المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث والستون بعد المائة: شعراء يثرب - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٨

[جواد علي]

الفصل: ‌الفصل الثالث والستون بعد المائة: شعراء يثرب

‌الفصل الثالث والستون بعد المائة: شعراء يثرب

قال "ابن سلام": "شعراؤها الفحول خمسة: ثلاثة من الخزرج واثنان من الأوس. فمن الخزرج، من بني النجار حسان بن ثابت، ومن بني سلمة، كعب بن مالك، ومن بلحارث بن الخزرج: عبد الله بن رواحة، ومن الأوس: قيس بن الخطيم من بني ظفر، وأبو قيس بن الأسلت من بني عمرو بن عوف"1. وهناك شعراء آخرون لكنهم لم يبلغوا مبلغ هؤلاء الشعراء، منهم: "أحيحة بن الجلاح" و "سويد بن الصامت"، و "أبو قيس بن مالك بن الحارث" وآخرون.

ونسبوا لأبي آمنة جد النبي قوله:

وإذا أتيت معاشرا في مجلس

فاختر مجالسهم ولما تقعد

ولكل أمر يستعاد ضراوة

فالصالحات من الأمور تعود2

ويعد "مالك بن العجلان" الخزرجي في جملة شعراء يثرب، ذكر أنه القائل للربيع بن أبي الحقيق اليهودي من أبيات:

إني امرؤ من بني سالم

كريم وأنت امرؤ من يهود

1 طبقات "52".

2 المصون "189".

ص: 285

فأجابه الربيع من أبيات أولها:

أتسفه قيلة أحلامها

وحان بقيلة عثر الجدود1

وفيه يقول الشاعر "عمرو بن امرئ القيس" من بني الحارث بن الخزرج، من شعراء الجاهلية:

يا مال والسيد المعمم قد

يبطره بعد رأيه السرف

نحن بما عندنا وأنت بما عندك

راض والرأي مختلف2

وهو من مشاهير سادة "يثرب"، وله ذكر في نزاع أهل يثرب مع اليهود، وفي حرب "سمير" بين الأوس والخزرج. وهو قاتل" الفطيون"3.

وعمرو بن الإطنابة من شعراء "يثرب"، وهو من الخزرج، وهو شاعر فارسي قديم، خرجت الخزرج معه وخرجت الأوس وأحلافها مع "معاذ بن النعمان" في حرب كانت بين الأوس والخزرج، وذكر أن حسان بن ثابت جعله أشعر الناس، لقوله:

إني من القوم الذين إذا انتدوا

بدأوا بحق الله ثم النائل

المانعين من الخنا جيرانهم

والحاشدين على طعام النازل

والخالطين فقيرهم بغنيهم

والباذلين عطاءهم للسائل

لا يطبعون وهم على أحسابهم

يشفون بالأحلام داء الجاهل

القائلين ولا يعاب خطيبُهم

يوم المقامة بالكلام الفاصل

ومن شعره:

أبت لي عفتي وأبى بلائي

وأخذ الحمد بالثمن الربيح

وإكراهي على المكروه نفسي

وضربي هامة البطل المشيح

1 المرزباني، معجم "256".

2 والشعر يختلط أبياته بأبيات قصيدة أخرى لقيس بن الخطيم، وأخرى لمالك بن العجلان، البيان والتبيين "3/ 100"، جمهرة أشعار العرب "127 وما بعدها"، الجمهرة "122"، ديوان قيس بن الخطيم "16 وما بعدها".

3 الاشتقاق "2/ 270".

ص: 286

ويقال إن معاوية قال: لقد وضعت رجلي في الركاب يوم صفين وهممت بالفرار، فما منعني من ذلك إلا قول "ابن الإطنابة" الشعر المذكور1.

ونسب "أبو الفرج" الأصبهاني إلى "أحيحة بن الجلاح بن الحريش "الجريش؟ " بن جحجبي بن كلفة" الأوسي قوله:

لتبكين قنية ومزمرها

ولتبكيني قهوة وشاربها

ولتبكيني ناقة إذا رحلت

وغاب في سربخ مناكبها

وهي أبيات قبلها:

يشتاق قلبي إلى مليكة لو

أمست قريبا لمن يطالبها

ماأحسن الجيد من مليكة والـ

ـلبات إذ زانها ترائبها

وقد نسبها بعض آخر لعدي بن زيد العبادي، ونسبها بعض آخر لبعض الأنصار2.

و"أحيحة بن الجلاح"، من سادات الأوس. وكان سيدهم في زمانه، وكان شاعرا. وكانت عنده "سلمى بنت عمرو" من بني النجار، وأولاده منها إخوة "عبد المطلب"3 وهو من أصحاب المذهبات.

وقد ذكر "ابن الشجري"، أنه وجد في كتاب لغوي أن الشعر المذكور منسوب إلى "عدي بن زيد"، وقد تصفح نسختين من ديوان عدي فلم يجده فيهما، وإنما وجد له قصيدة على هذا الوزن وهذه القافية أولها:

لم أر مثل الأقوام في غبن ال

أيام ينسون ما عواقبها

وذكر "البغدادي" أن "الأصبهاني" اقتبسه في "الأغاني" لأحيحة5.

وقد ذكر أهل الأخبار أن "أحيحة" كان في أيام التبع "أبو كرب بن حسان بن تبع بن أسعد" الحميري، وأن هذاالتبع لما عاد من العراق يريد

1 المرزباني، معجم "8 وما بعدها".

2 السيوطي، شرح شواهد "1/ 417".

3 الاشتقاق "262".

4 الأغاني "13/ 119"، زيدان، تأريخ آداب اللغة العربية "1/ 149".

5 الخزانة "2/ 20 وما بعدها".

ص: 287

"يثرب" لقتل أهلها ابنا له بها، وهو مجمع على خرابها وقطع نخلها واستئصال أهلها وسبي الذرية، نزل بسفح "أحد" فاحتفر بها بئرا، عرفت بـ "بئر الملك"، ثم أرسل إلى أشرافها ليأتوه، فكان ممن أتاه "زيد بن ضبيعة" وابن عمه "زيد بن أمية بن عبيد"، وكانوا يسمون "الأزياد"، و"أحيحة بن الجلاح: فلما جاء رسول التبع، ذهب الأزياد إليه، وكان "أحيحة" له تابع من الجن أخبره أنه يريد قتلهم جميعا، وكان لا يقول إلا صوابا، فلما قابل التبع تحدث معه عن أمواله وعن أموال المدينة، ثم خرج من عنده ودخل خباءه، وكان "تبع" قد أوكل حراسا به، فشرب وقرض أبياتا مطلعها:

يشتاق قلبي إلى مليكة

أمسي قريبا لمن يطالبها

وأمر قينته أن تغنيه حتى استغفل الحرس، ففر منهم إلى أطمة "الضحيان"، وقيل "المستظل"، فجرد الملك كتيبة عليه، ثم حاصر المدينة، فلم يتمكن منها، إذ اعتصم أهلها من الأوس والخزرج واليهود بأطمهم، ثم أقنعه "حبران" من أحبار يهود بكف الحصار عنها، فرجع1.

وكان "أحيحة" سيد الأوس في الجاهلية، وكان كثير المال شحيحا عليه يبيع بيع الربا بالمدينة، حتى كاد يحيط بأموالهم، وكان له تسع وتسعون بعيرا كلها ينطح عليه، وكان له أطمان، أطم في قومه يقال له "المستظل"، وأطم يقال له "الضحيان" بالعصبة في أرضه التي يقال لها الغابة، بناه بحجارة سود، ويزعمون أنه لما بناه هو وغلام له أشرف، ثم قال: لقد بنيت حصنا حصينا ما بنى مثله رجل من العرب أمنع منه، ولقد عرفت موضع حجر منه لو نزع وقع جميعا. فقال غلامه: أنا أعرفه قال: فأرنيه يا بني؟ قال: هو ذا، وصرف إليه رأسه. فلما رأى أحيحة أنه قد عرفه دفعه من رأس الأطم، فوقع على رأسه فمات2. وهي قصة تشبه قصة "سنمار"، ولها شبه عند اليونان. ويذكرون أنه لما بناه قال:

بنيت بعد مستظل ضاحيا

بنيته بعصبة من ماليا

1 الخزانة "2/ 21 وما بعدها"، "بولاق"، الأغاني "13/ 119".

2 الخزانة "2/ 23"، "بولاق".

ص: 288

للستر مما يتبع القواضيا

أخشى ركيبا أو رجيلا غاديا1

وينسب لأحيحة قوله:

استغن أو مت ولا يغررك ذو نشب

من ابن عم ولا عم ولا خال

إني مقيم على الزوراء أعمرها

إن الحبيب إلى الأخوان ذو المال

وقوله:

وما يدري الفقير متى غناه

ولا يدري الغني متى يعيل2

و"سويد بن صامت" أخو "عمرو بن عوف" من الأوس ومن "الكملة" ومن الأشراف أصحاب النسب، ومن الشعراء. وكانت له أشعار كثيرة. وهو الذي ذهب إليه النبي يوم قدم مكة حاجا أو معتمرا ليدعوه إلى الإسلام، فلما كلمه النبي قال له "سويد" فلعل الذي معك مثل الذي معي! فقال رسول الله وما الذي معك؟ قال: مجلة لقمان. فقال له رسول الله: اعرضها علي! فعرضها عليه، فقال: إن هذا لكلام حسن والذي معي أفضل من هذا: قرآن أنزله الله تعالى عليّ، هو هدى ونور. فتلا عليه رسول الله القرآن ودعاه إلى الإسلام، فلم يبعد منه. وقال: إن هذا لقول حسن، ثم انصرف عنه. فقدم المدينة على قومه، فلم يلبث أن قتله الخزرج3. ويشك في إسلامه4.

و"أبو قيس بن الأسلت""أبو قيس بن عامر بن جشم" و "عامر" هو الأسلت، شاعر من الأوس. اختلف في اسمه، فقيل "صيفي" وقيل "الحرث""الحارث"، وقيل "عبد الله"، وقيل "صرمة"، واختلف في إسلامه.

ذكر أنه كان يدعى "الحنيف" لتحنفه ولم يكن أحد من الأوس والخزرج أوصف لدين الحنيفية ولا أكثر مسألة عنها منه. وكان يسأل من اليهود عن دينهم،

1 الخزانة "2/ 23"، "بولاق".

2 بلوغ الأرب "3/ 127".

3 الروض الأنف "1/ 265 وما بعدها"، ابن هشام، سيرة "1/ 265 وما بعدها"، "حاشية على الروض"، الأغاني "2/ 169".

4 الإصابة "2/ 132"، "رقم 3818"، الاستيعاب "2/ 593"، رسالة الغفران "137".

ص: 289

فكان يقاربهم، ثم خرج إلى الشام فنزل على "آل جفنة" فأكرموه ووصلوه، وسأل الرهبان والأحبار، فدعوه إلى دينهم فامتنع، ثم خرج إلى مكة معتمرا، فبلغ "زيد بن عمرو بن نفيل" فكلمه، فكان يقول:"ليس أحد على دين إبراهيم إلا أنا وزيد بن عمرو بن نفيل" ولما قدم النبي إلى المدينة جاء إليه فقال: إلام تدعو؟ فذكر له شرائع الإسلام. فقال: ما أحسن هذا وأجمله! فلقيه "عبد الله بن أبي بن سلول"، فقال: لقد لذت من حزبنا كل ملاذ، تارة تحالف قريشا، وتارة تتبع محمدا. فقال: لا جرم لأتبعنه إلى آخر الناس. وقد اختلف في إسلامه، والأغلب أنه لم يسلم1. وذكر أنه كاد أن يسلم، لما اجتمع برسول الله، ولكن كلام "عبد الله بن أبي" أثر عليه، فقال: والله لا أسلم سنة. ثم انصرف إلى منزله، حتى مات قبل الحول، وذلك في ذي الحجة على رأس عشرة أشهر من الهجرة2.

وفي سيرة "ابن هشام" قصيدة نسبت إلى "أبي قيس بن الأسلت" زعم أنه وجهها لقريش ينهى فيها عن الحرب ويأمرهم بالكف بعضهم عن بعض، ويذكر فضلهم وأحلامهم، ويأمرهم بالكف عن رسول الله، ويذكرهم بلاء الله عندهم ودفعه عنهم الغيل وكيده عنهم. وأول القصيدة:

يا راكبا أما عرضت فبلغن

مغلغلة عني لؤي بن غالب

رسول امرئ قد راعه ذات بينكم

على النائي مخزون بذلك ناصب3

وهو من أصحاب المذهبات، ومطلع مذهبته:

قالت ولم تقصد لقول الخنى

مهلا فقد أبلغت أسماعي4

ونسب له قوله:

ولو شا ربنا كنا يهودا

وما دين اليهود بذي شكول

1 الإصابة "4/ 160 وما بعدها"، "رقم 944"، الاستيعاب "4/ 159 وما بعدها"، "حاشية على الإصابة"، ابن سلام، طبقات "56".

2 ابن سعد، طبقات "4/ 385".

3 سيرة ابن هشام "1/ 180"، "حاشية على الروض".

4 الأغاني "15/ 160"، الجمهرة "126"، زيدان، تأريخ آداب اللغة العربية "1/ 139".

ص: 290

ولو شا ربنا كنا نصارى

مع الرهبان في جبل الجليل

ولكنا خلقنا إذ خلقنا

حنيفا ديننا عن كل جيل

نسوق الهدي ترسف مذعنات

تكشف عن مناكبها الجلول1

وكان "أبو قيس بن الأسلت" الأنصاري يهاجي "حسان بن ثابت". وهو من الأوس، وحسان من الخزرج، فكانا يتهاجيان. وكان بين الحيين هجاء، فكان شعراء كل حي، يهاجون شعراء الحي الثاني، عصبية، لما كان بينهما من تحاسد وتنافر2.

والأسلت لقب "عامر بن جشم بن وائل بن يزيد" والد الشاعر المتقدم من الأوس، وهو شاعر من شعراء الجاهلية، وكانت الأوس قد أسندت أمرها في يوم "بعاث" إلى "أبي قيس بن الأسلت"، فقام في حربهم وآثرها على كل أمر آخر، حتى أنهكته وشحب لونه. وقال "ابن حجر" إن اسم "أبي قيس ابن الأسلت""صيفي"، وقيل "الحارث"، وقيل "عبد الله"، وقيل "صرفة"، وقيل غير ذلك. واختلف في إسلامه. فمنهم من صيره مسلما، وجعله في عداد الصحابة، ومنهم من جعله متألها حنيفا على دين إبراهيم، وكان يقول: ليس أحد على دين إبراهيم إلا أنا وزيد بن عمرو بن نفيل، ومنهم من زعم أنه قال: والله لا أسلم إلى سنة، فمات قبل الحول على رأس عشرة أشهر من الهجرة بشهرين، وذكر أنه هرب إلى مكة فأقام بها مع قريش إلى عام الفتح3. وللعصبية دور في هذه الروايات، ترد في رجال آخرين من أهل يثرب ومن أهل مكة، تقدم روايات منها رجالا في الإسلام، وتؤخرهم أخرى، وتنفي عنهم بعضها الدخول في دين الله، لما لهذا التأخير أو التقديم، أو البقاء على الشرك من أهمية كبيرة بالنسبة لهم في ذلك الوقت.

وذكر أن "أبا قيس بن الأسلت" كان يعدل بـ "قيس بن الخطيم" في الشجاعة والشعر4. وقيس بن الخطيم، شاعر فارس من الأوس. معدود من

1 ابن سعد، طبقات "4/ 385".

2 الخزانة "4/ 68"، "بولاق".

3 الخزانة "2/ 47 وما بعدها"، "بولاق".

4 الإصابة "4/ 161"، "رقم 944"، "واسم الأسلت عامر فهو لقب له"، تاج العروس "1/ 544"، "سلت".

ص: 291

أصحاب "المذهبات". وتبدأ مذهبته بقوله:

أتعرف رسما كاطراد المذاهب

لعمرة وحشا غير موقف راكب

وكان يلاحي الخزرج، قتل أبوه وهو صغير. قتله رجل من الخزرج، وعلم أن جده قتله رجل من "عبد القيس" فتعقب القاتلَين، حتى ظفر بقاتل والده بيثرب، وظفر بقاتل جده بذي المجاز فقتله1. أدرك الإسلام، ولكنه لم يسلم. ذكر أنه قدم على النبي بمكة قبل الهجرة، فعرض النبي عليه الإسلام، فقال: إني لأعلم أن الذي تأمرني به خير مما تأمرني به نفسي، وفيها بقية من ذاك، فاذهب فاستمتع من النساء والخمر وتقدم بلدنا فأتبعك. فقتل قبل أن يتبعه. أصابه سهم وهو راكب أمام أطم لرجل من الخزرج2.

وهو الذي يقول في حرب كانت بينهم وبين الخزرج:

قد حصت البيضة رأسي فما

أطعم نوما غير تهجاع

أسعى على جل بني ملك

كل امرئ في أمره ساعي3

وذكر "المرزباني" أن قيس بن الخطيم، شاعر مجيد فحل، من الناس من يفضله على حسان شعرا. وقال حسان: إنا إذا نافرتنا العرب فأردنا أن نخرج الحبرات من شعرنا أتينا بشعر قيس بن الخطيم4. وله ديوان مطبوع5. وهو الذي يقول في يوم بعاث:

أتعرف رسما كاطراد المذاهب

لعمرة قفر غير موقف راكب

وله أشعار جيدة أخرى6.

1 الاشتقاق "264"، الأغاني "2/ 159 وما بعدها"، الخزانة "3/ 168"، المرزباني، معجم "196".

2 المرزباني، معجم "196"، ديوان الحماسة "3/ 104"، بروكلمان تأريخ الأدب العربي "1/ 114 وما بعدها".

3 ابن سلام، طبقات "56".

4 المرزباني، معجم "196"، ابن سلام، طبقات "56".

5 بروكلمان، تأريخ الأدب العربي "1/ 115".

6 ابن سلام، طبقات "56 وما بعدها".

ص: 292

وذكر أنه كان مقيما على شركه، وأسلمت امرأته، وكان يقال لها "حواء"، وكان يصدها عن الإسلام، ويعبث بها، وكان رسول الله وهو بمكة قبل الهجرة يخبر عن أمور الأنصار، وعن حالهم فأخبر بإسلامها وبما تلقى من قيس، فلما كان الموسم، وحضر مكة، أتاه النبي في مضربه، فلما رأى النبي رحب به وأعظمه، فأخبره النبي بما تلاقي امرأته منه بسبب إسلامها، وقال له: أحب أن لا تعرض لها، فكف عن أذاها1، ويقال إن النبي دعاه إلى الإسلام وتلا عليه القرآن، فقال: إني لأسمع كلاما عجبا فدعني أنظر في أمري هذه السنة ثم أعود إليك فمات قبل الحول2.

وذكر أنه كان سيدا شاعرا، فلما هدأت حرب الأنصار، تذاكرت الخزرج قيس بن الخطيم ونكايته، فتذامروا وتواعدوا قتله، فلما مر بأطم "بني حارثة"، رمي بثلاثة أسهم، فصاح صيحة أسمعها رهطه، فجاءوه فحملوه إلى منزله، فلم يروا له كفوا إلا "أبو صعصعة بن زيد" النجاري، فاندس إليه رجل حتي اغتاله في منزله فضرب عنقه، وجاء برأسه، ووضعه أمام "قيس" وكان به رمق، فما لبث أن مات3.

وله قصيدة متينة، قالها حين ظفر بقاتل أبيه وقاتل جده، فقتلهما، من أبياتها:

طعنتُ ابن عبد القيس طعنة ثائر

لها نفذ لولا الشعاع أضاءها

ملكت بها كفيّ فانهر فتقها

يرى قائم من دونها ما وراءها

يهون علي أن ترد جراحها

عيون الأواسي إذا حمدت بلاءها

وكنت امرأ لا أسمع الدهر سبة

أسب بها إلا كشفت غطاءها

فإني في الحرب الضروس موكل

بإقدام نفس ما أريد بقاءها

متى يأت هذا الموت لا تلف حاجة

لنفسي إلا قد قضيت قضاءها

ثأرت عديا والخطيم فلم أضع

ولاية أشياخ جعلت إزاءها4

1 ابن سلام، طبقات "57".

2 الإصابة "3/ 266"، "رقم 7350".

3 أسماء المغتالين، "المجموعة السابعة من نوادر المخطوطات"، "274".

4 حماسة أبو تمام "1/ 94 وما بعدها"، "بولاق"، الأغاني "2/ 60"، ديوانه "3 وما بعدها"، "طبعة لايبزك 1914".

ص: 293

وله غزل، نابع من غزل أهل الحضر، تغزل فيه بعمرة بنت رواحة1.

و"أبو قيس""مالك بن الحارث"، وقيل "صرمة بن أبي أنس بن مالك" من بني النجار، شاعر كذلك. كان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وفارق الأوثان واغتسل من الجنابة، وهم بالنصرانية ثم أمسك عنها، ودخل بيتا فاتخذه مسجدا لا يدخل عليه طامث ولا جنب. وقال: أعبد رب إبراهيم، فلما قدم الرسول يثرب أسلم فحسن إسلامه، وهو شيخ كبير. وكان قوالا بالحق معظما له. يقول في الجاهلية أشعارا حسانا. وقد ذكر "ابن إسحاق" أشعارا له، في الوصايا، وفيها حث على مكارم الأخلاق والأمر بالمعروف وفي إنصاف الأيتام وغير ذلك من شعر المواعظ2.

ومن شعراء يثرب: "عمرو بن امرئ القيس"، الذي سبق أن ذكرته، وهو جد "عبد الله بن رواحة" وهو شاعر خزرجي جاهلي. وله شعر في القتال الذي وقع بين الأوس والخزرج بسب "سمير" الذي عدا على "بجير" مولى "مالك بن العجلان" فقتله، فوقعت الحرب من أجل ذلك بين الحيين، فحكموا "عمرو بن امرئ القيس"، فحكم بدية المولى لمالك، فلما رفض الحكم هاجت الحرب. فلما طالت حكموا فيها "ثابت بن المنذر" والد حسان وبذلك انتهى النزاع3.

وحسان بن ثابت من المخضرمين، من شعراء الخزرج، واسمه حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام. وهو شاعر رسول الله وشاعر الإسلام. وأمه "الفريعة" بنت "خالد بن حبيش بن لوذان". وهي من الخزرج أيضا. أدركت الإسلام أيضا فأسلمت، وقيل هي أخت "خالد" لا ابنته، ويكنى "أبا الوليد"، وأبا المضرب، وأبا الحسام، وأبا عبد الرحمن. "قال أبو عبيدة: فضل حسان بن ثابت على الشعراء بثلاث: كان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي صلى الله عليه وسلم في أيام النبوة، وشاعر اليمن كلها في الإسلام. وكان مع

1 كارلو نالينو "93".

2 الاستيعاب "4/ 157 وما بعدها"، "حاشية على الإصابة"، الإصابة "2/ 179"، "رقم 4061".

3 الخزانة "2/ 188 وما بعدها"، "بولاق".

ص: 294

ذلك جبانا"1. ولم يشهد مع النبي مشهدا لأنه كان يجبن2. وذكر أنه كان لسنا شجاعا، فأصابته علة أحدثت فيه الجبن، فكان بعد ذلك لا يقدر أن ينظر إلى قتال ولا يشهده3. وروي عن "أبي عبيدة" قوله: "اجتمعت العرب على أن أشعر أهل المدر يثرب، ثم عبد القيس، ثم ثقيف. وعلى أن أشعر أهل المدر حسان بن ثابت". "وقال الأصمعي: حسان بن ثابت أحد فحول الشعراء. فقال له أبو حاتم: تأتي له أشعار لينة. فقال الأصمعي: تنسب له أشياء لا تصح عنه"4.

وورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس شعر حسان بن ثابت، ولا كعب بن مالك، ولا عبد الله بن رواحة شعرا، ولكنه حكمة"5. وذكر أن "الحارث المري"، قال للنبي: "إني أعوذ بالله وبك من هذا، إن شعر هذا لو مزج بماء البحر لمزجه". وكان حسان قد رآه جالسا مع الرسول، فقال فيه شعرا مطلعه:

يا حار من يغدر بذمة جاره

منكم فإن محمدا لا يغدر6

ويروى أنه كان إذا عالج شعرا، وعصى عليه، ثم أحكمه وأعجبه، طرب به وربما صاح من الطرب ومن فرحة الانتهاء من الشعر. قال أحدهم: "سمعت حسان بن ثابت في جوف الليل وهو ينوه بأسمائه ويقول: أنا حسان بن ثابت، أنا ابن الفريعة، أنا الحسام، فلما أصبحت غدوت عليه فقلت له: سمعتك البارحة تنوه بأسمائك، فما الذي أعجبك؟ قال: عالجت بيتا من الشعر، فلما أحكمته نوهت بأسمائي! فقلت وما البيت؟ قال: قلت:

1 الإصابة "1/ 325"، "رقم 1704"، السيوطي، شرح شواهد "1/ 334"، المحاسن والأضداد "48".

2 الشعر والشعراء "264"، السيوطي، شرح شواهد "1/ 333"، "بغداد 1968".

3 السيوطي، شرح شواهد "1/ 334".

4 الاستيعاب "1/ 338"، السيوطي، شرح شواهد "1/ 334"، الأغاني "4/ 134"، المؤتلف "89"، المرزباني، معجم "401".

5 المصدر نفسه "1/ 335".

6 السيوطي، شرح شواهد "1/ 335".

ص: 295

وإن امرأ يمسي ويصبح سالما

من الناس إلا ما جنى لسعيد1

وروي أيضا أنه قام من جوف الليل فصاح: يا آل الخزرج، فجاءوه وقد فزعوا، فقالوا: مالك؟ قال: بيت قلته فخشيت أن أموت قبل أن أصبح فيذهب ضيعة خذوه عني، قالوا: وما قلت؟ قال: قلت:

رب حلم أضاعه عدم المال

وجهل غطى عليه النعيم2

وقد حمل على "حسان" شعر كثير، بسبب تحامله على قريش، فأرادت قريش النكاية به، فوضعت شعرا على لسانه ليحط من مكانته. قال "ابن سلام":"وأشعرهم حسان بن ثابت، هو كثير الشعر جيده. وقد حمل عليه ما لم يحمل على أحد. لما تعاضهت قريش واستبت وضعوا عليه أشعار كثيرا لا تليق به"3.

وأكثر علماء الشعر أن شعر "حسان" في الجاهلية أقوى منه في الإسلام، قال "الأصمعي":"الشعر نكد يقوى في الشر ويسهل، فإذا دخل في الخير ضعف ولان. هذا حسان فحل من فحول الجاهلية، فلما جاء الإسلام سقط شعره. وقال مرة أخرى: شعر حسان في الجاهلية من أجود الشعر. وقيل لحسان لان شعرك أو هرم في الإسلام يا أبا الحسام! فقال للقائل: يا ابن أخي إن الإسلام يحجز عن الكذب، أو يمنع من الكذب، وإن الشعر يزينه الكذب، يعني أن شأن التجويد في الشعر الإفراط في الوصف والتزيين بغير الحق وذلك كله كذب"4.

وقال "الثعالبي": "من عجائب أمر حسان أنه كان رضي الله عنه يقول الشعر في الجاهلية فيجيد جدا ويغبر في نواصي الفحول ويدعي أن له شيطانا يقول الشعر على لسانه كعادة الشعراء في ذلك

فلما أدرك الإسلام وتبدل الشيطان الملك تراجع شعره وكاد يرك قوله، ليعلم أن الشيطان أصلح للشاعر وأليق به وأذهب في طريقه من الملك"5. وما قوة شعر "حسان" في الجاهلية، إلا بسبب قوة شبابه

1 السيوطي، شرح شواهد "1/ 335 وما بعدها".

2 السيوطي، شرح شواهد "1/ 336".

3 طبقات "52".

4 الاستيعاب "1/ 338 وما بعدها"، أسد الغابة "2/ 5"، الشعر والشعراء "1/ 224"، بروكلمان "1/ 153".

5 خاص الخاص "80"، الموشح، للمرزباني "65".

ص: 296

آنذاك، واندفاعه على الشراب وسماع القيان، فلما كبر وشاخ، وذهبت قوة شبابه، وامتنع من الشرب بسبب تحريم الإسلام له، لم تبق له قريحة الشباب، واندفاع ذلك الوقت، فضعف شعره لذلك، وللسن دخل في حيوية الإنسان وفي نتاجه العقلي، ومنه الشعر.

ونسب إلى "الحطيئة" قوله: "أبلغوا الأنصار أن شاعرهم أشعر العرب حيث يقول:

يغشون حتى ما تهر كلابهم

لا يسألون عن السواد المقبل

وقال عبد الملك بن مروان: أمدح بيت قالته العرب بيت حسان هذا"1. وكان حسان قد أدرك النابغة وأنشده، وأنشد الأعشى، وكلاهما قال له إنك شاعر2. وله حديث مع النابغة.

وُصِف بأنه كان صاحب لسان طويل، "وكان يضرب بلسانه روثة أنفه، من طوله، ويقول، ما يسرني به مقول أحد من العرب، والله لو وضعته على شعر لحلقه، أو على صخر لفلقه"3. وكانت له ناصية يسدلها بين عينيه4.

وكان أبو "ثابت بن المنذر" من سادة قومه وأشرافهم، وكان "المنذر" الحاكم بن الأوس والخزرج في يوم "سميحة"، وكانوا حكموا في دمائهم يومئذ "مالك بن العجلان بن سالم بن عوف"، فتعدى في مولى له قتل يومئذ، وقال: لا آخذ إلا دية الصريح، فأبوا أن يرضوا بحكمه، فحكموا "المنذر بن حرام". فحكم بأن أهدر دماء قومه الخزرج، واحتمل دماء الأوس5.

وكان حسان في أول أيامه يتنقل في الأرض طلبا للمال والعطايا والهبات، فكان يراجع ملوك الحيرة، ويعاود آل غسان وكان هواه مع الغساسنة أقوى منه مع آل لخم، حتى إنه كان يذكرهم بخير ويمدحهم وهو في الإسلام. وقد أكرموه كثيرا، وأنعموا عليه أكثر مما أنعم ملوك الحيرة عليه. والظاهر أن لبعد الشقة

1 الاستيعاب "1/ 339".

2 الاستيعاب "1/ 342".

3 الشعر والشعراء "1/ 223"، الفائق "1/ 512".

4 الشعر والشعراء "1/ 223".

5 ابن سلام، طبقات "52".

ص: 297

التي تفصل يثرب عن الحيرة، ولكثرة ما كان يفد من الشعراء على آل لخم، وفيهم من هو أشعر من حسان، وأكثر منه مكانة في الشعر بين العرب، دخل في انصرافه إلى مدح آل غسان وذهابه في الأكثر إليهم طلبا للمال في مقابل مدحه لهم.

ويروى عن "حسان" أن السعالى نصحته بمدارسة الشعر، فقد روي عنه أنه قال:"خرجت أريد عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغساني، فلما كنت في بعض الطريق وقفت على السعلاة صاحبة النابغة، وأخت المعلاة صاحبة "علقمة بن عبدة"، فقالت وإني مقترحة عليك بيتا، فإن أنت أجزته شفعت لك إلى أختي، وإن لم تجزه قتلتك. فقلت هات. فقالت:

إذا ما ترعرع فينا الغلام

فما إن يقال هل من هوه

قالك فتبعتها من ساعتي، فقلت:

فن لم يسد قبل شد الإزار

فذلك فينا الذي لا هوه

ولي صاحب من بني الشييصبان

فحينا أقول وحينا هوه

فقالت: أولى لك، نجوت، فاسمع مقالتي واحفظها عليك بمدارسة الشعر، فإنه أشرف الآداب وأكرمها وأنورها، به يسخو الرجل، وبه يتظرف، وبه يجالس الملوك، وبه يخدم، وبتركه يتصنع. ثم قالت: إنك إذا وردت على الملك وجدت عنده النابغة، وسأصرف عنك معرته، وعلقمة بن عبدة، وسأكلم المعلاة حتى ترد عنك سورته. قال حسان فقدمت على عمرو بن الحارث فاعتاض عليّ الوصول إليه فقلت للحاجب، بعد مدة: إن أذنت لي عليه، وإلا هجوت اليمن كلها. ثم انتقلت عنها. فأذن لي عليه، فلما وقفت بين يديه وجدت النابغة جالسا عن يمينه، وعلقمة جالسا عن يساره، فقال لي: يا ابن الفريعة، قد عرفت عيصك ونسبك في غسان، فارجع فإني باعث إليك بصلة سنية، ولا أحتاج إلى الشعر، فإني أخاف عليك هذين السبعين أن يفضحاك، وفضيحتك فضيحتي، وأنت اليوم لا تحسن أن تقول:

رقاق النعال طيب حجزاتهم

يحيّون بالريحان يوم السباسب

فقلت: لا بد منه. فقال: ذاك إلى عميك فقلت: أسألكما بحق الملك،

ص: 298

الجواب: إلا ما قدمتناني عليكما؟ فقالا: قد فعلنا، هات، فأنشأت أقول والقلب وجل:

أسألت رسم الدار أم لم تسأل

بين الجوابي فالبضيع فحومل

حتى أتيت على آخرها. فلم يزل عمرو بن الحارث يزحل عن مجلسه سرورا حتى شاطر البيت، وهو يقول: هذه والله البتارة التي قد بترت المدائح، هذا وأبيك الشعر، لا ما تعلّلاني به منذ اليوم. يا غلام ألف دينار مرجوحة، فأعطيت ألف دينار، في كل دينار عشرة دنانير. ثم قال: لك علي مثلها في كل سنة. ثم أقبل النابغة فقال: قم يا زياد بني ذبيان فهات الثناء المسجوع، فقام النابغة فقال:

ألا انعم صباحا أيها الملك المبارك، السماء غطاؤك، والأرض وطاؤك، ووالدي فداؤك، والعرب وقاؤك، والعجم حماؤك، والحكماء وزراؤك، والعلماء جلساؤك، والمقاول سُمّارك، والعقل شعارك، والحلم دثارك، والصدق رداؤك، واليُمن حذاؤك، والبر فراشك، وأشرف الآباء آباؤك، وأطهر الأمهات أمهاتك، وأفخر الشبان أبناؤك، وأعف النساء حلائلك، وأعلى البنيات بنياتك، وأكرم الأجداد أجدادك، وأفضل الأخوال أخوالك، وأنزه الحدائق حدائقك، وأعذب المياه مياهك، وحالف الاضريح عاتقك، ولاءم المسك مسكك، وجاور العنبر تراتبك، العسجد قواريرك، واللجين صحائفك، والشهد إدامك، والخرطوم شرابك، والأبكار مستراحك، والعبير بنواسك، والخير بفنائك، والشر في ساحة أعدائك، والذهب عطاؤك، وألف دينار مرجوحة إيماؤك، وألف دينار مرهوجة إيتاؤك، والنصر منوط بلوائك، زين قولك فعلك، وطحطح عدوك غضبك، وهزم مقانبهم مشهدك. وسار في الناس عدلك، وسكَّن تباريح البلاد ظفرك. أيفاخرك ابن المنذر اللخمي؟ فوالله لقفاك خير من وجهه، ولشمالك خير من يمينه، ولصمتك خير من كلامه. ولأمك خير من أبيه، ولخدمك خير من علية قومه. فهب لي أساري قومي، واسترهن بذلك شكري، فإنك من أشراف قحطان وأنا من سروات عدنان.

فرفع عمرو بن الحارث رأسه إلى جارية كانت على رأسه قائمة، فقال:

ص: 299

مثل ابن الفريعة فليمدح الملوك، ومثل ابن زياد فليثن على الملوك"1. وهكذا دبج أهل الأخبار هذا الثناء في كتبهم، وكأن رواتهم قد سجلوه ساعة وقوعه على شريط مسجل.

وتعد قصيدة "حسان":

أسألت رسم الدار أم لم تسأل

بين الجوابي فالبضيع فحومل

من جيد شعره، وأشهر قصائده، فهي لينة الألفاظ أسهل فهما من قصائد شعراء الصنف الأول، وفيها من المديح ما يليق بملوك أهل المدر، المتمتعين بأنواع الترف والرفاهية، ثم إن إطناب الشاعر في وصف الخمر يبعد عن أسلوب شعراء أهل البادية، كما يبعد عنه أيضا الافتخار بقومه المقصور في بلاغة خطابهم ووفدهم على أبواب الملوك. وقد أبدع فيها في وصف معيشة ملوك غسان، وفي حياتهم الحضرية التي كانوا يحيونها، كما افتخر فيها بعشيرته الخزرج2.

وخير شعر حسان هو ما قيل في مدح ملوك غسان. وكان هواه فيهم، وكانوا هم يغدقون عليه العطايا والأموال، ولا يؤخرونه من الدخول إلى مجالسهم، ويؤثرونه بالمودة، فخصص جيد شعره بهم. وقد مدح ملوك الحيرة أيضا، غير أن مدحه لهم، هو دون مدحه لمنافسيهم الغساسنة، الذين كان يكثر التردد عليهم، على حين لم يكن يقصد المناذرة إلا لحاجة شديدة ولطلب. ولعل ذلك بسبب بعد الحيرة عن يثرب، وكثرة ذهاب الشعراء إلى ملوك الحيرة، واستدراج هؤلاء الملوك للشعراء وإغداقهم عليهم، للاستفادة منهم في نشر الدعاية لهم بين الأعراب.

ومن جيد شعره في ملوك الغساسنة قوله:

أولاد جفنة حول قبر أبيهم

قبر ابن مارية الكريم المفضل

يسقون مَنْ ورد البريص عليهم

بَرَدَى يصفق بالرحيل السلسل

يغشون حتى ما تهر كلابهم

لا يسألون عن السواد المقبل

1 الأغاني "15/ 123 وما بعدها"، السيوطي، شرح شواهد "1/ 379 وما بعدها".

2 كارلو نالينو "87 وما بعدها".

ص: 300

وابن مارية هو الحارث الأعرج بن أبي شمر الغساني، وكان أثيرا عندهم، ولذلك يقول:

قد أراني هناك حق مكين

عند ذي التاج مقعدي ومكاني1

وذلك أنه دخل يوما على "جبلة بن الأيهم" الغساني، فأذن له، فجلس بين يديه وعن يمينه رجل له ضفيرتان، وعن يساره رجل، وكان الأول هو النابغة، وكان الثاني، هو "علقمة بن عبدة" فاستنشهدهم جبلة، فأنشد النابغة قوله:

كليني لهم يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب

قال حسان فذهب نصفي. ثم قال لعلقمة أنشد، فأنشد:

طحا بك قلب في الحسان طروب

بعيد الشباب عصر حان مشيب

قال حسان، فذهب نصفي الآخر. ثم قال "جبلة" لحسان، أنت أعلم الآن إن شئت سكت، وإن شئت أنشدت، فأنشد:

أبناء جفنة عند قبر أبيهم

قبر ابن مارية الجواد المفضل

يسقون من ورد البريص عليهم

كأسا تصفق بالرحيل السلسل

فأدناه منه، ثم أمر له بثلاثمائة دينار وعشرة أقمصة لها جيب واحد. وقال: هذا لك عندنا في كل عام. وذكر "أبو عمرو الشيباني" هذه القصة لحسان مع "عمرو بن الحارث" الأعرج2. ونجد الرواة يختلفون في مثل هذه القصص، بسبب ركونهم إلى رواة مختلفين، لم يدونوا الأخبار وإنما سمعوها سماعا، وأكثرها من المخترعات.

1 الشعر والشعراء "1/ 224".

2 الخزانة "2/ 240 وما بعدها"، "بولاق".

ص: 301

عرف بـ "فارع"1. وكان الرسول إذا خرج لغزوة أو معركة أودع أهله حصن حسان، لأنه كان حصنا حصينا. وتذكر "صفية بن عبد المطلب"، أن "حسان" كان في حصنه مع النساء والصبيان فمر يهودي به، وجعل يطيف حوله، فقالت "صفية" لحسان إن هذا اليهودي لا آمنه أن يدل على عوراتنا فانزل إليه فاقتله! فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، فنزلت صفية وأخذت عمودا وقتلت اليهودي. فقالت: يا حسان انزل فاسلبه! فقال ما لي بسلبه من حاجة يا ابنة عبد المطلب2. وقد دفع بعض العلماء الجبن عن حسان، بحجة أنه لو كان جبانا على نحو ما يقولون لما سكت عن تعييره به خصومه ممن كان يهاجيهم كضرار وابن الزبعرى، وعللوا عدم نزوله من حصنه لقتل اليهودي بحجة أنه كان معتلا في ذلك اليوم. وأنكر بعضهم أن يكون هذا الخبر صحيحا3. على كلٍ، صح هذا الخبر أم لم يصح فإنا لا نجد لحسان ذكرا في مغازي الرسول ولا في سراياه. بل نجد العلماء مجمعين على أنه "لم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهدا، لأنه كان جبانا"4.

ولحسان شعر في رثاء "المطعم بن عدي" والد "جبير بن مطعم"، مات ولم يسلم. وكان "معطم" أجار النبي حين قدم الطائف لما دعا ثقيفا إلى الإسلام، وهو أحد الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم وبني المطلب. وكان فيما قاله في رثاء "المطعم":

فلو كان مجدا يخلد الدهر واحدا

من الناس أبقى مجده الدهر مطعما

أجرت رسول الله منهم فأصبحوا

عبيدك ما لبى مهل وأحرما5

ومن شعره:

أهوى حديث الندمان في فلق الصـ

ـبح وصوت المغرد الغرد

1 الإصابة "2/ 325"، "رقم 1704"، "فارع حصن بالمدينة، يقال إنه حصن حسان بن ثابت"، تاج العروس "5/ 449"، "فرع".

2 الإصابة "1/ 325"، "رقم 1704"، سيرة ابن هشام "2/ 193"، "حاشية على الروض الأنف"، الروض الأنف "2/ 193".

3 الروض الأنف "2/ 194".

4 الشعر والشعراء.

5 السيوطي، شرح شواهد "2/ 875".

ص: 302

ذكر أن بعض أهل المدينة يقول: ما ذكرت ببيت حسان هذا إلا عدت في الفتوة1.

وذكر أن الناس كانوا يتمثلون بـ "فشركما لخيركما الفداء"، وهو عجز بيت لحسان. هو:

أتهجوه ولست له بندّ

فشركما لخيركما الفداء2

وهو من قصيدة يقول بعض الرواة إن مطلعها:

عفت ذات الأصابع فالجواء

إلى عذراء منزلها خلاء

هجا فيها "أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب". "قال مصعب الزبير: هذه القصيدة، قال حسان صدرها في الجاهلية وآخرها في الإسلام"3.

وينسب إلى "حسان" قوله:

تعلمتم من منطق الشيخ يعرب

أبينا فصرتم معربين ذوي نفر

وهو بيت تليه أبيات أخرى في الفخر بيعرب، وبفضله على العرب، لأنه هو صاحب العربية، ومنه تعلم العرب عربيتهم. وقد دونت هذه الأبيات في كتاب: تأريخ ملوك العرب الأولية للأصمعي4. وقد دون هذا الكتاب أبياتا من قصيدته الشهيرة في مدح الغساسنة5. وأبياتا في مدح "جبلة بن الأيهم" الذي فر إلى بلاد الروم، وواصل مع ذلك بره لحسان6. وهو شعر أراه مصنوعا، ولا يتفق مع مذهب "حسان" في النظم.

وقد ذكر "حسان" قصر دومة، أي دومة الجندل في شعره، إذ قال:

1 الشعر والشعراء "1/ 225".

2 الشعر والشعراء "1/ 226"، "أتهجوه ولست له بكفء" الاستيعاب "1/ 336".

3 الاستيعاب "1/ 336".

4 "ص8".

5 "ص102".

6 "ص113".

ص: 303

أما ترى رأسي تغير لونه

شمطا فأصبح كالثغام المجول

فلقد يراني صاحباي كأنني

في قصر دومة أو سواء الهيكل1

وورد أن الرسول لما "قدم المدينة، فهجته قريش، وهجوا الأنصار معه، فأتى المسلمون "كعب بن مالك" "؟ " فقالوا: أجب عنا، فقال: استأذنوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ادعوه، فأتى حسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أخاف أن تصيبني معهم تهجو من بني عمي"، فقال حسان: لأسلنك منهم سل الشعرة من العجين، ولي مقول ما أحب أن لي به مقول أحد من العرب، وإنه ليفري ما لا تفريه الحربة. ثم أخرج لسانه فضرب به أنفه كأنه لسان حية بطرفه شامة سوداء، ثم ضرب به ذقنه، فأذن له رسول الله"2. وورد "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، تناولته قريش بالهجاء، فقال لعبد الله بن رواحة: "رد عني". فذهب في قديمهم وأولهم، ولم يصنع في الهجاء شيئا. فأمر كعب بن مالك" "ولم يصنع في الهجاء شيئا، فدعا حسان بن ثابت فقال:"اهجهم، وائتِ أبا بكر يخبرك بمعايب القوم". فأخرج حسان لسانه حتى ضرب به صدره، وقال: والله يا رسول الله، ما أحب أن لي به مقولا في العرب، فصب على قريش منه شآبيب شر. فقال رسول الله:"اهجهم، كأنك تنضحهم بالنبل"3.

وروي أن الرسول لما هجاه "عبد الله بن الزبعرى"، و"أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب"، و "عمرو بن العاص"، و "ضرار بن الخطاب" قال:"ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟ " فقال حسان: أنا لها وأخذ بطرف لسانه، وقال: والله ما يسرني به مقول بين بصرى وصنعاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف تهجوهم وأنا منهم؟ وكيف تهجو أبا سفيان وهو ابن عمي؟ " فقال: والله لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين، فقال له:"ائت أبا بكر فإنه أعلم بأنساب القوم منك". فكان يمضي إلى أبي بكر ليقفه على أنسابهم. وكان

1 الإصابة "1/ 132"، "رقم 549".

2 السيوطي، شرح شواهد "1/ 334"، "كعب بن مالك""هكذا"، بينما الحال يستدعي ذكر "حسان بن ثابت".

3 السيوطي، شرح شواهد "1/ 354 وما بعدها".

ص: 304

يقول: كف عن فلانة وفلانة واذكر فلانة وفلانة، فجعل حسان يهجوهم. فلما سمعت قريش شعر حسان، قالوا: إن هذا الشعر ما غاب عنه ابن أبي قحافة، أو متى شعر ابن أبي قحافة.

فمن شعر حسان في أبي سفيان بن الحارث:

وإن سنام المجد في آل هاشم

بنو بنت مخزوم ووالدك العبد

ومن ولدت أبناء زهرة منهم

كرام ولم يقرب عجائزك المجد

ولست كعباس ولا كابن أمه

ولكن لئيم لا يقوم له زند

وإن امرأ كانت سمية أمه

وسمراء مغمور إذا بلغ الجهد

وأنت هجين نيط في آل هاشم

كما نيط خلف الراكب القدح الفرد

فلما بلغ هذا الشعر أبا سفيان، قال: هذا كلام لم يغب عنه ابن أبي قحافة"1.

وذكر أن الرسول جعله شاعره الناطق باسمه إذا جاءته الوفود، وتبارى الشعراء أمامه، قام هو للرد عليهم، فحين قدم وفد "بني تميم" بخطيبهم وشاعرهم، ونادوه من الحجرات أن خرج إلينا يا محمد، خطب خطيبهم مفتخرا، ثم قام شاعرهم وهو "الزبرقان بن بدر" فقال:

نحن الملوك فلا حي يقاربنا

فينا العلاء وفينا تنصب البيع

قال رسول الله لحسان: قم، فقام وقال:

إن الذوائب من فهر وإخوتهم

قد بينوا سنة للناس تتبع

إلى آخر الأبيات. "فقال التميميون عند ذلكم: وربكم إن خطيب القوم أخطب من خطيبنا، وإن شاعركم أشعر من شاعرنا"، ويعد شعره هذا من جيد شعره2.

وقد روي أن النبي كان يضع لحسان المنبر في المسجد يقوم عليه قائما يهجو

1 الاستيعاب "1/ 334 وما بعدها".

2 الاستيعاب "1/ 341".

ص: 305

الذين كانوا يهجون النبي1. وقد شك "كيتاني" وكذلك "بروكلمان" في صحة هذا الخبر. ولكن الروايات تؤكد أن الرسول كان يستدعيه أحيانا للرد على شعراء الوفود، وأنه كان يجلس في المسجد ينشد الشعر، والرسول يسمعه. وأن "عمر" مر بحسان وهو ينشد الشعر في مسجد رسول الله، ثم قال: أرغاء كرغاء البكر؟ فقال حسان: دعني عنك يا عمر، فوالله إنك لتعلم لقد كنت أنشد في هذا المسجد من هو خير منك، فما يغير عليّ ذلك، فقال عمر: صدقت2. أو أن "عمر" مر على "حسان" وهو ينشد الشعر في المسجد، فقال أفي مسجد رسول الله تنشد الشعر؟ فقال: قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك. أو ما أشبه ذلك3. وروي أن "عمر"، نهى أن ينشد الناس شيئا من مناقضة الأنصار ومشركي قريش، وقال: في ذلك شتم الحي والميت وتجديد الضغائن، وقد هدم الله أمر الجاهلية بما جاء من الإسلام4.

وذكر أن أول شعر قاله "حسان بن ثابت" في الإسلام، هو قوله:

فإنا ومن يهدي القصائد نحونا

كمستبضع تمرا إلى أهل خيبر5

ولما أسرت "هذيل" بعض المسلمين وباعتهم من قريش، هجاهم "حسان" هجاء مرا، وصفهم فيه باللؤم، واللؤم عند العرب من أقبح المعيبات، إذ قال فيهم:

لو خلق اللؤم إنسانا يكلمهم

لكان خير هذيل حين يأتيها

ترى من اللؤم رقما بين أعينهم

كما لوى أذرع العانات كاويها

تبكي القبور إذا ما مات سيدهم

حتى يصيح بمن في الأرض داعيها

مثل القنافد تخزي أن تفاجئها

شد النهار ويلقي الليل ساريها6

1 الإصابة "1/ 325"، "رقم 1704"، السيوطي، شرح شواهد المغني "114".

2 العمدة "1/ 28".

3 الإصابة "1/ 325"، "رقم 1704".

4 الاستيعاب "1/ 338".

5 تاج العروس "5/ 278".

6 ديوان حسان "67"، "لندن 1910".

ص: 306

وهي أبيات شديدة الهجاء، موجعة، تفنن فيها الشاعر وأبدع في وصف من هجاهم باللؤم وبالأمور المخزية الأخرى.

ويشك بعض المستشرقين في صحة الشعر المنسوب إلى "حسان" الوارد في التفجع على مقتل "عثمان" وفي الحث على الأخذ بثأره. وذلك أن هذا الشعر شعر ملتهب فيه قوة وحيوية ونفس شباب، فيبعد أن يكون من شعر شيخ قد تقدمت به السن1.

وروي "عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج وقد فرش حسان فناء أطمه، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سماطين وبينهم جارية لحسان يقال لها "شرين" ومعها مزهر تغنيهم، وهي تقول في غنائها:

هل عليّ ويحكم

إن لهوت من حرج

فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"لا حرج"2.

و"شرين" لفظة فاسية بمعني "حلو" و "جميلة"، فيكون اسم الجارية من الأسماء الفارسية، معناه في العربية "حلوة" و "جميلة". ولا يستبعد أن تكون من أصل فارسي، وإن نص أهل الأخبار على أنها قبطية.

و"شرين"، هي "سيرين" جارية أعطاها رسول الله لحسان لذبه بلسانه عنه في هجاء المشركين، وقيل لضربة "صفوان بن المعطل" به بالسيف. وهي أخت "مارية" القبطية. وذكر أن الرسول أعطى حسان الموضع الذي بالمدينة، وهو قصر بني "جديلة"3.

وقد اختلف الناس في وفاة "حسان" الذي كان قد عمي لما تقدمت به السن. فقيل: توفي قبل الأربعين، وقيل سنة أربعين، وقيل خمسين، وقيل أربع وخمسين من سني الهجرة، والجمهور على أنه عاش مائة وعشرين سنة، ولكن منهم من ذهب إلى أنه عاش دون المائة أو ما بين المائة والمائة والعشرين.

1 بروكلمان "1/ 153" TH.NOLDECKE، DIE GHASSAN.، S. 41

2 السيوطي، شرح شواهد "1/ 334 وما بعدها".

3 الاستيعاب "1/ 340".

ص: 307

وقد قال "ابن سعد" إنه عاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين، ومات وهو ابن عشرين ومائة1. وذكر أنه مات في أيام معاوية2.

وقد كان حسان ممن مشى بين الناس بحديث الإفك، وهو ممن نزلت بحقه الآية:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 3، لأنه مشى بالإفك مع من مشى به. وهم "عبد الله بن أبي" رأس المنافقين بالمدينة، ومسطح، وحمنة بنت جحش. وقال بعضهم إن الذي تولى كبره منهم "حسان بن ثابت". قيل لعائشة، وقد دخل عليها "حسان بن ثابت:"أليس الله يقول: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} . قالت: أليس قد أصابه عذاب عظيم. أليس قد ذهب بصره وكنع بالسيف! "4. وروي أنه جلد مع "مسطح" بسبب الإفك5.

واعتذر "حسان" من قوله في الإفك بقوله:

فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم

فلا رفعت سوطي إلي أناملي

ثم يقول:

فإن الذي قد قيل ليس بلائط

ولكن قول امرئ بي ماحل6

وقد أسرف "حسان" في إفكه بحديث الإفك، حتى آلم النبي، ويظهر أنه لم يكن من أولئك الأشخاص الذين كانوا يتحرجون من الهجوم على أقرب الناس إليهم، في حالة تسرعه وتأثره، فهو شاعر، ومن عادة الشعراء عدم الاستقرار. وكان عليه أن يدافع عن "عائشة"، باعتباره شاعر نبيه، لا أن يساهم مع

1 الإصابة "1/ 325"، "1704"، الاستيعاب "1/ 342".

2 الشعر والشعراء "1/ 223"، "الثقافة".

3 سورة "النور"، "الرقم 24"، الآية "11".

4 تفسير الطبري "18/ 68 وما بعدها"، تفسير الآلوسي. "18/ 100"، تفسير ابن كثير "3/ 235".

5 رسالة الغفران "235".

6 العمدة "1/ 24 وما بعدها".

ص: 308

من استغل الحادث لإيلام الرسول من المنافقين والذين لم يكن الإيمان قد دخل قلوبهم، وأن يمعن في الإفك وفي إيلام الرسول، وقد اعتذر بعد ذلك كما رأينا بعذر بارد، حاول أن يتنصل فيه مما قاله في الإفك، مع أنه كان صنوا لعبد الله بن أبي في ذلك الحديث.

ولما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى، قال حسان قصيدته:

بطيبة رسم للرسول ومعهد

منير وقد تعفو الرسوم وتهمد1

وقال قصيدة أخرى مطلعها:

ما بال عينك لا تنام كأنها

كحلت مآقيها بكحل الأرمد

جزعت على المهدي أصبح ثاويا

يا خير من وطأ الحصى لا تبعد

وقال قصائد أخرى في رثائه2.

وكان حسان من المتعصبين ليثرب على مكة، ونجد في شعره عصبية لليمن، وتفاخر شديدا بالأزد، والأزد من اليمن، وبنو غسان من الأزد. وهي عصبية قديمة، تعود إلى ما قبل الإسلام. يظهر أن سببها اختلاف ما بين المديتنين في الطباع وفي الطبيعة والأحوال الاقتصادية والزعامة، وقد فرح ولا شك حين كلفه الرسول بالرد على شعراء قريش، وهو حاقد عليهم منذ أيام الجاهلية. وقد بقيت هذه العصبية كامنة في نفسه حتى في الإسلام، وكاد أن يؤجج نارها مرارا بين الأنصار والمهاجرين، وقد نهاه عمر عن التعرض لأمور الجاهلية وأيامها ومن إنشاد ما كان قد قيل من شعر الجاهلية بين أهل يثرب وقريش، حذر الفتنة، وعودة العصبية الجاهلية الأولى. وكان "عمر" قد نهى أن ينشد الناس جميعا من مناقضة الأنصار ومشركي قريش، وقال: في ذلك شتم الحي والميت وتجديد الضغائن، وقد هدم الله أمر الجاهلية بما جاء من الإسلام3. ويظهر أنه لم يكن مثاليا بدليل هذه النزوات التي صدرت منه وهو في الإسلام وكادت تثير فتن الجاهلية.

1 ابن هشام، سيرة "2/ 378"، "حاشية على الروض".

2 سيرة ابن هشام "2/ 379 وما بعدها".

3 الاستيعاب "1/ 337 وما بعدها"، "حاشية على الإصابة".

ص: 309

وكان حسان يهجي "أمية بن خلف" الخزاعي. وكان خلف قد هجا حسان بقوله:

أليس أبوك فينا كان قينا

لدى القينات فسلا في الحفاظ

يمانيا يظل يشد كيرا

وينفخ دائبا لهب الشواظ1

وكان قد قال:

ألا من مبلغ حسان عني

مغلغلة تدب إلى عكاظ

فأجابه حسان:

أتأني عن أمية زور قول

وما هو في المغيب بذي حافظ

سأنشر إن بقيت لكم كلاما

ينشر في المجنة مع عكاظ

قوافي كالسلاح إذا استمرت

من الصم المعجرفة الغلاظ

تزورك إن شتوت بكل أرض

وترضخ في محل بالمقاظ

بنيت عليك أبياتا صلابا

كأمر الوسق قعض بالشظاظ

مجللة تعممه شنارا

مضرمة تأجج كالشواظ

كهمزة ضيغم يحمي عرينا

شديد مغارز الأضلاع خاظي

تغض الطرف أن ألقاك دوني

وترمي حين أدبر باللحاظ2

وقد هاجى "حسان بن ثابت" النجاشي، واسمه "قيس بن عمرو" من رهط "الحارث بن كعب"، وكان قد هجا الأنصار فرد عليه "حسان بن ثابت"، ثم أمر بأن يكتب رده غلمان الكتاب، ليوزع على الناس. وقد كان النجاشي قد هاجي "عبد الرحمن بن حسان"، واشتد هجاؤه عليه فأعانه والده عليه3. وكان مما قاله حسان في "الحارث بن كعب" رهط النجاشي قوله:

لا بأس بالقوم من طول ومن عرض

جسم البغال وأحلام العصافير4

1 اللسان "7/ 446"، "شوظ"، تاج العروس "5/ 253"، "تشاوظ".

2 تاج العروس"5/ 254"، "عكظ".

3 الخزانة "2/ 105 وما بعدها"، "بولاق".

4 ديوان حسان "214"، رسائل الجاحظ "2/ 343"، "كتاب البغال".

ص: 310

ويلاحظ أن أهل الأخبار نسبوا إلى ابنه "عبد الرحمن"، وإلى حفيده "سعيد بن عبد الرحمن" مثل هذا الذي نسبوه إلى "حسان". إذ ذكروا أن "عبد الرحمن" أوقد نارا حتى اجتمع إليه الحي، ثم قال: قد قلت بيتا، فخفت أن يسقط بحدث يحدث عليَّ فجمعتكم لتسمعوه، وأن ابنه "سعيد" فعل فعله1. ويلاحظ أن الأبيات التي ذكروها هي على وزن واحد وعلى قافية واحدة. وقد تكون من وضع الرواة.

وأم "عبد الرحمن بن حسان"، أخت مارية القبطية أم إبراهيم ابن الرسول. وكانت تسمي "سيرين" "شيرين" "شرين". وكان عبد الرحمن شاعرا كذلك. ذكر أن والده أشار إليه بقوله:

فمن للقوافي بعد حسان وابنه

ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت2

ونسب إلى حسان أو ابنه عبد الرحمن قوله: قلت شعرا لم أقل مثله، وهو:

وإن امرأ أمسى وأصبح سالما

من الناس إلا ما جنى لسعيد3

وكانت لحسان بنت شاعرة، أرق حسان ذات ليلة فعن له الشعر فقال:

متاريك أذناب الأمور إذا اعترت

أخذنا الفروع واجتثثنا أصولها

ثم أجبل فلم يجد شيئا، فقالت له بنته: كأنك قد أجبلت يا أبه؟! قال: أجل، قالت، فهل لك أن أجيز عنك؟ قال: وهل عندك ذلك! قالت: نعم، قال، فافعلي، قالت:

مقاويل بالمعروف خُرس عن الخنا

كرام يعاطون العشيرة سولها

فحمي حسان فقال:

وقافية مثل السنان رزئتها

تناولت من جو السماء نزولها

1 السيوطي، شرح شواهد "1/ 336".

2 الإصابة "3/ 67 وما بعدها"، رقم "5206".

3 الشعر والشعراء "1/ 226".

ص: 311

فقالت:

يراها الذي لا ينطق الشعر عنده

ويعجز عن أمثالها أن يقولها

فقال حسان: لا أقول بيت شعر وأنت حية، قالت: أوأومنك؟ قال: وتفعلين؟ قالت نعم، لا أقول بيت شعر ما دمت حيا1.

ولحسان ديوان شعر مطبوع. طبع جملة مرات. وقد شرح أيضا، وطبعت الشروح كذلك2.

وكعب بن مالك من شعراء يثرب كذلك. ويكنى أبا عبد الله وقيل أبا عبد الرحمن، وهو ممن شهد العقبة، وكان أحد شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يردون الأذى عنه، وكان مجودا مطبوعا قد غلب عليه في الجاهلية أمر الشعر. وذكر أنه كان أحد الثلاثة الأنصار الذين قال الله فيهم:{وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ} 3 وهم كعب بن مالك الشاعر هذا، وهلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة تخلفوا عن غزوة "تبوك" فتاب الله عليهم وعذرهم، وكانوا كلهم من الأنصار4.

وكعب بن مالك من أسرة أظهرت جملة شعراء، فمالك والد كعب كان شاعرا، وعمه قيس كان شاعرا كذلك. وكان أولاد كعب وأحفاده شعراء "مجيدون مقدمون في الشعر"5.

وقد ذكر "ابن سيرين" أن كعبا قال بيتين كانا سبب إسلام دوس وهما:

قضينا من تهامة كل وتر

وخيبر ثم أغمدنا السيوفا

تخبرنا ولو نطقت لقالت

قواطعهن دوسا أو ثقيفا

1 الشعر والشعراء "1/ 226".

2 للوقوف على مواضع طبع الديوان والشروح راجع بروكلمان، تأريخ الأدب العربي "1/ 153 وما بعدها".

3 "التوبة"، الآية "118".

4 تفسير الطبري "11/ 41"، الإصابة "3/ 285 وما بعدها"، "رقم 7435"، السيوطي، شرح شواهد "1/ 337"، الخزانة "1/ 200"، "بولاق"، البيان والتبيين "3/ 26".

5 الأغاني "15/ 37".

ص: 312

فلما بلغ دوسا، قالوا: خذوا لأنفسكم لا ينزل بكم ما نزل بثقيف1.

وقال "ابن سيرين" أيضا: "كان شعراء المسلمين: حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك. فكان كعب يخوفهم الحرب، وعبد الله يعيرهم بالكفر، وكان حسان يقبل على الأنساب"، وأما شعراء المشركين: فعمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبعرى، وأبو سفيان بن الحارث، وضرار بن الخطاب2.

ولكعب شعر في يوم أحد، فيه:

فجئنا إلى موج من البحر وسطه

أحابيش منهم حاسر ومقنع

ثلاثة آلاف ونحن نصية

ثلاث مئين إن كثرنا أو أربع

فراحوا سراعا مرجعين كأنهم

جهام هراقت ماءه الريح مقلع

ورحنا وأخرانا بطاء كأننا

أسود على لحم ببيشة ظلع

وله شعر في أيام الخندق، وفي يوم بدر وفي المعارك الأخرى3.

ومن شعر كعب بن مالك قوله:

زعمت سخينة أن ستغلب ربها

فليغلبن مغالب الغالب

وفي رواية:

جاءت سخينة كي تغلب ربها

فليغلبن مغالب الغلاب4

كانت العرب تعير قريشا بها، لأنهم كانوا يكثرون من أكلها، ولذا كانت تعير بها. والسخينة حساء يؤكل في الجدب. مازح "معاوية" الأحنف بن قيس فقال: ما الشيء الملفف في البجاد؟ فقال: هو السخينة يا أمير المؤمنين. والملفف في البجاد وطب اللبن يلف به ليحمى ويدرك، وكانت تميم تعير به.

1 الإصابة "3/ 286"، "رقم 7434".

2 الاستيعاب "3/ 272 وما بعدها"، "حاشية على الإصابة".

3 ابن سلام، طبقات "53 وما بعدها"، الخزانة "1/ 200 وما بعدها"، "بولاق".

4 الاستيعاب "3/ 274".

ص: 313

فلما مازحه معاوية بما يعاب به قومه، مازحه الأحنف بمثله1. وروي أن رسول الله قال لكعب: أترى الله نسي قولك:

زعمت سخينة أن ستغلب ربها

وليغلبنّ مغالب الغلاب2

وجاء في رواية يضعفها العلماء، أن "حسان بن ثابت" وكعب بن مالك، والنعمان بن بشير، دخلوا على "علي" فناظروه في شأن "عثمان" وأنشده كعب شعرا في رثاء عثمان، ثم خرجوا من عنده، فتوجهوا إلى معاوية فأكرمهم. وروي أنه كان ممن رثى عثمان، ولم يرد في الأخبار أنه ساهم في حرب علي ومعاوية3. وذكر أنه فقد بصره في آخر عمره. وتوفي في زمن معاوية سنة خمسين، وقيل ثلاث وخمسين4.

و"عبد الله بن رواحة" من الخزرج، وهو أبو محمد، ويقال "أبو رواحة"، ويقال "أبو عمرو"، وكان من شعراء يثرب المعروفين: وهو أحد النقباء ليلة العقبة وشهد بدرا، وكان ممن يكتب للنبي، وكان ممن يكتب في الجاهلية، وهو الذي جاء ببشارة وقعة بدر إلى المدينة، وبعثه رسول الله في ثلاثين راكبا إلى "أسير بن رقرام""يسير بن رزام" اليهودي بخيبر فقتله. وقد استشهد بمؤتة سنة سبع5. وليس له عقب. وهو خال "النعمان بن بشير" الأنصاري. وكان عظيم القدر في قومه، سيدا في الجاهلية، وليس في طبقته أسود منه. وكان في حروبهم في الجاهلية يناقض قيس بن الخطيم6.

وهو يختلف عن حسان في كونه محاربا، اشترك مع الرسول في معاركه، ومات قتيلا محاربا7.

1 تاج العروس "9/ 232"، "سخن".

2 ابن سلام، طبقات "54".

3 الإصابة "3/ 286"، "رقم 7434"، الأغاني "15/ 28 وما بعدها".

4 الاستيعاب "3/ 272"، "حاشية على الإصابة".

5 الإصابة "2/ 298 وما بعدها"، "رقم 4676"، شرح شواهد، للسيوطي "1/ 288"، أعلام النبلاء "1/ 166"، ابن حبيب، كنى الشعراء "289"، "أسير بن زارم"، المحبر "119".

6 ابن سلام، طبقات "54"، الخزانة "2/ 304 وما بعدها"، "هارون".

7 المخبر "119، 121، 123، 269، 271، 279، 287، 421".

ص: 314

وأكثر ما روي من شعره، هو من الشعر الذي قاله في الإسلام. ولا سيما في معركة "مؤتة". وروي أن الرسول قال له يوما: قل شعرا تقتضيه الساعة وأنا أنظر إليك. فانبعث مكانه يقول:

إني تفرست فيك الخير أعرفه

والله يعلم أن ما خانني البصر

أنت النبي ومن يحرم شفاعته

يوم الحساب لقد أزرى به القدر

فثبت الله ما آتاك من حسن

تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا

وفي رواية ابن هشام:

إني تفرست فيك الخير نافلة

فراسة خالفت فيك الذي نظروا

أنت النبي ومن يحرم نوافله

والوجه منه فقد أزرى به القدر1

وروي أن الرسول دعاه، فقال له: كيف تقول الشعر إذا قلت؟ قال أنظر في ذلك ثم أقول. قال: فعليك بالمشركين. فأنشده:

فخيروني أثمان العباء متى

كنتم بطاريق أو دانت لكم مضر

فظهرت الكراهة في وجه الرسول، أن جعل قومه أثمان العباء، فقال:

نجالد الناس من عرض فنأسرهم

فينا النبي وفينا تنزل السور

وقد علمتم بأنا ليس يغلبنا

حي من الناس إن عزوا وإن كثروا

يا هاشم الخير إن الله فضلكم

على البرية فضلا ما له غير

إني تفرست فيك الخير أعرفه

فراسة خالفتهم في الذي نظروا

ولو سألت أو استنصرت بعضهم

في جل أمرك ما آووا ولا نصروا

فثبت الله ما آتاك من حسن

تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا

فتبسم الرسول وسر به2.

وروى "هشام بن عروة" عن أبيه. قال: ما سمعت بأحد أجرأ ولا أسرع شعرا من عبد الله بن رواحة، يوم يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

1 الاستيعاب "2/ 287"، "حاشية على الإصابة".

2 ابن سلام، طبقات "55".

ص: 315

"قل شعرا تقتضيه الساعة وأنا أنظر إليك"، ثم أبدّه بصره، فانبعث عبد الله بن رواحة يقول:

إني تفرست فيك الخير أعرفه

والله يعلم ما إن خانني بصر1

وروي أن الرسول قال: لعبد الله بن رواحة: "ما الشعر"؟ قال: شيء يختلج في صدر الرجل، فيخرجه على لسانه شعرا2. وقد ذكر "ابن سلام" البيت المذكور وما بعده في قصيدة مطلعها:

فخبروني أثمان العباء متى

كنتم بطارق أو دانت لكم مضر

ذكره في ضمن القصيدة، ولم يجعله مطلعها3.

ولما دخل رسول الله مكة في عمرة القضاء، وابن رواحة بن يديه وهو يقول:

خلو بني الكفار عن سبيله

اليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام من مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

قال عمر: يا ابن رواحة في حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر؟ فقال النبي: "خل عنه يا عمر، فوالذي نفسه بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل"4. وقد كانت عمرة القضاء سنة ست من الهجرة5.

وقد روى هذه الرجز بزيادة واختلاف6. وقد ذكر "ابن هشام "، بعد إيراده هذه الأبيات هذه الملاحظة: "نحن قتلناكم على تأويله إلى آخر الأبيات: لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم، والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين، والمشركون لم يقروا بالتنزيل، وإنما يقتل على التأويل من أقر بالتنزيل"7.

1 شرح شواهد، للسيوطي" 1/ 293".

2 المصدر نفسه "1/ 289".

3 ابن سلام، طبقات "55".

4 السيوطي، شرح شواهد "1/ 290".

5 ابن هشام سيرة "2/ 254"، "حاشية على الروض".

6 ابن هشام سيرة "2/ 255"، "حاشية على الروض"، ابن سيد الناس "2/ 149"، أعلام النبلاء "1/ 169"، ابن سعد، طبقات "3 القسم الثاني 80". الروض الأنف "2/ 255".

7 ابن هشام، سيرة "2/ 255".

ص: 316

وكان "النعمان بن العجلان" الزرقي لسان الأنصار وشاعرهم، وكان رجلا أحمر قصيرا تزدريه العين، وكان سيدا، له شعر يفخر بقومه على قريش من جملته:

فقل لقريش نحن أصحاب مكة

ويوم حنين والفوارس في بدر

نصرنا وآوينا النبي ولم نخف

صروف الليالي والعظيم من الأمر

وقلنا لقوم هاجروا مرحبا بكم

وأهلا وسهلا قد أمنتم من الفقر

نقاسمكم أمولنا وديارنا

كقسمة أيسار الجزور على الشطر

ثم تعرض لموضوع الخلافة، وقصة انتخاب "سعد" لها، وتعيين قريش أبا بكر خليفة، ثم تعرض لحق علي فيها1.

وكان "علي بن أبي طالب" استعمل "النعمان" هذا على البحرين، فجعل يعطي كل من جاء من "بني زريق"، فقال فيه "أبو الأسود" الدؤلي:

أرى فتنة قد ألهت الناس عنكم

فندلا زريق المال ندل الثعالب

فإن ابن عجلان الذي قد علمتم

يبدد مال الله فعل المناهب2

1 الاستيعاب "3/ 521"، "حاشية على الإصابة".

2 الإصابة "3/ 532"، "رقم 8748".

ص: 317