المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الرابع: في اجتماع أعمال الميت عليه من خير وشر ومدافعتها عنه وكلامها له وما ورد من تحسر الموتى على انقطاع أعمالهم ومن أكرم منهم تبقى إعماله عليه - أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: في ذكر حال الميت عند نزوله قبره وسؤال الملائكة له وما يفسح له في قبره أو يضيق عليه وما يرى من منزله في الجنة أو النار

- ‌الباب الثاني: في كلام القبر عند نزوله إليه

- ‌الباب الثالث: في اجتماع الموتى إلى الميت وسؤالهم إياه

- ‌الباب الرابع: في اجتماع أعمال الميت عليه من خير وشر ومدافعتها عنه وكلامها له وما ورد من تحسر الموتى على انقطاع أعمالهم ومن أكرم منهم تبقى إعماله عليه

- ‌فصل: النهي عن تمني الموت والإجتهاد في الطاعة قبل مجيئة

- ‌الباب الخامس: في عرض منازل أهل القبور عليهم من الجنة أو النار بكرة وعشيا

- ‌الباب السادس: في ذكر عذاب القبر ونعيمه

- ‌مدخل

- ‌دلالة القرآن على عذاب القبر

- ‌بعض ما جاء في سبب عذاب القبر

- ‌فصل: أنواع عذاب القبر

- ‌فصل: نعيم القبر

- ‌فصل: ما جاء في الكشف عن بعض عذاب أهل القبور ونعيمهم

- ‌فصل: الميت يجد ألم الموت ما دام في قبره

- ‌فصل: ما شوهد من نعيم أهل القبر

- ‌فصل: انتفاع أهل القبور بمجاورة الصالحين وتأذيهم من مجاورة الفاسقين

- ‌الباب السابع فيما ورد من تلاقي الموتى في البرزخ وتزاورهم

- ‌الباب الثامن: فيما ورد من سماع الموتى كلام الأحياء ومعرفتهم بمن يسأل عليهم ويزروهم ومعرفتهم بحالهم بعد الموت وحال أقاربهم في الدنيا

- ‌مدخل

- ‌فصل: معرفة الموتى بمن يزورهم ويسلم عليهم

- ‌فصل: معرفة الموتى بحالهم في الدنيا قبل الدفن

- ‌فصل: معرفة الموتى في قبورهم بحال أهليهم وأقاربهم في الدنيا

- ‌فصل: كلام الموتى ورد السلام

- ‌الباب التاسع: في ذكر محل أرواح الموتى في البرزخ

- ‌أرواح الأنبياء

- ‌محل أرواح الشهداء

- ‌فصل: "محل أرواح المؤمنين سوى الشهداء

- ‌فصل: ما يمنع من دخول أرواح المؤمنين والشهداء الجنة

- ‌الباب العاشر: في ذكر ضيق القبور وظلمتها على أهلها وتنورها عليهم بدعاء الأحياء وما ورد من حاجة الموتى إلى دعاء الأحياء وانتظارهم لذلك

- ‌الباب الحادي عشر: في ذكر زيارة الموتى والإتعاظ بهم

- ‌الباب الثاني عشر: في استحباب تذكر القبور والتفكر في أحوالهم وذكر أحوال السلف في ذلك

- ‌الباب الثالث عشر: في ذكر كلمات منتخبه من كلام السلف الصالح في الإتعاظ بالقبور وما ورد عنهم من ذلك من منظور ومنثور

الفصل: ‌الباب الرابع: في اجتماع أعمال الميت عليه من خير وشر ومدافعتها عنه وكلامها له وما ورد من تحسر الموتى على انقطاع أعمالهم ومن أكرم منهم تبقى إعماله عليه

‌الباب الرابع: في اجتماع أعمال الميت عليه من خير وشر ومدافعتها عنه وكلامها له وما ورد من تحسر الموتى على انقطاع أعمالهم ومن أكرم منهم تبقى إعماله عليه

روى حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده إنه ليسمع خفق نعالكم حين تولون عنه فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه والزكاة عن يمينه والصوم عن شماله وفعل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه.

فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة ليس من قبلي مدخل فيؤتى عن يمينه فتقول الزكاة ليس من قبلي مدخل ثم يؤتى عن شماله فيقول الصوم ليس قبل مدخل ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات والإحسان إلى الناس ليس قبلي مدخل.

فيقال له: اجلس فيجلس وقد مثلت الشمس للغروب فيقولون له ما تقول في هذا الرجل كان بعث فيكم يعني النبي صلى الله عليه وسلم فيقول أشهد أنه رسول الله جاءنا بالبينات من عند ربنا فصدقناه واتبعناه فيقال له صدقت وعلى هذا حييت وعلى هذا مت وعليه تبعث إن شاء الله فيفسح له في قبره مد بصره فذلك قوله سبحانه {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] . فيقال: افتحوا له بابا إلى النار فيقال هذا منزلك لو عصيت الله فيزداد غبطه وسرورا ويقال افتحوا له بابا إلى الجنة فيفتح له فيقال هذا منزلك وما أعد الله لك فيزداد غبطة وسرور فيعاد الجسد إلى ما بدئ منه وتجعل روحه نسم طير معلق في شجر الجنة.

وأما الكافر فيؤتى في قبره من قبل رأسه فلا يوجد يعني شيئا فيجلس خائفا مرعوبا فيقال له ما تقول في هذا الرجل الذي كان فيكم وما تشهد به فلا يهتدي لاسمه فيقال محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول سمعت الناس يقولون شيئا فقلت كما قالوا فيقال له صدقت على هذا حييت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله

ص: 28

تعالى ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فذلك قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه: 123] فيقال افتحوا له بابا إلى الجنة فيفتح له باب إلى الجنة فيقال هذا منزلك وما أعد الله لك لو كنت أطعته فيزداد حسرة وثبورا ثم يقال: افتحوا له بابا إلى النار فيفتح له باب إليها فيقال له هذا منزلك وما أعد الله لك فيزداد حسرة وثبورا" 1.

قال أبو عمر الضرير قلت لحماد بن سلمة كان هذا من أهل القبلة قال نعم قال أبو عمر كأنه شهد بهذه الشهادة على غير يقين يرجع إلى قبله كأن يسمع الناس يقولون شيئا فيقول خرجه الطبراني.

وخرجه الخلال في كتاب السنة وزاد فيه بعد قوله: "وقد مثلت الشمس قد دنت للغروب فيقال هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه فيقول دعوني حتى أصلي فيقولون إنك ستفعل أخبرنا عما نسألك عنه" 2 وذكر الحديث.

وخرجه ابن حيان في صحيحه من طريق معتمر عن محمد بن عمرو به ورواه جماعة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة موقوفا وقد روي من حديث أبي حازم عن أبي هريرة نحوه أيضا مع الاختلاف في رفعه وقطعه.

وخرجه ابن منده من طريق محمد بن جحادة عن طلحة بن مصرف عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: إذا وضع المؤمن في قبره أتاه شيطان من قبل رأسه فيحول بينه وبينه سجوده ثم يأتيه من قبل يديه فيحول بينه وبينه صومه ثم يأتيه من قبل رجليه فيحول بينه وبينه قيامه عليهما في الصلاة ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقول ربي بلغني منزلي فيقول إن لك إخوة وأخوات لم يلحقوا فنم قرير العين لا تفزع بعدها.

وخرجه أيضا من طريق محمد بن الصامت عن ابن عيينة عن طلحة بن مصرف عن أبي حازم عن أبي هريرة يرفعه: "يؤتى الرجل من قبل رأسه في قبره فإذا أتي دفعه تلاوة القرآن فإذا من قبل يديه دفعته الصدقة فإذا أتي من قبل رجليه دفعه مشيه

1 حسن: أخرجه ابن حبان في الجنائز، باب: في الميت يسمع ويسأل، "ح 871/ زوائد".

2 وهي عن ابن حبان، أنظر التخريج السابق.

ص: 29

إلى المساجد" فذكر نحوه.

كذا في هذه الرواية السابقة إن الذي يأتيه في قبره شيطان.

وفي حديث الأعمش عن المنهال عن زاذان قال قلت للبراء أملك هو أم شيطان قال فغضب غضبا شديدا ثم قال كنا نحن أشد هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسأله أملك هو أم شيطان إنما نحدثكم ما سمعنا.

وخرج الإمام أحمد من حديث محمد بن المنكدر قال كانت أسماء تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أدخل الإنسان في قبره فإن كان مؤمنا حف به عمله الصيام والصلاة قال فيأتيه الملك من نحو الصلاة فيرده ومن نحو الصيام فيرده فيناديه اجلس فيجلس فيقول ماذا تقول في هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال: من؟ قال: محمد قال محمد صلى الله عليه وسلم قال فيقال وما يدريك أدركته؟ قال يقول إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث.

قال إن كان فاجرا أو كافرا قال جاءه الملك ليس بينه وبينه شيئ يرده فأجلسه قال يقول اجلس ماذا تقول في هذا الرجل قال أي رجل قال محمد قال يقول والله ما أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته قال فيقول له الملك على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث.

قال: ويسلط عليه دابة في قبره معها سوط بمرزبة جمرة مثل غرب البعير تضربه ما شاء الله صماء لا تسمع صوته فترحمه" 1.

قلت: قوله ويسلط عليه دابة إلى آخره قد روي من وجه آخر عن ابن المنكدر أنه بلغه ذلك فلعله مدرج في الحديث.

وفي حديث زاذان عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد سبق ذكر بعضه قال في المؤمن: "ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول: أنا عملك الحسن فيقول رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي".

1 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 353".

ص: 30

وقال في حق الكافر: "ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوءك فهذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة" خرجه الإمام أحمد وغيره.

وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن أبي بكر بن عياش عن المقبري عن عائشة رضي الله عنهما قالت إذا خرج سرير المؤمن نادى أنشدكم الله لما أسرعتم بي فإذا أدخل قبره لحقه عمله فتجيء الصلاة فتكون على يمينه ويجيء الصوم فيكون عن يساره ويجيء عمله بالمعروف فيكون عند رجليه فتقول الصلاة: ليس لكم قبل مدخل كان يصلي فيأتون من قبل رأسه فيقول الصوم: إنه كان يصوم ويعطش فلا يجدون موضعا فيأتون رجليه فتخاصم عنه أعماله فلا تجد له مسلكا.

وبإسناد عن ثابت البناني قال إذا وضع الميت في قبره احتوشته إعماله الصالحة وجاء ملك العذاب فتقول له بعض إعماله إليك عنه فلو لم يكن إلا أنا لما وصلت إليه.

وعنه أيضا قال إذا مات العبد الصالح فوضع في قبره أتي بفراش من الجنة وقيل له نم هنيئا لك قرة العين فرضي الله عنك قال ويفسح له في قبره مد بصره ويفتح له باب إلى الجنة فينظر إلى حسنها ويجد ريحها وتحتوشه أعماله الصالحة الصيام والصلاة والبر فتقول أنصبناك وأظمأناك وأسهرناك فنحن اليوم بحيث تحب نحن أنساؤك حتى تصير إلى منزلك من الجنة.

وبإسناده عن كعب قال إذا وضع العبد الصالح في قبره احتوشته أعماله الصالحة الصلاة والصيام والحج والجهاد والصدقة قال وتجيء ملائكة العذاب من قبل رجليه فتقول الصلاة إليكم عنه فقد أطال القيام لله عليهما قال فيأتون من قبل رأسه فيقول الصيام لا سبيل لكم عليه فقد أطال ظمأه لله تعالى في الدنيا قال فيأتون من قبل جسده فيقول الحج والجهاد إليكم عنه فقد أنصب نفسه وأتعب بدنه وحج وجاهد لله عز وجل لا سبيل لكم عليه قال فيأتونه من قبل يديه فتقول الصدقة كفوا عن صاحبي فكم من صدقة خرجت من هاتين اليدين حتى وقعت في يد الله عز وجل ابتغاء وجهه فلا سبيل لكم عليه فيقال هنيئا طيبا حيا وميتا،

ص: 31

قال: ويأتيه ملائكة الرحمة فتفرش له فراشا من الجنة ودثارا من الجنة ويفسح له في قبره مد البصر ويؤتى بقنديل من الجنة فيستضيء بنوره إلى يوم يبعثه الله من قبره.

وبإسناده عن يزيد الرقاشي قال بلغني أن الميت إذا وضع في قبره احتوشته أعماله فأنطقها الله تعالى فقالت أيها العبد المنفرد في حفرته انقطع عنك الأخلاء والأهلون فلا أنيس لك اليوم غيرنا قال ثم يبكي ويقول طوبى لمن كان أنيسه صالحا طوبى لمن كان أنيسه صالحا والويل لمن كان أنيسه وبالا.

وبإسناده عن يزيد الرقاشي أيضا أنه كان يقول في كلامه أيها المنفرد في حفرته المخلى في القبر بوحدته المستأنس في بطن الأرض بأعماله ليت شعري بأي أعمالك استبشرت وبأي إخوانك اغتبطت ثم يبكي حتى يبل عمامته ويقول استبشر والله بأعماله الصالحة واغتبط بإخوانه المتعاونين على طاعة الله.

وبإسناده عن الوليد بن عمرو بن الصباح قال بلغني أن أول شيء يجده الميت حوله عند رجليه فيقول ما أنت فيقول أنا عملك.

وقد ورد في شفاعة القرآن لقارئة ودفعه عنه عذاب القبر خصوصا سورت تبارك الذي بيده الملك.

وخرج النسائي في عمل اليوم والليلة بإسناده عن ابن مسعود قال من قرأ تبارك الذي بيده الملك كل ليلة منعه الله بها من عذاب القبر وكنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسميها المانعة1.

وخرجه خلف في فضائل القرآن ولفظه عن ابن مسعود أنه ذكر تبارك فقال هي المانعة تمنع من عذاب القبر توفي رجل فأتي من قبل رجليه فتقول رجلاه لا سبيل لكم على ما قبلي إنه كان يقرأ سورة الملك ويؤتى من قبل بطنه فيقول بطنه لا سبيل لكم على ما قبلي إنه كان يقرأ سورة الملك.

1 أخرج أحمد في المسند "2/ 299"، وأبو داود "ح 1400"، والترمذي "ح 2891"، وابن ماجه "ح 3786" بسند صحة العلامتين شاكر والألباني، من حيث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها، حتى غفر له {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ".

ص: 32

وأخرج أبو عبيد في كتاب "فضائل القرآن" بإسناده عن ابن مسعود قال إن الميت إذا مات أوقدت له نيران حوله فتأكل النار ما يليها إن لم يكن له عمل يحول بينه وبينها وإن رجلا مات ولم يكن يقرأ من القرآن إلا سورة ثلاثين آية فتأتيه من قبل رأسه فقالت إنه كان يقرأ بي فتأتيه من قبل رجليه فقالت إنه يقوم بي فتأتيه من قبل فقالت إنه يقوم بي فتأتيه من قبل جوفه فقالت إنه كان وعائي قال فأنجته.

قال زر فنظرت أنا ومسروق في المصحف فلم نجد سورة ثلاثين آية إلا تبارك،

وروى عبد بن حميد في مسنده عن إبراهيم بن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال إقرأ تبارك الذي بيده الملك احفظها وعلمها أهلك وولدك وصبيان بيتك وجيرانك فإنهما المنجية والمجادلة تجادل وتخاصم عند الله لقارئها وتطلب أن ينجيه من عذاب النار إذا كانت في جوفه وينجي الله بها صاحبها من عذاب القبر.

وروى سوار بن مصعب وهو ضعيف جدا عن أبي إسحاق عن البراء يرفعه: من قرأ ألم السجدة و {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} قبل النوم نجا من عذاب القبر ووقي فتاني القبر.

وسنذكر حديث عبادة في نزول القرآن مع الميت في قبره فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وروى هشام بن عمار حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن جابر عن أبيه عن عطاء بن يسار قال إذا وضع الميت في لحده فأول شيء يأتيه عمله فيضرب فخذه الشمال فيقول أنا عملك فيقول فأين أهلي وولدي وعشيرتي ما خولني الله تعالى فيقول تركت أهلك وولدك وعشرتك وما خولك الله وراء ظهرك فلم يدخل قبرك معك غيري فيقول يا ليتني آثرتك على أهلي وولدي وعشيرتي وما خولني الله تعالى إذا لم يدخل معي غيرك.

قال أحمد بن أبي الحواري حدثنا يحيى بن مليح عن أبي نجيح مجاهد في قوله تعالى: {فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم: 44] ، قال في القبر.

قال أحمد: فحدثت به يحيى بن معين قال طوبى لمن كان له عمل صالح يكون وطأه في قبره.

ص: 33

ويشهد لهذا كله ما في الصحيحين عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله"1.

وخرجه البزار والطبراني بسياق مطول من حديث أنس أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد إلا له ثلاثة أخلاء فأما خليل فيقول له ما أنفقت فلك وما أمسكت فليس لك فذلك ماله وأما خليله فيقول أنا معك فإذا أتيت باب الملك رجعت وتركتك فذلك أهله وحشمه وأما خليل فيقول أنا معك حيث دخلت وحيث خرجت فذلك عمله فيقول إن كنت لأهون الثلاثة علي". وخرج البزار والحاكم من حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه وقد اختلف في رفعه ووقفه.

وفي روى هذا من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بسياق مبسوط وأن عبد الله بن كرز قال في هذا المعنى شعرا وأنشده للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن إسناده ضعيف جدا.

وخرج البزار هذا المعنى أيضا من حديث أبي هريرة وسمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم وخرجه الطبراني أيضا من حديث سمرة أيضا.

وروى إبراهيم بن بشار عن إبراهيم بن أدهم أنه كان ينشد شعرا:

ما أحد أكرم من مفرد

أعماله في قبره تؤنسه

منعم الجسم وفي روضة

زينها الله فهي مجلسه

وأما العارفون بالله المحبون له المنقطعون إليه في الدنيا والمستأنسون به دون خلقه فإن الله بكرمه وفضله لا يخذلهم في قبورهم بل يتولاهم ويؤنس وحشتهم فـ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128] .

وقد جاء في بعض ألفاظ حديث يوم المزيد أنهم يقولون لربهم في ذلك اليوم أنت الذي أنست منا الوحشة في القبور.

وكتب محمد بن يوسف الإصبهاني العابد إلى أخيه إني محذرك متحولك من دار

1 الحديث أخرجه البخاري "ح 6514"، ومسلم "ح 2960".

ص: 34

مملكتك إلى دار إقامتك وجزاء أعمالك فتصير في قرار باطن الأرض بعد ظاهرها فيأتيك منكر ونكير فيقعدانك وينتهرانك فإن يكن الله معك فلا بأس عليك ولا وحشه ولا فاقة وإن لم يكن غير ذلك فأعاذني الله وإياك من سوء مصرع وضيق مضجع.

ورئي ابن أبي عاصم في المنام فسئل عن حاله فقال يؤنسني الله عز وجل وأما من كان في الدنيا مشغولا عن الله عز وجل وكان يخاف غيره فإنه يعذل في القبر بذلك.

قال أحمد بن أبي الحواري حدثنا إبراهيم بن الفضل عن إبراهيم أبي المليح الرقي قال إذا أدخل ابن آدم قبره لم يبق شيء كان يخافه في الدنيا دون الله عز وجل إلا تمثل له يفزعه في لحده لأنه في الدنيا يخافه دون الله تعالى.

وروى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا يوم نشورهم وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم يقولون {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: 34] "1.

1 ضعيف: عزاه السيوطي في الجامع الصغير وللطبراني في الكبير من حديث ابن عمر. وضعفه العراقي في تخريج الإحياء "1/298"، والألباني في ضعيف الجامع.

ص: 35