المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السابع: مصافحة المريض ومن به عاهة - المصارحة في أحكام المصافحة

[عبد الناصر بن خضر ميلاد]

الفصل: ‌المبحث السابع: مصافحة المريض ومن به عاهة

‌المبحث السابع: مصافحة المريض ومَن به عاهة

من البديهي: أنّ مصافحة المريض مَرَضاً غيرَ مُعْدٍ باقيةٌ على الأصل المقرَّر في حُكم المصافحة، وهو: كونها سُنّة؛ بل إنّها آكَد في السُّنِّيّة لِما تَحملُه من مُواساةٍ ومؤازرة لذلك المريض، وبثِّ روح الطّمْأنة في نفسه، مع تقوية أواصر الأُلفة والإخاء والتواصل بين المسلمين، لأنّ الواضحَ أنّ زيارة المريض - فضلاً عن أنّها مطلوبة شرعاً، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم:"أطعِموا الجائعَ، وعُودوا المريض، وفُكُّوا العاني"1. ففي المصافحة، الشّدُّ على يدَيِ المريض من الأمور المهمّة - إن لم يتألّم - التي تَطِيب نفسُ المريض ويهدأُ قلبُه معها، وتَشُدّ مِن أزْره، وتَبعث فيه الأمل في الشفاء - إن شاء الله تعالى - لا سيما إنِ ارتبطتْ بالدعاء له بالشفاء، لِما ثَبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنّه عاد سعدَ بن أبي وقاص2 وهو مريض، فوضَع يدَه على جبْهته، ثم

1 أخرجه البخاري 5/2055، والإمام أحمد في المسند 4/394.

2 سعد بن أبي وقاص: مالك بن أهيب بن عبد مناف القرشي الزهري، الصحابي، فاتح العراق، ومدائن كسرى، وأحَدُ الستة الذين عيّنَهم عُمر للخلافة، وأوّل من رمى بسهم في سبيل الله، وأحَد العشرة المبشَّرين بالجنة. أسلم وهو ابن 17 سنة، وشهِد بدراً، وأفتتح القادسية. مات بالمدينة بقَصْره بالعقيق عام 55 هـ.

راجع: الأعلام للزركلي 3/87.

ص: 134

مَسَح صدْرَه وبطْنَه، ثم قال:"اللهم اشْفِ سعداً، وأتمِمْ له هجْرَتَه"1. كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيضاً: "إذا جاء الرجلُ يعود مريضاً، فلْيقُلْ: اللهمّ اشْفِ عبدَك، يَنْكَأُ لك عدوّاً، أو يمشي لك إلى جنازة" 2.

وعلى هذا، كانت مصافحة المريض مستحبّة؛ وهي من ملامح أدب زيارته مع الدّعاء له بالشفاء. ويدل على استحباب المصافحة للمريض: ما أخرجه الترمذي عن أبي أمامة3: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مِن تَمام عيادةِ المريض: أنْ يَضَعَ أحدُكم يدَه على جبْهتِه – أو قال: على يدِه -، فيسأله كيف هو؟ وتمامُ تحيّتِكم بينكم المصافحة"4.

فقد دلّ هذا الحديث على: أنّ المصافحة من تمام عيادة

1 أخرجه البخاري 5/2142، وأبو داود 3/187.

2 أخرجه أبو داود في الجنائز 3/187، والحاكم في المستدرك 1/495.

3 صدي بن عجلان بن وهب، من قيس بن عيلان ثم بني الأعصر، صاحب رسول الله رضي الله نزل حمص. روى علْماً كثيراً، وروي أنه بايع تحت الشجرة. توفي عام 86هـ.

راجع: سير أعلام النبلاء 5/359.

4 أخرجه الترمذي 5/76، وأخرجه أحمد في مسنده 5/259.

ص: 135

المريض. كما يُستحبّ للزائر أنْ يسألَه عن حاله، فيقول له: كيف تجِدُك؟ أو كيف أصبحْتَ؟ وقد ذكَر ابن حجر الهيثمي في "الإفادة": أنّ من آداب عيادة المريض: المصافحة والسؤال.

هذا، والذي تقرّر هنا هو: حُكم الشرع بالنسبة لمصافحة المريض عامّة، خاصّةً مَن ليس مرضُه مُعدِياً.

أمّا بالنسبة لمصافحة مَن كان مرضُه مُعدياً، أو كان به عاهة مثْل: الجُذام والبرص، وفي معناهما كلّ مرضٍ ضارٍ ينتقل إلى الآخَرين بالملامسة، فإنّ مصافحتَه على هذا النحو مكروهة. وعلى هذا، فإنّ المريض بمرضٍ مُعْدٍ تُكرهُ مصافحتُه لمِا ثَبَت "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى رجلٍ مجذوم كان في وفْد ثقيف، قال له: "إنا قد بايعناك، فارجِعْ! ".1

وما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فِرَّ من المجذوم فِرارَك من الأسد! " 2، وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يورد مُمرضٌ على مُصحّ" 3، يعني: مَن له إبِل مَرْضى لا يُوردها على الإبل الصحيحة عمَلاً بهذا النهي4.

1 أخرجه مسلم 4/1752، وابن ماجة 2/1172.

2 أخرجه البخاري 5/2158.

3 أخرجه البخاري 5/2177، ومسلم 4/1742.

4 راجع: فتح الباري 10/252، 253 للوقوف على معنى الممرض والمصحّ من الإبل.

ص: 136