المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في شروط الصلاة - الملخص الفقهي - جـ ١

[صالح الفوزان]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌‌‌فضل التفقه في الدين

- ‌فضل التفقه في الدين

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب في أحكام الطهارة والمياه

- ‌باب في أحكام الآنية وثياب الكفار

- ‌باب فيما يحرم على المحدث مزاولته من الأعمال

- ‌باب في آداب قضاء الحاجة

- ‌باب في السواك وخصال الفطرة

- ‌باب في أحكام الوضوء

- ‌باب في بيان صفة الضوء

- ‌باب في أحكام المسح على الخفين وغيرهما من الحوائل

- ‌باب في بيان نواقض الوضوء

- ‌باب في أحكام الغسل

- ‌باب في أحكام التيمم

- ‌باب في أحكام إزالة النجاسة

- ‌باب في أحكام الحيض والنفاس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب في وجوب الصلوات الخمس

- ‌باب في أحكام الأذان والإقامة

- ‌باب في شروط الصلاة

- ‌باب في آداب المشي إلى الصلاة

- ‌باب في أركان الصلاة وواجباتها وسننها

- ‌باب في صفة الصلاة

- ‌باب في بيان ما يكره في الصلاة

- ‌باب في بيان ما يستحب أو يباح فعله في الصلاة

- ‌باب في السجود للسهو

- ‌باب في الذكر بعد الصلاة

- ‌باب في صلاة التطوع

- ‌باب في صلاة الوتر وأحكامها

- ‌باب في صلاة التراويح وأحكامها

- ‌باب في السنن الراتبة مع الفرائض

- ‌باب في صلاة الضحى

- ‌باب في سجود التلاوة

- ‌باب في التطوع المطلق

- ‌باب في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

- ‌باب في وجوب صلاة الجماعة وفضلها

- ‌باب في الأحكام التي تتعلق بالمسبوق

- ‌باب في حكم حضور النساء إلى المسجد

- ‌باب في بيان أحكام الإمامة

- ‌باب في من لا تصح إمامته في الصلاة

- ‌باب فيما يشرع للإمام في الصلاة

- ‌باب في صلاة أهل الأعذار

- ‌باب في أحكام صلاة الجمعة

- ‌باب في أحكام صلاة العيدين

- ‌باب في أحكام صلاة الكسوف

- ‌باب في أحكام صلاة الاستسقاء

- ‌باب في أحكام الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب في مشروعية الزكاة ومكانتها

- ‌باب في زكاة بهيمة الأنعام

- ‌باب في زكاة الحبوب والثمار والعسل والمعدن والركاز

- ‌باب في زكاة النقدين

- ‌باب في زكاة عروض التجارة

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في إخراج الزكاة

- ‌باب في بيان أهل الزكاة ومن لا يجوز دفع الزكاة لهم

- ‌باب في الصدقة المستحبة

- ‌كتاب الصيام

- ‌باب في وجوب صوم رمضان ووقته

- ‌باب في بدء صيام اليوم ونهايته

- ‌باب في مفسدات الصوم

- ‌باب في بيان أحكام القضاء للصيام

- ‌باب في ما يلزم من أفطر لكبر أو مرض

- ‌كتاب الحج

- ‌باب في الحج وعلى من يجب

- ‌باب في شروط وجوب الحج على المرأة واحكام النيابة

- ‌باب في فضل الحج والاستعداد له

- ‌باب في مواقيت الحج

- ‌باب في كيفية الإحرام

- ‌باب في محظورات الإحرام

- ‌باب في أعمال يوم التروية ويوم عرفة

- ‌باب في الدفع إلى مزدلفة والمبيت فيها

- ‌باب في أحكام الحج التي تفعل في أيام التشريق وطواف الوداع

- ‌باب في أحكام الهدي والأضحية

- ‌باب في أحكام العقيقة

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب في أحكام الجهاد

الفصل: ‌باب في شروط الصلاة

‌باب في شروط الصلاة

الشرط لغة: العلامة.

وشرعا: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، وشروط الصلاة ما تتوقف صحتها عليها مع الإمكان.

وللصلاة شرائط لا تصح إلا بها، إذا عدمت أو بعضها؛ لم تصح الصلاة، ومنها:

أولا دخول وقتها

قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} ؛ أي: مفروضا في محددة؛ فالتوقيت هو التحديد، وقد وقت الله الصلاة؛ بمعنى أنه سبحانه حدد لها وقتا من الزمان، وقد أجمع المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتا مخصوصةً محدودة لا يجزىء قبلها.

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رصي الله عنه: "الصلاة لها وقت شرطه الله لا تصح إلا به".

ص: 102

فالصلاة تجب بدخول وقتها؛ لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ، وقد أجمع العلماء على فضيلة الإتيان في أول وقتها في الجملة؛ لهذه الآية، ولقوله تعالى:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات} ، وقوله تعالى:{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} ، وقال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}

وفي الصحيحين أنه سئل: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها"، وقال تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} ، ومن المحافظة عليها: الإتيان بها أول وقتها.

والصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة، لكل صلاة منها وقت مناسب اختاره الله لها، يتناسب مع أحوال العباد، بحيث يؤدون هذه الصلوات في هذه الأوقات، ولا تحبسهم عن أعمالهم الأخرى، بل تعينهم عليها، وتكفر عنهم خطاياهم التي يصيبونها؛ فقد شبهها النبي بالنهر الجاري، الذي يغتسل منه الإنسان خمس مرات، فلا يبقى من درنه شيء.

ص: 103

وهذه المواقيت كما يلي:

1 صلاة الظهر: ويبدأ وقتها بزوال الشمس؛ أي: ميلها إلى المغرب عن خط المسامتة، وهو الدلوك المذكور في قوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْس} ، ويعرف الزوال بحدوث الظل في جانب المشرق بعد انعدامه من جانب المغرب، ويمتد وقت الظهر إلى أن يصير ظل الشي مثله في الطول، ثم ينتهي بذلك؛ لقوله:"وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله" رواه مسلم.

ويستحب تعجيلها في أول الوقت؛ إلا في شدة الحر؛ فيستحب تأخيرها إلى أن ينكسر الحر؛ لقوله: "إذا اشتد الحر؛ فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم".

2 صلاة العصر: يبدأ وقتها في نهاية وقت الظهر؛ أي: من مصير ظل كل شيء مثله، ويمتد إلى اصفرار الشمس على الصحيح من قولي العلماء.

ويسن تعجيلها في أول الوقت، وهي الصلاة الوسطى التي نص الله عليها لفضلها، قال تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} ، وقد ثبت في الأحاديث أنها صلاة العصر.

ص: 104

3 وصلاة المغرب: يبدأ وقتها بغروب الشمس؛ أي: غروب قرصها جمعية؛ بحيث لا يرى منه شيء لا من سهل ولا من جبل، ويعرف غروب الشمس أيضا بإقبال ظلمة الليل من المشرق لقوله:"إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا؛ فقد أفطر الصائم" ثم يمتد وقت المغرب إلى مغيب الشفق الأحمر، والشفق: بياض تخالطه حمرة، ثم تذهب الحمرة ويبقى بياض خالص ثم يغيب، فيستدل بغيبوبة البياض على مغيب الحمرة.

ويسن تعجيل صلاة المغرب في أول وقتها؛ لما روى الترمذي وصححه عن سلمة؛ أن النبي كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب؛ قال: "وهو قول أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم".

4 وصلاة العشاء: يبدأ وقتها بانتهاء وقت المغرب؛ أي: بمغيب الشفق الأحمر، ويمتد إلى طلوع الفجر الثاني، وينقسم إلى قسمين: وقت اختيار يمتد إلى ثلث الليل، ووقت اضطرار من ثلث الليل إلى طلوع الفجر الثاني.

ص: 105

وتأخير الصلاة إلى آخر الوقت المختار "إلى ثلث الليل " أفضل إن سهل فإن شق على المأمومين؛ فالمستحب تعجيلها في أول وقتها؛ دفعا للمشقة.

ويكره النوم قبل صلاة العشاء؛ لئلا يستغرق النائم فتفوته، ويكره الحديث بعدها، وهو التحادث مع الناس؛ لأنن ذلك يمنعه من المبادرة بالنوم حتى يستيقظ مبكرًا؛ فينبغي النوم بعد صلاة العشاء مباشرة؛ ليقوم في آخر الليل، فيتهجد، ويصلي الفجر بنشاط؛ لأن النبي كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها.

وهذا إذا كان سهره بعد العشاء من غير فائدة، أما إذا كان لغرض صحيح وحاجة مفيدة؛ فلا بأس.

5 وصلاة الفجر يبدأ وقتها بطلوع الفجر الثاني، ويمتد إلى طلوع الشمس، ويستحب تعجيلها إذا تحقق طلوع الفجر.

هذه مواقيت الصلوات الخمس التي فرضها الله فيها؛ فعليك بالتقيد بها؛ بحيث لا تصليها قبل وقتها، ولا تؤخرها عنه؛ فقال الله تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} ؛ أي: الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها، وقال تعالى:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلاّ مَنْ تَابَ} ،ض

ص: 106

ومعنى أضاعوها: أخروها عن وقتها؛ فالذي يؤخر الصلاة عن وقتها سماه الله ساهيا عنها ومضيعا لها، وتوعده بالويل والغي، وهو واد في جهنم، من نسيها أو نم عنها؛ تجب عليه المبادرة إلى قضائها؛ قال:"من نسي صلاة أو نام عنها؛ فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك".

فتجب المبادرة لقضاء الصلاة الفائتة على الفور، ولا ينتظر إلى دخول وقت الصلاة التي تشابهها كما يظن بعض العوام، ولا يؤخرها إلى خروج وقت النهي، بل يصليها في الحال.

ثانيا: ستر العورة

ومن شروط الصلاة ستر العورة، وهي ما يجب تغطيته، ويقبح ظهوره، ويستحي منه، قال الله تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} ؛ أي: عند كل صلاة، وقال النبي:"لا يقبل الله صلاة الحائض" أي: بالغ "؛ إلا بخمار"، رواه أبو داود والترمذي وحسنه.

قال ابن عبد البر: "أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانا؛ فلا خلاف في وجوب ستر العورة في الصلاة وبحضرة الناس، وفي الخلوة على الصحيح، قال النبي: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك". قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: "فإن

ص: 107

استطعت ألا يراها أحد؛ فلا يرينها". قال: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: "الله أحق أن يستحى منه"، رواه أبو داود وغيره.

وقد سمى الله كشف العورة فاحشة في قوله عن الكفار: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} ، وكانوا يطوفون بالبيت عراة ويزعمون أن ذلك من الدين؛ فكشف العورة والنظر إليها يجر إلى شر خطير، ووسيلة إلى الوقوع في الفاحشة وهدم الأخلاق؛ كما هو مشاهد في المجتمعات المتحللة التي ضاعت كرامتها وهدمت أخلاقياتها؛ فانتشرت فيها الرذيلة، وعدمت فيها الفضيلة.

فستر العورة إبقاء على الفضيلة والأخلاق، ولهذا يحرص الشيطان على إغراء بني آدم بكشف عوراتهم، وقد حذرنا اله منه في قوله:{يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}

فكشف العورات مكيدة شيطانية قد وقع فيها كثير من المجتمعات البشرية اليوم، وربما يسمون ذلك رقيا وتفننا؛ فتكونت نوادي العراة، وتفشي السفور في النساء، فعرضت أجسادها أمام الرجال؛ بلا حياء ولا خجل.

ص: 108

أيها المسلم، إنه يجب ستر العورة بما لا يصف بشرتها، قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} ؛ فمواراة العورة باللباس الساتر أمر مطلوب وواجب، وحد عورة الرجل الذكر من السرة إلى الركبة؛ لحديث على رضي الله عنه:"لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت"، رواه أبوه داود وابن ماجه، وفي الحديث الآخر "غط فخذك، فإن الفخذ عورة"، رواه مالك وأحمد والترمذي وحسنه، ومع هذا كله؛ نرى مع الأسف الشديد كثيرًا من الرجال عندما يزاولون الألعاب يكشفون أفخاذهم ولا يغطون إلا العورة المغلطة، وهذه مخالفة صريحة لهذه النصوص؛ فالواجب عليهم التنبه لذلك، والتقيد بأحكام دينهم، وعدم الالتفات لما يخالفها.

والمرأة كلها عورة؛ لقوله: "والمرأة عورة"، صححه الترمذي، ولحديث أم سلمة: أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟، قال:"إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها"، رواه أبو داود، ولأبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث عائشه: "لا يقبل الله

ص: 109

صلاة حائض إلا بخمار"، قال الترمذي: "والعمل عليه عند أهل العلم؛ أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من عورتها مكشوف؛ لا تجوز صلاتها ".

هذه الأحاديث، مع قوله تعالى:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنّ} الآية، وقوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنّ} ، وقوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ} ، وقول عائشة:"كنا مع النبي محرمات، فإذا مر بنا الرجال؛ سدلت إحدانا خمارها على وجهها، فإذا جاوزونا؛ كشفناه ".

هذه النصوص وما جاء بمعناها من الكتاب والسنة، وهي كثيرة شهيرة، تدل على أن المرأة كلها عورة أمام الرجال الأجانب، لا يجوز أن يظهر من بدنها شيء بحضرتهم في الصلاة وغيرها، أما إذا صلت في مكان خال من الرجال الأجانب؛ فإنها تكشف وجهها في الصلاة؛ فهو ليس بعورة في الصلاة، لكنه عورة عند الرجال غبر المحارم؛ فلا يجوز نظرهم إليه.

ص: 110

وإنه لمن المؤسف المحزن ما وصل إليه كثير من نساء العصر المسلمات من تهتك وتساهل في الستر، وتسابق إلى إبراز مفاتنهن، واتخاذ اللباس الذي لا يستر؛ تقليدًا لنساء الكفرة والمرتدين؛ فلا حول ولا قوة غلا بالله العلي العظيم.

إن الله تعالى قد أمر بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة، وهو أخذ الزينة؛ وقال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} ؛ فأمر بأخذ الزينة لا بستر العورة فقط، مما يدل على أن المسلم ينبغي له أن يلبس أحسن ثيابه وأجملها في الصلاة للوقوف بين يدي الله تبارك تعالى؛ فيكون المصلي في هذا الموقف على أكمل هيئة ظاهرًا وباطنا.

ثالثا: اجتناب النجاسة

ومما يشترط للصلاة اجتناب النجاسة؛ بأن يبتعد عنها المصلي، ويخلو منها تماما في بدنه وثوبه وبقعته التي يقف عليها للصلاة.

والنجاسة قذر مخصوص يمنع جنسه الصلاة؛ كالميتة، والدم، والخمر، والبول، والغائط: لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ؛ قال ابن سيرين: "اغسلها بالماء "، وقال:"تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه"، وأمر المرأة أن تغسل ثوبها إذ أصابه دم الحيض وتصلي

ص: 111

فيه؛ وأمر بدلك النعلين ثم الصلاة فيهما، وأمر بصب الماء على البول الذي حصل في المسجد

وغير ذلك من الأدلة الدالة على اجتناب النجاسة؛ فلا تصح صلاة مع وجود النجاسة في بدن المصلي أو ثوبه أو البقعة التي يصلي عليها، وكذلك إذا كان حاملاً لشيء فيه نجاسة.

ومن رأى عليه نجاسة بعد الصلاة ولا يدري متى حدثت؛ فصلاته صحيحة، وكذا لو كان عالما بها قبل الصلاة، لكن نسي أن يزيلها؛ فصلاته صحيحة على القول الراجح.

وإن علم بالنجاسة في أثناء الصلاة وأمكنة إزالتها من غير عمل كثير؛ كخلع النعل والعمامة ونحوهما؛ أزالهما وبنى، وإن لم يتمكن من إزالتها؛ بطلت الصلاة.

ولا تصح الصلاة في المقبرة؛ غير صلاة الجنازة؛ لقوله: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام"، رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي،

ص: 112

وقال: "لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها"، رواه الجماعة إلا البخاري، وقال عليه الصلاة والسلام:"فلا تتخذوا القبور مساجد".

وليس العلة في النهي عن الصلاة في المقابر أو عندها خشية النجاسة، وإنما هي خشية تعظيمها واتخاذها أوثانا؛ فالعلة سد الذريعة عن عبادة المقبورين، وتستثني صلاة الجنازة؛ فيجوز فعلها في المقبرة؛ لفعل النبي، وذلك يخصص النهي، وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه؛ لأن النهي يشمل المقبرة وفنائها الذي حولها.

ص: 113

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المسجد المبني على القبر: "لا يصلى فيه فرض ولا نفل، فإن كان المسجد قبل القبر؛ غير: إما بتسوية القبر، أو نبشه إن كان جديدًا وأن كان القبر قبل المسجد؛ فإما أن يزال المسجد، وإما أن تزال صورة القبر".

ولا تصح الصلاة في المسجد الذي قبلته إلى قبر؛ لقوله: "تصلوا إلى القبور".

ولا تصح الصلاة في الحشوش، وهي المراحيض المعدة لقضاء الحاجة؛ فيمنع من الصلاة في داخل الحش؛ لكونه معدًا للنجاسه، ولأن الشارع منع من ذكر الله فيها؛ والصلاة أولى بالمنع، ولأن الحشوش تحضرها الشياطين.

ولا تصح الصلاة في الحمام وهو المحل المعد للاغتسال؛ لأنه محل كشف العورات، ومأوى للشياطين، والمنع يشمل كل ما يغلق عله باب الحمام؛ فلا تجوز الصلاة فيه

ص: 114

ولا تصح الصلاة في أعطان الإبل، وهي المواطن التي تقيم فيها وتأوي إليها.

قال الشيخ تقي الدين: "نهى عن الصلاة في أعطانها؛ لأنها مأوى الشياطين، وكما نهى عن الصلاة في الحما؛ لأنه مأوى الشياطين؛ فإن مأوى الأرواح الخبيثة أحق بأن تجتنب الصلاة فيه".

وتكره الصلاة في مكان فيه تصاوير، قال الإمام ابن القيم:"وهو أحق بالكراهة من الصلاة في الحمام؛ لأن كراهية الصلاة في الحمام: إما لكونه مظنة النجاسة، وإما لكونه بيت الشيطان، وهو الصحيح، وأما محل الصور؛ فمظنه الشرك، وغالب شرك الأمم كان من وجهة الصور والقبور" اهـ.

أيها المسلم، عليك بالعناية بصلاتك؛ فتطهر من النجاسة قبل دخولك فيها، وتجنب المواضع المنهي عن الصلاة فيها؛ لتكون صلاتك صحيحة على وفق ما شرعه الله، ولا تتهاون بشيء من أحكامها أو تتساهل فيه؛ فإن صلاتك عمود دينك، متى استقامت؛ استقام لدين، ومتى اختلت؛ اختل الدين.

وفقنا الله جميعا لما فيه الخير والاستقامة.

رابعا: استقبال القبلة

ومن شروط الصلاة استقبال القبلة، وهي الكعبة المشرفة،

ص: 115

سميت قبلة لإقبال الناس عليها، ولأن المصلي يقابلها، قال تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه} .

فمن قرب من الكعبة، وكان يراها؛ وجب عليه استقبال نفس الكعبة بجميع بدنه؛ لأنه قادر على التوجه إلى عينها قطعا، فلم يجز له العدول عنها، ومن كان قريبا منها، لكن يراها؛ لوجود حائل بينه وبينها؛ اجتهد في إصابتها، والتوجه إليها ما أمكنه، ومن كان بعيدًا عن الكعبة في أي وجهة من جهات الأرض؛ فإنه يستقبل في صلاته الجهة التي فيها الكعبة، ولا يضر التيامن ولا التياسر اليسيران؛ لحديث:"ما بين المشرق والمغرب قبلة"؛ صححه الترمذي، وروى عن غير واحد من الصحابة، وهذا بالنسبة لأهل المدينة وما وافق قبلتها مما سامتها، ولسائر البلدان مثل ذلك؛ فالذي في المشرق مثلاً تكون قبلته بين الجنوب والشمال والذي في المغرب كذلك.

فلا تصح الصلاة بدون استقبال القبلة؛ لقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه} ؛ أي: في بر أو جو أو بحر أو مشرق أو مغرب؛

ص: 116

إلا العاجز عن استقبال الكعبة: كالمربوط أو المصلوب غير القبلة إذا كان موثقا لا يقدر عليه؛ فإنه يصلي حسب استطاعته، ولو لم يستقبل القبلة؛ لأن هذا الشرط يسقط عنه للعجز بإجماع أهل العلم، وكذا في حال اشتداد الحرب، والهارب من سيل أو نار أو سبع أو عدو، والمريض الذي لا يستطيع استقبال القبلة؛ فكل هؤلاء يصلون حسب حالهم، ولو إلى غير القبلة، وتصح صلاتهم؛ لأنه شرط عجز عنه؛ فسقط، قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ، وقال النبي:"وإذا أمرتكم بأمر؛ فأتوا منه ما استطعتم" وورد في الحديث المتفق عليه؛ أنهم عند اشتداد الخوف يصلون مستقبلي القبلة وغير مستقبليها.

ويستدل على القبلة بأشياء كثيرة؛ منها: الإخبار، فإذا أخبره بالقبلة مكلف ثقة عدل؛ عمل بخبره، إذا كان المخبر متيقنا القبلة؛ وكذا إذا وجد محاريب إسلامية؛ عمل بها، واستدل بها على القبلة؛ لأن دوام التوجه إلى جهة تلك المحاريب يدل على صحة اتجاهها، وكذلك يستدل على القبلة بالنجوم، قال الله تعالى:{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} .

ص: 117

خامسا: النية

ومن شروط الصلاة النية، وهي لغة: القصد، وشرعا: العزم على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى.

ومحلها القلب؛ فلا يحتاج إلى التلفظ بها، بل هو بدعة، لم يفعله رسول الله ولا أصحابه؛ فينوي بقلبه الصلاة التي يريدها؛ كالظهر والعصر؛ لحديث:"إنما الأعمال بالنيات"، وينوي مع تكبيرة الإحرام؛ لتكون النية مقارنة للعبادة، وإن تقدمت بزمن يسير في الوقت؛ فلا بأس.

ويشترك أن تستمر النية في جميع الصلاة، فإن قطعها في أثناء الصلاة؛ بطلت الصلاة

ويجوز لمن أحرم في صلاة فريضة وهو مأموم أو منفرد أن يقلب صلاته نافلة إذا كان ذلك لغرض صحيح؛ مثل أن يحرم منفردًا، فيريد الصلاة مع الجماعة.

واعلم أن بعض الناس قد أحدثوا في النية بدعة وتشددًا ما أنزل الله بهما من سلطان، وذلك بأن يقول أحدهم: نويت أن أصلي فرض كذا عدد كذا من الركعات أداء لله خلف هذه الإمام

ونحو ذلك من الألفاظ، وهذا شيء لم يفعله رسول الله، فلم ينقل عنه أنه تلفظ بالنية لا سرًا ولا جهرًا، ولا أمر بذلك.

ص: 118

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اتفق الأئمة أنه لا يشرع الجهر بها ولا تكريرها، بل من اعتاده ينبغي تأديبه، والجاهر بها مستحق للتعزير بعد تعريفه، لا سيما إذا آذى به أو كرره

" إلى أن قال: "بعض المتأخرين خرج وجها من مذهب الشافعي في ذلك، وغلطه جماهير أصحاب الشافعي، قال الشافعي، قال الشافعي: إن الصلاة لا بد من النطق في أولها، فظن الغالط أنه أراد النطق في أولها، فظن الغالط أنه أراد النطق بالنية، وإنما أراد التكبير " اه كلام الشيخ.

والتلفظ بالنية كما أنه بدعة؛ فقد يدخل في الرياء أيضا؛ لأن المطلوب إخلاص العمل لله وإخفاؤه؛ إلا ما ورد دليل بإظهاره؛ فالذي ينبغي للمسلم أن يكون وقافا عند حدود الشريعة، عاملاً بالسنن، تاركا للبدع، مهما كان نوعها، وممن كان مصدرها

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، والله تعالى يقول:{قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .

فالله أعلم بنيات القلوب ومقاصدها؛ فلا حاجة إلى التلفظ بها في الصلاة وفي جميع العبادات، والله تعالى أعلم.

ص: 119