الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصيام
باب في وجوب صوم رمضان ووقته
صوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، وفرض من فروض الله، معلوم من الدين بالضرورة.
ويدل عليه الكتاب والسنة والإجماع:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} إلى قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} الآية.
ومعنى {كتب} : فرض، قال:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ، والأمر للوجوب.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس"، وذكر منها صوم رمضان.
والأحاديث في الدلالة على فرضيته وفضله كثيرة مشهورة.
وأجمع المسلمون على وجوب صومه، وأن من أنكره كفر.
والحكمة في شرعية الصيام: أن فيه تزكية للنفس وتطهيرًا وتنقية لها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة، لأنه يضيق مجاري الشيطان في بدن الإنسان؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فإذا أكل أو شرب؛ انبسطت نفسه للشهوات، وضعفت إرادتها، وقلت رغبتها في العبادات، والصوم على العكس من ذلك.
وفي الصوم تزهيد في الدنيا وشهواتها، وترغيب في الآخرة، وفيه باعث على العطف على المساكين وإحساس بآلامهم؛ لما يذوقه الصائم من ألم الجوع والعطش؛ لأن الصوم في الشرع هو الإمساك بنية عن أشياء مخصوصة من أكل وشرب وجماع وغير ذلك مما ورد به الشرع، ويتبع ذلك الإمساك عن الرفث والفسوق.
ويبتدئ وجوب الصوم اليومي بطلوع الفجر الثاني، وهو البياض المعترض في الأفق، وينتهي بغروب الشمس، قال الله تعالى:{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} "يعني الزوجات"{وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، ومعنى:{يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر} : أن يتضح بياض النهار من سواد الليل.
ويبدأ وجوب صوم شهر رمضان إذا علم دخوله.
وللعلم بدخوله ثلاث طرق:
الطريقة الأولى: رؤية هلاله، قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"صوموا لرؤيته"، فمن رأى الهلال بنفسه؛ وجب عليه الصوم.
الطريقة الثانية: الشهادة على الرؤية، أو الإخبار عنها؛ فيصام برؤية عدل مكلف إخباره بذلك؛ لقوله ابن عمر:"تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام، وأمر الناس بصيامه"، رواه أبو داود وغيره، وصححه ابن حبان الحاكم.
والطريقة الثالثة: إكمال عدة شهر شعبان ثلاثين يوما، وذلك حينما لا يرى الهلال ليله الثلاثين من شعبان مع وجود ما يمنع الرؤية من غيم أو قتر أو مع وجود شيء من ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الشهر تسعة وعشرون يوما؛ فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطرون حتى تره، فإن غم عليكم؛ فاقدروا له"، ومعنى "قدروا له"؛ أي: أتموا شهر شعبان ثلاثين يوما؛ لما ثبت في حديث أبي هريرة: "فإن غم عليكم؛ فعدوا ثلاثين".
ويلزم صوم رمضان كل مسلم مكلف قادر. فلا يجب على كافر،
ولا يصح منه، فإن تاب في أثناء الشهر؛ صام الباقي، ولا يلزم قضاء ما سبق حال الكفر.
ولا يجب الصوم على الصغير، ويصح الصوم من صغير مميز، ويكون في حقه نافلة.
ولا يجب الصوم على مجنون، ولو صام حال جنونه؛ لم يصح منه؛ لعدم النيه.
ولا يجب الصوم أداء على مريض يعجز عنه ولا مسافر، ويقضيانه حال زوال عذر المرض والسفر، قال تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .
والخطاب بإيجاب الصيام يشمل المقيم والمسافر، والصحيح والمريض، والطاهر والحائض والنفساء، والمغمى عليه؛ فإن هؤلاء كلهم يجب عليهم الصوم في ذممهم؛ بحيث إنهم يخاطبون بالصوم؛ ليعتقدوا وجوبه في ذممهم، والعزم على فعله: إما أداء، وإما قضاء؛ فمنهم من يخاطب بالصوم في نفس الشهر أداء، وهو الصحيح المقيم؛ إلا الحائض والنفساء، ومنهم من يخاطب بالقضاء فقط، وهو الحائض والنفساء والمريض الذي على أداء الصوم ويقدر عليه قضاء، ومنهم من يخبر بين الأمرين، وهو المسافر والمريض الذي يمكنه الصوم بمشقة من غير خوف التلف.
ومن أفطر لعذر ثم زال عذره في أثناء نهار رمضان؛ كالمسافر يقدم من سفره، والحائض والنفساء تطهران، والكافر إذا أسلم، والمجنون إذا أفاق من جنونه، والصغير يبلغ؛ فإن كلا من هؤلاء يلزمه الإمساك بقية اليوم ويقضيه، وكذا إذا قامت البينة بدخول الشهر في أثناء النهار؛ فإن المسلمين يمسكون بقية اليوم ويقضون اليوم بعد رمضان.