الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجبت الشمس، فسمع صوتا فقال:"يهود تعذب في قبورها"1.
وخرج الإمام أحمد وأبو داود من حديث البراء بن عازب قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فأنتهينا إلى القبر ولم يلحد فجلس رسول الله صلى عليه وسلم وجلسنا حوله كأنا على رؤوسنا الطير ومعه عود ينكت به الأرض فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر" مرتين أو ثلاثا، وذكر الحديث بطوله2.
وخرج الإمام أحمد من حديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم نخلا لبني النجار فسمع أصوات رجال من بني النجار ماتوا في الجاهلية يعذبون في قبورهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا فأمر أصحابه أن يتعوذوا بالله من عذاب القبر.
وخرجه أيضا من حديث أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر قال دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في حائط من حوائط بني النجار فيه قبور منهم قد ماتوا في الجاهلية فسمعهم يعذبون فخرج وهو يقول: "استعيذوا بالله من عذاب القبر"، قلت: يا رسول الله إنهم ليعذبون في قبورهم قال: "نعم عذابا يسمعه البهائم"3.
1 الحديث أخرجه البخاري "ح 1375"، ومسلم "ح 2869".
2 صحيح: وتقدم تخريجه.
3 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 362" وابن حبان "ح 787/ زوائد".
بعض ما جاء في سبب عذاب القبر
وفي الصحيحين عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة" ثم أخذ جريدة رطبة فشقها باثنتين ثم غرز على كل قبر منهما واحدة قالوا لم فعلت هذا يا رسول الله قال: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا"4.
وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة خرجه ابن ماجه،
4 الحديث أخرجه البخاري "ح 216"، ومسلم "ح 492".
من حديث أبي بكرة وفي حديثه: "وأما الآخر فيعذب في الغيبة"1.
وخرجه الخلال وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض رواياته: "وأما الآخر فكان يهمز الناس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة".
وخرجه الطبراني من حديث عائشة وأنس بن مالك وابن عمر.
وخرجه أبو يعلى الموصلي وغيره من حديث جابر وفي حديثه: "أما أحدهما فكان يغتاب الناس".
وخرجه الأثرم من حديث أبي أمامة وفي حديثه قالوا يا نبي الله وحتى متى يعذبان قال: "غيب لا يعلمه إلا الله ولولا تمريج قلوبكم وتزييدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع".
وروي من وجوه أخر.
وخرج النسائي من حديث عائشة قالت: دخلت امرأة من اليهود فقالت إن عذاب القبر من البول قلت كذبت قالت إنه ليقرظ من الجلد والثوب قالت فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاته وقد ارتفعت أصواتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا" فأخبرته بما قالت فقال: "صدقت"2.
وخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن حسنة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألم تعلموا ما لقي صاحب بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم البول قطعوا ما أصابه البول فنهاهم فعذب في قبره"3.
وخرج الإمام أحمد وابن ماجه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أكثر عذاب القبر من البول" 4 وروي موقوفا عن أبي هريرة.
وخرج البزار والحاكم من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن عامة عذاب
1 عند ابن ماجه برقم "349".
2 الحديث أخرجه النسائي "ح 2063".
3 صحيح أخرجه أبو داود "ح 22"، النسائي "ح30"، وابن ماجه "ح 346"، وأحمد "4/196".
4 صحيح أخرجه أحمد "2/326"، وابن ماجه "ح 348".
القبر من البول فتنزهوا منه".
وخرج البزار، والدارقطني من حديث أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" اتقوا البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر".
وخرج ابن عدي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل يعذب في قبره من النميمة ورجل يعذب في قبره من الغيبة ورجل يعذب في قبره من البول.
وخرج أيضا بإسناده فيه ضعف عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فتنة القبر من ثلاث من الغيبة والنميمة والبول".
ولكن روى عبد الوهاب الخفاف عن سعيد عن قتادة قال: كان يقال عذاب القبر من ثلاثة أثلاث ثلث من الغيبة وثلث من النميمة وثلث من البول خرجه الخلال وهذا أصح.
وخرج الأثرم والخلال من حديث ميمون مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "يا ميمونه إن من أشد عذاب القبر من الغيبة والبول".
وقد ذكر بعضهم السر في تخصيص البول والنميمة والغيبة بعذاب القبر وهو أن القبر أول منازل الآخرة وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب والثواب.
والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان حق الله وحق لعباده وأول ما يقضي فيه يوم القيامة من حقوق الله الصلاة ومن حقوق العباد والدماء.
وأما البرزخ فقضي فيه في مقدمات هذين الحقين ووسائلها فمقدمة الصلاة الطهارة من الحدث والخبث ومقدمة الدماء النميمة الوقيعة في الأعراض وهما أيسر أنواع الأذى فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والعقاب عليهما.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال مات رجل فلما أدخل في قبره أتته الملائكة فقالوا إنا جالدوك مائة جلدة عذاب الله قال فذكر صلاته وصيامه واجتهاده قال فخففوا عنه حتى انتهى إلى عشرة ثم سألهم فخففوا عنه حتى انتهى إلى واحدة فجلدوه جلدة اضطرم قبره نارا وغشي عليه فلما أفاق قال فيم جلدتموني هذه الجلدة قالوا إنك بلت يوما وصليت ولم تتوضأ وسمعت رجلا يستغيث مظلوما فلم تغثه.
ورواه أبو سنان عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة بنحوه.
ورويناه من طريق حفص بن سليمان القارئ وهو ضعيف جدا عن عاصم عن أب وائل عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعذاب القبر حصل هاهنا بشيئين أحدهما ترك طهارة الحدث والثاني ترك نصرة المظلوم مع القدرة عليه كما أنه في الأحاديث المتقدمة حصل بترك طهارة الخبث والظلم بالقول وهي متقاربة في المعنى.
وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني رأيت الليلة عجبا" فذكر الحديث بطوله، وفيه "رأيت رجلا من أمتي بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوءه فاستنقذه منه" أخرجه الطبراني وغيره.
ففي هذا الحديث أن الطهارة من الحدث تنجي من عذاب القبر.
وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينجي من عذاب القبر كما تقدم ذكره في الباب الثاني لأن فيه غاية النفع للناس في دينهم.
وكذلك الجهاد والرباط فإن المجاهد والمرابط في سبيل الله كل منهما بذل نفسه وسمح بنفسه لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر وليذب عن إخوانه المؤمنين عدوهم.
وفي الترمذي عن المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر" وذكر بقية الحديث1.
وخرج الحاكم وغيره، من حديث أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من لقي في سبيل الله فصبر حتى يقتل أو يغلب لم يفتن في قبره أبدا"2.
1 صحيح: أخرجه الترمذي "ح 1663" وقال: "هذا الحديث حسن صحيح غريب"، وابن ماجه "ح 2799" وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، وبقية الحديث:" ويوضع على رأسه تاج الوقار، والياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه".
2 ضعيف. عزاه السيوطي في الجامع الصغير للطبراني في الكبير والحاكم، وضعفه الألباني هناك، وفي الضعيفة.