المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب لا العاملة عمل إن - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك - ت هبود - جـ ٢

[ابن هشام النحوي]

الفصل: ‌باب لا العاملة عمل إن

‌المجلد الثاني

‌باب لا العاملة عمل إن

بسم الله الرحمن الرحيم

[باب لا العاملة عمل إن] :

هذا باب "لا" العاملة عمل إن1:

[شروط إعمالها] :

وشرطها: أن تكون نافية، وأن يكون المنفي الجنس، وأن يكون نفيه نصا2، وأن لا يدخل عليها جار، وأن يكون اسمها نكرة3، متصلا بها، وأن يكون خبرها أيضا نكرة، نحو:"لا غلام سفر حاضر".

1 وتسمى: "لا" النافية للجنس؛ أي لكل فرد من أفراد الجنس، وتسمى كذلك "لا" التبرئة؛ لأنها تدل على تبرئة جنس اسمها كله من معنى غيرها. شرح التصريح: 1/ 235.

2 أي: يقصد بها التنصيص على استغراق النفي للجنس كله، لا لنفي الوحدة؛ وإلا أعملت عمل "ليس". حاشية الصبان: 2/ 2.

3 لأنه على تقدير "من" الاستغراقية؛ وهي مختصة بالدخول على النكرات.

فائدة: أعملت "لا" النافية للجنس عمل "إن" لأنها تشبهها في أربعة أمور، هي:

أ- كلتاهما تختص بالدخول على الجمل الاسمية.

ب- كلتاهما تفيد التأكيد؛ فـ "إن" لتأكيد الإثبات، و"لا" لتأكيد النفي.

ج- كلتاهما تقع في صدر الكلام، ولا تقع حشوا.

د- "لا" نقيضة "إن" والشيء يحمل على نقيضه، كما يحمل على مماثله. شرح التصريح: 1/ 235،

فائدة: اسم "لا" يتعين أن يكون مذكورا خلاف اسم "إن"؛ واسم "إن" يكون معرفة ويكون نكرة، واسم "لا" لا يكون إلا نكرة؛ وخبر "لا" لا يجوز أن يتقدم على الاسم بخلاف خبر "إن"؛ واسم "لا" لا ينون بخلاف اسم "إن"؛ و"لا" لا تعمل إلا بشرط، و"إن" تعمل بلا شروط. وانظر شرح التصريح: 1/ 235-236.

ص: 3

فإن كانت غير نافية لم تعمل، وشذ إعمال الزائدة في قوله1:[البسيط]

154-

لو لم تكن غَطَفَان لا ذنوب لها

إذًا للام ذوو أحسابها عُمَرَا2

ولو كانت لنفي الوحدة عملت عمل ليس3، نحو:"لا رجل قائما، بل رجلان" وكذا إن أريد بها نفي الجنس لا على سبيل التنصيص4، وإن دخل عليها

1 القائل: هو الفرزدق: همام بن غالب، وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة للفرزدق يهجو فيها عمر بن هبيرة الفزاري.

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 237، والأشموني:"290/ 1/ 149"، وهمع الهوامع: 1/ 147، والدرر اللوامع: 1/ 127، والخصائص: 2/ 87، وخزانة الأدب: 2/ 78، وديوان الفرزدق:283.

المفردات الغريبة: غطفان. اسم قبيلة. لام "اللوم": العذل والتعنيف. أحسابها: جمع حسب، وهو ما يعده الإنسان من مفاخر أصوله.

المعنى: لو لم يكن لغطفان ذنوب وأعمال مخزية؛ للاموا عمر الفزاري على تعرضه لنا، ولكنهم يعلمون أنهم مذنبون، ولذلك امتنع لومهم.

الإعراب: لو: حرف شرط غير جازم. لم: نافية جازمة. تكن: فعل الشرط غير الجازم مجزوم بـ "لم". غطفان: اسم "تكن" الناقص. لا: زائدة. ذنوب: اسم "لا. "لها": متعلق بمحذوف خبر "لا". وجملة "لا ذنوب لها": في محل نصب خبر "تكن". إذا: حرف جواب واقع في جواب "لو". للام: اللام واقعة في جواب الشرط غير الجازم، تفيد التوكيد. لام: فعل ماضٍ. ذوو: فاعل لام مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف. أحسابها: مضاف إليه، و"ها": مضاف إليه ثانٍ. عمرا: مفعول به، والألف: للإطلاق.

موطن الشاهد: "لا ذنوب لها".

وجه الاستشهاد: وقوع "لا" زائدة في البيت، وإعمالها عمل "إن"؛ ومعلوم أن "لا" الزائدة، تأتي في الكلام لمجرد تأكيد نفيه وتقويته؛ فحُكْمُ عملها عمل "إن" في البيت شاذ، ولا يقاس عليه؛ وأما وجوه زيادتها في الشاهد؛ فإن المقصود ثبوت الذنوب لـ "غطفان"؛ وهذا مستفاد من نفي النفي المعلوم من "لو"؛ التي تدل على امتناع شرطها، ومن "لم" التي أعقبتها؛ ونفي النفي إثبات؛ ولهذا فـ "لا" لم تفد شيئا؛ ولذا، حكم بزيادتها. وانظر شرح التصريح: "1/ 237، وحاشية الصبان: 4/ 2.

3 أو أهملت وتكررت؛ واختيار الإهمال أو الإعمال -عمل ليس- خاضع لما يقتضيه المعنى المراد.

4 بل في الظاهر فقط؛ لعموم النكرة في سياق النفي؛ ومثال ذلك، أن "لا" إذا كان اسمها مفردا؛ نحو: لا رجل في الدار؛ فإن أريد نفي الخبر عن فرد واحد، وعن الجنس في الظاهر؛ كانت "لا" عاملة عمل "ليس"؛ ويصح -على هذا- أن يقال بعدها: بل رجلان؛ وإن أريد نفي الجنس حقيقة، وتأكيد النص عليه؛ كانت عاملة عمل "إن" -وعلى هذا- فلا يصح أن يقال بعد شيء؛ وإذا كان الاسم بعدها مثنى أو مجموعا؛ فلا يختلف المراد من النفي؛ فيحتمل نفي الخبر عن المثنى والجمع فقط، أو نفيه عن كل فرد من أفراد الجنس؛ والفرق بينهما يكون على حسب المراد؛ وأما الفرق الصحيح الواضح بين المراد من النفي في قسمي "لا" فيظهر إذا كان الاسم مفردا. شرح التصريح: 1/ 237.

ص: 4

الخافض خفض النكرة1، نحو:"جئت بلا زادٍ"، و:"غضبت من لا شيءٍ" وشذ: "جئت بلا شيءَ"2 بالفتح، وإن كان الاسم معرفة أو منفصلا منها أهملت3، ووجب -عند غير المبرد وابن كيسان- تكرارها4، نحو: "لا زيد في الدار ولا

1 لأن "لا" لا تتوسط بين عامل ومعموله، وتكون حينئذ ملغاة بين الجار والمجرور؛ علما أن حرف الجر يتخطَّاها، ويعمل فيما بعدها؛ مع دلالتها على النفي، ولا تعد زائدة؛ فيفسد المعنى. وذهب بعضهم -في هذه الحال- إلى أن "لا" اسم بمعنى "غير" مجرورة بحرف الجر، وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الألف، وما بعدها مجرور بإضافتها إليه. شرح التصريح: 1/ 237.

2 أي: على إعمال "لا" مع التركيب؛ فالباء جارة و"لا شيء": في محل جر بالباء؛ وقد أجريا مجرى الاسم الواحد؛ لأن الجار دخل بعد التركيب، مثل "خمسة عشر" وشيء: اسم لا؛ ولا خبر لها؛ لأنها أصبحت فضلة؛ حكم إعمالها -في هذه الحال- شاذ كما أوضح المؤلف؛ وأما الذي ذهب لإعمالها فهو ابن جني نقلا عن أبي علي الفارسي. شرح التصريح: 1/ 237، وحاشية الصبان: 2/ 4.

3 أي: يجب الترتيب بين معموليها؛ فلا يجوز أن يتقدم خبرها ولا معموله على الاسم؛ ولو كان ظرفا، أو جارا ومجرورا؛ لأن ذلك سيؤدي إلى الفصل بينها وبين اسمها.

4 أي: عند الجمهور، يجب تكرارها في المعرفة جبرا لما فاتها من نفي الجنس؛ وأما في الانفصال فتنبيهًا على كونها لنفي الجنس في النكرات؛ وأجاز المبرد وابن كيسان عدم التكرار في الموضعين.

حاشية الصبان: 4/ 2.

فائدة: ورد اسم "لا" معرفة، وهي مع ذلك عاملة، ولم تكرر في قولهم:"قضية ولا أبا حسن لها". وفي قول الشاعر:

أرى الحاجات عند أبي خبيب

نكدن ولا أمية في البلاد

وللعلماء في تأويل ذلك مذهبان: الأول: تقدير اسم "لا" نكرة لها تتعرف بالإضافة؛ نحو: "مثل" وأن هذه النكرة كانت مضافة إلى العلم، ثم حذفت وأقيم المضاف إليه مقامها؛ والتقدير: ولا مثل أبي الحسن لها؛ ولا مثل أمية في البلاد. الثاني: أن يقدر العلم قائما مقام وصف اشتهر به؛ فيقدر في "لا أبا حسن": لا فيصل لها، وفي "لا أمية" لا كريم في البلاد. انظر حاشية الصبان: 2/ 4-5.

ص: 5

عمرو" ونحو: {لا فِيهَا غَوْلٌ} 1، وإنما لم تكرر في قولهم: "لا نَوْلُكَ أن تفعل"2، وقوله3:[البسيط]

155-

أشاء ما شئت، حتى لا أزال لما

لا أنت شائية من شأننا شاني4

1 "37" سورة الصافات، الآية:47.

موطن الشاهد: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "لا" مهملة في الآية الكريمة؛ لانفصال اسمها عنها بالجار والمجرور، وتكررت بقوله تعالى:{وَلَاْ هُمْ عَنْهَاْ يَنْزِفُوْنَ} ؛ وحكم إهمالها وتكرارها واجب عند الجمهور؛ ومعنى "الغول": كل ما يغتال العقول ويفسدها.

2 النول: مصدر بمعنى التناول؛ وقد وقع في المثل بمعنى المفعول؛ وفسره العلماء بـ "لا ينبغي لك أن تفعل كذا؛ لأنه إذا لم تتناوله قدرته لم ينبغ له؛ والأفضل في إعراب "لا نولك أن تفعل" لا: نافية مهملة. نولك: مبتدأ ومصاف إليه. والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل رفع خبر المبتدأ؛ وبعضهم يعربه فاعلا لـ "نولك" سد مسد الخبر؛ لأن "نولك" بمعنى اسم المفعول.

3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

4 تخريج الشاهد: البيت أنشده الفراء وابن كيسان، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 237، والأشموني:"293/ 1/ 149"، وهمع الهوامع: 1/ 148، والدرر اللوامع: 1/ 129.

المفردات الغريبة: شاني: اسم فاعل من شنأ الشيء، إذا أبغضه وكرهه، وأصله شانئ بالهمزة، فخفف بقلبها ياء.

المعنى: يخاطب محبوبته قائلا: أحب كل ما تحبينه من الأشياء، حتى لا أزال مبغضا لكل شيء لا تحبينه، ولا تريدينه من أمورنا.

الإعراب أشاء: فعل مضارع، والفاعل: أنا. ما: اسم موصول، مفعول به. شئت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "شئت": لا محل لها؛ لأنها صلة للموصول؛ والعائد محذوف؛ والتقدير: أشاء الذي شئته. حتى: ابتدائية؛ وهو الأفضل. لا: نافية. أزال: فعل مضارع ناقص، واسمه: أنا؛ وأزال مرفوع؛ لأن حتى ابتدائية. "لما": جار =

ص: 6

للضرورة في هذا، ولتأول:"لا نولك" بلا ينبغي لك1.

[إذا جاء اسمها مفردا بني على الفتح أو نائبه] :

فصل: وإذا كان اسمها مفردا، أي: غير مضاف، ولا شبيه به، بني على الفتح2 إن كان مفردا أو جمع تكسير، نحو:"لا رجل، ولا رجال" وعليه أو على

= ومجرور متعلق بـ "شاني" في آخر البيت. لا: نافية. أنت: مبتدأ. شائية: خبر؛ وجملة "المبتدأ والخبر": صلة لـ "ما" لا محل لها؛ والعائد محذوف والتقدير: للذي أنت شائيته. شاني: خبر "أزال" منصوب، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة. انظر حاشية الصبان: 2/ 5.

موطن الشاهد: "لا أنت شائية".

وجه الاستشهاد: دخول "لا" النافية على معرفة "الضمير المنفصل" ولم تكرر مع إهمالها؛ وتمسك المبرد وابن كيسان بهذا الشاهد؛ فلم يوجبا تكرارها إذا اقترنت بالمعرفة؛ أو فصل بينها وبين اسمها -كما أسلفنا- والجمهور يعدون مثل هذا البيت ضرورة من ضرورات الشعر.

1 لأن "لا" دخلت على الفعل تأويلا؛ وهي إذا دخلت على الفعل غير الماضي؛ الذي ليس دعائيا؛ لا يجب تكرارها؛ لأنه في معنى النكرة.

شرح التصريح: 1/ 238.

2 ويكون في محل نصب دائما؛ وقيل في سبب بنائه على الفتح تركيبه معها؛ حتى صارا كالكلمة الواحدة؛ فأشبها الأعداد المركبة؛ نحو: خمسة عشر وغيرها؛ هذا وقد وقع اسم "لا" المفرد منصوبا في أسلوب عربي فصيح، وهو قولهم:"لا أبا لك"؛ ومنهم قول زهير بن أبي سلمى في معلقته:

سئمت تكاليف الحياة ومن يَعِشْ

ثمانين حولا -لا أبا لك- يسأم

وهو تركيب يراد به المدح أحيانا، والذم أحيانا أخرى، وقد أوله النحاة على وجهين:

الأول: أن "أبا" اسم "لا" مبني على فتح مقدر على الألف، على لغة من يلزم الأسماء الستة الألف، و"لك": متعلق بالخبر المحذوف.

الثاني: أن "أبا" اسم "لا" منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف، والكاف مضاف إليه؛ واللام: زائدة بين المضاف والمضاف إليه. والخبر محذوف؛ والتقدير: لا أباك موجود؛ والإضافة -هنا- غير محضة؛ فلا تفيد تعريفا؛ نحو: "غير، ومثل"؛ والوجه الأول أفضل وأقرب إلى الصواب.

ص: 7

الكسر إن كان جمعا بألف وتاء1، كقوله2:[البسيط]

156-

إن الشباب الذي مجد عواقبه

فيه نلذُّ ولا لذات للشيب3

1 بلا تنوين، نيابة عن الفتحة؛ أو بالتنوين على رأي بعضهم.

2 القائل هو: سلامة بن جندل بن عبد عمرو، من بني كعب بن سعد التميمي، يكنى أبا مالك، شاعر جاهلي من الفرسان، ومن أهل الحجاز، في شعره جودة، يعد من طبقة المتلمس؛ وهو من وُصَّاف الخيل؛ له: ديوان شعر صغير رواه الأصمعي، وأكثر المؤرخين على أنه جاهلي قديم، مع أنهم يذكرونه معاصرا لعمر بن كلثوم، ويقولون: إنه مات سنة 23 ق. هـ.

الشعر والشعراء: 1/ 272. الخزانة: 2/ 85، سمط اللآلي: 49 و454، شعراء الجاهلية: 486، الأعلام: 3/ 106.

3 تخريج الشاهد: البيت من كلمة مستجادة؛ أولها قوله:

أودى الشباب حميدا ذو التعاجيب

أودى؛ وذلك شأو غير مطلوب

ولى حثيثا، وذاك الشيب يتبعه

لو كان يدركه ركض اليعاقيب

ويروى صدر البيت الشاهد هكذا:

أودى الشباب الذي مجد

والشاهد من شواهد التصريح: 1/ 238، والأشموني:"296/ 1/ 151"، وابن عقيل:"109/ 2/ 9" وهمع الهوامع: 1/ 238، وفيه برواية: أودى الشباب

، وكذلك الدرر اللوامع 1/ 126؛ والشذور:"11/ 125" والخزانة: 2/ 85، وشرح شواهد الألفية للعيني: 2/ 326، والمفضليات، للمفضل الضبي:120.

المفردات الغريبة: مجد عواقبه: نهايته شرف وعزه. الشيب: جمع أشيب وهو الذي أبيض شعره.

الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. الشباب اسمه. الذي: صفة لـ "الشباب". مجد: خبر مقدم مرفوع. عواقبه: مبتدأ مؤخر، والهاء: مضاف إليه؛ وهو الأفضل؛ لأنه يجوز الإخبار بالمفرد عن الجميع؛ إذا كان مصدرا؛ لأن المصدر لا يثنى ولا يجمع؛ وجملة "مجد عواقبه": صلة للموصول، لا محل لها. "فيه": متعلق بـ "نلذ" الآتي. نلذ: فعل مضارع، والفاعل: نحن. ولا: نافية للجنس، لذات: اسم لا، مبني على الكسر، أو الفتح في محل نصب. "للشيب": متعلق بمحذوف خبر "لا".

موطن الشاهد: "لا لذات".

وجه الاستشهاد: مجيء اسم "لا" النافية للجنس، وهو "لذات" جمع مؤنث سالما، وورد البيت ببناء "لذات" على الكسرة نيابة عن الفتحة، كما ينصب بها؛ لو كان معربا. وورد في رواية أخرى ببنائه على الفتح؛ وفي هذا دليل على جواز الوجهين في مثل هذا الشاهد.

ص: 8

روي بهما، وفي الخصائص1 أنه لا يجيز فتحه بصري إلا أبا عثمان2، وعلى الياء إن كان مثنى أو مجموعا على حده3، كقوله4:[الطويل]

157-

تَعَزَّ فلا إلفين بالعيش مُتِّعَا5

1 الخصائص: كتاب لأبي الفتح عثمان ابن جني، وهو كتاب مشهور، ومطبوع.

2 هو أبو عثمان المازني، وقد مرت ترجمته.

3 أي: على حد المثنى وطريقته في الإعراب بالحروف؛ وهو جمع المذكر السالم؛ ولم تعارض التثنية والجمع سبب البناء -هنا- لأن هذا السبب وارد على التثنية والجمع وللوارد قوة؛ فهما يبنيان على ما ينصبان به.

انظر شرح التصريح: 1/ 239.

وحاشية الصبان: 2/ 7.

4 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

ولكن لوُرَّاد المنون تتابُعُ

والبيت من شواهد التصريح: 1/ 239، والأشموني:"295/ 1/ 150"، وهمع الهوامع: 1/ 146 والدرر واللوامع: 1/ 126، والعيني: 2/ 333، وشذور الذهب:"28/ 123".

المفردات الغريبة: تعز: تصبر وتكلَّف السلوان والتأسي بمن سبقك. إلفين: تثنية إلف؛ وهو الصديق الذي يألفك وتألفه؛ ومثله الأليف. ورَّاد: جمع وارد. المنون: الموت. تتابع: توارد، يرد بعضهم في إثر بعض.

المعنى: تسل أيها الإنسان، واعتبر بمن سبقوك، وتأسَّ بمن رحلوا عن هذه الحياة قبلك؛ فليس هناك صديقان تمتعا بدوام العيش وصفائه؛ فالكل سائر إلى الموت، يتبع بعضهم بعضا.

الإعراب: تعز: فعل أمر، والفاعل: أنت. فلا: الفاء تعليلية، لا: نافية للجنس. إلفين: اسم "لا" مبني على الياء؛ لأنه مثنى في محل نصب "بالعيش": متعلق بـ "متعا" الواقع خبرا لـ "لا"؛ ومتعا: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والألف نائب فاعل ولكن: الواو عاطفة، لكن: حرف استدراك. "الوراد": متعلق بخبر مقدم محذوف، ووراد: مضاف. المنون: مضاف إليه. تتابع: مبتدأ مؤخر مرفوع.

موطن الشاهد: "لا إلفين".

وجه الاستشهاد: مجيء اسم "لا" النافية للجنس مثنى؛ فبني على الياء التي ينصب بها حين يكون اسما معربا.

ص: 9

وقوله1: [الخفيف]

158-

يحشر الناس لا بنين ولا آ

باء إلا وقد عنتهم شئون2

[علة بناء اسمها المفرد على الفتح] :

قيل: وعلة البناء تضمن3 معنى "من" بدليل ظهورها في قوله4: [الطويل]

1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 239، والأشموني:"295/ 1/ 150"، وهمع الهوامع: 1/ 146، والدرر اللوامع: 1/ 126، والعيني: 2/ 334، وشذور الذهب:"29/ 124".

المفردات الغريبة: عنتهم: أهمتهم، يقال: عناه الأمر يعنيه؛ إذا استحق عنايته واهتمامه. شئون: خطوب وشواغل؛ جمع شأن.

المعنى: عندما يحشر الناس يوم القيامة، لا يهتم أحد بأحد من الناس؛ لأن كل واحد منهم منشغل بنفسه لهول الموقف، ومصداق هذا قوله تعالى:{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} .

الإعراب: يحشر: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع. الناس: نائب فاعل مرفوع. لا: نافية للجنس بنين: اسم "لا" على الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية للجنس. آباء: اسم لا مبني على الفتح في محل نصب؛ وخبر "لا" في الموضعين محذوف؛ والتقدير: لا بنين موجودون. إلا: أداة حصر. وقد: الواو حالية. قد: حرف تحقيق. عنتهم: فعل ماضٍٍ، والتاء: للتأنيث، و"هم" مفعول به. شئون: فاعل مرفوع. وجملة "قد عنتهم شئون": في محل نصب على الحال.

موطن الشاهد: "لا بنين".

وجه الاستشهاد: مجيء اسم لا النافية للجنس "بنين" جمع مذكر سالما؛ فبني على الياء؛ التي هي علامة نصبه في حال إعرابه.

3 ذكرنا سابقا العلة التي من أجلها بني اسم "لا" ونضيف زيادة في الفائدة؛ أن سيبويه، وجمهور النحاة يرون علة بنائه بتركبه مع لا تركب خمسة عشر -كما أسلفنا- ويؤيد رأيهم هذا زوال بناء هذا الاسم متى فصل بينه وبين "لا" فاصل، ولو كان تقدم الخبر على هذا الاسم، كما في قوله تعالى:{لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} ؛ وذهب ابن عصفور إلى أن علة البناء تضمن معنى "من" الاستغراقية، واعترض عليه ابن الضائع بأن الذي تضمن معنى "من" هو "لا" نفسها، لا الاسم بعدها.

انظر شرح التصريح: 1/ 240.

4 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

ص: 10

159-

وقال: ألا لا من سبيل إلى هند1

وقيل: تركيب الاسم مع الحرف كخمسة عشر2.

وأما المضاف وشبهه فمعربان، والمراد بشبهه: ما اتصل به شيء من تمام معناه3. نحو: "لا قبيحا فعله محمود، ولا طالعا جبلا....

1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

فقام يذود الناس عنها بسيفه

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 239، والأشموني:"289/ 1/ 148"، وهمع الهوامع: 1/ 146 والدرر اللوامع: 1/ 125، والعيني: 2/ 332.

المفردات الغريبة: يذود: يمنع ويدفع. سبيل: طريق. هند: اسم محبوبته.

المعنى: أخذ يدفع الناس، ويمنعهم عنها بسيفه، ويقول: ألا إنه لا طريق للوصول إلى هند، فإني سأذود عنها وأدافع بحد الحسام.

الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه. لا: نافية للجنس. من: زائدة للاستغراق. سبيل: اسم "لا" مبني على فتح مقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. "إلى هند": متعلق بالخبر المحذوف.

موطن الشاهد: "ألا لا من سبيل".

وجه الاستشهاد: ظهور "من" الاستغراقية بعد "لا" النافية للجنس؛ وفي هذا دليل على أنها، إذا لم تذكر مع الاسم؛ فهو متضمن معناها؛ ولهذا اختار ابن عصفور أن سبب بناء اسمها على الفتح كونه متضمنا معنى "من" الاستغراقية؛ وعلل ذلك بأن تركيب الاسم مع الحرف قليل؛ وأما البناء لتضمن معنى الحرف فكثير؛ وأما اعتراض ابن الضائع عليه، بأن المتضمن لمعنى "من" إنما هو "لا" نفسها لا الاسم بعدها؛ رده الدنوشري بقوله:"هذا الاعتراض ساقط؛ لأن الاستغراق الذي هو معنى "من" معناه الشمول، ولا شك في أن ذلك مدلول للنكرة؛ لأنها في سياق النفي للعموم. شرح التصريح: 1/ 239-240.

2 هذا قول سيبويه وجماعة، وحجتهم أنه إذا فصل بين "لا" واسمها أعرب؛ نحو: لا فيها رجل ولا امرأة

شرح التصريح: 1/ 240.

3 أول أمثلة المؤلف يدل على أن ما اتصل باسم "لا" قد يكون مرفوعا به، والمثال الثاني يدل على أنه قد يكون منصوبا به، والمثال الثالث يدل على أنه قد يكون مجرورا بحرف جر يتعلق به، وقد بقي رابع؛ وهو أن يكون معطوفا عليه نحو: لا ثلاثة وثلاثين.

شرح التصريح: 1/ 240.

ص: 11

حاضر1، ولا خيرًا من زيد عندنا".

[لك في "لا حول ولا قوة إلا بالله" خمسة أوجه] :

فصل: ولك في نحو: "لا حول ولا قوة إلا بالله" خمسة أوجه:

أحدها: فتحتهما، وهو الأصل، نحو:"لا بَيْعَ فِيهِ وَلا خُلَّةَ"2 في قراءة ابن كثير3، وأبي عمرو4.

1 جبلا: مفعول طالعا؛ لأنه اسم فاعل، ونصب الشبيه بالمضاف وتنوينه؛ هو مذهب البصريين؛ وأجاز البغداديون؛ لا طالع جبلا بلا تنوين، أجروه في ذلك مجرى المضاف، كما أجري مجراه في الإعراب، وعليه يتخرج الحديث:"لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت".

مغني اللبيب: 515.

2 "2" سورة البقرة، الآية:254.

أوجه القراءات: قرأ ابن كثير وأبو عمرو "لا بيعَ فيه ولا خلةَ" بالفتح من دون تنوين؛ وقرأ الباقون بالرفع.

توجيه القراءات: في قراءة ابن كثير وأبي عمرو فـ "بيع" ولا "خلة" اسمان لـ "لا" العاملة عمل "إن" مبنيان في محل نصب؛ وأما على قراءة الرفع؛ فإما أن "لا" عاملة عمل ليس، وإما مهملة وهما مرفوعان بالابتداء.

موطن الشاهد: "لا بيع فيها ولا خلة".

وجه الاستشهاد: مجيء "لا" في الموضعين عاملة عمل "إن" و"بيع" اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب؛ وخلة: اسم "لا" الثانية مبني على الفتح في محل نصب كذلك.

ومثل هذه الآية في فتح الاسمين قول الشاعر "وهو الشاهد السابق":

يحشر الناس لا بنين ولا آ

باء إلا وقد عنتهم شئون

3 هو: أبو معبد، عبد الله بن كثير بن عمرو المكي الداري، ولد سنة 45هـ، وهو أحد أصحاب القراءات السبع، كان إمام القراء بمكة غير منازع، وكان عالما بالعربية فصيحا بليغا مفوها؛ لقي من الصحابة عبد الله بن الزبير، وأبا أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك رضي الله عنهم ولم يزل الإمام المجمع عليه في القراءة بمكة، حتى توفي سنة 120هـ.

غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري: 1/ 443. وفيات الأعيان: 3/ 41.

4 هو أبو عمرو، زبان بن العلاء بن عمار المازني البصري، أحد أصحاب القراءات السبع، كان أعلم الناس بالقراءة والعربية، مع الصدق والأمانة والدين؛ أخذ عن نافع مولى ابن عمر، وأخذ عنه اليزيدي النحوي وغيره. مات سنة 154؛ وله 86 سنة.

بغية الوعاة: 2/ 231، طبقات القراء: 1/ 288، وفيات الأعيان: 1/ 386 الفهرست: 28، الأعلام: 3/ 72.

ص: 12

الثاني: رفعهما، إما بالابتداء، أو على إعمال "لا" عمل ليس1 كالآية في قراءة الباقين، وقوله2:[البسيط]

160-

لا ناقةٌ ليَ في هذا ولا جَمَلُ3

1 ويقدر لهما خبر واحد، إن جعلت "لا" الثانية زائدة لتوكيد النفي، وما بعدها معطوف على "لا" الأولى مع اسمها، باعتبار الأصل، على الخلاف في ذلك. وإن أهملت الأولى، وأعملت الثانية أو بالعكس؛ وجب تقدير خبرين لكل خبر؛ أما إذا جعلتا عاملتين عمل ليس؛ فيجوز تقدير خبرين، أو خبر واحد.

2 القائل هو: عبيد بن حصين النميري، المعروف بالراعي، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

وما هجرتك حتى قلت معلنة

وهو من شواهد التصريح: 1/ 241 والأشموني: "300/ 152"، والكتاب لسيبويه: 1/ 354، وشرح المفصل: 2/ 111، 113 والعيني: 2/ 336، ومجمع الأمثال للميداني "بولاق": 2/ 144.

وعجز البيت:

لا ناقة لي في هذا ولا جمل

مثل من أمثال العرب يقوله من يتبرأ من الأمر، ويباعد نفسه منه، وأول من قاله الحارث بن عباد فارس النعامة حين قتل جساس بن مرة كليب بن ربيعة، وهاجت الحرب بين بكر وتغلب، وكان الحارث بن عباد قد اعتزلها.

وقيل: إن أول من قال ذلك الصدوف بنت حليس العذرية. وانظر أمثال الميداني "تحقيق محيي الدين عبد الحميد": 1/ 220.

المفردات الغريبة: وما هجرتك: يروى مكانه وما صرمتك: وهما يدلان على الهجر، وقطع حبال المودة.

المعنى: ما تركتك، وقطعت حبال المودة والصلة بيننا؛ حتى تبرأت مني، وقلت صراحة: لا شيء لي في هذا الأمر.

الإعراب: ما: نافية. هجرتك: فعل ماضٍ، وفاعل، ومفعول به، حتى: حرف غاية بمعنى "إلى". قلت: فعل وفاعل. معلنة: حال منصوب. لا: نافية مهملة؛ أو عاملة عمل ليس. ناقة: مبتدأ على الوجه الأول، واسم "لا" على الوجه الثاني؛ والأول =

ص: 13

الثالث: فتح الأول ورفع الثاني1، كقوله2:[الكامل]

161-

لا أم لي إن كان ذاك ولا أب3

= أفضل. "لي في هذا": متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ؛ أو "لا"، وإعراب "ولا جمل" مثله؛ وخبره محذوف؛ أي: ولا جمل لي، ويجوز أن تكون "لا" الثانية زائدة، و"جمل" معطوفة على ناقة.

موطن الشاهد: "لا ناقة

ولا جمل".

وجه الاستشهاد: تكرار "لا" وورود الاسمين مرفوعين؛ فارتفاع الأول على أحد وجهين، كما أوضحنا في الإعراب؛ الأول: أن تكون "لا" مهملة والاسم بعدها مبتدأ؛ أو تكون عاملة عمل "ليس" والاسم بعدها اسمها مرفوع.

وارتفاع "جمل" على أحد ثلاثة أوجه:

أولها: أن تكون "لا" الثانية زائدة، والاسم بعدها معطوف على الاسم الذي بعد "لا" الأولى.

ثانيها: أن تكون "لا" الثانية نافية مهملة و"جمل" مبتدأ محذوف الخبر؛ وهذه الجملة من المبتدأ والخبر معطوفة على جملة المبتدأ والخبر الأولى.

ثالثها: أن تكون "لا" الثانية نفاية عاملة عمل "ليس" و"جمل" اسمها، وخبرها محذوف؛ والجملة معطوفة على الجملة السابقة.

1 إما بالابتداء، و"لا" ملغاة، أو على أن "لا" عاملة عمل ليس، ويكون في الحالتين من عطف الجمل أو بالعطف على محل اسم "لا" باعتبار الأصل، و"لا" زائدة لتوكيد النفي.

2 ينسب هذا البيت إلى رجل من مذحج ولم يسمه أحد من النحاة.

3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

هذا لعمركم الصغار بعينه

وقوله قبل هذا البيت:

وإذا تكون كريهة أدعى لها

وإذا يحاس الحيس يدعى جندب

وهذا القول في أهله الذين يفضلون أخاه عليه.

وقد نسبه أبو رياش لهمام بن مرة؛ أخي جساس بن مرة، قاتل كليب، وقال ابن الأعرابي: هو لرجل من بني عبد مناة، وقال الحاتمي: هو لابن أحمر، وقال الأصفهاني: هو لضميرة بن ضمرة، وقال بعضهم: إنه من الشعر القديم جدا.

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 241، وابن عقيل:"111/ 2/ 13"، والأشموني:"298/ 1/ 151" وفيه برواية:

هذا وجدكم الصغار

والكتاب لسيبويه: 1/ 352، =

ص: 14

وقوله1: [الطويل]

162-

وأنتم ذنابي لا يدين ولا صدر2

= والمقتضب: 4/ 371، والجمل للزجاجي: 343، وشرح المفصل: 2/ 110، وهمع الهوامع: 2/ 144 والدرر اللوامع: 2/ 198، ومغني اللبيب:"1014"/ 773" وشرح السيوطي: 311 وشذور الذهب: "31/ 127".

المفردات الغريبة: لعمركم: وحياتكم، والعمر الحياة، وجدكم: الجد الحظ والبخت، وهو أيضا: أبو الأب. الصَّغار: الذال والمهانة. الحيس: تمر يخلط بسمن وأقط.

المعنى: أقسم بحياتكم أن إيثار أخي جندب علي في المكارم، ودفعي إلى المكاره؛ هو عين الذل والمهانة؛ فإن كان ذلك هو تقديركم لي؛ فلا أم لي ولا أب؛ يريد أنه وضيع ساقط النسب.

الإعراب: هذا: الهاء للتنبيه، وذا: اسم إشارة، مبتدأ. لعمركم: اللام للابتداء، عمر: مبتدأ، و"كم" مضاف إليه؛ والخبر محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمركم قسمي. الصغار: خبر المبتدأ "ذا"؛ وجملة القسم معترضة بين المبتدأ وخبره، لا محل لها. بعينه: الباء زائدة، عينه: مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه توكيد لـ "الصغار"؛ وهو الأفضل. لا: نافية للجنس. أم: اسمها مبني على الفتح في محل نصب. "لي": متعلق بالخبر. إن: شرطية. كان: فعل ماضٍ تام، وهو فعل الشرط؛ وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله. ذاك: فاعل "كان" والكاف: للخطاب؛ وجملة "إن كان ذاك": اعتراضية، لا محل لها. ولا أب: الواو عاطفة، لا زائدة لتأكيد النفي. أب: معطوف على محل لا واسمها؛ فإنها في موضع رفع بالابتداء.

موطن الشاهد: "ولا أب".

وجه الاستشهاد: تكررت "لا" وعطف بالواو على ما قبلها، وارتفع الاسم بعدها؛ وارتفاعه على واحد من ثلاثة أوجه؛ هي:

أ- أن تكون "لا" زائدة لتأكيد النفي -كما أعربنا- وارتفع "أب" بالعطف على محل "لا مع اسمها"؛ على مذهب سيبويه.

ب- أن تكون "لا" الثانية عاملة عمل "ليس" و"أب": اسمها؛ وخبرها محذوف.

ج- أن تكون "لا" زائدة غير عاملة؛ و"أب": مبتدأ محذوف الخبر.

انظر حاشية الصبان: 2/ 10.

1 القائل: هو جرير بن عطية، وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

بأي بلاء يا نمير بن عامر

=

ص: 15

الرابع: عكس الثالث1، كقوله2:[الوافر]

163-

فلا لغو ولا تأثيم فيها3

= وهو من قصيدة لجرير يهجو فيها قبيلة من قيس؛ أبوها نمير بن عامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن، وهو من شواهد التصريح: 1/ 241.

المفردات الغريبة: بلاء: "البلاء": الاختبار والتجربة، والمقصود هنا العمل الذي يكون سببا للفخر. ذنابى "بضم الذال المعجمة": أتباع وذيول. لا يدين ولا صدر: أي لستم قادة ولا رؤساء متبوعين.

المعنى: بأي عمل أو فعل بدر منكم تفخرون؟ فأنتم لا تملكون أدنى أثر في المحامد، وأنتم أتباع وذيول لغيركم، ولستم قادة، ولا رؤساء متبوعين.

الإعراب: "بأي": متعلق بفعل محذوف؛ والتقدير. بأي بلاء تفخرون؟. بلاء: مضاف إليه. يا نمير: حرف نداء، ومنادى مبني على الضم في محل نصب. ابن: صفة لـ "نمير" وهو مضاف. عامر: مضاف إليه. وأنتم: الواو حالية، أنتم: مبتدأ. ذنابى: خبر. لا: نافية للجنس. يدين: اسم "لا" مبني على الياء؛ لأنه مثنى؛ والخبر محذوف؛ والتقدير: ولا يدين لكم. ولا صدر: "بالرفع" معطوف على الأوجه الثلاثة المذكورة في الشاهد السابق.

موطن الشاهد: "لا يدين ولا صدر".

وجه الاستشهاد: ورود "لا" مكررة، وورود الاسم بعد الأولى مبنيا على الياء، وبعد لثانية مرفوعا؛ فلا الأولى عملت عمل "إن" كما بينا في الإعراب. وارتفاع الاسم بعد "لا" الثانية؛ على أحد ثلاثة أوجه، هي:

أ- أن تكون "لا" الثانية زائدة، و"صدر" معطوف على محل "لا مع اسمها"؛ لأن محلهما الرفع بالابتداء على رأي سيبويه.

ب- أن تكون "لا" نافية مهملة، فيكون "صدر": مبتدأ بعدها.

1 وهو رفع الأول وفتح الثاني، أما رفع الأول، فعلى الابتداء، و"لا" ملغاة، أو على إعمال "لا" عمل ليس، وفتح الثاني على إعمال "لا" الثانية عمل "إن" ويقدر لكل خبر.

2 القائل هو: أمية بن أبي الصلت، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت لأمية بن أبي الصلت في وصف الجنة، وأكثر النحاة يروون عجزه:

وما فاهوا به أبدا مقيم

=

ص: 16

الخامس: فتح الأول ونصب الثاني1، كقوله2:[السريع]

164-

لا نسب اليوم ولا خلة3

= وفيه تلفيق من بيتين يفصل بينهما خمسة أبيات، وثانيهما يروى قبل أولهما، وهما:

ولا لغو ولا تأثيم فيها

ولا حَيْنٌ ولا فيها مليمُ

وفيها لحم ساهرة وبحر

وما فاهوا به أبدًا مقيمُ

ويروى عجز الشاهد:

ولا غول ولا فيها مليمُ

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 241، وابن عقيل:"112/ 2/ 15"، والأشموني:"301/ 1/ 152" وهمع الهوامع: 2/ 154، والدرر اللوامع: 2/ 199 والخزانة: 2/ 283 عرضا، والعيني: 2/ 346، واللسان:"سهر"، والشذور:"33/ 128"، وديوان أمية بن أبي الصلت:54.

المفردات الغريبة: اللغو: القول الباطل، وما لا يعتد به من الكلام. تأثيم: مصدر أثمته؛ نسبته إلى الإثم، وهو الذنب. فاهوا: تلفظوا وتكلموا.

المعنى: ليس في الجنة قول باطل، وكلام لغو لا فائدة منه؛ ولا يفعل أهلها ذنوبا يحاسبون عليها؛ وما تلفظوا به من طلب أي شيء -فهو حاصل ودائم أبدا.

الإعراب: لا: مهملة أو عاملة عمل ليس. لغو: مبتدأ؛ أو اسم "لا" على الوجه الثاني؛ وعلى كلا الوجهين فالخبر محذوف؛ لدلالة خبر "لا" الثانية عليه. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية للجنس، تعمل عمل "إن". تأثيم: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب. "فيها": متعلق بخبرها المحذوف. وما: اسم موصول، مبتدأ. فاهوا: فعل ماضٍ، وفاعل؛ وجملة "فاهوا": صلة للموصول، لا محل لها. "أبدا"؛ ظرف زمان. متعلق بـ "مقيم". مقيم: خبر المبتدأ "ما".

موطن الشاهد: "لا لغو ولا تأثيم".

وجه الاستشهاد: إلغاء "لا" الأولى؛ أو إعمالها عمل "ليس" وارتفاع الاسم بعدها، كما بينا في الإعراب؛ وإعمال "لا" الثانية عمل "إن".

1 فيكون معربا منونا بالعطف على محل اسم "لا" الأولى، وتكون "لا" الثانية زائدة.

2 القائل هو أنس بن العباس بن مرداس.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه كما يرويه بعض النحاة:

اتسع الخرق على الرافع

والذين يروون عجز البيت على ما ذكرناه، يروون بعده:

كالثوب إذ أنهج فيه البلى

أعيا على ذي الحيلة الصانع

=

ص: 17

.........................................................................

= وروى أبو علي القالي صدر هذا البيت، مع عجز آخر؛ وهو:

اتسع الخرق على الراتِقِ

ورَوَى قبله:

لا صلح بيني -فاعلموه- ولا

بينكم، ما حملت عاتقي

سيفي، وما كنا بنجد، وما

قرقر قُمْرُ الواد بالشاهقِ

وقد قيل: إن هذا الشاهد هو لأبي عامر جد العباس؛ وقيل إن كل رواية هي لشاعر.

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 241، وابن عقيل:"110/ 2/ 12"، والأشموني:"299/ 1/ 151" والكتاب لسيبويه: 1/ 349، وشرح المفصل: 2/ 101/ 113، 9/ 138، والعيني: 2/ 351، 4/ 567 وهمع الهوامع: 2/ 144، 211، والدرر اللوامع: 2/ 198، 238، ومغني اللبيب:"411/ 298""1020/ 783"، والسيوطي: 312، وسمط اللآلي: 3/ 37، واللسان "قمر".

المفردات الغريبة: خلة: صداقة. الخرق: الفتق. الراقع والراتق: الذي يصلح موضع الفساد من الثوب.

المعنى: لا قرابة، ولا صلة نسب، ولا مودة، ولا صداقة تنفع اليوم؛ فقد بلغ الخلاف مبلغًا لا يرجى معه إصلاح.

الإعراب: لا. نافية للجنس. نسب: اسمها مبني على الفتح في محل نصب.

"اليوم": متعلق بخبر "لا" المحذوف. ولا: الواو عاطفة، "لا" زائدة لتأكيد النفي.

خلة: "بالنصب والتنوين" معطوف على محل اسم "لا" الأولى "عطف مفرد على مفرد" اتسع: فعل ماضٍ. الخرق. فاعل. "على الراقع": متعلق بـ "اتسع".

موطن الشاهد: "ولا خلة".

وجه الاستشهاد: انتصاب "خلة" على تقدير "لا" زائدة لتأكيد النفي، والواو عاطفة عطفت "خلة" على محل اسم "لا" الأولى "نسب" على رأي الجمهور؛ ويكون العطف على هذا الوجه من باب عطف المفرد على المفرد.

وذهب يونس بن حبيب إلى أن "لا" الثانية في البيت عاملة عمل "إن" وأن "خلة": اسمها مبني على الفتح، ونون للضرورة؛ وخبر "لا" الثانية محذوف يفهم من خبر "لا" الأولى؛ والتقدير:"ولا خلة اليوم"؛ وتكون الواو -على رأيه- قد عطفت جملة على جملة؛ والأول أرجح؛ لأنه لا يستتبع الضرورة.

وزعم الزمخشري أن "خلة": مفعول به منصوب بفعل محذوف؛ والتقدير: لا نسب اليوم ولا تذكر خلة؛ وفي هذا من التكلف الذي لا يخفى على أحد.

ص: 18

وهو أضعفها1 حتى خصه يونس وجماعة بالضرورة كتنوين المنادى، وهو عند غيرهم على تقدير "لا" زائدة مؤكدة، وأن الاسم منتصب بالعطف.

[العطف على اسم لا من غير أن تكرَّر] :

فإن عطفت ولم تكرر "لا" وجب فتح الأول، وجاز في الثاني النصب والرفع2، كقوله3:[الطويل]

165-

فلا أبَ وابنًا مثل مروان وابنه4

1 لأن نصب الاسم مع وجود "لا" ضعيف، والقياس فتحة بلا تنوين.

شرح التصريح: 1/ 242.

1 أي مطلقا، سواء أكان مفردا أم غير مفرد، وكذلك الاسم المعطوف عليه، ويكون النصب بالعطف على محل اسم "لا" الأولى، والرفع على محلها باعتبار أصلها قبل دخول "لا"، وقد علمت أن أصلها مبتدأ مرفوع، أو على "لا" مع اسمها، وهما بمنزلة المبتدأ.

3 القائل: هو رجل من بني عبدة مناة.

4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

إذا هو بالمجد ارتدى وتأزَّرا

وفيه يمدح الشاعر مروان بن الحكم وابنه عبد الملك بن مروان.

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 243، والأشموني:"302/ 1/ 153"، والكتاب لسيبويه: 1/ 349، والمقتضب: 4/ 372، وشرح المفصل: 2/ 101، 110، والخزانة: 2/ 102 والعيني: 2/ 355، وهمع الهوامع: 2/ 143، والدرر اللوامع: 2/ 197، وقطر الندى:"66/ 224".

المفردات الغريبة: المجد: العز والشرف. ارتدى: لبس الرداء؛ وهو اسم لما يستر النصف الأعلى من الإنسان. تأزرا: لبس الإزار؛ وهو اسم لما يستر النصف الأسفل منه، وقد كنى بذلك عن ثبوت هذه الصفة "العز والشرف" لهما؛ لأنه جعلهما كاللابسين لها، المرتدين بها، وهو نظير قولهم: المجد بين برديه، والوقار في ثوبه، والحلم تحت عمامته، والكمال في قبة ضربت عليه

إلخ.

المعنى: يمدح الشاعر مروان وابنه عبد الملك.

الإعراب: لا: نافية للجنس. أب: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب. وابنا: الواو عاطفة. ابنا: اسم معطوف على محل اسم "لا". مثل: "بالنصب" صفة لاسم لا =

ص: 19

ويجوز "وابن" بالرفع، وأما حكاية الأخفش "لا رجلَ وامرأةَ" بالفتح، فشاذة1.

[وصف اسم لا] :

فصل: وإذا وصفت النكرة المبنية بمفرد متصل جاز فتحه2 على أنه ركب معها قبل مجيء "لا" مثل "خمسة عشر"، ونصبه مراعاة لمحل النكرة3، ورفعه مراعاة لمحلها مع لا، نحو:"لا رجل ظريف فيها"4 ومنه: "ألا ماءَ ماءً باردا عندنا"

= وما عطف عليه؛ وعلى هذا الوجه، يكون خبر "لا" محذوفا؛ والتقدير: لا أب وابنا مماثلين لمروان موجودان؛ وبـ "الرفع": فهو خبر "لا"؛ أو صفة على محل لا واسمها؛ والأول أفضل. مروان: مضاف إليه. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط. هو: فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ والتقدير: إذا ارتدى

وجملة الفعل المحذوف وفاعله في محل جر بالإضافة. "بالمجد": متعلق بالفعل المحذوف. ارتدى: فعل ماضٍ، والفاعل هو؛ وجملة "ارتدى": تفسيرية، لا محل لها. وتأزرا: الواو عاطفة، تأزرا: فعل ماضٍ، والفاعل: هو: والألف: للإطلاق. وجملة "تأزرا": معطوفة على جملة "ارتدى"، لا محل لها.

موطن الشاهد: "لا أب وابنا".

وجه الاستشهاد: عطف ابنا على اسم "لا" النافية للجنس، من دون أن يكرر "لا"؛ وجاء بالمعطوف منصوبا؛ وذلك لأنه عطفه على محل اسم "لا" النافية للجنس؛ ويجوز وجه آخر في هذا الشاهد؛ وهو رفع "ابنا" عطفا على محل "لا مع اسمها" على مذهب سيبويه؛ لأن "لا" و"اسمها" معا في محل رفع على الابتداء.

1 لأنه لا يصح البناء بالتركيب؛ لوجود الفصل بحرف العطف. وخرجه بعضهم على أن الأصل: ولا امرأة، فحذفت "لا" وأبقي البناء على نيتها؛ فالشذوذ من هذه الناحية. هذا، وإذا كان المعطوف معرفة، لم يجز فيها إلا الرفع على أنه مبتدأ.

شرح التصريح: 1/ 243.

2 أي بناؤه على الفتح، إن كان مفردا، أو على ما ينوب عنها، كالياء في المثنى والمجموع.

3 وقيل إتباعا للحركة البنائية؛ لأنها هنا شبيهة بحركة الإعراب، بل أصلها الإعراب.

4 هذا من أمثلة الخليل، بفتح ظريف، ونصبه منونا، ورفعه. ويقال في المثنى: لا رجلين ظريفين بالبناء والنصب، وظريفان. وفي الجمع: لا رجال ظريفين بالبناء والنصب أيضا، وظريفون.

ص: 20

لأنه يوصف بالاسم إذا وصف، والقول بأنه توكيد خطأ1.

فإن فقد الإفراد نحو: "لا رجل قبيحا فعله عندنا" أو "لا غلام سفر ظريفًا عندنا" أو الاتصال نحو: "لا رجل في الدار ظريف" أو "لا ماءَ عندنا ماءً باردًا" امتنع الفتح، وجاز الرفع والنصب، كما في المعطوف بدون تكرار "لا"، وكما في البدل الصالح لعمل "لا" فالعطف نحو:"لا رجل وامرأة فيها"، والبدل نحو:"لا أحد رجل وامرأة فيها"، فإن لم يصلح له فالرفع نحو:"لا أحد زيد وعمر فيها" وكذا في المعطوف الذي لا يصلح لعمل "لا" نحو: "لا امرأة فيها ولا زيد".

[دخول همزة الاستفهام على "لا" لا يغير حكمها] :

وإذا دخلت همزة الاستفهام على "لا" لم يتغير الحكم.

ثم تارة يكون الحرفان باقيين على معنييهما، كقوله2:[البسيط]

166-

ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد3

1 لأنه مقيد بالوصف، فليس مرادفا في اللفظ "لما" الأولى المطلقة؛ وأجازه بعضهم على اعتبار أن الوصف طرأ بعد التوكيد. كما جوزوا إعرابه بدلا؛ ومنعه بعضهم؛ لأنه يلزم عليه تقديم البدل على النعت، وهو ممنوع.

شرح التصريح: 1/ 243، 244.

2 القائل هو: مجنون بني عامر؛ قيس بن الملوح، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

إذًا ألاقي الذي لاقاه أمثالي

ويروى صدر البيت:

ألا اصطبار لليلى

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 244، وابن عقيل:"114/ 2/ 22"، والأشموني:"305/ 1/ 153" وهمع الهوامع: 1/ 147"، والدرر اللوامع: 2/ 182، ومغني اللبيب: "9/ 21" "110/ 97"، والسيوطي: 15، 77، وديوان قيس:228.

المفردات الغريبة: اصطبار: تصبر وتجلد واحتمال. جلد: صلابة وثبات. لاقاه أمثالي: كناية عن الموت.

المعنى: أيذهب الصبر، وينتقي عن سلمى وتجزع؟ أم تتجلد، وتثبت إذا لاقيت ما لاقاه أمثالي من الموت؟. =

ص: 21

وهو قليل، حتى توهم الشلوبين1 أنه غير واقع.

وتارة يراد بهما التوبيخ، كقوله2:[البسيط]

167-

ألا ارعواء لمن ولَّت شبيته3

وهو الغالب.

= الإعراب: ألا: الهمزة حرف استفهام. لا: نافية للجنس. اصطبار: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب. "لسلمى": متعلق بمحذوف خبر "لا". أم: حرف عطف. "لها": متعلق بمحذوف خبر مقدم. جلد: مبتدأ مؤخر؛ وجملة "لها جلد": معطوفة على الجملة الأولى، لا محل لها. إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط. ألاقي: فعل مضارع والفاعل: أنا. وجملة "ألاقي": في محل جر بالإضافة. الذي: مفعول به. لاقاه: فعل ماضٍ، والهاء: مفعول به. أمثالي: فاعل مرفوع، والياء: مضاف إليه؛ وجملة "لاقاه": صلة للموصول، لا محل لها.

موطن الشاهد: "ألا اصطبار".

وجه الاستشهاد: دخول همزة الاستفهام على "لا" النافية للجنس، لم يمنعها من العمل؛ وظل الاستفهام على معناه، و"لا" على معناها؛ والمراد بهما: الاستفهام عن النفي؛ وفي هذا البيت رد على الشلوبين في دعواه أن الاستفهام عن النفي شيء غير واقع.

انظر حاشية الصبان: 1/ 15.

1 مرت ترجمته.

2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

وآذنت بمشيب بعده هرمُ

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 245، وابن عقيل:"113/ 2/ 21"، والأشموني:"305/ 1/ 153" والهمع: 1/ 147، والدرر اللوامع: 1/ 128، ومغني اللبيب:"108/ 96"، والسيوطي: 86 وشرح شواهد الألفية للعيني: 2/ 360.

المفردات الغريبة: ارعواء: انتهاء وانكفاف عن القبيح. ولت: أدبرت وذهبت. شبيبته: شبابه. آذنت: أعلمت. مشيب: شيخوخة. هرم: كبر وضعف.

المعنى: ألا ينزجر وينأى عن الأمور القبيحة من ذهب شبابه، وولى صباه، وأنذره المشيب بالكبر، والضعف، وذهاب القوة؟!

الإعراب: ألا: الهمزة حرف استفهام. لا: نافية للجنس؛ ومعنى الحرفين هنا =

ص: 22

وتارة يراد التمني، كقوله1:[الطويل]

168-

ألا عُمْرَ ولَّى مستطاعٌ رجوعُهُ2

= التوبيخ والإنكار. ارعواء: اسم "لا" مبني على الفتح، في محل نصب. "لمن": متعلق بمحذوف خبر "لا"؛ أولا بـ "ارعواء"، والخبر محذوف. ولت شبيبته: فعل ماضٍ، وفاعل، ومضاف إليه، والتاء: للتأنيث؛ وجملة "ولت شبيته": صلة للموصول "من" لا محل لها. وآذنت: الواو عاطفة وجملة "آذنت": معطوفة على جملة "ولت": لا محل لها؛ وهو الأفضل. "بمشيب": متعلق بـ "آذنت". "بعده": متعلق بمحذوف خبر مقدم ومضاف إليه. هرم: مبتدأ مؤخر؛ والجملة في محل جر صفة لـ "مشيب".

موطن الشاهد: "ألا ارعواء".

وجه الاستشهاد: دخول همزة الاستفهام على "لا" النافية للجنس مع بقاء عملها، قبل دخول الهمزة عليها، مع أن الشاعر قصد بالحرفين جميعا التوبيخ والإنكار؛ غير أن العلامة الدماميني لم يرتضِ أن يكون الحرفان "الهمزة ولا" دالين معا على الإنكار التوبيخي، وذكر أن المفيد للإنكار التوبيخي هو الهمزة وحدها؛ و"لا" بعد الهمزة دالة على النفي؛ فيكون كل حرف منهما دالا على ما اختص به، أي أن معنى:"ألا ارعواء": التوبيخ على عدم الارعواء والإنكار على من لم يرعوِ وينكف عن الميل إلى دواعي الصبا.

وانظر شرح التصريح: 1/ 245.

1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

فيرأبَ ما أَثْأَتْ يد الغفلات

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 245، وابن عقيل:"115/ 2/ 23"، والأشموني:"306/ 1/ 153" والعيني: 2/ 316، ومغني اللبيب:"109/ 97""709/ 499"، والسيوطي: 76/ 280".

المفردات الغريبة: ولى: ذهب وأدبر. فيرأب: فيصلح ويجبرز أثأت: أفسدت.

المعنى: يتمنى الشاعر أن يعود عمره الذي مضى وذهب؛ ليصلح ما أفسده، وما عمله من سوء في عهد الغفلة والجهل والصبوة.

الإعراب: ألا: "مركبة" تفيد التمني. عمر: اسمها مبني على الفتح في محل نصب؛ وهو بمنزلة المفعول، لأن "ألا" بمعنى أتمنى؛ ولا خبر لها؛ وقيل: الهمزة للاستفهام، و"لا" نافية للجنس، وأريد بهما التمني. وجملة "ولى": في محل نصب صفة لـ "عمر". مستطاع: خبر مقدم. رجوعه: مبتدأ مؤخر، ومضاف إليه؛ ويجوز أن =

ص: 23

وهو كثير، وعند سيبويه والخليل أن "ألا" هذه بمنزلة أتمنى فلا خبر لها، وبمزلة:"ليت" فلا يجوز مراعاة محلها مع اسمها، ولا إلغاؤها إذا تكررت، وخالفهما المازني والمبرد1، ولا دليل لهما في البيتن إذ لا يتعين كون:"مستطاع" خبرا، أو صفة، و:"رجوعه" فاعلا، بل يجوز كون "مستطاع" خبرا مقدما، و:"رجوعه" مبتدأ مؤخرا، والجملة صفة ثانية.

= نعرب "مستطاع": خبر "ألا" مرفوع. رجوعه: نائب فاعل ومضاف إليه؛ لأن "مستطاع" اسم مفعول؛ وعلى الوجه الأول، فجملة "مستطاع رجوعه": في محل نصب صفة ثانية لـ "عمر". فيرأب: الفاء سببية، يرأب: فعل مضارع منصوب بـ "أن" مضمرة وجوبا بعد فاء السببية، وفاعله: هو، يعود إلى "عمر". ما: اسم موصول، مفعول به لـ "يرأب". أثأت: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث. يد: فاعل مرفوع، وهو مضاف. الغفلات: مضاف إليه؛ وجملة "أثأث يد الغفلات": صلة للموصول، لا محل لها؛ والعائد محذوف؛ والتقدير: أثأته.

موطن الشاهد: "ألا عمر".

وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مركبة لمجرد التمني؛ والذي يؤكد كونها للتمني، انتصاب الفعل المضارع بـ "أن" مضمرة بعد فاء السببية في جواب التمني، واستعمال:"ألا" بهذا المعنى كثير شائع في لغة العرب.

فائدة: استدل المازني والمبرد بهذا البيت على أن "ألا" الدالة على التمني، يجوز ذكر خبرها ويجوز مراعاة محلها مع اسمها؛ فيطعف بالرفع بعدها، كما يصح ذلك مع "لا" التي لم تقترن بها الهمزة الدالة على التمني، وخالفا في ذلك سيبويه والخليل بن أحمد؛ ووجه استدلالهما بهذا البيت، أنهما أجازا إعراب "مستطاع" خبرا: لـ "ألا" كما بينا: أو أن يكون صفة لـ "عمر" باعتبار محله مع لا؛ لأن سيبويه يجعل محل "ألا مع اسمها" مرفوعا بالابتداء؛ فإن جعل "مستطاع" خبرا لـ "ألا" كان ذلك دليلا على جواز ذكر خبر "ألا"؛ وهذا خلاف ما ذهب إليه سيبويه والخليل؛ وإن أعرب "مستطاع" صفة لـ "عمر" كان الشاعر قد راعى محل "ألا مع اسمها" وهذا خلاف مذهب سيبويه في هذا البيت؛ غير أن المذكور، لا يكون ردا على سيبويه إلا إذا لم يكن له وجه آخر من وجوه الإعراب؛ ولكن رأينا له وجها آخر عرضناه في إعراب مفردات البيت، وعليه فلا يصلح البيت شاهدا لما ذهبا إليه، لأن الدليل، متى تطرق إليه الاحتمال لم يصلح للاستدلال. انظر شرح التصريح: 1/ 245.

1 فجعلاهما كالمجردة من همزة الاستفهام، واستدلا بالبيت السابق، فجعلا "مستطاع": إما خبرا للا أو صفة لاسمها، مراعاة لمحلها قبل دخول "لا" والخبر محذوف، أي راجع، و"رجوعه" نائب فاعل مستطاع.

ص: 24

[ترد "ألا" للتنبيه وتدخل على الجملتين] :

وترد "ألا" للتنبيه1 فتدخل على الجملتين نحو: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} 2 {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} 3 وعرضية وتحضيضية فتختصان بالفعلية نحو: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} 4 {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُم} 5.

[إذا جهل الخبر وجب ذكره] :

مسألة: وإذا جهل الخبر وجب ذكره، نحو: "لا أحدَ أغيرُ من الله عز

1 هي "ألا" الاستفتاحية، وهي كلمة واحدة لا عمل لها، وتدل على توجيه الذهن وتنبيهه إلى شيء هام يجيء بعدها، مؤكد الوقوع عند المتكلم، وكثيرا ما تقع بعدها "إن" المكسورة.

2 "10" سورة يونس، الآية:62.

موطن الشاهد: {أَلَا إِنَّ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مفيدة التنبيه، وقد دخلت على الجملة الاسمية، وحكم دخولها على الجملة الاسمية الجواز.

3 "11" سورة هود، الآية:8.

موطن الشاهد: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مفيدة التنبيه، وقد دخلت على الجملة الفعلية؛ وحكم دخولها عليها الجواز.

4 "24" سورة النور، الآية:22.

موطن الشاهد: {أَلَا تُحِبُّونَ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مفيدة العرض؛ لأن العرض: طلب الشيء برفق ولين؛ ومدلول الآية يؤكد ذلك.

5 "9" سورة التوبة، الآية:13.

موطن الشاهد: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "ألا" مفيدة التحضيض؛ لأن التحضيض طلب الشيء بشدة وإزعاج؛ ومعنى الآية يوحي بذلك.

ص: 25

وجل" 1 وإذا علم فحذفه كثير، نحو:{فَلا فَوْتَ} 2 {قَالُوا لا ضَيْرَ} 3 ويلتزمه التميميون والطائيون4.

1 هذا جزء من حديث نبوي ونصه: "أنا أغار، والله يغار، ولا أحد أغير من الله، ولذا حرم الفواحش"، والغيرة: الحمية والأنفة وانفعال النفس من فعل القبيح، يقال رجل غيور، وامرأة غيور، وهذا مستحيل على الله، فالمراد لازم الغيرة، وهو البعد عن الموبقات، وزجر مرتكبها.

تخريج الحديث: جاء الحديث بلفظ: "لا أحد أغير من الله، فلذلك حرم الفواحش". في مسند الإمام أحمد "المطبعة الميمنية": 1/ 381، والدررالمنثور للسيوطي "ط. دار الفكر": 2/ 248 و381 وفتح الباري لابن حجر "ط. دار الفكر": 8/ 302.

وجاء بلفظ: "لا أحد أغير من الله، ولذلك حرم الفواحش" في صحيح البخاري "ط. دار الفكر": 6/ 72، 6/ 74، وصحيح مسلم باب التوبة "مط. عيسى الحلبي" برقم 33، 34 وفتح الباري: 8/ 296.

موطن الشاهد: "لا أحد أغير".

وجه الاستشهاد: ذكر خبر "لا" النافية؛ أو خبر المبتدأ؛ وهو "أغير" وسبب ذكره جهلنا به؛ وحكم ذكر الخبر في هذه الحال الوجوب.

2 "34" سورة سبأ، الآية:51.

موطن الشاهد: {لَا فَوْتَ} .

وجه الاستشهاد: حذف خبر "لا" لمعرفته من السياق؛ لأن التقدير: "لا فوت لهم"؛ وحكم حذفه الجواز عند الحجازيين، والوجوب عند التميميين والطائيين، كما نقل ابن مالك، ونقل ابن خروف عن تميم أنهم لا يظهرون الخبر المرفوع، ويظهرون المجرور والظرف. انظر شرح التصريح: 1/ 246.

3 "26" سورة الشعراء، الآية:50.

موطن الشاهد: {لَا ضَيْرَ} .

وجه الاستشهاد: حذف خبر "لا" للعلم به من سياق الآية؛ لأن التقدير: لا ضير علينا؛ وحكمه واضح في الآية السابقة.

4 الضمير في "يلتزمه" يحتمل أن يعود على حذف خبر "لا" سواء علم أو لم يعلم؛ ويحتمل عوده على الخبر بقيد كونه معلوما بقرينة ما؛ ويكون المراد أن الحجازيين يجيزون ذكر الخبر المعلوم وحذفه. أما التميميون والطائيون فلا يجيزون ذكره. ولعل هذا هو الصواب؛ لأن الجميع متفقون على أن الخبر غير المعلوم يجب ذكره.

هذا، وقد قال أبو حيان: إن أكثر ما يحذف الحجازيون خبر لا إذا كان مع "إلا" نحو "لا إله إلا الله" اهـ. وقد اختلف النحاة في إعراب هذه الجملة، ونحن نعربها لك =

ص: 26

........................................................................

= إعرابا قريبا. فلا: نافية للجنس تعمل عمل إن. إله: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب، وخبر لا محذوف؛ والتقدير: لا إله لنا، أو لا إله موجود، وإلا: أداة استثناء، ولفظ الجلالة بدل من الضمير المستكن في خبر "لا" وللزمخشري في إعراب هذه الجملة كلام طويل دارت حوله مناقشات كثيرة.

شرح التصريح: 1/ 346، والمفصل للزمخشري "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد":89. وابن عقيل: 2/ 25-26.

ص: 27