الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في زكاة الفطر
زكاة الفطر من رمضان المبارك، تسمى بذلك لأن الفطر سببها، فإضافتها إليه من إضافة الشيء إلى سببه.
والدليل على وجوبها الكتاب والسنة والإجماع.
قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} ، قال بعض السلف:"المراد بالتزكي هنا إخراج زكاة الفطر".
وتدخل في عموم قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} .
وفي "الصحيحين" وغيرهما: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من بر أو صاعا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين".
وقد حكى غير واحد من العلماء إجماع المسلمين على وجوبها.
والحكمة في مشروعيتها: أنها طهر للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وشكر لله تعالى على إتمام فريضة الصيام.
وتجب زكاة الفطر على كل مسلم؛ ذكرًا كان أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا، حرًا كان أو عبدًا؛ لحديث ابن عمر الذي ذكرنا قريبا؛ ففيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وفرض بمعنى ألزم وأوجب.
كما أن في الحديث أيضا بيان ما يخرج عن كل شخص وجنس ما يخرج؛ بمقدارها صاع، وهو أربعة أمداد، وجنس ما يخرج هو من غالب قوت البلد؛ برّاً كان، أو شعيراً أو تمرًا، أو زبيبا، أو أقطا
…
أو غير هذه الأصناف مما اعتاد الناس أكله في البلد، وغلب استعمالهم له؛ كالأرز والذرة، وما يقتاته الناس في كل بلد بحسبه.
كما بين صلى الله عليه وسلم وقت إخراجها، وهو أنه أمر بها أن تؤدى قبل صلاة العيد، فيبدأ وقت الإخراج الأفضل بغروب الشمس ليلة العيد، ويجوز تقديم إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين؛ فقد روى البخاري رحمه الله: أن الصحابة كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين، فكان إجماعا منهم.
وإخراجها يوم العيد قبل الصلاة أفضل، فإن فاته هذا الوقت، فأخر إخراجها عن صلاة العيد؛ وجب عليه إخراجها قضاء؛ لحديث ابن عباس: "من أداها قبل الصلاة؛ فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة؛
فهي صدقة من الصدقات"، ويكون آثما بتأخير إخراجها عن الوقت المحدد؛ لمخالفته أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويخرج المسلم زكاة الفطر عن نفسه وعمن يمونهم أي: ينفق عليهم من الزوجات والأقارب؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أدوا الفطرة عمن تمولون".
ويستحب إخراجها عن الحمل؛ لفعل عثمان رضي الله عنه.
ومن لزم غيره إخراج الفطرة عنه، فأخرج هو عن نفسه بدون إذن من نلزمه؛ أجزأت؛ لأنها وجبت عليه ابتداء، والغير محتمل لها غير أصيل، وإن أخرج شخص عن شخص لا تلزمه نفقته بإذنه؛ أجزأت، وبدون إذنه لا تجزئ.
ولمن وجب عليه إخراج الفطرة من غيره أن يخرج فطرة ذلك الغير مع فطرته في المكان الذي هو فيه، ولو كان المخرج عنه في مكان آخر.
ونحب أن ننقل لك كلاما لابن القيم في جنس المخرج في زكاة الفطر، قال رحمه الله لما ذكر الأنواع الخمسة الواردة في الحديث:
"وهذه كانت غالب أقواتهم بالمدينة، فأما أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك؛ فإنما عليهم صاع من قوتهم، فإن كان قوتهم من غير الحبوب كاللبن واللحم والسمك؛ أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنا ما كان، هذا قول جمهور العلماء، وهو الصواب الذي لا يقال بغيره، إذ المقصور سد خلة المساكين يوم العيد ومواساتهم من جنس ما يقتات أهل بلدهم، وعلى هذا؛ فيجزىء الدقيق، وإن لم يصح فيه الحديث، وأما إخراج الخبز أو الطعام؛ فإنه وإن كان أنفع للمساكين، لقلة المؤونة والكلفة فيه؛ فقد يكون الحب أنفع لهم لطول بقائه" انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "يخرج من قوت بلدة مثل الأرز وغيره، ولو قدر على الأصناف المذكورة في الحديث وهو رواية عن أحمد وقول أكثر العلماء، وهو أصح الأقوال؛ فإن الأصل في الصدقات أنها تجب على وجه المواساة للفقراء" انتهى.
وأما إخراج القيمة عن زكاة الفطر؛ بأن يدفع بدلها دراهم؛ فهو خلاف السنة؛ فلا يجزئ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه إخراج القيمة في زكاة الفطر.
قال الإمام أحمد: "لا يعطى القيمة. قيل له: قوم يقولون: إن عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة؟ قال: يدعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويقولون: قال فلان، وقد قال ابن عمر: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا
…
" الحديث؟! ".
ولا بد أن تصل صدقة الفطر إلى مستحقها في الموعد المحدد لإخراجها، أو تصل إلى وكيله الذي عمده في قبضها نيابة عنه، فإن لم يجد الدافع من أراد دفعها إليه، ولم يجد له وكيلاً في الموعد المحدد؛ وجب دفعها إلى آخر.
وهنا يغلط بعض الناس؛ بحيث يودع زكاة الفطر عند شخص لم يوكله المستحق، وهذا لا يعتبر إخراجا صحيحا لزكاة الفطر، فيجب التنبيه عليه.