الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب النائب عن الفاعل] :
هذا باب النائب عن الفاعل:
[أسباب حذف الفاعل:]
قد يحذف الفاعل؛ لِلجهل به1 كـ: "سرق المتاع" أو لغرض لفظي كتصحيح النظم في قوله2: [البسيط]
224-
علقتها عرضا، وعلقت رجلا
…
غيري، وعلق أخرى ذلك الرجل3
1 أو بنية الإيجاز في العبارة، كقوله تعالى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} أو للماثلة بين حركات الحروف الأخيرة في السجع، نحو:"من طابت سريرته حمدت سيرته".
أو للمحافظة على وزن الشعر في الكلام المنظوم نحو بيت الأعشى المستشهد به.
2 المراد الأعشى، ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: البيت من لامية الأعشى والتي تعد من المعلقات عند من يزيدها على السبع، ومطلعها قوله:
ودِّعْ هريرةَ؛ إن الركب مرتحلُ
…
وهل تطيق وداعا أيها الرَّجُلُ؟
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 286، والعيني: 2/ 504، وديوان الأعشى:43.
المفردات الغريبة: علقتها: أحببتها وتعلقت بها. عرضا: أي من غير قصد وتعمد، وقال ابن السكيت في قوله: علقتها عرضا: أي كانت عرضا من الأعراض اعترضني من غير أن أطلبه.
المعنى: حبب الله إلي هريرة، وعلقت بها حين اعترضني من غير قصد ولا تعمد مني لرؤيتها، وحببها في رجل غيري، وحبب إلي ذلك الرجل امرأة أخرى؛ فكل تعلق قلبه بشخص لم يعبأ به، ولم يلتفت إليه.
الإعراب: علقتها: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل وهو المفعول الأول، و"ها": مفعول به ثانٍ. عرضا: مفعول مطلق؛ لبيان نوع العامل. وعلقت: الواو عاطفة. علقت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء للتأنيث؛ ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي، يعود إلى هريرة؛ وهو المفعول الأول. رجلا: =
أو معنوي كأن لا يتعلق بذكره غرض، نحو:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} 1، {وَإِذَا حُيِّيتُمْ} 2، {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا} 3.
[ما ينوب عن الفاعل أحد أربعة أشياء] :
فينوب عنه في رفعه، وعمديته، ووجوب التأخير عن فعله، واستحقاق للاتصال به، وتأنيث الفعل لتأنيثه، واحد من أربعة4:
= مفعول به ثان. غيري: صفة لـ "رجلا" ومضاف إليه. وعلق: الواو عاطفة، علق: فعل ماضٍ مبني للمجهول، أخرى: مفعول به مقدم. ذلك: "ذا" اسم إشارة في محل رفع نائب فاعل؛ وهو المفعول الأول، واللام: للبعد، والكاف: للخطاب. الرجل: بدل من اسم الإشارة.
موطن الشاهد: "علقتها، علقت، علق".
وجه الاستشهاد: بنى الشاعر الأفعال الثلاثة للمجهول، بعد أن حذف الفاعل للعلم به؛ وهو الله تعالى؛ وذلك لقصد تصحيح النظم؛ لأنه لو قال: علقني الله إياها، وعلقها رجلا غيري؛ وعلق الله أخرى ذلك الرجل، لطال الكلام، ولما استقام الوزن.
1 "2" سورة البقرة، الآية:166.
موطن الشاهد: {أُحْصِرْتُمْ} .
وجه الاستشهاد: بني الفعل "أحصر" للمجهول، وحذف الفاعل لغرض معنوي؛ لأنه لا يتعلق بذكره غرض أو قصد؛ وليس الغاية من هذا الفعل إسناده إلى فاعل مخصوص؛ بل إلى أي فاعل كان.
2 "4" سورة النساء، الآية:86.
موطن الشاهد: {حُيِّيتُمْ} .
وجه الاستشهاد: حذف الفاعل لغرض معنوي كما في الآية السابقة.
3 "58" سورة المجادلة، الآية:11.
موطن الشاهد: {قِيلَ} .
وجه الاستشهاد: حذف الفاعل لغرض معنوي كما في الآيتين السابقتين.
4 يفهم من هذه العبارة أنه لا يجوز أن ينوب عن الفاعل اثنان أو أكثر؛ وذلك لأنه كما لا يكون للفعل إلا فاعل واحد، لا يكون للفعل المبني إلا نائب فاعل واحد.
ومعلوم أن إسناد الفعل المبني للمجهول إلى نائب الفاعل؛ له صورتان:
إحداهما: إسناده إلى المفعول الذي تحول إلى نائب فاعل، وهذه حقيقة عقلية كإسناد الفعل المبني للمعلوم إلى الفاعل.
الثانية: إسناده إلى غير المفعول به كالظرف الزماني أو المكاني، والمصدر، والجار والمجرور فمجاز؛ لأنهم يعرفون الحقيقة الفعلية بأنها:"إسناد الفعل أو ما هو بمعناه إلى ما بني له"؛ ومعلوم أن الفعل المبني للمجهول إنما بني للمفعول كما أن الفعل المبني للمعلوم بني للفاعل، ولم يبن واحد منهما للزمان، أو للمكان، أو المصدر؛ لهذا كان إسناد المبني للمعلوم وإسناد المبني للمجهول إلى الزمان أو المكان أو المصدر مجازا عقليا. انظر حاشية الشيخ يس: 1/ 287.
الأول: المفعول به، نحو:{وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} 1.
الثاني: المجرور، نحو:{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} 2، وقولك:"سِيرَ بِزيدٍ".
وقال ابن درستويه3 والسهيلي4 وتلميذه الرندي5: النائب ضمير المصدر لا المجرور؛ لأنه لا يتبع على المحل بالرفع، ولأنه يقدم، نحو:{كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} 6، ولأنه إذا تقدم لم يكن مبتدأ، وكل شيء ينوب عن الفاعل فإنه إذا تقدم
1 "11" سورة هود، الآية:44.
موطن الشاهد: {وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} .
وجه الاستشهاد: حذف الفاعل وأنيب عنه المفعول به في الموضعين؛ لِلعلم به، والأصل: أغاض الله الماء، وقضى الله الأمر؛ فصار المفعول به مرفوعا عمدة واجب التأخير عن الفعل.
2 "7" سورة الأعراف، الآية:149.
موطن الشاهد: {سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} .
وجه الاستشهاد: استشهد الجمهور بالآية الكريمة على مجيء الجار والمجرور نائب فاعل؛ لأن المجرور بالحرف مفعول به معنى؛ ولذا تصح نيابته عن الفاعل خلافا لمن ذكرهم المؤلف في المتن.
3 مرت ترجمته.
4 مرت ترجمته.
5 هو: أبو علي عمر بن عبد المجيد الرندي -نسبة إلى رندة، حصن أو قرية في الأندلس- كان أستاذا في النحو، من تلاميذ السهيلي، قرأ عليه القراءات. له شرح على جمل الزجاجي، اسمه الفاخر ورَدَّ على ابن خروف منتصرا لشيخه السهيلي، وهو هو مقرئي كتاب سيبويه، مات سنة 610 هـ.
البلغة: 172، بغية الوعاة: 2/ 220، طبقات القراء: 1/ 594، معجم المؤلفين: 7/ 295.
6 "17" سورة الإسراء، الآية:36.
موطن الشاهد: {عَنْهُ مَسْؤُولًا} .
وجه الاستشهاد: استشهد المخالفون للجمهور بهذه الآية على عدم مجيء "الجار والمجرور" نائب فاعل؛ لأنه لو كان "عنه" نائب فاعل؛ لما تقدم على عامله "مسؤولا"؛ ومعلوم أن الفاعل لا يتقدم على عامله، فنائبه كذلك؛ لأنه لا يتقدم الفرع إلا حيث يتقدم الأصل.
كان مبتدأ، ولأن الفعل لا يؤنث له في نحو:"مُرَّ بِهِنْدٍ".
ولنا قولهم: "سير بزيد سيرا" وأنه إنما يراعى محل يظهر في الفصيح، نحو:"لست بقائمٍ ولا قاعدًا" بخلاف نحو: "مررت بزيد الفاضلَ" بالنصب، أو:"مُرَّ بزيد الفاضلُ" بالرفع، فلا يجوزان؛ لأنه لا يجوز:"مررت زيدًا" ولا: "مُرَّ زيدٌ" والنائب في الآية ضمير راجع إلى ما رجع إليه اسم كان، وهو المكلف، وامتناع الابتداء؛ لعدم التجرد، وقد أجازوا النيابة في:"لم يضرب من أحد" مع امتناع: "من أحد لم يضرب" وقالوا في: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 1: إن المجرور فاعل مع امتناع: "كَفَتْ بِهند"2.
1 "4" سورة النساء، الآية:79.
موطن الشاهد: {كَفَى بِاللَّهِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الفاعل "لفظ الجلالة" مجرورا بالباء الزائدة؛ لأن الأصل: كفى اللهُ شهيدًا.
2 هذا رد للشبهة الرابعة، وهي أن الفعل لا يؤنث للجار والمجرور كما في "مر بهند"، فقد امتنع أن يقال:"كفت بهند" بالتأنيث مع أن الفاعل في الآية مجرور بحرف جر زائد؛ فمن باب أولى إذا جر بحرف جر أصلي. ضياء السالك: 2/ 42، وشرح التصريح: 1/ 287-288.
فائدة: احتج المانعون نيابة "الجار والمجرور" عن الفاعل بأربعة أدلة هي:
أ- لو جاز للجار والمجرور أن يكون نائب فاعل؛ لجاز أن يجيء التابع للمجرور صفة، أو عطف بيان مرفوعا.
ب- إن "الجار والمجرور" يتقدم على العامل الذي يتطلب نائب فاعل، كما في الآية الكريمة:{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} ، ولو كان نائبا عن الفاعل، لما جاز له أن يتقدم على العامل فيه؛ كما أن الفاعل، لا يجوز أن يتقدم على الفعل والعامل فيه.
ج- إن "الجار والمجرور" إذا تقدم على العامل، لا يصح جعله مبتدأ؛ فلما لم يصح جعله مبتدأ إذا تقدم، فلا يجوز أن يجعل نائبا عن الفاعل.
د- إن الفعل لا يؤنث إذا كان المجرور مؤنثا نحو "مُرَّ بهند"، ولو كان الجار والمجرور ينوب عن الفاعل؛ لوجب تأنيث الفعل؛ لأن نائب الفاعل يأخذ حكم الفاعل في تذكير الفعل وتأنيثه.
الثالث: مصدر مختص1، نحو:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 2، ويمتنع نحو:"سِيرَ سَيرٌ" لعدم الفائدة3، فامتناع سير4 على إضمار السير أحق5، خلافا لمن أجازه، وأما قوله6:[الطويل]
225-
وقالت متى يُبْخَلْ عليك ويُعتَلَلْ7
1 أي مفيد معنى زائدا على معناه المبهم؛ وهو الحدث المجرد؛ ليكون في الإسناد إليه فائدة، ويكون ذلك بتقييده بوصف أو إضافة أو عدد؛ وكالمصدر اسمه.
ويشترط كذلك: أن يكون كل منهما متصرفا؛ أي لا يلازم النصب على المصدرية، كمعاذ وسبحان؛ لأن وقوع أحدهما نائب فاعل يخرجه عن النصب الواجب له.
التصريح: 1/ 289.
2 "69" سورة الحاقة: 13.
موطن الشاهد: {نَفْخَةٌ} .
وجه الاستشهاد: "وقوع "نفخة" نائب فاعل، وهو مصدر متصرف مختص؛ فهو متصرف؛ لكونه مرفوعا، ومختصا؛ لكونه موصوفا بـ "واحدة"؛ وحكم مجيئه نائب فاعل في هذه الحال الجواز.
3 لأن معناه المبهم مستفاد من الفعل، فكأنه جاء لتأكيد معنى فعله، وذلك غير مقصود من الإسناد.
4 أي بالبناء للمجهول؛ على أن يكون نائب فاعله ضمير المصدر المستفاد من الفعل.
والتقدير: سير هو -أي السير.
5 أي: أولى بالمنع؛ لأن ضمير المصدر أكثر إبهاما من الظاهر. أما على إضمار يعود على سير مخصوص مفهوم من غير العامل فجائز.
6 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
7 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
يسؤْكَ، وإن يكشف غرامَك تَدْرَبِ
والبيت من القصيدة التي بارى فيها الشاعر علقمة الفحل، وتحاكما إلى أم جندب، فحكمت لعلقمة. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 289، والأشموني:"385 ج1/ 182" ومغني اللبيب: "905/ 670" والعيني: 4/ 506، وديوان امرئ القيس:42. =
فالمعنى: ويعتلل الاعتلال المعهود، أو اعتلال، ثم خصصه بعليك أخرى محذوفة للدليل، كما تحذف الصفات المخصصة1، وبذلك يوجه:{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} 2.
= المفردات الغريبة: يبخل عليك، المراد: أنهم لا ينيلونه ما يريد. يعتلل: يعتذر، والاعتلال: الاعتذار. يسؤك: يحزنك ويغضبك. غرامك، الغرام: شدة الحب. تدرب: تعتد، من الدرية وهي الاعتياد.
المعنى: يتحدث الشاعر عن تلك المحبوبة التي قالت: إذا ضننت عليك بالوصل، وهجرتك، واعتذرت عن مقابلتك؛ أحزنك ذلك وأغضبك، وأن وصلتك؛ اعتدت ذلك وأكثرت منه؛ ولم تستطع الصبر، وربما علم الناس بذلك، فيفتضح أمرنا؛ فهي لا تقطع وصله لئلا ييأس، ولا تصله كثيرا؛ لئلا يعتاد الوصال، ويطلبه في كل حين.
الإعراب: قالت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث؛ والفاعل: هي. متى: اسم شرط جازم. يبخل: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم؛ لأنه فعل الشرط. "عليك": متعلق بـ "يبخل" في محل رفع نائب فاعل. ويعتلل: الواو عاطفة، يعتلل: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم: لأنه معطوف على فعل "يبخل" المجزوم؛ نائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره: هو؛ أو أن يكون نائب الفاعل مصدرا مشتقا من الفعل محلّىً بـ "أل" العهدية؛ كأن يقال: ويعتلل الاعتلال المعهود، يسؤك: فعل مضارع مجزوم؛ لأنه جواب الشرط، والفاعل: هو، و"الكاف": مفعول به. وإن: الواو عاطفة. إن: حرف شرط جازم. يكشف: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم؛ لأنه فعل الشرط. غرامك: نائب فاعل، و"الكاف": مضاف إليه. تدرب: فعل مضارع مجزوم لوقوعه جوابا للشرط، والفاعل أنت.
موطن الشاهد: "يعتلل".
وجه الاستشهاد: مجيء نائب فاعل هذا الفاعل المبني للمجهول ضمير مصدر مختص بـ "أل" العهدية؛ أو بوصف محذوف مدلول عليه بالجار والمجرور -عليك- المذكور مع الفعل السابق -كما بين المؤلف في المتن- وليس الضمير عائدا على مصدر مبهم من الفعل؛ أي يعتلل اعتلال، كما يقول به جماعة من النحاة؛ لأن نيابة المصدر المبهم ممنوعة عند الجمهور.
1 أي للموصوفات إذا دل عليها دليل، نحو قوله تعالى:{فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} -أي نافعا- بدليل: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} .
التصريح: 1/ 289.
2 "34" سورة سبأ، الآية:54.
موطن الشاهد: {حِيلَ بَيْنَهُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء نائب الفاعل ضميرا يعود إلى المصدر المقترن بـ "أل" العهدية؛ والتقدير: حيل هو؛ أي: الحول المعهود أو حول بينهم؛ وليس النائب الظرف؛ لأنه غير متصرف عند جمهور البصريين، وروي عن الأخفش أنه أجاز أن يكون الظرف في موضع رفع نائب فاعل، وانظر شرح التصريح: 1/ 290.
وقوله1: [الطويل]
226-
فيا لك من ذي حاجة حيل دونها2
1 هو: طرفة بن العبد البكري، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
وما كل ما يهوى امرؤ هو نائله
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 290، والأشموني:"386/ 1/ 183"، والعيني: 2/ 510، وديوان طرفة:41.
المفردات الغريبة: حيل: حجز ومنع، من الحيلولة. يهوى: يريد ويحب. نائله: مدركه وواصل إليه -من نال إذا أصاب.
الإعراب: فيالك: الفاء عاطفة، يا: حرف تنبيه؛ أو حرف نداء، والمنادى محذوف، واللام للاستغاثة، والضمير في محل جر باللام، أو في محل نصب على النداء؛ ويأتي هذا الأسلوب مفيدا معنى التعجب أحيانا. "من ذي": متعلق بمحذوف؛ والتقدير: أستغيث بك من أجل ذي حاجة. حاجة: مضاف إليه. حيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير يعود إلى المصدر المعهود، أو الموصوف؛ والتقدير: حيل هو -أي الحول المعهود- أو حول موصوف بقوله: دونها. "دونها": متعلق بـ "حيل"، أو بمحذوف صفة للمصدر، أو حال من ضمير "حيل"، و"ها": مضاف إليه. وما: نافية. كل: اسم "ما" مرفوع. "ما""الثانية": اسم موصول في محل جر بالإضافة. يهوى: فعل مضارع. امرؤ: فاعل مرفوع وجملة "يهوى امرؤ": صلة للموصول، لا محل لها؛ والعائد محذوف؛ والتقدير: يهواه. هو مبتدأ. نائله: خبر مرفوع، ومضاف إليه؛ وجملة "هو نائله": في محل نصب خبر "ما الحجازية".
موطن الشاهد: "حيل دونها".
وجه الاستشهاد: مجيء نائب الفاعل ضميرا عائدا إلى المصدر المقترن بأل العهدية؛ أو بموصوف بـ "دونها" وليس "دونها" نائب فاعل؛ لأن "دون" ظرف غير متصرف، لا يفارق النصب على الظرفية؛ وكذلك لا يجوز أن يكون ضميرا عائدا إلى مصدر مبهم من الفعل -أي حيل حول- خلافا لابن درستويه ومن تبعه؛ لأنه غير مختص.
وقوله1: [الطويل]
227-
يغضي حياء ويغضى من مهابته2
ولا يقال النائب المجرور؛ لِكونه مفعولا له.
1 هو: الفرزدق؛ همام بن غالب وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فما يُكَلَّمُ إلا حين يَبْتسِمُ
وهو من قصيدة يقولها الشاعر في زين العابدين؛ علي بن الحسين ابن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، ومطلع هذه القصيدة:
هذا الذي تعرف البطحاءُ وطأته
…
والبيت يعرفه والحلُّ والحرمُ
هذا ابن خير عباد الله كلهمُ
…
هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العَلَمُ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 290، 2/ 10، والأشموني:"387/ 1/ 183" والأغاني: 14/ 75، والمؤتلف: 89، والحيوان: 3/ 133، وشرح المفصل: 2/ 353، والعيني: 2/ 543، 3/ 273، والمغني:"600/ 421"، والسيوطي: 249، وليس في ديوان الفرزدق ونسبه بعضهم إلى الحزين الكناني.
المفردات الغريبة: يغضي: من الإغضاء، وهو تقارب بين جفني العين حتى يقربا من الانطباق. مهابته: هيبته وجلاله. يبتسم، الابتسامة: أول الضحك.
المعنى: يصف الفرزدقُ زينَ العابدين بأنه رجل وقور شديد الحياء، يكاد يطبق جفنيه أمام محدِّثِهِ من الحياء، ويغمض الناس جفونهم أمامه من هيبته وجلاله، فلا يكلمه أحد إلا حين يبتسم.
الإعراب: يغضي: فعل مضارع، والفاعل: هو؛ يعود إلى زيد العابدين. حياء: مفعول لأجله منصوب. ويغضى: الواو عاطفة. يغضى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل ضمير يعود إلى المصدر المعهود المفهوم من الفعل؛ أو الموصوف. فما الفاء تفريعية، وما: نافية. يُكَلَّم: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل: هو. إلا: حرف استثناء ملغى؛ أو أداة حصر. "حين": متعلق بـ "يكلم". يبتسم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو؛ وجملة "يبتسم": في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "يُغضَى من مهابته".
وجه الاستشهاد: مجيء نائب الفاعل ضميرا مستترا، يعود إلى المصدر المعهود، أو الموصوف بوصف محذوف؛ والتقدير: يغضي الإغضاء المعهود؛ أو إغضاء حادث من مهابته؛ وليس قوله: "من مهابته" نائب الفاعل -كما يقول الأخفش- لأن "من" الجارة -هنا- تفيد التعليل؛ ويشترط في صحة نيابة الجار أن لا يكون للتعليل كما نعلم؛ وكذلك لا تجوز نيابة المفعول لأجله، ولا الحال، ولا التمييز؛ لأن كل واحد منها بمنزلة جواب عن سؤال مقدر؛ فكأنه من جملة أخرى غير الفاعل والفاعل؛ ومن هنا نعلم السبب الذي من أجله منعت نيابة الجار الذي يدل على التعليل؛ لأن مجروره مبني على سؤال مقدر وهذا تعليل النحاة؛ والعلة الحقيقية محاكاة العرب في كلامهم وأساليبهم.
الرابع: ظرف متصرف مختص1، نحو:"صيم رمضان" و: "جلس أمام الأمير" ويمتنع نيابة نحو عندك ومعك وثم؛ لِامتناع رفعهن، ونحو مكانا وزمانا إذا لم يقيدا2.
[حكم إنابة غير المفعول مع وجوده] :
ولا ينوب غير المفعول به مع وجوده3، وأجازه الكوفيون مطلقا4؛ لِقراءة
1 الظرف الكامل التصرف هو: ما يفارق النصب على الظرفية، وشبهها وهو الجر بمن، ويتنقَّل بين حالات الإعراب المختلفة؛ من رفع إلى نصب وجر على حسب حالة الجملة؛ كيوم، وزمان، وقدام، وخلف
…
إلخ، أما غير المتصرف مطلقا وهو: ما يخرج عن النصب على الظرفية وحدها مثل: قط، وعوض، وناقص التصرف، وهو ما يخرج عن النصب على الظرفية إلى الجر بمن، كـ "عند، ومع، وثم"، فلا يصلح كل منهما للنيابة عن الفعل؛ لأنه لا يفيد الفائدة المطلوبة من الإسناد، ولا يصلح إخراجه عن وضعه العربي. والمختص من الظرف: ما خصص بما يزيل عن معناه الإيهام؛ كأن يكون مضافا أو موصوفا، أو معرفا بالعلمية، نحو: اليوم جميل، أو غير ذلك مما يزيد معناه ويخرجه من الإيهام.
التصريح: 1/ 290.
2 وذلك لعدم الفائدة، فإن قيدا بوصف يخصصهما، نحو: جُلس مكان حسن، وصيم زمان طويل جازت نيابتهما.
3 لأنه الأصل وغيره فرع عنه، فإذا وجد مع المفعول به مصدر، أو ظرف، أو جار ومجرور تعين المفعول به للنيابة؛ ما عدا المفعول المنصوب على نزع الخافض على الصحيح، فلا تجوز نيابته مع وجود المنصوب بنفس الفعل.
4 أي أن ينوب غير المفعول به مع وجوده، سواء تقدم النائب عن المفعول به أم تأخر عنه.
أبي جعفر1: {لِيُجْزَى قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 2، والأخفش بشرط تقدم النائب3، كقوله4:[مشطور الرجز]
228-
ما دام معنيا بذكرٍ قلبَهُ5
1 هو: أبو جعفر؛ يزيد بن القعقاع المخزومي المدني، أحد أصحاب القراءات العشر كان تابعيا جليلا ثقة، وكان إمام أهل المدينة في القراءة، حتى سمي بالقارئ وإليه انتهت رياسة الإقراء بها، ولم يكن أحد أقرأ للسنة منه، توفي سنة: 130 هـ الأعلام "ط. الخامسة، دار الملايين": 8/ 186، وفيات الأعيان: 2/ 278، غاية النهاية: 2/ 382.
2 "45" سورة الجاثية، الآية:14.
أوجه القراءات: قرأ أبو جعفر وعاصم وشيبة "ليجزى قوما"، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والأعمش "لنجزي قوما" وقرأ خلف ويحيى بن وثاب "ليجزي قوما". ورجح أبو عبيد قراءة "ليجزي"؛ لِيعود الضمير على الله عز وجل؛ وقراءة "ليُجزَى" بمعنى ليُجزَى الجزاء قوما؛ فأضمر الجزاء؛ ولو أظهره لم يجُزْ؛ فكيف وقد أضمره؟. انظر: إتحاف فضلاء، البشر: 3900، وإعراب القرآن للنحاس:"3/ 128، والنشر: 2/ 372".
موطن الشاهد: "ليُجزَى قوما".
وجه الاستشهاد: استدل الكوفيون بهذه الآية الكريمة على نيابة غيره؛ المفعول به عن الفاعل مع وجود المفعول به على قراءة أبي جعفر، وأما على القراءات الأخرى؛ فلا شاهد في الآية.
3 نحو "ضُرِب في داره محمدا"، فإن تقدم المفعول به تعين للنيابة.
4 لم ينسب هذا الرجز إلى قائل معين.
5 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور وصدره قوله:
وإنما يُرضي المنيبُ رَبَّهُ
وقبل الشاهد قوله:
ليس مُنِيبًا امرؤ مُنَبَّهُ
…
للصالحات، مُتَنَاسٍ ذَنْبَهُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 291، والأشموني:"379/ 1/ 184" والعيني: 2/ 519، وقطر الندى:"77/ 255".
المفردات الغريبة: المنيب: اسم فاعل، من أناب، إذا رجع؛ "والإنابة": الرجوع إلى الله تعالى بفعل الطاعات وترك المعاصي. معنيا: مهتما ومولعا، وهو اسم مفعول من عني، بالبناء للمجهول لزوما. =
وقوله1: [مشطور الرجز]
229-
لم يُعْنَ بالعلياء إلا سيدا2
= المعنى: تصح توبة الإنسان، وينال عليها صاحبها الأجر والثواب ما دام قلبه متعلقا بذكر ربه تبارك وتعالى خائفا منه، نادما على ما بدر منه، مقلعا عن الذنوب والآثام.
الإعراب: إنما كافة ومكفوفة تفيد الحصر. يرضي: فعل مضارع مرفوع. المنيب: فاعل مرفوع. ربه: مفعول به، والهاء: مضاف إليه. ما: مصدرية ظرفية، دام: فعل ماضٍ ناقص، واسمه يعود إلى المنيب. معنيا: خبر دام منصوب. "بذكر": في محل رفع نائب فاعل لـ "معنيا"؛ لأنه اسم مفعول. قلبه: مفعول به منصوب لـ "معنيا"، والهاء: مضاف إليه؛ و"ما المصدرية الظرفية مع ما دخلت عليه": في تأويل مصدر مجرور بإضافة اسم زمان مقدر يتعلق بـ "يرضي"؛ والتقدير: يرضي المنيب ربه مدة دوامه معنيا.
موطن الشاهد: "معنيا بذكر قلبه".
وجه الاستشهاد: إنابة الجار والمجرور "بذكر" عن الفاعل مع وجود المفعول به متأخرا "قلبه"؛ ودليل ذلك أن الشاعر أتى بـ "قلبه" منصوبا؛ ولو أنابه؛ لأتى به مرفوعا، وما يؤكد نصبه تماما مجيئه رويا في البيت؛ وأبيات القصيدة كلها منصوبة حرف الروي.
1 القائل هو: رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من الرجز المشطور، وبعده قوله:
ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى
وقبله قوله:
وقد كفى من بدئه ما قد بدا
…
وإن ثنى في العود كان أحمدا
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 291، والأشموني:"388/ 1/ 184"، وابن عقيل:"256/ 2/ 122"، وهمع الهوامع:"1/ 162، والدرر اللوامع: 144، وفيهما برواية "ولا جفا ذا
…
" والعيني: 2/ 521، ملحقات ديوان رؤبة بن العجاج:73.
المفردات الغريبة: يُعْنَ: يهتم ويولع، وماضيه عني، بالبناء للمجهول دائما. العلياء: المنزلة الرفيعة. شفى: أبرأ، والمراد: هدَى مجازا. الغي: الضلال والجري مع هوى النفس.
المعنى: لا يهتم بالخصال الحميدة؛ التي تورث صاحبها عزا ورفعة إلا السيد الطموح العالي الهمة، ولا يهدي الضال ذا النفس المريضة، ويبعده عن طريق الضلالة وسيئ الأفعال إلا من هداه الله ووفقه لأعمال الخير والصلاح. =
[غير النائب يجب نصبه لفظا أو محلا] :
مسألة: وغير النائب مما معناه متعلق بالرافع واجب نصبه لفظا إن كان غير جار ومجرور، كـ:"ضُرِب زيد يوم الخميس أمامك ضربا شديدا" ومن ثم نصب المفعول الذي لم ينب في نحو: "أُعطِيَ زيد دينارا"، و:"أعطي دينار زيدا"، أو محلا إن كان جارا ومجرورا، نحو:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 1، وعلة ذلك أن الفاعل لا يكون إلا واحدا، فكذلك نائبه.
[ما الذي تجوز نيابته عند تعدي الفعل لأكثر من مفعول] :
وإذا تعدى الفعل لأكثر من مفعول؛ فنيابة الأول جائزة اتفاقا، ونيابة الثالث ممتنعة اتقافا؛ نقله الخضراوي2 وابن الناظم، والصواب أن بعضهم أجازه
= الإعراب: يعن: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم، وعلامة جزمه حذف الألف؛ لأنه معتل الآخر. "بالعلياء": في محل رفع نائب فاعل؛ وهو متعلق بـ "يعن". إلا: أداة استثناء ملغاة، تفيد الحصر والقصر. سيدا: مفعول به منصوب. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية. شفى: فعل ماضٍ. ذا: مفعول به مقدم، وهو مضاف. الغي: مضاف إليه. إلا: أداة استثناء ملغاة، تفيد الحصر والقصر. ذو: فاعل مرفوع لـ "شفى "وهو مضاف. هدى: مضاف إليه".
موطن الشاهد: "لم يعن بالعلياء إلا سيدا".
وجه الاستشهاد: إنابة الجار والمجرور "بالعلياء" عن الفاعل مع وجود المفعول متأخرا عنه في الكلام "سيدا". وهذا وما قبله احتج بهما الكوفيون والأخفش على نيابة غير المفعول مع وجوده والبصريون يعدون ذلك من الضرورات الشعرية. ويرى بعض النحاة أن كل ما يوضح الغرض، ويبرز المعنى المراد -سواء أكان مفعولا أم غير مفعول؛ أول أم غير أول، متقدما على غيره أم غير متقدم- يصلح لأن ينوب عن الفاعل. انظر همع الهوامع: 1/ 162.
1 "69" سورة الحاقة، الآية:13.
موطن الشاهد: {نَفْخَةٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "نفخة" نائبا عن الفاعل؛ وهو مصدر، ونصب محل الجار والمجرور "في الصور"؛ وعلة ذلك: النصب الواجب لفظا أو محلا لما عدا النائب، كما أشار الناظم.
2 هو أبو عبد الله؛ محمد بن يحيى بن هشام الخضراوي الأنصاري الخزرجي الأندلسي، ويعرف أيضا بابن البراذعي، من أهل الجزيرة الخضراء، كان إماما في العربية، عاكفا على التعليم أخذ عن ابن خروف ومصعب والرندي، وعنه أخذ الشلوبين، وكان شاعرا ناثر متصرفا في الأدب، له مصنفات كثيرة منها: فصل المقال في أبنية الأفعال، والإفصاح بفوائد الإيضاح، والنقض على الممتع لابن عصفور، وكتاب الاقتراح في تلخيص الإيضاح. توفي بتونس سنة: 646 هـ.
البلغة: 250، بغية الوعاة: 1/ 267، طبقات ابن قاضي شهبة: 123، الأعلام: 8/ 7.
إن لم يلبس، نحو:"أَعلمْتُ زيدًا كبشَكَ سمينا"1، وأما الثاني ففي باب "كسا"2 إن ألبس، نحو:"أعطيت زيدا عمرا" امتنع اتفاقا3، وإن لم يلبس نحو:"أعطيت زيدا درهما" جاز مطلقا4 وقيل: يمتنع مطلقا5، وقيل: إن لم يعتقد القلب6، وقيل: إن كان نكرة والأول معرفة، وحيث قيل بالجواز، فقال البصريون: إقامة الأول أولى، وقيل: إن كان نكرة فإقامته قبيحة، وإن كانا معرفتين استويا في الحسن، وفي باب:"ظن"7، قال قوم: يمتنع مطلقا8 للإلباس في النكرتين
1 فتقول: اعلم زيدًا كبشك سمين، قاله أبو حيان في النكت الحسان. التصريح: 1/ 291.
2 هو كل فعل نصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، ولم ينصب أحدهما بإسقاط الجار.
3 للالتباس، سواء تقدم أو تأخر؛ لأن كلا منهما يصلح أن يكون آخذا ومأخوذا، ولا يتبين أحدهما إلا بالإعراب.
4 الإطلاق يفسره ما بعده؛ أي سواء اعتقد القلب أم لا، وسواء أكان الثاني نكرة والأول معرفة أم لا؛ لأن "زيدا" هو الآخذ دائما، و"درهما" هو المأخوذ.
التصريح: 1/ 292.
5 فتتعين نيابة الأول؛ لأنه فاعل في المعنى.
6 أي تمتنع نيابة الثاني، إن لم يعتقد القلب في الإعراب، وهو كون المرفوع منصوبا، والمنصوب مرفوعا، فإن اعتقد القلب جاز، ويكون النائب في الحقيقة هو الأزل؛ لأن نيابة الثاني مع اعتقاده القلب مجاز صوري، كما أن من رفعه ونصب الأول مجاز، فهو من إعطاء المرفوع إعراب المنصوب وبالعكس، عند من أمن اللبس، نحو كسر الزجاج الحجر.
7 وهو كل فعل يتعدى إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الأصل عن الأول.
8 الإطلاق يوضحه ما بعده؛ أي سواء ألبس أم لم يلبس، كان جملة أم لا، كان نكرة والأول معرفة أم لا.
التصريح: 1/ 292.
والمعرفتين، ولعود الضمير على المؤخر إن كان الثاني نكرة لأن الغالب كونه مشتقا، وهو حينئذ شبيه بالفاعل لأنه مسند إليه فرتبته التقديم، واختاره الجزولي1 والخضراوي، وقيل: يجوز إن لم يلبس ولم يكن جملة، واختاره ابن طلحة2 وابن عصفور وابن مالك، وقيل: يشترط أن لا يكون نكرة والأول معرفة فيمتنع: "ظن قائم زيدا"3، وفي باب:"أعلَمَ"4 أجازه قوم إذا لم يلبس، ومنعه قوم منهم الخضراوي والأبَّدي5 وابن عصفور؛ لأن الأول مفعول صحيح6، والأخيران مبتدأ وخبر شبها بمفعول:"أعطى"، ولأن السماع إنما جاء بإقامة الأول، قال7:[الطويل]
1 مرت ترجمته.
2 هو أبو بكر محمد بن طلحة الأموي الأشبيلي من أهل يابُرة، بلد في غربي الأندلس كان إماما في العربية عارفا بعلم الكلام، تأدَّب على أبي إسحاق بن ملكون، وأخذ العروض عن السهيلي، كان ذكيا عدلا ذا مروءة، وكان يميل إلى مذهب ابن الطراوة. أخذ عنه الكثير، منهم: ابن عبد النور، والشلوبين، مات بإشبيلية سنة 618 هـ وله 73 سنة.
البلغة: 225، بغية الوعاة: 1/ 121، طبقات ابن شهبة:52.
3 لأن هذا يؤدي إلى الإخبار بالمعرفة عن النكرة، وذلك ممنوع في الغالب.
4 هو كل فعل ينصب ثلاثة مفاعيل، أصل الثاني والثالث منهما مبتدأ وخبر.
5 هو: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن الأُبَّدي -نسبة إلى أبدة بالأندلس- كان نحويا جليلا، درس كتاب سيبويه ووقف على غوامضه ووقائعه، قال فيه أبو حيان: كان الأبدي أحفظ من رأيناه بعلم العربية، وكان مع إمامته في العلم غاية في الفقر. له إملاء على كتاب سيبويه، وعلى الإيضاح والجمل، ومشكل الأشعار الستة الجاهلية، والجزولية. توفي سنة 680 هـ.
البلغة: 168، بغية الوعاة: 2/ 604، معجم المؤلفين: 7/ 224، الأعلام: 5/ 154.
6 أي مفعول حقيقة وليس أصله مبتدأ وخبر؛ لأن أصله الفاعلية فهو أحق مما كان ملتبسا به، أما الثاني والثالث فالمفعول في الحقيقة النسبة بينهما وإطلاق المفعولية عليهما مجاز.
التصريح: 1/ 293.
7 القائل: هو: الفرزدق؛ همام بن غالب، وقد مرت ترجمته.
230-
ونبئت عبد الله بالجو أصبحت1
[خلاصة جامعة] :
وقد تبين أن في النظم أمورا، وهي:
1-
حكاية الإجماع على جواز إقامة الثاني من باب: "كسا" حيث لا لبس.
2-
وعدم اشتراط كون الثاني من باب: "ظن" ليس جملة.
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
كراما مواليها لئيما صميمها
وهو من شواهد التصريح: 1/ 293، والأشموني:"390/ 186"، والكتاب لسيبويه: 1/ 171، والعيني: 2/ 522، وليس في ديوان الفرزدق.
المفردات الغريبة: نبئت: أخبرت، عبد الله: ليس المراد به شخص معين، ولكنه علم على القبيلة؛ وهي عبد الله بن دارم أخي مجاشع بن دارهم، وهم رهط الفرزدق. بالجو، الجو: أرض باليمامة ويطلق على أمكنة أخرى كثيرة ذكرها ياقوت في معجمه. كراما: أشرافا؛ جمع كريم، والمراد به كريم النسب. مواليها: جمع مولى، والمراد هنا: العبيد والأتباع. صميمها؛ الصميم الخالص من كل شيء، والمراد رؤساء القبائل وسادتها.
المعنى: أخبرت أن قبيلة عبد الله بالجو انعكست فيها الأمور؛ فصار عبيدها وضعافها وأتباعها أشرافا وسادة، وصار عظماؤها وسادتها لئاما تابعين.
الإعراب: نبئت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل. عبد الله: مفعول به ثانٍ، ومضاف إليه. "بالجو": متعلق بمحذوف صفة لـ "عبد الله". أصبحت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: للتأنيث؛ واسم أصبح ضمير مستتر يعود إلى "عبد الله". كراما: خبر "أصبح" منصوب وعلامة نصبه الفتحة؛ وجملة "أصبحت": في محل نصب مفعول به ثالث: لـ "نئبت". مواليها: فاعل للصفة المشبهة "كراما"، و"ها": مضاف إليه. لئيما: خبر ثان لـ "أصبحت" منصوب. صميمها: فاعل لـ "لئيما" و"ها": مضاف إليه.
موطن الشاهد: "نبئت".
وجه الاستشهاد: أناب الشاعر المفعول الأول "تاء المتكلم" عن الفاعل، ولم يُنِبْ الثاني أو الثالث؛ وهذا هو الشائع والمستعمل بكثرة في الاستعمال العربي.
3-
وإيهام أن إقامة الثالث غير جائزة باتفاق؛ إذ لم يذكره مع المتفق عليه ولا مع المختلف فيه، ولعل هذا هو الذي غلط ولده حتى حكى الإجماع على الامتناع.
[تغير صورة الفعل عند إسناده إلى النائب عن الفاعل] :
فصل: يضم أول فعل المفعول مطلقا1، ويشركه ثاني الماضي المبدوء بتاء زائدة2 كتضارب وتعلم، وثالث المبدوء بهمز الوصل كانطلق واستخرج واستحلى، ويُكسر ما قبل الآخر من الماضي، ويفتح من المضارع.
وإذا اعتلت عين الماضي وهو ثلاثي كـ "قال وباع"، أو عين افتعل أو انفعل كاختار وانقاد، فلك كسر ما قبلها بإخلاص، أو إشمام الضم، فتقلب ياء فيهما3، وذلك إخلاص الضم، فتقلب واوا، قال4:[الرجز]
231-
ليت، وهل ينفع شيئا ليت؟
…
ليت شبابا بوع فاشتريت5
1 أي سواء كان ماضٍيا أو مضارعا.
2 سواء أكانت للمطاوعة أم لغيرها، كمثال المصنف، تقول فيهما: ضورب وتعلم. والمطاوعة في فعل هي: قبول فاعله التأثر بأثر واقع عليه من فاعل ذي علاج محسوس لفعل آخر يلاقيه في الاشتقاق مثل: علمته فتعلم وحطمت الحجر فتحطم.
التصريح: 1/ 293-294.
3 الإشمام: هو النطق بحركة صوتية تجمع بين الضمة والكسرة بالتوالي سريعا وينشأ عن ذلك ياء، وقد يسمى "روما".
التصريح: 1/ 294، وفيه بيان واضح لذلك.
4 القائل: هو رؤبة بن العجاج وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز وقبله قوله:
يا قوم قد حَوقَلْتُ أو دَنَوْتُ
…
وبعض حيقال الرجال المَوْتُ
ما لي إذا أجذبها صَأَيْتُ
…
أَكِبَرٌ قد عالني أم بَيْتُ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 295، والأشموني:"383،1/ 181"، وابن عقيل:"155/ 2/ 115" وشرح المفصل: 7/ 70، والعيني: 2/ 254، وهمع الهوامع: 1/ 248، 2/ 165، والدرر اللوامع: 1/ 206، 2/ 222، والمغني:"731/ 513" وشرح السيوطي: 277. وأمالي القالي "ط. دار الفكر": 1/ 20؛ زيادات ديوان رؤبة.
شرح المفردات: حوقلت: ضعفت وأصابني الكبر. دنوت: قربت. أجذبها: أراد أنزع الدلو من البئر صأيت: صحت، مأخوذ من قولهم: صأى الفرخ؛ إذا صاح صياحا =
وقال1: [مشطور الرجز]
232-
حُوكَتْ على نيرين إذ تُحَاكُ2
= ضعيفا، وأراد بذلك أنينه من ثقل الدلو عليه. قد عالني: غلبني وقهرني وأعجزني.
المعنى: يتمنى الشاعر أن يعود إليه شبابه من جديد أو يشتريه؛ ولكن هيهات أن يعود الشباب مرة أخرى؛ لأن ما مضى لن يعود أبدا.
الإعراب: ليت: حرف مشبه بالفعل يفيد التمني. هل: حرف استفهام معناه النفي -هنا- لا محل له من الإعراب. ليت: ينفع: فعل مضارع مرفوع. شيئا: مفعول به مقدم منصوب ليت: فاعل "ينفع"؛ لأنه قصد لفظها؛ و"الجملة": معترضة، لا محل لها من الإعراب. ليت:"الثالثة" مؤكدة للأولى. شبابا: اسم "ليت" الأولى. بوع: فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره؛ هو؛ وجملة "بوع": في محل رفع خبر "ليت". فاشتريت: الفاء عاطفة. اشتريت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل؛ وجملة "اشتريت": معطوفة على جملة "بوع": في محل رفع.
موطن الشاهد: "بوع".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "باع" الثلاث معتل العين؛ فلما بني للمجهول أخلص ضم فائه؛ فقلبت ألفه واوا؛ وإخلاص الضم لغة جماعة من العرب؛ منهم من ذكر المؤلف في المتن؛ ومنهم بعض بني تميم، وضبة، وحكيت عن هذيل. انظر شرح التصريح: 1/ 295.
1 ينسب هذا الرجز -أيضا- إلى رؤبة بن العجاج.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز، وبعده قوله:
تختبط الشوك ولا تشاك
وهو من شواهد" التصريح: 1/ 295، والأشموني: "384/ 1/ 181"، وابن عقيل: "154/ 2/ 114" والهمع: 2/ 165، والدرر: 2/ 223، والمصنف لابن جني: 1/ 250.
المفردات الغريبة: حوكت: نسجت، من حاك الثوب يحوكه حوكا وحياكة. نيرين: مثنى نير؛ وهو مجموع القصب والخيوط. تختبط: تضرب بعنف وشدة. لا تشاك: لا يؤثر فيها الشوك.
المعنى: إن هذا الرداء نسج على نيرين -وما ينسج بهذه الطريقة، يكون أصفق وأحكم في النسج؛ فاكتسب متانة وصلابة، حتى إذا ضرب بها الشوك لا يدخل فيها، ولا يحدث بها أثرا أو ضرارا.
الإعراب: حوكت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا؛ قديره هي، يعود إلى الحُلَّة؛ أو الرداء؛ لأنه يذكر ويؤنث. "على نيرين": متعلق بـ "حوكت". "إذا: متعلق بـ "حوكت". تحاك: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل: هي؛ وجملة "تحاك": في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "حوكت".
وجه الاستشهاد: أخلص فيه الضم -كسابقه- فقلبت ألفه واوا؛ ويروى: "حيكت" فيكون شاهدا على إخلاص الكسر، وقلب الألف ياء؛ وهذه الرواية أقوى؛ لأنها في سياق الفصحى وبها استشهد ابن عقيل على إخلاص الكسر انظر ابن عقيل:"ط. دار الفكر": 1/ 395.
وهي قليلة، وتُعزَى لفقعس ودبير1، وادعى ابن عذرة2 امتناعها في افتعل وانفعل، والأول قول ابن عصفور والأُبَّدي وابن مالك، وادعى ابن مالك امتناع ما ألبس من كسر كخفت وبعت، أو ضم كعقت، وأصل المسألة "خافني زيد" و:"باعني لعمرو" و: "عاقني عن كذا" ثم بنيتهن للمفعول، فلو قلت: خفت وبعت بالكسر، وعقت: بالضم؛ لِتوهم أنهن فعل وفاعل، وانعكس المعنى، فتعين أن لا يجوز فيهن إلا الإشمام، أو الضم في الأولين والكسر في الثالث، وأن يمتنع الوجه الملبس، وجعلته المغاربة مرجوحا لا ممنوعا، ولم يلتفت سيبويه للإلباس؛ لِحصوله في نحو مختار وتضار.
[خلافهم في ضم فاء الثلاث المضعف] :
وأوجب الجمهور ضم فاء الثلاثي المضعف نحو شد ومد، والحق قول بعض الكوفيين: إن الكسر جائز، وهي لغة بني ضبة3 وبعض تميم، وقرأ علقمة4: "رِدَّتْ
1 هما حيان من فصحاء قبيلة اسد، وإخلاص الضم لغتهما، أما الكسر فلغة تميم.
2 هو الإمام البارع أبو الحكم؛ الحسن بن عبد الرحمن بن عذرة الأنصاري الأوسي الخضراوي كان نحويا نبيلا حاذقا، ثابت الذهن، وقاد الفكر، أخذ عن أبي العلاء؛ إدريس القرطبي وابن عصفور وغيرهما. له تصانيف كثيرة منها: الإغراب في أسرار الحركات والإعراب، والمفيد في أوزان الرجز والقصيد. توفي سنة 644 هـ.
3 هم بطن من بطون عامر بن إلياس بن مضر.
4 هو علقمة بن قيس بن عبد الله كان فقيها كبيرا، ومن القراء في الكوفة، أخذ القرآن عن ابن مسعود، وسمع من عمرو وعلي وأبي الدرداء وعائشة، وكان من أحسن الناس صوتا بالقراءة، توفي سنة: 62 هـ. سير أعلام النبلاء: 4/ 53، طبقات القراء: ترجمة: 2135، الإصابة: ترجمة: 6454، العبر، 1/ 66.
إِلَيْنا"1، "وَلَوْ رِدُّوا"2 بالكسر، وجوز ابن مالك الإشمام أيضا، وقال المهاباذي3: من أشم في: "قيل" و: "بيع" أشم هنا4.
1 "12" سورة يوسف، الآية:65.
أوجه القراءات: قرأ الحسن وعلقمة ويحيى بن وثاب والأعمش "ردت" بكسر الراء؛ لأن أصلها: رددت؛ فلما أدغم؛ قلبت حركة الدال إلى الراء، وقرأ الباقون:"ردت" برفع الراء. انظر اتحاف الفضلاء: 266، وإعراب القرآن، للنحاس: 2/ 274.
موطن الشاهد: "ردت".
وجه الاستشهاد: نقل كسرة عين الفعل إلى فائه حملا له على المعتل؛ على قراءة علقمة ويحيى بن وثاب وغيرهما؛ الموافقة لـ "لغة بعض تميم". انظر شرح التصريح: 1/ 295.
2 "6" سورة الأنعام: الآية: 28.
أوجه القراءات: انظر أوجه قراءات الآية السابقة.
موطن الشاهد: "رِدُّوا".
وجه الاستشهاد: نقل كسرة عين الفعل إلى فائه؛ على قراءة علقمة ويحيى بن وثاب وغيرهما؛ الموافقة لِلُغة بعض تميم" كما في الآية السابقة.
3 هو أحمد بن عبد الله بن المهاباذي الضرير نسبة إلى مهاباذ؛ قرية بين قم وأصبهان -أحد تلاميذ عبد القاهر الجرجاني، له شرح على اللمع لابن جني، وكان من أعلام نحاة عصره. الأعلام "ط. الخامسة": 1/ 158، كشف الظنون: 1563، بغية الوعاة: 1/ 178.
4 بقي أنه:
1-
لا يبنى للمجهول فعل جامد ولا ناقص على الصحيح. وجوزه سيبويه والكوفيون.
2-
لا يجوز إنابة الحال، والمستثنى، والمفعول معه، وله؛ لأن ذلك يخرجه عن مهمته الخاصة.
3-
إذا قلت: زِيدَ في مُرَتَّب محمد عشرون جنيها -تعين رفع "عشرين" على النيابة مع وجود المفعول. فإن قدمت محمد فقلت: محمدا زيد في مرتبة عشرون- جاز رفع العشرين على النيابة، وجاز نصبه على المفعولية، ونائب الفاعل ضمير يعود على المبتدأ وهو الرابط. =
.........................................................................
= 4- ورد عن العرب أفعال ماضٍية ملازمة للبناء للمجهول، اعتبرها العلماء كذلك في الصورة اللفظية لا في الحقيقة، ولهذا: يعربون المرفوع بها فاعلا لا نائب فاعل، ومن أشهرها: هزل، زكم، دهش، شده "بمعنى دهش"، شغف بكذا: أولع به، أغري به، أُهرِع بمعنى أسرع، عني بكذا "اهتم به"، نتج، جن، سل، حم، امتقع لونه، زهي، فلج وحكم المضارع منها حكم الماضي. ولكن لا يعامل مضارعها معاملة الماضي إلا فيما ورد عن العرب، فهو مقصور على السماع. ومما سمع: يُهرع، يُعني، يُولع، يُستهتر به.