الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطّرف الثَّانِي فِي الْإِسْنَاد وَمَا يتَعَلَّق بِهِ وَالْكَلَام فِيهِ أحد عشر نوعا
النَّوْع الأول صفة من تقبل رِوَايَته وَمن لَا تقبل وَفِيه فُصُول
الأول أجمع جَمَاهِير أَئِمَّة الْعلم بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْه الْأُصُول على أَنه يشْتَرط فِيمَن يحْتَج بحَديثه الْعَدَالَة والضبط فالعدالة أَن يكون مُسلما بَالغا عَاقِلا سليما من أَسبَاب الْفسق وخوارم الْمُرُوءَة والضبط أَن يكون متيقظا حَافِظًا أَن حدث من حفظه ضابطا لكتابه أَن حدث مِنْهُ عَارِفًا بِمَا يحِيل الْمَعْنى إِن روى بِهِ وَلَا تشْتَرط الذُّكُورَة وَلَا الْحُرِّيَّة وَلَا الْعلم بِفقه أَو عربيه وَلَا الْبَصَر وَلَا الْعدَد أَو معنى الحَدِيث
الثَّانِي تعرف الْعَدَالَة بتنصيص عَدْلَيْنِ عَلَيْهَا أَو بالاستفاضة فَمن اشتهرت عَدَالَته بَين أهل النَّقْل أَو غَيرهم من الْعلمَاء وشاع الثَّنَاء عَلَيْهِ بهَا كفى فِيهَا كمالك والسفيانين وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وأشباههم وَقَالَ ابْن عبد الْبر كل حَامِل علم مَعْرُوف بالعناية بِهِ مَحْمُول على الْعَدَالَة أبدا حَتَّى يبين جرحه وَهَذَا غير مرضِي وَيقبل تَعْدِيل العَبْد وَالْمَرْأَة إِذا كَانَا عارفين بِهِ كَمَا يقبل خبرهما قَالَه الْخَطِيب وَيعرف ضَبطه بموافقة رواياته رِوَايَات الثِّقَات المتقنين غَالِبا وَلَو فِي الْمَعْنى وَلَا تضر مُخَالفَة نادرة
)
الثَّالِث يقبل التَّعْدِيل من غير ذكر سَببه لِأَن أَسبَابه كَثِيرَة وَلَا سِيمَا مَا يتَعَلَّق بِالنَّفْيِ فَيشق تعدادها وَلَا يقبل الْجرْح إِلَّا مُفَسرًا لاخْتِلَاف النَّاس فِي مُوجبه هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمُخْتَار فيهمَا وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَقد احْتج البُخَارِيّ بِعِكْرِمَةَ مولى ابْن عَبَّاس وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَعَاصِم بن عَليّ وَاحْتج مُسلم بِسُوَيْدِ بن سعيد وَغَيره مَعَ سبق الطعْن فيهم وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد فَدلَّ على اختيارهم مَا قُلْنَاهُ فَإِن قيل إِنَّمَا يعْتَمد النَّاس على مصنفات الْأَئِمَّة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وقلما يذكر فِيهَا السَّبَب فاشتراط ذكره يعطل ذَلِك فَالْجَوَاب أَن ذَلِك مِنْهُم يُفِيد التَّوَقُّف فِيمَن جرحوه فَإِذا بحث عَن حَاله وزالت الرِّيبَة فِيهِ قبل حَدِيثه كَالَّذِين احْتج بهم فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو رد
الرَّابِع يثبت الْجرْح وَالتَّعْدِيل فِي الرِّوَايَة بقول وَاحِد على الصَّحِيح وَقيل لَا بُد من اثْنَيْنِ كَالشَّهَادَةِ فَإِن اجْتمع فِي شخص جرح وتعديل فالجرح مقدم لزِيَادَة الْعلم وَقيل إِن كَانَ عدد المعدلين أَكثر رجح التَّعْدِيل وَلَو تعَارض فِي ثُبُوت جارح معِين ونفيه فالترجيح لَا غير
الْخَامِس لابد من تعْيين الْمعدل فَلَو قَالَ حَدثنِي الثِّقَة لم يكف على الصَّحِيح وَبِه قطع الْخَطِيب والصيرفي وَقيل يَكْفِي فَإِن كَانَ عَالما كفى فِي حق من يُوَافقهُ فِي مذْهبه على الْمُخْتَار عِنْد الْمُحَقِّقين وَلَو روى عَنهُ وَسَماهُ لم يكن تعديلا عِنْد الْأَكْثَر وَهُوَ الصَّحِيح وَقيل تَعْدِيل وَقيل إِن كَانَت عَادَته أَنه لَا يروي إِلَّا عَن عدل فتعديل وَاخْتَارَهُ قوم قَالَ ابْن الصّلاح وَلَيْسَ عمل
الْعَالم أَو فتياه على وفْق حَدِيث حكما بِصِحَّتِهِ وَلَا مُخَالفَته لَهُ جرحا فِيهِ أَو فِي رَاوِيه قلت إِن علم أَن عمله بخبرة من غير مُسْتَند آخر وَلَا كَانَ من بَاب الِاحْتِيَاط وَهُوَ مِمَّن يشْتَرط الْعَدَالَة فقد قطع أهل الْأُصُول بِأَنَّهُ تَعْدِيل لَهُ وَكَذَلِكَ إِذا حكم بِشَهَادَتِهِ حَاكم يشْتَرط الْعَدَالَة فِي الشَّهَادَة فَهُوَ تَعْدِيل لَهُ
السَّادِس الْأَلْفَاظ المستعملة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل قد رتبها عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم فأجاد فألفاظ التَّعْدِيل مَرَاتِب الأولى أَعْلَاهَا ثِقَة أَو متقن أَو ثَبت أَو حجَّة وَفِي الْعدْل حَافظ أَو ضَابِط فَهَذَا حجَّة الثَّانِيَة صَدُوق أَو مَحَله الصدْق أَو لَا بَأْس بِهِ فَهَذَا يكْتب حَدِيثه وَينظر فِيهِ لِأَن هَذِه الْعبارَات لَا تشعر بالضبط فَينْظر ليعتبر ضَبطه وَقد تقدم الِاعْتِبَار وَعَن ابْن مهْدي قَالَ حَدثنَا أَبُو خلدَة فَقيل كَانَ ثِقَة قَالَ كَانَ صَدُوقًا وَكَانَ مَأْمُونا وَكَانَ خيرا الثِّقَة شُعْبَة وسُفْيَان وَقَالَ ابْن معِين إِذا قلت لَا بَأْس بِهِ فَثِقَة وَهَذَا خبر عَن نَفسه وَنقل ابْن أبي حَاتِم عَنْهُم أرجح الثَّالِثَة شيخ فَهَذَا يكْتب حَدِيثه وَينظر فِيهِ كَمَا تقدم قلت وَمثله أَو قريب مِنْهُ روى عَنهُ النَّاس أَو لَا أعلم بِهِ بَأْسا الرَّابِعَة صَالح الحَدِيث فَهَذَا يكْتب حَدِيثه للاعتبار قلت وَمثله وسط
أما أَلْفَاظ الْجرْح فمراتب أَولهَا أدناها لين الحَدِيث فَهَذَا يكْتب حَدِيثه وينتظر اعْتِبَارا قلت وَمثله مقارب الحَدِيث مُضْطَرب أَو لَا يحْتَج بِهِ أَو مَجْهُول قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِذا قلت لين الحَدِيث لم يكن سَاقِطا وَلَكِن مجروحا بِشَيْء لَا يسْقطهُ عَن الْعَدَالَة الثَّانِيَة لَيْسَ بِقَوي كَالْأولِ لكنه دونه قلت وَمثله لَيْسَ بِذَاكَ أَو لَيْسَ بذلك الْقوي الثَّالِثَة ضَعِيف الحَدِيث هُوَ دون الثَّانِي لَا يطْرَح بل يعْتَبر قلت وَمثله فِيهِ ضعف فِي حَدِيثه ضعف الرَّابِعَة مَتْرُوك الحَدِيث أَو ذَاهِب الحَدِيث أَو
كَذَّاب فَهَذَا سَاقِط لَا يكْتب عَنهُ شَيْء وَالله أعلم
السَّابِع لَا تقبل رِوَايَة من عرف بالتساهل فِي سَماع الحَدِيث أَو إسماعه كمن ينَام حَالَة السماع أَو يشْتَغل عَنهُ بِمَا يشغل عَنهُ أَو يحدث لَا من أصل مصحح أَو من عرف بِقبُول التَّلْقِين فِي الحَدِيث أَو بِكَثْرَة السَّهْو فِي رِوَايَته إِذا لم يحدث من أصل صَحِيح أَو من كثرت الشواذ والمناكير فِي حَدِيثه قَالَ ابْن الْمُبَارك وَأحمد بن حَنْبَل والْحميدِي وَغَيرهم من غلط فِي حَدِيثه فيبين لَهُ غلطه فَلم يرجع وأصر على غلطه سَقَطت رواياته وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَعَلَّه إِذا ظهر مِنْهُ ذَلِك على وَجه العناد فَإِن لم يكن عنادا فَفِيهِ نظر وَالله أعلم وَلَا بَأْس بِأَدْنَى نُعَاس لَا يخْتل مَعَه فهم كَلَام وَكَانَ بَعضهم إِذا كتب طبقَة السماع كتب وَفُلَان وَهُوَ يَنْعس وَفُلَان وَهُوَ يكْتب
الثَّامِن لَا يقبل مَجْهُول الْحَال والمجهول أَقسَام ثَلَاثَة أَحدهَا مَجْهُول الْعَدَالَة ظَاهرا وَبَاطنا فَلَا يقبل عِنْد الجماهير وَعَن أبي حنيفَة قبُوله الثَّانِي مَجْهُول الْعَدَالَة بَاطِنا لَا ظَاهرا لَهُ وَهُوَ المستور وَالْمُخْتَار قبُوله وَقطع بِهِ سليم الرَّازِيّ وَعَلِيهِ الْعَمَل فِي أَكثر كتب الحَدِيث الْمَشْهُورَة فِيمَن تقادم عَهدهم وتعذرت معرفتهم الثَّالِث مَجْهُول الْعين وَهُوَ كل من لم يعرفهُ الْعلمَاء وَلم يعرف حَدِيثه إِلَّا من جِهَة راو وَاحِد قَالَه الْخَطِيب وَقَالَ ابْن عبد الْبر كل من لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد فَهُوَ مَجْهُول عِنْدهم إِلَّا أَن يكون مَشْهُورا بِغَيْر حمل الْعلم
كمالك بن دِينَار فِي الزّهْد وَعَمْرو بن معد يكرب فِي النجدة وَقَالَ الْخَطِيب أقل مَا يرفع الْجَهَالَة أَن يروي عَنهُ اثْنَان من الْمَشْهُورين بِالْعلمِ قَالَ ابْن الصّلاح مُعْتَرضًا على الْخَطِيب وَابْن عبد الْبر قد خرج البُخَارِيّ عَن مرداس بن مَالك الْأَسْلَمِيّ وَلم يرو عَنهُ غير قيس بن أبي حَازِم وَمُسلم عَن ربيعَة بن كَعْب الْأَسْلَمِيّ وَلم يرو عَنهُ غير أبي سَلمَة فَدلَّ على خُرُوجه من الْجَهَالَة بِرِوَايَة وَاحِد وَأجِيب عَن اعتراضه بِأَن مرداسا وَرَبِيعَة صحابيان وَالصَّحَابَة كلهم عدُول فَلَا تضر الْجَهَالَة بأعيانهم وَبِأَن الْخَطِيب شَرط فِي الْجَهَالَة عدم معرفَة الْعلمَاء وَهَذَانِ مشهوران عِنْد أهل الْعلم فَظهر أَن البُخَارِيّ وَمُسلمًا لم يخالفا نقل الْخَطِيب رَحِمهم الله تَعَالَى
فرع يقبل من عرفت عينه وعدالته وَإِن جهل اسْمه وَنسبه
التَّاسِع لَا يقبل مُبْتَدع ببدعة مكفرة بِاتِّفَاق والمبتدع بغَيْرهَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال قيل لَا يقبل مُطلقًا لفسقه وَإِن تَأَول كالكفر وَقيل إِن لم يسْتَحل الْكَذِب لنصرة مذْهبه وَأَهله قبل وَإِن استحله كالخطابية لم يقبل ويعزى هَذَا إِلَى الشَّافِعِي وَقيل إِن كَانَ دَاعِيَة لمذهبه لم يقبل وَإِلَّا قبل وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر وَنقل ابْن حبَان اتِّفَاقهم عَلَيْهِ
الْعَاشِر يقبل التائب من أَسبَاب الْفسق وَمن الْكَذِب فِي حَدِيث النَّاس وَغَيره إِلَّا الْكَذِب فِي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مُتَعَمدا فَلَا يقبل أبدا وَإِن حسنت تَوْبَته قَالَه أَحْمد بن حَنْبَل والْحميدِي شيخ البُخَارِيّ وَقَالَ الصَّيْرَفِي فِي شرح الرسَالَة من أسقطنا خَبره من أهل النَّقْل لكذب وَجَدْنَاهُ عَلَيْهِ لم نعد لقبوله
بتوبة تظهر وَمن ضعفناه لم نجعله قَوِيا بعد ذَلِك وَقَالَ السَّمْعَانِيّ من كذب فِي خبر وَاحِد وَجب إِسْقَاط مَا تقدم من حَدِيثه
الْحَادِي عشر إِذا كذب أصل فَرعه فِي رِوَايَة خبر عَنهُ أَو جزم بنفيه سقط ذَلِك الْخَبَر وَلَا يقْدَح ذَلِك فِي عدالتهما وَبَاقِي رواياتهما وَإِن قَالَ لَا أَدْرِي أَو نَحوه مِمَّا يدل على شكّ أَو نِسْيَان لم يسْقط وَيجب الْعَمَل بِهِ عِنْد جَمَاهِير أَئِمَّة الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول لِأَن الرَّاوِي عِنْده عدل جازم ونسيانه جَائِز فَلَا يسْقط الحَدِيث بِالِاحْتِمَالِ وَقَالَ بعض الْحَنَفِيَّة يسْقط فَردُّوا حَدِيث النَّص بِشَاهِد وَيَمِين لما نَسيَه سُهَيْل بن أبي صَالح وَكَانَ يَقُول حَدثنِي ربيعَة عني عَن أبي عَن أبي هُرَيْرَة وردوا حَدِيث سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة فِي النِّكَاح بِغَيْر إِذن الْوَلِيّ لما نَسيَه الزُّهْرِيّ حِين سَأَلَهُ أَيْن جريج عَنهُ وَقَول الجماهير أصح لِأَن كثيرا من الأكابر نسوا أَحَادِيث رووها فَحَدثُوا بهَا عَن فروعهم كَمَا قدمنَا عَن سُهَيْل وصنف الْخَطِيب فِيهِ كتابا وَالْإِنْسَان معرض للنسيان وَكَذَلِكَ كره الشَّافِعِي وَغَيره الحَدِيث عَن الْأَحْيَاء وَنهى مُحَمَّد بن عبد الحكم عَنهُ لما نقل عَنهُ شَيْئا كَانَ قد نَسيَه فَذكره بِهِ