الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الأحكام التي تتعلق بالمسبوق
الصحيح من قولي العلماء: أن المسبوق لا يدرك صلاة الجماعة؛ إلا بإدراك ركعة، فإن أدرك أقل من ذلك؛ لم يكن مدركا للجماعة، لكن يدخل مع الإمام فيما أدرك، وله بنيته أجر الجماعة؛ كما إذا وجدهم قد صلوا؛ فإن له بنيته أجر من صلى في جماعة؛ كما وردت به الأحاديث؛ أن من نوى الخير ولم يتمكن من فعله؛ كتب له مثل أجر من فعله.
وتدرك الركعة بإدراك الركوع على الصحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك الركوع؛ فقد أدرك الركعة"، رواه أبو داود، ولما في "الصحيح " من حديث أبي بكرة، وقد جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في الركوع، فركع دون الصف، ولم يأمره النبيصلى الله عليه وسلم بإعادة الركعة، فدل على الاجتزاء بها.
فإذا أدرك الإمام راكعا؛ فإنه يكبر تكبيرة الإحرام قائما، ثم يركع
مع بتكبيرة ثانية، هذا هو الأفضل، وإن اقتصر على تكبيرة الإحرام؛ أجزأته عن تكبيرة الركوع؛ فتكبيرة الإحرام؛ لا بد من الإتيان بها وهو قائم، وأما تكبيرة الركوع؛ فمن الأفضل الإتيان بها بعدها.
وإذا وجد المسبوق الإمام على أي حال من الصلاة؛ دخل معه؛ لحديث أبي هريرة وغيره: "إذا جئتم إلى الصلاة، ونحن سجود؛ فاسجدوا، ولا تعدوها شيئا".
فإذا سلم الإمام التسليمة الثانية؛ قام المسبوق ليأتي بما فاته من الصلاة، ولا يقوم قبل التسليمة الثانية.
وما أدرك المسبوق مع إمامه؛ فهو أول صلاته على القول الصحيح، وما يأتي به بعد سلام الإمام هو آخرها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:"وما فاتكم؛ فأتموا"، وهو رواية الجمهور للحديث، وإتمام الشيء لا يأتي إلا بعد تقدم أوله، ورواية:"وما فاتكم؛ فاقضوا" لا تخالف رواية: "فأتموا"؛ لأن القضاء يراد به الفعل1؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} ، وقوله تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُم} ، فيحمل قوله:{فاقضوا} على الأداء والفراغ. والله أعلم.
1أي: الإتمام والفراغ.
وإذا كانت الصلاة جهرية؛ وجب على المأموم أن يستمع لقراءة الإمام، ولا يجوز له أن يقرأ وإمامه يقرأ، لا سورة الفاتحة ولا غيرها؛ لقوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .
قال الإمام أحمد رحمه الله "أجمعوا على أن هذه الآية في الصلاة ".
فلو أن القراءة تجب على المأموم؛ لما أمر بتركها لسنة الاستماع، ولأنه إذا انشغل المأموم بالقراءة؛ لم يكن لجهر الإمام فائدة، ولأن تأمين المأموم على قراءة الإمام ينزل منزلة قراءتها؛ فقد قاله تعالى لموسى وهارون:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} ، وقد دعا موسى، فقال:{رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية، وأمن هارون على دعائه، فنزل تأمينه منزلة من دعا، فقال تعالى:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} ، فدل على أن من أمن على دعاء؛ فكأنما قاله.
أما إذا كانت الصلاة سرية، أو كان المأموم لا يسمع الإمام؛ فإنه يقرأ الفاتحة في هذه الحال، وبهذا تجتمع الأدلة؛ أي: وجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة السرية دون الجهرية. والله أعلم.
ومن أحكام صلاة الجماعة المهمة: وجوب اقتداء المأموم بالإمام بالمتابعة التامة له، وتحرم مسابقته؛ لأن المأموم متبع لإمامه، مقتد به، والتابع المقتدي لا يتقدم على متبوعه وقدوته،
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار؟! "، متفق عليه؛ فمن تقدم على إمامه؛ كان كالحمار الذي لا يفقه ما يراد بعمله، ومن فعل ذلك؛ استحق العقوبة.
وفي الحديث الصحيح: "إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فلا تركعوا حتى يركع، ولا تسجدو حتى يسجد".
وروى الإمام أحمد وأبوا داود: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع؛ فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا سجد، فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد".
وكان الصحابة خلف النبي صلى الله عليه وسلم لا يحني أحد منهم ظهره حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدًا، ثم يقعون سجودًا بعده.
ولما رأى عمر رضي الله عنه رجلاً يسابق الإمام؛ ضربة، وقال:"ولا وحدك صليت، ولا بإمامك اقتديت".
وهذا شيء يتساهل فيه أو يتجاهله بعض المصلين، فيسابقون الإمام، ويتعرضون للوعيد الشديد، بل يخشى أن لا تصح صلاتهم،
وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: "لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "مسابقة الإمام حرام باتفاق الأئمة، لا يجوز لأحد أن يركع قبل إمامه، ولا يرفه قبله، ولا يسجد قبله، وقد استفاضت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك ".
ومسابقة الإمام تلاعب من الشيطان ببعض المصلين حتى يخل بصلاته، وإلا؛ فماذا يستفيد الذي يسابق الإمام؛ لأنه لن يخرج من الصلاة إلا بعد سلام الإمام؟!.
فيجب على المسلم أن يتنبه لذلك، وأن يكون ملتزما لأحكام الائتمام والإقتداء.
نسأل الله للجميع الفقه في دينه والبصيرة في أحكامه، إنه سميع مجيب؛ فإنه من يرد الله به خيرًا؛ يفقهه في الدين.