الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول: في ذكر حال الميت عند نزوله قبره وسؤال الملائكة له وما يفسح له في قبره أو يضيق عليه وما يرى من منزله في الجنة أو النار
قال الله تعالى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27] .
وخرجا في الصحيحين1 من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} نزلت في عذاب القبر".
زاد مسلم: يقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله ونبي محمد فذلك قوله سبحانه وتعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} .
في رواية للبخاري قال: إذا أقعد العبد المؤمن في قبره أتي ثم شهد.
أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . وخرج الطبراني من حديث البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال للكافر من ربك فيقول لا أدري فهو تلك الساعة أصم أعمى أبكم فيضرب بمرزبة لو ضرب بها جبل صار ترابا فيسمعها كل شيء غير الثقلين".
قال: وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} .
وخرج أبو داود من حديث المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين حين يقال له من ربك؟ وما
1 رواه البخاري "ح 1396"، ومسلم "ح 2871"
دينك؟ ومن نبيك؟ " 1.
وفي رواية له قال: "ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان: ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولانك له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقولك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان: له وما يدريك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت".
وفي رواية له: فذلك قوله عز وجل {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] .
قال: " فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة وألبسوه من الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره".
قال: وذكر الكافر قال: "وتعاد روحه إلى جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان: له من ربك فيقول: هاه هاه لا أدري فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فافرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار قال فيأتيه من حرها وسمومها".
قال: "ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه".
وفي رواية له: "ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا قال فيضربه ضربه يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين فيصير ترابا قال ثم تعاد فيه الروح".
وخرجه النسائي وابن ماجه مختصرا. وخرجه الإمام أحمد بسياق مطول والحاكم وقال: على شرط الشيخين.
وفي رواية للإمام أحمد: "ثم يقيض له أعمى أبكم أصم في يده مرزبة لو ضرب بها
1 صحيح أخرجه احمد "4/287، 288، 295، 266"، وأبو داود "ح 4753"، وعبد الرزاق في مصنفه "ح 6737" مطولا، والنسائي "ح 2000"، وابن ماجة "ح 1548" وهو في المشكاة "ح 1630" وصححه الشيخ الألباني.
جبل كان ترابا فيضربه ضربه فيصير ترابا، ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربه أخرى فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين".
قال البراء بن عازب: "ثم يفتح له باب إلى النار ويمهد له من فرش النار" كذا خرجه من رواية يونس بن خباب عن المنهال بن عمرو.
وخرجه ابن منده من هذا الوجه أيضا وزاد في حديثه: "لو اجتمع عليها الثقلان ليقلبوها لم يستطيعوا فيضربه بها ضربة يصير ترابا وتعاد فيه الروح فيضربه بين عينيه ضربة فيسمعها من على الأرض ليس الثقلين فينادي مناد أن افرشوا له لوحين من نار وافتحوا له بابا إلى النار".
وخرجه أيضا من طريق عيسى بن المسيب عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه في حق المؤمن: "فيأتيه منكر ونكير يثيران الأرض بأنيابهما ويفحصان الأرض بأشعارهما فيجلسانه".
وذكر في الكافر مثل ذلك وزاد فيه: أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف.
وقال: فيضربانه بمرزبة من حديد لو اجتمع عليهما ما بين الخافقين لم يقدروا على قلبها.
وخرجاه في الصحيحين1، من حديث قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن العبد إذا وضع في قبره وتولى أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا أتاه الملكان فيقعدانه فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيقال له أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة قال فيراهما جميعا".
قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في قبره مد بصرة ثم رجع إلى حديث أنس قال وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربه فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين.
1 الحديث أخرجه البخاري "ح 1338"، ومسلم "ح 2870".
وخرجه أبو داود1 بزيادات أخر منها: إن المؤمن يقال له: " ما كنت تعبد فإن الله هداه قال كنت أعبد الله فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول هو عبد الله ورسوله فما يسأل عن شيء غيرها".
وزاد فيه أيضا: "فيقول دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي فيقال له: اسكن".
وذكر في الكافر: أنه يسأل عما كان يعبد ثم عن هذا الرجل.
وخرجا في الصحيحين2 من حديث أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم كسفت الشمس: "ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة المسيح الدجال يؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن فيقول محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وآمنا واتبعنا فيقال له نم صالحا فقد علمنا إن كنت لمؤمنا، وأما المنافق والمرتاب فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته".
وخرجه الإمام أحمد3 ولفظه: "ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم ويسأل الرجل ما كنت تقول وما كنت تعبد فإن قال: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته ويصنعون شيئا فصنعته قيل له: أجل على شك عشت وعليه مت هذا مقعدك من النار وإن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قيل له على اليقين عشت وعليه مت هذا مقعدك من الجنة".
وخرج الترمذي وابن حبان في صحيحه4 من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قبر الميت - أو قال: أحدكم - أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان المنكر والآخر النكير فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ذراعا ثم ينور له فيه ثم يقال له
1 هي عند أبي داود برقم "4751".
2 الحديث أخرجه البخاري "ح 86"، ومسلم "ح 905".
3 أخرجه احمد في المسند "6/354، 355".
4 أخرجه الترمذي "ح 1077"، وابن حبان "ح 780/ زوائد".
نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك وإن كان منافقا قال سمعت الناس يقولان شيئا فقلت مثله لا أدري فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه" 1.
وخرج الإمام أحمد وابن ماجه من حديث أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت يصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشغوف ثم يقال له فيم كنت فيقول كنت في الإسلام فيقال له ما هذا الرجل فيقول محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له هل رأيت الله فيقول ما ينبغي لأحد أن يرى الله فيفرج له فرجه قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له انظر إلى ما وقاك الله ثم يفرج له فرجه قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له هذا مقعدك ويقال له على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله تعالى ويجلس الرجل السوء في قبره فزعا مشغوفا فيقال له فيم كنت فيقول لا أدري فيقال له ما هذا الرجل فيقول سمعت الناس يقولون قولا فقلته فيفرج له فرجه قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له: أنظر إلا ما صرف الله عنك ثم يفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له هذا مقعدك على الشك كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله تعالى".
وخرج الطبراني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة فلما فرغ من دفنها وانصرف الناس قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: إنه الآن يسمع خفق نعالهم أتاه منكر ونكير أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي البقر وأصواتهما مثل الرعد فيجلسانه فيسألانه ما كان يعبد ومن كان نبيه فإن كان ممن يعبد الله قال كنت أعبد الله ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات والهدى فآمنا واتبعنا فذلك قول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27]، الآية فيقال له: على اليقين حييت وعليه مت وعليه تبعث ثم يفتح له باب إلى الجنة ويوسع له في حفرته وإن كان
1 أخرجه أحمد في مسند "6/139، 140" ولكنه من حديث عائشة، وابن ماجة "ح 4268" وصححه البوصيرى في زوائده، والألباني في صحيح ابن ماجة.
من أهل الشك قال لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته فيقال له على الشك حييت وعليه مت وعليه تبعث ثم يفتح له باب النار ويسلط عليه عقارب وتنانين لو نفخ أحدهم في الدنيا ما أنبتت شيئا تنهشه وتؤمر الأرض فتنضم حتى تختلف أضلاعه".
وخرج الإمام أحمد من حديث جابر1 عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا دخل المؤمن قبره وتولى عنه أصحابه جاءه ملك شديد الانتهار فيقول له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول المؤمن: إنه عبد الله ورسوله فيقول له الملك: أنظر إلى مقعدك من النار قد أنجاك الله منه وأبدلك بمقعدك الذي ترى من الجنة فيراهما كليهما فيقول المؤمن: دعوني أبشر أهلي فيقال له أسكن".
وأما المنافق فيقعد إذا تولى عنه أصحابه وأهله فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل قال: لا أدري أقول ما يقول الناس فيقال: لا دريت هذا مقعدك الذي كان لك في الجنة أبدلك الله به مقعدك في النار.
قال جابر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يبعث كل عبد على ما مات عليه المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه"2.
وأخرج ابن ماجه من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل الميت القبر مثلت الشمس عند غروبها فيجلس يمسح عينيه ويقول دعوني أصلي"3.
وخرج الإمام أحمد4 أيضا من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وأما فتنة القبر فبي تفتنون وعني تسألون فإذا كان الرجل الصالح أجلس في قبره غير فزع ولا مشغوف ثم يقال له فيم كنت فيقول في الإسلام فيقال ما هذا الرجل الذي كان فيكم فيقول محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات والهدى من عند الله فصدقناه فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له: أنظر إلى ما وقاك الله منه،
1 صحيح: أخرجه أحمد في المسند "3/346".
2 الحديث أخرجه مسلم "ح2878" بلفظ "يبعث كل عبد على ما مات عليه".
3 حسن: أخرجه ابن ماجه "ح 4272" وحسنه البوصيرى في زوائده، والألباني في صحيح ابن ماجة.
4 أخرجه احمد "6/140".
ثم يفرج له فرجه قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال هذا مقعدك منها ويقال له على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله وإن كان الرجل السوء أجلس في قبره فزعا مشغوفا فيقال له فيم كنت فيقول لا أدري فيقال له ما هذا الرجل الذي كان فيكم فيقول سمعت الناس يقولون قولا فقلت كما قالوا فيفرج له فرجه إلى الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له أنظر إلى ما صرف الله عنك ثم يفرج له فرجه قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا ويقال له هذا مقعدك منها على الشك كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله ثم يعذب".
وخرج الإمام أحمد أيضا من حديث أبي سعيد الخدري1 قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا دفن الإنسان وتفرق عنه أصحابه جاءه ملك في يده مطراق فأقعده قال ما تقول في هذا الرجل فإن كان مؤمنا قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقول له صدقت ثم يفتح له بابا إلى النار فيقول هذا كان منزلك لو كفرت بربك فأما إذا آمنت بربك فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنة فيريد أن ينهض إليه فيقول له أسكن ويفسح له قبره وإن كان كافرا أو منافقا فيقول له: ما تقول في هذا الرجل فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فيقول: لا دريت ولا تليت ولا اهتديت ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول: هذا منزلك لو آمنت بربك فأما إذا كفرت به فإن الله عز وجل أبدلك به هذا ويفتح له باب إلى النار ثم يقمعه قمعة بالمطراق يسمعها خلق الله عز وجل كلهم غير الثقلين" فقال بعض القوم: يا رسول الله ما أحد يقوم عليه ملك بيده مطراق إلا هيل عند ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 37] .
وخرج أبو بكر في كتاب "السنة" من حديث عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كيف أنت يا عمر إذا كنت من الأرض في أربعة أذرع في ذراعين فرأيت منكرا ونكيرا"؟ قلت: يا رسول الله وما منكر ونكير؟ قال: "فتانا القبر يبحثان الأرض بأنيابهما ويطآن في أشعارهما أصواتها كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف ومعهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى لم يقدروا على رفعها وهي أيسر من عصاي هذه" قال: قلت يا رسول الله وأنا على حالي هذه قال: "نعم" فقلت: إذا أكفيكهما.
1 صحيح: أخرجه احمد في المسند "3/3، 4".
وفي رواية أيضا "فامتحناك فإن التويت ضرباك ضربه صرت رمادا" وفي إسناده ضعف.
وخرجه الإسماعيلي من وجه آخر فيه ضعف أيضا عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد فيه: "يأتيان الرجل في صورة قبيحه يطآن على شعورهما ويحفران الأرض بأنيابهما وزاد فيه يقولان له: من ربك فإن كان مسلما يقول: ربي الله وإن كان فاجرا فيقول: لا أدري فيضربانه ضربه لو كان جبلا صار ترابا فيصيح صيحة ما يبقى شيء إلا سمعها إلا الثقلين الجن والإنس فذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159] .
وقد روى حديث عمر هذا من وجوه أخر مرسلة.
وخرج الإمام أحمد وابن حيان في صحيحه1، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتاني القبر فقال عمر: أترد إلينا عقولنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم كهيئتكم اليوم" فقال عمر: بفيه الحجر".
وخرج أبو داود عن عثمان بن عفان2 رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل".
وفي حديث يونس عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر سؤال المؤمن في قبره وإن الملك ينتهره قال وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن فذكر قوله تعالى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] الآية أخرجه الإمام أحمد3.
وكذا رواه جرير عن الأعمش عن المنهال وفي حديثه: "إن المؤمن يقول ذلك ثلاث مرات ثم ينتهرانه انتهارة شديدة وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن".
1 صحيح: أخرجه أحمد في المسند "2/172"، وابن حبان "ح/778/زوائد" وصحح إسناده العلامة احمد شاكر، قال رحمه الله في تحقيق المسند "6/175": وقول عمر "بفيه الحجر" مما أعطاه الله بفضله ومنه، ومن قوة العقل، وثبات الجنان، وصادق الإيمان، وقوة الحجة، ثقة بربه، واستمساكا بالعروة الوثقى، رحمه الله ورضي عنه، وآتانا من فضله ورحمته بعض ما أوتى عمر" أ – هـ.
2 صحيح: أخرجه أبو داود "ح 3221"، وفي المشكاة برقم "133" وصححه العلامة الألباني هناك.
3 عنده في المسند "4/226" وتقدم تخريجه مفصلا.
ورواه أبو عوانة، عن الأعمش وفي حديثه:"ويأتيه ملكان شديدا الانتهار" وذلك في حق الكافر والمؤمن.
وقد روى عن مجاهد: أن الموتى كانوا يفتنون في قبورهم سبعا فكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام.
وعن عبيد بن عمير قال: المؤمن يفتن سبعا والمنافق أربعين صباحا.
وقال الإمام أحمد: أخبرنا يزيد بن هارون عن المسعودي عن العلاء بن الشخير حدثنا بعض حفدة أبي موسى الأشعري أن أبا موسى الأشعري أوصاهم قال إذا حفرتم فأعمقوا قعره أما أني والله لأقول لكم ذلك وأني لأعلم إن كنت من أهل طاعة الله ليفسحن لي في قبري ولينور لي فيه ثم ليفتحن لي باب مساكني في الجنة فما أنا بمساكني من داري هذه بأعلم من مساكني منها ثم ليأتيني من روحها وريحتها وريحانها ولئن كنت من أهل المنزلة الأخرى ليضيقن علي قبري وليهدمن من على الأرض وليفتحن الله إلي باب مساكني من النار فما أنا بمساكني من داري هذه بأعلم من مساكني منها ثم ليأتيني من شرها وشرورها ودخانها.
وروى المسعودي عن عبد الله بن المخارق عن أبيه قال: قال عبد الله يعني ابن مسعود: إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره فيقال له من ربك ما دينك من نبيك قال فيثبته الله تعالى فيقول ربي الله ديني الإسلام ونبي محمد صلى الله عليه وسلم فيوسع له في قبره ويفرج له فيه ثم قرأ عبد الله {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] .
وقال ابن أبي الدنيا حدثنا أحمد بن بحير حدثنا بعض أصحابنا قال مات أخ لي فرأيته في النوم فقلت له ما حالك حين وضعت في قبرك قال أتاني آت بشهاب من نار فلولا أن داعيا دعا لي لرأيت أنه سيضربني.
فصل
وقد أطلع الله من شاء من عباده على كثير مما ورد في هذه الأحاديث حتى سمعوه وشاهدوه عيانا ونحن نذكر بعض ما بلغنا من ذلك.
روى شبابه بن سوار حدثنا المغيرة بن مسلم، عن حصين، عن عبد الله بن عبيد
الأنصاري، قال كنت ممن دفن ثابت بن قيس بن شماس وكان أصيب يوم اليمامة فلما أدخلناه القبر سمعناه يقول محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر الشهيد عثمان الرحيم فنظرنا فإذا هو ميت.
خرجه أبو عبد الله بن مجلز عن محمد بن عبد الله الأصم عن شبابة بن سوار ابن محمد وخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت عن خلف البزار عن خالد الطحان عن حصين به ولفظه إن رجلا من قتلى مسيلمة تكلم فقال محمد رسول الله أبو بكر الصديق عثمان اللين الرحيم.
وخرجه ابن أبي الدنيا من طريق يزيد بن طريف قال مات أخي فلما ألحدوه وانصرف الناس وضعت رأسي على قبره فسمعت صوتا ضعيفا أعرف أنه صوت أخي وهو يقول الله فقال له الآخر فما دينك قال الإسلام.
ومن طريق العلاء بن عبد الكريم قال: مات رجل وكان له أخ ضعيف البصر قال أخوه فدفناه فلما انصرف الناس وضعت رأسي على القبر فإذا أنا بصوت من داخل القبر يقول من ربك ومن نبيك فسمعت صوت أخي وهو يقول الله ربي ومحمد صلى الله عليه وسلم نبي قال الآخر فما دينك قال الإسلام.
وخرجه في كتاب القبور بلفظ آخر وهو قال فإذا أنا بصوت داخل القبر يقول من ربك ومن نبيك فسمعت أخي وعرفته وعرفت صوته قال الله ربي ومحمد نبيي ثم ارتفع شبه سهم من داخل القبر إلى أذني فاقشعر جلدي وانصرفت.
وقال أبو الحسن بن البراء العبدي في كتاب "الروضة" حدثني الفضل بن سهل الأعرج قال أحمد بن نصر حدثني رجل رفعه إلى الضحاك قال توفي أخ لي فدفن قبل أن ألحق جنازته فأتيت قبره فاستمعت عليه فإذا هو يقول ربي الله والإسلام ديني.
وروينا من طريق مزداد بن جميل قال قال أبو المغيرة ما رأيت مثل المعافري بن عمران بعدما دفن فسمعته وهو يلقن في قبره وهو يقول لا إله إلا الله فيقول المعافى: لا إله إلا الله.
وخرج ابن أبي الدنيا في كتاب "القبور" من حديث مرثد بن حوشب قال كنت جالسا عند يوسف بن عمرو وإلى جانبه رجل كأن شق وجهه صفحة من حديد، فقال
له يوسف حدث مرثدا بما رأيت قال كنت شابا قد أتيت هذه الفواحش فلما وقع الطاعون قلت أخرج إلى ثغر من هذه الثغور ثم رأيت أن أحفر القبور فإذا بي لليلة بين المغرب والعشاء قد حفرت قبرا وأنا متكئ على تراب قبر آخر إذا أقبل بجنازة رجل حتى دفن في ذلك القبر وسوينا عليه التراب فأقبل طائران أبيضان من المغرب مثل البعيرين حتى سقط أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه ثم أثاراه ثم تدلى أحدهما في القبر والآخر على شفيره قال فجئت فجلست على شفير القبر وكنت رجلا لا يملأ جوفي شيء قال فضرب بيده إلى حقوه فسمعته يقول ألست الزائر أصهارك في ثوبين ممصرين تسحبهما كبرا تمشي الخيلاء فقال أضعف من ذلك فضربه ضربه امتلأ القبر حتى فاض ماء أو دهنا قال ثم عاد فعاد عليه مثل القول الأول حتى ضربه ثلاث ضربات كل ذلك يقول له ويذكر أن القبر يفيض ماء أو دهنا قال رفع رأسه فنظر إلى فقال أنظر أين هو جالس أبلسه الله قال ثم ضرب جانب وجهي فسقطت فمكثت ليلتي حتى أصبحت قال ثم أخذت أنظر إلى القبر فإذا هو على حاله وأذكر جلوسي وذكر نحو هذا أو شبهه وكذلك شواهد اتساع اللحد وانفراجه.
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "المختصرين" بإسناده عن أبي غالب صاحب أبي أمامة أن فتى بالشام حضره الموت فقال لعمه أرأيت لو أن الله دفعني إلى والدتي ما كانت صانعة بي قال إذا والله تدخلك الجنة فقال والله لله أرحم بي من والدتي فقبض الفتى فجزع عليه عبد الملك بن مروان قال فدخلت القبر مع عمه فخطوا له خطا فلم يلحدوه قال فقلنا باللبن فسويناه عليه فسقطت لبنة فوثب عمه فتأخر قلت ما شأنك قال ملئ قبره نورا وفسح له مد بصره.
وبإسناده عن محمد بن أبان عن حميد قال كان لي ابن أخت فذكر شبها بهذه الحكاية إلا أنه قال فاطلعت في اللحد فإذا هو مد بصري قلت لصاحبي رأيت ما رأيت قال نعم فليهنك ذلك قال فظننت أنه بالكلمة التي قالها.
وروى في كتاب "ذكر الموت" بإسناده عن أبي بكر بن أبي مريم عن الأشياخ قال كان شيخ من بني الحضرمي بالبصرة وكان شيخا صالحا وكان له ابن أخ يصحب الفتيان الفساق فكان يعظه فمات الفتى فلما أنزله عمه في قبره فسوى عليه اللبن شك في بعض أمره فنزع بعض اللبن فنظر فإذا قبره أوسع من جبانة البصرة وإذا هو في وسط منها فرد عليه اللبن وسأل امرأته عن عمله فقالت كان إذا سمع المؤذن
يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وأنا أشهدت به وأكفيها من تولى عنها.
وقال أبو الحسن بن البراء حدثني عبد الرحمن بن أحمد الجعفي حدثني علي بن محمد حدثنا يزيد بن نوح النخعي قرابة لشريك بن عبد الله قال صليت في الكوفة على ميت ثم دخلت فبره حتى أصلحت عليه اللبن فبينا أنا أصلح عليه اللبن وقعت لبنة في القبر فإذا أنا بالكعبة والطواف قد مثلا لي في القبر فسويت عليه اللبن وصعدت.
قال ابن أبي الدنيا في كتاب "من عاش بعد الموت": حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا كثير بن يحيى بن كثير البصري حدثنا أبي حدثنا أبو مسعود الجويري حدثني شيخ في مسجد الأشياخ قال كان يحدثنا عن أبي هريرة قال بينا نحن حول مريض لنا إذ هدأ وسكن حتى ما يتحرك منه عرق فسجيناه وأغمضناه وأرسلنا إلى ثيابه وسدره وسريره فلما ذهبنا لنحمله لنغسله تحرك فقلنا سبحان الله سبحان الله ما كنا نراك إلا قد مت!
قال: فإني قد مت وذهب بي إلى قبري فإذا إنسان حسن الوجه طيب الريح قد وضعني في لحدي فطواه بالقراطيس إذ جاءت إنسانه سوداء منتنة الريح فقالت هذا صاحب كذا وكذا أشياء والله استحي منها كأنما اقلعت عنها ساعتي تيك.
قلت: أنشدتك الله أترد عني هذه.
قالت: انطلق نخاصمك.
فانطلقت إلى دار فيحاء وسعة فيها كأنها فضة وفي ناحية منها مسجد ورجل قائم يصلي فقرأ سورة النحل فتردد في مكان منها ففتحت عليه فانفتل فقال السورة معك؟
قلت: نعم
قال: إما إنها سورة النعم، ورفع وسادة قريبة منه فأخرج منها صحيفة فنظر فيها فبدرته السوداء: فقالت: فعل كذا وفعل كذا.
قال: وجعل الحسن الوجه يقول وفعل كذا وفعل كذا وفعل كذا يذكر محاسني فقال الرجل عبد ظالم لنفسه ولكن الله تجاوز عنه لم يجئ أجل هذا بعد أجل هذا يوم الإثنين.
قال: فقال لهم انظروا فإن أنا مت يوم الإثنين فأرجو لي ما رأيت وإن لم أمت يوم الإثنين فإنما هو هذيان الوجع.
قال: فلما كان يوم الإثنين صح حتى بعد العصر ثم أتاه أجله فمات.
وفي الحديث: فلما خرجنا من عند الرجل قلت للرجل الحسن الوجه الطيب الريح ما أنت قال أنا عملك الصالح قلت فما الإنسانة السوداء المنتنة الريح قال وذلك عملك الخبيث أو كلام يشبه هذا.
وفي كتاب ابن أبي الدنيا خرج لأبي القاسم إسحاق بن إبراهيم بن سنين الختلي قال سمعت عبد الله بن محمد العنسي يقول حدثه عمرو بن مسلم عن رجل حفار للقبور قال حفرت قبرين وكنت في الثالث فاشتد علي الحر فألقيت كسائي على ما حفرت واستظليت فيه فبينا أنا كذلك إذا رأيت شخصين على فرسين أشهبين فوقفا على القبر الأول فقال أحدهما لصاحبه أكتب قال ما أكتب قال فرسخ في فرسخ ثم تحولا إلى الآخر فقال أكتب قال وما أكتب قال مد البصر ثم تحولا إلى الآخر الذي أنا فيه فقال أكتب قال وما أكتب قال فتر في فتر.
فقعدت أنظر الجنائز فجيء برجل معه نفر يسير فوقفوا على القبر قلت ما هذا الرجل قالوا إنسان قراب يعني سقاء ذو عيال ولم يكن له شيء فجمعنا له فقلت ردوا الدراهم على عياله ودفنته معهم ثم أتي بجنازة ليس معها إلا من يحملها فسألوه عن القبر الذي قال مد البصر قلت من ذا الرجل فقالوا إنسان غريب ما ت على مزبلة لم يكن معه شيء قال فلم آخذ منهم شيئا فصليت معهم وقعدت أنتظر الثالث فلم أزل أنتظر إلى العشاء فأتي بجنازة امرأة لبعض القواد فسألتهم الثمن فضربوا برأسي ودفنوها فيه.