المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني والستون بعد المائة: شعراء قريش - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٨

[جواد علي]

الفصل: ‌الفصل الثاني والستون بعد المائة: شعراء قريش

‌الفصل الثاني والستون بعد المائة: شعراء قريش

ويزعم أهل الأخبار أن العرب كانت تقر لقريش بالتقدم في كل شيء عليها إلا في الشعر، فإنها كانت لا تقر لها به، حتى كان عمر بن أبي ربيعة، فأقرت لها الشعراء بالشعر أيضا ولم تنازعها1. وذكر أن قريشا كانت أقل العرب شعرا في الجاهلية، فاضطرها ذلك أن تكون أكثر العرب انتحالا للشعر في الإسلام. ويؤيد هذا الرأي أننا نجد أكثر من ذكر الرواة أسماءهم وأشعارهم من الشعراء الجاهليين إنما هم من غير قريش2.

وذكر أهل الأخبار أن المنافسة التي كانت بين قريش والأوس والخزرج، أهل يثرب، دفعت أهل مكة إلى صنع الأشعار لتتغلب بها على الأنصار، "يروي الناس لأبي سفيان بن الحارث قولا يقوله لحسان:

أبوك أبو سوء وخالك مثله

ولست بخير من أبيك وخالكا

وإن أحق الناس أن لا تلومه

على اللوم من ألقى أباه كذلكا

أخبرنا أبو خليفة، أخبرنا محمد بن سلام، قال: وأخبرني أهل العلم من

1 الأغاني "1/ 25"، ابن سلام، طبقات الشعراء "10".

2 مجلة المجمع العلمي العراقي، جواد علي، لهجة القرآن الكريم "المجلد الثالث""الجزء الثاني 1955م"، "ص278".

ص: 260

أهل المدينة أن قدامة بن موسى بن عمر بن قدامة بن مظعون الجمحي قالها ونحلها أبا سفيان. وقريش تزيد في أشعارها تريد بذلك الأنصار والرد على حسان"1.

وهناك أخبار أخرى في هذا المعنى تفيد نحل الشعر وضمه إلى شعراء مكة، لتتباهى به على يثرب.

ولا نجد بين الشعراء البارزين من أصحاب المعلقات شاعرا واحدا هو من قريش. كذلك لا نجد من بين شعراء الطبقات المتقدمة من فحول الشعراء الذين قدمهم علماء الشعر على غيرهم شاعرا هو من أهل مكة. وهذا هو تفسير قول أهل الأخبار المتقدم، الدال على تأخر قريش بالنسبة إلى باقي العرب في قول الشعر، أما لو أخذنا قولهم المذكور، وصرفناه على أهل القرى، فإننا نجد مكة متقدمة فيه، لأنها أنجبت عددا لا بأس به من الشعراء بالقياس إلى الطائف، التي اشتهرت بشعر شاعرها "أمية بن أبي الصلت"، ولكنها لا تداني مكة في عدد من ظهر بها من الشعراء، وبالقياس إلى "نجران" وإلى قرى اليمامة. أما بالنسبة إلى يثرب، فقد برز بيثرب شعراء، هم أكثر عددا وشهرة من شعراء مكة.

وقد وصف "ابن سلام" شعر قريش بقوله: "وأشعار قريش أشعار فيها لينٌ يشكل بعض الإشكال"2. وذلك حين تحدث عن شعر "أبي طالب" وعن شعر "الزبير بن عبد المطلب"، وعما وضع الناس من شعر عليهما.

ويذكر أهل الأخبار، أن قريشا كانت في الجاهلية دون غيرها من العرب، تعاقب شعراءها إذا هجا بعضهم بعضا، كما كانت ترمي من يروي المثالب ويقع في أعراض الناس بالحمق، فتسقط منزلته بين الناس، ولهذا قل فيها شعر الهجاء3. ويذكرون أن أهل مكة لما أصبحوا يوما وعلي باب الندوة مكتوب:

ألهى قُصيا عن المجد الأساطير

ورشوة مثل ما ترشي السفاسير

وأكلها اللحم بحثا لا خليط له

وقولها رحلت عير أتت عير

أنكر الناس ذلك، وقالوا ما قالها إلا "ابن الزبعرى" وأجمع على ذلك

1 ابن سلام، طبقات "62".

2 ابن سلام، طبقات "60 وما بعدها".

3 الرافعي، تأريخ آداب العرب "1/ 413".

ص: 261

رأيهم، فمشوا إلى "بني سهم"، وكان مما تنكر قريش وتعاقب عليه أن يهجو بعضها بعضا، فقالوا لبني سهم: ادفعوا إلينا نحكم فيه بحكمنا. قالوا: وما الحكم فيه؟ قالوا قطع لسانه، قالوا: فشأنكم. واعلموا والله أنه لا يهجونا رجل منكم إلا فعلنا به مثل ذلك. وكان "الزبير بن عبد المطلب" يومئذ غائبا نحو اليمن، فخاف بنو قصي أن يقول شيئا من هجاء، فيؤتى إليه مثل ما أتى إلى ابن الزبعرى، وكانوا أهل تناصف، فأجمعوا على تخليته فخلوه1.

وقد أحصى "جرجي زيدان" عدد الشعراء الجاهليين بنحو من "120" شاعرا على اختلاف القبائل والبطون. وقد وجد أن عشرة شعراء منهم هم من قريش2. معظمهم إن لم نقل كلهم كان ممن عاش عند ظهور الإسلام، وقد اشتهر بالشعر وعرف به لموقفه المعادي من الإسلام، ولاضطراره إلى مهاجاة النبي والمسلمين دفاعا عن عقيدته، ولهذا كان معظم شعره في هجاء المسلمين، وفي الرد عليهم وفي الفخر بقومه وتعديد مآثرهم ومناقبهم والدفاع عنهم.

قال "ابن سلام: "وبمكة شعراء، فأبرعهم شعرا عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي بن ربيعة بن سعد بن سهم، وأبو طالب بن عبد المطلب، شاعر، وأبو سفيان بن الحارث، شاعر، ومسافر بن أبي عمرو بن أمية، شاعر، وضرار بن الخطاب، شاعر، وأبو عزة الجمحي، شاعر، واسمه عمر بن عبد الله، وعبد الله بن حذافة السهمي الممزق، وهبيرة بن أبي وهب بن عامر بن عائذ بن عمران بن مخزوم"3.

ونجد في كتب السيرة والأخبار شعرا لعبد المطلب، من جملته قوله:

لا هم إن العبد يمـ

ـنع رحله فامنع حلالك

لا يغلبن صليبهم

ومحالهم غدوا محالك

إن كنت تاركهم وقبـ

ـلتنا فأمرٌ ما بدا لك4

1 ابن سلام، طبقات "57 وما بعدها".

2 تأريخ آداب اللغة العربية "1/ 275 وما بعدها"، "شعراء العصر الأموي".

3 طبقات "57".

4 ابن هشام، سيرة "1/ 44 وما بعدها"، "حاشية على الروض"، الحيوان "7/ 198 وما بعدها"، ويختلف النص في الموارد.

ص: 262

ومن شعراء قريش "أبو لبيد بن عبدة بن جابر"، وكان أحد فرسانها في الجاهلية1.

و"أبو طالب"، عم النبي، وقد أدخلناه في عداد الشعراء، لوجود شعر ينسب إليه، ورد أكثره في سيرة "ابن إسحاق"، ولوجود ديون مطبوع نسب إليه. واسمه "عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي"، وقيل اسمه "عمران"، وقيل اسمه كنيته2. وقال عنه "ابن سلام": "وكان أبو طالب شاعرا جيد الكلام، وأبرع ما قال قصيدته التي مدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ربيع اليتامى عصمة للأرامل3

ولد قبل النبي بخمس وثلاثين سنة، ولما مات "عبد المطلب" وصي بالنبي إليه، فكفله، وسافر به إلى الشام، وهو شاب، ولما بعث الرسول كان لا زال حيا، وقد اختلف في إسلامه4، وتوفي في السنة العاشرة من المبعث5.

وقد ذكر "ابن هشام" قصيدة لأبي طالب، قال إنه قالها في "المطعم بن عدي" يعرض به، ويعم من خذله من بني عبد مناف ومن عاداه من قبائل قريش منها قوله:

ألا قل لعمرو والوليد ومطعم

ألا ليت حظي من حياطتكم بكر

من الخور حبحاب كثير رغاؤه

يرش على الساقين من بوله قطر6

وأورد "ابن هشام" له قصيدة أخرى، ذكر أنه قالها في مدح قريش، لما رأى "أبو طالب" من قومه ما سره في جهدهم معه وحدبهم عليه. فقال:

1 الاشتقاق "71".

2 الإصابة "4/ 115 وما بعدها"، "رقم 685".

3 ابن سلام، طبقات "60".

4 الخزانة "2/ 75"، "عبد السلام محمد هارون"، "1/ 251 وما بعدها"، "بولاق".

5 الخزانة "1/ 261"، "بولاق".

6 سيرة ابن هشام "1/ 171"، "حاشية على الروض الأنف".

ص: 263

إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر

فعبد مناف سرها وصميمها

فإن حصلت أشراف عبد منافها

ففي هاشم أشرافها وقديمها1

ونسبت له قصيدة ذكر أنه قالها لما خشي "أبو طالب" دهماء العرب أن يركبوه مع قومه، تعوذ بها بحرم مكة وبمكانه منها، وتودد فيها أشراف قومه، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مسلم الرسول ولا تاركه أبدا حتى يهلك دونه. إذ يقول:

ولما رأيت القوم لا ود فيهم

وقد قطعوا كل العرى والوسائل

وقد صارحونا بالعداوة والأذى

وقد طاوعوا أمر العدو المزايل2

وهي قصيدة طويلة، قال "ابن هشام" في آخرها:"هذا ما صح لي من هذه القصيدة وبعض أهل العلم ينكر أكثرها"3. ويظهر أنها وردت بصورة أطول في سيرة "ابن إسحاق"، إلا أن "ابن هشام" طرح منها ما شك في أصله وما لم يثبت عنده أنه من شعر "أبي طالب"، واكتفى بهذا القدر الذي دوّنه في سيرته.

وفي جملة ما جاء في القصيدة المذكورة قوله:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وقد ذهب "ابن سلام" إلى أن الرواة زادوا في قصيدة أبي طالب وطولوها فأبعدوا آخرها عن أولها. وتعرض لها "الرافعي" فقال: "وقد يزيدون في القصيدة ويبعدون بآخرها متى وجدوا لذلك باعثا، كقصيدة أبي طالب التي قالها في النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مشهورة أولها:

خليلي ما أذني لأول عاذل

بصغواء في حق ولا عند باطل4

1 سيرة ابن هشام "1/ 172"، "حاشية على الروض".

2 سيرة ابن هشام "1/ 172 وما بعدها"، "حاشية على الروض الأنف"، الخزانة "2/ 57 وما بعدها"، وقد دون القصيدة وشرح أبياتها "عبد السلام محمد هارون".

3 سيرة ابن هشام "1/ 178 وما بعدها"، "حاشية على الروض الأنف".

4 طبقات "60".

ص: 264

قال ابن سلام: زاد الناس في قصيدة أبي طالب وطولت بحيث لا يدرى أين منتهاها، وقد سألني الأصمعي عنها فقلت صحيحة، فقال: أتدري أين منتهاها قلت لا، قلنا: وإنما طولت هذه القصيدة معارضة للطوال المعروفة بالمعلقات حتى لا يكون من شعر الجاهلية ما هو خير مما قال عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن في أصلها أبياتا هاشمية تفي بكثير من الطوال"1.

وقد تعرض "ابن سلام" -كما قلت- لهذه القصيدة فقال: "وقد زيد فيها وطولت. رأيت في كتاب كتبه يوسف بن سعد صاحبنا منذ أكثر من مائة سنة: وقد علمت أن قد زاد الناس فيها، فلا أدري أين منتهاها. وسألني الأصمعي عنها، فقلت صحيحة. قال: أتدري أين منتهاها؟ قلت لا أدري"2.

ونسب أهل الأخبار لأبي طالب شعرا زعموا أنه قال لأبي لهب يحرضه فيه على نصرته ونصرة الرسول، فيه:

وإن امرأ أبو عتيبة عمه

لفي روضة ما إن يسام المظالما3

ونسبوا له قصيدة "دالية" ذكروا أنه نظمها لما مزقت "الصحيفة": صحيفة قريش، التي كتبوها في مقاطعة "بني هاشم"، أولها:

ألا هل أتى بحرينا صنع ربنا

على نأيهم والله بالناس أرود

فيخبرهم أن الصحيفة مزقت

وأن كل ما لم يرضه الله مفسد

ترواحها إفك وسحر مجمع

ولم يلف سحر آخر الدهر يصعد4

وقد أورد "الزبيري" منها هذه الأبيات:

جزى الله رهطا من لؤي تتابعوا

على ملأ يهدي لحزم ويرشد

قعودا لدى جنب الحطيم كأنهم

مقاولة بل هم أعز وأمجد

هم رجعوا سهل بين بيضاء راضيا

فسر أبو بكر بها ومحمد

ألم يأتكم أن الصحيفة مزقت

وإن كان ما لم يرضه الله يفسد

1 الرافعي، تأريخ آداب العرب "1/ 384 وما بعدها".

2 ابن سلام، طبقات "60 وما بعدها".

3 سيرة ابن هشام "1/ 230"، "حاشية على الروض".

4 سيرة ابن هشام "1/ 233 وما بعدها"، "حاشية على الروض الأنف".

ص: 265

أعان عليها كل صقر كأنه

شهاب بكفي قابس يتوقد

جريٌّ على حل الأمور كأنه

إذا ما مشى في رفرف الدرع أجود1

وهي من الشعر المصنوع.

ونسبوا له قوله:

ودعوتني وزعمت أنك صادق

ولقد صدقت وكنت قبل أمينا

ولقد علمت بأن دين محمد

من خير أديان البرية دينا2

وقوله:

ألا أبلغا عني على ذات بيننا

لؤيا وخصا من لؤي بن كعب

ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا

نبيا كموسى خط في أول الكتب

وأن عليه في العبادة مودة

وخير فيمن خصه الله بالحب3

ولأبي طالب شعر، رثى به "أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم"، وكان قد خرج تاجرا إلى الشام، فمات في موضع يقال له:"سرو سحيم". وكان "أبو أمية بن المغيرة بن عبد الله" من "أزواد الركب" في قريش، وهم ثلاثة: هو و "مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس"، و "زمعة بن الأسود بن عبد المطلب"، وكانوا إذا سافروا لم يتزود معهم أحد4. وله شعر في رثاء "مسافر"5.

وفي الديوان المطبوع شعر يمكن أن يكون صحيحا، ولكن أكثره شعر منحول، ولا سيما القصيدة "اللامية" الطويلة. فإن القسم الأكبر منها، لا يمكن أن يكون من الشعر الأصيل. ويرى "بروكلمان" أن سبب الوضع، هو رغبة من وضعه في تزيين سيرة الرسول بمكة، وفي أوائل عهد النبوة، بكثير من الأشعار،

1 نسب قريش "431".

2 الروض الأنف "1/ 221"، الخزانة "1/ 571 وما بعدها"، "بولاق"، "ودعوتني وزعمت أنك ناصح".

3 الروض الأنف "1/ 221"، الخزانة "2/ 76"، "عبد السلام محمد هارون".

4 الخزانة "3/ 446 وما بعدها"، "بولاق".

5 الخزانة "3/ 386 وما بعدها"، "بولاق".

ص: 266

بعد أن كثرت الأشعار في سيرته بالمدينة، كما أن للشيعة يدا في وضع هذا الشعر على لسان "أبي طالب" لإظهاره بمظهر المعاون للنبي المؤيد له، المؤمن بدعوته في قلبه ولسانه، تأييدا للإمام "علي"، الذي هو ابن "أبي طالب"1.

ونسب "الجاحظ" له قوله:

أمن أجل حبل لا أباك علوته

بمنسأة قد جاء حبل وأحبل2

ويروى لعلي بن أبي طالب شعر كثير3. ولا يوجد شك في أن عليا كان مطبوعا على قول الشعر، وأنه كان ذا شاعرية، وله مواهب تؤهله لنظمه، كما كان من الحفاظ للشعر، وقد أورد له أهل الأخبار والأدب شعرا ذكروه في المواضع المناسبة، كما جمع بعض الأدباء شعره في ديوان، فهو صاحب شعر، نظم في المناسبات، غير أنه لم يكن شاعرا بمعنى أنه اتخذ الشعر صناعة له، وإنما كان يقوله في المناسبة، ثم إن في المنسوب إليه، شعرا كثيرا، هو موضوع. صنع وحمل عليه. وأكثر ما جاء في الديوان الذي يحمل اسمه هو من هذا القبيل4.

ونظرا إلى ما لعلي بن أبي طالب من المكانة في نفوس المسلمين، ولوجود شيعة له، فقد اهتم الناس بأمر ديوانه، وشرحوه شروحا عديدة، وترجموه إلى لغات مختلفة، وطبع جملة طبعات، بحيث نستطيع أن نقول دون مبالغة، إن ديوان "علي" نال من المكانة والتقدير ما لم ينله أي ديوان آخر، ليس لما فيه من شعر أو من بلاغة، بل لحرمة ولمكانة صاحبه، ففي هذا الديوان غث كثير، وفيه ما لا يمكن إرجاعه إلى "علي" أبدا5. قال "أبو عثمان" المازني: لم يصح عندنا أن عليا تكلم من الشعر إلا هذين البيتين:

تلكم قريش تمناني لتقتلني

فلا وربك ما برّوا وما ظفروا

فإن هلكت فرهن ذمتي لهم

بذات روقين لا يعفو لها أثر6

1 بروكلمان، تأريخ الأدب العربي "1/ 175".

2 البيان والتبيين "3/ 30".

3 المرزباني، معجم "130"، "عبد الستار أحمد فراج".

4 بروكلمان، تأريخ الأدب العربي "1/ 175 وما بعدها".

5 راجع التفاصيل في بروكلمان، تأريخ الأدب العربي "1/ 175 وما بعدها".

6 الفائق "1/ 512".

ص: 267

ونسبوا لعلي قصيدة في الأيام السبعة منها:

أرى الأحد المبارك يوم سعد

لغرس العود يصلح والبناء

وفي الاثنين للتعليم أمن

وبالبركات يعرف والرخاء

وإن رمت الحجامة في الثلاثا

فذاك اليوم إهراق الدماء

وإن أحببت أن تسقي دواء

فنعم اليوم يوم الأربعاء

وفي يوم الخميس طلاب رزق

لإدراك الفوائد والغناء

ويوم الجمعة التزويج فيه

ولذات الرجال مع النساء

ويوم السبت إن سافرت فيه

وقيت من المكاره والعناء

وقد رويت القصيدة بروايات أخرى1.

ونسبوا "لورقة بن نوفل" شعرا، زعموا أنه قال حين رآهم يعذبون بلالا على إسلامه. منه:

لقد نصحت لأقوام وقلت لهم

أنا النذير فلا يغرركم أحد

لا تعبدن إلاها غير خالقكم

فإن دعيتم فقولوا دونه حدد

سبحان ذي العرش لا شيء يعادله

رب البرية فرد واحد صمد2

وورقة، هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، يجتمع مع النبي في جدّ جدّه. ذكر أنه كره عبادة الأوثان وطلب الدين في الآفاق وقرأ الكتب، وأنه كان حنيفا على ملة إبراهيم، وذكر أنه كان نصرانيا قد تتبع الكتب وعلم من علم الناس، ومات في فترة الوحي قبل نزول الفرائض والأحكام، وروى بعضهم أنه آمن بالرسول وجعله من الصحابة، وشدد الإنكار على من أنكر صحبته، وجمع الأخبار الشاهدة له بأنه في الجنة، وهكذا نجد الروايات تجمع على نبذه عبادة الأوثان، ثم تختلف في أنه كان حنيفا على ملة الأحناف، أو نصرانيا، أما زعم إيمانه بالرسول، وما رووه من الشعر من ذكره اسم الرسول وإيمانه به، ومن أخباره عنه، فإنه من الشعر الموضوع، الذي وضع على لسان غيره أيضا، بزعم إثبات نبوة الرسول، وفي أكثره ركة.

1 نزهة الجليس "1/ 251".

2 الخزانة "2/ 37"، "بولاق"، نسب قريش "208".

ص: 268

وقد نسب بعضه مثل قوله:

لقد نصحت لأقوام وقلت لهم

أنا النذير فلا يغرركم أحد

إلى غيره، فقيل إنه لأمية بن أبي الصلت، وقيل إنه لزيد بن عمرو بن نفيل. غير أن "السهيلي"، و"أبا الربيع" الكلاعي، والبغدادي يرون أنه له1.

ومن الشعر المنسوب إليه قوله:

ارفع ضعيفك لا يَحُرْ بك ضعفه

يوما فندركه العواقب قد نمى

يجزيك أو يثني عليك وإن من

أثنى عليك بما فعلت كمن جزى

وقد نسبا أيضا لزهير بن جناب2.

ولزيد بن عمرو بن نفيل، وهو أحد الأحناف شعر، وهو من المتألهين الذين حاربوا عن مكة طالبا للعلم والمعرفة والدين، ذهب إلى بلاد الشام. وهناك احتك بالنصارى، فتعلم منهم أمور الدين. ولعله تعلم السريانية والرومية بها ونظر في كتب النصرانية، لما يذكره أهل الأخبار من تعلمه للغتين. وفارق شأن بقية الأحناف قومه، وعاب الأصنام والأوثان، ونسب أهل الأخبار إليه أنه كان يسند ظهره إلى الكعبة ثم يقول: يا معشر قريش، والذي نفسي بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري. وكان مثل بقية الأحناف أمثال ورقة بن نوفل، وعثمان بن الحويرث، وعبيد بن جحش وغيرهم، قد خالفوا قريشا، وقالوا: إنكم تعبدون ما لا يضر ولا ينفع من الأصنام وعابوا عليهم ما هم عليه من التقرب إلى الحجارة. وقد أورد من ترجم حياته شيئا من شعره، واستشهدوا ببعضه في الشواهد3.

ومن شعر "زيد بن عمرو بن نفيل" في الأصنام قوله:

تركت اللات والعزى جميعا

كذلك يفعل الجلد الصبور

فلا العزى أدين ولا ابتغيها

ولا صنمي بني غنم أزور

1 الخزانة "2/ 38 وما بعدها"، "بولاق".

2 نسب قريش "207 وما بعدها".

3 الخزانة "3/ 97 وما بعدها"، "بولاق".

ص: 269

ولا هبلا أزور وكان ربا

لنا في الدهر إذ حلمي صغير1

و"سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل"، المعروف بـ "أبي الأعور"، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الصحابة الذين أسلموا قديما، من الشعراء وهو ابن "زيد بن عمرو" المذكور. وكان إسلامه قديما وقبل عمر، وكان إسلام "عمر" عنده في بيته، لأنه كان زوج أخته فاطمة، وقد توفي سنة خمسين، أو إحدى وخمسين، وقيل اثنتين وخمسين2. ومن شعره قوله:

تلك عرساي تنطقان على عمـ

ـد لي اليوم قول زور وهتر

سالتاني الطلاق أن رأتا ما

لي قليلا قد جئتماني بنكر

فلعلّي أن يكثر المال عندي

ويعرى من المغارم ظهري

وترى أعبد لنا وأواق

ومناصيف من خوادم عشر

ونجر الأذيال في نعمة زو

ل تقولان ضع عصاك لدهر

وي كأن من لم يكن له نشب يحبب

ومن يفتقر يعش عيش ضر

ويجنب سر النجي ولكن أخا

المال محضر كل سر3

وكان "نبيه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب" شاعرا، وكان هو وأخوه "منبه" من وجوه قريش وذوي النباهة فيهم، وقتلا ببدر كافرين، وكانا من المطعمين يوم بدر. وقد رثاهما "الأعشى بن نباش بن زرارة" التميمي، حليف بني عبد الدار، وكان مداحا لنبيه بن الحجاج4.

وقد أورد "الزبيري" له شعرا منه قوله:

تلك عرساي تنطقان بهجر

وتقولان قول زور وهتر

تسألان الطلاق إذا رأتاني

قل مالي قد جئتماني بنكر

1 الخزانة "3/ 244 "، "بولاق".

2 الإصابة، "2/ 44"، "رقم 3261".

3 البيان "1/ 235"، الخزانة "3/ 99"، الشنتمري "2/ 170"، عيون الأخبار "1/ 242".

4 الخزانة "3/ 101"، "بولاق".

ص: 270

فلعلّي أن يكثر المال عندي

وتخلى من المغانم ظهري

وترى أعبد لنا وأواق

ومناصيف من ولائد عشر1

وقال "الزبيري" إن له أشعارا كثيرة2. وقد رأينا أن هذا الشعر الذي نسب لنبيه، قد نسب أيضا لزيد. وقد نسب

صاحب "الخزانة" الشعر لزيد، ثم عاد فنسبه لنبيه.

وكان "أبو العاص" المعروف بـ "الأمين" من حكماء وشعراء قريش، ومما نسب إليه من شعر قوله:

أبلغ لديك بني أمية

آية نصحا مبينا

إنا خلقنا مصلحين

وما خلقنا مفسدينا

إني أعادي معشرا

كانوا لنا حصنا حصينا

خلقوامع الجوزاء إذ

خلقوا ووالدهم أبونا3

وهو العاص بن وائل، وكان من أشراف قريش، وفيه يقول ابن الزعبرى:

أصاب ابن سلمى خُلة من صديقه

ولولا ابن سلمي لم يكن لك راتق

فآوى وحيا إذ أتاه بخلة

وأعرض عنه الأقربون الأصادق

فإما أصب يوما من الدهر نصرة

أتتك وإني بابن سلمى لصادق

وإلا تكن إلا لساني فإنه

بحسن الذي أسديت عني لناطق

ثمال يعيش المقترون بفضله

وسيب ربيع ليس فيه صواعق4

وعبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي بن ربيعة بن سعيد بن سهم القرشي السهمي، من "أشعر قريش"5، وكان شديدا على المسلمين، ثم أسلم في الفتح. وذكر أنه لما فتح رسول الله مكة، هرب إلى "نجران"، ثم أسلم ومدح النبي،

1 الأغاني "16/ 62"، نسب قريش "403 وما بعدها".

2 نسب قريش "404".

3 نسب قريش "99".

4 نسب قريش "408 وما بعدها".

5 تاج العروس "3/ 234"، "زبعر"، العمدة "1/ 23".

ص: 271

فأمر له بحلة1. وكان يهاجي "حسان بن ثابت" و "كعب بن مالك". وذكر أنه "كان من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أصحابه بلسانه ونفسه. وكان من أشعر الناس وأبلغهم. يقولون إنه أشعر قريش قاطبة. قال محمد بن سلام: بمكة شعراء فأبرعهم شعرا عبد الله بن الزبعرى، قال الزبير: "كذلك يقول رواة قريش إنه كان أشعرهم في الجاهلية. وأما ما سقط إلينا من شعره وشعر ضرار بن الخطاب، فضرار عندي أشعر منه، وأقل سقطا"2.

كان "ابن الزبعرى" من المؤذين للرسول، قام يوما فأخذ فرثا ودما فلطخ به وجه النبي، فانفتل النبي من صلاته، ثم أتى "أبا طالب" عمه فقال: يا عم ألا ترى إلى مافعل بي؟ فأخذ "أبو طالب" فرثا ودما فلطخ به وجوه القوم الذين كان "ابن الزبعرى" بينهم. وبقي على عداوته هذه للرسول وفي هجائه له وللمسلمين إلى عام الفتح، فأسلم3.

وقد أشرت إلى ما ذكره "ابن سلام" من أمر البيتين اللذين وجدا مكتوبين على باب الندوة، وهما:

ألهى قصيا عن المجد الأساطير

ورشوة مثل ما ترشى السفاسير

وأكلها اللحم بحتا لا خليط له

وقولها رحلت عير أتت عير

وما كان من إجماع أهل مكة على أنها من قول "ابن الزعبرى" ليس غير. وذلك مما أهاج أولاد قصي خاصة، فمشوا إلى "بني سهم" رهط "ابن الزعبرى" طالبين منهم تسليمه لهم ليحكموا فيه حكمهم4.

وفي البيتين، هجاء مر لقصي ولآل قصي، الذين ألهتهم الأساطير عن المجد، وكانوا يرشون ويرتشون مثل ما ترشى السفاسير، وهم السماسرة، أولئك الذين يأكلون اللحم، ولا يعرفون إلا كلام: رحلت عير، أتت عير، كلام التجار. فلا يفهمون قولا غير هذا القول.

1 الإصابة "2/ 300"، "رقم 4679".

2 الاستيعاب "2/ 300 وما بعدها"، "حاشية على الإصابة"، كتاب نسب قريش "251، 300، 386، 402، 408 وما بعدها".

3 تفسير القرطبي "6/ 406 وما بعدها".

4 طبقات "58".

ص: 272

ومن شعر "ابن الزبعرى" قصيدته في وقعة أحد، ومطلعها:

يا غراب البين أسمعت فقل

إنما تنطق شيئا قد فعل

قالها وهو مشرك، فلما أسلم قال:

يا رسول المليك إن لساني

راتق ما فتقت إذ أنا بور1

وقد أشار في قصيدته في يوم أحد، إلى انتصاف أهل مكة من المسلمين بقوله:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

حين ألقت بقُباء بركها

وعدلنا ميل بدر فاعتدل2

وقصيدته في "أحد" من القصائد الجيدة، وقد دونها "ابن هشام في جملة ما دون من الشعر الذي قيل في هذه المعركة، وقد رد عليه "حسان بن ثابت" بقصيدة دونها "ابن هشام" بعدها3.

وله شعر في مدح النبي، فيه:

منع الرقاد بلابل وهموم

والليل معتلج الرواق بهيم

مما أتاني أن أحمد لامني

فيه فبت كأنني محموم

يا خير من حملت على أوصالها

عيرانة سرح اليدين رسوم

إني لمعتذر اليك من الذي

أسديت إذ أنا في الضلال أهيم

أيام تأمرني بأغوى خطة

سهم وتأمرني بها مخزوم

فاغفر فدى لك والدي كلاهما

ذنبي فإنك راحم مرحوم

وعليك من أثر المليك علامة

نور أضاء وخاتم مختوم

مضت العداوة فانقضت أسبابها

ودعت أواصر بيننا وحلوم4

وهي أبيات نظمها معتذرا فيها عما كان منه من هجاء الرسول والمسلمين،

1 السيوطي، شرح شواهد "2/ 549 وما بعدها".

2 ابن سلام، طبقات "58".

3 سيرة "2/ 157"، "حاشية على الروض".

4 ابن سلام، طبقات "59 وما بعدها".

ص: 273

ومن وقوفه مع المشركين في مواقفهم المعروفة، بعد أن سمع بما حل بغيره ممن هجا الرسول من قتل.

ويذكر أهل الأخبار أن "عبد الله بن الزعبرى" و "ضرار بن الخطاب" الفهري، قدما المدينة أيام "عمر بن الخطاب"، فأتيا "أبا أحمد بن جحش" الأسدي، وكان مكفوفا، وكان مألفا يُجتمع إليه ويتحدث عنه، ويقول الشعر، فقالا له: أتيناك لترسل إلى حسان بن ثابت فنناشده ونذاكره، فإنه كان يقول في الإسلام ويقول في الكفر، فأرسل إليه، فجاء فقال: يا أبا الوليد أخواك تطربا إليك: ابن الزبعرى وضرار يذاكرانك ويناشدانك. قال: نعم إن شئتما بدأت وإن شئتما فابدآ قالا: نبدأ. فأنشداه حتى إذا صار كالمرجل يفور قعدا على رواحلهما. فخرج حسان حتى لقي عمر بن الخطاب، وتمثل ببيت ذكره ابن جعدبة لا أذكره. فقال عمر: وما ذاك؟ فأخبره خبرهما. فقال: لا جرم والله لا يفوتانك. فأرسل في أثرهما فرُدا. وقال لحسان أنشد. فأنشد حسان حاجته. قال له: اكتفيت؟ قال: نعم. قال شأنكما الآن، إن شئتما فارحلا وإن شئتما فأقيما"1.

ومن شعره قوله:

ألا لله قوم و

لدت أخت بني سهم

هشام وأبو عبد

مناف مدره الخصم

وذو الرمحين أشبال

على القوة والحزم

فإن أحلف وبيت الله

لا أحلف على إثم

لما أن إخوة بين

قصور الروم والروم

بأزكى من بني ريطة

أو أوزن في حلم2

وكان "الزبير بن عبد المطلب" من فرسان قريش ومن شعرائها3، وقد روى "ابن كثير" له شعرا، ذكر أنه قاله فيما كان من أمر الحية التي كانت

1 ابن سلام، طبقات "60".

2 نسب قريش "300".

3 الاشتقاق "30".

ص: 274

قريش تهاب بنيان الكعبة لها، هو:

عجبت لما تصوبت العقاب

إلى الثعبان وهي لها اضطراب

وقد كانت يكون لها كشيش

وأحيانا يكون لها وثاب

إذا قمنا إلى التأسيس شدت

تهيبنا البناء وقد تهاب

فلما أن خشينا الرجز جاءت

عقاب تتلئب لها انصباب

فضمتها إليها ثم خلت

لنا البنيان ليس له حجاب

فقمنا حاشدين إلى بناء

لنا منه القواعد والتراب

غداة نرفع التأسيس منه

وليس على مساوينا ثياب

أعز به المليك بني لؤي

فليس لأصله منهم ذهاب

وقد حشدت هناك بنو عدي

ومرة قد تقدمه كلاب

فبوأنا المليك بذاك عزا

وعند الله يلتمس الثواب1

وقد وردت هذه الأبيات في سيرة "ابن هشام"2، أخذت من سيرة "ابن إسحاق". وهي ولا شك من ذلك الشعر المصنوع الذي انتحل على الشعراء، وأعطي إلى "ابن إسحاق" فأدخله في سيرته، أسلوبها يتحدث عن نفسه، ونظمها بعيد عن نظم شاعر عاش في ذلك الوقت.

وقد تعرض "ابن سلام" لشعر "الزبير"، فقال عنه: "وأجمع الناس على أن الزبير بن عبد المطلب شاعر، والحاصل من شعره قليل. فما صح عنه قوله:

ولولا الحبش لم يلبس رجال

ثياب أعزة حتى يموتوا

ويقال إن:

إذا كنت في حاجة مرسلا

فأرسل حليما ولا توصه

للزبير3.

1 تفسير ابن كثير "1/ 181".

2 سيرة ابن هشام "1/ 132"، "حاشية على الروض الأنف".

3 طبقات "61".

ص: 275

وكان "الزبير شاعرا مفلقا شديد العارضة مقذع الهجاء، ولما جاء "عبد الله بن الزبعرى" السهمي "بني قصي" رفعوه برمته إلى "عتبة بن ربيعة" خوفا من هجاء "الزبير" فلما وصل "عبد الله" إليهم أطلقه "حمزه بن عبد المطلب" وكساه، فمدحه. وكان "الزبير" غائبا بالطائف أو باليمن، فلما وصل إلى مكة وبلغه الخبر قال:

فلولا نحن لم يلبس رجال

ثياب أعزة حتى يموتوا

ثيابهم سمال أو طمار

بها ودك كما دسم الحميت

ولكنا خلقنا إذ خلقنا

لنا الحبرات والمسك الفتيت1

وقد كان الخلعاء ينزلون على "الزبير بن عبد المطلب"، ومنهم "أبو الطمحان" القيني، وكان فاسقا ومن الشعراء2.

وكان "أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم القرشي" الهاشمي، أن عم الرسول وأخيه في الرضاعة من شعراء قريش المطبوعين. وكان ممن يؤذي النبي والمسلمين، ويهجو رسول الله، وقد عارضه "حسان بن ثابت"، ثم أسلم. وكان إسلامه يوم الفتح قبل دخول رسول الله مكة3. قال "ابن سلام": "ولأبي سفيان بن الحارث شعر، كان يقوله في الجاهلية فقط، ولم يصل إلينا منه إلا القليل، ولسنا نعد ما يروي ابن إسحاق له ولا لغيره شعرا، ولإن لا يكون لهم شعر أحسن من أن يكون ذلك لهم. قال أبو سفيان:

لعمرك إني يوم أحمل راية

لتغلب خيل اللات خيل محمد

أنا المدلج الحيران أظلم ليله

بعيد أرجى حين أهدى واهتدي

هداني هاد غير نفسي وقادني

إلى الله من طردت كل مطرد4

ــ

1 العمدة "1/ 66".

2 الشعر والشعراء "1/ 304"، "دار الثقافة".

3 الإصابة "4/ 90"، "رقم 538"، الاستيعاب "4/ 83"، "حاشية على الإصابة"، الاشتقاق "2/ 260".

4 ابن سلام، طبقات "61"، المرزباني، معجم "271"، ابن سعد، طبقات "4/ 51"، "صادر"، وتجد فيه بعض الاختلاف في الشعر.

ص: 276

وروي له شعر قاله يوم تعرض المسلمون لقافلة "أبي سفيان"، ويوم أحد، وفي المناسبات الأخرى1. وله شعر يوم أحد، وقد رد عليه حسان بن ثابت2 وبقية شعراء المسلمين حيث كان بينهم وبين شعراء مكة مساجلات.

وكان نديما لعمرو بن العاص السهمي، وكان الحارث بن حرب بن أمية، نديما للحارث بن عبد المطلب3، وكان الحارث بن عبد المطلب من المؤلفة قلوبهم4.

ولما توفي الرسول رثاه "أبو سفيان بن الحارث" بقصيدة مطلعها:

أرقت فبات ليلي لايزول

وليل أخي المصيبة فيه طول

وأسعدني البكاء وذاك فيما

أصيب المسلمون به قليل

لقد عظمت مصيبتنا وجلت

عشية قيل قد قبض الرسول

وأضحت أرضنا مما عراها

تكاد بنا جوانبها تميل

فقدنا الوحي والتنزيل فينا

يروح به ويغدو جبرئيل

وذاك أحق ما سالت عليه

نفوس الناس أو كريت تسيل

نبي كان يجلو الشك عنا

بما يوحى إليه وما يقول

ويهدينا فلا نخشى ضلالا

علينا والرسول لنا دليل

أفاطم إن جزعت فذاك عذر

وإن لم تجزعي ذاك السبيل

فقبر أبيك سيد كل قبر

وفيه سيد الناس الرسول5

وقد وضعت أشعار على لسان "أبي سفيان" في هجاء "حسان بن ثابت". فقد هجا "قتادة بن موسى" الجمحي حسان بن ثابت بأبيات ونحلها "أبا سفيان". وقتادة من الشعراء المخضرمين6.

وضرار بن الخطاب بن مرداس بن كثير بن عمرو بن سفيان بن محارب بن فهر القرشي الفهري من ظواهر قريش، وكان لا يكون بالبطحاء إلا قليلا.

1 ابن سلام، طبقات "61 وما بعدها".

2 ابن سلام "62"، أمالي المرتضى "1/ 632".

3 المحبر "177".

4 المحبر "473".

5 الروض الأنف "2/ 379 وما بعدها".

6 الإصابة "3/ 217"، "رقم 7077".

ص: 277

وكان أبوه رئيس بني فهر في زمانه، وكان يأخذ المرباع لقومه. وقد قدمه بعض رواة الشعر من قريش على "عبد الله بن الزبعرى"، وعدوه من الشعراء المطبوعين المجودين، قاتل المسلمين في الوقائع أشد القتال، ثم أسلم في الفتح1.

وهو من الأشراف2. وذكر أنه: كان من فرسان قريش وشجعانهم وشعرائهم المطبوعين المجودين، حتى قالوا: ضرار بن الخطاب فارس قريش وشاعرهم. قال الزبير بن بكار: لم يكن في قريش أشعر منه ومن ابن الزبعرى. قال الزبير: ويقدمونه على ابن الزبعرى، لأنه أقل منه سقطا، وأحسن صنعة"3. وكان من فرسان قريش يوم الخندق.

ولضرار شعر قاله في يوم "بدر"4، وشعر في رثاء "أبي جهل"5. وأشعار أخرى في أحد الوقائع الأخرى تجدها في سيرة "ابن هشام".

وكان ضرار جمع من حلفاء قريش ومن مراق كنانة ناسا، فكان يأكل بهم ويغير ويسبي، ويأخذ المال. وكان خرج في الجاهلية في ركب من قريش فمروا ببلاد دوس، وهم يطالبون قريشا بدم "أبي أزيهر"، قتله "هشام بن المغيرة"، فثاروا بهم وقتلوا فيهم، فقاتلهم ضرارا، ثم لجأ إلى امرأة منهم، يقال لها:"إم غيلان" مقينة تقين العرائس، فساعدته وساعده بنوها وبناتها، فسلم. ولقي ضرار يوم أحد "عمر بن الخطاب"، فضربه بعارضه سيفه، وقال: انج يا ابن الخطاب، لأنه كان قد آلى أن لا يقتل يومئذ قرشيا، فلما ولي "عمر" الخلافة، وسمعت "أم غيلان" بذكر "ابن الخطاب" ظنته ضرارا، فقدمت المدينة، فتوسط لها "ضرارا" عند الخليفة فأثابها6.

1 الإصابة "2/ 201"، "رقم 4173"، الاستيعاب "2/ 201"، "حاشية على الإصابة"، تاج العروس "3/ 234"، "زبعر" كتاب نسب قريش "126، 264، 433 وما بعدها".

2 تاج العروس "3/ 350"، "ضرر".

3 الاستيعاب "2/ 201 وما بعدها"، "حاشية على الإصابة".

4 سيرة ابن هشام "2/ 109"، "حاشية على الروض الأنف".

5 سيرة ابن هشام "2/ 113"، "حاشية على الروض الأنف".

6 ابن سلام، طبقات "63".

ص: 278

وكان من مسلمة الفتح، ومن شعره في يوم الفتح، قوله:

يا نبي الهدى إليك لجاحي

حي قريش وأنت خير لجاء

حيث ضاقت عليهم سعة الأر

ض وعاداهم إله السماء

والتقت حلقتا البطان على القو

م ونودوا بالصيلم الصلعاء

إن سعدا يريد قاصمة الظهـ

ـر بأهل الحجون والبطحاء

خزرجي لو يستطيع من الغيـ

ـظ رمانا بالنسر والعواء

وغر الصدر لا يهم بشيء

غير سفك الدماء وسبي النساء

قد تلظى على البطاح وجاءت

عنه هند بالسوءة السواء

إذ تنادى بذل حي قريش

وابن حرب بدا من الشهداء

فلئن أقحم اللواء ونادى

يا حماة اللواء أهل اللواء

ثم ثابت إليه من نهر الخز

رج والأوس أنجم الهيجاء

لتكونن بالبطحاء قريش

فقعة القاع في كف الإماء

فانهينه فإنه أسد الأسـ

ـد لدى الغاب والغ في الدماء

إنه مطرق يدير لنا الأمـ

ـر سكونا كالحية الصماء1

ومن الشعراء الذين هجوا الرسول والإسلام "هبيرة بن أبي وهب" المخزومي. من فرسان قريش وشعرائها، وكان مثل "الزبعرى" ممن يؤذون الإسلام، فهدر النبي دمه، فهرب إلى "نجران" حتى مات بها كافرا. وكانت عنده "أم هانئ" ابنة "أبي طالب" فأسلمت عام الفتح، فقال حين بلغه إسلامها قصيدة من بينها هذه الأبيات:

أشاقتك هند أم نآك سؤالها

كذاك النوى أسبابها وانفتالها

وقد أرقت في رأس حصن ممرد

بنجران يسري بعد نوم خيالها

وإن كنت قد تابعت دين محمد

وعطفت الأرحام منك حبالها

وهي قصيدة رويت في موارد متعددة مع شيء من الاختلاف2.

1 الاستيعاب "2/ 26 وما بعدها"، "حاشية على الإصابة".

2 كتاب نسب قريش "39، 344"، الشعر والشعراء "80"، الاشتقاق "95"، البيان والتبيين "2/ 203"، العمدة "1/ 23".

ص: 279

وأورد "ابن هشام" قصيدة لـ "هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ" المخزومي، في معركة "أحد"1. وذكر "ابن سلام" أن "هبيرة"، كان شاعرا من رجال قريش المعدودين، وكان شديد العداوة لله ولرسوله، فأخمله الله ودحقه، وهو الذي يقول يوم أحد:

قدنا كنانة من أكتاف ذي يمن

عرض البلاد على ما كان يزجيها

قالت كنانة أنى تذهبون بنا

قلنا النخيل فأموها وما فيها

وله شعر كثير وحديث"2.

و"الحارث بن هشام بن المغيرة" المخزومي، أخو "أبي جهل" وابن عم "خالد بن الوليد"، كان من أشراف قومه، وقد مدحه "كعب بن الأشرف اليهودي، وكان فيمن شهد بدرا مع المشركين، وفر حينئذ وقتل أخوه أبو جهل، فعير بفراره، فمما قيل فيه قول حسان بن ثابت:

إن كنت كاذبة الذي حدثتني

فنجوت منجى الحارث بن هشام

ترك الأحبة أن يقاتل دونهم

ونجا برأس طمرة ولجام

فأجابه الحارث:

الله يعلم ما تركت قتالهم

حتى رموا فرسي بأشقر مزيد

فعلمت أني إن أقاتل واحدا

أقتل ولايبكي عدوي مشهدي

ففرت عنهم والأحبة فيهم

طمعا لهم بعقاب يوم مرصد

ويرى علماء الشعر أن هذه الأبيات أحسن ما قيل في الاعتذار من الفرار3.

1 ابن هشام، سيرة "2/ 155"، "حاشية على الروض".

2 طبقات "65".

3 الإصابة "1/ 293"، "رقم 1504"، "فاعتذر إليه الحارث بن هشام من فراره يومئذ، بما زعم الأصمعي أنه لم يسمع بأحسن من اعتذاره ذلك من فراره"، الاستيعاب "1/ 308"، "حاشية على الإصابة"، نسب قريش "301 وما بعدها"، وقد روى الشعر بصورة مختلفة.

ص: 280

وكان الحارث يضرب به المثل في السؤدد حتى قال الشاعر:

أظننت أن أباك حين تسبني

في المجد كان الحارث بن هشام

أولى قريش بالمكارم والندى

في الجاهلية كان والإسلام1

وله أشعار في بدر وفي المناسبات الأخرى التي وقعت مع المسلمين، وله شعر في رثاء أخيه "أبي جهل". وذكر "ابن هشام" أن بعض أهل العلم بالشعر ينكر بعض هذا الشعر2.

وقد شهد "أحدا" مشركا حتى أسلم يوم فتح مكة، وكان من المؤلفة قلوبهم، وشهد مع النبي حنينا فأعطاه مائة من الإبل كما أعطى المؤلفة قلوبهم، وكان من المطعمين بمكة. وخرج إلى الشام في زمن "عمر"، فتبعه أهل مكة يبكون فراقه، وتوفي هناك بطاعون عمواس سنة ثمانية عشرة في رواية، أو بيوم اليرموك رجب سنة خمسة عشرة في رواية أخرى3.

ومن شعراء قريش: "مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار بن قصي" القرشي، وهو جاهلي، من معاصري "هشام بن المغيرة" المخزومي4.

ومن شعراء قريش الذين أدركوا الإسلام وصاروا عليه، "ابن خطل"، "عبد الله بن خطل"، أو "آدم" القرشي الأدرمي. وهو من ولد "تميم بن غالب". وكان ممن يهجو الرسول والإسلام، ويأمر قينتين له بأن تغنيا بهجاء الرسول. فأهدر النبي دمه ولو وجد تحت أستار الكعبة. وإنما أمر بقتله لأنه كان مسلما، ثم ارتد مشركا، وكانت له قينتان: فرتني وأخرى معها، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله، فأمر بقتلهما معه. فقتله "أبو برزة" الأسلمي وهو متعلق بأستار الكعبة5.

1 الإصابة "1/ 293"، "رقم 1504".

2 ابن هشام، سيرة "2/ 113"، "حاشية على الروض".

3 الإصابة "1/ 293"، "رقم 1504"، الاستيعاب "1/ 307"، "حاشية على الإصابة"، ابن سلام، طبقات "33 وما بعدها".

4 المرزباني، معجم "255".

5 الطبري "3/ 59"، "فتح مكة"، العمدة "1/ 23".

ص: 281

ومن شعراء قريش "أبو العاصي بن أمية الأكبر بن عبد شمس"، كان يقال له "الأمين"، وكان من حكماء قريش. وينسب إليه قوله:

أبلغ لديك بني أمية

آية نصحا مبينا

إنا خلقنا مصلحين

وما خلقنا مفسدينا

إني أعادي معشرا

كانوا لنا حصنا حصينا

خلقوا مع الجوزاء إذ

خلقوا ووالدهم أبونا1

وكان "أبو عزة" واسمه "عمرو بن عبد الله بن عمير" شاعرا، كان مملقا ذا عيال، فأسر يوم بدر كافرا، فمن عليه الرسول على أن لا يهجو المسلمين، فعاهده وأطلقه. فلما كان يوم أحد، أطمعه "صفوان بن أمية بن خلف الجمحي"، وكان محتاجا، والمحتاج يطمع، فأخذ يحرض الناس على الإسلام، فقتل.

وقيل إنه برص بعد ما أسن، وكانت قريش تكره الأبرص، وتخاف العدوى، فكانوا لا يؤاكلونه ولا يشاربونه ولا يجالسونه، فكبر ذلك عليه، فصعد جبل حراء، يريد قتل نفسه، فطعن بها في بطنه، فسال ماء أصفر، وذهب ما كان به، فقال في ذلك شعرا2. وذكر "الزبير" أنه أسر يوم "بدر" وكان ذا بنات؟ فقال:"دعني لبناتي" فرحمه، وأخذ عليه ألا يكثر عليه بعدها، فلما جمعت قريش لرسول الله لتسير إليه، كلمه "صفوان بن أمية" وسأله أن يخرج إلى "بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة"، وهم حلفاء قريش، فيسألهم النصر، فأبى عليه، وقال:"إن محمدا قد من علي وأعطيته ألا أكثر عليه"، فلم يزل صفوان يكلمه حتى خرج إلى بني الحارث، يحرضهم على الخروج مع قريش والنصر لهم، فقال في ذلك:

أنتم بنو الحارث والناس إلهام

أنتم بنو عبد مناة الرزام

أنتم حماة وأبوكم حام

لا تعدوني نصركم بعد العام

لا تسلموني لا يحل إسلام

1 كتاب نسب قريش "98 وما بعدها".

2 ابن سلام، طبقات "63 وما بعدها".

ص: 282

فلما انصرفت قريش من أحد، تبعهم رسول الله حتى بلغ "حمراء الأسد"، فأصاب بها "عمرا"؛ فقال له:"يامحمد! عفوك! " فقال له الرسول، "لا تمسح سبلتيك بمكة، تقول: خدعت محمدا مرتين! ""لايلدغ مؤمن من جحر مرتين، وقتله صبرا"1.

ومن شعراء قريش "حرب بن أمية"2، وهو من بني أمية3، وكان رئيسا بعد المطلب4، وهو والد "أبي سفيان بن حرب"، وقد زعم أن الجن قتلته، وأنشدوا في ذلك شعرا ذكروا أن الجن قالته، هو:

وقبر حرب بمكان قفر

وليس قرب قبر حرب قبر5

وقد زعموا أن الجن خنقته6. وقد نسبوا له هذه الأبيات:

أبا مطر هلم إلى صلاح

فتكفيك الندامى من قريش

فتأمن وسطهم وتعيش فيهم

أبا مطر هديت لخير عيش

وتنزل بلدة عزت قديما

وتأمن أن يزورك رب جيش

قالوا إنه قالها مخاطبا بها "أبا مطر" الحضرمي، يدعوه إلى حلفه ونزول مكة7.

ومن شعراء قريش الذين أدركوا الإسلام: "أبو زمعة"، واسمه "الأسود بن عبد المطلب". له شعر رثا به من قتل ببدر، منه:

تبكِّي أن يضل لها بعير

ويمنعها من النوم السهود

1 نسب قريش "397 وما بعدها".

2 نسب قريش "157".

3 المحبر "132".

4 المحبر "165".

5 الحيوان "6/ 207"، معاهد التنصيص "1/ 12 وما بعدها"، المعارف "32".

6 الحيوان "1/ 302".

7 الحيوان "3/ 141".

ص: 283

فلا تبكي على بكر ولكن

على بدر تقاصرت الجدود

على بدر سراة بني هصيص

ومخزوم ورهط أبي الوليد

وبكّي إن بكيت على عقيل

وبكي حارثا أسد الأسود

وبكي إن بكيتهم جميعا

وما لأبي حكيمة من نديد

ألا قد ساد بعدهم رجال

ولولا يوم بدر لم يسودوا1

1 نسب قريش "218 وما بعدها".

ص: 284