الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
130 -
تكلم شيخنا على قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} وعلى قوله تعالى: {أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} ، وحكى عن بعضهم أن المعنى: تخونونها بارتكاب ما حرم عليكم. قال: فجعل الأنفس مفعول يختانون، وجعل الإنسان قد خانها، أي: ظلمها. قال: وهذا فيه نظر؛ فإن كل ذنب يذنبه الإنسان فقد ظلم فيه نفسه، سواء فعله سرًّا أو علانية، وإن كان اختيان النفس هو ظلمها وارتكاب ما حرم عليها [كان كل] مذنبٍ مختانًا لنفسه؛ وإن جهر بالذنوب، ومعلوم أن هذا اللفظ إنما استعمل في خاص من الذنوب فيما يُفعل سرًّا.
قال: ولفظ الخيانة حيث استعمل / لا يُستعمل إلا فيما خفي عن المخون كالذي يخون أمانته فيخون من ائتمنه إذا كان لا يشاهده.
إلى أن قال: فإذا كان كذلك فالإنسان [كيف] يخون نفسه، وهو لا يكتمها ما يفعله، ولا يفعله سرًّا عنها كما يخون من لا يشاهده؟
قال: والأشبه - والله أعلم - أن يكون قوله تعالى: {يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} ، مثل قوله:{إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} ، وقد ذهب الكوفيون وابن قتيبة أن مثل هذا منصوب على التمييز وإن كان معرفة، وقد ذكروا لذلك شواهد كثيرة من كلام العرب، مثل قولهم: آلم فلانٌ رأسَه، ووجع بطنَه، ورشد أمرَه. ومنه قوله تعالى:{بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} فالمعيشة نفسها بطرت، وقوله:
{سَفِهَ نَفْسَهُ} معناه: سفهت نفسه - أي: كانت سفيهة - فلما أضاف الفعل إليه نصبها على التمييز، وهذا الذي قاله الكوفيون أصح في اللغة والمعنى، فإن الإنسان هو السفيه نفسه، كما قال / تعالى:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} كذلك قوله: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} ، أي [تختان] أنفسكم، فالأنفس هي التي اختانت كما أنها السفيهة، وقال:«اختانت» ولم يقل: «خانت» لأن الافتعال [فيه زيادة فعل على ما في] مجرد الخيانة.
قال في أثناء كلامه: أو يكون قوله: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} ، أي يخون بعضكم بعضًا، كقوله:{فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ، فإن السارق وأقوامه خانوا إخوانهم المؤمنين، والمجامع إذا [كان] جامع امرأته وهي لا تعلم أنه حرام؛ فقد خانها.
قال: والأول أشبه، والنفس هي [التي] خانت؛ فإنها تحب الشهوة والمال والرياسة، وخان واختان مثل كسب واكتسب، فجعل الإنسان مختانًا، ثم بيَّن أن النفس هي التي تختان، كما أنها هي التي تسفه [لأن] مبدأ ذلك [من] شهوتها ليس هو مما [يأمر به العقل والرأي] ومبدأ السفه منها لخفتها وطيشها، والإنسان (تارة تغلبه نفسه في السر على هواه) بأمورٍ ينهاها عنه العقل / والدين،
فتكون نفسه (اختانت عليه) وغلبته، وهذا يوجد كثيرًا في أمر الجماع وأمر المال، ولهذا لا يؤتمن على ذلك أكثر الناس، ويقصد بالائتمان من لا تدعوه نفسه إلى الخيانة في ذلك، قال سعيد بن المسيب:«لو اؤتمنت على بيت المال لأديت الأمانة، ولو اؤتمنت على امرأةٍ سوداء حبشيةٍ لخشيت أن لا أؤدي الأمانة فيها» . وكذلك المال لا يؤتمن عليه أصحاب الأنفس الحريصة على أخذه كيف اتفق.
131 -
وتكلم شيخنا على قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} ، واختار أن المعنى أن يكون النبي قُتِل وأن من معه من الربيين لم يهنوا بعد قتله، وضعَّف قول من قال: إن الربيين يهنوا بعد قتله، وضعَّف قول من قال: إن الربيين قُتلوا تضعيفًا كثيرًا من عدة وجوهٍ، والربيون هم الجماعة الكثيرة، قال: وقوله: / {مَعَهُ رِبِّيُّونَ} صفة للنبي لا حالاً. قال: وحذف الواو في مثل هذا دليل على أنها صفة بعد صفة ليست حالاً، وبهذا يظهر كمال المعنى وحسنه، فإن قوله:{مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} أي هم يتبعونه سواء كانوا معه حين قتل أو لم يكونوا، والمعنى على الأول؛ لأن المقصود جميع أتباع النبي صلى الله عليه وسلم لم يرتدوا لا من شهد مقتله ولا من غاب، فإن المقصود أن قَتْل النبي لا يُغير الإيمان من قلوب أتباعه.
132 -
وقال: بعد أن ذكر قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ • إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} قال: وهذا أشكل على بعض الناس، فيقول: الرسل قد قُتل بعضهم فكيف يكونون منصورون؟
فيقال: القتل إذا كان على وجهٍ فيه عزة الدين وأهله كان هذا من كمال النصر، فإن الموت لا بد منه، فإذا مات ميتة يكون بها سعيدًا في الآخرة فهذا غاية النصر / كما كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه استشهد طائفة من أصحابه فصاروا إلى أعظم كرامةٍ، ومن بقي كان عزيزًا منصورًا، وكذلك كان الصحابة يقولون للكفار: أخبرنا نبينا أن من قُتل منا دخل الجنة، ومن عاش منا ملك رقابكم. فالمقتول إذا قُتل على هذا الوجه كان ذلك من تمام نصره ونصر أصحابه، ومن هذا الباب حديث الغلام الذي رواه مسلم لما اتبع دين الراهب وترك دين الساحر، وأرادوا قتله مرةً بعد مرةٍ لم يطيقوا حتى علمهم [كيف] يُقتل، ولما قُتل آمن الناس كلهم، فكان هذا نصرًا لدينه، ولهذا لما قُتل عمر بن الخطاب شهيدًا بين المسلمين قُتل قاتله، وعثمان لما قُتل شهيدًا قتل قتلته، وانتصرت طائفة، وكذلك علي لما قتله الخوارج مستحلين قتله كانوا ممن أمر الله ورسوله بقتالهم، وكانوا مقهورين مع أهل السنة والجماعة / فلم يمنع ذلك عز الإسلام وأهله، لا سيما والنبيون الذين قتلوا كان الله عز وجل ينتقم ممن قتلهم حتى يُقال: إنه قُتل على دم يحيى بن زكريا سبعون ألفًا.
133 -
وأطال شيخنا الكلام على الأسباط، وضعَّف قول من قال: إنهم أولاد يعقوب لصلبه، واختار أنهم لم يكونوا أنبياء، وأن الأسباط أمم بني إسرائل، وإنما سموا بالأسباط [من عهد] موسى عليه السلام وذهب إلى أنه لم يكن بين موسى - لبني
إسرائيل - ويوسف نبي، قال: والقرآن يدل على أن أهل مصر لم يأتهم نبي بعد يوسف.
134 -
وقال شيخنا: الصواب أن الحج فُرِضَ سنة تسع أو عشر.
135 -
وقال في «شمول النصوص الأحكام» (لما تكلم شركًا له في عبد)(1): وتنازعوا هل يسري [العتق] عقب العتاق أو لا يعتق حتى يؤدي الثمن؟ على قولين مشهورين، والأول هو المشهور في مذهب الشافعي وأحمد، والثاني / قول مالك، وقول في مذهب الشافعي وأحمد، وهو الصحيح في الدليل.
136 -
وقال في موضع آخر: من غلب على ماله الحلال جازت معاملته كما ذكره أصحاب الشافعي وأحمد، وإن غلب الحرام فهل معاملته محرمة أو مكروهة؟ على وجهين.
137 -
قال: وللعلماء قولان في الدراهم هل تتعين بالتعيين في العقود والقبوض حتى في الغصب والوديعة؟ فقيل: تتعين مطلقًا، كقول الشافعي وأحمد في إحدى
(1) قال المحقق: كذا في الأصل، وفيه سقط ظاهر. اهـ. قلت: لعل صواب العبارة: (لما تكلم على حديث: «من أعتق شركًا له في عبد»).
الروايتين الراتبة.
138 -
وقال: من كان بينهما مال لا يقبل القسمة - كحيوان وآنية ونحو ذلك - فإذا طلب أحد الشريكين بيعها وقسمة الثمن أجبر الآخر على ذلك عند جمهور العلماء، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد، وذكر بعض المالكية أن هذا إجماع؛ لأن حق الشريك في نصف قيمة الجميع لا في قيمة النصف.
139 -
وقال في أثناء كلامه: قال: «ابن مسعود سئل عن رجل يعامل بالربا إذا أضاف غيره، قال: / كل فإن مهنأه لك وحسابه [عليه]» .
140 -
قال شيخنا: أما من ترك الصلاة جاهلاً بوجوبها مثل من أسلم في دار الحرب ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه، فهذه المسألة للفقهاء فيها ثلاثة أقوال، وجهان في مذهب أحمد:
أحدها: عليه الإعادة مطلقًا، وهو قول الشافعي، وأحد الوجهين في مذهب أحمد.
والثاني: عليه الإعادة إذا تركها بدار [الإسلام دون دار] الحرب، وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأن دار الحرب دار [جهل] يعذر به، بخلاف دار [الإسلام].
الثالث: لا إعادة عليه مطلقًا، وهو الوجه الثاني في مذهب أحمد وغيره.
وأصل هذين الوجهين أن حكم الشارع هل يثبت في حق المكلف قبل بلوغ الخطاب له؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره:
أحدها: يثبت مطلقًا.
والثاني: لا يثبت مطلقًا.
والثالث: يثبت حكم الخطاب المبتدأ دون الخطاب الناسخ، كقضية أهل قباء، وكالنزاع المعروف / في الوكيل إذا عُزل، فهل يثبت حكم العزل في حقه قبل العلم؟
وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص: مثل أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص، ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل، ثم يبلغه ويتبين له النص فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد، ونظيره أن يمس ذكره ويصلي ثم يتبين له [وجوب] الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في هذه المسائل عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله - تعالى - عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} فمن لم يبلغه أمر الرسول في شيء معين لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عمر وعمارًا لما أجنبا - فلم يصل عمر وصلى عمار بالتمرغ - أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر / أبا ذر لما كان يجنب ويمكث [أيامًا] لا يصلي، وكذلك لم يأمر من أكل من الصحابة حتى يتبين الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر من صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء.
ومن هذا الباب المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان:
أحدهما: لا إعادة عليها، كما نُقل عن مالك وغيره؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم:«إني أستحاض حيضة شديدة منكرة منعتني الصلاة والصيام» [أمرها] بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء الماضي.
قال شيخنا: وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر أن في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي من يبلغ ولا يعلم أن الصلاة عليه واجبة، بل إذا / قيل للمرأة: صلي. تقول: حتى أكبر وأصير عجوز. ظانة أنه لا تخاطب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة كالعجوز ونحوها، وفي اتباع الشيوخ طوائف كثيرون لا يعلمون أن الصلاة واجبة عليهم، فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات، سواء كانوا كفارًا أو كانوا معذورين بالجهل.
141 -
قال شيخنا: إذا كان على الولد دين ولا وفاء له جاز أن يأخذ من زكاة أبيه في أظهر القولين في مذهب أحمد وغيره، وأما إن كان محتاجًا إلى النفقة وليس لأبيه ما ينفق عليه ففيه نزاع، والأظهر أنه يجوز له أخذ زكاة أبيه، وأما [إن] كان مستغنيًا بنفقته فلا حاجة [به] إلى زكاته.
142 -
وقال: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق ثلاثًا [إن شاء الله] وقصده بذلك أن لا يقع به الطلاق [فلا يقع به الطلاق، ولو فصل بين الطلاق] والاستثناء
بسكوت يسير، لم يضر الفصل بينهما بل لا يقع به الطلاق والحال هذه، ولو لم / يقصد النية إلا بعد قوله به، ففيه قولان، أظهرهما أن لا ينفعه الاستثناء.
143 -
وذكر شيخنا مسألة الصلاة على الغائب، قال: وفيها للعلماء قولان مشهوران:
أحدهما: يجوز، وهو قول الشافعي وأحمد في أشهر الروايات عنه - عند أكثر أصحابه.
والثاني: لا يجوز، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى، وذكر ابن أبي موسى، وهو ثبت في نَقْلِ مذهبِ أحمد - ورجحناها في مذهبه.
ثم قال: ومن وجوب الصلاة على الغائب الذي لم يُصلى عليه فقد أحسنَ فيما قال، ولعل قولَه أعدلُ الأقوال.
144 -
قال: وجوَّزَ طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد الصلاةَ على الغائب في البلد الواحد، ثم محقِّقُوهم قيَّدوا ذلك بما إذا ماتَ الميتُ في أحد جَانِبَي البلدِ [الكبير، ومنهم من أطلق البلد] لم يُقيِّده بالكبير، وكانت / هذه المسألة قد وَقعتْ في عصر أبي حامد وأبي عبد الله بن حامد: مات ميتٌ في أحد جانبي بغدادَ، فصلَّى
عليه أبو عبد الله بن حامد وطائفة من الجانب الآخر، وأنكر ذلك أكثرُ الفقهاء من أصحاب الإمام الشافعي والإمام أحمد وغيرهم: كأبي حفص البرمكي، وغيره.
قال شيخنا: وأما في زمن الشافعي وأحمد فلم يَبْلُغْنا أن أحدًا صلَّى في أحد جانبي البلد ببغداد على من مات في الآخر مع كثرةِ الموتى وتوفُّرِ الهِمَم والدواعي على نقل ذلك، فتبينَ أن ذلك مُحْدَث لم يفعَلْه أحد من الأئمة، وأما ما يفعلُه بعضُ الناس من أنه كل ليلة يُصلِّي على جميعِ من مات من المسلمين فلا ريبَ أنه بدعة لم يفعله أحدٌ من السلف، والله أعلم.
145 -
قال: وأما لعنة المعين فالأولى تركها؛ لأنه يُمكن أن يتوب.
146 -
وقال في حديث: «نهى عن بيع وشرط» : هذا حديث باطل ليس في شيء / من كتب المسلمين، وإنما يُروى في حكاية منقطعة.
هكذا قال شيخنا.
147 -
قال في حديث: «نهى عن قفيز الطحان» : وهذا أيضًا باطل.
148 -
قال: وأصول الأقوال في القراءة خلف الإمام ثلاثة طرفان ووسط:
فأحد الطرفين: أنه لا يُقرأ خلف الإمام بحالٍ.
والثاني: أنه يُقرأ بكل [حال].
والثالث - وهو قول أكثر السلف -: أنه إذا سمع قراءة الإمام أنصت ولم يقرأ، وإذا لم يسمع قراءته قرأ لنفسه، هذا قول جمهور العلماء كالإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل وجمهور أصحابه، وطائفة من أصحاب الشافعي وأبي حنيفة، والقول القديم للشافعي، وقول محمد بن الحسن.
وعلى هذا القول فهل القراءة حال مخافتة الإمام بالفاتحة واجبة على المأموم أو مستحبة؟ فيه قولان:
أحدهما: مستحبة، وهو قول الأكثرين كمالك ومحمد بن الحسن وغيرهما.
والثاني: أنها واجبة، وهو قول الشافعي / القديم.
والاستماع حال جهر الإمام هل - أيضًا - واجب أو مستحب، والقراءة إذا سمع قراءة الإمام هل هي محرمة أو مكروهة، وهل تبطل الصلاة إذا قرأ؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره:
أحدهما: أن القراءة حينئذٍ محرمة، وإذا قرأ بطلت صلاته، وهذا أحد الوجهين اللذين حكاهما أبو عبد الله بن حامد في مذهب أحمد.
والثاني: أن الصلاة لا تبطل بذلك، وهو قول الأكثرين، وهو المشهور في مذهب أحمد.
والذين قالوا: يقرأ حال الجهر والمخافتة إنما يأمرونه أن يقرأ حال الجهر الفاتحة خاصة، وما زاد على الفاتحة فإن المشروع أن يكون فيه مستمعًا لا قارئًا، وهل قراءته بالفاتحة مع الجهر واجبة أو مستحبة، على قولين:
أحدهما: أنها واجبة، وهو قول الشافعي في الجديد وقول ابن حزم.
والثاني: أنها مستحبة، وهو قول الأوزاعي والليث، واختيار جدي أبو البركات.
/ قال: وإذا جهر الإمام استمع لقراءته، فإن كان لا يسمع لبعده
فإنه يقرأ في أصح القولين، وهو قول أحمد وغيره، وإن كان لا يسمع لصممه، أو كان يسمع همهمة الإمام ولا يفقه ما يقول؛ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره، والأظهر أنه يقرأ لأن الأفضل أن يكون إما مستمعًا وإما قارئًا، وهذا ليس بمستمع يحصل له مقصود [الاستماع] فقراءته أفضل له من سكوته.
ثم قال: فنذكر الدليل [على الفصلين] على أنه في حال الجهر يسمع، وأنه في حال المخافتة يقرأ. (ولم يتبين هل هذا على سبيل الوجوب أو الاستحباب).
149 -
قال في أثناء كلامه: وثبت أنه في هذا الحال قراءة الإمام [له قراءة] كما قال ذلك جماهير السلف والخلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وفي ذلك الحديث المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من كان له إمام فإن قراءة الإمام له قراءة» ، وهذا الحديث رُوي مرسلاً / ومسندًا، لكن أكثر العلماء والأئمة الثقات رووه مرسلاً عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأسنده بعضهم، ورواه ابن
ماجه مسندًا، وهذا المرسل قد عضده ظاهر القرآن والسنة، وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومرسله من أكابر التابعين، ومثل هذا المرسل يُحتج به باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد نصَّ الشافعي على جواز الاحتجاج بمثل هذا المرسل.
150 -
قال: وقيل: لا يستفتح ولا يتعوذ حال جهر الإمام؛ وهذا أصح.
151 -
وذكر حديث عبادة: «إذا كنتم ورائي فلا تقرءوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» .