الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محل أرواح الشهداء
وأما الشهداء فأكثر العلماء على أنهم في الجنة وقد تكاثرت بذلك الأحاديث.
ففي صحيح مسلم عن مسروق قال: سألنا عبد الله بن مسعود ن عن هذه الآية: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]، قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم إطلاعة فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يارب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا".1
وخرج الإمام أحمد وأبو داود والحاكم من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ عنا إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا ينكلوا عن الحرب ولا يزهدوا في الجهاد، قال: فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم"، فأنزل الله تعالى:{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} 2.
وخرج عبد الله بن منده وغيره، حدثنا إسماعيل بن المختار عن عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أرواح الشهداء في طير خضر ترعى في رياض الجنة ثم يكون مأواها إلى قناديل معلقة بالعرش فيقول لهم الرب سبحانه وتعالى: هل تعلمون كرامة أكرم من كرامة أكرمتوها؟ فيقولون: لا إنا وددنا أنك رددت أرواحنا في أجسادنا
1 أخرجه مسلم "ح 1887".
2 صحيح: أخرجه أحمد "1/266"، وأبو داود "ح 2520"، والحاكم "2/88". وصححه أحمد شاكر والألباني.
حتى نقاتل مرة أخرى فنقتل في سبيلك".
وخرج أبو الشيخ الأصبهاني وغيره من طريق عبد الله بن ميمون عن عمه مصعب بن سليم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يبعث الله الشهداء من حواصل طير بيض كانوا في قناديل معلقة بالعرش".
وخرج الإمام أحمد والترمذي وصححه من حديث عمرو بن دينار عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من شجر الجنة" 1 كذلك رواه عمرو عن الزهري ورواه سائر أصحاب الزهري عنه ولم يذكروا: الشهداء إنما ذكروا نسمة المؤمن وسيأتي حديثهم إن شاء الله.
وقد ذكرنا فيم تقدم حديث عبادة بن عيسى بن عبد الرحمن عن الزهري عن عامر بن سعد عن إسماعيل بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد وهو منكر وأبو عبدة هذا: ضعيف جدا.
وخرج ابن منده من طريق يحيى بن صالح عن سعيد بن سويد أنه سأل ابن شهاب عن أرواح المؤمنين قال: بلغني أن أرواح الشهداء كطير خضر معلقة بالعرش تغدوا ثم تروح إلى رياض الجنة تأتي ربها سبحانه كل يوم تسلم عليه وهذا أشبه.
وكذا قال الضحاك وإبراهيم التميمي وغيرهما من السلف، في أرواح الشهداء وخرج بن منده من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن حبان بن أبي جبلة قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشهداء إذا استشهدوا أنزل الله جسدا كأحسن جسد ثم يقال لروحه: ادخلي فيه فينظر إلى جسده الأول ما يفعل به ويتكلم فيظن أنهم يسمعون كلامه وينظر فيظن أنهم يرونه حتى تأتيه أزواجه - يعني الحور العين - فيذهبن به".
ويشهد لهذه النصوص أيضا ما في الصحيحين، عن جابر: قال رجل يوم أحد: أين أنا إن قتلت يا رسول الله؟ قال: " في الجنة" فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل
1 أخرجه احمد "6/386" والترمذي "ح 1691"، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
حتى قتل1. وفي صحيح مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض" وذكر قصة عمير بن الحمام2.
وفي صحيح البخاري، عن المغيرة بن شعبة أنه قال: أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أنه من قتل صار إلى الجنة3. وفيه أيضا عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ 4 وفي صحيح مسلم عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف" 5.
وفي صحيح البخاري، عن أنس قال: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يكن في الجنة صبرت واحتسبت وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع؟ قال: "ويحك أو هبلت؟ جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة وإنه في جنة الفردوس"6.
وخرج الترمذي والحاكم من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت جعفر يطير مع الملائكة"7.
1 أخرجه البخاري "ح 4046" ومسلم "ح 1899".
2 أخرجه مسلم "ح 10901".
3 أخرجه البخاري "ح 3159".
4 أخرجه البخاري "ح 3182" ومسلم "ح 1785".
5 أخرجه مسلم "ح 1902".
6 أخرجه البخاري "ح 2809".
7 أخرجه الترمذي "ح 3763" وقال "هذا حديث غريب"، وهذا تضعيف للحديث. لكن قال الحافظ ابن حجر في الفتح "7/96": في إسناده ضعف، لكن له شاهد من حديث على عند ابن سعد، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مر بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم" أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد على شرط مسلم، وأخرج أيضا هو والطبراني عن ابن عباس مرفوعا " دخلت البارحة الجنة فرأيت فيها جعفرا يطير مع الملائكة"، في طريق أخرى عنه "أن جعفر يطير مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله من يديه" وإسناد هذه جيد، وطريق أبي هريرة في الثانية قوي إسناده على شرط مسلم اهـ.
وخرج الإمام أحمد وأبو يعلى وابن أبي الدنيا من حديث ثابت عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا الحسنة، فكان فيما يقول:"هل رأى منكم رؤيا" فإذا رأى الرجل الذي لا يعرفه الرؤيا، سأل عنه فإن أخبر عنه بمعروف كان أعجب برؤيا قال فجاءت امرأة فقالت: يا رسول الله رأيت في المنام كأني خرجت فأدخلت الجنة فإذا أنا بفلان وفلان حتى عدت اثنى عشر رجلا، وبعث رسول الله صلى الله عليه والسلم سرية قبل ذلك فجئ بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم فقال: اذهبوا بهم إلى نهر البرزخ فغمسوا فيه ووجوههم كالقمر ليلة البدر وأتوا بكراسي من ذهب فأقعدوا عليها وجئ بصفحة من ذهب فيها بسر فأكلوا من بسره ما شاؤوا فما يقلبونها من وجه إلا أكلوا من فاكهة ما شاؤوا وأكلت معهم قال: فجاء البشير من تلك السرية فقال: يا رسول الله! كان كذا وكذا وأصيب فلان وفلان حتى عد اثني عشر رجلا فقال: علي بالمرأة فقال: "قصي رؤياك على هذا" فقال الرجل: هو كما قالت أصيب فلان وفلان1.
وروي ابن عيينة عن عبد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس يقول: أرواح الشهداء تجول في أجواف طير خضر تعلق في ثمر الجنة.
وروي معمر عن قتادة قال: بلغنا أن أرواح الشهداء في صورة طير بيض تأكل من ثمار الجنة.
وروى أبو عاصم عن ثور بن زيد عن خلد بن معدان عن عبد الله بن عمرو قال: أرواح الشهداء في أجواف طير كأنها الزرازير يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة.
وروى ابن المبارك عن زائدة حدثنا ميسرة الأشجعي، عن عكرمة عن ابن عباس عن كعب قال: جنة المأوى: جنة فيها طير خضر ترعى فيها أرواح الشهداء.
كذا رواه عطية عن ابن عباس قال: قلت لكعب: إني أسألك عن شيء فإن كان في كتاب الله فحدثني وإن لم يكن في كتاب الله فلا تحدثني فذكر مسائل، فقال
1 صحيح أخرجه أحمد "3/ 135".
كعب: ما سألتني عن شيء إلا وهو في كتاب الله قال: وأما جنة المأوى فإنها جنة فيها أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تأوي إلى قناديل الجنة.
وروى أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج حدثنا عمرو بن عمر الأحموسي عن السفر بن نسير قال: سئل أبو الدرداء عن أرواح الشهداء قال: هي في طير حضر معلقة في قناديل تحت العرش تسرح في الجنة حيث شاءت ثم ترجع إلى قناديلها.
وروي عن مجاهد أنه قال: ليس الشهداء في الجنة ولكنهم يرزقون منها.
فروى آدم بن أبي إياس حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً} [آل عمران: 169] الآية قال: يقول: أحياء عند ربهم يرزقون من ثمر الجنة ويجدون ريحها وليسوا فيها.
وروي ابن مبارك عن جريج عن مجاهد قال: ليس هم في الجنة ولكن يأكلون من ثمارها ويجدون ريحها.
وقد يستدل لقوله بما روي ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهداء على طريق بارق نهر الجنة، فيه قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم بكرة وعشيا".
وخرجه ابن منده ولفظه: على بارق نهر في الجنة.
وهذا يدل على أن النهر خارج من الجنة وابن إسحاق مدلس ولم يصرح بالتحديث هنا ولعل هذا في عموم الشهداء والذين في القنادل التي تحت العرش خواصهم ولعل المراد بالشهداء هنا هو شهيد من غير قتل في سبيل الله كالمطعون والمبطون والغريق وغيرهم ممن ورد النص بأنه شهيد.
فالأحاديث السابقة كلها فيمن قتل في سبيل الله وبعضها صريح في ذلك وفي بعضها أن الآية نزلت في ذلك وهو قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً} ، الآية نص في المقتول في سبيل الله.
وقد يطلق الشهيد على من حقق الإيمان وشهد بصحته، لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الحديد: 19] .