المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر جزيرة الأندلس وأسماء مدنها وأنهارها - المعجب في تلخيص أخبار المغرب

[عبد الواحد المراكشي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌فصل في ذكر جزيرة الأندلس وحدودها

- ‌ذكر فتح جزيرة الأندلس ولمع من تفصيل أخبارها وسير ملوكها ومن كان فيها من الفضلاء منها ومن غيرها

- ‌ذكر من دخل الأندلس من التابعين

- ‌فصل في فضل المغرب

- ‌ذكر خبر دخول عبد الرحمن بن معاوية* الأندلس

- ‌ولاية الأمير هشام بن عبد الرحمن*

- ‌ولاية الحَكَم بن هشام الملقب بالرَّبَضيِّ**

- ‌ولاية الحكم المُسْتَنْصر*

- ‌ولاية هشام المُؤيَّد ابن الحَكَم المستنصر*

- ‌وزارة المظفر بن أبي عامر*

- ‌وزارة الناصر بن أبي عامر*

- ‌تفصيل ما سبق إجماله ولاية محمد بن هشام بن عبد الجبار المهدي**

- ‌ولاية سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر*

- ‌أولية بنى حَمُّود

- ‌ولاية ابن حمود الناصر*

- ‌ولاية القاسم بن حمود المأمون **

- ‌ولاية يحيى بن علي المعتلي*

- ‌ ولاية عبد الرحمن بن هشام المستظهر**

- ‌ولاية هشام المعتدّ بالله*

- ‌ذكر أخبار الأندلس بعد انتقال الدعوة الأموية

- ‌فصل رجع الحديث إلى بني حمود ومطمع بني عباد في التغلب على قرطبة

- ‌فصل يتضمن ذكر أحوال الأندلس بعد انقطاع الدعوة الأموية عنها على الإجمال لا على التفصيل

- ‌ملوك الطوائف

- ‌فصل في ملك بني عَبَّاد بإشْبِيلِيَّة

- ‌فصل رجع الحديث عن دولة المرابطين بالأندلس

- ‌ولاية أبي الحسن علي بن يوسف بن تاشفين*

- ‌اختلال أحوال المرابطين

- ‌ذكر قيام محمد بن تومرت المتسمي بالمهدي* وبدء أمر الموحدين بالمغرب والأندلس

- ‌الحرب بين المرابطين والموحدين

- ‌ذكر ولاية عبد المؤمن

- ‌ذكر ولاية أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن وما يتعلق بها

- ‌ذكر ولاية أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن*

- ‌ذكر ولاية أبي عبد الله محمد بن أبي يوسف أمير المؤمنين

- ‌ذكر ولاية أبي يعقوب يوسف بن محمد

- ‌ولاية أبي محمد عبد العزيز بن أبي يعقوب الأول

- ‌جامع سير المصامدة وأخبارهم وقبائلهم وأحوالهم في ظعنهم وإقامتهم

- ‌ذكر قبائل الموحدين

- ‌ذكر أقاليم المغرب والأندلس

- ‌ذكر ما بالمغرب من معادن الفضة والحديد والكبريت والرصاص والزيبق وغير ذلك، وأسماء مواضعها

- ‌ذكر أسماء الأنهار العظام التي بالمغرب

- ‌ذكر جزيرة الأندلس وأسماء مدنها وأنهارها

- ‌الفهارس

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأشعار

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌ذكر جزيرة الأندلس وأسماء مدنها وأنهارها

‌ذكر جزيرة الأندلس وأسماء مدنها وأنهارها

فأما جزيرة الأندلس فهي المعروفة في قديم الزمان عند الروم بجزيرة أشبانية، وقد تقدم ذكر حدودها في صدر هذا الكتاب فأغنى ذلك عن إعادته ههنا. وكان دين أهلها في الدهر القديم دين الصابئة من عبادة الكواكب واستنزال قواها والتقرب إليها بأنواع القرابين؛ شهدت بذلك طِلَسْماتٌ وجدت بها وضعتها القدماء من أهلها؛ ثم انتقل أهلها إلى دين النصرانية حين ظهر على أيدي أصحاب المسيح عليه السلام.

وكانت هذه الجزيرة -أعني الأندلس- منتظمة في مملكة صاحب رومة، يستعمل عليها من شاء من أصحابه؛ فلم تزل كذلك والروم يملكونها -وقاعدة ملكهم منها مدينة تسمى طالقة، على فرسخين من إشبيلية، وهي مدينة عظيمة باقٍ أثرها إلى هذا اليوم- إلى أن غلبهم عليها القوطا، وهي قبيلة من قبائل الإفرنج، فأخرجوهم عن الجزيرة وألحقوهم برومية مدينتهم العظمى.

وانفرد القوطا هؤلاء بمملكة الجزيرة، فملكوها أضخم ملك، قريبًا من ثلاثمائة سنة، وكانت دار ملك القوطا، مدينة طليطلة؛ وهي في قريب من وسط الجزيرة، فلم يزالوا بها وطليطلة دار ملكهم -كما ذكرنا- إلى أن افتتحها المسلمون في شهر رمضان من سنة 92 من الهجرة، على ما تقدم في صدر الكتاب.

فلما افتتحها المسلمون تخيروا قرطبة دار ملكهم ومقر تدبيرهم وموضع حلهم وعَقْدهم؛ فلم تزل قرطبة على ذلك إلى أن انتشرت الفتنة واضطرب أمر بني أمية بالأندلس بموت الحكم المستنصر وتغلب أبي عامر محمد بن أبي عامر وابنه، على هشام المؤيد بن الحكم المستنصر حسبما تقدم في صدر هذا الكتاب.

فهذا تلخيص أخبار جزيرة الأندلس.

مجاز الأندلس

وأنا ذاكر إن شاء الله أول ما يلقاه من يعبر إليها من حدودها ومدنها، فأول ذلك أني أقول:

ص: 263

قد تقدم أن البحرين: بحر الروم، وبحر أقيانس، يلتقيان بساحل سبتة؛ ثم يضيق الخليج وتتقارب العدوتان حتى ينتهي ذلك إلى قصر مصمودة من العدوة وجزيرة طريف من الأندلس، ثم يأخذ في السعة. وأول هذا الخليج مما يلي طنجة، الجبل الخارج في البحر الأعظم المعروف بطرف أَشْبَرْتال، وآخره الجبل الذي شرقي سبتة. فإذا عبرت إلى جزيرة الأندلس من سبتة، كان الذي تنزل به المدينة المعروفة بالجزيرة الخضراء؛ وإذا عبرت من قصر مصمودة وقعت إلى جزيرة طريف؛ فالمدينة المعروفة بالجزيرة الخضراء هي -في التحقيق- على ساحل البحر الرومي، وجزيرة طريف على ساحل البحر الأعظم؛ وبين الموضعين -أعني الخضراء وطريف- ثمانية عشر ميلاً.

وفي شرقي الجزيرة الخضراء الجبل المعروف بجبل الفتح، ويسمى أيضًا جبل طارق؛ وله طرف خارج في البحر يسمى طرف الفتح؛ وعنده يلتقي البحران بجزيرة الأندلس.

فهذا تلخيص التعريف بخبر مجاز الأندلس.

البلاد التي تغلب عليها النصارى إلى سنة 621

فأما ذكر مدنها فقد كانت فيها مدن كثيرة تغلب النصارى على أكثرها؛ فأنا ذاكر أسماء المدن التي بأيدي النصارى في وقتنا هذا، ومواضعها من الجزيرة من مشرق ومغرب، من غير تعرض إلى ما بينها من المسافات؛ إذ كان كون النصارى بها مانعًا من معرفة ذلك.

فأول المدن في الحد الجنوبي المشرقي على ساحل البحر الرومي: مدينة بَرْشَنونة، ثم مدينة طَرَّكُونة، ثم مدينة طَرْطُوشة؛ هذه البلاد التي على ساحل البحر الرومي المذكور؛ أعادها الله للمسلمين!.

والمدن التي على غير الساحل في هذا الحد المذكور: مدينة سَرَقُسطة، ولاردة، وأفراغة، وقلعة أيوب؛ هذه كلها يملكها صاحب برشنونة -لعنه الله- وهي الجهة التي تسمى أَرْغُن.

وفي الحد المتوسط ما بين الجنوب والمغرب من المدن: مدينة طليطلة، وكُوَنْكة، وأُفْلِيج، وطَلَبَيْرة، ومَكَّادة، ومَشْرِيط، ووَبْذَة، وأبلة، وشُقُوبية؛ هذه كلها يملكها الأدفنش -لعنه الله- وتسمى هذه الجهة قَشْتَال.

وتجاور هذه المملكة فيما يميل إلى الشمال قليلاً، مدن كثيرة أيضًا، وهي:

ص: 264

سَمّورة، وشَلَمَنْكة، والسِّبْطاط، وقُلُمْرِية؛ هذه كلها يملكها رجل يعرف بـ بالبَجُوج -لعنه الله- وتسمى هذه الجهة ليُون.

وفي الحد المغربي الذي هو ساحل البحر الأعظم أقيانس، مدن أيضًا، منها: مدينة الأشبونة، وشنترين، وباجة، وشَنْتَرة، وشَنْت ياقُو؛ ومدينة يابُرَة، ومدن كثيرة ذهبت عني أسماؤها، يملكها رجل يعرف بـ ابن الريق، لعنه الله.

فهذا ما بأيدي النصارى من مدن جزيرة الأندلس مما يلي بلاد المسلمين؛ ووراء هذه المدن مما يلي بلاد الروم، مدن كثيرة لم تشتهر عندنا لبعدها عنا وتوغلها في بلاد الروم؛ لم يملكها المسلمون قط؛ لأنهم لم يملكوا الجزيرة بأسرها حين افتتحوها، وإنما ملكوا معظمها واستولوا على أكثرها.

المدن التي بقيت بأيدي المسلمين إلى سنة 621

وأنا ذاكر بعد هذا ما بقي بأيدي المسلمين من البلاد، وعدد المراحل التي بينها، وقربها من البحر وبعدها؛ حتى يبين ذلك إن شاء الله تعالى.

فأول شيء يملكه المسلمون بجزيرة الأندلس اليوم، حصن صغير على شاطئ البحر الرومي يسمى بَنَشْكُلَة، بينه وبين مدينة بلنسية ثلاث مراحل؛ وهذا الحصن مما يلي بلاد الروم، بينه وبين طرطوشة مرحلتان أو أكثر قليلاً.

ثم مدينة بلنسية، وهي مدينة في غاية الخصب واعتدال الهواء، كان أهل الأندلس يدعونها فيما سلف من الزمان: مُطَيَّب الأندلس؛ والمطيب عندهم: حُزمة يعملونها من أنواع الرياحين ويجعلون فيها النرجس والآس وغير ذلك من أنواع المشمومات؛ سموا بلنسية بهذا الاسم لكثرة أشجارها وطيب ريحها؛ وبين بلنسية هذه وبين البحر الرومي قريب من أربعة أميال.

ثم بعدها مدينة تدعى شاطبة، بينها وبينها مرحلتان.

وبينهما مدينة صغيرة تدعى جزيرة الشُّقْر؛ وسميت جزيرة لأنها في وسط نهر عظيم قد حف بها من جميع جهاتها، فلا طريق إليها إلا على القنطرة.

ومن شاطبة هذه إلى مدينة دانية التي على ساحل البحر الرومي، يوم تام.

ومن شاطبة إلى مدينة مرسية ثلاثة أيام.

ومن مرسية إلى البحر الرومي عشرة فراسخ.

ومن مدينة مرسية إلى مدينة أغرناطة سبع مراحل.

وبين ذلك بلاد صغار، أولها مما يلي مرسية: حصن لرقة، ثم حصن آخر يدعى

ص: 265

بَلِّس، ثم حصن آخر يدعى قُلْيَة، ثم بليدة صغيرة تسمى بَسْطة، ثم بليدة أخرى على مسيرة يوم من أغرناطة تسمى وادي آش، ويقال لها أيضًا وادي الأشي؛ هكذا سمعت الشعراء ينطقون بها في أشعارهم؛ فهذه البليدات التي بين أغرناطة ومرسية.

وفي مقابلة وادي آش على ساحل البحر الرومي، مدينة المرِية -مخففة الراء- وهي مدينة مشهورة، تضرب أمواج البحر في سورها، بينها وبين وادي آش هذه مرحلتان للمجد.

وبعد المدينة المعروفة بالمرية على ساحل البحر الرومي، حصن مُنكب، وهي بليدة صغيرة يضرب البحر أيضًا في سورها، بينها وبين المرية أربع مراحل.

وبين حصن منكب هذا وبين مدينة مالقة ثلاث مراحل.

وبين مالقة وبين الجزيرة الخضراء ثلاث مراحل للمجد.

وبالجزيرة الخضراء، أو بجبل الفتح، يلتقي البحران كما ذكرنا، فالذي على ساحل البحر الرومي من بلاد المسلمين بالأندلس: الجزيرة الخضراء، ومالقة، ومُنكب، والمرية، ودانية؛ وبين المرية ودانية نحو من ثماني مراحل؛ ووراء دانية الحصن الذي يسمى بنشكلة؛ وقد تقدم ذكره.

فهذا ما على الساحل من بلاد المسلمين بالأندلس، أعني ما يضرب الموج في سوره؛ فأما مدينة بلنسية فبينها وبين البحر -كما ذكرنا- قريب من أربعة أميال.

ثم نعود إلى ذكر البلاد التي ليست على الساحل؛ فنقول:

من مدينة أغرناطة إلى البحر قريب من أربعين ميلًا؛ وذلك مسيرة يوم تام أو يومين على الرفق.

ومن مدينة أغرناطة إلى مدينة جَيَّان، مرحلتان؛ بين جيان وبين البحر الرومي ثلاث مراحل.

ومن مدينة جيان إلى مدينة قرطبة مرحلتان.

ذكر قرطبة

وقد تقدم ذكر قرطبة هذه، وأنها كانت دار ملك المسلمين ومقر تدبيرهم إلى أن نشأت الفتنة واختل أمر بني أمية بالأندلس؛ وبلغت قرطبة هذه من القوة وكثرة العمارة وازدحام الناس مبلغًا لم تبلغه بلدة.

حكى ابن فياض في تاريخه في أخبار قرطبة قال: كان بالرَّبض الشرقي من

ص: 266

قرطبة مائة وسبعون امرأة، كلهن بكتبن المصاحف بالخط الكوفي؛ هذا ما في ناحية من نواحيها فكيف بجميع جهاتها؟!.

وقيل: إنه كان فيها ثلاثة آلاف مُقَلَّس؛ وكان لا يتقلس1 عندهم في ذلك الزمان إلا من صلح للفتيا.

وسمعت ببلاد الأندلس من غير واحد من مشايخها، أن الماشي كان يستضيء بسُروج قرطبة ثلاثة فراسخ لا ينقطع عنه الضوء.

وبها الجامع الأعظم الذي بناه أبو المُطَرّف عبد الرحمن بن محمد المتلقب بـ الناصر لدين الله، وزاد فيه بعده ابنه الحكم المستنصر بالله؛ فزيادة الحكم معروفة إلى اليوم.

وحكى أبو مروان بن حيان رحمه الله في أخبار قرطبة، أن الحكم لما زاد زيادته المشهورة في الجامع، اجتنب الناس الصلاة فيها أيامًا؛ فبلغ ذلك الحكم، فسأل عن علته؛ فقيل له: إنهم يقولون: ما ندري هذه الدراهم التي أنفقها في هذا البنيان من أين اكتسبها! فاستحضر الشهود والقاضي أبا الحكم المنذر بن سعيد البَلُّوطي المتقدم الذكر في قضاته، واستقبل القبلة وحلف باليمين الشرعية التي جرت العادة بها، أنه ما أنفق فيه درهمًا إلا من خُمس المغنم! وحينئذٍ صلى الناس فيه لما علموا بيمينه؛ ومن الخمس أيضًا كان أبوه بناه؛ وزاد فيه أبو عامر محمد بن أبي عامر زيادة أخرى من هذه النسبة؛ فهو مسجد لم ينفق فيه درهم إلا من خمس المغنم. وهو مُعظَّم القدر عند أهل الأندلس، مبارك، لا يصلي فيه أحد ويدعو بشيء من أمر الدنيا والآخرة إلا استجيب له؛ قد عرف ذلك من أمره، واشتهر.

وحكى غير واحد أن الأدفنش -لعنه الله- لما دخلها في شهور سنة 503، دخل النصارى في هذا المسجد بخيلهم، فأقاموا به يومين لم تَبُلْ دوابهم ولم ترُثْ حتى خرجوا منه؛ وهذه الحكاية مما تواتر عندهم واستفاض بقرطبة.

وقد جمع أهل الأندلس كتبًا في فضائل قرطبة وأخبارها ومن كان بها أو نزلها من الصالحين والفضلاء والعلماء.

ذكر إشبيليَّة

ومن مدينة قرطبة إلى مدينة إشبيلية ثلاث مراحل؛ وإشبيلية هذه هي حاضرة الأندلس في وقتنا هذا، وهي التي تسمى عندهم في قديم الزمان حمص؛ سميت

1- تَقَلَّس الرجل: لبس القلنسوة: لباس للرأس، مختلف الأنواع والأشكال.

ص: 267

بذلك لنزول أجناد حمص إياها حين افتتح المسلمون الأندلس.

وقد زاد أمر هذه المدينة على صفة كل واصف، وأتى فوق نعت كل ناعت؛ وهي على شاطئ نهر عظيم ينصب من جبل شَقُورة؛ وتنصب فيه أنهار كثيرة، فلا يصل إلى إشبيلية إلا وهو بحر خِضَم1؛ تصعد فيه السفن الكبار من البحر الأعظم، تُرسى على باب المدينة، بينها وبين البحر الأعظم سبعون ميلًا، وذلك مرحلتان.

وهذه المدينة كانت قاعدة ملك بني عباد حسبما تقدم، ثم صيرها المصامدة منزلًا لهم أيام كونهم بالأندلس؛ منها ينفذ أمرهم، وفيها يستقر ملكهم. وبنوا بها قصورًا عظيمة، وأجروا فيها المياه، وغرسوا البساتين؛ فزاد ذلك في حسن هذه المدينة، أعني إشبيلية.

ومن إشبيلية إلى مدينة شِلْب التي على ساحل البحر الأعظم خمس مراحل؛ وبين ذلك بليدات صغار؛ كمدينة لَبْلَة، وحصن مَرْتُلة، ومدينة طبيرة، ومدينة العليا، والمدينة المعروفة بـ شنتمريَّة؛ هذه البلاد كلها فيما بين شلب وإشبيلية من مغرب الأندلس.

وبين قرطبة وبين البحر الرومي خمس مراحل؛ وقرطبة أيضًا على ساحل هذا النهر الذي ينصب إلى إشبيلية؛ يعظم جدًّا حتى تصعد فيه السفن كما تقدم، وينحدر من أراد في القوارب من قرطبة إلى إشبيلية، ويصعدون من إشبيلية إلى قرطبة؛ كهيئة النيل.

وبين مدينة إشبيلية ومدينة شَرِيش مرحلتان.

وبين شريش وبين البحر ثلاث مراحل.

فهذه جملة أخبار بلاد المغرب وجزيرة الأندلس ومسافات الأبعاد التي بين كل بلد وبلد على التقريب؛ منها ما سافرتُ فيه بنفسي، ومنها ما نقلته مستفيضًا عن السفار المترددين.

1- الخضم: الواسع.

ص: 268

فصل أنهار الأندلس الكبار المشهورة

وقد رأيت أن أذكر ههنا جملة أنهار الأندلس الكبار المشهورة بها:

فأول ذلك مما يلي المشرق: نهر طرطوشة، وهو نهر عظيم ينصب من جبال هناك إلى مدينة طرطوشة، ثم يصب في البحر الرومي؛ وبين طرطوشة وبين البحر الرومي اثنا عشر ميلًا.

ثم نهر مرسية، وهو يصب أيضًا في البحر الرومي، منبعه من جبل شقورة؛ وهو قسيم نهر إشبيلية؛ منبعهما واحد ثم يفترقان؛ فينصب هذا إلى إشبيلية، وهذا إلى مرسية.

ثم نهر إشبيلية الأعظم -وقد تقدم ذكر منبعه- ثم تنصب فيه قبل وصوله إلى إشبيلية أنهار كثيرة، فيعظم حتى يصير بحرًا كما ذكرنا، ثم يصب في البحر الأعظم المسمى أقيانس.

ثم نهر عظيم ببلاد الروم يسمى تاجو، وهو الذي عليه مدينة طليطلة وشنترين؛ وبين هاتين المدينتين قريب من عشر مراحل؛ وعلى هذا النهر أيضًا مدينة الأشبونة، وبينها وبين شنترين ثلاث مراحل؛ ثم ينصب هذا النهر إلى البحر الأعظم.

فهذه جملة أنهار الأندلس المشهورة بها.

وقد نجز بحمد الله جميع هذا الإملاء حسبما رسمه مولانا، وجريت في ذلك كله على عادتى في التلخيص، وتركت أسماء القرى والضياع والأنهار الصغار، وغير ذلك مما لا تدعو إليه الحاجة ولا يخل بالتصنيف تركه؛ فإن وافق غرض مولانا ولاق بنفسه وأتى وَفْقَ مراده، فهي البغية الكبرى والأمنية العظمى التي لم أزل أكدح لها وأسعى فيها وأسابق إليها؛ وإن يَكُ غير ذلك فما أنا بأول من اجتهد فحُرِم الإصابة ولم يقع على المراد، ولا وفى المقصود!.

ص: 269

وبالله أعتصم، وإياه أسترشد، وعليه أعتمد؛ وهو حسبي ونعم الوكيل.

وكان الفراغ من هذا الإملاء، يوم السبت لست بقين من جمادى الآخرة من سنة 621، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ص: 270