ من هذه العبارات باتفاق الأئمة، ولا يجب عليه أن يتكلم قبل التلبية بشيءٍ.
ولكن تنازع العلماء هل يستحب أن يتكلم بذلك؟ كما تنازعوا هل يستحب التلفظ بالنية في الصلاة؟ والصواب المقطوع به أنه لا يستحب شيء من ذلك.
100 -
فقال في قوله تعالى: {فَلَا رَفَثٌ وَلَا فُسُوقٌ وَلَا جِدَالٌ فِي الْحَجِّ} ، الرفث: اسم الجماع قولاً وعملاً، والفسوق: المعاصي كلها، والجدال على هذه القراءة - يعني: قراءة الرفع - هو المراء في الحج؛ فإن الله قد أوضحه وبيَّنه وقطع المراء فيه، كما كانوا في الجاهلية يتمارون في أحكامه، وعلى القراءة بالنصب قد يفسر بهذا المعنى أيضًا، وقد فسروها بأن [لا يماري الحاج أحدًا]، والتفسير الأول أصح.
101 -
قال: ولا يكون الرجل محرمًا بمجرد ما في قلبه (من قصد الحج ونيته؛ فإن القصد ما زال / في قلبه) منذ خرج من بلده، بل لا بد من قولٍ أو عملٍ يصير [به] محرمًا، هذا هو الصحيح من القولين.
102 -
قال: ويُستحب أن يُحْرِم عقيب صلاةٍ إما فرض وإما تطوع إن كان [وقت] صلاة في أحد القولين، وفي الآخر إن كان يصلي فرضًا أحرم عقيبه، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه، وهذا أرجح.
103 -
قال: والأفضل أن يُحْرِم في نعلين إن تيسر له، فإن لم يجد نعلين لبس خفين، وليس عليه أن يقطعهما دون الكعبين [ولهذا كان الصحيح أنه يجوز أن يلبس ما دون الكعبين] مثل الخف المكعب والجمجم والمداس ونحو ذلك سواء كان واجدًا النعلين أو فاقدًا لهما.
104 -
وذهب إلى أنه يجوز للمحرم أن يعتقد الرداء إذا احتاج إلى ذلك.
105 -
قال: وله أن يستظل تحت [السقف والشجر] ويستظل بالخيمة ونحو ذلك باتفاقهم، وأما الاستظلال بالمحمل كالمحارة التي لها رأس في حال السير فهذا فيه نزاع، والأفضل للمحرم أن يضحي لمن أحرم؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم / [وأصحابه] يحجون، وقد رأى ابن عمر رجلاً ظلل عليه، فقال:«أيها المحرم أضح لمن أحرمت له» ولهذا كان السلف يكرهون القباب على المحامل [وهي المحامل التي لها رأس، وأما المحامل] المكشوفة فلم يكرهها إلا بعض النساك.
106 -
قال: لو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه جاز بالاتفاق، وإن كان يمسه فالصحيح أنه يجوز أيضًا، ولا تكلف المرأة أن تجافي سترتها عن الوجه لا بعودٍ ولا يدها ولا غير ذلك.
107 -
قال: والفدية: صيام ثلاثة أيام، أو نسك شاة، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مدُّ برٍّ، أو نصف صاع تمرٍ أو شعيرٍ، وإن أطعم خبزًا جاز، ويكون رطلين بالعراقي قريبًا من نصف رطل بالدمشقي، وينبغي أن يكون مأدومًا، وإن أطعمه مما يأكل كالبقسماط والرقاق ونحو ذلك جاز، وهو أفضل من أن يعطيه قمحًا أو شعيرًا.
108 -
قال: وإذا لبس ثم لبس مرارًا ولم يكن أدى الفدية أجزأته فدية واحدة / في أظهر قولي العلماء.
109 -
قال: وفيما ينهى عنه المحرم أن يتطيب بعد الإحرام في بدنه أو ثيابه، أو يتعمد شم الطيب، وأما الدهن في رأسه أو بدنه بالزيت أو السمن ونحوه [إذا لم يكن]
فيه طيب ففيه نزاع مشهور، وتركه أولى.
110 -
قال: وله أن يحتجم، وإن احتاج [أن] يحلق شعرًا [لذلك] جاز؛ فإنه قد ثبت في «الصحيح» «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في وسط رأسه وهو محرم» ولا يمكن ذلك إلا مع حلق بعض الشعر، وكذلك إذا اغتسل وسقط شيء من شعره بذلك لم يضره، وإن تيقن أنه انقطع بالغسل.
111 -
قال: ولا يصطاد بالحرم صيدًا وإن كان من الماء كالسمك على الصحيح.
112 -
قال: والحرم المجمع عليه حرم مكة، وأما المدينة فلها حرم أيضًا عند الجمهور، ولم يتنازع المسلمون في حرم ثالث إلا في «وَجٍّ» - وهو وادٍ بالطائف - وهو عند بعضهم حرم، وعند الجمهور ليس بحرم.
113 -
قال: وللمحرم أن يقتل ما يُؤذي بعادته / الناس كالحية والعقرب والفأرة والغراب والكلب العقور، وله أن يدفع ما يؤذيه من الآدميين والبهائم حتى لو صال عليه أحد ولم يدفع عنه إلا بالقتال قاتلهم، وإذا [قرصته] البراغيث أو القمل فله إلقاؤها عنه، وله قتلها، ولا شيء عليه، وأما التفلي بدون التأذي فهو من الترفه فلا يفعله، ولو فعله فلا شيء عليه.
114 -
قال: ولو وضع يده على الشاذروان الذي تُربط عليه أستار الكعبة لم [يضره] في أصح قولي العلماء، وليس الشاذروان [من البيت] بل جُعل
عمادًا للبيت.
115 -
وذكر الاختلاف في اشتراط الطهارة للطواف، ثم قال: ولا يجوز لحائض أن تطوف إلا طاهرًا إذا أمكنها ذلك باتفاق العلماء، ولو قدمت المرأة حائضًا لم تطف بالبيت، لكن تقف [بعرفة] وتفعل سائر المناسك مع الحيض إلا الطواف فإنها تنتظر حتى تطهر إن أمكنها ذلك ثم تطوف، وإن اضطرت إلى الطواف / فطافت أجزأها على الصحيح من قولي العلماء.
116 -
وقال أيضًا: قوله «الطواف بالبيت صلاة» لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هو ثابت عن ابن عباس، وقد روي مرفوعًا.
117 -
قال: ويجوز الوقوف راكبًا وماشيًا، وأما الأفضل فيختلف باختلاف
الناس؛ فإن كان ممن إذا ركب رآه الناس لحاجتهم [إليه] أو كان يشق عليه ترك الركوب وقف راكبًا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف راكبًا، هكذا [الحج] فمن الناس من يكون حجه راكبًا أفضل، ومنهم من يكون حجه ماشيًا أفضل.
118 -
قال: والعلماء في التلبية على ثلاثة أقوال:
فمنهم من يقول: يقطعها إذا وصل إلى عرفة.
ومنهم من يقول: يلبي بعرفة وغيرها إلى أن يرمي الجمرة.
والقول الثالث: أنه إذا أفاض من عرفة إلى مزدلفة لبى، وإذا أفاض من مزدلفة إلى منى لبى حتى يرمي جمرة العقبة، كذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التلبية [في وقوفه] بعرفة ومزدلفة فلم / يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم و (عن الخلفاء وغيرهم أنهم كانوا لا يلبون بعرفة).
119 -
قال: وكل ما ذُبح بمنى وقد سيق من الحل إلى الحرم فإنه هدي سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم، ويُسمى أيضًا أُضحية، بخلاف ما يُذبح يوم النحر بالحل؛ فإنه أُضحية وليس بهدي، وليس بمنى ما هو أُضحية وليس بهدي كما هو في سائر الأمصار؛ فإذا اشترى الهدي من عرفات وساقه إلى منى فهو هدي باتفاق العلماء، وكذلك إذا اشتراه من الحرم فذهب به إلى التنعيم، وأما إذا اشتراه من منى وذبحه بها ففيه نزاع، فمذهب مالك أنه ليس بهدي، وهو منقول عن ابن عمر، ومذهب الثلاثة أنه هدي، وهو منقول عن عائشة.
120 -
قال: وليس على المفرد إلا سعي واحد، وكذلك القارن عند جمهور العلماء، وكذلك المتمتع في أصح القولين، وهو أصح الروايتين عن أحمد، أنه ليس عليه إلا
سعي واحد.
121 -
قال: ولا يُستحب للمتمتع / ولا غيره أن يطوف للقدوم بعد التعريف.
122 -
وذكر شيخنا الخلاف في خلق الأرواح قبل الأبدان، قال: والصحيح الذي عليه الجمهور أن أرواح الناس إنما برأها الله حين ينفخ الروح في الجنين.
123 -
وقال شيخنا في أثناء كلامه: وقوله تعالى: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} و {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} ونحو ذلك يتناول كل إنسان، فمن قال: إن في بني آدم قومًا عقلاء يجحدون كل العلوم، فقد غلط، كما توهمت طائفة من أهل الكلام من الناس طائفة - يقال لهم: السوفسطائية - يجحدون كل علمٍ أو كل موجودٍ، أو يقفون ويسكتون، أو يجعلون الحقائق تابعة للعقائد، ولكن هذه الأمور قد تعرض لبعض الناس في بعض الأشياء.
وقال في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ • عَلَّمَ الْقُرْآنَ} وقال تعالى في الإنسان: {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} وذلك لأن البيان شامل لكل إنسان بخلاف تعليمهم القرآن؛ فإنه خاص بمن يعلمه، لا كل إنسان، وأيضًا فإن القرآن علمه الملك قبل الإنسان؛ فإن جبريل / أخذه عن الله، ثم جاء به إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
قال: والبيان الذي علمه الإنسان يتناول علمه بقلبه ونطقه بلسانه.
ثم تكلم على البيان فإن الشافعي وغيره قسموه أقسامًا، وأطال الكلام.
124 -
ثم تكلم على قوله تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} : فقال عامة السلف
والخلف: المراد بالنجدين طريق الخير والشر، وضعف قول من قال: المراد بهما الثديان فقط، وضعَّف إسناده علي وغيره، وضعف أيضًا قول من قال: المراد التنويع [فهدى] قومًا لطريق الخير، وقومًا لطريق الشر.
125 -
[وضعَّف] شيخنا قول من قال: إن «ما» مصدرية في قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} تضعيفًا كثيرًا، وقال: فهذا المعنى وإن كان صحيحًا فلم يرد بهذه الآية.
126 -
وتكلم شيخنا على قوله تعالى: {سَفِهَ نَفْسَهُ} وذكر الاختلاف في التمييز هل يجوز أن يكون معرفة أم يتعين أن يكون نكرة، واختار أنه قد يقع معرفة وجعل منه هذا / الموضع وغيره.
قال: وقد يكون المنصوب على التمييز معرفة، وهذا لم يعرفه البصريون ولم يذكره سيبوية وأتباعه.
127 -
وقال أيضًا لما تكلم على قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} : ويتوجه في هذا ما قاله الكوفيون في المميز إذا كان معرفة {سَفِهَ نَفْسَهُ} {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} و (
…
) ونحو ذلك؛ فإنهم يقولون: صدق وعده، كقوله تعالى:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق الله وعده ونصر عبده» والأصل أن يجعل الصدق للوعد كقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} فلما جُعل للشخص نصب الوعد على التفسير.
128 -
قال في أثناء كلامه: ولو كان الوعد في قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} مفعولاً ثانيًا، لقيل: الوعد مصدوق أو مصدوق الوعد، كما يقال: الدرهم معطى، والله - تعالى - قال:{إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} لم يقل: مصدوق الوعد.
129 -
وتكلم على قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} / كلامًا جليلاً وجعله نظير ما تقدم من الانتصاب على التمييز، والمعنى: ما كذبت رؤيته، بل الرؤيا التي رآها كانت صادقة.