المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب التمييز] : - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك - ت هبود - جـ ٢

[ابن هشام النحوي]

الفصل: ‌[باب التمييز] :

[باب التمييز] :

هذا باب التمييز1:

[تعريف التمييز وبيان محترزات القيود] :

التمييز: اسم2 نكرة، بمعنى من3، مبين لإبهام اسم أو نسبة.

فخرج بالفصل الأول4 نحوه5: "زيد حسن وجهه".

وقد مضى أن قوله:

صددتَ وطبتَ النفس يا قيسُ عن عمرو6

1 هو في الأصل: مصدر ميَّز الشيءَ؛ إذ خلصه من شيء آخر، فمعناه لغة: تخليص شيء من شيء، ثم أطلق على الاسم المميز مجازا، ويسمى أحيانا: التفسير أو التبيين، أو المفسر، أو المميز. ومعناه اصطلاحا: ما ذكره المؤلف.

2 أي صريح؛ لأن التمييز، لا يكون جملة ولا ظرفا، ولا جارا ومجرورا. بخلاف الحال في هذه الثلاثة.

3 أي أن يفيد معنى "من" البيانية، أي التي تبين جنس ما قبلها أو نوعه؛ وذلك لأن الاسم المميز جيء به لبيان الجنس، كما يجاء بمن مميزة له، وليس المراد أنه يمكن تقدير "من" قبله، فقد لا يصلح الكلام أحيانا لتقدير "من". انظر شرح التصريح: 1/ 393-395.

4 أي: قوله نكرة.

5 أي: من كل ما هو مشبه بالمفعول به.

6 مر تخريجه.

موطن الشاهد: "النفس".

وجه الاستشهاد: تقدم هذا البيت في "باب المعرف" بالأداة. وقد ذكر هنالك أن اللام في النفس زائدة للضرورة، فهو نكرة، وقد احتج الكوفيون بهذا البيت على مجيء التمييز معرفا، كما أسلفنا.

ص: 295

محمول على زيادة: "أل".

وبالثاني الحال فإنه بمعنى في حال كذا، لا بمعنى من.

وبالثالث نحو1: "لا رجل" ونحو2: [البسيط]

283-

أستغفر الله ذنبا لست محصيه3

1 وهو قوله: "مبين لإبهام اسم أو نسبة" يخرج اسم "لا" التي للتبرئة.

2 لم ينسب هذا البيت إلى قائل معين.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

رب العباد إليه الوجه والعمل

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 394، والهمع: 2/ 82، والدرر: 2/ 106، والكتاب لسيبويه: 1/ 17، والمقتضب: 2/ 321، 431، والخصائص: 3/ 247، وشرح المفصل: 7/ 63، 8/ 51، والخزانة: 1/ 486، والعيني: 3/ 226، وشذور الذهب:"190/ 489".

المفردات الغريبة: أستغفر: أطلب المغفرة. محصيه: ضابطا عدده. الوجه: القصد والتوجيه.

المعنى: أطلب المغفرة والعفو من الله على ذنوبي الكثيرة، التي لا أحصيها، فهو رب الخلق جميعا، وإليه الالتجاء في كل شيء، وله يكون العمل والسعي.

الإعراب: أستغفر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. الله: "لفظ الجلالة" اسم منصوب على التعظيم. ذنبا: مفعول ثانٍ لـ "أستغفر". لست: فعل ماضٍٍ ناقص، والتاء: اسمه. محصيه: خبر "ليس" منصوب، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. رب: بدل من لفظ الجلالة، منصوب مثله، وهو مضاف. العباد: مضاف إليه. "إليه": متعلق بمحذوف خبر مقدم. الوجه: مبتدأ مؤخر مرفوع. والعمل: الواو عاطفة، العمل: اسم معطوف على "الوجه" مرفوع مثله.

موطن الشاهد: "أستغفر الله ذنبا".

وجه الاستشهاد: ذكر المؤلف وجماعة من النحاة، أن قوله "ذنبا" منصوب على نزع الخافض، الذي هو "من" ومع أن انتصابه على معنى "من" فإنه ليس تمييزا؛ لأنه غير مبين لإبهام اسم مجمل قبله، ولا هو مبين لنسبة في جملة مذكورة قبله أيضا؛ ولذا فهو ليس تمييزا.

وإذا عددنا "ذنبا" منصوبا على نزع الخافض؛ فإنما هو على تضمين قوله "أستغفر" معنى "أستتيب"؛ على نحو: "اخترت الرجال محمدا"؛ أي: اخترت من الرجال هذا الرجل؛ ومثله، قوله تعالى:{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} . غير أن الذي رجحه كثير من العلماء، "أستغفر" يتعدى بنفسه إلى مفعولين، فيكون انتصاب قوله:"ذنبا" على أنه مفعول به حقيقة، لا على نزع الخافض. انظر مغني اللبيب:679.

ص: 296

فإنهما وإن كانا على معنى "من" لكنها ليست للبيان، بل هي في الأول للاستغراق، وفي الثاني للابتداء1.

[حكم التمييز وبيان العامل فيه] :

وحكم التمييز النصب، والناصب لمبين الاسم هو ذلك الاسم المبهم2،

1 كأنه أراد استغفارا يبتدئ من أول الذنوب إلى ما لا نهاية. وقيل: "من" هنا للتعليل، وهو أظهر.

2 اتفق النحاة في أن ناصب التمييز المبين لإبهام اسم غير جملة، هو ذلك الاسم المبين الذي فسره التمييز؛ غير أنهم اختلفوا في توجيه كون هذا الاسم الجامد قد عمل النصب، فذهب جمهورهم إلى أن هذا الاسم الجامد في نحو قولك:"اشتريت رطلا زيتا" قد أشبه اسم الفاعل المفرد في نحو: "زيد ضارب عمرا" وفي نحو قولك: "اشتريت عشرين ثوبا" أشبه اسم الفاعل المجموع، في نحو:"هؤلاء الضاربون عمرا". شرح التصريح: 1/ 395.

فائدة أولى: أشبه الاسم الجامد اسم الفاعل المذكور في أمرين هما:

أ- كون كل واحد منهما اسما مشتملا على ما به تمام الاسم، وهو التنوين إذا كان مفردا، أو النون التي تشبه التنوين، وهي نون التثنية والجمع.

ب- كون كل واحد من الاسم الجامد واسم الفاعل طالبا لما بعده، ومعلوم أن الشيء إذا أشبه الشيء جاز أن يأخذ بعض أحكامه. المصدر نفسه.

فائدة ثانية: رتب الشيخ خالد العوامل في التصريح -حسب قوتها- فجاءت كالآتي:

أ- الفعل؛ لأنه يعمل أصالة؛ وهو لا يعمل إلا معتمدا وغير معتمد.

ب- اسم الفاعل؛ لأنه يعمل بالحمل على الفعل؛ وهو لا يعمل إلا معتمدا على نفي أو شبهه؛ وهو يعمل في السببي نحو: زيد ضارب ابنه، وفي غير السببي؛ نحو: زيد ضارب عمرا.

ج- الصفة المشبهة؛ لأنها لا تعمل إلا في السببي؛ نحو: زيد حسن وجهه وهي ترفع الظاهر، نحو: زيد حسن وجهه، وترفع الضمير؛ نحو: زيد حسن وجهه وهي ترفع الظاهر، التفضيل؛ لأنه يرفع الضمير باطراد، ولا يرفع الظاهر إلا في مسألة الكحل.

هـ- الاسم الجامد؛ لِأنه لا يعمل إلا في التمييز؛ لكونه لا يتحمل ضميرا مستترا، في حين أن "أفعل التفضيل" يتحمله. شرح التصريح: 1/ 395.

ص: 297

كـ: "عشرين درهما" والناصب لمبين النسبة المسند من فعل أو شبهه1، كـ:"طاب نفسا"، و:"هو طيب أُبُوَّةً"، وعلم بذلك بطلان عموم قوله2:

ينصب تمييزا بما قد فسره3

[أنواع الاسم المبهم] :

فصل: والاسم المبهم أربعة أنواع:

أحدها: العدد4، كـ:{أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} 5.

1 ذهب سيبويه والمزاني والمبرد إلى أن الناصب لتمييز النسبة، هو المسند في الجملة سواء أكان هذا المسند فعلا، كما في قولك:"طاب محمد نفسا" أم كان وصفا -أي مشتقا- نحو: زيد كريم خلقا. وذهب بعضهم إلى أن الناصب له هو الجملة التي تنصب التمييز، التي يوضح التمييز النسبة فيها؛ وليس الفعل وما أشبهه؛ لأنه قد لا يكون في الجملة فعل أو وصف، نحو: هذا أخوك إخلاصا، أو أبوك عطفا. فالقول بأن ناصبه الجملة مطرد، وهو ما اختاره ابن عصفور. المصدر السابق: 1/ 395.

2 أي ابن مالك.

3 يرى ابن مالك في هذا البيت والذي تمامه:

"اسم بمعنى "من" مبين نكره

ينصب تمييزا بما قد فسره

أن ناصب تمييز النسبة، هو الجملة "بما قد فسره" وعليه، فيكون يرى أن ناصب تمييز المفرد، هو الاسم الجامد المميز، وهو في هذا موافق لابن عصفور، غير أنه يفهم من كلامه في الألفية أن عباراته في النظم، تدل على أنه يرى في هذه المسألة رأي سيبويه وأصحابه، وأن الناصب لتمييز النسبة، هو الفعل أو الوصف "والفاعل المعني انصبن بأفعلا"؛ فواضح من كلامه أن الناصب للتمييز في نحو:"أنت أعلى منزلا" هو أفعل التفضيل الذي اشتملت عليه الجملة.

ورأى الأشموني أن كلا من الجملة والفعل، يوصف بالإبهام من حيث نسبته، فيصح كون التمييز مفسرا لهما باعتبار نسبتهما؛ فيصدق أنه نصب بمفسره؛ وعلى هذا يكون قول الناظم على عمومه. وقيل: إن ذلك خاص بتمييز المفرد، وخصه بالذكر؛ لأنه جامد غالبا؛ فربما توهم أنه لا يعمل. انظر شرح التصريح: 1/ 395، وهمع الهوامع: 1/ 251، وشرح الأشموني: 2/ 195، وضياء السالك: 2/ 231.

4 سواء كان صريحا كمثال المصنف ونحوه، أو كناية، ككم الاستفهامية نحو: كم رطلا اشتريت؟.

5 "12" سورة يوسف، الآية:4.

موطن الشاهد: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "كوكبا" تمييزا مبينا إبهام العدد "أحد عشرا"، وهو اسم صريح، كما هو معلوم.

ص: 298

والثاني: المقدار، وهو إما مساحة، كـ:"شبر أرضا" أو كيل، كـ:"قفيز برا" أو وزن، كـ:"منوين عسلا" وهو تثنية مَنا، كعصا، ويقال فيه: من، بالتشديد، وتثنيته منان،

والثالث: ما يشبه المقدار، نحو:{مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا} 1، و:"نحي سمنا"{وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} 2، وحمل على هذا:"إن لنا غيرها إبلا"3.

والرابع: ما كان فرعًا للتمييز4، نحو:"خاتم حديدا"، فإن الخاتم فرع الحديد، ومثله:"باب ساجا" و: "جبة خزا" وقيل: إنه حال5.

1 "99" سورة الزلزلة، الآية:7.

موطن الشاهد: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "خيرا" تمييزا مبينا لـ "مثقال ذرة" الشبيه بما يوزن به، وهو ليس اسما لشيء يوزن به عرفا.

2 "18" سورة الكهف، الآية:109.

موطن الشاهد: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "مددا" تمييزا مبينا لـ "مثله" الشبيه بالمساحة؛ وليس هو مساحة حقيقية، وإنما هو دال على المماثلة من غير ضبط بحد.

3 "إبلا" منصوب على التمييز من غير؛ لِأنها اسم مبهم يدل على المغايرة، وهم يحملون المغايرة. على المماثلة.

4 ضابطه: كل فرع أصبح له بسبب التفريع اسم خاص يليه أصله، بحيث يصح إطلاق الأصل عليه.

5 ذهب المبرد وابن مالك والمؤلف إلى أن "حديدا" إذا نصبت، تكون تمييزا وذلك راجح على كونه حالا من قبل أن الاسم المنصوب جامد ملازم، والأصل في الحال أن يكون مشتقا، ومنتقلا على ما عرفت، ومن قبل أن الاسم المبين نكرة، فلو جعلته حالا؛ للزم مخالفة الأصل من ثلاثة أوجه؛

الأول: جعل الحال جامدا، والثاني: جعله لازما، والثالث: جعل صاحبه نكرة من غير مسوغ؛ ومذهب سيبويه: أن هذا الاسم المنصوب متعين للحالية لا يجوز جعله تمييزا؛ لأن الاسم الذي ينتصب تمييزا إنما يقع بعد مقدار أو ما يشبه المقدار، وليس هذا الاسم واحدا منها. حاشية يس على التصريح: 1/ 396.

ص: 299

والنسبة المبهمة نوعان1: نسبة الفعل للفاعل، نحو:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} 2 ونسبته للمفعول، نحو:{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} 3.

ولك في تمييز الاسم أن تجره بإضافة الاسم، كـ:"شبر أرض" و: "قفيز بر" و: "منوي عسل"، إلا إذا كان الاسم عددا4، كـ:"عشرين درهما" أو مضافا5، نحو:{بِمِثْلِهِ مَدَدًا} 6، و:{مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} 7.

1 تمييز النسبة ويسمى تمييز الجملة؛ وهو الذي يزيل الإبهام والغموض عن المعنى المنسوب فيها لشيء من الأشياء.

2 "19" سورة مريم، الآية:4.

موطن الشاهد: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "شيبا" تمييز محولا عن الفاعل؛ والأصل: واشتعل شيب الرأس، فحوِّل الإسناد من المضاف، وهو شيب إلى المضاف إليه، وهو الرأس، فارتفع. ثم جيء بذلك المضاف الذي حول عنه الإسناد فضلة تمييزا. انظر شرح التصريح: 1/ 397.

3 "54" سورة القمر، الآية:12.

موطن الشاهد: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "عيونا" تمييزا محوَّلا عن المفعول؛ لأن نسبة فجرنا إلى الأرض مبهمة. و"عيونا" مبين لذلك الإبهام. والأصل: فجرنا عيون الأرض؛ فحول المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه.

4 إذا كان العدد من ثلاثة إلى عشرة، وجب جر تمييزه بإضافة العدد إليه، والغالب في هذا التمييز المجرور: أن يكون جمعا. والعدد من أحد عشر إلى تسع وتسعين يجب نصب تمييزه، وأن يكون مفردا. والمائة والمائتان والمئات والألف والألوف يجب أن يكون التمييز فيها مفردا مجرورا. همع الهوامع: 1/ 253.

5 أي: إذا أضيف العدد إلى غير التمييز ولو تقديرا وجب نصب تمييزه أيضا؛ لامتناع إضافته مرة أخرى.

6 "18" سورة الكهف، الآية:109.

موطن الشاهد: {بِمِثْلِهِ مَدَدًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "مددا" تمييزا لـ "مثل" ولا يجوز جره بالإضافة؛ لأن "مثل" مضاف مرة؛ فيمتنع إضافته مرة أخرى.

7 "3" سورة آل عمران، الآية:19.

موطن الشاهد: {مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "ذهبا" تمييزا لملء، ولا يجوز جره بالإضافة؛ لأن "ملء" مضاف مرة، فامتنع إضافته مرة أخرى -كما في الآية السابقة- وإلى ذلك أشار ابن مالك في الألفية:

والنصب بعدما أضيف وجبا

إن كان مثل ملء الَارْض ذهبا

انظر شرح التصريح: 1/ 397.

ص: 300

فصل: من مميز النسبة الواقع بعد ما يفيد التعجب1، نحو:"أكرم به أبا"، و:"ما أشجعه رجلا"، و:"لله دره فارسا"، والواقع بعد اسم التفضيل، وشرط نصب هذا كونه فاعلا معنى، نحو:"زيد أكثر مالا" بخلاف: "مال زيد أكثر مال"2، وإنما جاز:"هو أكرم الناس رجلا" لتعذر إضافة أفعل مرتين3.

[جواز جر التمييز بـ "من" إلا من ثلاث مسائل] :

فصل: ويجوز جر التمييز بمن4، كـ:"رطل من زيت" إلا في ثلاث مسائل:

إحداها: تمييز العدد، كـ:"عشرين درهما".

الثانية: التمييز المحوَّل عن المفعول5، كـ:"غرست الأرض شجرا"، ومنه:"ما أحسن زيدا أدبا" بخلاف: "ما أحسنه رجلا"6.

الثالثة: ما كان فاعلا في المعنى إن كان محوَّلا عن الفاعل صناعة، كـ:"طاب زيد نفسا"، أو عن مضاف غيره، نحو:"زيد أكثر مالا" إذ أصله: "مال زيد أكثر" بخلاف: "لله دره فارسا".

1 سواء كان التعجب بصيغتيه المعروفتين، أو بغيرهما من الصيغ السماعية. ويجب نصب التمييز الواقع بعده.

2 ضابط هذا النوع: أن تمييز أفعل التفضيل إن كان من جنس ما قبله جر؛ نحو: محمد أفضل رجل، وإلا نصب نحو: أنت أرقى من علي فكرا.

3 فإنه مضاف إلى الناس، فلو أضيف أيضا إلى رجل لزم ذلك، ونصب التمييز هنا واجب.

4 أي ظاهرة، واختلف في معناها حينئذ، فقيل زائدة، وقيل للتبعيض والأظهر أنها لبيان الجنس.

5 لأن التمييز فيه مفسر للنسبة لا للفظ المذكور، فما بعد "من" من مطلق التمييز مبين لما قبلها، فلا يصح حمله عليه، وكذلك الشأن في المحول عن الفاعل.

6 فإنه وإن كان مفعولا في المعنى إلا أنه ليس محولا عن المفعول لأنه عين ما قبله. فلا يصح أن يقال: ما أحسن رجل زيد.

ص: 301

284-

و1....... أبرحت جارا2

1 قائل هذا البيت: هو الأعشى ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة يمدح فيها قيس بن معد يكرب الكندي وهو بتمامه:

أقول لها حين جد الرحيـ

ـل أبرحت ربا وأبرحت جار

ويرى بعض النحاة أن رواية البيت هي:

تقول ابنتي حين جد الرحيـ

ـل أبرحت ربا وأبرحت جارا

وهو بالرواية الأولى من الشواهد: التصريح: 1/ 399، والكتاب لسيبويه: 1/ 299 والأشموني: "510/ 265" وفيه بالرواية الثانية، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 55، وديوان الأعشى:37.

المفردات الغريبة: أبرحت: خطاب للمؤنث: أي أعجبت، أو عظمت، ربا: المراد به الممدوح الذي يقصده الشاعر بشعره، إذا فسر "أبرحت" بعظمت: أي عظمت ملكا. والمراد بالرب: صاحب الناقة؛ وعلى هذا يكون "أبرحت" فعلا متعديا، و"ربا" مفعولا ثانيا. يتخيل الشاعر أن ناقته شكت إليه طول سفرها، وما احتملته من مشاق ومتاعب، فيقول لها: لا تستعظمي ما تلاقينه من الجهد والتعب؛ فإنك تذهبين إلى ملك عظيم، يجزل العطاء الذي ينسى معه كل جهد وعناء.

الإعراب: أقول: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. "لها": متعلق بـ "أقول". "حين": متعلق بـ "أقول". جد: فعل ماضٍٍ مبني على الفتح. الرحيل: فاعل مرفوع؛ وجملة "جد الرحيل": في محل جر بالإضافة. أبرحت: فعل ماضٍٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل رفع فاعل. ربا: تمييز منصوب على تفسير "أبرحت" بـ "عظمت" على رأي المؤلف؛ وأما إذا فسر "أبرحت" بـ "اخترت" فـ "ربا". مفعول به منصوب؛ وعلى كلا الإعرابين، فجملة "أبرحت ربا": مفعول القول في محل نصب. وأبرحت: الواو عاطفة، أبرحت: فعل ماضٍٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: فاعل. جارا: تمييز منصوب أو مفعول به منصوب كما في "ربا"؛ وجملة "أبرحت جارا" معطوفة على جملة "أبرحت ربا": في محل نصب.

موطن الشاهد: "ربا، جارا".

وجه الاستشهاد: مجيء "ربا" و"جارا" تمييزين، وإن كانا فاعلين في المعنى؛ إذ المعنى عظمت فارسا وعظمت جارا، غير أنهما غير محولين عن الفاعل صناعة؛ ولهذا، فيجوز دخول "من" عليهما؛ إذ يجوز القول: من فارس ومن جار؛ نحو قوله:

يا سيدا ما أنت من سيد

موطأ الأكناف رحب الذراع

انظر شرح التصريح: 1/ 399.

ص: 302

فإنهما وإن كانا فاعلين معنى؛ إذ المعنى عظمت فارسا وعظمت جارا، إلا أنهما غير محولين، فيجوز دخول "من" عليهما، ومن ذلك "نعم رجلا زيد" يجوز "نعم من رجل" قال1:[الوافر]

285-

فنعم المرء من رجل تهام2

1 القائل: هو: أبو بكر بن الأسود الليثي.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

تخيره فلم يعدل سواه

ويروى على شكل آخر:

تعمده ولم يعظم عليه

وهو في رثاء هشام بن المغيرة أحد أشراف مكة، ويروى قبله قوله:

فذرني أصطبح يا بكر إني

رأيت الموت نقب عن هشامِ

وهو من شواهد التصريح: 1/ 399، والإنصاف: 225، وشرح المفصل: 7/ 133 والمقرب: 9، وشرح شواهد الألفية للبغدادي: 464، والعيني: 3/ 227، 4/ 14.

المفردات الغريبة: تَخَيَّره: اختاره واصطفاه. لم يعدل: لم يمل. تهامي: منسوب إلى تهامة، وتطلق على مكة، وعلى أرض معروفة ببلاد العرب.

المعنى: يبين الشاعر أن الموت اختار هشاما، ولم يعدل به سواه، ولم يمل إلى غيره من الناس، فهو نعم الرجل من تهامة.

الإعراب: تخيره: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، يعود إلى الموت؛ و"الهاء": ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعولٍ به. فلم: الفاء: عاطفة، لم: نافية جازمة. يعدل: فعل مضارع مجزوم بـ "لم" والفاعل: هو. سواه: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف، و"الهاء": ضمير متصل مبني على الضم، في محل جر مضاف إليه. فنعم: الفاء عاطفة، نعم: فعل ماضٍٍ دال على إنشاء المدح. المرء: فاعل مرفوع. من: حرف جر زائد. رجل: اسم مجرور لفظا، منصوب محلا على أنه تمييز لفاعل "نعم"؛ أو نقول:"رجل": تمييز لفاعل "نعم" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة، منع من ظهورها، اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. تهامي: صفة لـ "رجل" مجرورة، وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الياء.

موطن الشاهد: "من رجل".

وجه الاستشهاد: جر التمييز "رجل" بـ "من"؛ لأنه -وإن كان فاعلا في المعنى- غير أنه غير محول عن الفاعل الصناعي؛ وحكم جره بـ "من" الجواز.

ص: 303

[حكم تقدم التمييز على عامله] :

فصل: لا يتقدم التمييز على عامله إذا كان اسما1، كـ:"رطل زيتا" أو فعلا جامدا2، نحو:"ما أحسنه رجلا" وندر تقدمه على المتصرف كقوله3: [المتقارب] :

286-

أنفسا تطيب بنيل المنى4

1 يجوز أن يتقدم التمييز ويتوسط بين العامل ومعموله؛ نحو: "طاب نفسا محمد" والأصل: طاب محمد نفسا؛ وجواز التقدم والتوسط هذا باتفاق.

وأما بالنسبة إلى تقدم التمييز على العامل والمعمول معا؛ فذهب سيبويه والفراء، وأكثر البصريين والكوفيين إلى أنه لا يجوز تقدم التمييز على عامله، سواء أكان العامل اسما، كما في تمييز المفرد أم كان فعلا، كما في تمييز النسبة، وسواء أكان الفعل جامدا كفعل التعجب، في نحو:"ما أحسنه رجلا! " أم كان متصرفا، نحو: طاب محمد نفسا؛ وعلة امتناع تقدمه على العامل، إذا كان اسما أو فعلا جامدا فظاهرة؛ لأن معمول هذين، لا يتقدم عليهما في غير هذا الباب؛ فعدم جواز تقدمه هنا هو من طرد الحكم على وتيرة واحدة. وأما عدم تقدم التمييز على العامل إذا كان فعلا متصرفا؛ لأن أكثر ما ورد من تمييز النسبة محول عن فاعل؛ ومعلوم أن الفاعل لا يجوز تقدمه على فعله؛ وما كان أصله الفاعل خليق بأن يأخذ ما استقر له؛ غير أن المازني والكسائي والمبرد والجرمي، ذهبوا إلى جواز تقديم التمييز على عامله؛ إذا كان فعلا متصرفا، وارتضى هذا القول ابن مالك في بعض كتبه، واستدلوا على ذلك بالسماع وبالقياس.. أما السماع، فقوله: أنفسا تطيب

الآتي؛ وأما القياس: فالتمييز -وهو منصوب- كالمفعول به وسائر الفضلات، وكلهن يجوز تقديمهن على العامل: إن كان متصرفا -ولم يعبؤوا بأصل، ولم يبالوا به. وانظر في هذه المسألة: همع الهوامع: 1/ 252، وشرح التصريح: 1/ 400، وحاشية الصبان: 2/ 200-201.

2 وكذلك، إذا كان فعلا متصرفا، يؤدي معنى الجامد، نحو:"كفى بالله شهيدا" فـ "كفى" فعل متصرف، غير أنه بمعنى فعل التعجب، وهو غير متصرف؛ لأن معناه: ما أكفاه!

3 القائل: هو رجل من طيء لم يسمه النحاة.

4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

وداعي المنون ينادي جهارا

=

ص: 304

وقاس على ذلك المازني والمبرد والكسائي1.

= وهو من شواهد: التصريح: 1/ 400، والأشموني:"514/ 1/ 266"، والعيني: 3/ 241، ومغني اللبيب:"838/ 603"، وشرح شواهد المغني:291.

المفردات الغريبة: تطيب: تطمئن. نيل المنى: إدراك المأمول، والمنى: جمع منية، وهي ما يتمناه الإنسان ويأمله. المنون: الموت.

المعنى: يعجب الشاعر كيف أن نفس الإنسان، تستلذ وتطمئن، بما تظفر به من الأماني والآمال، ورسول الموت يطلبها طلبا شديدا. لا شك فيه.

الإعراب: أنفسا: الهمزة للاستفهام التوبيخي، لا محل لها من الإعراب، نفسا: تمييز منصوب متقدم على عامله "تطيب". تطيب: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنت. "بنيل": متعلق بـ "تطيب"، ونيل: مضاف. المنى: مضاف إليه. وداعي: الواو حالية، داعي: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء؛ منع من ظهورها الثقل، وداعي مضاف. المنون: مضاف إليه مجرور. ينادي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره؛ لِلثقل؛ والفاعل؛ هو، يعود إلى "داعي المنون"؛ وجملة "ينادي جهارا": في محل رفع خبر المبتدأ "داعي" وجملة "داعي المنون ينادي": في محل نصب على الحال. جهارا: مفعول مطلق لعامله: "ينادي"؛ والأصل فيه أنه صفة لمصدر محذوف؛ والتقدير: ينادي نداء جهارا؛ فلما حذف المصدر حل محله؛ وأعرب إعرابه؛ وهذا شائع وكثير في اللغة.

موطن الشاهد: "أنفسا تطيب".

وجه الاستشهاد: مجيء "نفسا" تمييزا منصوبا متقدما على العامل فيه؛ وهو "تطيب"؛ مع أنه فعل متصرف؛ وحكم تقدم التمييز في هذه الحال الجواز بندرة عند سيبويه والجمهور، وهو جائز بالقياس عند الكسائي والمبرد ومن معهما كما بيَّنَّا سابقا.

ومثل هذا الشاهد قول الآخر:

أتهجر ليلى بالفراق حبيبها

وما كان نفسا بالفراق تطيب؟!

وقول الآخر:

ضيعت حزمي في إبعادي الأملا

وما اروعيت وشيبا رأسي اشتعلا

انظر حاشية الصبان: 2/ 201.

1 مرت ترجمته لكل منهم.

فائدتان:

فائدة أ: العدد غير الصريح مثل "كم" يجوز جر تمييزه بمن، تقول: كم من كتاب عندك؟.

فائدة ب: يتفق الحال والتمييز في أن كلا منهما: اسم، نكرة، منصوب، فضلة رافع للإبهام. ويختلفان في الأمور الآتية: =

ص: 305

..........................................................................

= أ: التمييز لا يكون إلا اسما مفردا. أما الحال فيجيء جملة، وشبه جملة "ظرفا وجارا ومجرورا".

ب: التمييز يكون مبينا للذوات أو للنسبة، أو الحال، فلا يكون إلا مبينا للهيئات.

ج: التمييز لا يتعدد إلا بالعطف. أما الحال فتتعدد بعطف وبغير عطف.

د: التمييز في الغالب يكون جامدا. أما الحال فتكون مشتقة وجامدة، وقد يأتي التمييز مشتقا.

هـ: الراجح عدم تقديم التمييز على عامله إذا كان فعلا مشتقا أو وصفا يشبهه، أما الحال فيجوز فيه ذلك.

ح: التمييز لا يكون مؤكدا لعامله على الصحيح. أما الحال فقد تكون مؤكدة. وأما قول الشاعر:

تزود مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا

فالصحيح أن "زاد" معمول لتزود، إما مفعولا مطلقا إن أريد به التزويد أو مفعولا به إن أريد الشيء الذي يتزود به من أفعال البر، وعليهما فـ "مثل" نعت له تقدم فصار حالا.

وأما قول الآخر:

نعم الفتاةُ فتاةً هندُ لو بذلت

رد التحية نطقًا أو بإيماءِ

ففتاة حال مؤكدة. انظر حاشية الصبان: 2/ 202-203.

ص: 306