المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامس والستون بعد المائة: الشعراء اليهود - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٨

[جواد علي]

الفصل: ‌الفصل الخامس والستون بعد المائة: الشعراء اليهود

‌الفصل الخامس والستون بعد المائة: الشعراء اليهود

لا نعرف نصا جاهليا جاء فيه خبر عن شعر يهودي، وعن شاعر يهودي عاش في بلاد العرب. وكل ما ورد إلينا عن شعر يهود، مستقى من الموارد الإسلامية حسب. وكذلك لا نعرف مصدرا عبرانيا أو غير عبراني، تعرض الأمر شعر اليهود في جزيرة العرب. ولهذا فحديثي عن شعر يهود في أيام الجاهلية مستمد من الموارد الإسلامية وحدها.

ومن يلقِ نظرة على أشعار اليهود لا يجد فيها أي أثر لليهودية، ولا أية مصطلحات تشعر أن صاحبها يهودي. فلا نجد فيها شيئا من قصص التوراة أو التلمود أو المشنا أو "الكمارة" أو أي شيء له صلة بعقيدة يهودية. مع أننا قد وجدنا شيئا من قصص العهد القديم في شعر "أمية بن أبي الصلت"، وهو غير يهودي. فهل يعني هذا أن شعراء اليهود لم يكن لهم ميل إلى التحدث في أمور الدين، والنظر في أحكام الشريعة، وفي التفكير في خلق السماوات والأرض والإنسان وفي الموت والفناء، أو أنهم كانوا في جهل بها، وكان أمرها عندهم إلى رجال دينهم، هم يبحثون فيها، ولهذا لم يحملوا أنفسهم مشقة التعرض لها والبحث فيها، أو أنهم كانوا قد تطرقوا فعلا إلى هذه الأمور، وجاءوا في شعرهم بأشياء مما يختص بدينهم ويميزهم عن غيرهم، وتطرقوا إلى عاداتهم وأشادوا بذكر أنبيائهم، غير أن الرواة المسلمين لم يحفلوا بشعرهم لأنه شعر يهودي،

ص: 334

فضاع، كما ضاع شعر الوثنيين إذ لم يرو منه القليل1.

وقد ذهب "ولفنسون" إلى أن السبب في قلة ما وصل إلينا من شعر اليهود في الجاهلية ومن أسماء شعرائهم، إنما يرجع إلى ضعف إقبال اليهود على اعتناق الإسلام. والذي حافظ على القليل الذي وصل إلينا هم اليهود الذين اعتنقوا الإسلام، ومن تناسل منهم تخليدا لما كان لأجدادهم من مجد أثيل وشرف عظيم. ولو لم يسلم بعض الأفراد من ذرية السموأل، لكان من الجائز عدم وصول أي شيء من شعره إلينا2.

وذهب "الدكتور طه حسين" إلى أن اليهود قالوا كثيرا من الشعر في الدين وهجاء العرب، وأنهم انتحلوا وصنعوا شعرا لإثبات وجود لهم في الشعر، فنسبوه إلى شعراء يهود، ولكن الرواة العرب لم يحفلوا به فضاع3.

وقد أدخل "كارلو نالينو" الشعراء اليهود مع الشعراء الوثنيين، وجعلهم في الصنف الأول من أصناف طبقات الشعراء على حسب تصنيفه لهم إلى أربع طبقات وقال:"لا تستغربوا عدم الفرق بين الوثنيين واليهود من أهل البادية ووجوده بين الوثنيين والنصارى من أهل الحضر، لأنكم إذا اطلعتم على ما وصل إلينا من أشعار اليهود قبل الإسلام ما ألفيتم فيها شيئا أو عبارة يميزها عن سائر أهل البادية. فمن طالع مثلا أبيات "السموأل بن عادياء" "مع قطع النظر عن قصيدة واضحة التزوير منسوبة إليه لم تعرف ولم تطبع إلا حديثا" لما توهم أن صاحبها تابع لدين اليهود. والأمر كذلك أيضا في سائر أشعار يهود جزيرة العرب مثل شعبة بن غريض، والربيع بن أبي الحقيق وغيرهما التي اعتنى بجمعها "نولدكه" و "فرانز دلتش" ليس من المستحيل أن ما فقد من أشعارهم "وهو كثير بالإضافة إلى ما حفظ"، قد حوى أشياء مما يختص بدينهم وليس من المحال أيضا أن الرواة المسلمين امتنعواعن نقلها لهذا السبب، ولكن لايجوز لنا الحكم إلا في الموجود المعروف الذي لا يختلف عن شعر أهل البادية الوثنيين لا لغة ولا أسلوبا ولا مأخذا، كأن دينهم لم يؤثر في شعرهم البتة4.

1 كارلو نالينو، تأريخ الآداب العربية "71".

2 تأريخ اليهود في بلاد العرب "24 وما بعدها".

3 المصدر نفسه.

4 كارلو نالينو "ص71".

ص: 335

ولكنني أجد من مطالعتي لشعرهم نفسا يختلف عن النفس الذي نجده في شعر شعراء البادية، ذلك هو ميل هذا الشعر إلى التحدث عن المثل الأخلاقية، كالإنصاف والحكم بالعدل، والحلم، والصداقة، واحترام حق الصديق، والاتعاظ بالموت وبحوادث الدهر، وبوجوب الوفاء، خذ الأبيات المنسوبة إلى "الربيع بن أبي الحقيق"، وهي:

سائل بنا خابر أكمائنا

والعلم قد يُلقى لدى السائل

لسنا إذا جارت دواعي الهوى

واستمع المنصت للقائل

واعتلج القوم بألبابهم

بقائل الجود ولا الفاعل

إنا إذا نحكم في ديننا

نرضى بحكى العادل الفاصل

لا نجعل الباطل حقا ولا

نلط دون الحق بالباطل

نخاف أن تسفه أحلامنا

فنخمل الدهر مع الخامل1

ففيها إشارة إلى دين يأمر بالعدل والإنصاف، وبعدم مزج الباطل بالحق، ينهى عن الظلم ويأمر بالحق وفيها -إن صح بالطبع أنها من شعرهم- منطق واستماع إلى صوت متظلم، يعمد إلى رفع شكواه إلى المنصفين لإنصافه، فينصف، فأخذ الحق هنا هو بحكم الدين وقواعد العدالة لا بالسيف وبحكم العصبية والأخذ بالثأر، ونجد مثل ذلك في بقية شعرهم، وتحمل هذه الظاهرة المرء على التفكير في سبب ظهور هذا النوع من الشعر، وهل هو شعر جاهلي يهودي أصيل، أم أنه شعر مصنوع، وضع عليهم في الإسلام، لمآرب مختلفة، مثل المأرب الذي حمل الرواة على نسبة القصيدة المشهورة:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه

فكل رداء يرتديه جميل

إلى السموأل، وكذلك بعض الأشعار الأخرى!

وقد ذكر "ابن سلام" أسماء فحول شعراء يهود، فجعلهم: السموأل بن الغريض بن عادياء، والربيع بن أبي الحقيق، وكعب بن الأشرف، وشُرَيح بن عمران، وشُعية بن غريض، وأبو قيس بن رفاعة، وأبو الذيّال، ودرهم

1 ابن سلام، طبقات "71".

ص: 336

ابن زيد1. وأضاف غيره إليهم: أوس بن دنى، وسماك، والغريض بن السموأل2 و "سلام بن مشكم" و "كنانة بن أبي الحقيق"3.

والسموأل، هو أشهر شاعر يهودي. وهو على ما يقوله لنا الأخباريون يهودي ثري شاعر، عرف بـ "السموأل بن عاديا"، وبـ "السموأل بن عادياء" الأزدي، وبـ "السموأل بن غريض بن عاديا "عادياء" اليهودي"4، وبـ "السموأل بن حيان بن عادياء"5، وبـ "السموأل بن عادياء بن حيا"6، وبـ السموأل بن حيا بن عادياء بن رفاعة بن الحارث بن ثعلبة بن كعب"7، وبـ "السموأل بن أوفى بن عادياء"8، و "السموأل بن أوفى بن عادياء بن رفاعة بن جفنة"، وبـ "السموأل بن غريض بن عاديا بن حباء". واختلفوا في نسب "عادياء" "عاديا"، فقالوا: "عادياء بن حباء"، وقالوا: "عادياء بن رفاعة بن جفنة"، وقالوا: إنه من ولد "الكاهن بن هارون بن عمران"9، وقالوا إنه من "بني غسان"، ونسبه "دارم بن عقال"، إلى "رفاعة بن كعب بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء". وهو نسب أنكره "أبو الفرج الأصبهاني" حيث قال: "وهذا عندي محال، لأن الأعشى أدرك شريح بن السموأل، وأدرك الإسلام، وعمرو مزيقيا قديم لا يجوز أن يكون بينه وبين السموأل ثلاثة آباء ولا عشرة ولا أكثر

وقد قيل إن أمه كانت من غسان"10. ونسب السموأل أيضا إلى الأزد 11. وذكر "ابن دريد" أن السموأل

1 طبقات، ابن سلام "70".

2 الأغاني "19/ 94 وما بعدها".

3 الاستيعاب "4/ 337"، "حاشية على الإصابة".

4 "عادياء" الأغاني "19/ 89"، ابن سلام، طبقات "235"، "طبعة دار المعارف"، "تحقيق محمود محمد شاكر"، تاج العروس "7/ 382"، "سمل"، شرح شواهد المغني "2/ 535"، ENCY.، IV، P. 133

5 الميداني، الأمثال "2/ 276"، المشرق، السنة الثانية عشرة، 1909م، العدد3 آذار "ص162".

6 المعرب، للجواليقي "188".

7 ابن دريد، الاشتقاق "259".

8 المشرق، العدد المذكور "162"، السيوطي، شرح شواهد "2/ 531"، الأغاني "3/ 12".

9 معاهد التنصيص "1/ 131"، المشرق، العدد المذكور.

10 الأغاني "19/ 98"، المشرق، العدد المذكور.

11 المعرب "188".

ص: 337

من "بني غسان"، ولكنه ذكر أيضا أنه كان يهوديا1، ونسبه "محمد بن حبيب" إلى غسان كذلك، ولم يشر إلى تهوده2. وقد جعل "ابن قتيبة" السموأل ملكا على تيماء3.

والسموأل جد "صفية بن حيي بن أخطب" لأمها. وهي يهودية، وقد تزوجها الرسول4. وقد نسبها "ابن عبد البر" على هذه الصورة: صفية بن حيي بن أخطب بن سعنة بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن النحام بن تخوم من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران. وأمها "برة بنت سموأل"5. وكانت عند "سلام بن مشكم"، وكان شاعرا، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق، وهو شاعر، فقتل يوم خيبر، وتزوجها رسول الله، في سنة سبع من الهجرة.

وقد اشتهر السموأل بالوفاء، أكثر من اشتهاره بالشعر، ولا زال العرب يتبجحون بوفائه ويضربون به المثل في الوفاء. واشتهر بقصره الذي ضرب به المثل بالضخامة والجسامة، وهو "الأبقل" بـ "تيماء"، أو على مقربة منها. حتى زعم أهل الأخبار أنه من أبنية "سليمان بن داود" بناه بتيماء، واستشهدوا على صحة دعواهم ببيت شعر زعموا أنه من شعر الأعشى، هو:

ولا عاديا لم يمنع الموت ماله

وورد بتيماء اليهودي أبلق

بناه سليمان بن داود حقبة

له أزج حم وطي موثق6

لكنهم يذكرون أيضا أنه من بناء "عاديا" والد السموأل، ويستشهدون على صحة روايتهم بشعر ذكروا أنه للسموأل نفسه، يقول فيه:

1 الاشتقاق "259".

2 المحبر "349".

3 الشعر والشعراء "1/ 60، 61".

4 الإصابة "4/ 337 وما بعدها"، "رقم 650".

5 الاستيعاب "4/ 337"، "حاشية على الإصابة".

6 تاج العروس "6/ 298"، "بلق"، راجع قصيدة الأعشى رقم 25 في ديوانه، "له جندل صم وطي موثق"، "له أزج عال وطي موثق"، الحيوان "6/ 118"، "تحقيق عبد السلام هارون"، المشرق، الجزء المذكور "193".

ص: 338

بنى لي عاديا حصنا حصينا

وعينا كلما شئت استقيت

وأطما تزلق العقبان عنه

إذا ما ضامني أمر أبيت1

وقد زعموا أنه عرف بـ "الأبلق الفرد". أخذوا ذلك من شعر نسبوه إلى السموأل، هو:

هو الأبلق الفرد الذي سار ذكره

يعز على من رامه ويطول2

وذكروا أنه إنما عرف بالأبلق، لأنه كان في بنائه بياض وحمرة، وقيل لأنه بني من حجارة مختلفة الألوان3. وقد ذكر في شعر الأعشى:

وحصن بتيماء اليهودي أبلق4

وفي شعر آخر له أيضا هو:

بالأبلق الفرد من تيماء منزله

حصن حصين وجار غير ختار5

وزعم أهل الأخبار، أن الزباء "ملكة الجزيرة" قصدته فعجزت عنه وعن مارد، فقالت:"تمرد مارد وعز الأبلق"، فسيرته مثلا6. ولا أستبعد كون حصن السموأل من الحصون أو القصور القديمة التي كانت بتيماء. ورثه "السموأل" من آبائه وأجداده، فقد كان البابليون قد بنوا بها قصورا وحصونا، لما اتخذت عاصمة لهم، وسكنها ملكهم، ثم إنها كانت من المدن القديمة العامرة، وقد كانت الأسر الكبيرة الغنية تبني القصور الفخمة في المدن للتحصن بها من الغزو ومن غارات الأعداء عليها، كما كانت الحكومات، ولا سيما حكومات المدن تقيم الحصون القوية المنيعة في المدن، للدفاع عنها، ولتكون مقرا للحكام، وتشاهد إلى اليوم آثار القصور والأبنية الضخمة التي كانت في تيماء. ومما يؤيد

1 تاج العروس "6/ 298"، "بلق".

2 تاج العروس "6/ 298"، "بلق".

3 تاج العروس "6/ 298"، "بلق".

4 اللسان "10/ 26"، "بلق".

5 "غير غدار"، اللسان "10/ 26"، "بلق".

6 تاج العروس "6/ 298"، "بلق".

ص: 339

رأيي في أن قصر "السموأل"، أي حصنه من الحصون القديمة هو ما ورد في شعر "الأعشى" من أنه من أبنية "سليمان" ومن ورود لفظة "عاديا" في شعر الأعشى كذلك، وفي شعر السموأل:

بنى لي عاديا حصنا حصينا

وعينا كلما شئت استقيت

ولفظة "عاديا"، وإن صيرت اسم علم لرجل، لكني أعتقد أنها ليست علما، وإنما تعني القدم، فالعادي عند العرب القديم جدا، ولو كان "عاديا" جد "السموأل"، فكيف نوفق بين الشعر المذكور المنسوب إلى الأعشى الذي يزعم أنه من أبنية سليمان، ثم قولهم إن "عاديا" من أجداد السموأل، ثم قولهم إنه من الحصون القديمة، وأنه تعزز على "الزباء" لما أرادت فتحه، في الأسطورة التي يرويها أهل الأخبار، والتي تدل على قدم الحصن. ولكن ليس من المستبعد أن يكون أحد أجداد السموأل، قد جدد في بنائه ورممه لإصلاح ما أفسده الزمان منه، وأما الحصن نفسه فربما كان من بقايا أبنية البابليين بتيماء، فقد كانت "تيماء" معروفة في أيام "البابليين"، وموجودة في أيامهم، بدليل أن "نبونيد" ملك بابل جاء إليها فاتخذها أمدا عاصمة له.

وقصة وفاء السموأل قصة مشهورة، وقد تحدثت عنها، وذكر أن السموأل لما أبى دفع الدروع إلى الملك، وشاهد منظر ذبح ابنه، قال في ذلك:

وفيت بأدرع الكندي إني

إذا ما خان أقوام وفيت

وقالوا عنده كنز رغيب

فلا وأبيك أغدر ما مشيت

بنى لي عاديا حصنا حصينا

وبئرا كلما شئت استقيت1

وتعد قصيدة السموأل التي مطلعها:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه

فكل رداء يرتديه جميل

من أجمل القصائد السلسة المنظومة في الوفاء وفي الفخر. وقد سجلت ثمانية أبيات منها في الكتاب المسمى: "تأريخ ملوك العرب الأولية من بني هود وغيرهم"

1 المحاسن والأضداد "36 وما بعدها".

ص: 340

المنسوب لـ "أبي سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي"، رواية "أبي يوسف يعقوب بن السكيت". وقد تم استنساخا في عاشر شوال سنة ثلاث وأربعين ومائتين1. وهو كتاب لم يشر "ابن النديم" إليه، لا في أثناء حديثه عن "الأصمعي" ولا في أثناء كلامه على "ابن السكيت".

وأول هذه الأبيات المدونة فيه:

تعيرنا أنا قليل عديدنا

فقلت لها إن الكرام قليل2

وقد اختلف العلماء في قائل القصيدة، فمنهم من نسبها إلى السموأل، ومنهم من نسبها لابنه "شريح"3، ومنهم من جعلها لدكين4، ومنهم من نسبها لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي5، ومنهم من جعلها للجلاح الحارثي6. ورجح "بروكلمان" نسبتها لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي، وهو شاعر إسلامي7. ويقول "التبريزي" في شرحه للبيت:

فإن بني الديان قطب لقومهم

تدور رحاهم حولهم وتجول

وهو من أبيات هذه القصيدة، يذكر أنه لعبد الله الحارثي لا للسموأل8.

ويلاحظ أن "أبا الفرج الأصبهاني"، قد نسب القصيدة المذكورة للسموأل ثم نسبها إلى "شريح"، الذي هو ابن السموأل في موضع آخر، ثم نسبها إلى

1 نشره الشيخ محمد حسن آل ياسين، بعنوان: تأريخ العرب قبل الإسلام "بغداد 1959م"، وتجد القصيدة في ديوان الحماسة "ص39"، طبعة أوروبة"، وفي نزهة الجليس "2/ 149 وما بعدها".

2 طبع ديوانه مرارا، وطبع ببغداد سنة 1955م، راجع عن شعره، شرح شواهد المغنى "2/ 531 وما بعدها"، الحماسة "1/ 108"، الأمالي "1/ 269"، البيان والتبيين "3/ 185"، ديوان الحماسة "1/ 27"، أمالي القالي "1/ 269 وما بعدها"، الأغاني "6/ 76 وما بعدها"، عيون الأخبار "3/ 173".

3 ديوان الحماسة "39"، "طبعة أوروبة"، الحماسة "1/ 108"، الأمالي "1/ 269".

4 السيوطي، شرح شواهد "2/ 531"، الأغاني "9/ 253".

5 شرح شواهد "2/ 531".

6 السيوطي، شرح شواهد "2/ 531".

7 بروكلمان "1/ 121".

8 ولفنسون، تأريخ اليهود في بلاد العرب "27".

ص: 341

"دكين العذري" في موضع ثالث1، مما يدل على أنه أخذ من مصادر مختلفة، اختلفت فيما بينها في نسبة القصيدة إلى صاحبها2. كما نجد الرواة يختلفون فيما بينهم في ترتيب أبيات القصيدة، فمنهم من يقدم فيها، ومنهم من يؤخر، ويبعث هذا الاختلاف الريبة في صحة نسبة القصيدة إلى السموأل3.

ولما تحدث "ابن قتيبة" عن الشاعر "دكين بن رجاء" من بني فُقيم الراجز، وهو من شعراء العصر الأموي، ومن المتصلين بـ "عمر بن عبد العزيز"، قال عنه: إنه هو القائل:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه

فكل رداء يرتديه جميل

وإن هو لم يضرع عن اللؤم نفسه

فليس إلى حسن الثناء سبيل4

ويرى "ونكلر" أن قصة الوفاء هذه هي أسطورة استمدت مادتها من أسفار "صموئيل الأول" في التوراة، ومن الأساطير العربية القديمة نظمت على هذه الصورة فجعل بطلها شخصين هما:"السموأل"، و "امرؤ القيس"5.

وإذا تتبعنا الروايات الواردة في قصة وفاء السموأل، وذبح ابنه، وامتناعه عن تأدية الأمانة المودعة لديه، إلا لأصحابها الشرعيين، نجد أنها ترجع إلى موردين رئيسين: قصة "دارم بن عقال" وشعر الأعشى.

وذكر "ابن سلام"، أن للسموأل "كلمة له طويلة"، يقول فيها:

إن حلمي إذا تغيب عني

فاعلمي أنني عظيما رزيت6

وقد وردت في الأصمعيات7، وهي تتحدث عن نشأة الإنسان وحياته وبعثه بعد

1 الأغاني "6/ 67"، "8/ 155".

2 ولفنسون، تأريخ اليهود في بلاد العرب "31".

3 المصدر نفسه.

4 الشعر والشعراء "2/ 508 وما بعدها".

5 H. WINCKLER، ARAABISCH-ORIENTALISCH.، IN MITTEI، VORDER. ASAI. GESELLSCHAFT، "1901" 6 JAHRGANG، S.، 112

6 طبقات "71".

7 الأصمعيات "84"، "دار المعارف".

ص: 342

موته، ويظن أنها مصنوعة1. وفي جملة ما قاله:

ميتا خلقت ولم أكن من قبلها

شيئا يموت فمت حين حييت2

وقد طبع الأب "لويس شيخو" ديوان السموأل برواية "نفطويه""323هـ"، وقد ترجم "ابن النديم" نفطويه، وذكر أسماء كتبه، ولكنه لم يذكر من بينها اسم هذا الديوان3، وترجمه غيره، ولم ينسب له هذا الديوان4. ويرى "بروكلمان" احتمال كون الشعر المرقم "1-6" من الديوان من الشعر الأصيل، أي من شعر السموأل، أما الشعر الباقي المنشور في الديوان، فهو لشعراء يهود متأخرين5. ويرى غيره أصالة قصيدتين فقط من شعر هذا الديوان. وذكر بعضهم أن القصيدة رقم "7" ليست للسموأل، وإنما لأحد يهود المدينة6.

وقد تحدث المستشرقون عن شعر "السموأل" ولهم فيه كلام، فمنهم من يؤيد أصالة أكثره، ومنهم من لا يعترف إلا بأصالة القليل منه7. والواقع أن موضوع وجود "السموأل" نفسه قضية فيها نظر، ولا أستبعد أن تكون هذه القصة من وضع "دارم بن عقال"، وهو من ولد "السموأل"، أو من وضع أناس آخرين رووا عنه. و "دارم" هو راوي خبر قصة الوفاء، والأشعار المنسوبة إلى "امرئ القيس" المتعلقة بهذا الموضوع. وقد أشار إلى ذلك مؤلف كتاب "الأغاني" في أثناء كلامه على قصيدة نسبت إلى "امرئ القيس"، ابتداؤها:

طرقتك هند بعد طول تجنّب

وهنا ولم تك قبل ذلك تطرق

1 العصر الجاهلي "389".

2 البيان والتبيين "3/ 127".

3 الفهرست "127"، شيخو، ديوان السموأل، بيروت 1909م، المشرق، السنة الثانية، العدد 3 آذار 1909م "ص161 وما بعدها".

4 نزهة الألباء في طبقات الأدباء، لابن الأنباري "178 وما بعدها"، "تحقيق: إبراهيم السامرائي"، ابن القفطي، الإنباه "1/ 180".

5 بروكلمان "1/ 122".

6 بروكلمان "1/ 122 وما بعدها".

7 Margoliouth، the

ص: 343

فقال: "وهي قصيدة طويلة، وأظنها منحولة، لأنها لا تشاكل كلام امرئ القيس، والتوليد فيها بين، وما دونها في ديوانه أحد من الثقات، وأحسبها مما صنعه دارم، لأنه من ولد السموأل، ومما صنعه من روي عنه من ذلك فلم تكتب هنا"1.

ويلاحظ أن في شعر الأعشى كثيرا من أخبار السموأل، ومن شعره أخذ الأخباريون "تيماء اليهودي"2 و "الأبلق الفرد"، حيث يقول:

كن كالسموأل إذ طاف الهمام به

في جحفل كقريع الليل جرار

بالأبلق الفرد من تيماء منزلة

حصن حصين وجار غير غدار

خيّره خطتي خسف فقال له

مهما تقولن فإني سامع حار

فقال ثكل وغدر أنت بينهما

فاختر فما فيها حظ لمختار

فشك غير طويل ثم قال له

اقتل أسيرك إني مانع جاري3

ومن ولد السموأل "شريح" و "الغريض بن السموأل"، وكانا شاعرين كذلك4. و "برة" في رواية من جعلها ابنة للسموأل، ووالدة "صفية" زوج الرسول5.

وللأعشى الشاعر الشهير شعر يرويه الرواة في مدح "الشريح بن السموأل""شريح بن السموأل". وقد ورد في قصيدته الرائية اسم ولدين للسموأل، هما:"حوط" و "منذر"6. ولم يذكر الأخباريون اسم الولد الذي زعم أن "الحارث بن أبي شمر"، أو "الحارث بن ظالم" قتله لرفض السموأل دفع أدرع الكندي إليه، على نحو ما يذكره الرواة في قصة الوفاء. ونجد مضمون هذه القصة في هذه القصيدة المذكورة للأعشى، الموجودة في ديوانه. وهي قصيدة تتألف من واحد وعشرين بيتا، يروي الرواة أنه قالها مستجيرا بـ "شريح بن

1 الأغاني "8/ 70".

2 البلدان "3/ 442"، جواد علي، تأريخ العرب قبل الإسلام "3/ 272".

3 نزهة الجليس "2/ 151"، المحاسن والأضداد "37".

4 السيوطي، شرح شواهد "2/ 531"، بروكلمان، تأريخ الأدب العربي "1/ 122".

5 الاستيعاب "4/ 337"، "حاشية على الإصابة".

6 المشرق، العدد المذكور "163".

ص: 344

السموأل" ليفكه من الأسر. وكان الأعشى على ما يقوله الرواة قد هجا رجلا من "كلب"، فظفر به الكلبي وأسره، وهو لا يعرفه، فنزل بشريح بن السموأل وأحسن ضيافته، ومر بالأسرى، فناداه الأعشى بهذه القصيدة، فجاء شريح إلى الكلبي، وتوسل إليه بأن يهبه، فوهبه إياه، فأطلقه. وقال له: أقم عندي حتى أكرمك وأحبوك، فقال له الأعشى: إن تمام إحسانك إلي أن تعطيني ناقة ناجية، وتخليني الساعة، فأعطاه ناقة ناجية، فركبها ومضى من ساعته. وبلغ الكلبي أن الذي وهبه لشريح هو الأعشى، فأرسل إلى شريح ابعث إلي الأسير الذي وهبت لك حتى أحبوه، فقال: قد مضى، فأرسل الكلبي في أثره، فلم يلحقه"1.

وقد اختلف في اسم "شريح" الذي خلص "الأعشى" من الأسر، فقد ذكر أنه "شريح بن حصن بن عمران بن السموأل"، وذكر أنه "شريح بن عمرو الكلبي" لا كما دعاه بذلك "ابن قتيبة"2.

وذكر "بروكلمان" اسم شاعر آخر من شعراء "آل عاديا"، هو الشاعر "سعيد بن الغريض""سعيد بن غريض"، أخو السموأل. كما ذكر اسم "شعبة" حفيد السموأل3. وقد ذهب "نولدكه" إلى أن "الغريض" لم يكن أخا للسموأل، بل ابنا له، وأن ما ذهب إليه "أبو الفرج الأصبهاني"، من أن "غريضا" كان أخا له، خطأ، لأن "شعبة"، كان قد اعتنق الإسلام وعاش إلى زمان الخليفة "معاوية"، أي إلى زمن بعيد عن "السموأل"، بل لا بد من أن يكون حفيدا له. أي أن الغريض كان ابنا للسموأل، وقد جعله يعيش في حوالي السنة "600" للميلاد، وجعل أيام "السموأل" في حوالي السنة "550" للميلاد4.

1 الأغاني "19/ 99 وما بعدها"، ديوان الأعشى "126 وما بعدها"، "تحقيق رودلف كاير"، "rudolf geyer"، لندن 1928م"، ديوان الأعشى الكبير "179"، "تحقيق الدكتور م. محمد حسين".

2 الشعر والشعراء "1/ 182 وما بعدها".

3 بروكلمان، تأريخ الأدب العربي "1/ 122" تأريخ دمشق، لابن عساكر "4/ 157".

4 Th. Noldeke، Beitrage Zur Kenntniss der Poesie der Alten Araber، S. 64، Hannouver، 1864

ص: 345

ونسبت لشعبة بن غريض بن السموأل قصيدة هي:

لباب يا أخت بني مالك

لا تشتري العاجل بالآجل

لباب داويني ولا تقتلي

قد فضل الشافي على القاتل

لباب هل عندك من نائل

لعاشق ذي حاجة سائل

عللته منك بما لم ينل

يا ربما عللت بالباطل

إن تسألي بن فاسألي خابرا

فالعلم قد يكفي لدى السائل

ينبيك من كان بنا عالما

عنا وما العالم كالجاهل

أنا إذا جارت دواعي الهوى

وأنصت السامع للقائل

واعتلج القوم بألبابهم

في المنطق الفاصل والقائل

لا نجعل الباطل حقا ولا

نلطّ دون الحق بالباطل

نخاف أن تسفه أحلامنا

فنخمل الدهر مع الخامل1

كما نسبت له أبيات أولها:

يا دار سعدى بمفضى تلعة النعم

حييت دارا على الإقواء والقدم2

ونسبوا له أبياتا في الخلان هي:

أرى الخلان لما قل مالي

وأجحفت النوائب ودعوني

فلما أن غنيت وعاد مالي

أراهم لا أبا لك راجعوني

وكان القوم خلانا لمالي

وإخوانا لما خولت دوني

فلما مر مالي باعدوني

ولما عاد مالي عاودوني3

روى أهل الأخبار أن "شعبة بن غريض"، عاش فأدرك أيام معاوية، وأن معاوية لما حج رأى شخصا يصلي في المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان، فقال: من هذا؟ فقالوا: شعبة بن غريض، فأرسل إليه يدعوه، فأتاه رسوله، فقال: أجب أمير المؤمنين! قال: أو ليس قد مات! قيل فأجب معاوية. فأتاه فلم يسلم عليه بالخلافة. فقال له معاوية: ما فعلت بأرضك التي تكسي منها العاري

1 Noldeke، beitrage، s، 65. f

2 المصدر نفسه "ص66".

3 المصدر نفسه "ص67".

ص: 346

ويرد فضلها على الجار؟ قال: باقية. قال: أتبيعها؟ قال: نعم. قال: بكم؟ قال: بستين ألف دينار ولولا خلة أصابت الحي لم أبعها. قال: لقد أغليت! قال: أما لو كانت لبعض أصحابك لأخذتها بستمائة ألف، ثم لم تبال. قال: أجل. قال: فإذا بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك الذي يرثي به نفسه. قال: قال أبي:

يا ليت شعري حين أندب هالكا

ماذا تؤبنني به أنواحي

أيقلن لا تبعد فرب كريهة

فرجتها بشجاعة وسماح

لقد ضربت بفضل مالي حقه

عند الشتاء وهبة الأرواح

ولقد أخذت الحق غير مخاصم

ولقد رددت الحق غير ملاحي

وإذا دعيت لصعبة سهلتها

أدعى بأفلح مرة ونجاح1

فقال: أنا كنت بهذا الشعر أولى من أبيك! قال: كذبت ولولا مت. قال: أما كذبت فنعم. وأما لولا مت فكيف ولِمَ؟ قال: لأنك أنت ميت الحق في الجاهلية وميته في الإسلام. أما في الجاهلية فقاتلت النبي صلى الله عليه وسلم، وكذبت الوحي حتى جعل الله تعالى كيدك المردود. وأما في الإسلام، فمنعت ولد النبي صلى الله عليه وسلم الخلافة وما أنت وهي! وأنت طليق. فقال معاوية: قد خرف الشيخ فأقيموه. فأخذ بيده فأقيم2.

وقد ذكر "ابن حجر" موجز هذه القصة، أخذه من "ابن أبي طيء" وقد رواها "عمر بن شبة" بسنده إلى "الهيثم بن عدي"، وذكر أن اسمه "سعنة بن عريض بن عاديا" التيماوي، نسبه لتيماء، وهو ابن أخي السموأل. ثم قال: "وحكى الخلاف في سعنة هل هو بالنون أو الياء؟ ووردت له أشعار في مجالس ثعلب، وروي أن من شعره قوله:

معتقة كانت قريش تعافها

فلما استحلوا قتل عثمان حلت3

وقد نسب "ابن نباتة" في شرحه لرسالة "ابن زيدون" القصيدة المذكورة

1 تجد هذه الأبيات بشكل آخر في طبقات ابن سلام "72".

2 th. Noldeke، beitrage

3 الاصابة "2/ 41"، "رقم 3245"، "2/ 112"، "3686".

ص: 347

للسموأل1. وأثبت "ابن سلام" الأبيات المذكورة في طبقاته، على أنها من شعر "شعبة بن غريض"2.

و"شعبة" تصحيف "سيعة"، و "سيعة" من أسماء يهود3.

وأشير في حماسة "البحتري" إلى رجل من هذه الأسرة دعي "عريض بن شعبة"، وذكرت له هذه الأبيات:

ليس يعطي القوي فضلا من الرز

ق ولا يحرم الضعيف الخبيث

بل لكلٍّ من رزقه ما قضى الله

ولو كد نفسه المستميت4

ومن شعراء يهود "الربيع بن أبي الحقيق"، وهو من "بني قريظة" على ما جاء في كتاب الأغاني، غير أننا نجد "ابن هشام" صاحب السيرة، يذكر:"سلام بن أبي الحقيق"، وهو شقيق "الربيع"، و "كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق"، وهو أحد أبناء "الربيع" في جملة سادات "بني النضير". مما يدل على أن "الربيع بن أبي الحقيق" هو من "بني النضير". وقد قتل ابن أبي الحقيق بعد "الخندق"، وذلك أن "الأوس" لما أصابت "كعب بن الأشرف"، قالت الخزرج، والله لا يذهبون بها فضلا علينا أبدا، فاستأذنوا النبي في قتل "ابن أبي الحقيق"، وهو بخيبر، فأذن لهم فقتلوه6. وقد جعله "ابن سلام" من بني النضير، ونسب له أبياتا دونتها في أول هذا الفصل7.

وذكر أن "الربيع بن أبي الحقيق" كان على رأس قومه يوم "بعاث" وذكر أنه كان قد التقى مع النابغة، وقد تسابقا في نظم أنصاف الأبيات8

1 شرح رسالة ابن زيدون "54"، ولفنسون، تأريخ اليهود في بلاد العرب "31".

2 طبقات "72".

3 Levi Della Vida، in Rivista degli Orientali، VIII Roma، 1919-1921، and Levi Della Vida، A Proposito di AS_Samaw'al، In Rivista degli Orientali، XIII، 1931-1932، p. 52

4 الحماسة "232". Th. Noldeke beitrage، s. 71

5 ابن هشام، سيرة "2/ 178"، "حاشية على الروض الأنف"، الأغاني "21/ 61"، البيان "1/ 213"، "هارون".

6 ابن هشام، سيرة "2/ 209 وما بعدها"، "حاشية على الروض الأنف"، الروض الأنف "2/ 209 وما بعدها".

7 طبقات "71"، "ليدن".

8 الأغاني "21/ 61".

ص: 348

ونسب إلى "الربيع بن أبي الحقيق" شعر، هو:

سئمت وأمسيت رهن الفرا

ش من جرم قومي ومن مغرم

ومن سفه الرأي بعد النهى

وعيب الرشاد ولم يفهم

فلو أن قومي أطاعوا الحليـ

ـم لم يتعدوا ولم يظلم

ولكن قومي أطاعوا الغوا

ة حتى تعكس أهل الدم

فأوى السفيه برأي الحليـ

ـم وانتشر الأمر لم يبرم1

وقد نسب "المرزباني "هذا الشعر إلى "كنانة بن أبي الحقيق"2، ومن بني النضير، وهو أخ الربيع.

ومن شعر الربيع قوله:

فلا تكثر النجوى وأنت محارب

تؤامر فيها كل نكس مقصر

قاله يخاطب "أبا ياسر" النضيري، وهو أخو حيي بن أخطب، وكان من العلماء بالتوراة. وفيه وفي عبد الله بن صوريا، ووهب بن يهودا، نزل قوله:{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} 3.

ومن الشعر المنسوب إليه قوله:

إذا مات منا سيد قام بعده

له خلف يكفي السيادة بارع

من أبنائنا والعرق ينصر فرعه

على أصله والعرق للفرع فارع

وقوله:

يرمي إليّ بأطراف الهوان وما

كانت ركابي له مرحولة ذللا

أنا ابن عمك إن نابتك نائبة

ولست منك إذا ما لعبك اعتدلا

1 الأغاني "21/ 92"، وهناك بعض الاختلاف في الروايات.

2 المرزباني، معجم "246"، "فراج".

3 البيان والتبيين "2/ 14".

ص: 349

وقوله:

ترجو الغلام وقد أعياك والده

وفي أرومته ما ينبت العود

وله أشعار أخرى في بني النجار1.

ولكعب بن الأشرف، وهو من سادة يهود الذين كانوا يحرضون قريشا وغيرهم على الرسول، أشعار في الحث على الانتقام من المسلمين لما أوقعوه بأهل مكة من قتل يوم بدر. ذكرت في سيرة "ابن هشام"2. وله أشعار أخرى افتخر بها بأهله وبماله وبنخيله التي تخرج التمر كأمثال الأكف، جاء فيها:

رب خال لي لو أبصرته

سبط المشية إباء أنف

لين الجانب في أقربه

وعلى الأعداء كالسم الزعف

وكرام لم يشنهم حسب

أهل عز وحفاظ وشرف

يبذلون المال فيما نابهم

لحقوق تعتريهم وعرف

وليوث حين يشتد الوغى

غير أنكاس ولا ميل كسف3

ومن شعره في رثاء قتلى بدر قوله:

طحنت رحى بدر لمهلك أهله

ولمثل بدر تستهل الأدمع

قتلت سراة الناس حول حياضهم

لا تبعدوا إن الملوك تصرع4

ويشك "ولفنسون" في صحة نسبة هذه الأبيات إلى "كعب" ويرى احتمال كونها من الشعر المحمول عليه5.

1 beitrage، s.75. ff

2 ابن هشام، سيرة "2/ 123 وما بعدها"، الأغاني "19/ 106"، الجمان في تشبيهات القرآن "131/ 333"، ديوان المعاني "2/ 39"، نهاية الأرب "11/ 125"، ابن هشام "2/ 125"، "حاشية على الروض الأنف".

3 الروض الأنف "2/ 125"، "الزعف"، ابن سلام، طبقات "71"، "وعلى الأعداد سم كالزعف"، ولفنسون، تأريخ اليهود في بلاد العرب "32"، المرزباني، معجم "231"، ابن الأثير "2/ 53".

4 ابن هشام "2/ 338"، ولفنسون، تأريخ اليهود في بلاد العرب "33"، ابن هشام "2/ 123"، "حاشية على الروض الأنف".

5 ولفنسون، تأريخ اليهود في بلاد العرب "33".

ص: 350

وقد رد على شعر "كعب" هذا حسان بن ثابت، وامرأة من المسلمين، قالت:

تحنن هذا العبد كل تحنن

يبكي على قتلى وليس بناصب

بكت عين من بكى لبدر وأهله

وعلت بمثليها لؤي بن غالب

إلى آخر الأبيات.

فأجابها كعب بن الأشرف بقوله:

ألا فازجروا منكم سفيها لتسلموا

عن القول يأتي منه غير مقارب

أتشتمني أن كنت أبكي بعبرة

لقوم أتاني ودهم غير كاذب

فإني لباك ما بقيت وذاكر

مآثر قوم مجدهم بالجباجب1

ويقال إن والده من "طيء". أما أمه، فمن بني النضير، وأنه شبب بنساء النبي ونساء المسلمين، فأمر الرسول بقتله، فقتله محمد بن مسلمة ورهط معه من الأنصار. وله مناقضات وهجاء مع "حسان بن ثابت" وغيره في الأيام التي وقعت بين الأوس والخزرج3.

ومن شعره الذي شبب فيه بأم الفضل بنت الحارث قوله:

أراحل أنت لم تحلل بمنقبة

وتارك أنت أم الفضل بالحرم

صفراء رادعة لو تعصر انعصرت

من ذي القوارير والحناء والكتم

يرتج ما بين كعبيها ومرفقها

إذا تأتت قياما ثم لم تقم

أشباه أم حكيم إذ تواصلنا

والحبل منها متين غير منجذم

إحدى بني عامل جن الفؤاد بها

ولو تشاء شَفَتْ كعبا من السقم

فرع النساء وفرع القوم والدها

أهل التحلة والإيفاء بالذمم

لم أرَ شمسا بليل قبلها طلعت

حتى تجلت لنا في ليلة الظلم4

1 ابن هشام "2/ 123"، "حاشية على الروض".

2 ابن سلام، طبقات "71"، المرزباني، معجم "231"، المقريزي، إمتاع الأسماع "1/ 107 وما بعدها".

3 الأغاني "19/ 106".

4 الطبري "2/ 488".

ص: 351

ونسب له شعر في مدح "الحارث بن هشام"، هو:

نبئت أن الحارث بن هشام

في الناس يبني المكرمات ويجمع

ليزور أثرب بالجموع وإنما

يبني على الحسب القديم الأرفع1

ومن شعراء يهود "أوس بن دنى" القرظي. وذكر أن زوجته اعتنقت الإسلام في حياة الرسول، وطلبت منه اعتناقه كذلك، فقال:

دعتني إلى الإسلام يوم لقيتها

فقلت لها لا بل تعالي تهودي

فنحن على توراة موسى ودينه

ونعم لعمر الدين دين محمد

كلانا يرى أن الرشادة دينه

ومن يهد أبواب المراشد يرشد2

وله أبيات أخرى ذكرها "نولدكه" في أثناء حديثه عن الشعراء اليهود3.

ولا نعرف من أمر "شريح بن عمران" شيئا يذكر، وقد روى له "ابن سلام" أربعة أبيات في المؤاخاة والصداقة، والبخل والمال4. وروى "نولدكه" له بيتين من قافية أخرى في الصداقة والصديق وحفظ العهد، هما:

آخ الكرام إذا وجد

ت إلى إخائهم سبيلا

واشرب بكأسهم وإن

تشرب به السم الثميلا5

وروى له قوله:

بجلي منك إذا ما خنتني

ليس لي في وصل خوان إرب

لا أحب المرء إلا حافظا

ربقة العهد على كل سبب6

1 نسب قريش "301".

2 الأغاني "19/ 94"، زيدان، تأريخ آداب اللغة العربية "1/ 165"، NOLDEKE، & BEITRAGE،S.76.

3 NOLDEKE، & BEITRAGE، S. 77

4 ابن سلام، طبقات "72".

5 NOLDEKE، & BEITRAGE، S. 79. F

6 NOLDEKE، & BEITRAGE، S. 80

ص: 352

وروى "ابن سلام" أبياتا من قصيدة تنسب إلى "أبي قيس بن رفاعة"1، قال "البكري": اسمه دينار، وقيل إنه:"أبا قيس بن رفاعة" الأنصاري، فهو ليس من يهود. ومن شعره:

منا الذي هو ما إن طر شاربه

والعانسون ومنا المرد والمشيب

ونسب لأبي قيس بن الأسلت الأوسي2.

وروى "ابن سلام" قصيدة على قافية الدال مطلعها:

هل تعرف الدار خف ساكنها

بالحجر فالمستوى إلى الثمد

دار لبهنانة خدلجة

تبسم عن مثل بارد البرد

ذكر أنها لأبي الذيّال3. وأورد "البكري": له هذه الأبيات:

لم تر مثل يوم رأيته

برعبل ما احمر الأراك وأثمرا

وأيامنا بالكبس قد كان طولها

قصيرا وأيام برعبل أقصرا

فلم أر من آل السموأل عصبة

حسان الوجوه يخعلون المعذرا4

ودرهم بن زيد الذي يقول:

هجرت الرباب وجاراتها

وهمك بالشوق قد يطرح

يمانية نازح دارها

تقيم بغمدان لاتبرح5

وأورد "ابن هشام" قصيدة لرجل من يهود سماه "سمال" اليهودي، يذكر فيها "بني النضير" مطلعها:

غداة غدوتم على ختفه

ولم يأت غدار ولم يخلف

بقتل النضير وأحلافها

وعقر النخيل ولم تقطف

1 طبقات "72".

2 السيوطي، شرح شواهد "2/ 716"، الأمالي "2/ 67".

3 طبقات "73"،NOLDEKE، & BEITRAGE، S. 77. F

4 NOLDEKE، & BEITRAGE، S. 79

5 ابن سلام، طبقات "74".

ص: 353

وقد رد بها على قصيدة نسبت لعلي بن أبي طالب على رأي ابن إسحاق، أو لغيره من المسلمين على رأي "ابن هشام" مطلعها:

عرفت ومن يعتدل يعرف

وأيقنت حقا ولم أصدف1

ولما قال "كعب بن مالك" شعرا في إجلاء "بني النضير" وقتل "كعب بن الأشرف" مطلعه:

لقد خزيت بغدرتها الحبور

كذاك الدهر ذو صرف يدور

أجابه "سمال" اليهودي، بقوله:

أرقت وضافني هم كبير

بليل غيره ليل قصير

أرى الأحبار تنكره جميعا

وكلهم له علم خبير

وكانوا الدارسين لكل علم

به التوراة تنطق والزبور

قتلتم سيد الأحبار كعبا

وقدما كان يأمن من يجير

تدلى نحو محمود أخيه

ومحمود سريرته الفجور2

وكان "مرحب" اليهودي من الشعراء، ولما حاصر المسلمون "خيبر" خرج من حصنهم قد جمع سلاحه، وهو يرتجز ويقول:

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

أطعن أحيانا وحينا أضرب

إذ الليوث أقبلت تحزب

إن حماي للحمى لا يقرب3

ونسب إلى أحد اليهود بيت شعر، خاطب فيه "مالك بن العجلان" بقوله:

تسقيت قبله أخلافها

ففيمن بقيت وفيمن تسود

فأجابه "مالك" بقوله:

إني امرؤ من بني سالم بن

عوف وأنت امرؤ من يهود

1 ابن هشام "2/ 179"، "حاشية على الروض".

2 ابن هشام "2/ 180"، "حاشية على الروض الأنف".

3 ابن هشام "2/ 238"، "حاشية على الروض الأنف".

ص: 354

ولماهرب اليهود إلى بيعهم وكنائسهم، قال مالك:

تحانى اليهود بتلعانها

تحاني الحمير بأبوالها

فماذا علي بأن يلعنوا

وتأتي المنايا بإذلالها1

وفي المفضليات قصيدة لرجل يهودي لم يذكر اسمه مطلعها:

سلا ربة الخدر ما شأنها

ومن أي ما فاتنا تعجب

فلسنا بأول من فاته

على رفقة بعض ما يطلب

ومن شعراء يهود "أبو أثاية" القرظي3، و "أبو ياسر" النضيري4، وأبو القرثع اليهودي5. و "عمرو بن أبي صخر بن أبي جرثوم" اليهودي، "أبو حمضة". وله شعر في الجيران6، و "كعب بن أسد بن سعيد" القرظي اليهودي، من بني قريظة، جاهلي، له مع قيس بن الخطيم في يوم "بعاث" مناقضات7، و "مالك بن عمر النضيري"، وهو جاهلي8.

وذكر "المعري" اسم شاعر يهودي، ذكر أن اسمه "بُسمير بن أدكن"، "سمير بن أدكن"، من أهل خيبر، قال شعرا لما أمر "عمر" بإجلاء أهل الكتاب من جزيرة العرب، هو:

يصول أبو حفص علينا بدرة

رويدك إن المرء يطفو ويرسب

كأنك لم تتبع حمولة ما قط

لتشبع إن الزاد شيء محبب

فلو كان موسى صادقا ما ظهرتم

علينا ولكن دولة ثم تذهب

1 NOLDEKE، & BEITRAGE، S. 83. FF

2 NOLDEKE، & BEITRAGE، S. 84. F

3 المرزباني، معجم "507".

4 المرزباني، معجم "515".

5 المرزباني، معجم "513".

6 المرزباني، "59".

7 المرزباني، معجم "232".

8 المرزباني، معجم "261".

ص: 355

ونحن سبقناكم إلى اليمن فاعرفوا

لنا رتبة البادي هو أكذب

مشيتم على آثارنا في طريقنا

وبغيتكم أن تسودوا وترهبوا1

وذكر أن "جبل بن جوال بن صفوان بن بلال بن أصرم بن إياس بن عبد غنم بن جحاش بن مجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان" الشاعر الذبياني ثم الثعلبي، كان يهوديًا مع "بني قريظة" وكان قد رثى "حيي بن أخطب" بأبيات منها:

لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه

ولكنه من يخذل الله يخذل

وقال بعض الناس إنها لحيي بن أخطب نفسه. وذكر أنه من ذرية "العطيون بن عامر بن ثعلبة""الفطيون؟ "، وكان يهوديا فأسلم، وهو القائل لما فتح النبي خيبر:

رميت نطاة من النبي بفيلق

شهباء ذات مناقب وفقار

وذكر أنه هو القائل:

ألا يا سعد سعد بني معاذ

لما فعلت قريظة والنضير

تركتم قدركم لا شيء فيها

وقدر القوم حامية تفور

وزاد المرزباني فيها:

ولكن لا خلود مع المنايا

تخطف ثم تضمنها القبور

كأنهم غنائم يوم عيد

تذبح وهي ليس لها نكير

فأجابه حسان:

تعاهد معشرا نصرو علينا

فليس لهم ببلدتهم نصير

هم أوتوا الكتاب فضيعوه

فهم عمي عن التوراة بور

كذبتم بالقرآن وقد أبيتم

بتصديق الذي قال النذير

وهان على سراة بني لؤي

حريق بالبويرة مستطير2

1 رسالة الغفران "441 وما بعدها"، "بنت الشاطئ".

2 الإصابة "1/ 23 وما بعدها"، "رقم 1071".

ص: 356

وأورد "أبو الفرج الأصبهاني" أبيات شعر، نسبها إلى شاعرة يهودية سماها "سارة" القريظية، ذكر أنها قالتها في رثاء قومها بعد أن قتل "أبو جبيلة" أشراف اليهود:

بنفسي أمة لم تغن شيئا

بذي حرض تعفيها الرياح

كهول من قريظة أتلفتها

سيوف الخزرجية والرماح

رزئنا والرزية ذات ثقل

يمر لأهلها الماء القراح

ولو أربوا بأمرهم لجالت

هنالك دونهم جأوى رداح1

وذكر "الجاحظ" بيتين نسبهما لشاعرة يهودية، قالتهما في نفث الرقية والعثار، هما:

وليس لوالدة نفثها

ولا قولها لابنها دعدع

تداري غراء أحواله

وربك أعلم بالمصرع2

وقد جمع "ديلتج" أشعار يهود وتحدث عن أصحابها3.

1 الأغاني "19/ 96"، ولفنسون، تأريخ اليهود في بلاد العرب "34".، NOLDEKE، & BEITRAGE، S. 52. FF

2 الحيوان "6/ 359".

3 Delitzsch، Judisch – Arabische Poesien aus Vormuhammedanischer Zeit، Lepzig، 1874

ص: 357