الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: تعريف المصافحة وكيفيتها
المصافحة: إلصاق صفحة الكفِّ بالكف، مع إقبال الوجه بالوجه؛ ولهذا كانت المصافحة الأخذ باليد، والتصافح مثْله. فهي مفاعلة من الصفحة، والمراد بها: الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد. وهي بضمّ الميم وفتْح الفاء، مصدر "صافح" مِن وضْع يد شخص في يد شخص آخر1. تقول: صافحْتُه مُصافَحةً أي: أفضَيْتُ بيدي إلى يده2.
اصطلاحاً: وضْع كفٍّ على كفّ، مع ملازمة لهما قَدْر ما يَفرغ من السلام ومن سؤال عن غرض3.
وعلى هذا، يكون الترابط قائماً بين المعنى الاصطلاحي للمصافحة مع الإطلاق اللغوي بشأنها.
هذا، وإن للمصافحة كيفيّتها وآدابها الشرعية. فالأصل فيها: أن تكون باليد الواحدة من كلٍّ من المتصافحيْن. فقد وردت الأحاديث والآثار الموضحة لكيفية وآداب المصافحة بما يفيد أنّ المصافحة بحسب الأصل فيها تكون باليد الواحدة؛ فقد جاء في
1 كشاف اصطلاحات الفنون لمحمد علي التهانوي، تحقيق د/ لطفي عبد البديع 4/214.
2 راجع: لسان العرب لابن منظور 7 / 356، المصباح المنير صفحة 342.
3 راجع: الفتوحات الربانية لمحمد بن علان الصديقي 5 /392.
حديث أنس رضي الله عنه: "فأخَذ أحدُهما بيدِ صاحبِه" 1، وفي حديث بريدة بن الحصيب:"فأخَذ بيدِه" 2
كما أنّ هذه الكيفية هي المتمشِّية مع الإطلاق اللغوي للمصافحة. وعلى هذا، فالسُّنّة: أن تكون المصافحة بيدٍ واحدة، غير أنّ الإمام البخاري يرى أنّ المصافحة تكون باليديْن، وذلك على نحو ما سلكه في صحيحه حيث وجدْناه يُبوِّب فيه باباً بعنوان "باب الأخذ باليد. وصافح حماد بن زيد3 ابن المبارك4 بيدَيْه"5.
1 أخرجه أحمد في مسنده 3/142.
2 أخرجه أحمد في مسنده 5/349.
3 هو حماد بن زيد بن درهم، الأزدي الجهضمي، أبو إسماعيل، مولى آل جرير: شيخ العراق في عصره. يُعرف بالأزرق. كان مولده سنة 98هـ، ووفاته سنة 179هـ في البصرة. كان ضريراً، طرأ عليه العمى، يحفظ أربعة آلاف حديث.
راجع: الأعلام للزركلي 2/271.
4 عبد الله بن المبارك بن واضح، أبو عبد الرحمن الحنظلي مولاهم، التركي ثم المروزي. قال عنه الذهبي:"الإمام شيخ الإسلام، عالِم زمانه وأمير الأتقياء في وقته". مولده كان في سنة ثماني عشرة ومائة، ووفاته كانت في رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة، بهيت.
راجع: سير أعلام النبلاء لمحمد بن أحمد الذهبي 8/378.
5 راجع: صحيح البخاري 5/2311.
وقد دعّم البخاري ما قنَّنه وأخذ مذهباً له بما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه بشأن التشهد ما نصّه: "علّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفِّي بين كفّيْه التشهّدَ كما يعلِّمُني السورة من القرآن: "التحيات لله، والصلوات والطّيِّبات. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله
…
""1.
فقوله: "وكفِّى بيْن كفّيْه" يفيد: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان آخذاً بيدَي ابن مسعود، وإن كانت رواية هذا الحديث قد اكتفت بذكْر يدِ ابن مسعود الواحدة. فإنّ المستفاد: أنه لم يكن يصافح النبي صلى الله عليه وسلم بيدٍ واحدة، لأنه لا يقبل أن يصافحه النبي بكلتا يديْه وهو يصافحه بواحدة؛ فالمستبعَد مِن مثْله أن يبسط يداً واحدة في حين أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد بسط له اليديْن2.
ونوقش هذا: بأن الوارد في حديث ابن مسعود غير مفيد في
1 راجع: صحيح البخاري، كتاب الاستئذان 5/2311.
2 راجع: فيض الباري على صحيح البخاري لمحمد أنور الكشميري 4 / 411، وفضل الله الصمد في توضيح الأدب للجيلاني 3 /174.
الاستدلال هنا على المصافحة باليديْن عند التسليم، لأنّ الذي حدث من ابن مسعود بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان على هذا الحال كان بغرض التعليم، وما نحن فيه خلافُه1.
غير أنه إذا كان العرف السائد والمستقرّ في أحد الأماكن يسير على المصافحة باليديْن، فلا بأس في اتّباعه خاصة وأنّ في هذا كبير مودّة، لاسيما وأن المصافحة ترتبط بأخلاقيات وآداب الإسلام العامة بما تُحدثه من إشاعة روح المودّة والصفاء والتراحم والتآخي بين المسلمين، وذلك على نحو ما أورده الإمام البخاري من أثر حمّاد وابن المبارك2.
فالتصافح في الأصل باليد الواحدة، وإن كان باليديْن ففيه زيادة تأكيد المودّة والبهجة والسرور والبشر بلقاء صاحبه المسلم؛ وهذا إن كان على وجْه التبادل كان أثره عظيماً فيما بين الناس. وكيفية المصافحة
على هذا النحو هي: أن يَتمّ التصافح أوّلاً باليد الواحدة، ثم يشدّ على يد المصافح بيده الأخرى.
1 راجع: تحفة الأحوذي للمباركفوري 7/477.
2 راجع: المرجع السابق، نفس الموضوع.
وهذا كله بمراعاة أنه إذا كان المقصود بالمصافحة باليديْن إلصاق صفح كف اليمنى بصفح كف اليمنى من المصافح، وإلصاق صفح كفّ اليسرى بصفح كفّ اليسرى - يعني: بالعكس في الهيئة بين المتصافحيْن، على صورة المقراض، يعني المقصّ -، فهذا لا يصحّ لأنه على هذه الحالة يكون هناك مصافحتان، ونحن مأمورون بمصافحة واحدة لا بمصافحتيْن، فضلاً عن أنّ هذا لا يتحقّق معه الغرض من المصافحة عند اللقاء.
ومن الجدير بالتنبيه عليه هنا أيضاً: أنه يُستحبّ ألا يَنزع المصافِح يدَه من يد صاحبه حتى ينزع هو - يعني: المصافَح -. ودليل ذلك: ما رواه أنس بن مالك1 رضي الله عنه "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لقيَه أحد من الصحابة فقام معه، قام معه - يعني: واقفاً - فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه. وإذا لقيَه أحد من
1 أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام، أبو حمزة الأنصاري. كان مولده بالمدينة في السنة العاشرة قبل الهجرة، وأسلم صغيراً، وخدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قُبض. ثم رحل إلى دمشق، ومنها إلى البصرة. ومات بها سنة 93هـ. وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة.
راجع: الأعلام للزركلي 2/24، والإصابة في تمييز الصحابة للعسقلاني 1/126.
أصحابه فتناول يدَه ناوله إيّاها، فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي يَنزع يده منه. وإذا لقيَ أحداً من أصحابه فتناول أذنه –يعني: أحبّ أن يُسِرّ إليه– ناوله إياها، ثم لم يَنزعها حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها عنه"1.
وفي لفظ ابن ماجه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقي الرجل فكلمه لم يصرف وجهه عنه حتى يكون هو الذي ينصرف وإذا صافحه لن ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزعها ولم ير متقدما بركبتيه جليسًا قط".
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/378، وابن الجعد في مسنده صفحة 994، وابن ماجة في سننه 2/1224، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2/168.