الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في أحكام الأذان والإقامة
لما كانت الصلوات الخمس مؤقتة بأوقات معنية لا يجوز فعلها قبل دخول تلك الأوقات، وكان الكثير من الناس لا يعرف دخول الوقت، أو قد يكون مشغولاً لا ينتبه لدخوله؛ شرع الله الأذان للصلاة؛ إعلاما بدخول وقتها.
وقد شرع الأذان في السنة الأولى للهجرة النبوية، وسبب مشروعيته أنه لما عسر معرفة الأوقات عليهم؛ تشاوروا في نصب علامة لها؛ فأُرِى عبد الله بن زيد هذا الأذان في المنام، وأقره الوحي، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} ، وقال تعالى:{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} .
وكل من الأذان والإقامة لهما ألفاظ مخصوصة من الذكر، وهو كلام جامع لعقيدة الإيمان؛ فأولهما التكبير، وهو إجلال الله عز وجل، ثم إثبات الوحدانية لله عز وجل، وإثبات الرسالة لنبينا محمد بالشهادتين، ثم الدعاء إلى الصلاة التي هي عمود الإسلام، والدعاء إلى الفلاح، وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم، ثم يختمه بتكبير الله وإجلاله وكلمة الإخلاص التي هي من أفضل الذكر وأجله، والتي لو وزنت بالسماوات وعامرهن غير الله والأرضين السبع وعامرهن؛ لرجحت بهن لعظمها وفضلها.
وقد جاءت أحاديث في فضل الأذان وأن المؤذنين أطول الناس أعناقا يوم القيامة.
والأذان والإقامة فرض كفاية ما يلزم جميع المسلمين لإقامته، فإذا قام به من يكفي؛ سقط الإثم عن الباقين، وهما من شعائر الإسلام الظاهرة، وهما مشروعان في حق الرجال حضراً وسفراً للصلوات الخمس، يقاتل أهل بلد تركوهما؛ لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة؛ فلا يجوز تعطيلهما.
والصفات المعتبرة في المؤذن: أن يكون صيتا؛ لأنه أبلغ في الإعلام، أمنيا؛ لأنه مؤتمن يعتبر أذانه في دخول وقت الصلاة والصيام والإفطار،
ويكون عالما بالوقت؛ ليؤذن في أوله.
والأذان خمس عشرة جملة، كما كان بلال يؤذن به بحضرة رسول الله دائما، ويستحب أن يتمهل بألفاظ الأذان من غير تمطيط ولا مد مفرط، ويقف على كل جملة منه، ويستحب أن يستقبل القبلة حال الأذان، ويجعل إصبعيه في أذنيه؛ لأنه أرفع للصوت، ويلتفت يمينا عند قوله:"حي على الصلاة"، وشمالاً عند قوله:"حي إلى الفلاح"، ويقول بعد "حي على الفلاح الثانية" من أذان الفجر خاصة:"الصلاة خير من النوم"، مرتين؛ لأمره بذلك؛ لأنه وقت ينام الناس فيه غالبا، ولا يجوز الزيادة على ألفاظ الأذان بأذكار أخرى قبله ولا بعده، يرفع بها صوته؛ لأن ذلك من البدع المحدثة؛ فكل ما يفعل غير الأذان الثابت عن رسول الله؛ فهو بدعة محرمة؛ كالتسبيح، والنشيد، والدعاء، والصلاة والسلام على الرسول جهراً قبل الأذان أو بعده، كل ذلك محدث مبتدع، يحرم فعله، ويجب إنكاره على من فعله.
والإقامة إحدى عشرة جملة، يحدرها أي: يسرع فيها لإنهاء إعلام الحاضرين؛ فلا داعي للترسل فيها، ويستحب أن يتولى الإقامة من تولى الأذان، ولا يقيم إلا بإذن الإمام؛ لأن الإقامة منوط وقتها بنظر الإمام؛ فلا تقام إلا بإشارته، ولا بجزيء الأذان قبل الوقت؛ لأنه شرع الإعلام بدخوله؛ فلا يحصل به المقصود، ولأن فيه تغريراً لمن يسمعه؛ إلا أذان الفجر؛ فيجوز تقديمه قبل الصبح؛ ليتأهب الناس لصلاة الفجر، لكن ينبغي أن يؤذن آذانا
آخر عند طلوع الفجر؛ ليعرف الناس دخول الوقت وحلول الصلاة والصيام.
ويسن لمن سمع المؤذن إجابته؛ بأن يقول مثل ما يقول، ويقول عند حي على الصلاة وحي على الفلاح:"لا حول ولا قوة إلا بالله"، ثم يقول بعدما يفرغ المؤذن:"اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته"، ويحرم الخروج من المسجد بعد الأذان بلا عذر أو نية رجوع، وإذا شرع المؤذن في الأذان والإنسان جالس؛ فلا ينبغي له أن يقوم، بل يصبر حتى فرغ؛ لئلا يتشبه بالشيطان.
وينبغي للمسلم إذا سمع الأذان أن يتوجه إلى المسجد ويترك سائر الأعمال الدنيوية.
والإقامة إحدى عشرة جملة، يحدرها – أي: يسرع فيها – لأنها لإعلام الحاضرين، فلا داعي للترسل فيها، ويستحب أن يتولى الإقامة من تولى الأذان، ولا يقيم إلا بإذن الإمام، لأن الإقامة منوط وقتها بنظر الإمام، فلا تقام إلا بإشارته