المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ وسئل رحمه الله ورضي عنه عن مقتل الحسين رضي الله عنه وما حكمه وحكم قاتله، وما حكم يزيد، وما صح من صفة مقتل الحسين وسبي أهله وحملهم إلى دمشق والرأس معهم، وما حكم معاوية في أمر الحسن والحسين وعلي وقتل عثمان ونحو ذلك - المسائل والأجوبة لابن تيمية

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌ وسُئِل رحمه الله تعالى - ورضي عنه عن إجارة الإقطاع، هل هي صحيحة أم باطلة، وقد ذُكِر في مذهب الشافعي قولانِ، وفيهم من حكم به

- ‌وَسُئِلَ رحمه الله تعالى - عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شيء فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يعبر بِهِ الْحَمَّامَ، ولا يقدر أن يقلب عَلَيْهِ مَاءً بَارِدًا في ذلك الوقت لِشِدَّةِ البرد، ثُمَّ إنَّهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَلَهُ وَظِيفَةٌ فِي الْجَامِعِ فَقَرَأَ فِيهَا، وبَعْدَ ذَلِكَ دَخَلَ الْحَمَّامَ، فهَلْ يَأْثَمُ بتيممه وصلاته وقراءته في وظيفته، و

- ‌وَسُئِلَ رحمه الله تعالى - ورضي عنه، عَنْ أَقْوَامٍ يُؤَخِّرُونَ صَلَاةَ الظهر والعصر إلى بعد المغرب، أو يُؤخرون الفجر إلى بعد طلوع الشمس، ويقولون: إن لهم أشغالاً - كالزرع والحرث والصيد وشبه ذلك من الصنائع - وربما يكون بينهم وبين الماء ما لو ذهبوا إليه تبطلت أشغالهم، أو أن عليهم جن

- ‌ وسُئِل رحمه الله ورضي عنه عن مَقتل الحسين رضي الله عنه وما حكمُه وحكمُ قاتلِه، وما حكمُ يزيد، وما صحَّ من صفة مقتل الحسين وسَبْي أهلِه وحملهم إلى دمشق والرأس معهم، وما حكمُ معاوية في أمر الحسن والحسين وعلي وقتل عثمان ونحو ذلك

- ‌ أما المرأة

- ‌ وأما الذي يشرب الشراب ويأكل الحرام ويقر بالشهادتين هل هو مسلم أم لا

- ‌ في الرجل وقعت عليه جنابة والوقت بارد إذا اغتسل فيه يؤذيه وتعذر عليه الحمام أو تسخين الماء، فيجوز أن يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه

- ‌ والذي إذا عدم الماء وبينه نحو الميل إذا أخر الصلاة خرج الوقت وإن تيمم أدركه

- ‌ وأما الذي يحلف بالطلاق أنه لا يفعل شيئًا ثم يفعله هل يلزمه الطلاق

- ‌الْعَبْد هَلْ يَكْفُرُ بِالْمَعْصِيَةِ أَمْ لَا

- ‌ما في الْمُصْحَفِ هَلْ هُوَ نَفْسُ الْقُرْآنِ أَو كِتَابَتُهُ، وَمَا فِي صُدُورِ الْقُرَّاءِ هَلْ هُوَ نَفْسُ الْقُرْآنِ أَوْ حِفْظُهُ

- ‌والذي يُصَلِّي وَقْتًا وَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ كَثِيرًا أَوْ لَا يُصَلِّي

- ‌وأما الْكُفَّار هَلْ يُحَاسَبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ لَا

- ‌وَأَمَّا ما شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ

- ‌وأما الشَّفَاعَةِ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَهَلْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ

- ‌وأما الْمُطِيعونَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ هَلْ هُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ

- ‌وأما الْمِيزَان هَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَدْلِ أَمْ لَهُ كِفَّتَانِ

- ‌وأما السؤال عن اللَّهُ - تَعَالَى - هَلْ أَرَادَ الْمَعْصِيَةَ مِنْ خَلْقِهِ أَمْ لَا

- ‌وأما الْبَارِي سُبْحَانَهُ هَلْ يُضِلُّ وَيَهْدِي

- ‌وأما الْمَقْتُول هَلْ مَاتَ بِأَجَلِهِ أَو قَطَعَ الْقَاتِلُ أَجَلَهُ

- ‌وأما الْغَلَاء وَالرُّخْص هَلْ هُمَا مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - أَمْ لَا

- ‌ وأما السؤال عن المعراج هل عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة أو منامًا

- ‌ وأما المبتدعة هل هم كفار أو فساق

- ‌في الدَّابَّةِ كَالْجَامُوسِ وَغَيْرِهِ (يقع) فِي الْمَاءِ فَيُذْبَحُ وَيَمُوتُ وهو فِي الْمَاءِ هَلْ يُؤْكَلُ

- ‌وأما السؤال عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ هَلْ هُوَ فَرْضٌ وَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ الصَّلَاةُ جُنُبًا

- ‌ وأما السؤال عن ملك الموت هل يُؤتى به يوم القيامة ويذبح أم لا

- ‌ وأما من سأل عمن اعتقد الإيمان بقلبه ولم يقر بلسانه هل يصير مؤمنًا

- ‌ وأما السؤال عن القرآن إذا قرأه الأحياء للأموات فأهدوه إليهم هل يصل

- ‌ وأما السؤال عن البئر إذا وقع بها نجاسة هل تنجس أم لا، وإن تنجست كم ينزح منها

- ‌ عن شهر رمضان هل يُصام بالهلال أو بالحساب والقياس إذا حال دونه غيم أو غيره

- ‌ وأما السؤال عن الصبي إذا مات وهو غير مطهر هل يقطع ختانه بالحديد عند غسله أم يخلى على حاله

- ‌ وأما السؤال عن رشاش البول وهو في الصلاة أو في غيرها ويغفل عن نفسه وعن ثيابه، ولم يتمكن من غسلها في الصلاة هل يصلي بالنجاسة أو غيرها

- ‌ أما السؤال عن المقتول إذا مات وبه جراح فخرج منها الدم، فهل يُغسل ويُصلى عليه أم لا

- ‌ وأما السؤال عن رجل يسرق الأسيرة من المغل أو غيرهم، وما لها أحدٌ، وهو يريد أن ينهزم بها، ويخبؤها ليلاً ونهارًا ويختلي بها، ويخفيها خوفًا من المغل، فأراد الرجل أن يتزوجها، وقال الرجل: إني أشهد الله وملائكته أني رضيت بها زوجة، وأن صداقها علي كذا وكذا. وقالت المرأة:

- ‌وأما السؤال عَنْ رجل يَقْرَأُ الْقُرْآنَ للجهورة مَا عِنْدَهُ أَحَدٌ يَسْأَلُهُ عَنْ اللَّحْنِ، وَإِذَا وَقَفَ عَلَيه شَيْء يَطَّلِعُ فِي الْمُصْحَفِ فهَلْ يَلْحَقُهُ إثْمٌ

- ‌وأما السؤال عَنْ الْقَاتِلِ خَطَأً أو عَمْدًا هَلْ تَدْفَعُ الْكَفَّارَة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآنِ ذنبه، أَمْ يُطَالَبُ بالْقَتْلِ أو الدِّيَةِ

- ‌وأما الْخَمْر وَالْحَرَام هَلْ هُوَ رِزْقُ اللَّهِ لِلْجُهَّالِ أَمْ يَأْكُلُونَ مَا قُدِّرَ لَهُمْ

- ‌الْإِيمَانُ هَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ

- ‌ وأما السؤال عن الإمام إذا استقبل القبلة في الصلاة هل يجوز لأحد أن يتقدم عليه، وهل تبطل صلاة الذين يتقدمون إمامهم

- ‌ في قتل الهوام في الصلاة

- ‌ وأما السؤال عن سماع الغناء

- ‌ وأما الدابة إذا ذُبحت والغَلْصَمَة مما يلي البدن هل يحل أكلها

- ‌ وأما الصلاة في طريق الجامع والناس يصلون برا وهو طريق مسلوك خارجه هل تجوز

- ‌وأما تَارِك الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ هَلْ هُوَ مُسْلِمٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ

- ‌(2)اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌فصل

- ‌الفصل الثاني

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌(3)ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌مذهبه توسعة العذر للخلق، ولا يُكفِّر أحدًا إلا بعد قيام الدليل والحجة عليه

- ‌ عُوفي من الصرع الجني غير واحدٍ بمجرد تهديده للجني

- ‌خَرَّجَ له المحدث أمين الدين الواني أربعين حديثًا عن أربعين شيخًا

- ‌الفهرس الموضوعي لاختيارات شيخ الإسلام

- ‌الإيمان

- ‌التفسير

- ‌سورة البقرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء

- ‌سورة القصص

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة النجم

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة البلد

- ‌سورة العلق

- ‌الحديث

- ‌أصول الفقه

- ‌الفقه

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الوضوء

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب الحيض

- ‌باب النجاسات

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب اجتناب النجاسة ومواضع الصلاة

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب الذكر بعد الصلاة

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌كتاب الصيام

- ‌كتاب الحج

- ‌كتاب البيوع

- ‌باب الربا

- ‌باب بيع الأصول والثمار

- ‌باب المزارعة والمساقاة

- ‌باب الإجارة

- ‌باب وضع الجوائح

- ‌باب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌باب الوقف

- ‌باب الهبة

- ‌باب العتق

- ‌كتاب النكاح

- ‌كتاب الطلاق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب القسامة

الفصل: ‌ وسئل رحمه الله ورضي عنه عن مقتل الحسين رضي الله عنه وما حكمه وحكم قاتله، وما حكم يزيد، وما صح من صفة مقتل الحسين وسبي أهله وحملهم إلى دمشق والرأس معهم، وما حكم معاوية في أمر الحسن والحسين وعلي وقتل عثمان ونحو ذلك

فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَد وَمَالِكٍ الْجَمْعُ لِلْوَحْلِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ الْبَارِدَةِ [وَنَحْوِ ذَلِكَ]، وَيَجُوزُ لِلْمُرْضِعِ أَنْ تَجْمَعَ إذَا كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهَا غَسْلُ الثَّوْبِ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَد.

وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ وَالْقَصْرِ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؟

فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ: لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد، وَعَلَيْهِ تَدُلُّ نُصُوصُهُ وَأُصُولُهُ، وَقَالَ الشافعي وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد: يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا قَدْ بُسِطَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَواضِعِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

*‌

‌ وسُئِل رحمه الله ورضي عنه عن مَقتل الحسين رضي الله عنه وما حكمُه وحكمُ قاتلِه، وما حكمُ يزيد، وما صحَّ من صفة مقتل الحسين وسَبْي أهلِه وحملهم إلى دمشق والرأس معهم، وما حكمُ معاوية في أمر الحسن والحسين وعلي وقتل عثمان ونحو ذلك

؟ (1)

فأجاب رضي الله عنه: الحمد لله، أما عثمان وعلي والحسين رضي الله عنهم فقُتِلوا مظلومين شهداءَ باتفاق أهل السنة والجماعة، وقد ورد في عثمان وعلي أحاديث صحيحة في أنهم شهداء وأنهم من أهل الجنة، بل وفي طلحة والزبير أيضًا كما في الحديث الصحيح:«أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجبل لما اهتزَّ ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي: اثبُتْ حِرَاءُ - أو أُحُدُ - فإنما عليك نبيٌّ وصدّيقٌ وشهيدان» بل

(1) هذه المسألة نشرت مؤخرًا في جامع المسائل (6/ 253 - 270).

ص: 71

قد شهد النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة للعشرة وهم: الخلفاء الأربعة، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح.

أما فضائل الصدِّيق فكثيرةٌ مستفيضةٌ، وقد ثبتَ من غير وجهٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو كنتُ متخذًا من أهل الأرض خليلاً لاتخذتُ أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله - يعني نفسَه -.

وقال: إنَّ أَمَنَّ الناسِ علينا في صُحبتِه وذاتِ يدِه أبو بكر. وقال: لا يبقينَّ في

ص: 72

وقد تواترَ أنه أمره أن يُصلِّي بالناس في مرضِ موته؛ فصلَّى بالناس أيامًا متعددةً بأمرِه، وأصحابُه كلُّهم حاضرون - عمر وعثمان وعلي وغيرهم - فقدَّمَه عليهم كلِّهم.

وثبت في الصحيح أن عُمَر قال له بمحضرٍ من المهاجرين والأنصار: «أنتَ خيرُنا وسيِّدُنا وأحبُّنا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم» .

ص: 74

وثبت في الصحيح: «أنَّ عَمْرو بن العاصي سألَه عن أحبِّ الرجال إليه، فقال: أبو بكر» .

وفضائل عمر وعثمان وعلي كثيرةٌ جدًّا ليس هذا موضع بَسطِها، وإنما المقصود أن مَنْ هو دون هؤلاء مثل طلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف، قد تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ كما ثبت ذلك في «الصحيح» عن عمر:«أنه جعلَ الأمر شورى في ستَّةٍ: عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن، وقال: هؤلاء الذين تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ» . بل قد ثبتَ في الصحيح من حديث علي بن أبي طالب: «أن حاطب بن أبي بَلْتَعَة قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه شهدَ بدرًا، وما يُدريك أنّ الله اطَّلع إلى أهلِ بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم» . وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر. وثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يَدخلُ النارَ أحدٌ بايعَ تحتَ الشجرة» وكان أهل الشجرة ألفًا وأربعمائةٍ كلهم رضي الله عنهم ورَضُوا عنه، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وهم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، فهم أعظم درجةً ممن أنفقَ من بعد الفتح وقاتلَ. وثبتَ في «الصحيح» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا تَسُبُّوا أصحابي، فلو أنفقَ أحدُكم مثلَ أُحُدٍ ذهبًا ما بلغَ مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيْفَه» . وثبت في الصحيح «أن غلامَ حاطبٍ قال: والله يا رسول الله، ليَدخلَنَّ حَاطبٌ النارَ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: كذبتَ؛ إنه قد شهدَ بدرًا والحديبية» ، وهذا وقد

ص: 75

كان حاطبٌ سَيِّئ المَلَكَةِ وقد كاتبَ المشركينَ بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوةِ الفتح، ومع هذه الذنوب أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ممن يدخلُ الجنَّة ولا يدخلُ النار، فكيف بمن هو أفضَلُ منه بكثيرٍ كعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف.

وأما الحسين فهو وأخوه سيّدا شباب أهل الجنة، وهما رَيْحانةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا، كما ثبت ذلكَ في الصحيح، وثبتَ في الصحيح: «أنه أدارَ

ص: 76

كساءَه على عليّ وفاطمة والحسن والحسين، وقال: اللَّهمّ هؤلاء أهلُ بيتي، أَذهِبْ عنهم الرجسَ وطهِّرهم تطهيرًا»، وإن كان الحسنُ الاكبر هو الأفضل، لكونه كان أعظمَ حلمًا وأرغبَ في الإصلاح بين المسلمين وحَقْنِ دماءِ المسلمين، كما ثبتَ في صحيح البخاري عن أبي بكرة قال:«رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسنُ بن علي إلى جانبه، وهو يُقْبِلُ على الناس مرةً وعليه أخرى، ويقول: إنَّ ابني هذا سَيِّدٌ، ولعلَّ الله أن يُصلحَ به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ، وفي صحيح البخاري عن أسامة قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني فيُقعِدني على فخذِه، ويُقعِد الحسنَ على فخذِه الأخرى، ويقول: اللهمَ إني أحِبُّهما، فأَحبهما وأَحِبَّ من يُحِبُّهما» ، وكانا من أكرهِ الناس للدخول في اقتتال الأَمة.

والحسين رضي الله عنه قُتِل مظلومًا شهِيدًا، وقتَلَتُه ظالمون متعدُّون، وإن كان بعض الناس يقول: إنه قُتِلَ بحق؛ ويحتِجّ بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من جاءكم وأمرُكم على رجلٍ واحدٍ يُرِيد أن يُفرِّق بين جماعتكم فاضربوا عُنُقَه بالسيف كائنًا من كان» رواه مسلم، فزعم هؤلاء أن الحسين أتى الأمةَ وهم مجتمعون فأراد أن يُفرِّق الأمة؛ فوجبَ قتلُه، وهذا بخلاف من يتخلَّف عن بيعة الإمام ولم يَخرُج عليه، فإنه لا يجب قتلُه، كما لم يقتُل الصحابة سعد بن عُبادة مع تخلُّفِه عن بيعةِ أبي بكر وعمر، وهذا كذِبٌ وجهلٌ؛ فإن الحسين رضي الله عنه لم يُقتَل حتى أقامَ الحجةَ

ص: 77

على من قتلَه، وطلبَ أن يذهبَ إلى يزيدَ، أو يرجعَ إلى المدينة، أو يذهبَ إلى الثَّغْر، وهذا لو طلبَه آحادُ الناس لوجبَ إجابتُه، فكيف لا يجب إجابةُ الحسين رضي الله عنه إلى ذلك، وهو يطلب الكفَّ والإمساك. وأما أصل مجيئه فإنما كان لأن قومًا من أهل العراق من الشيعة كتبوا إليه كتبًا كثيرةً يشتكون فيها من تغيُّرِ الشريعة وظهور الظلم، وطلبوا منه أن يقدمَ ليبايعوه ويعاونوه على إقامة الشرع والعدل، وأشار عليه أهلُ الدين والعلم - كابن عباس وابن عُمَر وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - بأن لا يذهب إليهم، وذكروا له أن هؤلاء يَغُرونَه، وأنهم لا يُوفُون بقولهم، ولا يَقدِر على مطلوبه، وأن أباه كان أعظمَ حرمةً منه وأتباعًا؛ ولم يتمكَّن من مرادِه، فظنَّ الحسين أنه يَبلُغ مرادَه، فأرسلَ ابنَ عمّه مسلم بن عَقِيل، فآوَوه أوّلاً، ثمَّ قتلوه ثانيًا، فلما بلغَ الحسينَ ذلك طلبَ الرجوعَ، فأدركَتْه السريَّةُ الظالمةُ، فلم تُمكِّنْه من طاعة الله ورسوله، لا من ذهابه إلى يزيد، ولا من رجوعِه إلى بلدِه، ولا إلى الثَّغْر، وكان يزيدُ - لو يجتمعُ بالحسين - من أحرصِ الناس على إكرامِه وتعظيمه ورعايةِ حقِّه، ولم يكن في المسلمين عنده أَجَلَّ من الحسين، فلما قتله أولئك الظَّلَمة حَملُوا رأسَه إلى قدّام عُبَيْدِ الله بن زياد، فنكَتَ بالقضيب على ثناياه، وكان في المجلس أنس بن مالك فقال: «إنك تنكتُ

ص: 78

بالقضيب حيثُ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّلُ». هكذا ثبتَ في الصحيح، وفي «المسند» «أن أبا بَرْزَةَ الأسلمي كان أيضًا شاهدًا» فهذا كان بالعراق عند ابن زياد.

وأما حملُ الرأس إلى الشام أو غيرها والطوافُ به فهو كَذِبٌ، والروايات التي تُروَى أنه حُمِلَ إلى قُدَّام يزيدَ ونكتَ بالقضيب، روايات ضعيفةٌ لا يَثبتُ شيء منها، بل الثابتُ أنه لما حُمِلَ علي بن الحسين وأهلُ بيته إلى يزيد وقعَ البكاءُ في بيتِ يزيد - لأجل القرابة التي كانت بينهم - لأجل المصيبة، ورُوِي أن يزيد قال: لعنَ الله ابنَ مَرجانة - يعني: ابنَ زياد - لو كان بينه وبين الحسين قرابةٌ لما قتلَه.

ص: 79

وقال: قد كنت أرضَى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين. وأنه خيَّر علي بن الحسين بين مُقامِه عنده وبين الرجوع إلى المدينة، فاختار الرجوع، فجهَّزه أحسن جهاز، ويزيدُ لم يأمر بقتل الحسين، ولكن أمرَ بدفعِه عن منازعتِه في الملك، ولكن لم يَقتُل قَتَلةَ الحسين ولم يَنتقِم منهم، فهذا مما أُنكِر على يزيد، كما أُنكِر عليه ما فَعَلَ بأهلِ الحرَّةِ لمّا نكَثوا بيعته، فإنه أمرَ بعد القدرة عليهم بإباحةِ المدينةِ ثلاثًا، فلهذا قيل لأحمد بن حنبل: أيُؤخَذُ الحديثُ عن يزيد؟ فقال: لا، ولا كرامةَ، أوَ ليس هو الذي فعلَ بأهل المدينة ما فعل. وقيل له: إنّ قومًا يقولون: إنّا نُحِبُّ يزيدَ، فقال: وهل يُحِبُّ يزيدَ مَن يُؤمِنُ بالله واليوم الآخر؟ ! فقيل له: أوَ لا تلعنُه؟ فقال: متى رأيتَ أباكَ يلعنُ أحدًا.

ومع هذا فيزيدُ أحد ملوك المسلمين له حسناتٌ وسيئات - كما لغيره من الملوك - وقد روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أولُ جيشٍ يَغزو القُسطَنطينية مغفورٌ له» وأولُ جيشٍ غزاها كان أميرهم يزيد، غزاها في خلافة أبيه معاوية، ومعه أبو أيوب الأنصاري، ومات ودُفِن هناك.

ويزيد هذا ليس هو من الصحابة، بل وُلِد في خلافة عثمان، وأما عمُّه يزيد بن أبي سفيان فهو من الصحابة، وهو رجلٌ صالح أمَّره أبو بكر في فتوح الشام،

ص: 80

ومَشى في ركابه، ووَصَّاه بوصايا معروفةٍ عند الفقهاء يعملون بها، ولما مات في خلافة عمر وَلَّى عمرُ أخاه معاويةَ مكانَه، ثمَّ وَلِي عثمانُ فأقره وولاه إلى أن قُتِل عثمان، ووُلِد له يزيد ابنُه في خلافة عُثمان.

ولم يُسْبَ قطُّ في الإسلام أحدٌ من بني هاشم لا علوي ولا غير علوي، لا في خلافة يزيد ولا غيرها، وإنما سَبَى بعضَ الهاشمياتِ الكُفَّارُ من المشركين وأهلِ الكتاب، كما سَبَى التركُ المشركون من سَبَوه لما قَدِموا بغداد، وكان من أعظم [أسباب] سَبْي الهاشميات معاونةُ الرافضةِ لهم كابن العَلْقَمي وغيرِه، بل ولا قَتَلَ أحدٌ من بني مروان أحدًا من بني هاشم لا علويّ ولا عباسيّ ولا غيرهما إلاّ زيدَ بن علي، قُتِلَ في خلافة هشام، وكان عبد الملك قد أرسلَ إلى الحجاج: إيَّايَ ودماء بني هاشم. فلم يَقتل الحجاجُ أحدًا من بني هاشم لا علويّ ولا عباسيّ، بل لمّا تزوج بنتَ عبدِ الله بن جعفر فأمره عبد الملك أن يُفارقَها؛ لأنه ليس بكُفْؤٍ لها، فلم يروه كُفْؤًا أن يتزوج بهاشمية.

وأما معاوية لما قُتِلَ عثمانُ مظلومًا شهيدًا، وكان عثمان قد أمرَ الناس بأن لا يُقاتِلُوا معه، وكَرِهَ أن يُقتَل أحدٌ من المسلمين بسببه، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 81

قد بَشَّره بالجنَّة على بَلْوى تُصِيبُه، فأحبَّ أن يَلقَى الله سالمًا من دماءِ المسلمين، وأن يكون مظلومًا لا ظالمًا، كخيرِ ابنَيْ ادمَ الذي قال:{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} . وعلي بن أبي طالب بريءٌ من دمه لم يَقتُلْه ولم يُعِنْ عليه ولم يَرضَ، بل كان يَحلِفُ - وهو الصادق المصدوقُ - أني ما قتلتُ عثمانَ، ولا أَعَنتُ على قتلِه، ولا رضيتُ بقتلِه. ولكن لمَّا قُتِلَ عثمان وكان عامة المسلمين يحبون عثمانَ لحِلْمِه وكرمِه وحُسْنِ سيرتِه، وكان أهلُ الشام أعظمَ محبةَ له فصارت شيعةُ عثمانَ إلى أهل الشام، وكثُر القيلُ والقالُ - كما جَرتِ العادةُ بمثل ذلك من الفتن - فشَهِدَ قوم بالزُّور على عليٍّ أنه أعان على دم عثمان؛ فكان هذا مما أوغَرَ قلوبَ شيعة عثمان على عليٍّ فَلم يبايعوه، وآخرون يقولون: إنه خَذَلَه وتَرَك ما يَجبُ من نَصْرِه. وقَوى هذا عندهم أنَّ القَتَلَة تحيَّزتْ إلى عسكرِ عليّ، وكان عليّ وطلحة والزبيرُ قد اتفقوا في الباطن على إمساك قَتَلَةِ عثمان، فسَعَوا بذلك فأقاموا الفتنةَ عامَ الجمل حتى اقتتلوا من غير أن يكون عليٌّ أرادَ القتالَ ولا طلحةُ ولا الزبيرُ، بل كان المحرِّكُ للقتال الذين أقاموا الفتنةَ على عثمان، فلمَّا طلبَ عليٌّ من معاوية ورعيتِه أن يبايعوه امتنعوا عن بيعته، ولم يبايعوا معاويةَ، ولا قالَ أحدٌ قطُّ إن معاويةَ مثلُ عليٍّ، أو إنّه أحق من عليٍّ بالبيعة، بل الناس كانوا متفقين على أن عليًّا أفضلُ وأحق، ولكن طلبوا من علي أن يُقيمَ الحدَّ على قَتَلَةِ عثمانَ، وكان عليٌّ غيرَ متمكن من ذلك لتفرُّقِ الكلمةِ وانتشار الرعيَّةِ وقوة المعركةِ لأولئك، فامتنعَ هؤلاءِ عن بيعته، إمّا لاعتقادهم أنه عاجزٌ عن أخذِ حقِّهم، وإما لِتوهُّمِهم محاباةَ أولئك، فقاتلَهم عليٌّ لامتناعِهم من بيعتِه، لا لأجلِ

ص: 82

تأميرِ معاوية، وعليٌّ وعسكره أولَى من معاويةَ وعسكرِه؛ كما ثبتَ في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«تَمْرُقُ مارقةٌ على حينِ فُرقة من المسلمين، تَقتُلُهم أَولَى الطائفتينِ بالحق» . فهذا نَصٌّ صريحٌ أن علي بن أبي طالب وأتباعه أولَى بالحقّ من معاويةَ وأصحابه، وفي صحيح مسلم وغيرِه أنه قال:«يقتلُ عمارًا الفئةُ الباغيةُ» .

لكن الفئة الباغية هل يجب قتَالُها ابتداءً قبلَ أن تَبدأ الإمامَ بالقتالِ، أم لا تُقاتَل حتى تبدأ بالقتال؟ هذا مما تنازع فيه العلماء، وأكثرهم على القول الثاني، فلهذا كان مذهب أكابر الصحابة والتابعين والعلماء أنَّ تَرْكَ علي القتالَ كان أكملَ وأفضلَ وأتمَّ في سياسة الدين والدنيا، ولكنْ عليٌّ إمامُ هدَى من الخلفاء الراشدين؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«تكون خلافة النبوة ثلاثين سنةً ثمَّ تصِيرُ مُلْكًا» رواه أهل السنن، واحتجَّ به أحمد وغيرُه على خلافةِ عليّ، والردّ على من طعنَ فيها، وقال

ص: 83

أحمد: من لم يُرَبِّعْ بعليٍّ في خلافته فهو أضلُّ من حمارِ أهلِه.

والقرآن لم يأمر بقتالِ البغاة ابتداءً، بل قال تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ • إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .

وما حرَّمه الله - تعالى - من البغي والقتل وغير ذلك إذا فعلَه الرجلُ متأوِّلاً مجتهدًا معتقدًا أنه ليس بحرامٍ لم يكن بذلك كافرًا ولا فاسقًا، بل ولا قَوَدَ في ذلك ولا ديةَ ولا كفارة، كما قال الزهري: وَقَعتِ الفتنةُ وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون فأجمعوا [على أن] كلَّ دمٍ أو مالٍ أو فرجٍ أُصيبَ بتأويل [القرآن] فهو هدر. وقد ثبتَ في الصحيح: «أن أسامةَ بن زيدٍ قَتَلَ رجلاً من الكفار بعدما قال: لا إله إلاّ الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أسامةُ، أقتلتَه بعدما قال لا إله إلاّ الله! قال: فقلتُ: يا رسول الله، إنما قالَها تَعوُّذًا، فقال: هلَاّ شَقَقْتَ عن قَلْبه. وكرَّرَ عليه قوله: أقَتلتَه بعدما قال لا إله إلاّ الله» ومع هذا فلمَ يحكم عليه بقَوَدٍ ولا دِيةٍ ولا كفارةٍ؛ لأنه كان متأوِّلاً اعتقدَ جوازَ قتلِه بهذا، مع ما رُوِيَ عنه «أنّ رجلاً قال له: أرأيتَ إن قَطعَ رجل من الكفَّار يدي ثمَّ أسلمَ، فلما أردتُ أن أقتلَه لاذَ منّي

ص: 84

بشجرةٍ أأقتُلُه؟ فقال: إن قَتلتَه كنتَ بمنزلتِه قبلَ أن يقولَ ما قال، وكان بمنزلتك قبلَ أن تَقتلَه» فبيَّن أنك تكونُ مُباحَ الدم كما كان مُباحَ الدم، ومع هذا فلما كان أسامةُ متأوِّلاً لم يُبِحْ دمه.

وأيضًا فقد ثبتَ «أنه أرسلَ خالد بن الوليد إلى بني جَذِيمةَ، فلم يُحسِنُوا أن يقولوا: أسلمنا، فقالوا: صَبَأْنا صَبَأْنا، فلم يجعل خالد ذلك إسلامًا بل أمرَ بقَتْلِهمِ، فلما بلغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذلك رَفعَ يديهِ إلى السماء، وقال: اللهم إني أبْرَأُ إليك مما فَعَلَ خالد. وأرسلَ عليًّا فوَدَاهُم بنصفِ ديَاتِهم» ، ومع هذا فلم يُعاقِبْ خالدًا ولم يَعْزِلْه عن الإمارة؛ لأنه كان متأوِّلاً، وكذلك فَعَلَ به أبو بكر لما قَتَلَ مالك بن نُوَيرةَ، كان متأوِّلاً في قتلِه فلم يُعاقِبْه ولم يَعْزِلْه؛ لأنَّ خالدًا كان سيفًا قد سَلَّه الله - تعالى - على المشركين؛ فكان نفعُه للإسلام عظيمًا، وإن كان قد يُخطىء أحيانًا، ومعلومٌ أن عليًّا وطلحة والزبير أفضلُ من خالدٍ وأسامةَ وغيرِهما.

ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن: «إن ابني هذا سيد وسيُصلحُ الله به بين فئتينِ عظيمتين من المسلمين» فمدحَ الحسنَ على الإصلاح ولم يَمدَح على القتال في الفتنة؛ علمنا أن الله ورسوله كان يحبُّ الإصلاح بين الطائفتين دون الاقتتال، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في الخوارج: «يَحقِرُ أحدُكم صلاتَه مع صلاتِهم وقراءتَه مع قراءتِهم، يَقرءون القرآنَ لا يُجاوِزُ حَنَاجِرَهم، يَمرُقون من الإسلام كما يَمرُقُ السَّهمُ من الرَّمِيَّةِ، أينما لَقِيْتمُوهم فاقتلوهم؛ فإنَّ في قَتْلِهم أجرًا

ص: 85

عند الله لمن قَتَلَهم يومَ القيامةِ». وقال: «يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق» . ورُوِيَ «أَولَى الطائفتينِ بالحق» من معاوية وأصحابه.

واعلم أن قتالَ الخوارج المارقةِ - أهلِ النهروان الذين قاتلَهم علي بن أبي طالب - كان قتالُهم مما أمر الله به ورسولُه، وكان عليٌّ محمودًا مأجورًا مُثَابًا على قِتالِه إيّاهم، وقد اتفق الصحابة والأئمةُ على قتالِهم بخلاف قتالِ الفتنة، فإن النصَّ قد دلَّ على أن تركَ القتالِ فيها كان أفضلَ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«ستكونُ فتنة القاعدُ فيها خير من [القائم، والقائم فيها خير من] الماشي، والماشي خير من الساعي» ، ومثل قوله لمحمد بن مسلمة:«هذا لا تَضُرُّه الفتنةُ» ، فاعتزلَ محمد بن مسلمةَ الفتنةَ، وهو من خيار الأنصار، فلم يُقاتِل لا مع هؤلاءِ ولا مع هؤلاء، وكذلك أكثر السابقين

ص: 86

لم يُقاتِلوا، بل مثل سعد بن أبي وقّاص ومثل أسامة وزيد وعبد الله بن عمر وعمران بن حصين، ولم يكن في العسكرينِ بعد عليٍّ أفضلُ من سعد بن أبي وقاص ولم يقاتل، وزيد بن ثابت، ولا أبو هريرة، ولا أبو بكرة، ولا غيرهما من أعيانِ الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهْبانَ بن صَيْفِي:«خُذْ هذا السيفَ فقاتِلْ به المشركين، فإذا اقتتلَ المسلمون فاكسِرْه» ، ففعلَ ذلك ولم يُقاتِلْ في الفتنة.

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يُوشِك أن يكون خيرَ مالِ المسلم غنمٌ يَتبعُ بها شَعَفَ الجبالِ ومَواقع القَطْرِ؛ يَفِرُّ بدِينه من الفِتن» .

وفي الصحيح عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأرى الفتنةَ تَقَعُ خِلالَ بيوتكم كمواقع القَطْرِ» .

والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة في إخبارِه بما سيكون في الفتنة بين أمتِه،

ص: 87

وأمرِه بتركِ القتال في الفتنة، وأن الإمساك عن الدخول فيها خيرٌ من القتال.

وقد ثبتَ عنه في الصحيح أنه قال: «سألتُ ربّي لأمتي ثلاثًا، فأعطاني اثنين ومَنَعَني واحدًا، سالتُه أن لا يُسَلِّطَ عليهم عدوًّا من غيرهم؛ فأعطانيها، وسالتُه أن لا يُهلِكَهم بسَنَةٍ عامَّةٍ؛ فأعطانيها، وسألتُه أن لا يَجعلَ بأسَهم بينهم؛ فَمَنَعَنِيْها» .

وكان هذا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم وفضائل هذه الأمة؛ إذ كانت النشأة الإنسانية لا بدَّ فيها من تفرُّقٍ واختلافٍ وسَفْكِ دماء، كما قالت الملائكة:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} ولما كانت هذه الأمة أفضل الأمم وآخر الأمم عَصَمَها الله أن تجتمعَ على ضلالةٍ، وأن يُسلَّط عدوٌّ عليها كلِّها كما سُلطَ على بني إسرائيل، بل إن غُلِبَ طائفة منها كان فيها طائفةٌ قائمةٌ ظاهرة بأمر الله إلى يوم القيامة، وأخبرَ أنه:«لا تزالُ فيها طائفةٌ ظاهرةٌ على الحقّ حتى يأتيَ أمر الله» وجعلَ ما يستلزمُ من نشأة الإنسانية من التفرق والقتال هو لبعضها مع بعض ليس بتسليط غيرِهم على

ص: 88

جميعهم كما سَلَّطَ على بني إسرائيل عدوًّا قَهَرَهم كلَّهم، فهذه الأمة - ولله الحمدُ - لا تُقْهَرُ كلُّها، بل لا بُدَّ فيها من طائفةٍ ظاهرةٍ على الحق منصورةٍ إلى قيام الساعة، إن شاء الله - تعالى - والله أعلم.

ص: 89

وسُئِل رحمه الله ورضي عنه عن مسائل سألها أهل الرحبة خطيب قرية عشارا وهي:

1 -

الرجل يأمر زوجته بالصلاة ويضربها فلا تصلي، ولا يقدر على طلاقها لأجل الصداق وغيره؟

2 -

وفي الرجل يشرب الشراب ويأكل الحرام ويعتقد أنه حرام هل هو مسلم أم لا؟

3 -

والرجل يصيبه الجنابة والوقت بارد يؤذيه الغسل بالماء البارد ويعدم الحمام أو الماء الحار هل يتيمم ولا إعادة عليه؟

4 -

وإذا عدم الماء وبينه نحو الميل فإن أخر الصلاة إلى الماء فات الوقت، وإن تيمم أدركه، هل يتيمم ولا إعادة عليه.

5 -

وفي الرجل يحلف بالطلاق الثلاث على شيء أنه لا يفعله ثم يفعله، هل يلزمه الطلاق الثلاث؟

6 -

وفي المؤمن هل يَكْفُر بالمعصية؟

7 -

وما في المصحف هل هو نفس القرآن أم كتابته، وما في صدور المقرئين هل هو نفس القرآن أم لا؟

8 -

والرجل يصلي وقتًا ويتركها أكثر زمانه، والرجل لا يصلي عمره من غير عذرٍ هل يُغسل ويُصلى عليه؟

9 -

وفي الكفار هل يُحاسبون يوم القيامة أم لا؟

10 -

وما شجر بين الصحابة علي ومعاوية وطلحة وعائشة هل يُطالبون به أم لا؟

11 -

وفي أهل الكبائر والشفاعة فيهم، وهل يدخلون الجنة إذا لم يتوبوا أم لا؟

ص: 90

12 -

وفي الصالحين من أمة محمدٍ هل هم أفضل من الملائكة؟

13 -

وفي الميزان الذي في القيامة هل له كفتان، أم هو عبارة عن العدل؟

14 -

وفي المعاصي هل أرادها الله من خلقه؟

15 -

وفي الباري - تعالى - هل يُضل عباده ويهديهم أم لا؟

16 -

وفي المقتول هل مات بأجله أم قطع القاتل أجله؟

17 -

وفي الغلاء والرخص هل هو من الله؟

18 -

وفي الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم لما عُرِجَ به هل كان في اليقظة أم في النوم؟

19 -

وفي المبتدعة هل هم كفار أم فساق؟

20 -

وفي ملك الموت هل يُذبح يوم القيامة أم لا؟

21 -

وفي الرجل يعتقد الإيمان بقلبه ولم يتلفظ بلسانه هل يصير بذلك مؤمنًا؟

22 -

وغسل الجنابة هل هو فرض أم لا؟

وهل يجوز أن يصلي الجنب ويعيد؟

23 -

وعن الحرام من المال والخمر هل هو رزق الله لمن أكله؟

24 -

وفي الإيمان هل هو مخلوق أم لا؟

25 -

وفي القراءة إذا أُهديت إلى الأموات هل يصل ثوابها من بعد وقرب؟

26 -

وفي البئر إذا وقعت فيها ميتة أو نجاسة هل تنجس؟ وإذا نجست هل ينزع منها شيء أم لا؟

27 -

وفي هلال شهر رمضان هل يُصام برؤيته أم بالحساب؟ وإذا حال دونه غيم هل يُصام بالحساب؟

28 -

وفي رجل يصيبه رشاش البول وهو في الصلاة أو غيرها ويغفل عن نفسه، أو لم يتمكن من غسلها، هل يصلي بالنجاسة أو يترك الصلاة؟

29 -

وفي الرجل إذا قُتل وفيه جراح يخرج منها دم هل يُغسل ويُصلى عليه؟

30 -

والرجل يسرق الأسيرة من بلاد العدو - ولم يُعرف لها أهل - وينهزم

ص: 91

بها ويسافر ليلاً ونهارًا، فيريد التزويج بها كما يزوجه القاضي خوف الفتك، فيقول: أُشْهِدُ الله وملائكته أن صداقها عليَّ كذا. وترضى هي بالزواج والصداق، هل يجوز ذلك للضرورة وخوف الفتك كونها معه ليلاً ونهارًا يطلع عليها على ما يخفى في السفر؟

31 -

وفي الرجل يقرأ القرآن وما عنده أحد يسأل عن اللحن وإذا وقف على شيءٍ نظر في المصحف، هل يأثم أم لا؟

32 -

وفي صلاة الجمعة إذا لم تتم الجماعة أربعون رجلاً ويصعب تركها، هل له رخصة عند أحد أن يصلي بدون الأربعين وذلك في قرى عديدة؟ (1)

33 -

وهل يجوز التقدم بين يدي الإمام أم لا؟ وهل تبطل صلاة من تقدم؟

34 -

وفي القاتل عمدًا أو خطأ هل تدفع الكفارة المذكورة في القرآن ذنبه، أم يُطالب بالقتل؟

35 -

والمصلي إذا رأى هوام الأرض هل يجوز قتله، ولو مشى إليه ثلاث خطوات وهو في الصلاة؟

36 -

وفي السماع بالدف والشبابة هل هو حرام؟

ودخول النار وإخراج اللاذن ومؤاخاة النساء الأجانب هل هو حرام؟

37 -

وفي البقر الحلابة تأكل النجاسة هل ينجس لبنها ويحرم؟

38 -

وفي الذبيحة إذا كانت الغلصمة مما يلي البدن هل تحرم أم لا؟

39 -

وفي البهيمة تُذبح في الماء وتموت فيه، هل تؤكل أم لا؟

40 -

(وفي المسجد والجامع) وصلاة قوم برا المسجد وفي طريقه هل تجوز صلاتهم؟

41 -

وفي الرجل يشتري الدابة ويزن الثمن ويقبضها، واشترط له

(1) قال المحقق: (لم يرد جواب هذا السؤال في الأصل، وانظر مجموع الفتاوى 24/ 107).

ص: 92