الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في أحكام الوضوء
يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} الآية؛ فهذه الآية الكريمة أوجبت الوضوء للصلاة، وبينت الأعضاء التي يجب غسلها أو مسحها في الوضوء، وحددت مواقع الوضوء منها، ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم صفة الوضوء بقوله بيانا كافيا.
فالشروط ثمانية هي:
الإسلام، والعقل، والتمييز، والنية؛ فلا يصح
الوضوء من كافر، ولا من مجنون ولا من صغير لا يميزه، ولا ممن لم ينو الوضوء؛ بأن نوى تبردًا، أو عسل أعضاءه ليزيل عنها نجاسة أو وسخا.
ويشترط للوضوء أيضا أن يكون الماء طهورًا كما سبق، فإن كان نجسا؛ لم يجزئه. ويشترط للوضوء أيضا أن يكون الماء مباحا، فإن كان مغصوبا أو تحصل عليه بغير طريق شرعي؛ لم يصح الوضوء به.
وكذلك يشترط للوضوء أيضا إزالة ما يمنع وصول الماء إلى الجلد؛ فلا بد للمتوضئ أن يزيل ما على أعضاء الوضوء من طين أو عجين أو شمع أو وسخ متراكم أو أصباغ سميكة؛ ليجري الماء على جلد العضو مباشرة من غير حائل.
وأما فروض الوضوء وهي أعضاؤه؛ فهي ستة:
أحدها: غسل الوجه بكامله، ومنه المضمضة والاستنشاق، فمن عسل وجهه وترك المضمضة والاستنشاق أو أحدهما؛ لم يصح وضوءه؛ لأن الفم والأنف من الوجه، والله تعالى يقول:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} ؛ فأمر بغسل الوجه كله، فمن ترك شيئا منه؛ لم يكن ممتثلاً أمر الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق.
الثاني: عسل اليدين مع المرفقين؛ لقوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ؛ أي: مع المرافق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار الماء على
مرفقيه، وفي حديث آخر:"غسل يديه حتى أشرع في العضد"، مما يدل على دخول المرفقين في المغسول.
والثالث: مسح الرأس كله، ومنه الأذنان؛ لقوله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} ، وقال صلى الله عليه وسلم:"الأذنان من الرأس"، رواه ابن ماجة والدارقطني وغيرهما؛ فلا يجزء مسح بعض الرأس.
والرابع: غسل الرجلين مع الكعبين؛ لقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} ، و "إلى" بمعنى "مع"، وذلك للأحاديث الواردة في صفة الوضوء؛ فإنها تدل على دخول الكعبين في المغسول.
والخامس: الترتيب؛ بأن يغسل الوجه أولاً، ثم اليدين، ثم يمسح الرأس، ثم يغسل رجليه؛ لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} ، والنبي صلى الله عليه وسلم رتب الوضوء على هذه الكيفية، وقال:"هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة به"، رواه أبو داود وغيره.
السادس: الموالاة، وهي أن يكون غسل الأعضاء المذكورة
متواليا، بحيث لا يفصل بين غسل عضو وغسل العضو الذي قبله، بل يتابع غسل الأعضاء الواحد تلو الآخر حسب الإمكان.
هذه فروض الوضوء التي لا بد منها فيه على وفق ما ذكره الله في كتابه.
وقد اختلف العلماء في حكم التسمية في ابتداء الوضوء؛ هل هي واجبة أو سنة؟ فهي عند الجميع مشروعة، ولا ينبغي تركها، وصفتها أن يقول: بسم الله وإن زاد: الرحمن الرحيم؛ فلا بأس.
والحكمة والله أعلم في اختصاص هذه الأعضاء الأربعة بالوضوء؛ لأنها أسرع ما يتحرك من البدن؛ لاكتساب الذنوب، فكان تطهير ظاهرها تنبيه على تطهير باطنها، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم كلما غسل عضوًا منها؛ حط عنه كل خطيئة أصابها بذلك العضو، وأنها تخرج خطاياه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ز
ثم أرشد صلى الله عليه وسلم بعد غسل هذه الأعضاء إلى تجديد الإيمان بالشهادتين؛ إشارة إلى الجمع بين الطهارتين الحسية والمعنوية.
فالحسية تكون بالماء على الصفة التي بينها الله في كتابه مع غسل هذه الأعضاء، والمعنوية تكون بالشهادتين اللتين تطهران من الشرك.
وقد قال تعالى في آخر آية الوضوء: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
وهكذا أيها المسلم شرع الله لك الوضوء؛ ليطهرك به من خطاياك، وليتم به نعمته عليك.
وتأمل افتتاح آية الوضوء بهذا النداء الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ؛ فقد وجه سبحانه الخطاب إلى من يتصف بالإيمان؛ لأنه هو الذي يصغى لأوامر الله، وينتفع بها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن".
وما زاد عما ذكر في صفة الوضوء؛ فهو مستحب: من فعله؛ فله زيادة أجر، ومن تركه؛ فلا حرج عليه، ومن سمى الفقهاء تلك الأفعال: سنن الوضوء؛ أي: مستحباته؛ فسنن الوضوء هي:
أولاً: السواك، وتقدم بيان فضيلته وكيفيته، ومحله عند المضمضة؛ ليحصل به والمضمضة تنظيف الفم لاستقبال العبادة والتهيؤ لتلاوة القرآن ومناجاة الله عز وجل.
ثانياً: غسل الكفين ثلاثا في أول الوضوء قبل غسل الوجه؛ لورود الأحاديث به، ولأن اليدين آله نقل الماء إلى الأعضاء؛ ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء.
ثالثا: البداءة بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه؛ لورود البداءة بهما في الأحاديث، ويبالغ فيها إن كان غير صائم،
ومعنى المبالغة في المضمضة: إدارة الماء في جميع فمه، وفي الاستنشاق: جذب الماء إلى أقصى أنقه.
رابعا: ومن سنن الوضوء تخليل اللحية الكثيفة بالماء حتى يبلغ داخلها، وتخليل أصابع اليدين والرجلين.
خامسا: التيامن، وهو البدء باليمنى من اليدين والرجلين قبل اليسرى.
سادسا: الزيادة على الغسلة الواحدة إلى ثلاث غسلات في عسل الوجه واليدين والرجلين.
هذه شروط الوضوء وفروضه وسننه، يجدر بك أن تتعلمها وتحرص على تطبيقها في كل وضوء، ليكون وضوؤك مستكملاً للصفة المشروعة، لتحوز على الثواب.
ونسأل الله لنا ولك المزيد من العلم النافع والعمل الصالح.