الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثامن عشر
الفصل السابع والخمسون بعد المئة: أوائل الشعراء
…
الفصل السابع والخمسون بعد المائة: أوائل الشعراء
يقول علماء الشعر: "لم يكن لأوائل الشعراء إلا الأبيات القليلة يقولها الرجل عند حدوث الحاجة"1. ثم تزايد عدد الأبيات وتنوعت طرق الشعراء في نظم الشعر، بتقدم الزمان، وبازدياد الخبرة والمران، وبتقدم الفكر، فظهرت القصائد المقصدة الطويلة، التي توّجت بالمعلقات. قال الأصمعي: "أول من يروى له كلمة تبلغ ثلاثين بيتًا من الشعر مهلهل، ثم ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم، ثم ضمرة، رجل من بني كنانة، والأضبط بن قريع". فهؤلاء هم أوائل الشعراء الجاهليين في نظر "الأصمعي"، ممن نظم كلمة بلغ عدد أبياتها ثلاثين بيتًا فما بعدها. "وقال ابن خالويه في كتاب ليس: أول من قال الشعر ابن خدام"2.
وذكر بعض العلماء أن القصائد إنما قصدت، والشعر إنما طول في عهد "عبد المطلب" أو "هاشم بن عبد مناف"، وذلك يدل على إسقاط عاد وثمود وحمير وتبع3. ولم يذكروا اسم أول من قصد القصائد وطوّل الشعر، ولكن رأي معظم علماء الشعر أن المهلهل هو أول من قصد القصائد وأول من قال كلمة تبلغ
1 الشعر والشعراء "1/ 48"، "دار الثقافة"، المزهر "2/ 474"، "أولية الشعر".
2 المزهر "2/ 477".
2 المزهر "2/ 474".
ثلاثين بيتًا من الشعر. وزعم بعضهم أن "الأفوه الأودي" أقدم من المهلهل، وهو أول من قصد القصيد1. وإذا ذهبنا مذهب من يقول إن القصائد إنما ظهرت في أيام "عبد المطلب" أو "هاشم"، فيكون ذلك قبل الهجرة بمائة سنة على الأكثر1.
وزعمت بكر بن وائل أن أول من قال الشعر وقصد القصيد، هو "عمرو بن قميئة"، وكان في عصر "مهلهل بن ربيعة"، وعمر حتى جاوز التسعين. وكان "امرؤ القيس"، قد استصحبه لمّا شخص إلى قيصر، فمات في سفره ذلك3.
وذكر "ابن قتيبة" أن من قديم الشعر قول "دُويد بن نهد القضاعي":
اليوم يبنى لدويد بيته
…
لو كان للدهر بلى أبليته
أو كان قرني واحدا كفيته
…
يا رب نهب صالح حويته
وربّ عبل خشن لويته
وذكر من بعده اسم: "أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان"، ثم الحارث بن كعب4.
ولم يكن المذكورون أول من قصد القصيد، وتفنن في أبواب الشعر، وإنما هم أقدم من وصل اسمه إلى مسامع علماء الشعر، فصاروا من ثم أقدم شعراء الجاهلية. وقد نسب إلى "زهير بن أبي سلمى" قوله:
ما أرانا نقول إلا مُعارا
…
أو معادًا من قولنا مكرورا
وإذا صح أن هذا البيت هو من شعره حقًّا، دلّ على اعتقاد الشاعر ومن كان في أيامه بقدم الشعر، وبتقدمه وبتطوره، وبتفنن الشعراء الذين عاشوا قبله، في طرق الشعر وذهابهم فيه كل مذهب، حتى صار من جاء بعدهم من الشعراء عالة عليهم فلا يقول إلا معارًا، أو معادًا من الشعر مكرورًا. وإلى هذا المعنى ذهب "عنترة" في قوله:
1 المزهر "2/ 477".
2 الرافعي "3/ 14".
3 المرزباني، معجم "3 وما بعدها".
4 الشعر والشعراء "1/ 48 وما بعدها".
هل غادر الشعراء من متردم
…
أم هل عرفت الدار بعد توهم
فقد سبق الشعراء "عنترة" في قول الشعر، وفي الإبداع والتفنن به، حتى لم يتركوا له شيئًا جديدًا ليقوله.
ونجد الشاعر "لبيدًا"، يشير في شعره إلى الشعراء الذين تقدموا عليه، ويقول عنهم إنهم سلكوا طريق مرقش ومهلهل، حيث يقول:
والشاعرون الناطقون أراهم
…
سلكوا طريق مرقش ومهلهل1
ولقد تعرض "الفرزدق" في قصيد له إلى من تقدم عليه من الشعراء فقال:
وهب القصائدَ لي النوابغُ إذ مضوا
…
وأبو يزيد وذو القروح وجرولُ
والفحل علقمةُ الذي كانت له
…
حلل الملوك كلامه لا ينحل
وأخو بني قيسٍ وهن قَتَلْنَهُ
…
ومهلهل الشعراء ذاك الأول
والأعشيان كلاهما ومرقش
…
وأخو قضاعة قوله يتمثل
وأخو بني أسد عبيدٌ إذ مضى
…
وأبو دُؤاد قوله يتنخل
وابنا أبي سُلْمى زهيرٌ وابنه
…
وابن الفريعة حين جد المقول
والجعفريُّ وكان بشر قبله
…
لي من قصائده الكتابُ المجمل
ولقد ورثتُ لآل أوسٍ منطقًا
…
كالسّمّ خالط جانبيه الحنظل
والحارثي أخو الحماس ورثته
…
صَدْعا كما صدع الصّفاة المعول2
فهؤلاء هم من أقدم الشعراء العرب الذين وصل خبرهم إلينا على وفق هذه الأخبار والروايات. وهم ونفر آخر من أمثالهم قد عاشوا في أيام لا نستطيع أن نبتعد بها عن الإسلام بأكثر من قرن أو قرن ونصف قرن. وقد عسر على الذاكرة حفظ شيء عن أخبارهم وأيامهم، فلم تذكر عنهم غير أسمائهم وغير شيء يسير جدًّا عنهم، وخلا أبيات، لا ندري أهي من نظمهم حقًّا، أم هي من نظم
1البيان والتبيين "2/ 183".
2 ديوان الفرزدق "720"، نقائض "200".
من تحدث عنهم! وعلى موجب روايات أهل الأخبار تكون تلك الأبيات أقدم ما عندنا من شعر عربي.
وقد ولع بعض المحدثين بوضع سنين لتثبيت سنين مواليد ووفيات الشعراء، واكتفى بعضهم بوضع سنين لوفياتهم، وفعلهم هذا لا يستند إلى أساس علمي، لأننا لا نملك أدلة مقبولة صحيحة، تخولنا حتى وضع مثل هذه الأرقام، ثم إن في الكثير من هذا المروي عن حياة الشعراء ما هو غير صحيح، ولهذا فليس من المعقول أبدًا، وضع سنين لتحديد مواليد ووفيات أولئك الشعراء، والشيء الوحيد الذي نستطيع فعله هذا اليوم هو أن نشير إلى زمان من عاصروهم من الملوك كملوك الحيرة والغساسنة، فنحن على شيء من العلم بأوقات حكمهم، وأن نربط بين أيامهم وبين الحوادث الجسام التي أدركوها أو ساهموا فيها.
ونحن لا نستطيع ترتيب الشعراء ترتيبًا زمنيًّا يستند على سنوات الوفيات، فنقدم شاعرا على شاعر آخر استنادا إلى سنة الوفاة، لأننا لا نملك نصوصا فيها سني الوفاة. ثم إن حياة أقدم شاعر جاهلي لا يمكن أن تتجاوز المائة والخمسين سنة عن الإسلام على أكثر تقدير، وإن أكثرهم قد كانوا متعاصرين، وإن بين حياة الشاعر القديم منهم، وبين الشاعر المتأخر، فترات غير طويلة، تتطاول على العشرة سنين أو العشرين، وهي أزمنة لا تعد شيئًا بالنسبة إلى تأريخ هذا الشعر القصير الأجل.
ويجب ألا تخدعنا بعض العبارات التي نقرأها في كتب الأدب مثل قولهم: "وهو شاعر جاهلي قديم"، أو "هو شاعر قديم"، أو "هما قديمان"1، أو "وهو جاهلي قديم"2، وأمثال ذلك من تعابير تشير إلى قدم الشاعر أو الشعراء، فنأخذها على الصحة، ونقول بقدم الشاعر، أو الشاعرين، أو الشعراء، فإن أكثر من ذكر أهل الأخبار أنهم من الشعراء القدماء، هم من الذين كانوا في أيام حكم الملك "عمرو بن هند"، وقد كان حكم هذا الملك فيما بين السنة "554" والسنة "569" للميلاد. وإذا ما تذكرنا أن ميلاد الرسول كان في سنة "570" أو "571" للميلاد، عرفنا إذن أي قدم هو هذا القدم الذي توهموه
1 الشعر والشعراء "1/ 302".
1 الشعر والشعراء "1/ 192، 294".
خذ ما قاله "ابن قتيبة" مثلا عن "زهير بن جناب" سيد "كلب" وهو في نظره من الشعراء المعمرين، تراه يقول: "وهو جاهلي قديم. ولما قدمت الحبشة تريد هدم البيت خرج زهير فلقي ملكهم، فأكرمه ووجهه إلى ناحية العراق يدعوهم إلى الدخول في طاعته
…
"1. ولو جاريناه وأخذنا بصحة الخبر المزعوم، نكون قد جعلناه حيًّا في النصف الثاني من القرن السادس للميلاد، فقدوم الحبشة تريد هدم البيت، كان في عام الفيل، أي سنة "570" أو "571" للميلاد، أي العام الذي ولد فيه الرسول، فهل يعد "زهير بن جناب" إذن "جاهلي قديم"؟ وقد أدرك على حد قول "ابن قتيبة" ميلاد الرسول؟ ثم خذ ما قاله عن "ابني خذاق"، تراه يقول: "وهما قديمان، كانا في زمن عمرو بن هند"2، ثم خذ ما قاله عن "سلامة بن جندل"، إذ قال عنه: "جاهلي قديم"، وجعل أيامه في عهد "عمرو بن هند"3، وقد عرفنا أيام حكم "عمرو بن هند".
ثم خذ ما قاله عن "عبيد بن الأبرص"، تراه يقول:"وكان عبيد شاعرًا جاهليًّا قديمًا من المعمرين، وشهد مقتل حجر أبي امرئ القيس"4، أو خذ ما ذكره عن "عمرو بن قميئة"، حيث يقول:"وهو قديم جاهلي، كان مع حجر أبي امرئ القيس"5، بل خذ ما ذكره عن "امرئ القيس بن حارثة بن الحمام بن معاوية" المعروف بـ "ابن حمام" أو "ابن حزام"، أو "ابن خذام"، الذي يقول عنه الشعراء إنه أول من بكى الديار عند العرب، وأنه عاش قبل امرئ القيس6، ترى أهل الأخبار يذكرون أنه كان معاصرا للشاعر "المهلهل"7، خال "امرئ القيس" الكندي. وإذا علمنا أن حكم ملوك كندة للحيرة، كان ما بين السنة "525" والسنة "528" للميلاد، وأن وفاة "الحارث" والد "حجر" والد "امرئ القيس" الشاعر الكندي، أي
1 الشعر والشعراء "1/ 294".
2 الشعر والشعراء "1/ 302".
3 الشعر والشعراء "1/ 192".
4 الشعر والشعراء "1/ 187".
5 الشعر والشعراء "1/ 292".
6 الشعر والشعراء "1/ 68 وما بعدها".
7 الخزانة "2/ 235"، "بولاق".
جد الشاعر، قد كانت في سنة "528" للميلاد، وأن قتل "حجر" قد وقع بعده، استطعنا الحكم بأن أولئك الشعراء المذكورين قد عاشوا في النصف الأول من القرن السادس للميلاد، وأن حياة أقدم واحد منهم، لا يمكن أن تتجاوز قرنًا واحدًا قبل الإسلام، مهما بالغنا في التقدير.
وأما ما زعمه أهل الأخبار عن بعض أولئك الشعراء، من أنهم كانوا من المعمرين، وأن منهم من عمّر أكثر من ثلاثمائة سنة، وأن المعمر في نظرهم لا يعدّ معمرًا إلا إذا زاد عمره على المائة والعشرين عامًا، فأترك أمر تصديقه إلى القارئ، إن شاء أخذ به، متمنيًا له أيضًا عمر المعمرين وزيادة، وإن شاء رفضه، أما أنا، فلست من حزب الذين يعتقدون برأي أهل الأخبار في العمر وفي المعمرين، ولا أريد أبدًا أن أكون من أولئك المعمرين.
وقد قسم "محمد بن سلام" الجمحي المتوفى سنة "232" الشعراء إلى طبقات، ضمت كل طبقة جماعة من الشعراء، رأى أن بينها تشابهًا وتقاربًا فجمعهم لذلك في طبقة واحدة، أما "ابن قتيبة" فقد بدأ بأوائل الشعراء، وهم:"دويد بن نهد" القضاعي، ثم "أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان"، ثم "الحارث بن كعب"، وقد تحدث عنهم حديثا قصيرًا جدًّا، ثم تكلم عن بقية الشعراء وعلى رأسهم "امرؤ القيس" فزهير بن أبي سلمى، ولم يسر في كتابه على طريقة "ابن سلام" في عرضه الشعراء على طبقات، كما لم يسر على الترتيب الأبجدي لأسماء الشعراء أو على شهرتهم أو كناهم، كما سار غيره في مؤلفاتهم عن الشعراء.
وقد سار "جرجي زيدان" على مبدأ تقسيم الشعراء على وفق الأغراض التي نظموا شعرهم بها والتي غلبت طبائعهم عليها. فجعلهم: أصحاب المعلقات، وعددهم "10"، والشعراء الأمراء، وجمعهم في "14" رجلًا، والشعراء الفرسان، ومجموعهم "28"، والشعراء الحكماء، وحاصلهم "4"، والشعراء العشاق وعددهم "8"، والشعراء الصعاليك وهم "7"، والمغنون، وهم "1"، والنساء الشواعر، وعددهن "4"، والوصافون للخيل، وعددهم "4" والموالي، وعددهم "1"، وسائر الشعراء ومجموعهم "26"، ومجموع الجميع "121" شاعرا1.
1 تأريخ آداب اللغة العربية "1/ 102".
وقسم "كارلو نالينو" الشعراء الجاهليين إلى أربعة أصناف: الصنف الأول ما نسجه أهل البادية أو من تقرب منهم سواء كانوا وثنيين أم يهود من شعر، الثاني: أشعار الوثنيين الذين قصدوا ملوك الحيرة وبني غسان وجالسوهم، الثالث: أشعار النصارى بالحيرة أو في مملكة بني غسان، الرابع: أشعار أهل الحضر الوثنيين في مدن الحجاز1. وقد أدخل في الصنف الأول: تأبط شرًّا والشنفرى وأمثالهم، لأنهم رجال بادية عوائدهم أقرب للهمجية المحضة منها لأحوال أهل بلد ذات نظام اجتماعي، فسُمّوا "أولئك الرجال" الصعاليك2، وأدخل في هذا الصنف أيضًا أصحاب المعلقات، وحاتم الطائي، وعروة بن الورد، والأفوه الأودي، ودريد بن الصمة3. وأدخل في الصنف الثاني "زهير بن جناب" الكلبي، وطرفة بن العبد، وهو من أصحاب المعلقات، وأوس بن حجر، وبقية من كان لهم اتصال بملوك الحيرة والغساسنة4، وأدخل في الصنف الثالث: أبو دؤاد الإيادي، وعدي بن زيد العبادي، وأدخل في الصنف الرابع قيس بن الخطيم، وأمية بن أبي الصلت5.
وأقدم من ذكرهم علماء الشعر من شعراء أهل الجاهلية: دويد بن نهد القضاعي، وأعصر بن سعد بن قيس بن عيلان، والحارث بن كعب6، والعنبر بن عمرو بن تميم، والمستوغر بن ربيعة بن كعب بن نهد، وزهير بن جناب الكلبي، وجذيمة الأبرش، ولجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وابن حذام7، والأفوه الأودي، وذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم، وضمرة، رجل من كنانة، والأضبط بن قريع. وقيل:"أول من قال الشعر ابن حذام"8.
ولهؤلاء البيت والبيتان والأبيات، ولم ترد لهم قصائد، لأن أول من قصد القصائد، ووضع القصيد هو المهلهل، على ما يزعمه أهل الأخبار.
1 كارلو نالينو، تأريخ الآداب العربية "71".
2 المصدر نفسه "ص72".
3 كذلك "ص74 وما بعدها".
4 كذلك "ص81".
5 كذلك "ص92 وما بعدها".
6 الشعر والشعراء "1/ 48 وما بعدها".
7 المزهر "2/ 475 وما بعدها".
8 المزهر "2/ 477".
وقد قدم "ابن قتيبة""دويد بن نهد" القضاعي على سائر الشعراء، وقال: "لم يكن لأوائل الشعراء إلا الأبيات القليلة يقولها الرجل عند حدوث الحاجة. فمن قديم الشعر قول دويد بن نهد القضاعي:
اليوم يبنى لدويد بيته
…
لو كان للدهر بلى أبليته
أو كان قرني واحدًا كفيته
…
يا رب نهب صالح حويته
ورب عبل خشن لويته1
وقال بعد ذلك: وقال الآخر:
ألقي علي الدهر رجلًا ويدا
…
والدهر ما أصلح يومًا أفسدا
يصلحه اليوم ويفسده غدا2
وهو رجز نسبه "ابن سلام" وغيره لدويد نفسه3.
وزعم أهل الأخبار أنه لما حضرته الوفاة، جمع آله، وقال يوصيهم:"أوصيكم بالناس شرًّا، لا ترحموا لهم عبرة، ولا تقيلوهم عثرة، قصّروا الأعنة وطوّلوا الأسنة، واطعنوا شزرًا، واضربوا هبرًا.." إلى آخر وصيته، ثم قال:
اليوم يبنى لدويد بيته
…
يا رب نهب صالح حويته
ورب قرن بطل أرديته
…
ورب غيل حسن لويته
ومعصم مخضب ثنيته
…
لو كان للدهر بلى أبليته
أو كان قرني واحدا كفيته4
1 الشعر والشعراء "1/ 48"، "الثقافة"، ابن سلام، طبقات الشعراء "27"، السجستاني، المعمرون "19"، ابن سلام، طبقات "11""طبعة ليدن"، المزهر "2/ 475".
2 الشعر والشعراء "1/ 48"، "حاشية رقم 3"، وورد:
يفسد ما أصلحه اليوم غدا
أمالي المرتضى "1/ 237".
3 الشعر والشعراء "1/ 48"، "حاشية رقم 3".
4 أمالي المرتضى "1/ 237"، وروي على هذه الصورة:
اليوم يبنى لدويد بيته
…
لو كان للدهر بلى أبليته
أو كان قرني واحدا كفيته
…
يا رب نهب صالح حويته
ورب غيل حسن لويته
…
ومعصم مخضب ثنيته
تاج العروس "2/ 347"، "داد"، المزهر "2/ 475".
وهو كلام يشعرك أنه نص لوصية الشاعر، ضبط ضبطًا، يشعرك أن ضابطه كان حاضرا إذ ذاك، وأنه سجله سجل المسجل للصوت، حتى وصل إلينا أصيلًا كاملًا لا تغيير فيه ولا تحوير، أما رأيي فيه، فهو أنه من هذه النصوص الكثيرة التي وضعها أهل الأخبار على ألسنة المتقدمين عليهم، والتي لا يمكن أن يركن إليها، ولا أن يؤخذ بها، ومن في استطاعته إثبات أنه نص أصيل، وليس لديه دليل قطعي يثبت تلك الإصالة.
ومن قدماء الشعراء: "أعصر بن سعد بن قيس عيلان"، وهو "منبه بن سعد" أبو باهلة وغني والطفاوة. وهو القائل:
قالت عميرة ما لرأسك بعدما
…
نفد الزمان أتى بلون منكر
أعمير إن أباك شيَّب رأسه
…
كره الغداة واختلاف الأعصر1
وذكر "ابن قتيبة" بعد "أعصر" اسم "الحارث بن كعب" وقال عنه: "وكان قديمًا"، وروى له هذه الأبيات:
أكلت شبابي فأفنيته
…
وأفنيت بعد شهور شهورا
ثلاثة أهلين صاحبتُهم
…
فبانوا وأصبحت شيخًا كبيرًا
قليل الطعام عسير القيا
…
م قد ترك القيد خَطوي قصيرا
أبيت أراعي نجوم السماء
…
أقلب أمري بطونا ظهورا2
والحارث بن كعب، هو "الحارث بن كعب بن عمرو بن وعلة بن خالد بن مالك بن أدد" المذحجي، وهو من المعمرين، وقد نسبوا له وصية زعموا أنه لما حضرته الوفاة، جمع ولده، فخطبهم يوصيهم، وكان مما جاء فيها أنه على دين "شعيب" النبي، "وما عليه أحد من العرب غيري"، وغير "أسد بن
1 المزهر "2/ 475"، الشعر والشعراء "1/ 48 وما بعدها"، "الثقافة"، ابن سلام، طبقات "28".
قالت عميرة ما لرأسك بعدما
…
نفد الشباب أتى بلون منكر
أعمير أن أباك شيَّب رأسه
…
مر الليالي واختلاف الأعصر
الشعر والشعراء "1/ 49".
2 الشعر والشعراء "1/ 49".
خزيمة" و"تميم بن مرة"، ثم أوصاهم بوصية، على الطريقة المألوفة التي نراها في الوصايا التي تنسب في العادة إلى المعمرين، ثم ختمها بإنشاده الأبيات المذكورة1.
"والمستوغر بن ربيعة بن كعب بن نهد"، من قدماء المعمرين، بقي بقاء طويلًا حتى قال:
ولقد سئمت من الحياة وطولها
…
وازددت من عدد السنين مئينا
مائة أتت من بعدها مائتان لي
…
وازددت من عدد الشهور سنينا2
وذكر "ابن دريد" أن "المستوغر" عاش ثلاثماية وعشرين سنة، ولقّب "المستوغر" لقوله:
ينش الماء في الرّبلاتِ منها
…
نشيش الرضف في اللبن الوغير3
وذكر أنه أدرك الإسلام، أو كاد يدرك أوله. ونسبوا له قوله:
إذا ما المرءُ صمَّ فلم يكلّم
…
وأودى سمعه إلا ندايا
ولاعب بالعشيّ بني بنيه
…
كفعل الهرّ يحترش العَظايا
يلاعبهم وودّوا لو سقوه
…
من الذيفان مترعةً ملايا
فلا ذاق النعيمَ ولا شرابًا
…
ولا يشفي من المرض الشفايا4
وزعم "أن المستوغر مرّ مرة بعكاظ يقود ابن ابنه خرفًا، فقال له رجل:
1 أمالي المرتضى "1/ 232".
2
ولقد سئمت من الحياة وطولها
…
وازددت من عدد السنين مئينا
مائة أتت من بعدها مائتان لي
…
وازددت من بعد الشهور سنينا
هل ما بقى إلا كما قد فاتني
…
يوم يمر وليلة تحدونا
الشعر والشعراء "1/ 300".
المزهر "2/ 475"، "وهو عمرو بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن حر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر"، أمالي المرتضى، "1/ 234"، المعمرون "7"، المرزباني، معجم "313".
3 الاشتقاق "1/ 154"، الشعر والشعراء "1/ 300".
4 أمالي المرتضى "1/ 235"، ابن سلام، طبقات "30".
يا عبد الله أحسن إليه، فطالما أحسنَ إليك! قال: أوتدري من هو؟ قال: نعم هو أبوك أو جدك، قال: هو والله ابن ابني! قال الرجل: لم أرَ كاليوم في الكذب ولا مستوغر بن ربيعة!! قال: فأنا المستوغر بن ربيعة". "قال أبو عمرو بن العلاء: عاش المستوغر ثلاثمائة سنة وعشرين سنة"1.
وقد ذكره "ابن حجر" في الصحابة، وقال عنه:"المستوعز، بعين مهملة ثم زاي، ابن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم السعدي، أبو بيهس، واسمه عمرو، والمستوعز لقب". وكان من فرسان العرب في الجاهلية، وقال "المرزباني" إنه عاش في أيام معاوية، ويقال مات في صدر الإسلام2. والأغلب أن وفاته كانت قبل الإسلام، وأنه لا يمكن لذلك عده في الصحابة.
والأفوه الأودي، هو "صلاءة بن عمرو بن مالك" من "مذحج"، ومذحج من اليمن، فهو من اليمانيين، وكان من سادات قومه وقائدهم في حروبهم، وكانوا يصدرون عن رأيه، والعرب تعده من حكمائها، بما اشتمل عليه شعره من الحكمة3. وقد اشتهر بقصيدته:
فينا معاشر لم يبنوا لقومهم
…
وإن بنى قومُهم ما أفسدوا عادوا
لا يرشدون ولن يرعوا لمرشدهم
…
فالجهل منهم معًا والغيّ ميعاد
أضحوا كقيل بن عمرو في عشيرته
…
إذ أهلكت بالذي سدّى لها عاد
أو بعده كقدارٍ حين تابعه
…
على الغواية أقوامٌ فقد بادوا
والبيت لا يُبتنى إلا له عمدٌ
…
ولا عماد إذ لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتادٌ وأعمدة
…
وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
وإن تجمع أقوام ذوو حسب
…
اصطاد أمرهم بالرشد مصطاد
لا يصلح الناسُ فوضى لا سراة لهم
…
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
تبقي الأمور بأهل الرأي ما صلحت
…
فإن تولت فبالأشرار تنقاد
1 الشعر والشعراء "1/ 301"، الإصابة "3/ 468"، "رقم 8407".
2 الإصابة "3/ 468"، "8407".
3 الشعر والشعراء "1/ 149"، الأغاني "11/ 41"، العيني "1/ 421"، تاج العروس "9/ 405"، "فوه"، معاهد التنصيص "2/ 159"، بروكلمان، تأريخ الأدب العربي "1/ 117".
إذا تولى سراة القوم أمرهم
…
نما على ذاك أمر القوم فازدادوا
أمارة الغي أن يُلقى الجميع لذي
…
الإبرام للأمر والأذناب أكتاد
حان الرحيل إلى قوم وإن بعدوا
…
فيهم صلاح لمرتاد وإرشاد
فسوف أجعل بُعد الأرض دونكم
…
وإن دنت رحمٌ منكم وميلاد
إن النجاء إذا ما كنت ذا نفر
…
من أجّة الغيّ إبعادٌ فإبعاد
فالخير تزداد منه ما لقيت به
…
والشر يكفيك منه قلما زاد
وقد رويت بعض الأبيات بصور مختلفة. فلابن دريد قراءة، ولأبي بكر بن الأنباري قراءة. وقد نص "القالي" على القراءتين1 ومن أبياتها:
كيف الرشاد إذا ما كنت في نفرٍ
…
لهم عن الرشد أغلال وأقياد
أعطوا غواتهم جهلًا مقادتهم
…
فكلهم في حبال الغي منقاد2
وله قصيدة تعد من جيد شعره، أولها:
إن ترى رأسي فيه نزعٌ
…
وشواي خلّة فيها دُوار
إنما نعمة قوم متعة
…
وحياة المرء ثوب مستعار
ولياليه إلالٌ للقوى
…
ومدى قد تجتليها وشفار
وصروف الدهر في إطباقه
…
خلفةٌ فيها ارتفاع وانحدار
بينما الناس على عليائها
…
إذ هَوَوا في هوة منها فغاروا
حَتَم الدهر علينا أنه
…
ظلفٌ ما نال منا وجبار3
وهو القائل:
والمرءُ ما يُصلح له ليلةٌ
…
بالسعد تُفْسُدُهُ ليالي النحوس
والخير لا يأتي ابتغاء به
…
والشر لا يفنيه ضرح الشموس4
1 الأمالي "2/ 224 وما بعدها"، العقد الفريد "1/ 5"، الشعر والشعراء "1/ 149".
2 بلوغ الأرب "3/ 106".
3 بلوغ الأرب "3/ 105 وما بعدها".
4 الشعر والشعراء "1/ 149".
وله ديوان مطبوع1.
وذكر أن النبي نهى عن إنشاد قصيدة الأفوه:
إن ترى رأسي فيه نزع
…
وشواي خلة فيها دوار
وذلك لورود ذم فيها لبني هاجر مثل قوله:
يا بني هاجر ساءت خطة
…
أن تروموا النصف منا ونجار
إن يجل مُهرى منكم جولة
…
فعليه الكر فيكم والغوار
نحن أود ولأود سنة
…
شرف ليس لنا عنها قصار
سنة أورثناها مذحج
…
قبل أن ينسب للناس نزار2
وهي قصيدة يمانية، فيها تعصب ليمن، وتهجم على "نزار" أبناء هاجر، أي العدنانيين، ولهذا ذكر الرواة أن النبي نهى عن روايتها، وهي من موضوعات الصراع القحطاني النزاري المعروف، أرادت النزارية طمسها، فروت أن النبي نهى عن روايتها، والنهي والقصيدة -في نظري- من المصنوعات التي ظهرت بعد وفاة النبي، وأسلوب نظم القصيدة يتجسس على أصالتها، يتحدث أنه من النظم الإسلامي.
وأورد "المعري" له هذا البيت:
كشهاب القذف يرميكم به
…
فارس في كفه للحرب نار
وهو بيت من "رائيته" التي يعدونها من أجود الشعر العربي3.
وهي قصيدة يقول عنها "الجاحظ": "وما وجدنا أحدًا من الرواة يشك في أن القصيدة مصنوعة"4. ونظرًا لإشارة "الجاحظ" إليها، فإن صنعها يجب
1 طبعة عبد العزيز الميمني في الطرائف الأدبية، "القاهرة 1937م" بروكلمان، تأريخ الأدب العربي "1/ 117".
2 راجع ديوانه، "القاهرة 1937م".
3 رسالة الغفران "297"، "رقم الحاشية 5".
4 الحيوان "6/ 280"، النوادر "1/ 169"، معاهد التنصيص "4/ 95".
أن يكون قبل أيامه، في الإسلام على أثر ظهور العصبية النزارية في أيام الأمويين، فوضعها أحدهم على لسان الأفوه في التعريض بالنزاريين.
ونسب "الجاحظ" له قوله:
أضحت قُرينةُ قد تغير بشرها
…
وتجهّمت بتحية القوم العدا
ألوت بإصبعها وقالت إنما
…
يكفيك مما لا ترى ما قد ترى1
كما نسب له قوله:
تهنا لثعلبة بن قيس جفنة
…
يأوي إليها في الشتاء الجوع
ومذانب لا تستعار وخيمة
…
سوداء عيب نسيجها لا يرفع
وكأنما فيها المذانب حلقة
…
وذم الدلاء على دلوج تنزع2
وقد نسبت إليه أبيات ورد فيها ذكر "التبابعة والمثامنة وأولاد نوح: سام وحام ويافث"، هي:
فلو دام الخلود إذن جدودي
…
وأسلافي بنو قحطان داموا
ودام لهم تبابعهم ملوكا
…
ولم تمت المثامنة الكرام
وعاش الملك ذو الأذعار عمرو
…
وعمرو حوله اللجب اللهام
وخلد ذو المنار وما تردى
…
أبوه الرائش الملك الهمام
ملوك أدت الدنيا إليها
…
إتاوتها ودان لها الأنام
ولما يعصها سام وحام
…
ويافث حيث ما حلت ولام3
ونسبت إليه أبيات في مدح "مذحج"، وفي الإشادة بكرمها، أولها:
نعظم النار إذ النار التي
…
شبّها عنس خبت أو صعصعة4
والشعر المتقدم من الشعر المصنوع ولا شك، وضعه قوم من المتعصبين للقحطانية على النزاريين، أي العدنانيين.
1 البيان والتبيين "1/ 197 وما بعدها".
2 البخلاء "223 وما بعدها".
3 تأريخ ملوك العرب الأولية "28 وما بعدها".
4 المصدر نفسه "ص137".
ومن الشعراء القدماء: "زهير بن جناب" الكلبي، سيد بني كلب وقائدهم، وكان شجاعًا مظفرًا ميمون النقيبة في غزواته1. ذكر أنه لما قدمت الحبشة تريد هدم البيت خرج "زهير" فلقي ملكهم، فأكرمه ووجهه ناحية العراق يدعوهم إلى الدخول في طاعته، فلما صار في أرض "بكر بن وائل" لقيه رجل منهم فطعنه، لكنه نجا وفر هاربًا، وعمر طويلًا. وقد مات منتحرًا. شرب الخمر صرفًا حتى قتلته. وفي الشعر المنسوب إليه ما يشك بصحة نسبته إليه. وقد ذكر أنه كان في أيام "داود بن هُبالة"، الذي كان أول ملك للعرب في بلاد الشام، فغلبه ملك الروم على ملكه، فصالحه داود على أن يقره في منازله ويدعه فيكون تحت يده، ففعل. فكان يغير بمن معه، ثم تنصر وكره الدماء وبنى ديرًا، سمي "دير اللثق"، وأنزله الرهبان، ثم إن ملك الروم طلب منه أن يغزو بمن معه من العرب، ففعل وكان معه في جيشه زهير بن جناب. فقتل زهير بن جناب "هداج بن مالك" سيد عبد القيس، فتواعد رجلان من قضاعة على قتل "داود"، وكان إذا سار ليلًا، سار وأمامه شمعة، فقتلاه2.
"قال أبو حاتم: عاش زهير بن جناب مائتي سنة وعشرين سنة، وأوقع مائتي وقعة، وكان سيدًا مطاعًا شريفًا في قومه، ويقال: كانت فيه عشر خصال لم يجتمعن في غيره من أهل زمانه، كان سيد قومه، وشريفهم، وخطيبهم وشاعرهم، ووافدهم إلى الملوك، وطبيبهم -والطب في ذلك الزمان شرف- وحازي قومه -والحزاة الكهان- وكان فارس قومه، وله البيت فيهم، والعدد منهم.
ونسبوا له وصية، ذكروا أنه أوصى بها بنيه حين حضرته الوفاة، وذلك على طريقتهم عند تحدثهم عن المعمرين.
وقد أورد أهل الاخبار له شعرًا، في العمر وفي النساء وفي مخاطبة أولاده1. وقد نسبوا له هذا الشعر:
1 الأغاني "21/ 93 وما بعدها"، ابن سلام "30"، جمهرة ابن حزم "426"، المؤتلف "130"، المحبر "250"، المعمرون "24"، الشعر والشعراء "1/ 294 وما بعدها"، كارلو نالينو، تأريخ الآداب العربية "82"، المزهر "2/ 475 وما بعدها".
2 أسماء المغتالين "127".
3 أمالي المرتضى "1/ 238 وما بعدها".
لقد عُمّرت حتى لاأبالي
…
أحتفي في صباحي أو مسائي
وحق لمن أتت مائتان عاما
…
عليه أن يمل من الثواء
شهدت الموقدين على خزاري
…
وبالسلان جمعا ذا زهاء
ونادمت الملوك من آل عمرو
…
وبعدهم بني ماء السماء1
ومن جيد شعره قوله:
ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه
…
يوما فتدركه عواقب ما جنى
يجزيك أو يثني عليك وإن من
…
أثنى عليك بما فعلت كمن جزى
وهو شعر نسبه "ابن قتيبة" إليه، غير أن من العلماء من نسبه لورقة بن نوفل، ومنهم من نسبه لغريض اليهودي، وقيل لابنه "سعية"، ومنهم من نسبه لشعراء آخرين2.
أما المهلهل، فهو امرؤ القيس بن ربيعة بن مرة بن الحارث بن زهير بن جشم، وإنما سمي مهلهلا لبيت قاله لزهير بن جناب الكلبي:
لما توعر في الكراع هجينهم
…
هلهلت أثأر جابرا أو صنبلا
وقيل إن اسمه كان عديًّا، وقد ذكره "امرؤ القيس" في شعره3. ولقب مهلهلا لطيب شعره ورقته، أو لأنه أول من أرق المراثي، أو لأنه أول من قصد القصائد، وقال الغزل، فقيل: هلهل الشعر أي أرقه4. وفيه يقول الفرزدق:
1 المعمرون "26 وما بعدها".
2 الشعر والشعراء "1/ 296"، "حاشية رقم 7".
3
رفعت رأسها إلي وقالت
…
يا عديا لقد وقتك الأواقي
ضربت صدرها إلي وقالت
…
يا عديا لقد وقتك الأواقي
"وقال الصاغاني في التكملة: وليس البيت لمهلهل وإنما هو لأخيه عدي، ويروى البيت: ضربت صدرها، "السيوطي شرح شواهد المغني 656"، "حاشية 4"، الخزانة "1/ 300"، "بولاق"، الأغاني "4/ 139".
ضربت صدرها إليّ وقالت
…
يا امرأ القيس حان وقت الفراق
4 السيوطي، شرح شواهد "2/ 656 وما بعدها".
ومهلهل الشعراء ذاك الأول1
وزعم أنه كان به خنث. وهو أخو "كليب وائل" الذي هاجت بمقتله حرب بكر وتغلب. وهو جدّ "عمرو بن كلثوم"، أبو أمه "ليلى"، وخال امرئ القيس الشاعر3.
وقد تطرق "المعري" في "رسالة الغفران" إلى سبب اشتهار "المهلهل" بهذا النعت، فجعل أحد الأشخاص يسأله:"أخبرني لم سميت مهلهلا؟ فقد قيل: إنك سميت بذلك، لأنك أول من هلهل الشعر، أي رققه".
فيقول: إن الكذب لكثير. وإنما كان لي أخ يقال له امرؤ القيس، فأغار علينا زهير بن جناب الكلبي، فتبعه أخي في زرافة من قومه، فقال في ذلك:
لما توقل في الكراع هجينهم
…
هلهلت أثأر مالكا أو صنبلا
وكأنه باز علته كبرة
…
يهدي بشكته الرعيل الأولا4
وقد أورد "المعري" له بيتا، هو أول بيت من قصيدة تنسب إليه، هو:
أليلتنا بذي حسم أنيري
…
إذا أنت انقضيت فلا تحوري
فإن يك بالذنائب طال ليل
…
فقد أبكي من الليل القصير5
وأورد له بيتًا آخر هو:
أرعدوا ساعة الهياج وأبرق
…
نا كما توعد الفحول الفحولا
وذكر أن "الأصمعي" كان ينكره ويقول: إنه مولد. وكان أبو زيد
1 ديوان الفرزدق "72"، الشعر والشعراء "256"، "1/ 215"، "الثقافة"، ديوان الفرزدق "2/ 159".
2 الشعر والشعراء "1/ 215"، "الثقافة"، الخزانة "2/ 164"، "هارون".
3 الشعر والشعراء "1/ 215"، "الثقافة"، الخزانة "2/ 164"، "هارون"، ابن سلام، طبقات "33 وما بعدها"، الأغاني "4/ 140"، المرزباني، معجم "248"، اللآلئ "111"، الأغاني "5/ 34"، "دار الكتب"، الأصمعيات "174".
4 رسالة الغفران "354".
5 رسالة الغفران "353".
يستشهد به ويثبته1.
"وزعم الرواة أن الشعر كله إنما كان رجزًا وقطعًا، وأنه إنما قصد على عهد هاشم بن عبد مناف، وكان أول من قصده مهلهل وامرؤ القيس، وبينهما وبين مجيء الإسلام مائة ونيف وخمسون سنة. ذكر ذلك الجمحي وغيره"2.
وقيل إنه كان أول شاعر بلغت قصائده ثلاثون بيتًا من الشعر، فاحتذى من جاء بعده حذوه. وأن أول قصيدة قالها كانت في قتل أخيه كليب3. وأنه كان أول من كذب في شعره، بقوله:
فلولا الريح أسمع من بحجر
…
صليل البيض تقرع بالذكور
ويذكرون أن هذا البيت هو من أول كذب العرب، وكانت العرب قبل ذلك لا تكذب في أشعارها، وكان بين الموضع الذي كانت فيه هذه الواقعة وهي بالجزيرة وبين حجر وهي قصبة اليمامة مسافة بعيدة، فأخرجه هذا الشاعر بقوة منّته ونفاذ فطنته إلى معنى أخر مستظرف في بابه4. وقد اتهمه البعض بأنه كان يتكثر ويدعي قوله بأكثر من فعله5.
وزعم أنه أحد البغاة، لقوله:
قل لبني حصن يردونه
…
أو يصبروا للصيلم الخَنْفَقيق
من شاء دلى النفس في هوة
…
ضنكٍ ولكن من له بالمضيق6
أمرهم أن يردّوا كليبا وقد قتل، وأعلمهم أنه لا يرضى بشيء غير ذلك.
1 رسالة الغفران "354".
2 العمدة "1/ 189"، "طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد".
3 زيدان تأريخ آداب اللغة العربية "1/ 67"،
ولولا الريح أسمع أهل حجر
…
صليل البيض تقرع بالذكور
الشعر والشعراء "1/ 216"، "الثقافة"، البيان والتبيين "1/ 124"، الحيوان "6/ 418"، العمدة "2/ 50"، الأغاني "4/ 146"، المرزباني، معجم "331"، نقد الشعر، لقدامة "84"، الموشح "74".
4 زهر الآداب "1/ 234"، الشعر والشعراء "1/ 216"، الأغاني "14/ 152"، خزانة الأدب "1/ 302 وما بعدها".
5 السيوطي، شرح "2/ 657".
6 الشعر والشعراء "1/ 216"، "الثقافة".
وهو أحد أصحاب المنتقيات السبع، المدونة في كتاب:"جمهرة أشعار العرب".
وقد ذكره "لبيد" في شعره، فجعله و "مرقشا" من الشعراء الذين مهدوا السبيل لمن جاء بعدهم في نظم الشعر، فالشاعرون الناطقون الذين جاءوا بعدهما إنما سلكوا دروبهما في نظم الشعر:
والشاعرون الناطقون أراهم
…
سلكوا سبيل مرقش ومهلهل1
وكان مهلهل القائم بالحرب ورئيس تغلب، فلما كان يوم قضة، وهو آخر أيامهم، وكان على تغلب، أسر "الحارث بن عبّاد" مهلهلا وهو لا يعرفه، فقال له الحارث: تدلني على عدي بن ربيعة المهلهل وأنت آمن؟ فقال له "المهلهل": إن دللتك على عدي فأنا آمن ولي دمي؟ قال: الحارث: نعم، قال: فأنا عدي1 فجز ناصيته وخلاه، وقال: لم أعرف. وفي ذلك يقول الحارث بن عباد:
لهف نفسي على عدي
…
ولم أعرف عديا إذ أمكنتني اليدان
طُلَّ من طُلَّ في الحرب ولم
…
يطلل قتيل أبأته ابن أبان2
ثم خرج "مهلهل" فلحق باليمن، فنزل في "جنب"3، فخطب إليه رجل منهم ابنته، فقال: إني طريد غريب فيكم، ومتى أنكحتكم قال الناس اعتسروه، فأكرهوه حتى زوجها، وكان المهر أدما، فقال:
أنكحَهَا فَقْدُها الأراقمَ في
…
جنب وكان الحباء من أدم
لو بأبانين جاء يخطبها
…
رُمل ما أنف خاطبٍ بدم
ثم انحدر، فلقيه "عوف بن مالك بن ضبيعة"، وهو أبو أسماء صاحبة
1 ديوان لبيد "276"، "39"، البيان والتبيين "2/ 183".
2 الشعر والشعراء "1/ 216 وما بعدها".
3 حي من اليمن.
المرقش الأكبر، فأسره فمات في إساره1. وللأخباريين قصص عن كيفية موته2.
ونسبوا له قصيدة رثى بها أخاه كليبًا، بقوله:
أليلتنا بذي حُسُمٍ أنيري
…
إذا أنتِ انقضيتِ فلا تحوري
وفيها:
على أن ليس عدلًا من كليب
…
إذا طرد اليتيم عن الجزور
على أن ليس عدلًا من كليب
…
إذا ما ضيم جيران المجير
على أن ليس عدلًا من كليب
…
إذا رجف العضاة من الدبور
على أن ليس عدلًا من كليب
…
إذا خرجت مخبأة الخدور
على أن ليس عدلًا من كليب
…
إذا ما أعلنت نجوى الأمور
على أن ليس عدلًا من كليب
…
إذا خيف المخوف من الثغور
على أن ليس عدلًا من كليب
…
غداة تلاتل الأمر الكبير
على أن ليس عدلًا من كليب
…
إذا ما خام جار المستجير3
وأورد المرتضى "مرثية" لليلى الأخيلية رثت فيها: ثوبة بن الحمير، لها أسلوب خاص في الرثاء، حيث ترد جملة:"لنعم الفتى" و"نعم الفتى" في أوائل أربعة أبيات من القصيدة، تلتها "لعمري لأنت المرء أبكي لفقده" أربع مرات مكونة الأنصاف الأولى من الأبيات، ثم "أبى لك ذم الناس يا ثوب كلما" مرتين، ثم:"فلا يبعدنك الله يا ثوب إنما"، ثم "ولا يبعدنك الله يا ثوب إنها" مرة، ثم:"ولا يبعدنك الله يا ثوب والتقت". فخرجت من تكرار إلى تكرار لاختلاف المعاني4.
وروى قصيدة أخري لابنة عم للنعمان بن بشير رثت فيها زوجها، أنصاف أبياتها الأولى:"وحدثني أصحابه أن مالكا"، أما القافية فهي على اللام.
1 الشعر والشعراء "1/ 216 وما بعدها"، الخزانة "2/ 173".
2 أسماء المغتالين "208".
3 أمالي المرتضى "1/ 132 وما بعدها".
4 أمالي المرتضى "1/ 124 وما بعدها".
5 أمالي المرتضى "1/ 126".
ومن معاصري "مهلهل" الشاعر "امرؤ القيس بن حمام بن عبيدة بن هبل" ابن أخي "زهير بن جناب بن هبل"، وزعم بعضهم أنه الذي عنى "امرؤ القيس" بقوله: نبكي الديار كما بكى ابن حذام. وكان مهلهل تبعه "يوم الكلاب" ففاته ابن حمام بعد أن تناوله "مهلهل" بالرمح. وكان "ابن حمام" أغار على "بني تغلب" مع زهير بن جناب فقتل جابرًا وصنبلًا. وفيهما يقول مهلهل:
لما توعر في الكلاب هجينهم
…
هلهلتُ أثأر جابرًا أو صنبلًا
و"امرؤ القيس بن حارثة بن الحمام بن معاوية"، أو "امرؤ القيس بن حارثة بن خذام بن معاوية" على رواية أخرى، أو "ابن خذام"، أو "ابن حذام"، هو شاعر سبق "امرأ القيس" الكندي في البكاء على الديار وتذكر الأطلال، استنتجوا ذلك من شعر ينسب لامرئ القيس، هو:
يا صاحبيَّ قفا النواعجَ ساعة
…
نبكي الديارَ كما بكى ابن حمام
أو "ابن خذام" في رواية "أبي عبيدة".
ومن بيت آخر هو:
عوجا على الطلل المحيل لعلنا
…
نبكي الديار كما بكى ابن خذام2
وابن "خذام"، و "ابن حمام"، و "ابن حزام" و "ابن حذام"، اسم الشاعر، وهو اسم واحد، تحرف بالرواية وبالنسخ، فصار على هذه الصور.
ومن شعراء ربيعة "سعد بن مالك"، الذي يقول:
يا بؤس للحرب التي
…
وضعت أراهط فاستراحوا3
1 الخزانة "2/ 235"، "بولاق".
2 الشعر والشعراء "1/ 68 وما بعدها"، المزهر "2/ 238".
عوجا على الطلل المحيل لأننا
…
نبكي الديار كما بكى ابن خذام
الآمدي، المؤتلف "109"، ديوان امرئ القيس "114"، المزهر "2/ 477"، بروكلمان "1/ 60".
3 السيوطي، شرح شواهد "2/ 657".
قال هذا البيت في قصيدة يعرض فيها بـ "الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة" من حكام "ربيعة" وفرسانها المعدودين، وكان اعتزل حرب "بني وائل" وتنحى بأهله وولده وولد إخوته وأقاربه، وحل وتر قوسه، ونزع سنان رمحه، ولم يساهم في الحرب التي هاجت بين بكر وتغلب ابني وائل، وهي حرب البسوس.
وسعد، هو "سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل". وكان أحد سادات بكر بن وائل وفرسانها في الجاهلية. وكان شاعرًا، وله أشعار جياد في كتاب بني قيس بن ثعلبة1.
وفي رواية تنسب إلى "دغفل" النسّابة أنه كان جد "طرفة بن العبد"2. وطرفة، هو: "عمرو بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة"3، وإذا أخذنا بهذا النسب نرى أن "سعد بن مالك"، هو جد "العبد" والد "طرفة". وإذا أخذنا برواية من جعل نسب الشاعر "عمرو بن قميئة" على هذه الصورة: "عمرو بن قميئة بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة"، فيجب عده ابنًا من أبناء "سعد بن مالك"، أما إذا اعتبرنا نسبه على هذه الصورة:"عمرو بن قميئة بن ذريح بن سعد بن مالك"، فنكون بذلك قد جعلناه حفيدًا له، ويكون "ذريح"، ابنًا من أبناء هذا الشاعر4.
ويظهر من نسب المرقش الأكبر، وهو "ربيعة بن سعد بن مالك"، ويقال:"بل هو عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة"5، أنه كان ابنًا، لسعد بن مالك، الشاعر الذي نتحدث عنه، وإذا ذهبنا مذهب من يقول إن المرقش الأصغر كان أخا للمرقش الأكبر، فيكون بذلك ابنًا من أبناء "سعد بن مالك"، وأما إذا أخذنا برواية من يذكر أنه كان ابن أخي المرقش الأكبر وأنه "عمرو بن حرملة"، أو "ربيعة بن سفيان" فيكون ابن ابن "سعد بن
1 الخزانة "1/ 223 وما بعدها".
2 ذيل الأمالي "ص26".
3 شرح القصائد العشر "ص9"، "إخراج محمد محيي الدين عبد الحميد".
4 راجع نسبه في الخزانة "2/ 250" وفي المراجع الأخرى التي ذكرتها في أثناء حديثي عنه.
5 الشعر والشعراء "1/ 138"، "دار الثقافة".
مالك"، أي حفيده، ويكون المرقش الأكبر عمه إذن ويكون بيت "سعد بن مالك" من البيوت التي عرفت بالشعر.
وروي أن الشاعر "خزز بن لوذان" السدوسي، كان قبل امرئ القيس. وقد نسب بعض أهل الأخبار له قوله:
يا ليت زوجك قد غدا
…
متقلدًا سيفًا ورمحا
ونسب هذا الشعر لغيره من الشعراء1.
ونسب له قوله:
كذب العتيق وماء شن بارد
…
إن كنت سائلتي غبوقًا فاذهبي
لا تذكري مهري وما أطعمته
…
فيكون لونك مثل لون الأجرب
وكانت له فرس اسمها ابن النعامة، ورد ذكرها في هذا الشعر2.
ويجب أن نضيف إلى الشعراء المتقدمين شاعرًا يظهر من روايات أهل الأخبار، أنه لم يكن من فحول الشعراء، ولا من أوساطهم وإنما كان "شويعرًا"، ولذلك عرف ب "الشويعر". ويذكر أهل الأخبار أنه كان أحد من سمي "محمدًا" في الجاهلية، وهم سبعة، واسمه الكامل:"محمد بن حمران بن أبي حمران". وهو قديم3. كان "امرؤ القيس" أرسل إليه في فرس يبتاعها منه، فأبى فقال فيه:
أبلغا عني الشويعر أني
…
عمد عين قلدتهن حربما
وحربم، هو جد الشويعر4. فقال الشويعر مخاطبا امرأ القيس:
أتتني أمور فكذبتها
…
وقد نميت لي عامًا فعاما
بأن امرأ القيس أمسى كئيبا
…
على آله ما يذوق الطعاما
1 ونسب لعبد الله بن الزبعرى الخزانة "2/ 231 وما بعدها".
2 تاج العروس "9/ 83"، "نعم".
3 المؤتلف "141 وما بعدها"، "208"، "فراج".
4 البيان "2/ 10"، الآمدي، المؤتلف "141".
لعمر أبيك الذي لا يهان
…
لقد كان عرضك مني حراما
وقالوا هجوت ولم أهجه
…
وهل يجدن هاج فيك مراما1
وذكر الشاعر "ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم"، بعد مهلهل في تقصيد القصائد، وهو "عمرو بن تميم"، وهو من تميم، قيل إنه كان شاعرًا قديمًا، وهو الذي يقول:
يا كعب إن أباك منحمق
…
إن لم تكن بك مرة كعب
وهي أبيات قديمة يقول فيها:
جانيك من يجني عليك وقد
…
تعدى الصحاح مبارك الجرب2
والأضبط بن قريع، هو "الأضبط بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم"، فهو من "بني تميم". وقد عدّ في المعمرين3. وقد أورد "الجاحظ" له شعرا منه:
لكلّ همّ من الهموم سَعَه
…
والمسي والصبح لا فلاح معه
فصل حبالَ البعيد إن وصل الـ
…
ـحبل وأقصِ القريب إن قطعه
وخذ من الدهر ما أتاك به
…
من قرّ عينًا بعيشه نفعه
لا تحقرن الفقير عَلَّكَ أن
…
تركع يومًا والدهر قد رفعه
قد يجمع المال غيرُ آكله
…
ويأكل المالَ غير من جمعه4
وقد روي الشعر على هذا النحو:
يا قوم من عاذري من الخدعه
…
والمسي والصبح لا فلاح معه
فصل حبال البعيد إن وصل الـ
…
ـحبل واقص القريب إن قطعه
1 تاج العروس "3/ 301"، "شعر".
2 الاشتقاق "124"، المزهر "2/ 477".
3 السجستاني، "8"، البيان والتبيين "3/ 341"، الأغاني "16/ 154 وما بعدها"، الأمالي "1/ 107"، الخزانة "4/ 589"، المثل السائر "1/ 26"، مجالس ثعلب "480".
4 البيان والتبيين "3/ 341".
واقنع من العيش ما أتاك به
…
من قرّ عينًا بعيشه نفعه
قد يجمعُ المال غير آكله
…
ويأكل المال غير من جمعه
ولا تهين الفقير علك أن
…
تخشع يوما والدهر قد رفعه1
وقد أورد هذا الشعر القالي في أماليه عن "ابن دريد" عن "ابن الأنباري" عن ثعلب. وقد قال ثعلب: إنه قيل قبل الإسلام بدهر طويل. ورواه أيضا "ابن الأعرابي"، والجاحظ، وصاحب الحماسة البصرية، والشريف في حماسته، وابن قتيبة في كتاب الشعراء وصاحب الأغاني وغيرهم، بتقديم بعضها على بعض وطرح أبيات منها2.
وقال "السيوطي": "عزاه ابن الأعرابي في نوادره للأضبط بن قريع من أبيات هي:
لكل ضيق من الأمور سعة
…
والمسي والصبح لا بقاء معه
لا تهين الفقير علك أن
…
تركع يومًا والدهر قد رفعه
وصل حبال البعيد إن وصل الـ
…
ـحبل واقص القريب إن قطعه
واقبل من الدهر ما أتاك به
…
من قرَّ عينا بعيشه نفعه
قد يجمع المال غير آكله
…
ويأكل المال غير من جمعه
ما بال من غيُّه مصيبك لا
…
تملك شيئا من أمره فدعه
حتى إذ انجلت عمايته
…
أقبل يلجي وغيّه فجعه
أذود عن نفسه ويخدعني
…
يا قوم من عاذري من الخدعه
قيل إن هذه الأبيات قيلت قبل الإسلام بدهر طويل. وقال في الحماسة البصرية هي للأضبط بن قريع السعدي من شعراء الدولة الأموية"3.
وزعم أن هذا الشعر قيل قبل الإسلام بخمسمائة عام. "فقد نقل الشيخ خالد في التصريح أن هذا الشعر قيل قبل الإسلام بخمسمائة عام. وكان سبب هذا الشعر
1 الشعر والشعراء "1/ 298 وما بعدها"، الأغاني "16/ 159"، اللآلئ "326"، السمط "326"، بلوغ الأرب "3/ 118".
2 الخزانة "4/ 589".
3 السيوطي، شرح شواهد "453"، "شواهد عل".
على ما في الأغاني عن أبي محلم: أن أم الأضبط كانت عجيبة "عجبة" بنت دارم بن مالك بن حنظلة، وخالته: الطموح بن دارم، فحارب بنو الطموح قومًا من بني سعد، فجعل الأضبط يدس إليهم الخيل والسلاح ولا يصرح بنصرهم خوفا من أن يتحزب قومه حزبين معه وعليه. وكان يشير عليهم بالرأي، فإذا أبرمه نقضوه وخالفوا عليه، وأروه مع ذلك أنهم على رأيه فقال في ذلك هذه الأبيات. وهو الأضبط بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وقريع، بضم القاف وفتح الراء، هو أبو جعفر، الملقب بأنف الناقة" "وهو جاهلي قديم"1.
وكان من فرسان العرب، "وكان أغار على بني الحارث بن كعب، فقتل منهم وأسر وجدع وخصى، ثم بنى أطمًا، وبنت الملوك حول ذلك الأطم مدينة صنعاء، فهي اليوم قصبتها"2. وهو شاعر قديم، يزعم بنو تميم أنه أول من رأس فيهم3.
وروي أنه هو صاحب المثل: "بكل واد بنو سعد". وهو شبيه بالمثل: "بكل واد أثر من ثعلبة". الميداني "1/ 84، 94"، وكان الأضبط قد تأثر من قومه بني سعد، فتحول عنهم إلى آخرين، فلما رأى ظلمهم وعسفهم قال:"بكل واد بنو سعد"4، أو أنه قال:"أينما أوجه ألق سعدا".
والمعمر في نظر العرب، هو من عاش فوق المائة. "ولا تعدّ العرب معمرًا إلا من عاش مائة وعشرين سنة فصاعدا"5. والعادة عندهم، أنهم إذا وصلوا إلى نهاية حياة المعمر ينصبون له مجلس توديع، يجمعون فيه ولده وآله وأقاربه وسادات قبيلته أحيانا، ليوصيهم بما حصل عليه من حكم الأيام وتجاربها، ثم قد يختمونها بشعر. وهي متشابهة في المعاني، لأنها في موضوع نصح وحكم،
1 الخزانة "4/ 590".
2 الشعر والشعراء "1/ 298".
3 تاج العروس "5/ 175"، "ضبط".
4 البيان والتبيين "3/ 294"، والحيوان "1/ 358"، "3/ 104"، "4/ 394"، البخلاء "189"، والشعر والشعراء "1/ 298"، أمثال الضبي "6"، الأغاني "16/ 154"، شرح شواهد، للسيوطي "1/ 155"، الخزانة "4/ 588"، المحبر "182".
5 أمالي المرتضى "1/ 236".
أما أسلوبها فهو السجع، الأسلوب المتبع عند الكهان والخطباء، وهو وسط بين الكلام المرسل وبين الشعر.
و"أوس بن حجر بن معبد بن حزن بن خلف بن نمير بن أسيد بن عمرو" التميمي من شعراء تميم كذلك، وقد جعله بعضهم من الطبقة الثالثة وقرنه بالحطيئة ونابغة بني جعدة. ذكر أنه كان شاعر بني تميم في الجاهلية غير مدافع، وكان فحل العرب فلما نشأ النابغة طأطأ رأسه. وله ديوان مشروح1. وورد عن "أبي عمرو بن العلاء" قوله:"كان أوس فحل مضر حتى نشأ النابغة وزهير فأخملاه"2. وقال عنه أبو ذؤيب: "وكان أوس عاقلًا في شعره كثير الوصف لمكارم الأخلاق، وهو من أوصفهم للحُمُر والسلاح ولا سيما للقوس، وسبق إلى دقيق المعاني وإلى أمثال كثيرة"3. وكان شاعر تميم في الجاهلية غير مدافع4. وكان غزلًا مغرمًا بالنساء5، وكان قد بلغ الغاية في الصيد والقنص، يقضي الليل مع الوحش ليصطاد شيئًا منها، وفي ذلك يقول:
قصيٌّ مبيت الليل للصيد مطعم
…
لأسهمه غار وبار وراصف6
ويظهر من الشعر المنسوب إليه، أنه كان على اتصال بالحضر وبالنصارى، وقد جاء في شعره بمعان وبتعابير وألفاظ لم يستعملها غيره من الشعراء الجاهليين. فقد ذكر "الهر" والديك والخنزير في شعره، مثل قوله:
كأن هرًّا جنيبًا عند غرفتها
…
والتف ديكٌ برجليها وخنزير
1 السيوطي، شرح الشواهد "1/ 113 وما بعدها، "399"، الموشح "63"، رسالة الغفران "274".
2 الشعر والشعراء "1/ 131"، الأغاني "10/ 5 وما بعدها"، الخزانة "2/ 235" الموشح "63"، "كان أوس شاعر مضر، حتى أسقطه النابغة وزهير"، الشعر والشعراء "1/ 134".
3 الشعر والشعراء "1/ 131".
4 الشعر والشعراء "1/ 134".
5 الخزانة "2/ 234 وما بعدها"، "بولاق".
6 ديوان أوس "ص71"، رسائل الجاحظ "1/ 72 وما بعدها، 76"، "مناقب الترك".
وجمع ثلاثة ألفاظ أعجمية في بيت واحد، فقال:
وقارفت وهي لم تجرب وباع لها
…
من الفصافص بالنمي سفسير
وله أشعار جيدة. "قال الأصمعي: ولم أسمع قط ابتداء مرثية بأحسن من ابتداء مرثيته:
أيتها النفس أجملي جزعا
…
إن الذي تحذرين قد وقعا1
وله شعر في مدح "أبي دليجة"، وهو "فضالة بن كلدة". وكان قد جبر كسرًا ألم به لما صرعته ناقته، فآواه وداواه حتى برأ، فتذكر منته عليه2. ومن شعره في مدح "فضالة بن كلدة":
أريب أديب أخو مأزق
…
نقابًا يخبر بالغائب3
ولأوس شعر في "حليمة بنت فضالة بن كلدة" التي مرضته وعاونته مع والدها حتى شفي وبرأ. وهو من باب الشكر والحمد4.
وورد البيت على هذه الصورة:
نجيح مليح أخو مأقط
…
نقاب يحدث بالغائب
ولما توفي "فضالة" رثاه "أوس بن حجر" في قصيدة جعلها "أبو الفرج الأصبهاني": "من فاضل مراثيه إياه ونادرها". ومما جاء فيها:
الألمعي الذي يظن لك الظـ
…
ـن كأن قد رأى وقد سمعا6
1 الشعر والشعراء "1/ 135"، رسالة الغفران "339".
2 الخزانة "2/ 236"، "بولاق".
3 ديوان أوس "12"، رسائل الجاحظ "1/ 302"، "رسائل في نفي التشبيه". الحيوان "3/ 60".
4 الحيوان "3/ 71"، الأغاني "10/ 7"، البيان والتبيين "3/ 320"، ديوان أوس "27".
5 تهذيب الألفاظ "164".
6 ديوان أوس بن حجر "53"، البيان والتبيين "4/ 68"، الحيوان "3/ 59"، الأغاني "10/ 8"، رسائل الجاحظ "1/ 302"، "رسائل في نفي التشبيه"، رسالة الغفران "452".
وهذا البيت من نفس القصيدة التي قال "الأصمعي" عنها: لم أسمع قط ابتداء مرثية أحسن من ابتداء مرثيته:
أيتها ا
لنفس أجملي جزعا
…
إن الذي تحذرين قد وقعا1
ومن شعر أوس بن حجر، قوله:
فانقض كالدري يتبعه
…
نقع يثور تخاله طنبا
يخفى وأحيانا يلوح كما
…
رفع المشير بكفه لهبا
وقد علق الجاحظ عليه بقول: "وهذا الشعر ليس يرويه لأوس إلا من لا يفصل بن شعر أوس بن حجر، وشريح بن أوس"2. وشريح بن أوس، هو ابن هذا الشاعر، وقد ذكر الجاحظ له بيتًا يهجو فيه أبا المهوش الأسدي، وهو من الشعراء المخضرمين3، وهذا البيت هو:
وعيّرتنا تمر العراق وبره
…
وزادُك أير الكلب شيطه الجمر4
وقد ذكر: "المعري" قصيدة حائية، ذكر أنها تروى لعبيد مرة، ولأوس أخرى. وتختلف في رواية المعري في الترتيب عما جاء في الديوان. ومما جاء فيها:
قاتلها الله تلحاني وقد علمت
…
أني لنفسي إفسادي وإصلاحي
أن أشرف الخمر أو أرزأ لها ثمنا
…
فلا محالة يوما إنني صاح
ولا محالة من قبر بمحنية
…
أو في مليع كظهر الترس وضاح5
وجاء فيه ذكر "يهودي"، إذ يقول:
قد نِمتَ عني وبات البرق يسهرني
…
كما استضاء يهوديٌّ بمصباح6
1 الشعر والشعراء "1/ 135".
2 الجاحظ، الحيوان "6/ 274، 279".
3 الجاحظ، الحيوان "6/ 279"، بروكلمان "1/ 112".
4 الحيوان "1/ 268"، وورد "ونخله بدلا من وبره"، "1/ 319".
5 رسالة الغفران "274 وما بعدها"، ديوان عبيد "75"، الأمالي "1/ 177".
6 رسالة الغفران "276".
وقد خلط الرواة بين شعر "أوسط" و "عبيد بن الأبرص"، ولكنهم نبهوا على ذلك وأشاروا إليه1.
وأوس بن حجر من معاصري الملك "عمرو بن هند"، وهو تميمي، قتل أبوه يوم "الحجار" المصادف لسنة "554م"، وكان مولده بالبحرين، وقد طاف بشعره نجدًا والعراق، فمدح ملوك الحيرة ونادمهم، ونال شعره شهرة في الصيد والسلاح2، وله وصف للصحارى والسهول المقفرة، ولمنابع المياه المتدفقة من الكهوف التي يكثر حولها ريش النعام، ولمسالك البادية4، والنجاد والروابي والجبال5، وللرياض6، كما اشتهر بوصفه للحمير: قال ابن الأعرابي: "لم يصف أحد قط الخيل إلا احتاج إلى أبي دؤاد. ولا وصف الحمر إلا احتاج إلى أوس بن حجر، ولا وصف أحد نعامة إلا احتاج إلى علقمة بن عبدة"7. ولأوس شعر وصف فيه. ثورًا وحشيًّا بقوله:
فانصاع كالدُري يتبعه
…
نقع يثور تخاله طنبا8
ومن أمثاله السائرة قوله:
فإنكما يا ابني جناب وجدتما
…
كمن دبَّ يستخفي وفي الحلق جلجل
وقوله:
ولست بخابئ لغدٍ طعامًا
…
حذار غد لكل غد طعام9
وقد أشار "أوس بن حجر" في شعره إلى "المنخّل" اليشكري، الذي اتهم بالمتجردة، فزعم أن النعمان قتله أو حبسه، ثم غمض خبره، فلم يعرف
1 رسالة الغفران "274 وما بعدها"، ابن سلام "76 وما بعدها".
2 بروكلمان "1/ 112".
3 غرونباوم "179 وما بعدها".
4 غرونباوم "162، 183".
5 غرونباوم "163، 184".
6 غرونباوم "166، 186".
7 الأغاني "15/ 96"، غرونباوم "277".
8 رسالة الغفران "298".
9 بلوغ الأرب "3/ 104".
أمره، وضرب المثل به، فقيل:"حتى يئوب المنخل". يقال إن أوسًا قال:
فجئت ببيعي موليا لا أزيده
…
عليه بها حتى يئوب المنخل1
وإذا صح أن هذا الشعر، هو من شعر "أوس" حقًّا، وأن "المنخل" هو "المنخل" اليشكري الشاعر لا غيره، فيجب أن يكون أوس قد عاش بعده، وأن يكون من المتأخرين عنه.
وإذا كان أوس بن حجر من شعراء مضر، ومن الوصافين، فقد كان:"علقمة بن عبدة" المشهور بالفحل من شعراء مضر كذلك، وهو مثل "أوس" من تميم، وقد اشتهر بوصف النعام، وكان ينادم "الحارث" الأصغر الغساني، والنعمان أبا قابوس اللخمي، وكان له أخ اسمه "شأس"، أسره "الحارث بن أبي شمر" الغساني المذكور مع سبعين رجلًا من تميم، فأتاه علقمة ومدحه بقصيدة أولها:
طحا بك قلب في الحسان طروب
…
بعيد الشباب عصر حان مشيب
إلى الحارث الوهاب أعملت ناقتي
…
لكلكلها والقُصْرَيَين وجيب
فلما بلغ هذا البيت:
وفي كل حي قد خبطتَ بنعمة
…
فحق لشأسٍ من نداك ذنوب
فقال الحارث: نعم وأذنبة. وفك أسره ومن أسر معه من "بني تميم". ويقال إن شأسًا هو ابن أخي علقمة2.
قيل إنه إنما لقب بـ "الفحل"، لأنه احتكم مع امرئ القيس، إلى امرأته "أم جندب" لتحكم بينهما في أيهما أشعر، فقالت: قولا شعرا تصفان فيه الخيل على روي واحد، وقافية واحدة، فلما قالا وانتهيا، حكمت لعلقمة بأنه أشعر من زوجها "امرئ القيس" فغضب عليها وطلقها، فخلف عليها علقمة،
1 رسالة الغفران "340".
2 الشعر والشعراء "1/ 147 وما بعدها"، "رسالة الغفران".
فسمي بذلك: "الفحل"1. وهي أسطورة. وقيل إنه لقب بالفحل تمييزًا له عن "علقمة بن سهل" من رهطه، وكان يعرف بالخصي، ففرقوا بينهما بهذا الاسم. و "علقمة" الخصي ممن أدرك الإسلام. وكان يكنى "أبا الوضاح"، وقد أسلم، وكان شاعرا. وهو القائل:
يقول رجال من صديق وصاحب
…
أراك أبا الوضاح أصبحت ثاويا
فلا يعدم البانون بيتًا يكنهم
…
ولا يعدم الميراث مني المواليا
وخفت عيون الباكيات وأقبلوا
…
إلى بالهم قد بنت عنه بماليا
حراصا على ما كنت أجمع قبلهم
…
هنيئا لهم جمعي وما كنت آليا2
ومن شعره في النساء:
فإن تسألوني بالنساء فإنني
…
بصير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله
…
فليس له في ودهن نصيب
يردن ثراء المال حيث علمنه
…
وشرخ الشباب عندن عجيب3
ومما ينسب إليه قوله:
وكل حصن وإن دامت سلامته
…
على دعائمه لا بد مهدود
ومن تعرض للغربان يزجرها
…
على سلامته لا بد مشئوم
ومعظم الغُنم يوم الغُنم مطعمه
…
أنى توجه والمحروم محروم
وكل قوم وإن عزوا وإن كثروا
…
عريفهم بأثافي الشر مرجوم
وقد اشتهر "علقمة" بثلاث قصائد قال فيهن "ابن سلام": "ولابن عبدة ثلاث روائع جياد لا يفوقهن شعر"5، منها قصيدته الميمية التي مطلعها:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم6
1 الشعر والشعراء "1/ 145"، ابن سلام، طبقات "116"، الأغاني "21/ 172"، الخزانة "1/ 565".
2 الخزانة "1/ 565".
3 رسالة الغفران "328"، الشعر والشعراء "1/ 146".
4 بلوغ الأرب "3/ 113".
5 ابن سلام، طبقات "31".
6 رسالة الغفران "142".
ومن الشعر المنسوب إليه قوله:
ويلم أيام الشباب معيشة
…
مع الكثر يعطاه الفتى المتلف الندى
وقد نسبه بعضهم لابنه: خالد بن علقمة بن عبدة، ونسبه غيرهم لشعراء آخرين1.
وقد ذكر "ابن حجر" في كتابه "الإصابة" اسم رجل دعاه "علي بن علقمة بن عبدة" التميمي، قال عنه إنه ولد "علقمة" الشاعر المشهور الذي يعرف بعلقمة الفحل. وكان من شعراء الجاهلية من أقران امرئ القيس، ولعلي هذا ولد اسمه "عبد الرحمن" ذكره المرزباني في معجم الشعراء، فيلزم من ذلك أن يكن أبوه من أهل هذا القسم، لأن عبد الرحمن لم يدرك النبي، وعبد الرحمن هو القائل:
وشامت بي لا يخفي عداوته
…
إذا حمامي ساقته المقادير
فلا يغرنك جرّ الثوب معتجرا
…
إني امرؤ لي عند الجد تشمير2
وعد "العنبر بن عمرو بن تميم" من قدماء الشعراء. وجعل "ابن سلام" قوله:
قد رابني من دلوي اضطرابها
…
والنأي في بهراء واغترابها
أن لا تجئ ملأى يجيئ قرابها
من قديم الشعر الصحيح3.
وكان سعد ومالك ابنا زيد مناة بن تميم، ممن قالوا الشعر4، وكذلك "حجر بن معاوية" آكل المرار. وقد أورد "الجاحظ" بيتين من الشعر لسعد بن ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، ثم قال:"وهذا من قديم الشعر"، وذكر
1 الخزانة "1/ 563".
2 الإصابة "3/ 111"، "رقم 6460"، الخزانة "1/ 566".
3 ابن سلام، طبقات "11".
4 ابن سلام، طبقات "11".
5 البيان والتبيين "3/ 328".
في موضع آخر أنه "من قديم الشعر وصحيحه"1.
ومن شعراء تميم: "عبد القيس بن خفاف""عبد قيس" البرجمي التميمي وكان معاصرًا لحاتم الطائي، فأتاه ذات يوم في دماء حملها عن قومه وعجز عنها، فأعطاه حاتم مرباعًا له من غارة على بني تميم2.
ويقال إنه قال شعرا على لسان النابغة في هجاء النعمان بن المنذر أبي قابوس ملك الحيرة، ليكيد به إلى النابغة، حسدًا له، وقد فعل فعله في هذا الدس شاعر آخر هو "مرّة بن ربيعة" السعدي3.
وينسب له قوله:
فالله فاتقِهِ وأوف بنذره
…
وإذا حرفت مماريا فتحلل
واعلم بأن الضيف مكرم أهله
…
بمبيت ليلته وإن لم يسأل
والضيف أكرمه فإن مبيته
…
حق ولا تك لعنة للنزل
وصل المواصل ما صفا لك وده
…
واحزز حبال الخائن المتبدل
واترك محل السوء لا تحلل به
…
وإذ نبا بك منزل فتحول
دار الهوان لمن رآها داره
…
أفراحل عنها كمن لم يرحل
وإذا هممت بأمر شر فاتئد
…
وإذا هممت بأمر خير فاعجل
وإذا أتتك من العدو قوارص
…
فاقرص هناك ولا تقل لم أفعل4
ومن شعراء تميم: "عوف بن عطية بن الخرع" التميمي. وكان سيد قومه يوم "رحرحان". ذكر "البغدادي" أنه كان له ديوان صغير موجود عنده5.
1 البيان والتبيين "3/ 200، 341".
2 بروكلمان "1/ 116".
3 الشعر والشعراء "1/ 99 وما بعدها"، "النابغة الذبياني"، الأغاني"7/ 145"، المفضلية رقم 116 ورقم 117، الحيوان "4/ 379"، المرزباني، معجم "325"، الحماسة "1/ 113"، نوادر أبي زيد "13 وما بعدها، 126"، الأغاني "9/ 158"، "ساسي".
4 بلوغ الأرب "3/ 125".
5 الخزانة "3/ 83"، المرزباني "226"، بروكلمان "1/ 118".
و "سلامة بن جندل" من شعراء تميم، ويظهر من قصيدة رثا بها "النعمان أبا قابوس" أنه عاش بعده. قال عنه "ابن قتيبة": هو شاعر جاهلي قديم من فرسان تميم المعدودين. وأخوه "أحمر بن جندل" من الشعراء والفرسان. وكان "عمرو بن كلثوم" أغار على حي من بني سعد بن زيد مناة، فأصاب منهم، وكان فيمن أصاب "أحمر بن جندل"1. ويدل شعره في رثاء "النعمان" أنه مات في عهد قريب من الإسلام. وله ديوان صغير مطبوع، أكثره في الحماسة والفخر، مع شيء جميل من الوصف والتشبيه2.
ومن قوله في الشيب:
ولّى الشباب وهذا الشيب يطلبه
…
لو كان يدركه ركض اليعاقيب3
ومن شعره قوله:
ليس بأسفى ولا أقنى ولا سفل
…
يعطي دواء قفي السكن مربوب4
وكان أحد من يصف الخيل، فيحسن، وأجود شعره قصيدته التي أولها:
أودي الشباب حميدا ذو التعاجيب
…
ولى وذلك شأو غير مطلوب5
وقد زعم "آلورد" أنه أسلم، "لأنه ذكر اسم الله: الرحمن. وهذا بعيد الاحتمال. كما ظنه لويس شيخو من أنه كان نصرانيا"6. وقد طبع "شيخو" ديوانه في بيروت سنة "1910".
و"طريف بن تميم" العنبري، من الشعراء الفرسان، وكانت الفرسان لا تشهد عكاظ إلا مبرقعة مخافة الثؤرة، وكان طريف لا يتبرقع كما يتبرقعون،
1 الشعر والشعراء "1/ 192 وما بعدها"، الأصمعيات رقم 42، الخزانة "2/ 86"، بروكلمان" "1/ 119"، الأمالي للقالي "1/ 10".
2 كارلو نالينو "80"، طبعة "كليمان هوار"، في المجلة الأسيوية، وطبعة "لويس شيخو" في "بيروت" سنة 1921م.
3 الأمالي للقالي "1/ 185".
4 ذيل الأمالي "209"، ابن سلام، طبقات "131".
5 الشعر والشعراء "1/ 192 وما بعدها"، الخزانة "2/ 86".
6 بروكلمان "1/ 119".
وكان قد أغار في "بني العنبر""عائذة" حلفاء لبني "أبي ربيعة بن ذهل"، فرماه "حمصيصة بن شراحيل" الشيباني، فقتله. وهو القائل:
أوكلما وردت عكاظَ قبيلةٌ
…
بعثوا إليّ عريفهم يتوسم1
مفتخرا بشجاعته على أعدائه وعلي الذين كانوا يتعقبون خطاه لقتله، أخذا بالثأر منه.
و"الأسود بن يعفر بن عبد القيس بن نهشل" النهشلي، من الشعراء المتقدمين في الجاهلية. وهو تميمي دارمي، وقد عدّت قصيدته التي أولها:
نام الخلي وما أحس رقادي
…
والهم محتضر لدي وسادي
من أجود الشعر ومن مختار أشعار العرب. وقد عده "ابن سلام" في الطبقة الثانية من طبقات الشعراء2. وقد عرف بـ "ذي الآثار"، لما كان يتركه هجاؤه من أثر في المهجوين3. وقد وردت في قصيدته المذكورة شواهد نحوية وردت في كتب الشواهد، وتعد القصيدة من مختار أشعار العرب وحكمها المأثورة. وكان ينادم "النعمان بن المنذر"، وابنه الجرّاح وأخوه حطائط شاعران4، وكان يكنى بابنه، فعرف بـ "أبي الجرّاح"5.
ومن شعره قوله:
ومن الحوادث لا أبا لك أنني
…
ضُرِبَت عليّ الأرض بالأسداد
لا أهتدي فيها لمدفع تلعة
…
بين العذيب وبين أرض مراد
وفيها يقول:
ماذا أؤمل بعد آل محرق
…
تركوا منازلهم وبعد إياد
1 أسماء المغتالين "المجموعة السادسة"، "ص218 وما بعدها" تاج العروس "6/ 178"، "طرف".
2 الشعر والشعراء "1768"، الأغاني "11/ 129"، السيوطي، شرح شواهد "2/ 553"، المعارف "646 وما بعدها".
3 المفضليات "رقم 55، و 125"، الأغاني "13/ 14 وما بعدها"، "دار الكتب".
4 الخزانة "1/ 195"، "بولاق".
5 الشعر والشعراء "1/ 176".
أهل الخورنق والسدير وبارق
…
والقصر ذي الشرفات من سنداد
نزلوا بأنقمة يسيل عليهم
…
ماء الفرات يجيء من أطواد
أرض تخيرها لطيب مقيلها
…
كعب بن مامة وأبن أم دواد
جرت الرياح على محلّ ديارهم
…
فكأنما كانوا على ميعاد
فإذا النعيم وكل ما يلهى به
…
يوما يصير إلى بلى ونفاد1
وهو جيد العبارة، ليس بالمكثر، ينزع في شعره إلى الحكمة. يكثر التنقل في العرب، يجاورهم فيذم ويحمد2.
ومن شعر "حطائط" قوله:
أريني جوادا مات هزلا لعلني
…
أري ما ترين أو بخيلا مخلدا
ذريني أكن للمال ربًّا ولا يكن
…
لي المال ربا تحمدي غبه غدا
ذريني يكن مالي لعرضي وقاية
…
ففي المال عرضي قبل أن يتبددا3
والشاعر "عمرو بن قميئة بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة"، وقيل:"عمرو بن قميئة بن ذريح بن سعد بن مالك"، ويكنى "أبا كعب"، هو من "بني سعد بن مالك"، رهط "طرفة بن العبد" وهو من "بني قيس بن ثعلبة". وكان في عصر "مهلهل بن ربيعة". وقد نعت بأنه قديم جاهلي. وتزعم "بكر"، أنه أول من قال الشعر وقصد القصيد، وذكر أنه كان أول من بكى على شبابه. وكان مع "حجر" أبي "امرئ القيس"، فلما خرج "امرؤ القيس" إلى بلاد الروم يستمد قيصر على بني أسد، استصحبه، فمات في سفره ذلك، فسمته "بكر" "عمرا الضائع". وإياه عنى امرؤ القيس بقوله:
1 المحاسن والأضداد "88"،الشعر والشعراء "1/ 176 وما بعدها"، طبقات ابن سلام "123"، ويوجد اختلاف في رواية بعض ألفاظ هذا الشعر.
2 البخلاء "66، 339"، الأغاني "11/ 134"، الآمدي، المؤتلف "16 وما بعدها".
3 الخزانة "1/ 195 وما بعدها".
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
…
وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك إنما
…
نحاول ملكا أو نموت فنعذرا1
وهو ابن أخي المرقش الأكبر، وخال المرقش الأصغر، وجد طرفة لأمه. وذكر أنه عمر حتى جاوز التسعين، وقال:
كأني وقد جاوزت تسعين حجة
…
خلعت بها عني عذار لجام2
وذكر "الجاحظ" أنه هو القائل:
شركم حاضر وخيركم د
…
رّ خروس من الأرانب بكر3
وذكر قبله أبياتا هي:
ليس طُعمي طُعم الأنامل إذ
…
قلص در اللقاح في الصنبر
ورأيت الإماء كالجعثن البا
…
لي عكوفا على قرارة قدر
ورأيت الدخان كالودع الأه
…
جن ينباع من وراء الستر4
وذكر "ابن قتيبة"، أن "عمرو بن قميئة"، كان من خدم "حجر" والد "امرئ القيس"، وأنه بكى لما سار معه إلى بلاد الروم، وقال له:"غررت بنا"5. ولا يعقل أن يكون "عمرو" من خدم "حجر"، فهو وإن نشأ يتيما في كفالة عمه " مرثد بن سعد"، كما تذكر بعض الروايات6،
1 المرزباني، معجم الشعراء "3 وما بعدها"، "القاهرة 1960"، "عبد الستار أحمد فراج"، الشعر والشعراء "1/ 292 وما بعدها"، الأغاني "16/ 158 وما بعدها"، طبقات الشعراء "59"، المؤتلف "868"، الجرجاني "129"، البيان والتبيين "2/ 18"، المعمرون للسجستاني "89"، الخزانة "2/ 249 وما بعدها"، البيان والتبيين "3/ 241".
2 المرزباني، معجم "3"، الشعر والشعراء "1/ 293"، المرزباني، معجم "ص200"، "القدسي 1354هـ"، بروكلمان "1/ 117"، أمالي المرتضى "1/ 45".
3 البخلاء "214""الحاجري".
4 الحيوان "5/ 73"، "عبد السلام هارون".
بسر يطعم الأرامل إذ
…
قلص در اللقاح في الصنبر
رسائل الجاحظ "2/ 357"، "كتاب البغال".
5 الشعر والشعراء "1/ 60"، "الثقافة".
6 الأغاني "16/ 158"، البخلاء "412"، "الحاجري".
إلا أن أسرته لم تكن من طبقة وضيعة، حتى يصير "عمرو" من خدم "حجر".
بل روي أنه كان عاملا لحجر1.
وورد أنه في شعراء ربيعة الذين ابتدأ الشعر بهم قبل أن يتحول في قيس، كالمرقشين وطرفة بن العبد والحارث بن حلزة2. و "عمرو" هو القائل يبكي شبابه:
لا تغبط المرء أن يقال له
…
أمسى فلان لعمره حكما
إن يُمْس في خفض عيشه فلقد
…
أخنى على الوجه طول ما سلما
قد كنت في ميعة أسر بها
…
أمنع ضيمي وأهبط العصما
يا لهف نفسي على الشباب ولم
…
أفقد به إذ فقدته أمما3
وأورد الجاحظ من شعره قوله:
وأهون كف لا تضيرك ضيرة
…
يد بين أيدٍ في إناء طعام
يد من قريب أو غريب بقفرة
…
أتتك بها غبراء ذات قتام
وقد استشهد ببيت من شعر نسب إليه، هو:
ولما رأت ساتيد ما استعبرت
…
لله در اليوم من لامها
والشعر هو:
قد سألتني بنت عمرو عن
…
الأرض التي تنكر أعلامها
لما رأت ساتيد ما استعبرت
…
لله در اليوم من لامها
تذكرت أرضا بها أهلها
…
أخوالها فيها وأعمامها5
وأما قصة رحيله مع "امرئ القيس" إلى قيصر، ووفاته، وهو في سفر
1 بروكلمان، تأريخ الأدب العربي "1/ 17".
2 طبقات الشعراء، لابن سلام "34"، "دار المعارف"، "1952"، البخلاء "412"، "الحاجري".
3 المرزباني، معجم "4"، "فراج".
4 البيان والتبيين "3/ 241".
5 الخزانة "2/ 247 وما بعدها".
معه، فجزء من أسطورة سفر "امرئ القيس" إلى الروم1.
وكان "عبيد بن الأبرص" شاعر "بني أسد" من المعاصرين لامرئ القيس، وله شعر يخاطبه فيه، لما أظهره من تهديد ووعيد لبني أسد، ويرد فيه عليه2. وقد أنجبت "بنو أسد" جملة شعراء. وذكر أنه كان لدةً لـ "عبد المطلب" جد النبي، وأنه مات قبل "عبد المطلب" بعشرين سنة. قتله "المنذر" أبو "النعمان بن المنذر"3. وإذا أخذنا بهذه الرواية واعتبرناها صحيحة، ورجعنا إلى تأريخ وفاة "عبد المطلب" التي كانت بعد الفيل بثماني سنين4، وإذا جارينا المستشرقين واعتبرنا أن عام الفيل، يقابل السنة "570" للميلاد، تكون وفاة "عبد المطلب" في حوالي السنة "578" للميلاد، فيكون قتل "عبيد بن الأبرص" في حوالي السنة "558" للميلاد على هذا التقدير. ولكن الذي نعرفه من روايات أهل الأخبار أن "عبيد" هذا قد قتله "المنذر بن امرئ القيس" المعروف بالمنذر بن ماء السماء، الذي تولى الملك في حوالي السنة "508" للميلاد وقتل سنة "554" للميلاد5. فيجب أن يكون مقتل "عبيد" قبل السنة "554" للميلاد لا بعدها، على حسب تقدير الرواية السابقة.
وهو "عبيد بن الأبرص بن عوف بن جشم" من "بني ثعلبة بن دودان" من "بني أسد". قال عنه "ابن قتيبة": "وكان عبيد شاعرًا جاهليًّا قديمًا من المعمرين، وشهد مقتل حجر أبي امرئ القيس. وهو القائل لامرئ القيس:
يا ذا المخوفنا بقتـ
…
ـل أبيه إذلالا وحينا
أزعمت أنك قد قتلـ
…
ـت سراتنا كذبا ومينا6
ويجب أن يكون مقتل "حجر" بعد السنة "528" للميلاد. وهي السنة التي توفي فيها "الحارث" والد "حجر" على غالب الروايات7. ولا نعرف متى
1 بروكلمان، تأريخ الأدب العربي "1/ 117".
2 الخزانة "1/ 222 وما بعدها"، "بولاق".
3 الروض الأنف "1/ 5".
4 تأريخ الطبري "2/ 277"، "ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسبابه".
5 الجزء الثالث "ص219" من هذا الكتاب.
6 الشعر والشعراء "1/ 187"، الخزانة "1/ 322".
7 الجزء الثالث من هذا الكتاب "ص342 وما بعدها".
قتل "حجر" على وجه صحيح، غير أننا نستطيع أن نقول إن حكمه لم يدم طويلا على "بني أسد" الذين انتهزوا فرصة وفاة "الحارث" وعودة الحكم إلى ملوك الحيرة، أيام "المنذر بن ماء السماء" الذي أخذ يتعقب آل الحارث، ليقتلهم، فثاروا على "حجر" وقتلوه.
وذكر أن "المنذر بن ماء السماء" هو الذي قتل عبيدا، قتله يوم بؤسه. وكان يقتل فيه أول من يطلع عليه. فلما رآه المنذر، قال له: هلا كان هذا لغيرك يا عبيد! أنشدني، فربما أعجبني شعرك! فقال له عبيد: حال الجريض دون القريض. قال: أنشدني: أقفر من أهله ملحوب، فأنشده عبيد:
أقفر من أهله عبيد
…
فاليوم لا يبدي ولا يعيد
فسأله أي قتلة يختار؟ قال عبيد: اسقني من الراح حتى أثمل، ثم افصدني الأكحل، ففعل ذلك به، ولط بدمه الغريين. والغريان طربالان كان يلطخهما بدماء القتلى يوم بؤسه. وكان بناهما على نديمين له، وهما: خالد بن نضلة الفقعسي، وعمرو بن مسعود1.
وذكر الرواة أن الملك قال لعبيد: أي قتلة يختار؟ أنشأ يقول:
وخيرني ذو البؤس في يوم شؤمه
…
خصالا أرى في كلها الموت قد برق
كما خيرت عاد من الدهر مرة
…
سحائب ما فيها لذي خيرة أنق
سحائب ريح لم توكل ببلدة
…
فتتركها إلا كما ليلة طلق2
وقد ذكر "ابن قتيبة" أن "قصيدته التي يقول فيها: أقفر من أهله ملحوب، وهي إحدى السبع"، هي من أجود شعره3.
1 الشعر والشعراء "1/ 188"، وقد أخطأ "ابن قتيبة" إذ جعل قاتله "النعمان بن المنذر"، وقد ذهب إلى هذا المذهب أيضا في كتاب شمس العلوم "الجزء الأول، القسم الثاني ص320".
2 الخزانة "1/ 324".
3 الشعر والشعراء "1/ 188".
ومن أمثاله السائرة قوله:
من يسأل الناس يحرموه
…
وسائل الله لا يخيب
وكل ذي غيبة يئوب
…
وغائب الموت لا يئوب
وقوله:
الخير يبقى وإن طال الزمانُ به
…
والشر أخبث ما أوعيت من زاد
وقوله:
الخير لا يأتي على عجلٍ
…
والشر يسبق سيله مطره1
ويعد "عبيد" في جملة المعمرين، فقد جعل "ابن قتيبة" عمره أكثر من ثلاثمائة سنة2، وجعل "السجستاني" عمره مائتي سنة وعشرين، ويقال بل ثلاثمائة سنة3. ولتأييد رأيهم في أنه عاش هذا العمر حقًّا، أوجدوا شعرا زعموا أنه قاله، هو:
ولتأتينْ بعدي قرون جمة
…
ترعى محارم أيكة ولدودا
فالشمس طالعة وليل كاسف
…
والنجم يجري انحسار سعودا
حتى يقال لمن تعرق دهره
…
يا ذا الزمانة هل رأيت عبيدا
مائتي زمان كامل وبضعة
…
عشرين عشت معمرا محمودا
أدركت أول ملك نصر ناشئا
…
وبناء شداد وكان أبيدا
وطلبت ذا القرنين حتى فاتني
…
ركضا وكدت بأن أري داودا
ما تبتغي من بعد هذا عيشة
…
إلا الخلود ولن تنال خلودا
وليَفنين هذا وذاك كلاهما
…
إلا الإله ووجهه المعبودا4
وهو شعر يجعل عمر "عبيد" أكثر من ألف عام، لا مائتي سنة وعشرين
1 بلوغ الأرب "3/ 107".
2 الشعر والشعراء "1/ 188"،الخزانة "1/ 323".
3 الخزانة "1/ 323".
4 الخزانة "1/ 323".
ويجعله فيمن ولد قبل الميلاد بزمان. وقد شاء صانعه أن يجعل شاعره من المؤمنين بالله الموحدين، على نحو ما ترى في البيت الأخير من الشعر المزعوم.
ويجب أن نضيف إلى الشعراء المذكورين الشاعر المعروف بـ "مرة بن الرواع الأسدي"، أحد بني "حيي بن مالك". وهو شاعر قديم يقول أهل الأخبار إنه كان في عصر "امرئ القيس"، وأن "امرأ القيس" كان يعلم قيانه أشعار "ابن الرواع"1.
وهو القائل:
أشاقك من فكيهتك ادّلاج
…
وبُتَّ الحبل وانقطع الخلاج
من قصيدة طويلة. وقوله:
إن الخليط أجدّوا البين وادّلجوا
…
وهم كذلك في آثارهم لجج2
و"المنقذ بن الطمّاح" الأسدي، شاعر جاهلي من الفرسان المعدودين. وقد أغار على إبل المنذر بن ماء السماء3. وقد عرف بـ "الجميح"، وينسب إليه قوله:
يأبى الذكاء ويأبى أن شيخكم
…
لن يعطي الآن من ضرب وتأديب4
و"عبد يغوث بن صلاءة، وقيل ابن الحارث بن وقاص بن صلاءة بن المعقل" واسمه "ربيعة بن كعب" من شعراء الجاهلية فارس، سيد قومه من "بني الحارث بن كعب" من اليمن. وكان قائدهم في يوم الكلاب الثاني إلى بني تميم وفي ذلك اليوم أسر فقتل. وله قصيدة قالها وهو في أسره أولها:
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا
…
فما لكما في اللوم خير ولا ليا
1 المرزباني، معجم الشعراء "ص 382".
2 المرزباني، معجم الشعراء "294"، "عبد الستار فراج".
3 معجم الشعراء "329"، الأصمعيات "80" المفضليات "109"، السيوطي، شرح شواهد "1/ 368".
4 المفضليات رقم 4 من القصيدة 4. بروكلمان "1/ 78".
ذكر أن الذي أسره غلام أهوج من "بني عمرو بن عبد شمس"، فانطلق به إلى أهله، فقالت له أم الغلام: من أنت؟ قال: أنا سيد القوم! فضحكت وقالت: قبحك الله من سيد قوم حين أسرك هذا الأهوج، وإلى هذا أشار بقوله:
وتضحك مني شيخة عبشمية
…
كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا1
وذكر أنه خاطب الشيخة بقوله: أيتها الحرة، هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: أعطي ابنك مائة من الإبل وينطلق بي إلى الأهتم، فإني أخاف أن تنتزعني سعد والرباب منه، فضمن لها مائة من الإبل، وأرسل إلى "بني الحارث" فوجهوا بها إليها فقبضها العبشمي، وانطلق به إلى الأهتم، فقال عبد يغوث:
أأهتم يا خير البرية والدا
…
ورهطا إذا ما الناس عدوا المساعيا
فمشت سعد والرباب إلى الأهتم فيه، فقالت الرباب: قتل فارسنا، وهو النعمان بن جساس، ولم يقتل لك فارس فدفعه إليهم، فأخذه "عصمة بن أبير" التميمي، فانطلق به إلى منزله، فقال عبد يغوث: يا بني تيم، اقتلوني قتله كريمة. فقال عصمة: وما تلك القتلة؟ قال: اسقوني الخمر ودعوني أنوح على نفسي، فجاءه عصمة بالشراب، فسقاه، ثم قطع عرقه الأكحل، وتركه ينزف، ومضى وجعل معه رجلين، فقالا لعبد يغوث: جمعت أهل اليمن، ثم جئت لتصطلحنا، كيف رأيت صنع الله بك فقال هذه القصيدة:
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا
…
فما لكما في اللوم خير ولا ليا2
ومما جاء في هذه القصيدة قوله:
أقول وقد شدوا لساني بنسعة
…
أمعشر تيم أطلقوا عن لسانيا
وقد ذهب العلماء مذهبين في تفسيره، منهم من قال: إنه أراد افعلوا بي
1 السيوطي، شرح شواهد "2/ 676"، الخزانة "1/ 316"، "بولاق"، الأغاني "15/ 73"، زيدان تأريخ آداب اللغة العربية "1/ 136 وما بعدها".
2 الخزانة "1/ 314".
خيرا لينطلق لساني بشكركم، وأنكم ما لم تفعلوا فلساني مشدود لا أقدر على مدحكم، لأن اللسان لا يشد بنسعة، ومنهم من قال: إنهم شدوه بنسعة حقيقة، بأنهم ربطوه بنسعة مخافة أن يهجوهم وكانوا سمعوه ينشد شعرا، فقال: أطلقوا لي عن لساني أذم أصحابي وأنوح على نفسي، فقالوا: إنك شاعر، ونحذر أن تهجونا، فعاهدهم على أن لا يهجوهم، فأطلقوا له عن لسانه. "قال الجاحظ: وبلغ خوفهم من الهجاء أن يبقى ذكرهم في الأعقاب، ويسبّ به الأحياء والأموات، أنهم إذا أسروا الشاعر أخذوا عليه المواثيق، وربما شدّوا لسانه بنسعة كما صنعوا بعبد يغوث"1.
وكان "عبد يغوث" شاعرا من شعراء الجاهلية، من أهل بيت شعر معروف في الجاهلية والإسلام، منهم: اللجلاج الحارثي، وهو طفيل بن زيد بن عبد يغوث، وأخوه: مسهر، فارس شاعر، وهو الذي طعن "عامر بن الطفيل" في عينه يوم "فيف الريح"، ومنهم من أدرك الإسلام:"جعفر بن علية بن ربيعة بن الحارث بن عبد يغوث"، وكان شاعرا صعلوكا، أخذ في دم فحبس بالمدينة، ثم قتل صبرا2.
"قال الجاحظ في البيان والتبيين: وليس في الأرض أعجب من طرفة بن العبد، وعبد يغوث، فإن قسنا جودة أشعارهما في وقت إحاطة الموت بهما، فلم تكن دون سائر أشعارهما في حال الأمن والرفاهية"3.
ومن الشعراء المعمرين "ذو الإصبع العدواني"، واسمه "حرثان بن محرث بن الحارث" أو "حرثان بن الحارث بن عمرو بن عبادة بن يشكر" اليشكري العدواني، لقب بذي الإصبع لأن حية نهشته على إصبعه فشلت، فسمي بذلك. زعم أنه عاش مائة وسبعين سنة، واستقل هذا العدد "أبو حاتم"، فجعله ثلاثمائة سنة، وهو عمر لا بأس به! وكان أحد حكام العرب، وله قصة مع بناته الأربع، في موضوع الزواج، وصفات الزوج، ورغبة المرأة في الازدواج، رووا أن "عبد الملك بن مروان" كان يحفظ شعره، وأنه سأل رجلًا من
1 البيان والتبيين "4/ 45"، "عبد السلام محمد هارون"، الخزانة "1/ 316".
2 الخزانة "1/ 317"، "بولاق"، الاشتقاق "2/ 239".
3 البيان والتبيين "2/ 268"، الحيوان "7/ 157"، الخزانة "1/ 317"، السيوطي، شرح الشواهد "2/ 676".
"عدوان" عن شعره وأخباره، فلم يعرف من أمره شيئا، فحط من عطائه ثلاثمائة" زادها في عطاء رجل آخر، كان يعرف شعره1. ومن شعره المزعوم في وصف حاله:
أصبحت شيخا أرى الشخصين أربعة
…
والشخص شخصين لما مسني الكبر
لا أسمع الصوت حتى استدير له
…
ليلا وإن هو ناغاني به القمر2
ومن شعر "ذي الإصبع" قوله:
جلبنا الخيل من بقران قبا
…
تجوب الأرض فجا بعد فج
وقوله يذكر عدة من ديارهم:
إن داري بمرهب فبصعر
…
فمعور فوخدة فالمرار
ولنا منزل برقبة لا
…
يسمع فيه تهاذي الأخبار
منزل أحرز الحواضن فيه
…
كل قرمٍ متوج جبار
ثم بالفرع قد نزلنا قبيلا
…
دار صدق قليلة الأقذار
ذات حرز وعزة ونجاة
…
وامتناع من جحفل جرّار
ماؤنا الفيض لا يُعذبنا القيظ
…
ولا النزع بالرشاء المغار3
ومن شعره قوله:
لي ابن عم ما كان من خلق
…
مخالف لي أقليه ويقليني
أزرى بنا أننا شالت نعامتنا
…
فخالني دونه بل خلته دوني
1 "حرثان بن السموأل""حرثان بن محارب""حرثان بن الحارث بن محرث"، ابن الشجري "1/ 363". العقد الفريد "2/ 328، 363"، الأمالي للقالي "1/ 254"، الخزانة "3/ 222"، الأغاني "3/ 91 وما بعدها"، أمالي المرتضى "1/ 244 وما بعدها"، الاشتقاق "163"، المعمرون "90"، الخزانة "2/ 406 وما بعدها"، "بولاق"، "حرثان بن السموأل"، اللآلئ "289"، السيوطي، شرح شواهد "2/ 430"، الأمالي "1/ 93".
2 الخزانة "2/ 408"، بولاق، المؤتلف، للآمدي "118"، الشعر والشعراء "2/ 597 وما بعدها".
3 الصفة "123".
إنك إلا تدع شتمي ومنقصتي
…
أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
إني لعمري ما بيتي بذي غلق
…
على الصديق ولا خيري بممنون
ولا لساني على الأدنى بمنبسط
…
بالفاحشات ولا فتكي بمأمون
عني إليك فما أمي براعية
…
ترعى المخاض ولا رأيي بمغبون
لا يخرج الكره مني غير مأبية
…
ولا ألين لمن لا يبتغي ليني
وله قوله:
عذير الحي من عدوا
…
ن كانوا حية الأرض
علا بعضهم بعضا
…
فلم يرعوا على بعض
ومنهم كانت السادا
…
ت والموفون بالقرض
ومنهم حكم يقضي
…
فلا ينقض ما يقضي
إذا ما ولدوا أشبوا
…
بسر الحسب المحض1
ومن شعراء "بني يشكر": "المنخل بن عبيد بن عامر"، "وهو قديم جاهلي، وكان يشبب بهند أخت عمرو بن هند،.وذكر أنه اتهم بـ "المتجردة" "امرأة النعمان بن المنذر"، وهو الذي وشى إلى "النعمان" بالنابغة، لما وصف المتجردة، وكان أيضا يتهم بامرأة "عمرو بن هند". وكان جميلا، وقد يكون جماله هذا هو الذي أولد هذا القصص المقال حوله من اتصاله بأخت "عمرو بن هند"، وبزوجته، وبزوجة النعمان. ويذكر "ابن قتيبة" أن "عمرو بن هند" قتله، وأنه قال قبيل قلته:
طل وسط العباد قتلي بلا جر
…
م وقومي ينتجون السخالا
لا رعيتم بطنا خصيبا ولا زر
…
تم عدوا ولا رزأتم قبالا2
وهذا الخبر، يناقض الأخبار التي تذكر أنه كان يتهم بالمتجردة، وأنه وشى بالنابغة عند النعمان، وأن "النعمان" خرج يتصيد، فعمدت إلى قيد فجعلت رجلها في إحدى حلقتيه، ورجل المنخل في الآخرى شغفا به، وجاء النعمان
1 الشعر والشعراء "2/ 597 وما بعدها".
2 الشعر والشعراء "1/ 318"، المؤتلف "178"، الأغاني "9/ 166".
فألفاهما على حالهما، فأمر بالمنخل فقتل، فضربت به العرب المثل، فقال أوس بن حجر:
فجئت ربيعي موليا لا أزيده
…
عليه بها حتى يئوب المنخل1
وقد أشار ذو الرمة إلى المنخل بقوله:
تقارب حتى يطمع النأي في الهوى
…
وليست بأدنى من إياب المنخل2
وقد ورد اسمه على هذه الصورة في "تاج العروس": "والمنخل بن خليل اليشكري، كمعظم: شاعر. ومنه لا أفعله حتى يئوب المنخل. مثل للتأبيد، يضرب في الغائب الذي لا يرجى إيابه، كما يقال: حتى يئوب القارظ العنزي، واسمه عامر بن رهم بن هميم. وقال الأصمعي: المنخل رجل أرسل في حاجة، فلم يرجع، فصار مثلا في كل ما لا يرجى"3.
وقد اشتهر بقصيدته:
ولقد دخلت على الفتاة
…
الخدر في اليوم المطير
الكاعب الحسناء تر
…
فل في الدمقس وفي الحرير
فدفعتها فتدافعت
…
مشي القطاة إلى الغدير
وعطفتها فتعطفت
…
كتعطف الظبي الغرير
فترت وقالت يا منخـ
…
ـل ما بجسمك من فتور4
ومن المعمرين "معدي كرب" الحميري من آل "ذي رعين"، رووا له شعرا منه:
أراني كلما أفنيت يوما
…
أتاني بعده يوم جديد
يعود بياضه في كل فجر
…
ويأبى لي شبابي ما يعود5
1 أسماء المغتالين "المجموعة السابعة من نوادر المخطوطات"، "239".
2 ديوانه "509"، الأغاني "18/ 153"، أسماء المغتالين "239".
3 تاج العروس "8/ 131"، "نخل".
4 الشعر والشعراء "1/ 317 وما بعدها".
5 أمالي المرتضى "1/ 253".
و "بشر بن أبي خازم" شاعر جاهلي قديم، من بني أسد، شهد حرب أسد وطيء، وشهد هو وابنه نوفل بن بشر الحلف بينهما. وكان في أول أمره يهجو "أوس بن حارثة بن لأم" الطائي، فأسرته بنو نبهان من طيء، فركب "أوس" اليهم فاستوهبه منهم، وكان قد نذر ليحرقنه إن قدر عليه، فوهبوه له، ثم شفعت له أم أوس، ففك أسره، فجعل بشر مكان كل قصيدة هجاء قصيدة مدح، لأن الهجاء لا يمحى عند العرب إلا بمدح، يمحو أثره، في قصة يروونها عن كيفية وقوعه في الأسر1.
وروي أنه لما طعن، طعنه غلام من "بني وائلة" بسهم فأثخنه، وأخذ يجود بنفسه، قال قصيدة يخاطب بها ابنته عميرة:
أسائلة عميرة عن أبيها
…
خلال الجيش تعترف الركابا
وهي قصيدة روى بعض أبياتها الشريف المرتضى في أماليه2. كان بشر قد أغار في مقنب من قوهم على "الأبناء" من بني صعصعة بن معاوية، وكل "بني صعصعة" إلا "عامر بن صعصعة" يدعون الأبناء، وهم وائلة، ومازن، وسلول، فلما جالت الخيل مر "بشر" بغلام من "بني وائلة" فقال له" بشر" استأسر، فقال له الوائلي: لتذهبن أو لأرشقنك بسهم من كنانتي، فأبي بشر إلا أسره، فرماه بسهم، فاعتنق بشر فرسه وأخذ الغلام فأوثقه، فلما كان في الليل أطلقه بشر من وثاقه وخلّى سبيله، وقال: أعلم قومك أنك قتلت بشرا، وهو قوله:
وإن الوائلي أصاب قلبي
…
بسهم لم يكن نكسا لغابا3
ومن هذه القصيدة قوله:
تسائل عن أبيها كل ركب
…
ولم تعلم بأن السهم صابا
فرجي الخير وانتظري إيابي
…
إذا ما القارظ العنزي آبا
1 الشعر والشعراء "1/ 190 وما بعدها"، المفضلية "98"، أسماء المغتالين "214"، "المجموعة السادسة من نوادر المخطوطات"، رسالة الغفران "166".
2 أمالي المرتضى "1/ 341"، الخزانة "2/ 262"، مختارات ابن الشجري "81 وما بعدها"، الأغاني "11/ 10"، المؤتلف "60".
3 الخزانة "2/ 262"، "بولاق".
والقارظان من عنزة، يقال إنهما خرجا في طلب القراظ يجتنيانه، فلم يرجعا فضرب بهما المثل فقالوا:"لا آتيك أو يئوب القارظان"، يضرب في انقطاع الغيبة. وفي هذا المثل قال أبو ذؤيب:
وحتى يئوب القارظان كلاهما
…
وينشر في القتلى كليب ووائل1
وقد رُمي "بشر" بالإقواء في شعره2، وقد نشر ديوانه3. ومن أمثاله السائرة قوله:
ألم تر أن طول العهد يسلي
…
وينسي مثلما نسيت جذام
وقوله:
يكن لك في قومي يد يشكرونها
…
وأيدي الندى في الصالحين فروض4
وذكر أنه أوصى ابنته بأن تذري الدمع عليه، وأن تبكي عليه البكاء الذي يستحقه، وكان من عادة أهل الجاهلية، التأكيد بلزوم البكاء والنوح على الميت، ويؤكدون الوصية بفعله، وفي هذا المعنى قول طرفة بن العبد:
فإن مت فانعيني بما أنا أهله
…
وشقي عليّ الجيب يا أم معبد5
و"عمرو بن حممة بن رافع بن حارث" الدوسي، أحد حكماء العرب من الأزد، شاعر قديم، ذكروا أنه عاش ثلاثمائة وتسعين سنة، وذكروا له شعرا، قالوا إنه قال فيه إنه جاوز الثلاثمائة من العمر، وأنه قد كبر، ولا بد وأن يأتيه يوم يموت فيه6. وفي رواية أنه وفد على النبي، وهي خطأ لأنه مات في
1 بلوغ الأرب "3/ 105".
2 الشعر والشعراء "1/ 190".
3 نشره الدكتور عزة حسن بدمشق، سنة 1960م.
4 بلوغ الأرب "3/ 104 وما بعدها".
5 أمالي المرتضي "1/ 340 وما بعدها".
6 المرزباني، معجم "17"، "فراج".
الجاهلية1. وله ولد اسمه "جندب" أسلم، قتل يوم "أجنادين"2. وذكر أنه الذي كان يقال له: ذو الحكم، وضربت به العرب المثل في قرع العصا، لأنه بعد أن كبر صار يذهل فاتخذوا له من يوقظه فيقرع العصا، فيرجع إليه فهمه. وإليه أشار الحارث بن وعلة بقوله:
إن العصا قرعت لذي الحكم
ومن شعره الذي قاله في كبره:
أخبر أخبار القرون التي مضت
…
ولا بد يوما أن أطار لمصرعي3
وقد أنجبت "دوس" جملة شعراء، منهم:"وهب بن عبد الله بن دوس بن أبي خالد بن زهير" الشاعر في أول الإسلام، و "جندب بن طريف" الشاعر الذي يقال له ابن الغامدية، ومنهم:"أبو غُنيش" الشاعر، جاهلي من بني مبدول "مندول؟ "4.
وقد اختلف في "جران العود" النميري، فذهب "كرنكو" إلى أنه من شعراء العصر الأموي، وأنه من معاصري عبد الملك بن مروان. وقد نص "البغدادي" على أنه شاعر جاهلي من "بني ضنة بن نمير بن عامر بن صعصعة". واسمه:"عامر بن الحرث بن كلفة"، وقيل "كلدة"، وإنما سمي "جران العود" لقوله يخاطب امرأتيه:
عمدت لعود فالتحيت جرانه
…
وللَكيس أمضى في الأمور وأنجح
خذا حذرا يا ضرتيّ فإنني
…
رأيت جران العود قد كان يصلح5
وجران العود أحد من وصف القوّادة في شعره6. وقد روى "السكري" ديوان هذا الشاعر، وقد تحدث في ديوانه عن "حمامة نوح"، وورد فيه شعر
1 الإصابة "2/ 526"، "رقم 5821"، ابن دريد، الاشتقاق"2/ 296".
2 الإصابة "1/ 250 وما بعدها"، "رقم 1226".
3 الإصابة "2/ 527"، "رقم 5821".
4 الاشتقاق "2/ 296".
5 الخزانة "4/ 198"، الحيوان "1/ 40".
6 الشعر والشعراء "2/ 605 وما بعدها".
للرحال، وكان خدن جران، وتزوج كل واحد منهما امرأتين، فلقيا منهما مكروها1. وقد طبع الديوان مع شرح عليه2.
ومن الشعر المنسوب إليه هذا الشعر:
حملن جران العود حتى وضعنه
…
بعلياء في أرجائها الجن تعزف
وذكر "المعري" أنه ينسب أيضا "لسحيم"3.
ونجد في شعر ينسب إليه إشارة إلى الكتاب وإلى الوشوم، تكون بأيدي الروم، إذ يقول:
تُركْن برجلة الروحاء حتى
…
تنكرت الديار على البصير
كوحي في الحجارة أو وشوم
…
بأيدي الروم باقية النئور4
وذكر "الجاحظ" له قوله:
وكان فؤادي قد صحا ثم هاجه
…
حمائم ورق بالمدائن هتف
كأن الهديل الظالع الرجل وسطها
…
من البغي شريب يغرد مترف5
وله شعر في وصف "الذئب"6، وفي أصوات الطيور والحمام وبقية الحيوانات7، وفي الطيرة، إذ يقول:
جرى يوم رحنا بالجمال نزفها
…
عقاب وشحاج من البين يبرح
فأما العقاب فهي منها عقوبة
…
وأما الغراب فالغريب المطوح8
وقد أورد "الجاحظ" له أشعارا نثرها في كتابه "الحيوان"9.
1 الشعر والشعراء "2/ 605".
2 بروكلمان "1/ 116".
3 رسالة الغفران "277".
4 الحيوان "1/ 40".
5 الحيوان "2/ 209".
6 الحيوان "2/ 213".
7 الحيوان "2/ 297"، "3/ 240".
8 الحيوان "2/ 441".
9 الحيوان "2/ 386".
وقد وصف نفسه وعشيقته بقوله:
فأصبح من حيث التقينا غدية
…
سوار وخلخال ومرط ومطرف
ومنقطعات من عقود تركنها
…
كجمر الغضا في بعض ما تتخطرف1
ونجد شعره شعرا حضريا، فيه ذكر البقل، كما في هذين البيتين:
فنلنا سقاطا من حديث كأنه
…
جَنى النحل أو أبكار كرم يقطف
حديثا لو أن البقل يُولى بمثله
…
زها البقل واخضر العضاة المصنف2
ومن شعراء الجاهلية: "الحادرة" الذبياني، وهو "قطبة بن أوس بن محصن بن جرول" من "بني ثعلبة بن سعد" الغطفاني، وهو شاعر جاهلي مجيد مقل، كان يهاجي "زبان بن سيار" الفزاري، وقد بقيت أشعاره القليلة برواية "أبي عبد الله" اليزيدي، المتوفى سنة "310هـ"3. وكانت له صاحبة اسمها "سمية" تغزل بها في شعره:
بكرت سمية غدوة فتمتع
…
وغدت غدوَّ مفارق لم يربع4
ومن شعراء الجاهلية: "سويد بن عامر" المصطلقي. ينسب له قوله:
لا تأمنن وإن أمسيت في حرم
…
إن المنايا بكفَّي كل إنسان
واسلك طريقا تمشى غير مختشع
…
حتى تبيَّن ما يمني لك الماني
فكل ذي صاحب يوما يفارقه
…
وكل زاد وإن أبقيته فان
والخير والشر مقرونان في قرن
…
بكل ذلك يأتيك الجديدان5
ونسب البيت الأول والثاني والرابع إلى أبي قلادة الهذلي، من قصيدة أولها:
1 البخلاء "233".
2 البيان والتبيين "1/ 281".
3 رسالة الغفران "282"، الأغاني "3/ 82 وما بعدها"، بروكلمان "1/ 110"، البيان والتبيين "3/ 320"، الحيوان "3/ 475".
4 رسالة الغفران "282، 401".
5 أمالي المرتضى "1/ 368".
يا دار أعرفها وحشًا منازلها
…
بين القوائم من رهط فألبان
مع اختلاف في روايتها وترتيبها1.
ومن شعراء خزاعة: "مطرود بن كعب" الخزاعي، له شعر في رثاء عبد المطلب بن عبد مناف، أوله:
يا أيها الرجل المحول رحله
…
ألا نزلت بآل عبد مناف
هبلتك أمك لو نزلت عليهم
…
ضمنوك من جوع ومن إقراف
الآخذون العهد من آفاقها
…
والراحلون لرحلة الإيلاف
والمطعمون إذا الرياح تناوحت
…
ورجال مكة مسنتون عجاف
والمفضلون إذا المحول ترادفت
…
والقائلون هَلُمَّ للأضياف
والخالطون غنيهم بفقيرهم
…
حتى يكون فقيرهم كالكافي
كانت قريش بيضة فتفلقت
…
فالمُحُّ خالصة لعبد مناف2
ومن شعراء هذيل "أبو كبير". وهو "عامر بن الحليس"، وقيل "ابن جمرة". وهو جاهلي، تزوج أم "تأبط شرا"، ثم تركها في قصة يرويها أهل الأخبار3. قال "ابن قتيبة": وله أربع قصائد، أولها كلها شيء واحد، ولا نعرف أحدا من الشعراء فعل ذلك. إحداهن:
أزهير هل عن شيبة من مَعْدل
…
أم لا سبيل إلى الشباب الأول
والثانية:
أزهير هل عن شيبة من مقصر
…
أم لا سبيل إلى الشباب المدبر
والثالثة:
أزهير هل عن شيبة من مصرف
…
أم لا خلود لباذل متكلف
1 أمالي المرتضى "368 تعليق رقم 1".
2 أمالي المرتضى "2/ 268"، المرزباني، معجم "375"، ابن هشام "1/ 117"، "حاشية على الروض".
3 السيوطي، شرح شواهد "1/ 231"، الخزانة "3/ 466"، السمط "387"، رسالة الغفران "334"، ديوان الهذليين"2/ 92".
والرابعة:
أزهير هل عن شيبة من معكمِ
…
أم لا خلود لباذل متكرم1
وتنسب له قصيدة فيها:
ولقد سريت على الظلام بمغشم
…
جلد من الفتيان غير مهبل
ممن حملن به وهنَّ عواقد
…
حبك النطاق فعاش غير مثقل
ونسبها بعض العلماء إلى "تأبط شرا" وتتناول قصة حب، وقعت بين صاحب القصيدة وامرأة، كان لها ابن ذكي، هددها بقتلها إن بقيت تواصل الرجل، فأشارت المرأة على الشاعر قتله، لأنها تحبه، ولا تريد مفارقته، وفضلت قتله على فراق الشاعر، في قصة جميلة من قصص الحب2. فالقصيدة إذن من الشعر القصصي الذي يتعلق بالحب والغرام.
وقد نسبها بعضهم إلى "أبي كبير"، وجعل الغلام "تأبط شرا" في قصة طريفة من قصص الحب3.
وقد روي أنه أدرك الإسلام، ثم أتى النبي، فقال له "أحل لي الزنا. فقال: أتحب أن يؤتى إليك مثل ذلك؟ قال: لا. قال: فارض لأخيك ما ترضى لنفسك. قال: فادع الله لي أن يذهب عني"4. والأصح أنه جاهلي لم يدرك الإسلام.
ولهذيل شعر جيد وشعراء مجيدين. وتعد من القبائل المخصبة في الشعر، ومن شعرائها:"المتنخل": "مالك بن عمرو بن عُثم بن سويد بن حنش بن خناعة""مالك بن عويمر" من "لحيان"5. اشتهر بقصيدته التي يقول فيها:
1 الشعر والشعراء "2/ 561"، الحماسة شرح التبريزي "1/ 42"، الأمالي "2/ 32".
2 الشعر والشعراء "2/ 562 وما بعدها"، "غير مثقل"، الخزانة "3/ 466".
3 الخزانة "3/ 467 وما بعدها"، شرح الحماسة، للتبريزي "1/ 42".
4 الخزانة "3/ 473"، "فقال: أحل لي الربا"، الإصابة "4/ 165 "، "رقم 961".
5 الشعر والشعراء "2/ 522"، الأغاني "20/ 145"، المؤتلف "178"، الخزانة "2/ 135"، السمط "724"، ديوان الهذليين "2/ 15".
يا ليت شعري وهمّ المرء ينصبه
…
والمرء ليس له في العيش تحريز
هل أجزينكما يوما بقرضكما
…
والقرض بالقرض مجزيّ ومجلوز
"قال الأصمعي: ما قيلت قصيدة على الزاي أجود من قصيدة الشمّاخ في صفة القوس، ولو طالت قصيدة المتنخل كانت أجود"1. وهو من الجاهليين.
ومن شعره:
لا ينسئ الله منا معشر شهدا
…
يوم الأميلح لا عاشوا ولا مرحوا
عقوا بسهم فلم يشعر له أحد
…
ثم استفاؤوا وقالوا حبذا الوضح
التعقية: الاعتذار. وأصل هذا أن يقتل رجلًا من قبيلته، فيطلب القاتل بدمه، فتجتمع جماعة من الرؤساء إلى أولياء المقتول بديه مكملة ويسألونهم العفو وقبول الدية، فإن كان أولياؤه ذوي قوى أبوا ذلك، وإلا قالوا لهم: بيننا وبين خالقنا علامة للأمر والنهي، فيقول الآخرون: ما علامتكم؟ فيقولون أن نأخذ سهما فنرمي به نحو السماء، فإن رجع إلينا مضرجا بالدم، فقد نهينا عن أخذ الدية، وإن رجع كما صعد، فقد أمرنا بأخذها، وحينئذ مسحوا لحاهم وصالحوا على الدية، وكان مسح اللحية علامة للصلح. قال الأشعر الجعفي:
عقوا بسهم ثم قالوا ساهموا
…
يا ليتني في القوم إذ مسحوا اللحى2
وأورد "المرتضى" له شعرا في رثاء أبيه وأخيه أوله:
لعمرك ما إنْ أبو مالك
…
بوان ولا بضعيف قواه
ومنه:
أبو مالك قاصرة فقره
…
على نفسه ومشيع غناه3
ومن شعره في الضيف:
ولا والله نادى الحي ضيفي
…
هدوءا بالمساءة والعلاط
1 الشعر والشعراء "2/ 522".
2 الخزانة "2/ 137".
3 أمالي المرتضى "1/ 306 وما بعدها".
سأبدؤهم بمشمعة وأثني
…
بجهدي من طعام أو بساط1
ومن شعراء "هذيل""خويلد بن مطحل" الهذلي، أحد "بني سهم بن معاوية"، وكان سيد هذيل في زمانه، وابنه من بعده، "معقل بن خويلد". وكان شاعرًا معدودًا في شعراء هذيل، ووفد إلى أرض الحبشة، فكلم ملكهم في من عنده من أسرى العرب، فأطلقهم له. وهو القائل:
لعمرك لليأس غير المريث
…
خير من الطمع الكاذب
وللريث تحفزه بالنجا
…
ح خير من الأمل الخائب
يرى الحاضر الشاهد المطمئن
…
من الأمر ما لا يرى الغائب2
وورد في "الإصابة" اسم "معقل بن خويلد بن وائلة بن عمرو بن عبد يا ليل" الهذلي، وكان شاعرا، وكان أبوه رفيق "عبد المطلب" إلى أبرهة، وكان بين أبي سفيان وبين معقل بن خويلد، خلاف في سلب رجل من قريش. فقال النبي:"يا معقل بن خويلد اتق معارضة قريش". وذكره "المرزباني" في الشعراء المخضرمين3.
ومن بقية شعراء الجاهلية "ذو الخرق" الطهوي، وهو "دينار بن هلال". ويقال إن اسمه "قرط"، وإنما سمي بذي الخرق لقوله:
جاءت عِجافًا عليها الريش والخرق4
وهو من الشعراء الفرسان5
و"سراج بن قرة""سراج بن قوة" العامري، أحد بني الصموت بن عبد الله بن كلاب من الشعراء الجاهليين. ذكر "المرزباني" في معجم الشعراء له شعرا قاله في يوم من أيام الجاهلية، وقد نسب على هذه الصورة: "سراج
1 أمالي المرتضى "1/ 493".
2 الشعر والشعراء "2/ 556"، ديوان الهذليين "3/ 68 وما بعدها".
3 الإصابة "3/ 425"، "رقم 8137".
4 السيوطي، شرح شواهد "1/ 162".
5 تاج العروس "6/ 329"، "خرق".
ابن قرة "قوة" بن ربعي بن زرعة بن الكاهن بن عمرو بن عوف بن أبي ربيعة بن الصموت بن عبد الله بن كلاب". وقد زعم أن له وفادة على النبي، ولا يوجد دليل يؤيده1.
و"السندري بن يزيد الكلابي" شاعر كان مع علقمة بن علاثة، وكان "لبيد" الشاعر مع "عامر بن طفيل"، فدعى لبيدا إلى مهاجاته فأبى2.
ومن شعراء تغلب في الجاهلية "المهلهل" و "عمرو بن كلثوم" التغلبي، و"أفنون" التغلبي، واسمه "ظالم"، وقيل:"صريم بن معشر بن ذهل بن تيم بن عمرو بن مالك" التغلبي. يقال إنه مات بموضع يقال له "إلاهة" بطريق الشأم، بلدغة حية، وأن كاهنا كان قد قال له: إنك تموت بمكان يقال له إلاهة، فمات به.
ومما ينسب له من الشعر هذا البيت:
مَنيتنا الود يا مضنون مضنونا
…
أزماننا إن للشباب أفنونا3
وله مقطوعة أولها:
أبلغ حُبيبا وخلل في سراتهم
…
إن الفؤاد انطوى منهم على حزن
قد كنت أسبق من جاروا على مهل
…
من ولد آدم ما لم يخلعوا رسني
قالوا عليّ ولم أملك فيالتهم
…
حتى انتحين على الأرساغ والثنن
لو أنني كنت من عاد ومن إرم
…
ربيت فيهم ولقمان ومن جدن4
ذكروا أنه إنما عرف بأفنون لقوله من قطعة:
منيتنا الود يا مضنون مضنونا
…
أيامنا إن للشباب أفنونا
1 الإصابة "2/ 16"، "رقم 3101".
2 تاج العروس "3/ 281"، "السندرة"، ديوان لبيد "14"، "مقدمة".
3 السيوطي، شرح شواهد "1/ 146"، وقيل اسمه "ظالم" المؤتلف "151"، السمط "684 "، ألقاب الشعراء "317"، الاشتقاق "2/ 203".
4 السيوطي، شرح شواهد "1/ 144 وما بعدها"، المفضلية رقم "66"، الأمالي "2/ 51"، أمالي ابن الشجري "1/ 37"، البيان والتبيين "1/ 23"، الخزانة "4/ 455 وما بعدها".
وأنه لما قال له الكاهن تموت بمكان يقال له إلاهة، مكث ما شاء الله ثم سار إلى الشأم في تجارة، ثم رجع في ركب من "بني تغلب" فضلوا الطريق، ثم نزلوا "إلاهة"، قارة بالسماوة، فلما أتوها نزل أصحابه، وقالوا: انزل. فقال: والله لا أنزل! فجعلت ناقته ترتعي عرفجًا فلدغتها أفعى في مشفرها، فاحتكت بساقه والحية بمشفرها فلدغته في ساقه، فقال لأخ معه احفر لي قبرا فإني ميت، ثم رفع صوته بأبيات منها:
لعمرك ما يدري امرؤ كيف يتقي
…
إذا هو لم يجعل له الله واقيا
كفى حزنا أن يرحل الحي غدوة
…
وأصبح في أعلى إلاهة ثاويا1
ومات من ساعته، فقبره هناك. وهو القائل:
لعمرك ما عمرو بن هند إذا دعا
…
لتخدم أمي أمه بموفق2
ومن شعراء تغلب: "الأخنس بن شهاب" التغلبي، فارس العصا3 وينسب له قوله:
يظل بها ربد النعام كأنها
…
إماء تزجى بالعشي حواطب4
وقد قال "الأخنس" في أول القصيدة:
لابنة حطان بن عوف منازل
…
كما رقش العنوان في الرق كاتب
وذكر "الأعلم الشنتمري" قبله:
فمن يك أمسى في بلاد مقامه
…
يسائل أطلالا بها ما تجاوب
فلابنة حطان بن عوف منازل
…
كما رقش العنوان في الرق كاتب
وفي جملة أبياتها:
فوارسها من تغلب ابنة وائل
…
حماة كماة ليس فيها أشائب
1 الخزانة "4/ 460"، "بولاق".
2 الشعر والشعراء "1/ 159، 331 وما بعدها"، الحيوان "3/ 135"، شرح النقائض "886".
3 الاشتقاق "2/ 203".
4 الشعر والشعراء "1/ 102"، المفضلية رقم "141، الموشح "44".
وعدتها ما بين ثلاث وعشرين إلى ثلاثين بيتا، حسب اختلاف الروايات1.
و"البرج بن الجلاء بن الطائي" من شعراء طيء، وكان خليلا للحصين بن الحمام ونديمه على الشراب. ذكر أنه وقع على أخت له وهو سكران فافتضها فلما أفاق ندم واستكتم ذلك قومه، ثم إنه وقع بينه وبين الحصين فعيّره بذلك في أبيات، وجرت بينهما الحرب، فأسره "الحصين" ثم منّ عليه لتقدم صداقته، فلحق ببلاد الروم، وقيل بل شرب الخمر صرفا حتى قتلته2.
ومن شعراء "طيء" في الجاهلية: "عمرو بن عمّار" الطائي، وكان شاعرا خطيبا، فبلغ النعمان حسن حديثه فحمله على منادمته، وكان النعمان أحمر العينين والجلد والشعر، شديد العربدة، قتالا للندماء، فنهاه "أبو قردودة" عن منادمته، لكنه لم ينته، فغضب عليه النعمان وقتله، فرثاه "أبو قردودة" بقوله:
إني نهيت ابن عمار وقلت له
…
لا تأمنن أحمر العينين والشعره
إن الملوك متى تنزل بساحتهم
…
تطر بنارك من نيرانهم شرره
يا جفنة كإزاء الحوض قد هدمت
…
ومنطقا مثل وشي اليمنة الحبره3
وأبو "قردودة" الطائي، شاعر، رأى "سعد القرقرة" أكل عند النعمان مسلوخا بعظامه، فقال:
بين النعام وبين الكلب منبته
…
وفي الذئاب له ظئر وأخوال4
وله قصيدة أولها:
كبيشة عرسي تريد الطلاقا
…
وتسألني بعد وهن فراقا5
و"دريد بن الصمة" من سادات "جشم"، ويكنى "أبا قرة"، وهو أحد الفرسان الشجعان المشهورين، وذوي الرأي في الجاهلية، وشهد معركة "حنين"
1 الخزانة "3/ 165"، "بولاق".
2 السيوطي، شرح شواهد "1/ 280 وما بعدها".
3 الحيوان "4/ 243"، "5/ 332"، البيان والتبيين "1/ 222، 349"، المرزباني معجم "236"، محاضرات الراغب الأصبهاني "1/ 92".
4 الحيوان "1/ 147".
5 الحيوان "5/ 463".
مع "هوازن"، وهو شيخ كبير، فقتل مع من قتل من المشركين1. وقيل إنه قال في هذه المعركة:
يا ليتني فيها جذع
…
أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع
…
كأنها شاة صدع
ومن جيد شعره قوله:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
…
فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
فلماعصوني كنت منهم وقد أرى
…
غوايتهم وأنني غير مهتدي
وهل أنا إلا من غزية إن غوت
…
غويت وإن ترشد غزية أرشد
وله أشعار أخرى، ذكر "ابن قتيبة" بعضا منها2.
وأمه "ريحانة" بنت "معدي كرب"، أخت "عمرو بن معدي كرب"3.
وله قصيدة في رثاء "معاوية" أخي الخنساء، مما جاء فيها:
فإن الرزء يوم وقفت أدعو
…
فلم يسمع معاوية بن عمرو
رأيت مكانه فعطفت زورا
…
وأي مكان زور يا ابن بكر
على إرم وأحجار ومير
…
وأغصان من السلمات سمر
وبنيان القبور أتى عليها
…
طوال الدهر من سنة وشهر
ولو أسمعته لأتاك ركضا
…
سريع السعي أو لأتاك يجري
بشكة حازم لا عيب فيه
…
إذا لبس الكماة جلود نمر
فإما تمس في جدث مقيما
…
بمسهكة من الأرواح قفر
فعز عليّ هلكك يا ابن عمرو
…
وما لي عنك من عزم وصبر4
1 الأغاني "9/ 2 وما بعدها"، الخزانة "4/ 442 وما بعدها"، أسماء المغتالين "223"، المعمرون "20"، ابن هشام، سيرة "2/ 429"، المقريزي، إمتاع الأسماع "1/ 402"، عيون الأثر "2/ 188".
2 الشعر والشعراء "2/ 635 وما بعدها"، بروكلمان "1/ 164"، كارلو نالينو "80".
3 السيوطي، شرح شواهد "2/ 938 وما بعدها".
4 الخزانة "4/ 444".
وقد وصف بأنه شجاع فحل: "أول شعراء الفرسان، أول الفرسان الشعراء غزوا وأكثرهم ظفرا وأيمنهم نقيبة عند العرب وأشعرهم"1. غزا نحو مائة غزوة وما أخفق في واحدة منها، وأدرك الإسلام ولم يسلم، وخرج مع قومه يوم حنين مظاهرا للمشركين ولا فضل فيه للحرب، وإنما أخرجوه تيمنا به وليقتبسوا من رأيه، فقتل على شركه. وكان قد رأس قومه: "مالك بن عوف". فلما سأله "دريد" عن خطته في الحرب، سفه رأيه وأشار عليه بالرجوع فخالفه "مالك"، فلما التقوا بالمسلمين حلت الهزيمة بهم. وقتل "دريد"2.
وكان "دريد" فارس بني "غطفان"، وقُتل أخوه "عبد الله"، فقَتَل به "ذوّاب بن أسماء بن زيد بن قارب"، وقال:
قتلت بعبد الله خير لداته
…
ذواب بن أسماء بن زيد بن قارب3
و"عامر بن الطفيل" من "بني عامر بن صعصعة" من الشعراء الذين أدركوا الإسلام، وقد وفد على الرسول، وهو يريد الغدر به، ثم رجع كافرا فمات وهو في طريقه إلى دياره بالطاعون4. ورد في رواية أنه قال للرسول:"تجعل لي نصف ثمار المدينة، وتجعلني ولي الأمر من بعد وأسلم!؟ "5. وهو الذي نافر "علقمة بن علاثة" إلى "هرم بن قطبة" الفزاريّ، حين أهتر عمه عامر بن مالك ملاعب الأسنة.
وكان فارس قيس، أعور عقيما لا يولد له، ولم يعقب، مغرورًا فخورًا بنفسه: ومن شعره قوله:
فإني وإن كنت ابن فارس عامر
…
وسيدها المشهور في كل موكب
1 الخزانة "4/ 446".
2 الخزانة "4/ 446 وما بعدها".
3 الاشتقاق "2/ 178".
4 الطبري "3/ 144"، "وفد بني عامر"، ابن هشام، سيرة "1/ 337 وما بعدها"، "حاشية على الروض الأنف"، الخزانة "1/ 473"، المعمرون "60"، ابن كثير، تأريخ "5/ 56".
5 الشعر والشعراء "1/ 252".
فما سوّدتني عامر عن وراثة
…
أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
ولكنني أحمي حماها وأتقي
…
أذاها وأرمي من رماها بمنكب1
وله شعر يفخر به بقومه قيس عيلان، يجعل الأرض قيس عيلان وحدهم، لهم السهول والحزوم، وقد نال مجدهم آفاق السموات، ولهم الصحو منها والغيوم2.
وكان "عامر" شديدا قويا، يرى لنفسه الزعامة بفضل قبيلته، وبقوة شخصيته، وتذكر بعض الأخبار أنه لما وفد مع "بني عامر"، كان غليظا في كلامه، حتى إن الرسول امتعض منه، وكان يستهين أمر الرسول، ويقول:"لقد كنت آليت ألا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي، أفأتبع أناعقب هذا الفتى من قريش؟ " يقولها لما كانوا يلحون عليه في الدخول في الإسلام، ولما سأل الرسول أن يجعل له ميزة فيتفق معه على أن يكون هو سيد أهل الوبر، وأن يكون الرسول سيد أهل المدر، وأبى الرسول ذلك عليه، خرج من يثرب غاضبا مهددا، قائلا للرسول:"لأملأنهاعليك خيلا جردا، ورجالا مردا، ولأربطن بكل نخلة فرسا"، مما جعل الرسول يدعو الله أن يكفيه شره. وكان الرسول يقول:"والذي نفسي بيده لو أسلم فأسلمت بنو عامر لزاحموا قريشا منابرهم"3.
وبنو عامر بن صعصعة من القبائل القوية، وهي من "هوازن"، وقد كانت منازلها بنجد، وقد ساهمت في حروب عبس وذبيان، فساعدت عبس على ذبيان، ولعب عامر بن صعصعة دورا مهما فيها.
وقد طبع ديوانه، طبعه المستشرق "لايل" في سلسلة "جب" التذكارية سنة "1913" مع ديوان عبيد بن الأبرص4.
ومن شعراء "بني بارق": "معقر بن حمار" البارقي، واسمه "سفيان بن أوس بن حمار"، سُمّي معقرا بقوله:
1 الشعر والشعراء "1/ 253".
2 الشعر والشعراء "1/ 252".
3 الأغاني "15/ 131 وما بعدها".
4 بروكلمان "1/ 117".
له ناهض في الوكر قد مهدت له
…
كما مهدت للبعل حسناء عاقر
وقوم "معقر"، وهم "بارق" من اليمن في الأصل، ينتهي نسبهم بالأزد. وكانوا قد حالفوا "بني نمير بن عامر" لدم أصابوه منهم، وشهدوا يوم "جبلة". وهو يوم كانت فيه وقعة بين "بني ذبيان" و "بني عامر"، فظهرت "بنو عامر" على "بني ذبيان". وكان "معقر" من فرسان قومه ومن شعرائهم يوم "جبلة" وقد حدد ذلك اليوم بوقوعه قبل الإسلام بتسع وخمسين سنة، وبتسعة عشرة سنة قبل المولد النبوي1.
ومن شعره:
الشعرُ لبُّ المرء يعرضه
…
والقول مثل مواضع النبل
منها المقصر عن رميته
…
ونوافذ يذهبن بالخصل2
ومن شعره المشهور:
فألقت عصاها واستقر بها النوى
…
كما قر عينا بالإياب المسافر3
ومن شعراء الجاهلية، شاعر لا نعرف من أمره شيئا يذكر، اسمه:"عمرو بن عبد الجن"4، "عمرو بن عبد الحق"5، وينسب له قوله:
أما ودماء مائرات تخالها
…
على قنة العزى وبالنسر عندما
وما سبح الرهبان في كل بيعة
…
أبيل الأبيلين المسيح بن مريما
1 الخزانة "2/ 290 وما بعدها"، "ومعقر بن أويس" البارقي، كمحدث، شاعر. هكذا نسبه "ابن الكلبي". ويقال هو معقر بن حمار البارقي حليف بني نمير. وبارق هو سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو بن عامر، تاج العروس "3/ 418"، "عقر".
2 الحيوان "3/ 61 وما بعدها".
3 المؤتلف "92"، المرزباني، معجم "204".
4 المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية، للعيني "1/ 500"، "حاشية على الخزانة"، "بولاق"، اللسان "11/ 6 وما بعدها"، "أبل".
5 تاج العروس "7/ 198"، "أبل"، شيخو، النصرانية "2/ 1 ص186".
لقد ذاق منا عامر يوم لعلع
…
حساما إذا ما هز بالكف صمّما1
ومن شعراء "قيس" المجيدين في الجاهلية: "خداش بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة"، قال "أبو عمرو بن العلاء":"خداش بن زهير أشعر في عَظْم الشعر، يعني نَفَس الشعر، من لبيد، إنما كان لبيد صاحب صفات".. وجده "عمرو بن عامر"، يقال له "فارس الضحياء"، والضحياء فرسه. وفيه يقول:
أبي فارس الضحياء عمرو بن عامر
…
أبى الذم واختار الوفاء على الغدر
ومما يتمثل به من شعره قوله:
ولن أكون كمن ألقى رحالته
…
على الحمار وخلّى صهوة الفرس
وقوله:
فإن يكُ أوس حية مستميتة
…
فذرني وأوسا إن رقيته معي2
وذكر أنه كان من الصحابة، وأنه شهد حنينًا مع المشركين، ثم أسلم بعد ذلك. ويرى "المرزباني" أنه جاهلي لم يدرك الإسلام، وأغلب أهل الأخبار على هذا الرأي. وينسب إليه قوله:
يا شدة ما شددنا غير كاذبة
…
على سخينة لولا الليل والحرم
و"سخينة" قريش. وكانت تعير بإكثارها من أكلها السخينة3.
ومن شعره:
فيا راكبا أما عرضت فبلِّغن
…
عقيلا إذا لاقيته وأبا بكر
بأنكم من خير قوم لقومكم
…
على أن قولا في المجالس كالهجر
1 العيني "1/ 500"، واللسان "11/ 6 وما بعدها"، "أبل".
2 الشعر والشعراء "2/ 540"، المؤتلف "107"، السمط "701"، الخزانة "3/ 233""، "4/ 338".
3 الخزانة "3/ 233" الإصابة "1/ 455"، "2327".
دعوا جانبًا إنا سنترك جانبًا
…
لكم واسعا بين اليمامة والظهر1
و"الحصين بن الحمام" المريّ، شاعر جاهلي، وهو من "بني مرة"، يعد من أوفياء العرب2، وهو أحد الشعراء المقلين. "قال أبو عبيدة" واتفقواعلى أن أشعر المقلين في الجاهلية ثلاثة: المتلمس، والمسيب بن علس، والحصين بن حمام المري"3. وقد أدخله بعضهم في الشعراء الجاهليين الذين أدركوا الإسلام.
وقد احتجوا بإسلامه بما نسب إليه من الشعر من قوله:
أعوذ بربي من المخزيات
…
يوم تري النفس أعمالها
وخف الموازين بالكافرين
…
وزلزلت الأرض زلزالها
والأصح أنه جاهلي لم يدرك الإسلام4.
وأما "المفضل بن معشر بن أسحم"، فهو من "نُكرة" من "لكيز"، فضلته قصيدته التي يقال لها "المنصفة"، وأولها:
ألم تَرَ أن جيرتنا استقلوا
…
فنيتنا ونيتهم فريق5
وقد ولع بعض العلماء في وضع تواريخ للشعراء المتقدمين ولغيرهم، تحدد سني ميلادهم وسني وفاتهم، وسني الحوادث التي وقعت في أيامهم والمذكورة في أشعارهم. وهو ولع لا يستند على أسس علمية. لأن أغلب الروايات الواردة عن هؤلاء الشعراء هي غير ثابتة، وقد تتناقض أحيانا، وقد يثبت بطلانها بعد نقدها نقدا علميًّا، ثم إن فيها ما هو موضوع مصنوع ظاهر الصنعة، بيّن التكلف، ولهذا فأنا أحاول جهد إمكاني تجنيب نفسي من توريطها في وضع أرقام تمثل
1 الخزانة "4/ 338".
2 الخزانة "1/ 9"، "بولاق"، الشعر والشعراء "1/ 115"، "2/ 542"، الخزانة "2/ 7"، "3/ 352"، الأغاني "12/ 118"، المؤتلف "91"، السمط "117".
3 الشعر والشعراء "1/ 115".
4 الإصابة "1/ 235"، "1732".
5 ابن سلام، طبقات "70".
مواليد الشعراء الجاهليين أو سني وفاتهم، أو تواريخ الحوادث المذكورة في شعرهم، لعدم إمكانية التثبت من ذلك، بل إني أرى لزوم الابتعاد جهد الإمكان عن وضع التواريخ لسني حكم الملوك ولسني وفاتهم لصعوبة إثبات ذلك، والاكتفاء جهد الإمكان بتقريب أيامهم إلينا بصورة تقريبية. ولهذاالسبب لم أحفل في هذاالفصل بترتيب الشعراء ترتيبا زمنيا على وفق ما ذهب إليه المولعون بتدوين التواريخ بالسنين، إذ أرى صعوبة الأخذ بهذا الرأي في التأريخ.