الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في صلاة التراويح وأحكامها
مما شرعة نبي الهدى محمد في شهر رمضان المبارك صلاة التراويح، وهي سنة مؤكدة، سميت تراويح لأن الناس كانوا يستريحون فيها بين كل أربع ركعات 1؛ لأنهم يطيلون الصلاة.
وفعلها جماعة في المسجد؛ فقد صلاها النبي بأصحابه في المسجد ليالي، ثم تأخر عن الصلاة بهم؛ خوفا من أن تفرض عليهم؛ كما ثبت في "الصحيحين " عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى في المسجد ذات ليلة، وصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، لم يخرج إليهم،
1 أي: بين كل تسليمتين؛ لأن التراويح مثنى مثنى، وصلاة التهجد كذلك، وقد يغلط بعض أئمة المساجد الذين لا فقه لديهم، فلا يسلم بين كل ركعتين في التراويح أو التهجد، وهذا خلاف السنة، وقد نص العلماء على أن من قام إلى ثالثة في التراويح أو في التهجد؛ فهو كمن قام إلى ثالثة في فجر؛ أي: تبطل صلاته، وللشيخ عبد العزيز بن باز جواب يرد على هؤلاء ويبين خطأهم.
فلما أصبح؛ قال: "قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم"، وذلك في رمضان، وفعلها صحابته من بعده، وتلقتها أمته بالقبول، وقال:"من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة"، وقال:"من قام رمضان إيمانا واحتسابا؛ غفر له من ما تقدم من ذنبه"، متفق عليه.
فهي سنة ثابته، لا ينبغي للمسلم تركها.
أما عدد ركعاتها؛ فلم يثبت فيه شيء عن النبي، والأمر في ذلك واسع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "له أن يصلي عشرين ركعة، كما هو مشهور من مذهب أحمد والشافعي، وله أن يصلي ستا
وثلاثين، كما هو مذهب مالك، وله أن يصلي إحدى عشرة ركعة وثلاث عشرة ركعة، وكل حسن؛ فيكون تكثير الركعات أو تقليلها بحسب طول القيام وقصره.
وعمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أُبي؛ صلى بهم عشرين ركعة، والصحابة رضي الله عنهم منهم من يقل ومنهم من يكثر، والحد المحدود لا نص عليه من الشارع.
وكثير من الأئمة "أي: أئمة المساجد " في التراويح يصلون صلاة لا يعقلونها، ولا يطمئنون في الركوع ولا في السجود، والطمأنينة ركن، والمطلوب في الصلاة حضور القلب بين يدي الله تعالى، واتعاظه بكلام الله إذ يتلى، وهذا لا يحصل في العجلة المكروهة، وصلاة عشر ركعات مع طول القراءة والطمأنينة أولى من عشرين ركعة مع العجلة والمكروهة؛ لأن لب الصلاة وروحها هو إقبال القلب على الله عز وجل، ورب قليل خير من كثير، وكذلك ترتيل القراءة أفضل من السرعة، والسرعة المباحة هي التي لا يحصل معها إسقاط شيء من الحروف، فإن أسقط بعض الحروف لأجل السرعة؛ لم يجز ذلك، وينهى عنه، وأما إذا قرا قراءة بينة ينتفع بها المصلون خلفه؛ فحسن.
وقد ذم الله الذين يقرؤون القرآن بلا فهم معناه، فقال تعالى:
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِي} ؛ أي: تلاوة بلا فهم، والمراد من إنزال القرآن فهم معانيه والعمل به لا مجرد التلاوة انتهى كلامه رحمه الله.
وبعض أئمة المساجد لا يصلون التراويح على الوجه المشروع؛ لأنهم يسرعون في القراءة سرعة تخل بأداء القرآن على الوجه الصحيح، ولا يطمئنون في القيام والركوع والسجود، والطمأنينة ركن من أركان الصلاة، ويأخذون بالعدد الأقل من الركعات. فيجمعون بين تقليل الركعات وتخفيف الصلاة وإساءة القراءة، وهذا تلاعب بالعبادة1، فيجب عليهم أن يتقوا الله ويحسنوا صلاتهم، ولا يحرموا أنفسهم ومن خلفهم أداء التراويح على الوجه المشروع2
1 وبعضهم يخرج صوته بالقراءة خارج المسجد بواسطة الميكروفون، فيشوش على من حوله من المساجد، وهذا لا يجوز.
قال شيخ شيخ الإسلام ابن تيمية: (من كان يقرأ القرآن والناس يصلون تطوعًا؛ فليس له أن يجهر جهرًا يشغلهم به؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يصلون في المسجد، فقال: "يا أيها الناس كلكم يناجي ربه؛ فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة" انتهى. (مجموع الفتاوى) (23/61 ـ 64.
2 وبعض أئمة المساجد يسرع في القراءة ويطيلها من أجل أن يختم القرآن في أول العشر الأواخر وأوسطها، فإذا ختمه؛ ترك مسجده، وسافر للعمرة، وخلف مكانه من قد لا يصلح للإمامه، وهذا خطأ عظيم ونقص كبير وتضييع وكل إليه من القيام بإمامة المصلين إلى آخر الشهر؛ فقيامه بذلك واجب عليه، والعمرة مستحبة؛ فكيف ترك واجبًا عليه لفعل مستحب، وإن بقاءه في مسجدع لعمله أفضل له من العمرة.
وبعضهم إذا ختم القرآن؛ خفف الصلاة، وقلل القراءة في بقية ليالي الشهر التي هي ليالي الإعتاق من النار، وكأن هؤلاء يرون أن المقصود من التراويح والتهجد هو ختم القرآن لا إحياء هذه الليالي المباركة بالقيام اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وطلبًا لفضائلها، وهذا جهل منهم، وتلاعب بالعبادة، نرجو الله أن يردهم إلى الصواب.
وفق الله الجميع لما فيه الصلاح والفلاح.