الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَازَ لِأَن الظَّاهِر اتِّفَاقهمَا
السَّادِس عشر إِذا سمع بعض حَدِيث من شيخ وَبَعضه من آخر فخلطه وَرَوَاهُ جملَة عَنْهُمَا وَبَين أَن بعضه عَن أَحدهمَا وَبَعضه عَن الآخر جَازَ كَمَا فعله الزُّهْرِيّ فِي حَدِيث الْإِفْك فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن ابْن الْمسيب وَعُرْوَة وَعبيد الله وعلقمة وَقَالَ وكل حَدثنِي طَائِفَة من حَدِيثهَا قَالُوا قَالَت عَائِشَة وسَاق الحَدِيث إِلَى آخِره ثمَّ مَا من شَيْء من ذَلِك الحَدِيث إِلَّا تحْتَمل رِوَايَته عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا وَحده حَتَّى لَو كَانَ أَحدهمَا مجروحا لم يجز الِاحْتِجَاج بِشَيْء مِنْهُ بِمَا لم يبين أَنه عَن الثِّقَة وَلَا يجوز أَن يسْقط أحد الراويين بل يجب ذكرهمَا مُبينًا أَن بعضه عَن أَحدهمَا وَبَعضه عَن الآخر
النَّوْع الْخَامِس فِي أدب الرَّاوِي وَفِيه فُصُول
الأول علم الحَدِيث علم شرِيف يُنَاسب مَكَارِم الْأَخْلَاق ومحاسن الشيم وَهُوَ من عُلُوم الْآخِرَة فَمن حرمه حرم خيرا كثيرا وَمن رزقه مَعَ حسن النِّيَّة فقد نَالَ أجرا كَبِيرا فعلى مَعَانِيه تَصْحِيح النِّيَّة وإخلاصها وتطهير الْقلب من الْأَغْرَاض الدُّنْيَوِيَّة من رئاسة أَو طلب مَال أَو غير ذَلِك مِمَّا لَا يُرَاد بِهِ وَجه الله تَعَالَى قَالَ الثَّوْريّ كَانَ الرجل إِذا أَرَادَ أَن يطْلب الحَدِيث تعبد قبل ذَلِك عشْرين سنة
الثَّانِي السن الْمُسْتَحبّ فِيهِ التصدي لإسماع الحَدِيث فَعَن أبي مُحَمَّد بن خَلاد أَن تستوفي الْخمسين لِأَنَّهَا انْتِهَاء الكهولة وفيهَا مُجْتَمع الأشد قَالَ وَلَيْسَ بمنكر أَن يحدث عَنهُ اسْتِيفَاء الْأَرْبَعين لِأَنَّهَا حد الاسْتوَاء ومنتهى الْكَمَال وَأنكر القَاضِي عِيَاض على ابْن خَلاد ذَلِك لِأَن جمَاعَة من السّلف وَمن بعدهمْ نشرُوا علما لَا يُحْصى وَلم يبلغُوا ذَلِك كعمر بن عبد الْعَزِيز لم يبلغ الْأَرْبَعين وَسَعِيد بن جُبَير لم يبلغ الْخمسين وَجلسَ مَالك للنَّاس وَله نَيف وَعِشْرُونَ سنة وَقيل سبع عشرَة وَأخذ عَن الشَّافِعِي الْعلم وَهُوَ فِي سنّ الحداثة قَالَ ابْن الصّلاح رحمه الله مَا ذكره ابْن خَلاد مَحْمُول على من تصدى للتحديث بِنَفسِهِ من غير براعة فِي الْعلم لِأَن السن الْمَذْكُور فِي مَظَنَّة الْحَاجة إِلَيْهِ وَمَا ذكره عِيَاض عَمَّن ذكرهم فَالظَّاهِر أَنه لبراعة مِنْهُم فِي الْعلم تقدّمت فَظهر لَهُم مَعهَا الْحَاجة إِلَيْهِم فَحَدثُوا أَو لأَنهم سئلوا ذَلِك بِصَرِيح السُّؤَال أَو بِقَرِينَة الْحَال وَالْحق أَنه مَتى احْتِيجَ إِلَى مَا عِنْده اسْتحبَّ لَهُ التصدي لنشره فِي أَي سنّ كَانَ كمالك وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهمَا وَمَتى خشِي عَلَيْهِ الْهَرم والخرف والتخليط أمسك عَن التحديث وَيخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف النَّاس وَكَذَا إِذا عمي وَخَافَ أَن يدْخل عَلَيْهِ مَا لَيْسَ من حَدِيثه فليمسك عَن الرِّوَايَة وَمَال ابْن خَلاد إِلَى أَنه يمسك فِي الثَّمَانِينَ لِأَنَّهُ حد الْهَرم إِلَّا إِذا كَانَ عقله ثَابتا بِحَيْثُ يعرف حَدِيثه وَيقوم بِهِ وَوجه مَا قَالَه أَن من بلغ الثَّمَانِينَ ضعف حَاله غَالِبا وَخيف عَلَيْهِ الْإِخْلَال وَأَن لَا يفْطن لَهُ إِلَّا بعد أَن يخلط كَمَا اتّفق لقوم من الثِّقَات كَعبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة حَتَّى كَانَ عبد الرَّزَّاق فِي آخر عمره ضعف فَكَانَ يلقن وَضعف أَحْمد حَدِيثه بِأخرَة وَإِلَّا فقد حدث خلق بعد مُجَاوزَة الثَّمَانِينَ لما ساعدهم التَّوْفِيق وصحبتهم السَّلامَة كأنس بن مَالك وَسَهل بن سعد وَعبد الله بن أبي أوفى من الصَّحَابَة وكمالك وَاللَّيْث وَابْن عُيَيْنَة وَابْن الْجَعْد وَحدث قوم بعد المئة كالحسن بن عَرَفَة وَأبي
الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَأبي إِسْحَاق الهُجَيْمِي وَأبي الطّيب الطَّبَرِيّ رضى الله عَنْهُم
الثَّالِث يَنْبَغِي أَن لَا يحدث بِحَضْرَة من هُوَ أولى مِنْهُ لسنه أَو علمه أَو غير ذَلِك وَقيل لَا يحدث فِي بلد فِيهِ من هُوَ أولى مِنْهُ وَإِذا طلب مِنْهُ مَا يُعلمهُ عِنْد أولى مِنْهُ أرشد إِلَيْهِ لِأَن الدّين النَّصِيحَة وَلَا يمْتَنع من تحديث أحد لعدم صِحَة نِيَّته فَإِنَّهُ يُرْجَى لَهُ تصحيحها وليحرص على نشره ويبتغي جزيل آجره
الرَّابِع إِذا أَرَادَ حُضُور مجْلِس التحديث تطهر وتطيب وسرح لحيته ثمَّ يجلس مُتَمَكنًا بوقار فَإِن رفع أحد صَوته زبره رُوِيَ ذَلِك كُله عَن مَالك رحمه الله وَكَانَ يكره أَن يحدث فِي الطَّرِيق أَو هُوَ قَائِم أَو مستعجل وَيقبل على الْحَاضِرين كلهم إِذا أمكن وَلَا يسْرد الحَدِيث سردا لَا يدْرك بَعضهم فهمه ويفتتح مَجْلِسه ويختمه بتحميد الله تَعَالَى وَالصَّلَاة على رَسُوله وَدُعَاء يَلِيق بِالْحَال قَالَ بَعضهم بعد قِرَاءَة قارىء حسن الصَّوْت شَيْئا من الْقُرْآن
الْخَامِس يَنْبَغِي للمحدث الْعَارِف عقد مجْلِس لإملاء الحَدِيث فَإِنَّهُ أَعلَى مَرَاتِب الرِّوَايَة لِأَن الشَّيْخ يتدبر مَا يمليه وَالْكَاتِب يُحَقّق مَا يَكْتُبهُ وَالْقِرَاءَة من الشَّيْخ أَو عَلَيْهِ رُبمَا غفل فِيهَا أَحدهمَا ويتخذ مستمليا محصلا متيقظا يبلغ عَنهُ إِذا كثر الْجمع كَمَا كَانَ جمَاعَة من الْحفاظ يَفْعَلُونَ ويستملي مرتفعا على مَكَان وَإِلَّا قَائِما وعَلى الْمُسْتَمْلِي تَبْلِيغ لَفظه على وَجهه وَفَائِدَة الْمُسْتَمْلِي تفهيم السَّامع على بعد وَمن لم يسمع إِلَّا الْمبلغ لم تجز لَهُ رِوَايَته عَن الشَّيْخ المملي إِلَّا إِذا بَين الْحَال وَقد تقدم هَذَا ويستنصت الْمُسْتَمْلِي النَّاس بعد قِرَاءَة حسن الصَّوْت كَمَا تقدم ثمَّ يبسمل ويحمد الله تَعَالَى وَيُصلي على رَسُوله صلى الله عليه وسلم ثمَّ يقبل على الشَّيْخ وَيَقُول من ذكرت أَو مَا ذكرت رَحِمك الله أَو رضى الله عَنْك وَكلما ذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلى عَلَيْهِ وَكلما ذكر الصَّحَابِيّ ترْضى عَنهُ ويثني الْمُحدث على شَيْخه