الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: حُكم المُصافحة
المصافحة من الرجل للرجل وكذا من المرأة للمرأة: سُنّة، ويُندب إليها عند التلاقي؛ وقد أجمع على هذا كافّة الفقهاء في جميع الأعصار والأمصار. وجاء في "الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار ص":"اعلَمْ أنّها سُنّة مُجمَع عليها عند التلاقي"1. وقال المناوي: "فإنّ المصافحة سُنّة مؤكّدة "2.
وقد أوضحتْ كثير من الأدلة مشروعيَّتها واستحبابها؛ فقد وردت السُّنّة النبوية المطهّرة والآثار الواردة عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن إجماع الأئمة رحمهم الله، بما يفيد تلك المشروعية على وجْه السُّنّة والاستحباب.
فمن السُّنّة المطهّرة:
1 راجع: محيي الدين النووي صفحة 239.
2 فيض القدير شرح الجامع الصغير 6/11.
1 -
ما رواه البراء بن عازب1 رضي الله عنه قال: "ما مِن مُسلمَيْن يلْتقِيان فيتصافحان، إلاّ غُفر لهما قبل أن يتفرّقا"2.
2 -
ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "قال رجل: يا رسول الله، الرجل منّا يلْقَى أخاه أو صديقه، أيَنْحَني له؟ - يعني: يُميل الرأس والظهر تعظيماً وتواضعاً -، فقال: "لا". قال: فيَلتزمه ويُقبِّله؟ قال: "لا". قال: فيأخذ بِيدِه ويُصافحُه؟ قال: "نعم" 3.
3 -
ما رواه سلمان الفارسي4 رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
1 البراء بن عازب بن الحارث، الخزرجي. يُكنى: أبو عمارة. قائد صحابي من أصحاب الفتوح. أسلم صغيراً وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة غزوة، أوّلُها غزوة الخندق. وشهد مع علي رضي الله عنه الجمل وصفِّين. وتوفي في إمارة مصعب بن الزبير سنة 71هـ.
راجع: الأعلام للزركلي 2/46.
2 راجع المسند 4/289، وسنن أبي داوود 4/354، وجامع الترمذي 5/74.
3 راجع: الترمذي 5/75، وقال:"حديث حسن".
4 سلمان الفارسي: صحابي من مقدَّميهم، كان يُسمِّي نفسه: سلمان الإسلام. أصله من رامهرمز، وقيل: من أصبهان. قصد بلاد العرب فلقيَه ركب من بني كلب فاستخدموه، ثم استعبدوه وباعوه. فاشتراه رجل من قريظة، فجاء به إلى المدينة. وعلِم سلمان بخبر الإسلام، فقصد النبي صلى الله عليه وسلم بقباء وسمع كلامه، ولازمه أياماً. أعانه المسلمون على شراء نفسه من صاحبه، فأظهر. إسلامه. وكان قوي الجسم، صحيح الرأي. وهو الذي دل المسلمين على حفر الخندق في غزوة الأحزاب حتى اختلف عليه المهاجرون والأنصار كلاهما يقول:"سلمان منّا"، فقال صلى الله عليه وسلم:"سلمان منّا، أهل البيت". جُعل أميرا على المدائن، فأقام فيها إلى أن توفي سنة 36هـ.
راجع: الإصابة في تمييز الصحابة للعسقلاني 3/141، الأعلام للزركلي 3/11-112.
"إنّ المسلمَ إذا لقِيَ أخاه المسلم فأخذ بيده، تَحاتّتْ عنهما ذنوبُهما كما تَتحاتّ 1 الورقة في الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف، وإلاّ غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثْلَ زبَد البحر"2.
4 -
ما رواه البراء أيضاً أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيّما مسلميْن يلتقيان، فأخذ أحدُهما بيدِ صاحبِه فتصافحَا، وحمِدا الله تعالى جميعاً، تفرّقا وليس بينهما خطيئة"3.
5 -
كما روى أيضاً قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: "ما مِن مسلمَيْن يلتقيان، فيُسلِّم أحدُهما على صاحبه، ويأخذُ بيَدِه لا يأخذه إلا لله لا يتفرّقان حتى يغفر لهما"4.
1 تحاتّتْ: تساقطت. راجع: المصباح المنير للفيومي1/120.
2 راجع: الطبراني في الكبير 6/256.
3 أخرجه أحمد 4/289، وأبو داوود 4/354، وابن ماجة 2/1220، وصححه الألباني.
4 حديث حسن أخرجه الإمام أحمد في المسند 14/218 وصححه الألباني.
ومن الآثار:
1 -
ما رواه كعب بن مالك1 رضي الله عنه قال: "دخلت المسجد، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله2 يهرول حتى صافحني وهنّأني"3.
2 -
ما رواه البخاري عن قتادة4 رضي الله عنه قال: قلت لأنس: "كانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم"5.
1 كعب بن مالك بن عمرو، أبو عبد الله الأنصاري السّلمي، من أكابر الشعراء من أهل المدينة. اشتهر في الجاهلية، وكان في الإسلام من شعراء النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد أكثر الوقائع. ولما قُتل عثمان، قعد عن نصرة علي فلم يشهد حروبه. وعمي في آخر عمره. وقيل: مات بالشام في خلافة معاوية سنة 50هـ.
راجع: الإصابة في تمييز الصحابة 5/610، والأعلام للزكلي 5/228.
2 طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي المدني، أحد العشرة المبشّرين، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام. شهد أُحُداً، وثبت مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم، وبايعه على الموت، فأصيب بأربعة وعشرين جرحاً. شهد الخندق وسائر المشاهد. قُتل يوم الجمل وهو بجانب عائشة، ودُفن بالبصرة سنة 36هـ.
راجع: الأعلام للزركلي 3/229.
3 أخرجه البخاري 4/1607، ومسلم 4/2126.
4 قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز، أبو الخطاب السدوسي البصري، مفسِّر حافظ، ضرير أكمه. مات بواسط سنة 118هـ.
راجع: الأعلام للزركلي 5/189.
5 رواه البخاري 5/2311، والترمذي 5/75.
هذا فضلاً عن الإجماع:
فقد أجمع الفقهاء وأئمة المذاهب على مشروعية المصافحة، وأنّها سُنّة؛ وفي هذا يقول الإمام النووي عن المصافحة:"اعلَمْ أنّها سُنّة مُجمَع عليها عند التلاقي"1.
وقال ابن بطال: "
…
المصافحة حَسنة عند عامّة العلماء، وقد استحبّها مالك"2.
وجاء في "فتح الباري" قولُ ابن حجر: "قال ابن عبد البر3: روى ابن وهب4 عن مالك: أنّه كرِه المصافحةَ والمعانقة؛ وذهب
1 راجع: الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار صفحة 239، والمجموع 4/475.
2 راجع: فتح الباري 11/57.
3 هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم، أبو عمر النمري الأندلسي. وُلد بقرطبة عام 368هـ، ورحل رحلات طويلة في غربي الأندلس وشرقيها. ولي قضاء لشبونة وشنترين. له مصنّفات كثيرة منها:"التمهيد" و"الاستذكار". توفي بمدينة شاطبة شرق الأندلس عام 463هـ.
راجع: سير أعلام النبلاء 11/359-364، الديباج المذهّب 2/367-370، والأعلام 8/240.
4 عبد الله بن وهب بن مسلم الفهري بالولاء المصري، أبو محمد. من أصحاب الإمام مالك. كان حافظاً ثقة مجتهداً. عُرض عليه القضاء فخبأ نفسه ولزم منزله. توفي بمصر سنة 197هـ.
راجع: الأعلام للزركلي 4/144.
إلى هذا سحنون1 وجماعة. وقد جاء عن مالك2 جوازُ المصافحة؛ وهو الذي
يدلّ عليه صنيعُه في "الموطإ". وعلى جوازه جماعة العلماء سلفاً وخلَفاً"3.
هذا، وأوّل مَن صافح وعانق: خليلُ الله سيدُنا إبراهيم عليه السلام، وذلك عندما اجتمع بالإسكندر الأكبر بالحرم المكي الشريف؛ فقد صافحه خليل الرحمن وعانقه وقبّله بين عيْنيْه قبل المفارقة، وأعطاه الراية وأهداه للخير، وعمَّمَهُ. وتشرّع الإسكندر بشريعته ودخل معه في ملّته4.
1 محمد بن عبد السلام سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي. فقيه مالكي مُناظر، كثير التصانيف، من أهل القيروان. رحل إلى المشرق سنة 235هـ، وتوفي بالساحل، ونقل إلى القيروان فدفن فيها سنة 256هـ.
راجع: الأعلام للزركلي 6/204-205، الديباج المذهب لابن فرحون 2/169.
2 مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أبو عبد الله. إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تُنسب المالكية. كان صلباً في دينه، بعيداً عن الأمراء والملوك. مولده بالمدينة، وتوفي بها سنة 179هـ.
راجع: الأعلام للزركلي 5/257.
3 راجع: أحمد بن حجر العسقلاني 11/58.
4 غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب للشيخ محمد السفاريني 1 /328 -329.
ومن الجدير بالتنبيه عليه هنا: أنّ أوّل من حيَّا المسلمين بالمصافحة هم أهل اليمن؛ وفي هذا يروي أنس بن مالك رضي الله عنه قوله: لما جاء أهل اليمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قد جاءكم أهلُ اليمن؛ وهُم أوّلُ من جاء بالمصافحة"1.
وفي رواية أخرى: "قد أقبل أهلُ اليمن؛ وهُم أرقُّ قلوباً منكم". قال أنس: "وهُم أوّل من جاء بالمصافحة"2.
والمراد من مجيئهم بالمصافحة: إظهارُهم لها في الإسلام.
وقد روى الإمام أحمد عن أنس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَقْدَمُ عليكم غداً أقوامٌ هم أرقُّ قلوباً للإسلام منكم"، فقدِم الأشعريّون، فيهم أبو موسى الأشعري3. فلما دنَوْا من المدينة
1 أخرجه أبو داود في باب المصافحة رقم 4/354، والإمام أحمد في المسند 3/212.
2 الحديث: أخرجه البخاري في الأدب المفرد صفحة 336، والإمام أحمد في المسند رقم 3/251.
3 عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب، أبو موسى، من بني الأشعر من قحطان، صحابي من الشجعان الولاة الفاتحين. وُلد في زبيد باليمن عام 21 قبل الهجرة، وقدم مكة عند ظهور الإسلام، فأسلم وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن. وولاه عمر بن الخطاب البصرة سنة 17هـ، فافتتح أصبهان والأهواز. ولما ولي عثمان أقرّه عليها ثم عزله، فانتقل إلى الكوفة ومات بها عام 44هـ.
راجع: سير أعلام النبلاء 2/380، والأعلام 4/114.
جعلوا يرتجزون يقولون: "غداً نلقى الأحبّة: محمداً وحزبَه". فلما أن قدموا تصافحوا؛ فكانوا أوّل مَن أحدث المصافحة"1 أي: أظهروها في الإسلام.
1 أخرجه أحمد في مسنده 3/155.