الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّلاطِينِ، وفيها اسْتِحْكَامُ الهُلْكَةِ؛ فَنَعُوْذُ باللهِ مِنَ الهَوَى والدُّنْيَا!
يَقُوْلُ ابنُ وَهْب رحمه الله: "إنَّ جَمْعَ المَالِ وغِشْيَانَ السُّلْطَانِ، لا يُبْقِيَانِ مِنْ حَسَنَاتِ المَرْءِ إلَّا كَمَا يُبْقِي ذِئْبَانِ جَائِعَانِ سَقَطَا في حَظَارٍ فيه غَنَمٌ؛ فَبَاتا يَجُوْسَانِ حَتَّى أصْبَحَا"(1).
* * *
* فأمَّا
العَائِقُ الأوَّلُ:
فَهُوَ حُبُّ الدُّنْيا وزِينَتِها، فَهَذَا (واللهِ!) بَيتُ الدَّاءِ، ونَامُوْسُ السِّفْلَةِ والرَّعَاعِ، ومَبْلَغُ رَأسِ عِلْمِ الخَالِفينَ، وسُوْقُ المُتعَالِمينَ، فَعَيَاذًا باللهِ مِنْها!
فيَا طَالِبَ العِلْمِ، الحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ حُبِّ الدُّنْيا، "اللَّهُمَّ لا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أكْبَرَ هَمِّنا، ولا مَبْلَغَ عِلْمِنا"(2) آمِينَ!
فَقَدْ قَالَ تَعَالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} [الحديد: 20].
وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الدُّنْيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ الله مُستخْلِفُكُم فيها، فيَنْظُرُ كَيفَ
(1) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 639).
(2)
أخْرَجَهُ الترْمذِيُّ (3502) وهُوَ صَحِيحٌ.
تَعْمَلُوْنَ؟ فاتَّقُوا الدُّنْيا واتَّقُوا النِّسَاءَ، فإِنَّ أوَّلَ فِتنةِ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ" (1) مُسْلِمٌ.
وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبتغَى بِه وَجْهَ اللهِ لا يَتَعَلَّمَهُ إلَّا لِيُصِيبَ بِه عَرَضًا مِنَ الدُّنْيا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القيامَةِ"(2) أحمَدُ، يَعْنِي: رِيحَهَا.
* * *
قِيلَ للإمَامِ أحْمَدَ رحمه الله: إنَّ ابنَ المُبَارَكِ قِيلَ لَهُ: كَيفَ يُعْرَفُ العَالمُ الصَّادِقُ؟ فَقَالَ: الَّذِي يَزْهَد في الدُّنْيا، ويُقْبِلُ عَلَى أمْرِ الآخِرَةِ، فَقَالَ أحْمَدُ: كَذَا يَنْبَغِي أنْ يَكُوْنَ، وكَانَ أحْمَدُ يُنْكِرُ عَلَى أهْلِ العِلْمِ حُبَّ الدُّنْيا، والحِرَصَ عَلَيها! " (3).
* * *
قَالَ الإمَامُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: "لا عَيبَ في العُلَمَاءِ أقْبَحُ مِنْ رَغْبَتِهم
(1) أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (2742).
(2)
أخْرَجَهُ أحْمَدُ (2/ 338)، وأبُو دَاوُدَ (3664)، وابنُ مَاجَه (252) وهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
(3)
انْظُرْ "شَرْحَ حَدِيثِ أبِي الدَّرْدَاءِ في طَلَبِ العِلْمِ" لابنِ رَجَبِ، وهُوَ ضِمْنُ "مَجْمُوْعِ رَسَائِلِ ابنِ رَجَبِ" جَمْعُ أبي مُصْعَبِ الحَلْوَانِيُّ (1/ 56).
فيمَا زَهَّدَهُم اللهُ فيه! " (1)، أي: حُبَّ الدُّنْيَا.
قَالَ الفُضيلُ بنُ عِيَاضٍ رحمه الله: "لَكَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِكِم زِيُّهُ، أشْبَهُ بِزِيِّ كِسْرَى وقَيصَرَ مِنْهُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَضَعْ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ، ولا قَصَبَةً عَلَى قَصَبَةٍ، ولَكِنْ رُفِعَ لَه عِلْمٌ فَشَمَّرَ إلَيه"(2).
وقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رحمه الله "إذَا فَسَدَ العُلَمَاءُ، فَمَنْ يُصْلِحُهُم؟ وفَسَادُهُم مَيلُهُم عَلَى الدُّنْيا، وإذَا جَرَّ الطَّبِيبُ الدَّاءَ إلى نَفْسِه فَكَيفَ يُدَاوِي غَيرَه؟! "(3).
وقَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ رحمه الله: "إذَا رَأيتُم العَالمَ مُحِبًّا لدُنْيَاه، فاتَّهِمُوْهُ عَلَى دِينِكِم، فإنَّ كُلَّ محُبٍّ لشَيءٍ يَحُوْطُ ما أحَبَّ"(4)، أمَّا قَوْلُه: "فاتَّهِمُوْهُ عَلَى
(1) انْظُرْ "بَيَانَ العِلْمِ الأصِيلِ" لعَبْدِ الكَرِيمِ الحُمَيدِ (26).
(2)
انْظُرْ "أخْلاقَ العُلَمَاءِ" للآجُرِّيِّ (86)، و"الحِلْيَةَ" لأبِي نُعِيمٍ الأصْبَهَانِيِّ (8/ 92)، و"سِيرَ أعْلامِ النُّبَلاءِ" للذَّهَبِيِّ (8/ 434).
(3)
انْظُرْ "الحِلْيَةَ" لأبِي نُعيمٍ الأصْبَهَانِيِّ (6/ 339)، و"جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 711، 643) بِنَحْوِه.
(4)
انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 670).
دِينِكِم"، أي: لا تَأخُذُوا مِنْه شَيئًا مِنْ أمُوْرِ الدِّينِ، سَوَاءٌ كَانَتْ فَتْوَى أو عِلمًا؛ لأنَّه مُتَّهَمٌ في دِينِه، وقَدْ قِيلَ: العِلْمُ دِينٌ، فانْظُرُوا عَمَّنْ تَأخُذُوْنَ دينكم، واللهُ أعْلَمُ.
وقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ رحمه الله "مِنْ شَرْطِ العَالمِ أنْ لا تَخْطُرَ محَبَّةُ الدُّنْيا عَلَى بَالِه!، وقِيلَ لَهُ: مَنْ سِفْلَةُ النَّاسِ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَتَعَيَّشُوْنَ بِدِينِهِم! "(1).
كَانَ يُقَالُ: "أشْرَفُ العُلَمَاءِ مَنْ هَرَبَ بدِينِهِ عَنِ الدُّنْيا، واسْتَصْعَبَ قِيَادُهُ عَلَى الهَوَى"(2).
نَعَمْ؛ فإنَّ طَلَبَ العِلْمِ يَدُلُّ عَلَى الهَرَبِ مِنَ الدُّنْيا، لا عَلَى حُبِّها، أمَّا أهْلُ زَمَانِنا فَشَيءٌ آخَرُ، فإلى الله المُشْتكى، وعَلَيهِ التُّكْلانُ!
وقَالَ حَسَنُ بنُ صالِحٍ رحمه الله: "إنَّكَ لا تَفْقَهُ حَتَّى لا وتُبَالِي في يَدَي مَنْ كَانَتِ الدُّنْيا"(3).
(1) انْظُرْ "الحِلْيَةَ" لأبِي نُعَيمٍ الأصْبَهَانِيِّ (8/ 178) بنَحْوِه.
(2)
انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 656).
(3)
السَّابِقُ (1/ 660).