الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب المفعول المطلق] :
هذا باب المفعول المطلق:
أي: الذي يصدق عليه قولنا: "مفعول" صدقا غير مقيد بالجار1.
[تعريف المفعول المطلق] :
وهو: اسم يؤكد عامله، أو يبين نوعه، أو عدده2، وليس خبرا ولا حالا،
1 أي: بخلاف بقية المفاعيل؛ لأن منها ما هو مقيد بحرف جر كالمفعول به، أو له أو فيه. أو بظرف كالمفعول معه.
2 بين المؤلف أن المفعول المطلق، يؤتى به لتوكيد معنى عامله، أو لبيان نوعه، أو لبيان عدد مرات وقوع عامله.
فأما المؤكد: فصورته أن يأتي مصدرا منكرا غير مضاف ولا موصوف، سواء أكان عامله فعلا؛ نحو: ضربت ضربا؛ أو وصفا؛ نحو: أنا مفضل زيدا تفضيلا؛ وسواء أكان عامله من مادته أم كان من مادة مرادفة؛ نحو: قعدت جلوسا، أو: أنا قاعد جلوسا. وأما المفعول المطلق المبين لنوع عامله؛ فله ثمان صور:
1-
أن يأتي المصدر مضافا؛ نحو: فعلت فعل الحكماء.
2-
أن يأتي المصدر مقرونا بـ "أل" الدالة على العهد أو أل الجنسية الدالة على الكمال؛ نحو: دافعت عن زيد الدفاع؛ أي المعهود بينك وبين المخاطب.
3-
أن يكون المصدر موصوفا؛ نحو: أكل الجائع أكلا كثيرا.
4-
أن يكون المفعول المطلق وصفا مضافا إلى المصدر، نحو: رضيت عن علي أجمل الرضا.
5-
أن يكون المفعول المطلق اسم إشارة موصوفا بمصدر محلىً بأل؛ نحو: أكرمت المجتهد ذلك الإكرام.
6-
أن يكون المصدر نفسه دالا على نوع من أنواع عامله؛ نحو: رجعت القهقري.
7-
أن يكون المفعول المطلق لفظ "كل" أو "بعض" مضافا إلى المصدر؛ نحو: أحببته كل الحب.
2 أن يكون المفعول المطلق اسم آلة للعامل فيه، نحو: ضربته سوطا، أو ضربته عصا. وأما المفعول المطلق المبين للعدد فله ثلاث صور: الأولى: أن يكون مصدرا مختوما بتاء الوحدة، نحو: أكل أكلة. الثانية: أن يكون مختوما بعلامة تثنية أو جمع؛ نحو ضربته ضربتين، أو ضربات. الثالثة: أن يكون اسم عدد مميزا بمصدر؛ نحو: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} .
شرح التصريح: 323-324.
نحو: "ضربتُ ضربًا" أو: "ضربَ الأميرِ" أو: "ضربتين" بخلاف نحو: "ضربُك ضربٌ أليمٌ"1 ونحو: {وَلَّى مُدْبِرًا} 2.
[أكثر ما يكون المفعول المطلق مصدرا] :
وأكثر ما يكون المفعول المطلق مصدرا.
[تعريف المصدر] :
والمصدر: اسم الحدث الجاري على الفعل3.
وخرج بهذا القيد نحو: "اغتسل غسلا" و"توضأ وضوءا" و"أعطى عطاء" فإن هذه أسماء مصادر4.
[عامل المفعول المطلق] :
وعامله إما مصدر مثله5 نحو: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} 6، أو ما
1 فإن "ضرب" الثاني ليس مفعولا مطلقا؛ وإن بين النوع بالوصف بعده، وإنما هو خبر عن ضربك.
2 "27" سورة النمل، الآية:10.
موطن الشاهد: {وَلَّى مُدْبِرًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "مدبرا" حالا من الضمير المستتر الواقع فاعلا لـ "ولى" وليس مفعولا مطلقا، وإن كان مؤكدا لعامله.
3 أي: المشتمل على حروف الفعل.
4 لأنها لم تجر على أفعاله؛ لِنقصان حروفها عن أحرف الأفعال؛ لأن قياس مصادرها. الاغتسال، والتوضؤ، والإعطاء.
فائدة: سمي المصدر مصدرا؛ لأن فعله صدر عنه؛ ولأنه مصدر المشتقات كلها على الصحيح؛ والفرق بين المصدر واسم المصدر؛ أن المصدر يدل على الحدث المجرد بنفسه، أما اسم المصدر، فيدل على الحدث بوساطة المصدر، فمدلوله لفظ المصدر. انظر حاشية الصبان: 2/ 112 وشرح التصريح: 1/ 325.
5 سواء كان من لفظه ومعناه كما مثل المصنف، أو من معناه فقط نحو: يعجبني إيمانك تصديقا.
6 "17" سورة الإسراء، الآية:63.
موطن الشاهد: {جَزَاؤُهُمْ جَزَاءً} .
وجه الاستشهاد: مجيء عامل المفعول المطلق مصدرا مثله لفظا ومعنى كما هو واضح؛ خلافا للجرمي الذي ادعى أن المصدر يعمل في المصدر. شرح التصريح: 1/ 325.
اشتق منه: من فعل1 نحو: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} 2، أو وصف3 نحو:{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} 4.
وزعم بعض البصريين أن الفعل أصل للوصف، وزعم الكوفيون أن الفعل أصل لهما5.
1 بشرط أن يكون متصرفا تاما، وغير ملغى عن العمل، فخرج الفعل الجامد كفعل التعجب والناقص مثل: كان، والملغى مثل:"ظن" عند إلغائها، فلا يقال: ما أحسن محمدا حسنا، ولا كان علي مسافرا كونا، ولا علي قائم ظننت ظنا.
2 "4" سورة النساء، الآية:164.
موطن الشاهد: {كَلَّمَ
…
تَكْلِيمًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء العامل في المفعول المطلق مشتقا منه؛ لأن المصدر "تكليما" أصل للفعل "كلم" كما أسلفنا.
3 أي متصرف يعمل عمل الفعل، كاسم الفاعل، واسم المفعول، وأمثلة المبالغة دون أفعل التفضيل، والصفة المشبهة.
شرح التصريح: 1/ 325.
4 "37" سورة الصافات، الآية:1.
موطن الشاهد: {الصَّافَّاتِ صَفًّا} .
وجه الاستشهاد: مجيء العامل في المفعول المطلق وصفا مشتقا منه؛ لأن "الصافات" اسم فاعل يعمل عمل فعله؛ وهو مشتق من "الصف" المصدر.
وأما مثال اسم المفعول؛ فنحو: اللص مضروب ضربا أليما. ومثال المبالغة: البطل ضرابٌ ضربا. وأجاز المصنف عمل الصفة المشبهة كاسم الفاعل، نحو: الحزين حزنا مفرطا يسيء إلى نفسه.
ضياء السالك: 2/ 116.
5 الذي اختار هذا الرأي الفارسي، وتبعه عبد القاهر الجرجاني، فيكون فرعا للفرع؛ والصحيح أن المصدر أصل للفعل والوصف؛ لأن من شأن الفرع أن يكون فيه ما في الأصل وزيادة. والفعل والوصف بالنسبة إلى المصدر كذلك؛ فالمصدر يدل على مجرد الحدث؛ وكل من الفعل والوصف يدل على الحدث وزيادة؛ فالفعل يدل على الحدث والزمان، والصفة تدل على الحدث والموصوف؛ وهذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون فيرون أن الفعل أصل المشتقات كلها، ويرى ابن طلحة أن كلا من المصدر والفعل أصل قائم بذاته؛ ويرى جماعة من النحاة أن المصدر أصل للفعل وحده، وأن الفعل أصل لسائر المشتقات كما أسلفنا. انظر في تفصيل هذه المسألة شرح التصريح: 1/ 325.
[ما ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق] :
فصل: ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق ما يدل على المصدر من صفة، كـ:"سرت أحسن السير"1، و:"اشتمل الصماء"2، و:"ضربته ضربَ الأميرِ اللصَّ"؛ إذ الأصل: "ضربا مثل ضرب الأمير اللص" فحذف الموصوف ثم المضاف، أو ضميره3 نحو:"عبد الله أظنه جالسا" ونحو: {لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا} 4، أو إشارة إليه، كـ:"ضربته ذلك الضرب"، أو مرادف له نحو:"شنئته بغضا" و: "أحببته مقة"5 و: "فرحت جذلا" وهو بالذال المعجمة مصدر جذل بالكسر، أو مشارك له في مادته، وهو ثلاثة أقسام: اسم مصدر كما تقدم، واسم عين، ومصدر لفعل آخر، نحو:{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} 6 {وَتَبَتَّلْ
1 الأصل: سرت السير أحسن السير، فحذف الموصوف ودلت عليه إضافة الصفة إلى مثله، ونابت منابه.
2 الأصل: الشملة الصماء، فحذف الموصوف ونابت الصفة منابه. والشملة الصماء: أن يجلل المرء جسده بثوبه، ويضم طرفيه كما يفعل الأعراب بأكسيتهم. فيرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر، ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن، فيغطيهما جميعا.
3 أي الضمير العائد على مثل المصدر المحذوف. وقوله: "أو ضميره" معطوف على قوله "من صفة".
4 "5" سورة المائدة، الآية:115.
موطن الشاهد: {لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء الضمير -هنا- نائبا عن مصدر نوعي؛ لأن التقدير: لا أعذب هذا التعذيب الخاص أحدا.
5 "بغضا" مفعول مطلق نائب عن شنأ المرادف للبغض، و"مقة" مفعول مطلق نائب عن محبة، والمقة: المحبة، وهي مصدر ومقه -كورثه- أحبه فهو وامق.
6 "71" سورة نوح، الآية:17.
موطن الشاهد: {أَنْبَتَكُمْ نَبَاتًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "نبات" وهو اسم عين للشيء النابت من زرع وغيره نائبا عن المصدر "إنباتا" في الانتصاب على المفعولية المطلقة.
إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} 1. والأصل إنباتا وتبتلا، أو دال على نوع منه، كـ: "قعد القرفصاء" و: "رجع القهقري"، أو دال على عدده، كـ: "ضربته عشر ضربات" {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 2، أو على آلته3، كـ: "ضربته سوطا" أو: "عصا" أو: "كل" نحو: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} 4، وقوله5: [الطويل]
246-
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا6
1 "73" سورة المزمل، الآية:8.
موطن الشاهد: {تَبَتَّلْ
…
تَبْتِيلًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "تبتيلا" وهو مصدر للفعل "بتل" نائبا عن "التبتل" الذي هو مصدر الفعل "بتل"؛ ولم نعد "التبتل" اسم مصدر للفعل بتل؛ لأن حروفه تزيد على حروف صمدر هذا الفعل؛ واسم المصدر يجب أن تقل حروفه عن حروف المصدر.
2 "24" سورة النور، الآية:4.
موطن الشاهد: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} .
وجه الاستشهاد: "مجيء "ثمانين" نائبا عن المصدر؛ لأن الأصل: فاجلدوهم جلدا ثمانين جلدة؛ فحذف المصدر، وناب عنه عدده.
3 أي: الآلة التي تستخدم لإيجاد معنى المصدر وتحقيقه، فيحذف المصدر وتقام الآلة مقامه ويجب أن تكون الآلة معهودا استخدامها في إحداث معنى المصدر فلا يصح: ضربته شجرة.
4 "4" سورة النساء، الآية:129.
موطن الشاهد: {تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} .
وجه الاستشهاد: "مجيء "كل" نائبا عن مصدر محذوف؛ والتقدير: لا تميلوا ميلا كل الميل.
5 ينسب البيت إلى قيس بن الملوح المعروف بمجنون ليلى. وقد مرت ترجمته.
تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
وهو من قصيدته التي مطلعها قوله:
تذكرت ليلى والسنين الخواليا
…
وأيام لا نخشى على اللهو ناهيا
=
أو: "بعض": كـ: "ضربته بعض الضرب".
[لا يثنى المصدر المؤكد ولا يجمع باتفاق] :
مسألة: المصدر المؤكد لا يثنى ولا يجمع باتفاق، فلا يقال: ضربين ولا ضروبا؛ لأنه كماء وعسل1، والمختوم بتاء الوحدة كضربة بعكسه باتفاق، فيقال:
= والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 328، والأشموني:"420/ 1/ 201"، وديوان قيس:393.
المفردات الغريبة: الشتيتين: المتفرقين -مثنى شتيت؛ يريد المحبين المتباعدين اللذين لا يقدران على الاجتماع.
المعنى: يمني الشاعر نفسه بلقاء ليلى، وعدم اليأس من ذلك؛ لأن الله تبارك وتعالى قادر على جمع شمل المتباعدين اللذين؛ لتباعدهما يقطعان الأمل في اللقاء، ويحسبان حسبانا أكيدا أن لا يلتقيا.
الإعراب: قد: حرف تحقيق. يجمع: فعل مضارع مرفوع. الله: فاعل مرفوع. الشتيتين: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى. بعدما:"بعد" متعلق بـ يجمع. و"ما": حرف مصدري مبني على السكون، لا محل له. يظنان: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والألف: فاعل. كلَّ: مفعول مطلق منصوب، وهو مضاف. الظن: مضاف إليه؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالإضافة بعد "بعد"؛ والتقدير: بعد ظنهما كل الظن. أن: مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف؛ وتقدير الكلام: أنه -أي الحال والشأن- لا: نافية للجنس تعمل عمل "إن". تلاقيا: اسم "لا" النافية للجنس مبني على الفتح في محل نصب، والألف للإطلاق، وخبر "لا" محذوف. والتقدير: لا تلاقي لهما؛ والجملة من "لا واسمها وخبرها": في محل رفع خبر "أن" المخففة و"أن المخففة وما دخلت عليه": سدت مسد مفعولي "يظنان".
موطن الشاهد: "يظنان كل الظن".
وجه الاستشهاد: انتصاب "كل" على أنه مفعول مطلق نائب عن المصدر، ومعلوم أنه ينصب كل من "كل وبعض" على المفعولية المطلقة؛ إذا أضيفا إلى المصدر، كما علمنا سابقا؛ والأصل في الشاهد: يظنان ظنا كل الظن؛ فحذف المصدر وأنيب عنه "كل"؛ لتوفر الشرط، وهو إضافة إلى مثل المصدر المحذوف.
1 أي مقصود به معنى الجنس، فهو يدل بنفسه على القليل والكثير، فيستغنى بهذه الدلالة عن الدلالة العددية في التثنية والجمع، وأيضا: فهو بمنزلة تكرار الفعل، والفعل لا يثنى ولا يجمع، ومثله في ذلك ما ينوب عنه. التصريح: 1/ 329.
ضربتين وضربات؛ لأنه كتمرة وكلمة، واختلف في النوعين: فالمشهور الجواز1، وظاهر مذهب سيبويه المنع، واختاره الشلوبين.
[جواز حذف العامل في المصدر غير المؤكد] :
فصل: اتفقوا على أنه يجوز لدليل، مقالي2 أو حالي، حذف عامل المصدر غير المؤكد، كأن يقال:"ما جلست" فتقول: "بلى جلوسا طويلا"، أو:"بلى جلستين" وكقولك لمن قدم من سفر: "قدوما مباركا".
وأما المؤكد فزعم ابن مالك أنه لا يحذف عامله؛ لأنه إنما جيء به لتقويته وتقرير معناه، والحذف مُنافٍ لهما3، ورده ابنه بأنه قد حذف جوازا في نحو:"أنت سيرا"4 ووجوبا في: "أنت سيرا سيرا" وفي نحو: "سَقيًا ورَعْيًا"5.
1 أي جواز تثنيته وجمعه، وذلك إذا اختلفت أنواعه. وقد جاء في القرآن الكريم:{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} . ومثله المبين للعدد. ويجوز تقديمها على العامل ولا يعملان شيئا، فليس لهما فاعل ولا مفعول.
ويرى ابن مالك: أن المصدر المؤكد يجب إفراده، أما غيره فثنه إن شئت، واجمعه، أو اجعله مفردا.
2 الدليل المقالي: الذي يكون مرجعه إلى القول والكلام، أما الحالي فهو الذي يعتمد على المشاهدة أو نحوها، مما يحيط بالشخص ويجعله يفهم أمرا مستنبطا مما حوله، ولا شأن له بالقول أو الكلام.
3 ومن أجل ذلك لا يصح تثنيته ولا جمعه، ولا أن يرفع فاعلا، أو ينصب مفعولا، أو يتقدم على عامله، أو يحذف عامله؛ لأن الحذف منافٍ لتلك الحكمة. مناف للغرض من الإتيان بالمصدر المؤكد.
4 أي مما وقع فيه المصدر خبرا عن اسم عين، غير مكرر ولا محصور.
5 أي إذا كان مكررا نحو: أنت سيرا سيرا، أو محصورا نحو: ما أنت إلا سيرا، وإنما أنت سيرا، أو غير ذلك نحو: سقيا ورعيا، وحمدا وشكرا.
وإنما وجب الحذف في ذلك؛ لقيام التكرار والحصر مقام العامل.
ويجاب عن الناظم. بأن هذه المصادر ليست من المؤكد الآن؛ بل المصدر فيها نائب مناب الفعل وعوض منه؛ بدليل أنه يمتنع الجمع بينهما، ولا شيء من المؤكدات يمتنع الجمع بينه وبين المؤكد. التصريح: 1/ 329.
[قد يقام المصدر مقام فعله فيمتنع ذكره معه] :
وقد يقام المصدر مقام فعله فيمتنع ذكره معه، وهو نوعان:
1-
ما لا فعل له، نحو:"ويل زيد" و: "ويحه". [الكامل]
247-
و1 بله الأكف
…
2
فيقدر له عامل من معناه على حد "قعدت جلوسا".
1 إشارة إلى قول كعب بن مالك الأنصاري الصحابي المعروف.
2 تخريج الشاهد: "هذا قطعة من بيت، من قصيدة لكعب يقولها في غزوة الخندق، يصف شدة فتك السيوف بالأعداء، وهو بتمامه:
تذر الجماجم ضاحيا هاماتها
…
بله الأكف كأنها لم تخلق
وينشد قبله:
نصل السيوف إذا قصرن بخطونا
…
قدما ونلحقها إذا لم تلحق
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 330، والأشموني:"427/ 1/ 215"، والهمع: 1/ 236، والدر: 1/ 200، والسيرة: 507، وشرح المفصل: 4/ 47، 48، والخزانة: 3/ 10، ومغني اللبيب:"182/ 156"، وشرح السيوطي: 122، وديوان كعب:245.
المفردات الغريبة: تذر: تترك. الجاجم: جمع جمجمة، وهي عظم الرأس المشتمل على الدماغ، ضاحيا: بارزا للشمس. هاماتها: جمع هامة، وهي الرأس.
المعنى: إن هذه السيوف شديدة الفتك بالأعداء، تترك الرؤوس -بعد فصلها عن الأجسام- معرضة للشمس على أرض المعركة، أما الأكف - فليس لها أثر، كأنها لم تخلق.
الإعراب: تذر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي. يعود إلى السيوف في بيت سابق. الجماجم: مفعول به منصوب، لفعل تذر. ضاحيا: حال من الجماجم منصوب. هاماتها: فاعل "لـ "ضاحيا"؛ لأنه اسم فاعل؛ و"ها" الضمير العائد إلى الغيبة في محل جر بالإضافة. بله: مفعول مطلق لفعل محذوف من معناه ناب عنه -وهذا الوجه الذي أراده المؤلف- ويمكن أن يكون "بله": اسم فعل أمر، والأكف: مفعول به، على رواية نصب "الأكف" وأما على الأول: فالتقدير: اترك بله الأكف؛ وعلى هذا الوجه؛ فـ "بله" مصدر لا فعل له من لفظه، وله فعل من معناه، وهو اترك؛ وكأنه قال: اترك تركا. وبله: مضاف والأكف: مضاف إليه. كأنها: حرف مشبه بالفعل، و"ها" اسمها: لم: نافية جازمة: تخلق: فعل مضارع مبني للمجهول، =
2-
وما له فعل، وهو نوعان: واقع في الطلب1، وهو الوراد دعاء، كـ:"سقيا ورعيا، وجدعا"، أو أمرا أو نهيا، نحو:"قياما لا قعودا" ونحو: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} 2، وقوله3:[الطويل]
248-
فندلا زريق المال ندل الثعالبِ4
= مجزوم بلم، وعلامة جزمه السكون وحُرِّك بالكسر؛ لضرورة الروي، ونائب الفاعل: هي؛ وجملة "الفعل ونائب فاعله": في محل رفع خبر "أن".
موطن الشاهد: "بله الأكف".
وجه الاستشهاد: مجيء "الأكف" في روايتين؛ إحداهما: منصوبة والثانية مكسورة. فعلى رواية النصب: تخرج على أن بله اسم فعل أمر، فاعله ضمير مستتر فيه وجوبا؛ تقديره: أنت. والأكف: مفعول به، وانتصابه كانتصاب الكتاب في قولك:"دونك الكتاب"، وانتصاب الاسم بعد اسم الفعل.
وعلى رواية الجر: فتخرج على أن "بله" مصدر ليس له فعل من لفظه، والأكف مجرور بإضافة هذا المصدر إليه -كما أسلفنا في الإعراب- نحو قوله تعالى:{فَضَرْبَ الرِّقَاب} غير أن "ضرب" له فعل من لفظه، و"بله" ليس له فعل من لفظه. انظر شرح التصريح: 1/ 330، وحاشية الصبان: 2/ 121-122.
1 أي: في أسلوب إنشائي مقصود به الطلب، سواء كان طلب فعل أو ترك، أو إقرار للشيء؛ أو عدم إقراره.
2 "47" سورة محمد، الآية:4.
موطن الشاهد: {ضَرْبَ الرِّقَابِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ضرب" مفعولا مطلقا مضافا إلى الرقاب؛ فهو مبين للنوع؛ والتقدير: فاضربوا ضرب الرقاب.
3 قيل هو أعشى همدان، وقيل جرير، وقيل الأحوص، ورجح العيني النسبة إلى أعشى همدان كما نسبه صاحب الحماسة البصرية. شرح العيني بذيل حاشية الصبان: 2/ 116،
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
على حين ألهى الناس جُلُّ أمورِهِمْ
والبيت يقوله الشاعر في هجاء لصوص، وينشد قبله:
يمرون بالدهنا خفافا عيابهم
…
ويرجعن من دارين بُجْرَ الحقائب
والشاهد من شواهد: التصريح: / 331، والأشموني: 1/ 212 عرضا، وابن عقيل =
.........................................................................
= "162/ 2/ 178" والكتاب: 1/ 59، والخصائص: 1/ 120، والإنصاف: 1/ 293، والعيني: 3/ 46، 523، وملحقات ديوان الأحوص.
المفردات الغريبة: الدهنا: موضع بنجد، وهو ممدود، وقصر للشعر. عيابهم، جمع عيبة، وهي الوعاء يوضع فيه الزاد والثياب كالحقيبة. دارين: موضع بالبحرين مشهور بالمسك، ويقال: مسك داري. بجر: جمع أبجر، وهو العظيم البطن، وإضافته للحقائب من إضافة الصفة إلى الموصوف. الحقائب: جمع حقيبة؛ وهي العيبة. ألهى الناس: شغلهم؛ من الإلهاء؛ وهو شغلك عن الشيء. جل: معظم وأكثر. ندلا؛ الندل: التناول والاختطاف بسرعة وخفة. زريق: اسم قبيلة، أو رجل.
المعنى: يصف أولئك اللصوص بأنهم يخرجون للسرقة فيمرون بالدهناء، وحقائبهم فارغة، ثم يسرقون ويرجعون من دارين، وقد امتلأت حقائبهم بما سرقوا، وهم ينتهزون فرصة اشتغال الناس بأمورهم ومهامهم، ويوصي بعضهم بعضا بالسرعة في الخطف والحيلة؛ كما تفعل الثعالب التي يضرب بها المثل في ذلك، فيقال: أخطف من ثعلب.
الإعراب: "على حين": متعلق بـ "يمرون" في البيت السابق: ألهى: فعل ماضٍ. الناس: مفعول به. جل: فاعل مرفوع لـ "ألهى" وهو مضاف. أمورهم: مضاف إليه، و"هم" مضاف إليه ثانٍ. وجملة "ألهى الناس جل أمورهم": في محل جر بالإضافة. ندلا: مفعول مطلق بفعل محذوف؛ والتقدير: فاندل ندلا. زريق: منادى بحرف نداء محذوف؛ والتقدير: يا زريق. المال: مفعول به لـ "ندلا". ندل: مفعول مطلق مبين للنوع واقع بدلا من قوله: "ندلا" السابق، وهو مضاف. الثعالب: مضاف إليه. وذهب الدنوشري إلى أن قوله: "ندل الثعالب": صفة لـ "ندلا" السابق؛ وقال: لا يضر كونه معرفة و"ندلا" السابق نكرة؛ لأنه على حذف مضاف؛ والتقدير: مثل ندل الثعالب؛ و"مثل": لا تتعرف بالإضافة إلى معرفة؛ وقال بعضهم؛ المعرف بـ "أل الجنسية" يقع صفة للنكرة؛ وهذا بعيد- وجعل الشاهد منه. انظر حاشية الشيخ يس على التصريح: 1/ 331.
موطن الشاهد: "ندلا".
وجه الاستشهاد: مجيء "ندلا" مصدرا نائبا عن فعله، وهو واقع في الطلب؛ لأن معناه: اندل -أي: اخطف- وهل ينوب هذا المصدر عن الفعل في الدلالة على معناه؟ وفي تحمل ضميره المستتر الذي كان فاعلا له، فيصير بعد الحذف فاعلا للمصدر؟ أو ينوب عن الفعل المحذوف. وفاعله معا؛ فلا يحتاج إلى فاعل؟ في المسألة قولان؛ والأول أحسن؛ لأنه مساير للقواعد، والثاني: أيسر وأخف. ضياء السالك: 2/ 124.
كذا أطلق ابن مالك، وخص ابن عصفور1 الوجوب بالتكرار، كقوله2:[الوافر]
249-
فصبرا في مجال الموت صبرا3
1 مرت ترجمته.
2 القائل هو: قطري بن الفجاءة الخارجي التميمي، رأس الخوارج، وأحد الأبطال المذكورين، خرج في مدة ابن الزبير، له وقائع مشهورة في التغلُّب على بعض نواحي فارس، أرسل إليه الحجاج جيشا عظيما، فأصيب، وقتله الجند بعد ذلك وأرسل رأسه إلى الحجاج وذلك سنة: 77 هـ. خزانة الأدب: 10/ 163.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فما نيل الخلود بمستطاع
وهو من قصيدته المشهورة التي مطلعها:
أقول لها وقد طارت شعاعا
…
من الأبطال: ويحك لن تراعي
فإنك لو سألت بقاء يوم
…
على الأجل المقدر لم تطاعي
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 331، والأشموني:"423/ 1/ 212"، والمرتضى: 1/ 236 والعيني: 3/ 51، وحاشية يس: 1/ 330، وشرح التبريزي على الحماسة: 1/ 96.
المفردات الغريبة: مجال الموت: مكان المعركة الذي يجول فيه الفرسان، الخلود: البقاء المستمر.
المعنى: اصبري أيتها النفس، ولا تيأسي، واثبتي في موطن القتال حتى تحققي النصر أو تموتي موتا شريفا؛ فالفرار من القتال لا ينجي، والبقاء في هذه الدنيا غير ممكن، فلم الخوف والفزع؟!
الإعراب: صبرا: مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا؛ والتقدير: اصبري صبرا. "في مجال": متعلق بـ "صبرا". الموت: مضاف إليه. صبرا: توكيد للمصدر الأول. فما: الفاء تفريعية، و"ما" نافية. نيل: مبتدأ مرفوع؛ أو اسم "ما" العاملة عمل "ليس"، وهو مضاف. الخلود: مضاف إليه. بمستطاع: الباء حرف جر زائد. مستطاع: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر "ما" الحجازية؛ أو خبر المبتدأ على إهمال "ما"، والأفضل الإعمال.
موطن الشاهد: "صبرا في مجال الموت صبرا".
وجه الاستشهاد: مجيء المصدر "صبرا" مكررا في البيت، وهو قائم مقام فعل الأمر، ولذا وجب حذف عامله هنا إجماعا؛ لأن ابن مالك وغيره من النحاة يرون وجوب الحذف متى كان المصدر واقعا موقع فعل الأمر من غير قيد؛ وابن عصفور ومن تبعه من النحاة يرون أن تكرار المصدر القائم مقام فعل الأمر، يوجب حذف المصدر، وفي هذا الشاهد تحقق الشرطان، فلا خلاف في وجوب حذف العامل.
أو مقرونا باستفهام توبيخي، نحو: أتوانيًا وقد جد قرناؤك؟ " وقوله1: [الوافر]
250-
ألؤمًا لا أبا لك واغترابا؟
1 القائل، هو: جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته.
تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
أعبدا حَلَّ في شُعَبَى غريبا
والبيت من كلمة لجرير في هجاء خالد بن يزيد الكندي، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 331، 2/ 171، 189، والأشموني:"424/ 1/ 212"، والكتاب لسيبويه: 1/ 17، 173، والجمل للزجاجي: 168، والخزانة: 1/ 308، والعيني: 3/ 49، 4/ 215، 506، وديوان جرير:62.
المفردات الغريبة: حل: نزل واستقر. شعبى "بألف مقصورة": موضع، أو المراد جبال متشعبة. غريبا: وصف من الغربة وهي البعد عن الأهل والوطن. ألؤما: اللؤم الخسة والدناءة. لا أبا لك: المقصود بهذا الأسلوب هنا الذم -أي أنه مجهول النسب. اغترابا: بعدا عن الوطن.
المعنى: يهجو الشاعر رجلا، فيقول له: أيها الذليل الحقير الذي حل بهذا المكان -وهو عنه غريب- لا أهل له بهذا المكان ولا عشيرة؛ ثم تفخر؟ بعد أن جمعت ما بين الدناءة والاغتراب.
الإعراب: أعبدا: الهمزة حرف نداء. عبدا: منادى منصوب. ويجوز أن تكون الهمزة حرف استفهام داخلة على فعل محذوف، والتقدير: أتفخر -مثلا- والفاعل: أنت. وعبدا: حال من الفاعل. حل: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، يعود إلى "عبدا"؛ وجملة "حل": في محل نصب صفة لـ "عبدا". غريبا: حال من الفاعل. ألؤما: الهمزة للاستفهام التوبيخي، و"لؤما": مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا؛ والتقدير: أتلؤم لؤما؟. لا: نافية للجنس. أبا: اسم لا منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة. لك: اللام زائدة لتأكيد الإضافة، والكاف: في محل جر بالإضافة؛ والتقدير: لا أباك. واغترابا: الواو عاطفة، اغترابا: مفعول مطلق لعامل محذوف؛ والتقدير: وتغترب اغترابا؟؛ و"جملة الفعل المحذوف" معطوف على جملة "أتلؤم لؤما"؟.
موطن الشاهد: "ألؤما واغترابا".
وجه الاستشهاد: وقوع كل من "لؤما" و"اغترابا" مصدرا نائبا عن فعله بعد الاستفهام التوبيخي، فعامله محذوف وجوبا باتفاق.
وواقع في الخبر1، وذلك في مسائل:
إحداها: مصادر مسموعة كثر استعمالها، ودلت القرائن على عاملها، كقولهم عند تذكر نعمة وشدة:"حمدا وشكرا لا كفرا" و: "صبرا لا جزعا" وعند ظهور أمر معجب "عجبا" وعند خطاب مرضي عنه أو مغضوب عليه "أفعله وكرامة ومسرة" و: "لا أفعله ولا كيدا ولا هما".
الثانية: أن يكون تفصيلا لعاقبة ما قبله2، نحو:{فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 3.
الثالثة: أن يكون مكررا، أو محصورا، أو مستفهما عنه، وعامله خبر عن اسم عين، نحو:"أنت سيرا سيرا" و: "ما أنت إلا سيرا" و: "إنما أنت سير البريد" و: "أأنت سيرا؟ ".
الرابعة: أن يكون مؤكدا لنفسه أو لغيره؛ فالأول الواقع بعد جملة هي نص في
1 هذا هو النوع الثاني المقابل لقوله سابقا "واقع في الطلب"، والمراد بالخبر هنا: ما ليس بطلب، فيشمل الإنشاء، غير الطلبي كصيغة التعجب، والمدح والذم، وجملة القسم، لا جملة الجواب. ومثل حمدا وشكرا. وقد جعل النحاة ذلك من قسم الخبر، نظرا لصورة العامل ولفظه. وقيل: إنها أساليب خبرية لفظا ومعنى.
2 أي أن يكون المصدر في موضع يوضح ويفصل عاقبة جملة قبله؛ أي يبين الغاية والغرض من مضمون الجملة قبله، وذلك يكون بوقوعه بعد أداة تفيد التفصيل.
3 "47" سورة محمد، الآية:4.
موطن الشاهد: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} .
وجه الاستشهاد: مجيء "منا وفداء" تفصيلا وتوضيحا لعاقبة الأمر بشد الوثاق؛ والتقدير: فإما أن تمنوا مَنًّا بإطلاق الأسرى من دون فداء، وإما أن تفدوا فداء. "والفداء: العوض الحالي" وقد ناب كل منهما عن فعله في بيان معناه؛ وحذف العامل في هذه الحال الوجوب.
معناه، نحو:"له علي ألف عرفا"1 أي: اعترافا، والثاني: الواقع بعد جملة تحتمل معناه وغيره، نحو:"زيد ابني حقا"2 و: "هذا زيد الحقَّ لا الباطل" و: "لا أفعل كذا البتة"3.
الخامسة: أن يكون فعلا علاجيا تشبيهيًّا، بعد جملة مشتملة عليه وعلى صاحبه، كـ:"مررت [بزيد] فإذا له صوتٌ صوتَ حمار، وبكاءٌ بكاءَ ذات داهية"4.
[متى يجب الرفع] :
ويجب الرفع في نحو: "له ذكاءٌ ذكاءُ الحكماء" لأنه معنوي لا علاجي، وفي نحو:"صوتُه صوتُ حمار" لعدم تقدم جملة، وفي نحو:"فإذا في الدار صوتٌ صوتُ حمار" ونحو: "فإذا عليه نوحٌ نوحُ الحمام" لعدم تقدم صاحبه، وربما نصب نحو هذين، لكن على الحال.
تنبيه: مِثلُ: "له صوتٌ صوتَ حمار" قولُه5: [البسيط]
1 جملة "له علي ألف" نص في الاعتراف لا تحتمل غيره، فمدلول الجملة هو مدلول المصدر، وسمي مؤكدا لنفسه؛ لأنه بمنزلة إعادة الجملة التي قبله.
2 هذه الجملة تحتمل الحقيقة، وتحتمل المجاز على معنى:"أنت مثل ابني في الحنو والعطف"، وقد صارت نصا بالمصدر وهو "حقا" لأنه أزال الشك ورفع المجاز وأثبت الحقيقة، ولذلك سمي مؤكدا لغيره؛ لأنه جعل ما قبله نصا بعد أن كان محتملا، وأثر فيه فكأنه غيره؛ لأن المؤثِّر غير المؤثَّر. التصريح: 1/ 333.
3 جملة "لا أفعل كذا" تحتمل استمرار النفي وانقطاعه، وكلمة "ألبتة" رفعت احتمال الانقطاع، وحققت استمرار النفي.
4 يجوز في هذين المثالين -مع استيفاء كل الشروط التي ذكرها المؤلف كغيره من النحاة- الرفع، على أن المصدر الثاني بدل من المصدر الأول، أو على أن الثاني نعت للأول؛ لأنه تخصص بإضافته إلى ما بعده.
5 القائل هو: أبو كبير الهذلي؛ عامر بن الحليس، شاعر فحل من شعراء الحماسة، من هذيل، أدرك الإسلام، وأسلم، له خبر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وله ديوان شعر مطبوع. الأعلام "ط: 3": 4/ 16، وسمط اللآلي:387.
251-
ما إن يمس الأرض إلا منكب
…
منه وحرف السابق، طي المحمل1
لأن ما قبله بمنزلة "له طيء"2، قاله سيبويه.
1 تخريج الشاهد: هذا البيت في وصف أبي كبير الهذلي لتأبط شرا؛ ابن امرأته، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 334، والأشموني:"426/ 1/ 214"، والكتاب لسيبويه: 1/ 180، والمقتضب: 3/ 203، 232، والخصائص: 2/ 309، والإنصاف: 1/ 230، والعيني: 3/ 54، وديوان الهذليين: 2/ 93.
المفردات الغريبة: المنكب: مجمع عظم العضد والكتف. المحمل: علاقة السيف.
المعنى: يصف تأبط شرا بأنه ضامر مدمج الخلق كطي المحمل، إذا اضطجع، لا يصل بطنه إلى الأرض، وإنما يمس الأرض من منكبه، وحرف ساقه، وإن له تجافيا كتجافي حمالة السيف.
الإعراب: ما: نافية مهملة. "إن: زائدة لتأكيد النفي. يمس: فعل مضارع مرفوع. الأرض: مفعول به لـ "يمس" تقدم على الفاعل. إلا: أداة حصر. منكب: فاعل مرفوع. "منه": متعلق بمحذوف صفة لـ "منكب". وحرف: الواو عاطفة. حرف: معطوف على منكب، وحرف: مضاف، والساق: مضاف إليه. طي المحمل: مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف وجوبا، والمحمل: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "طي المحمل".
وجه الاستشهاد: نصب المصدر بفعل محذوف وجوبا، كما في قولهم: له صوت صوت حمار؛ وهو وإن لم تسبقه جملة مستكملة للشروط التي ذكرت، غير أن الكلام السابق على المصدر، يدل على ما تدل عليه الجملة، كما ذكر المؤلف؛ فكلام الشاعر، معناه:"إن هذا الغلام إذا نام على الأرض، تجافى جسمه كل عنها إلا منكبه وحرف ساقه" فكأنه قال: "له طي"؛ فهي جملة مشتملة على المصدر وعلى صاحبه. انظر شرح التصريح: 1/ 334.
2 أي: وهذه جملة مشتملة على المصدر وصاحبه.
فائدتان:
أ- إذا أضيف المصدر مثل: ويلك، ويحك، بعدك، يكثر نصبه على المصدرية، ويجوز فهي على قلة الرفع على الابتداء. وإذا أفرد، جاز الأمران على السواء. وإذا كان معرفا بأل فرفعه أحسن من نصبه نحو: الويل له، ويرفع مبتدأ أو خبر ما يفيد الطلب نحو: صبر جميل، أي صبر جميل أجمل، أو أمري صبر جميل وخبر المكرر والمحصور، والمؤكد، وما يفيد الخبر؛ نحو: عجب لتلك قضية أي: أمري عجب. وقيل: عجب مبتدأ، ولتلك خبر. ضياء السالك: 2/ 131. =
.........................................................................
= ب- هنالك مصادر مسموعة بالنصب بصيغة التثنية مع الإضافة، مثل: لبيك وسعديك، وحنانيك
…
، ونصبها بفعل محذوف وجوبا، وهي نائبة عنه، والأصل: ألبى لبيك، وأسعد سعديك، وحن حنانيك. ومن المصادر ما هو مفرد منصوب ملازم للإضافة إلا في الضرورة. مثل: سبحان الله -أي براءة له من النقص، ومعاذ الله، أي عياذا واستعانة به. ضياء السالك: 2/ 131.