الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواب: إذا كان الماء قلتين - وهو نحو قنطار بالدمشقي - لم ينجس إلا بالتغيير عند جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وكذلك لو كانت أقل من قلتين لم ينجس إلا بالتغير في أظهر قولي العلماء، وهو قول أكثر السلف، وهو مذهب أهل المدينة وروايتهم عن (1) كأبي المحاسن الروياني وحكى قولاً للشافعي ومالك، وهو إحدى الروايتين عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه كابن عقيل وأبي محمد بن المثنى وغيرهما، وهو قول طائفة من أصحاب الشافعي، فإذا لم يتغير الماء لم ينزح من البئر شيء سواء تمعط فيها شعر الفأرة أو الهر أو غيرهما، أو لم يتمعط، فإن شعر الميتة طاهر عند أكثر العلماء - وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه - وإن تغير الماء بالنجاسة نُزح مقدار ما يطيب به الماء ويزول تغيره بالنجاسة، وليس لذلك حدٌّ مقدرٌ، والله أعلم.
فصل
*
عن شهر رمضان هل يُصام بالهلال أو بالحساب والقياس إذا حال دونه غيم أو غيره
؟
والجواب: إذا رأى الناس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان أو أكملوا عدة شعبان ثلاثين وجب عليهم الصوم باتفاق العلماء أئمة الإسلام، ولا يجب الصيام قبل ذلك عند عامة السلف والخلف لا في الغيم ولا في الصحو، والإمام أحمد لم يكن يوجب الصيام ليلة الغيم، ولكن استحب ذلك اتباعًا لابن عمر وغيره من الصحابة، ولكن أوجب صيامه طائفة من أصحابه، وهذا القول لم ينقل عن أحدٍ من السلف، وآخرون من أصحابه نهوا عن صيامه نهي تحريم أو تنزيه كأبي الخطاب وابن عقيل وأبي القاسم بن منده وغيرهم، وهذه رواية ثابتة عنه، وهذا قول مالك والشافعي.
وكثير من الصحابة والتابعين والعلماء كانوا يصومون يوم الغيم على طريق الاحتياط لا على طريق الإيجاب، ومذهب مالك وأبي حنيفة يجوز صوم يوم الشك
(1) قال المحقق: (كذا في «الأصل» وفي العبارة سقط واضح، والله أعلم).
مع الصحو والغيم، وكثير منهم ينهى عن صومه في الصحو والغيم، وكثير منهم كان يصومه في الغيم دون الصحو، وهو المشهور عن أحمد، وعنه رواية أخرى أنه لا يصوم إلا مع الناس، وقال: لا يصوم وحده لكن يصوم مع الجماعة، يد الله على الجماعة. وهذه الرواية أظهر؛ لما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون» .
والشهر اسم لما يشتهر، والهلال اسم لما يستهل به الناس، فما لم يشتهر ولا يستهل لا يكون شهرًا ولا هلالاً، وقد بُسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع.
وقد ثبت في السنة وآثار السلف أنه لو انفرد برؤية هلال ذي الحجة لم يقف بعرفات وحده، ولكن يقف مع الناس، فكذلك الصوم والفطر على هذه الرواية، فإذا رأى الهلال وحده لم يصم، ولم يُستحب له الصوم وحده بل يُكره، وهذه رواية منصوصة عن أحمد بن حنبل، وهي أرجح في الدليل.
والعلماء لهم فيمن انفرد برؤية هلال الصوم والفطر ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره:
أحدها: إنه يصوم وحده ويفطر وحده سرًّا، كقول الشافعي.
والثاني: إنه يصوم وحده ولا يفطر إلا مع الناس، وهو المشهور عن أحمد ومالك وأبي حنيفة.
والثالث: إنه لا يصوم إلا مع الناس ولا يفطر إلا مع الناس، وهذا أرجح الأقوال. ومن رجح الاستحباب زعم أن هذا القول أقيس الأقوال، فإن ما شك في وجوبه لم يجب، لكن يستحب فيه الاحتياط، كما لو شك في وجوب الزكاة أو الحج
أو الكفارات أو الطهارة أو غير ذلك؛ فإن الاحتياط فيما شك في وجوبه مشروع وليس بواجب، ولكن مالك يوجب الطهارة إذا شك هل أحدث، والجمهور يستحبون الطهارة ولا يوجبونها، لكن من هؤلاء من يجزم بنية رمضان، كإحدى الروايتين عن أحمد، ومنهم من يجزم بنية شعبان فإن صادف رمضان أجزأه، وهو قول أبي حنيفة، ومنهم من يصومه بنيةٍ فيقول: إنه إن كان من رمضان فهو من رمضان، وإلا فهو تطوع، وهذا هو الذي نقله المروزي عن أحمد، وهو اختيار الخرقي في «شرح المختصر» - ذكره عنه أبو يعلى في تعليقه - وهو أحد الأقوال من يختار صيامه (1).
والجمهور الذين ينهون عن صومه يجيبون عن هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا» ، وقال:«لا تقدموا رمضان بيوم ولا بيومين» ، وقال:«لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة» ، قالوا: فقد نهى عن الصيام قبل الرؤية أو إكمال العدة، ونهى عن استقباله باليوم، والذي من فعله أن الاحتياط في ذلك غير مشروع؛ لأن في ذلك مفسدة وهي الزيادة على المشروع (والاحتياط الواجب يغير ويفرق واختلافها)(2) وهذه المفاسد
(1) قال المحقق: كذا في «الأصل» .
(2)
قال المحقق: كذا في «الأصل» .