الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: مصافحة الجُنُب
الجنابة لا تمنع المصافحة، ولا تُؤثِّر على أفضليّتها باعتبار أنّ المصافحة لا يُشترط فيها كوْن المرء طاهراً من الحدثيْن الأصغر والأكبر. فلا بأس بمصافحة الجُنب، وكذلك الحائض والنفساء. فلكلٍّ منهم أن يصافح أو يصافَح، ولا يؤثِّر هذا في استحباب المصافحة، ولا يقدح في فضْلها المقرَّر شرعاً.
ويدلّ على هذا: ما رُوي عن حذيفة1: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَقِيَه، فقال: "يا حذيفة، ناولْني يدَك! " فقبض حذيفةُ يدَه. ثم قال له الثانيةَ، ففعل. ثم قال الثالثةَ، ففعل. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا يمْنعُك؟ "
1 الصحابي الجليل: حذيفة بن حِسل بن جابر العبسي، أبو عبد الله، حليف الأنصار، من السابقين. أعلَمه الرسول صلى الله عليه وسلم بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة. ولاّه عمر رضي الله عنه على المدائن بفارس. توفي رضي الله عنه في أوّل خلافة علي رضي الله عنه عام 36هـ.
راجع: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 2/223، والأعلام للزركلي 2/171.
فقلتُ: إنِّي جُنب. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنّ المؤمن إذا لقي المؤمنَ فسلّم عليه وأخذ بيده فصافَحَهُ، تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورقُ الشجر"1. وهذا له شاهد أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لقي حذيفة فأراد أن يصافحَه، فتنحّى حذيفةُ فقال: إني كنتُ جُنُباً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنّ المسلم إذا صافح أخاه تحاتَّتْ خطاياهما كما يتحاتُّ ورقُ الشجر"2.
وقد ثبت أيضاً في الصحيح عن حذيفة – رضي لله عنه -: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقِيَه وهو جُنُب فحادَ عنه فاغتسل، ثم جاء، فقال: كنت جُنُباً، فقال: "إنّ المؤمنَ لا ينجس" "3. وقد ورد في النسائي بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي الرجل من أصحابه ماسَحَه ودعا له". قال: - أي: حذيفة -: "فرأيته يوماً بكرة فحِدْتُ عنه، ثم أتيْتُه حين ارتفع النهار. فقال: "إني رأيتُك فحِدْتَ عنِّي! " فقلت: إنِّي كنتُ جنباً، فخشيتُ أن تمسّني. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنّ المسلم لا يَنْجَس" 4. ويُؤيِّد هذا أيضاً: حديث
1 رواه الطبراني في الكبير 6/256.
2 راجع: الترغيب والترهيب 3/290، ومجمع الزوائد للهيثمي 8/37.
3 أخرجه مسلم 1/282، والنسائي 1/145.
4 أخرجه مسلم 1/282، والنسائي 1/145.
أبي هريرة رضي الله عنه في "الصحيحيْن" قال: "لقيَني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جُنُب، فأخذني معه بيده، فمشيْتُ حتى قعد. فانسلَلْتُ فأتيتُ الرَّحْلَ فاغتسلتُ، ثم جئتُ وهو قاعد. فقال: "أين كنتَ يا أبا هريرة؟ " فقلت له. فقال: "سبحان الله! يا أبا هريرة، إنّ المؤمن لا ينجَس" 1.
وفي هذا يقول المباركفوري: "في حديث أبي هريرة المذكور: جواز مصافحة الجُنُب ومخالطتِه"2. وجاء في "صحيح" الترمذي في أبواب الحيض: باب ما جاء في مصافحة الجُنب، وقال: "وقد رَخّص غيرُ واحد من أهل العلْم مصافحةَ الجُنُب"3.
وهكذا يتّضح لنا الآن: أنّ المصافحة لا يُشترط فيها طهارةُ المصافِح ولا المصافَح؛ فالجنابة لا تَمنع المصافحةَ ولا تُؤثِّر على أفضليّتها.
1 أخرجه البخاري 1/109، ومسلم 1/282.
2 راجع: تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 1/207.
3 راجع: جامع الترمذي 1/208.