المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الحال] : - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك - ت هبود - جـ ٢

[ابن هشام النحوي]

الفصل: ‌[باب الحال] :

[باب الحال] :

هذا باب الحال1:

[الحال نوعان] :

الحال نوعان: موكد2، وستأتي.

تعريف الحال المؤسسة:

ومؤسسة3، وهي: وصف4، فضلة5، مذكور لبيان الهيئة، كـ: "جئت

1 يطلق الحال لغة: على الوقت الذي فيه الإنسان، وعلى ما هو عليه من خير أو شر.

واصطلاحا: ما ذكره المصنف. ولفظ الحال -من غير تاء- صالح للتذكير والتأنيث، نقول: الحال حسن، أو حسنة. والكثير والأفصح في لفظه التذكير، وفي وصفه وفي ضميره التأنيث ومن شواهد تذكير لفظ الحال قول الشاعر:

إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ

فدعه وواكل أمره واللياليا

ومن شواهد تأنيث لفظها قول الفرزدق:

على حالة لو أن في القوم حاتما

على جوده ضنت به نفس حاتم

2 وهي التي لا تفيد معنى جديدا، ويفهم معناها بدون ذكرها، ويدل عليها عاملها كقولك: تعث في الأرض مفسدا. أو يدل عليها صاحبها كقوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} أو تدل على معناها جملة سابقة نحو قولك: "زيد أبوك عطوفا".

3 وهي التي تفيد معنى لا يستفاد إلا بذكرها، وتسمى كذلك المبينة. لأنها تبين وتوضح هيئة صاحبها، وهذا القسم هو الغالب في الحال، حتى قال المبرد والفراء: إن الحال لا تكون مؤكدة. التصريح: 1/ 365، همع الهوامع: 1/ 237.

4 صريح أو مؤول؛ لتدخل الحال الجامدة، والجملة وشبهها الظرف والجار والمجرور -لتأول كل بالوصف المشتق. والمراد بالوصف: الاسم المشتق الذي يدل على معنى وذات متصفة به وهو اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأمثلة المبالغة، وأفعال التفضيل.

5 المراد بالفضلة هنا: ما ليس ركنا في الإسناد، وإن كان لازمة لصحة المعنى، نحو قوله تعالى:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} ، فإنه لا يكون معنى إذا حذفت كلمة "كسالى"، أو يجب ذكرها لعارض كونها سادة مسد العمدة، كالحال التي تسد مسد الخبر في نحو: ضربي العبد مسيئا.

ص: 249

راكبا" و: "ضربته مكتوفا" و: "لقيته راكبين"1.

وخرج بذكر الوصف نحو: "القهقرى" في: "رجعت القهقرى"2.

وبذكر الفضلة الخبر في نحو: "زيد ضاحك" وبالباقي التمييز في نحو: "لله دره فارسا" والنعت في نحو: "جاءني رجل راكب" فإن ذكر التمييز لبيان جنس المتعجب منه، وذكر النعت لتخصيص المنعوت، وإنما وقع بيان الهيئة بهما ضمنا لا قصدا.

وقال الناظم:

الحال وصف فضلة منتصب

مُفهَمُ في حال كذا

فالوصف: جنس يشمل الخبر والنعت والحال، وفضلة: مخرج للخبر، ومنتصب. مخرج لنعتي المرفوع والمخفوض، كـ:"جاءني رجل راكب" و: "مررت برجل راكب" ومفهم في حال كذا: مخرج لنعت المنصوب كـ: "رأيت رجلا راكبا" فإنه إنما سيق لتقييد المنعوت؛ فهو لا يفهم في حال كذا بطريق القصد، وإنما أفهمه بطريق اللزوم.

وفي هذا الحد نظر؛ لأن النصب حكم، والحكم فرع التصور، والتصور متوقف على الحد، فجاء الدور.

[أوصاف الحال] :

فصل: للحال3 أربعة أوصاف:

1 راكبا: حال مبنية لهيئة الفاعل، ومكتوفا: حال مبنية لهيئة المفعول، وراكبين: حال مبنية لهما. قيل: ومجيء الحال من غير ذلك، كالمجرور بالحرف والمضاف إليه، والمبتدأ والخبر، واسم الناسخ ينبغي أن يؤول بالفاعل أو المفعول.

وقيل: يجوز ذلك بدون تأويل، ولوروده في الفصيح من كلام العرب، كقوله تعالى:{مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} ببناء "نتخذ" للمجهول، فإن أولياء حال، وهي مجرور بمن الزائدة، والتقدير: أن نتخذ من دونك.

2 فإنه وإن كان مبنيا لهيئة الفاعل، إلا أنه اسم للرجوع إلى الخلف لا وصف وتثنى على القهقرين بحذف الألف، والقياس قلبها ياء.

3 أي من حيث هي، بقطع النظر عن كونها مؤكدة أو مؤسسة.

ص: 250

أحدهما: أن تكون منتقلة1 لا ثابتة، وذلك غالب، لا لازم، كـ:"جاء زيد ضاحكا".

وتقع وصفا ثابتا2 في ثلاث مسائل:

إحداها: أن تكون مؤكدة3، نحو:"زيد أبوك عطوفا" و: {يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} 4.

الثانية: أن يدل عاملها على تجدد صاحبها5، نحو: خلق الله الزرافة يديها

1 هذا الوصف باعتبار ثبات معناها ودوامه، أو عدم ذلك، والمراد بالمنتقلة: التي ليست ملازمة للمتصف بها، بل تبين هيئة صاحبها مدة مؤقتة. وبالثابتة: الملازمة لصاحبها لا تفارقه.

2 المراد بالثبات اللزوم وعدم المفارقة، بدليل مقابلتها بالمنتقلة وتفسيرهم الانتقال بكونها تفارق صاحبها، ثم إن اللزوم يكون بسبب وجود علاقة بين الحال وبين صاحبها أو عاملها، عقلا. أو عادة. أو طبعا. وإن لم تكن في نفسها دائمة.

3 أي لمضمون الجملة التي قبلها، بحيث يتفق معنى الحال ومضمون الجملة، فتلازم صاحبها تبعا لذلك. ويشترط في هذه الجملة: أن تكون اسمية، وأن يكون طرفاها -وهما المبتدأ والخبر- معرفتين جامدتين، ولا بد أن يتأخر الحال عنهما وعن العامل. كالمثال الأول فإن "عطوفا" حال من الأب والعطف ملازم للأبوة؛ لأن الأبوة من شأنها العطف وقد تكون مؤكدة لعاملها، إما في اللفظ والمعنى، نحو:{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} أو في المعنى فقط كمثال المصنف، فإن "حيا" حال من ضمير أبعث، والبعث هو الحياة بعد الموت. وهذه مؤكدة لمعنى العامل، وهو "أبعث" لأن البعث من لازمه الحياة، وهو مستفاد بدون ذكر الحال.

وبقي عليه نوع ثالث، وهي الحال المؤكدة لمعنى صاحبها؛ نحو قوله تعالى:{لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} فجميعا حال مؤكدة معنى صاحبها، وهو "من"، ومعنى الجمعية هو معنى العموم المستفاد من "من" بدون ذكر الحال. التصريح: 1/ 367.

4 "19" سورة مريم، الآية:33.

موطن الشاهد: {أُبْعَثُ حَيًّا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "حيا" حالا مؤكدة لعاملها في المعنى فقط؛ لأن البعث هو الحياة بعد الموت، فأكدت معنى "أبعث"؛ لأن البعث من لازمه الحياة، وهو مستفاد من دون ذكر الحال.

5 الدال على التجدد في هذا المثال هو قولهم "خلق" فإنه يدل على تجدد المخلوق =

ص: 251

أطول من رجليها" فـ: "يديها": بدل بعض، و: "أطول": حال ملازمة.

الثالثة: نحو: {قَائِمًا بِالْقِسْط} 1، ونحو:{أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} 2، ولا ضابط لذلك، بل هو موقوف على السماع، ووهم ابن الناظم فمثل بمفصلا في الآية للحال التي تجدد صاحبها.

الثاني: أن تكون مشتقة لا جامدة3، وذلك أيضا غالب، لا لازم.

وتقع جامدة مؤولة بالمشتق في ثلاث مسائل:

إحداها: أن تدل على تشبيه، نحو:"كر زيد أسدا" و: "بدت الجارية قمرا، وتثنت غصنا" أي: شجاعا ومضيئة ومعتدلة4، وقالوا: "وقع المصطرعان عِدْلَي

= وحدوثه. وخلق هو العامل في الحال وفي صاحبها، وجعل ابن الناظم من هذا النوع، ما كان الدال على التجدد هو العامل أيضا، لكن المتجدد والمحدث وصف من أوصاف صاحبها، ومثاله قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} وذلك بأنه أراد بالكتاب اللفظ المقروء، لا الصفة النفسية، ولا مانع من القول بتجدده؛ بدليل وصفه بالإنزال، ولا يتجه الوهم إلا إذا أريد أن الإنزال يدل على تجدد المنزل وحدوثه وقت الإنزال والمصنف لم يعتبره هنا منه؛ وحجته: أن "الكتاب" الذي هو صاحب الحال قديم فلا يمكن أن يكون متجددا حادثا. التصريح: 1/ 368، ومعنى اللبيب:605.

1 "3" سورة آل عمران، الآية:18.

موطن الشاهد: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "قائما" وصفا ثابتا"؛ لأن صفات الله تعالى مطلقة؛ ومجيء الحال هنا مرجعه إلى السماع.

2 "6" سورة الأنعام، الآية:114.

موطن الشاهد: {أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "مفصلا" منصوبا على الحال، ولا ضابط له، بل هو موقوف على السماع -كما بَيَّنَ المؤلف- فلا يقاس عليه؛ ومعنى مفصلا: مبينا فيه الحق والباطل بحيث ينفي التخليط والإلباس.

3 لأنها صفة لصاحبها في المعنى والصفة لا تكون إلا مشتقة. ويؤخذ من ذلك أنه لا بد من مطابقتها لصاحب الحال تذكيرا وتأنيثا وإفرادا وتثنية وجمعا؛ لأن اشتقاقها يقتضي تحملها ضميره.

4 على هذا يكون كل من الأسد والقمر والغصن مستعملا في غير حقيقته، والمعنى فيها على التشبيه. وقيل إنها مستعملة في حقيقتها والكلام على حذف مضاف، أي مثل أسد وقمر وغصن، وذلك أصرح في الدلالة على التشبيه. ومثل ذلك قول المتنبي:

بدت قمرا، ومالت غصن بان

وفاحت عنبرا، ورنت غزالا

ص: 252

عير"1 أي: مصطحبين اصطحاب عدلي حمار حين سقوطهما.

الثانية: أن تدل على مفاعلة2، نحو:"بعته يدا بيد"3 أي: متقابضين، و:"كلمته فاه إلى في" أي: متشافهين4.

الثالثة: أن تدل على ترتيب، كـ:"ادخلوا رجلا رجلا" أي: مترتبين5.

1 هذا مثل قالته العرب، للأمر يتساوى فيه الخصمان، ومعناه: وقعا معا ولم يصرع أحدهما الآخر، والمصطرعان تثنية مصطرع. عدلي، تثنية عدل، وهو نصف الحمل يكون على جنبي الدابة: العير الحمار، ويغلب على الوحشي.

عدلي: حال جامدة من "المصطرعان" وهي مؤولة بالمشتق كما بين المصنف. وقيل إن "عدلي" مفعول مطلق، أي وقوعا مثل وقوع عدلي عير؛ لأن النيابة تكون بين متضايفين أو موصوف وصفته. لم أجده في أمثال الميداني.

2 سواء كان ذلك بلفظها أو بمعناها، والمفاعلة: هي صيغة تقتضي المشاركة من جانبين.

3 يجوز في قولك: "يدا بيد" رفع يد الأولى ونصبها، فأما إذا قلتها بالرفع فهي مبتدأ والجار والمجرور بعدها متعلق بمحذوف خبر، ولكل من يد المرفوع ويد المجرور بالباء وصف محذوف، أي: يد منه مصاحبة ليد مني، وهذه الصفة المقدرة، هي التي سوغت الابتداء بالنكرة، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب حال، وإذا قلت "يدا" بالنصب فهي حال، واختلفت عبارة النحاة في الجار والمجرور بعده فقد نقل صاحب التصريح عن ابن هشام أن سيبويه يجعله للبيان، يعني أنه متعلق بمحذوف مقصود به البيان، وفيه معنى المفاعلة، ويذكر الصبان أنه متعلق بمحذوف صفة للحال، أي يدا مع يد. التصريح: 1/ 370، حاشية الصبان على شرح الأشموني.

4 يقال في إعرابه ما قيل في سابقه. ولا يقاس على هذا المثال لخروجه عن القياس بالتعريف والجمود؛ خلافا لهشام فإنه أجاز: جاورته منزله إلى منزلي، وناضلته قوسه عن قوسي، قياسا عليه. التصريح: 1/ 370، وهمع الهوامع: 1/ 237.

5 ومثله: رجلين رجلين، أو رجالا رجالا.

وضابطه: أن يذكر المجموع ثم يفصل ببعضه مكررا، وكلاهما منصوب بالعامل. والمجموع حال وهو المختار. وقيل الثاني صفة للأول بتقدير مضاف: أي ذا رجل، أو مفارق رجل، بمعنى متميزا عنه، أو معطوف عليه بتقدير الفاء. التصريح: 1/ 370، الهمع: 1/ 238.

ص: 253

وتقع جامدة غير مؤولة بالمشتق في سبع مسائل، وهي:

أن تكون موصوفة1، نحو:{قُرْآنًا عَرَبِيًّا} {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} 3، وتسمى حالا موطئة4.

أو دالة على سعر، نحو:"بعته مُدًّا بكذا"5.

أو عدد، نحو:{فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} 6.

أو طور واقع فيه تفضيل، نحو:"هذا بسرا أطيب منه رطبا"7.

1 أي بمشتق أو شبهه، فالأول كمثال المصنف والثاني نحو:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} .

2 "12" سورة يوسف، الآية:2.

موطن الشاهد: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} .

وجه الاستشهاد: وقوع "قرآنا" منصوبا على الحال من "القرآن" في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} ؛ والذي جوز وقوع "قرآنا" حالا اعتمادها على الصفة "عربيا".

3 "19" سورة مريم، الآية:17.

موطن الشاهد: {تَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} .

وجه الاستشهاد: وقوع "بشرا" حالا من فاعل تمثل "الملك"؛ والذي جوز مجيء "بشرا" حالا اعتمادها على الصفة "سويا".

4 أي: ممهدة لما بعدها؛ لأنه هو المقصود. أما هي فغير مقصودة بذاتها، وإنما تمد الذهن وتهيئه لما يجيء بعدها من الصفة، فهي مجرد وسيلة إلى النعت.

5 يقال فيها ما قيل في بعته يدا بيد، والضمير في بعته عائد على الشيء المبيع.

6 "7" سورة الأعراف، الآية:142.

موطن الشاهد: {أَرْبَعِينَ} .

وجه الاستشهاد: "مجيء "أربعين" حالا من "ميقات" وليلة تمييز؛ وهي -هنا- وقعت جامدة غير مؤولة بمشتق، وحكم مجيئها على هذا النحو -الجواز.

7 أي أن تدل الحال على أن صاحبها في طور وحال من أحواله -مفضل وزائد على نفسه أو غيره- في حالة أخرى، فبسرا حال من فاعل أطيب المستتر فيه، ورطبا: حال من الهاء في منه، والمراد أن للبلح أطوارا مختلفة، وهو في طور البسر مفضل على نفسه في طور الرطب. انظر شرح التصريح.

ص: 254

أو تكون نوعا لصاحبها، نحو:"هذا مالك ذهبا".

أو فرعا، نحو:"هذا حديدك خاتما" و: {تَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} 1.

أو أصلا له، نحو:"هذا خاتمك حديدا"، و:{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} 2.

تنبيه: أكثر هذه الأنواع وقوعا مسألة التسعير، والمسائل الثلاث الأول، وإلى ذلك يشير قوله3:

ويكثر الجمود في سعر، وفي

مُبدِي تأوُّلٍ بلا تكلف

ويفهم منه أنها تقع جامدة في مواضع أخر بقلة، وأنها لا تؤول بالمشتق كما لا تؤول الواقعة في التسعر، وقد بينتها كلها.

وزعم ابنه أن الجميع مؤول بالمشتق4، وهو تكلف، وإنما قلنا به في الثلاث الأول؛ لأن اللفظ فيها مراد به غير معناه الحقيقي؛ فالتأويل فيها واجب.

الثالث: أن تكون نكرة لا معرفة5، وذلك لازم6؛ فإن وردت بلفظ المعرفة

1 "7" سورة الإعراف، الآية:74.

موطن الشاهد: {تَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "بيوتا" حالا من الجبال؛ وهي فرع منها؛ وحكم مجيئها -في هذه الحالة.

2 "17" سورة الإسراء، الآية:61.

موطن الشاهد: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "طينا" حالا من منصوب "خلقت" المحذوف؛ والتقدير: أأسجد لمن خلقته طينا، أو على نزع الخافض -أي: من طين- والطين: أصل للمخلوق. ومعنى قوله: أو أصلا له: أي كون الحال النوع والأصل، وصاحبها هو الفرع كما سبق.

3 أي قول ابن مالك في الألفية.

4 تأويلها في السبع الباقية على معنى: متصفا بصفات البشر؛ من استواء الخلقة ونحوها، ومسعرا، ومعدودا، ومطورا بطور البسر أو الرطب، ومنوعا، ومصوغا، ومتأصلا أو مصنوعا.

5 هذا الوصف من ناحية التنكير والتعريف.

6 لأن الغالب فيها أن تكون مشتقة، وأن يكون صاحبها معرفة، فلو عرفت وهي مشتقة، بالتوهم أنها نعت عند انتصاب صاحبها، وحمل غيره عليه. التصريح: 1/ 372-373.

ص: 255

ولت بنكرة، قالوا:"جاء وحده"1 أي: منفردا و: "رجع عوده على بدئه"2، أي:

1 "وحده" حال من فاعل جاء المستتر، وهي معرفة بسبب إضافتها إلى الضمير الواقع مفعولا؛ لأنها مصدر "وحد" وجامدة بمشتق، كما ذكر المؤلف. وكلمة "وحد" اسم يدل على التوحد والانفراد، وأغلب استعمالاته منصوبا؛ إما لفظا؛ نحو: جاء وحده، واجتهد وحدك، وكما في قوله عز شأنه:{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة غافر، الآية: 84] . وإما منصوبا تقديرا، وذلك إذا أضيف إلى ياء المتكلم، كما في قول الشاعر:

والذئب أخشاه إن مررت به

وحدي وأخشى الرياح والمطرا

وجاءت هذه الكلمة مجرورة بالإضاة في خمس كلمات؛ وقعت في معرض المدح أو الذم؛ ففي معرض المدح، قالوا:"فلان نسيج وحده" و"فلان قريع وحده".

وقالوا في الدلالة على الإعجاب بالنفس: "فلان رجيل وحده"؛ ومن الأول قول عائشة رضي الله عنها واصفة عمر بن الخطاب: "كان والله أحوذيا نسيج وحده".

وقالوا عند إرادة الذم "فلان عيير وحده" و"فلان جحيش وحده"؛ والعيير: تصغير "عير"؛ وهو الحمار؛ والجحيش: تصغير "جحش"؛ وهو لد الحمار.

وأما بالنسبة إلى إعرابه: فقال سيبويه والخليل بن أحمد: هو اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع المشتق؛ فهو منصوب على الحال؛ وكأنك، حين تقول:"جاء زيد وحده" قد قلت: جاء زيدا إيحادا؛ أي انفرادا؛ وأنت تريد: جاء زيد متوحدا؛ أي منفردا.

وذهب يونس بن حبيب وهشام والكوفيون: إلى أنه منصوب على الظرفية، والتقدير في قولك:"جاء محمد وحده": جاء محمد لا مع غيره؛ وهؤلاء قاسوا "وحده" على مقابله؛ وهو قولهم: "قد جاء محمد وعلي معا".

واختلفوا أيضا في صاحب الحال لـ "وحده" ففي قولهم: "رأيت زيدا وحده" يرى سيبويه أن صاحب الحال هو الفاعل؛ وقال ابن طلحة: هو حال من المفعول، وأجاز المبرد كلا الوجهين؛ والأرجح أن صاحب الحال في المثال المذكور المفعول؛ لأنه لو أراد نفسه؛ لقال: رأيت زيدا وحدي. انظر في هذه المسألة: شرح ابن عقيل: 2/ 249-252، وهمع الهوامع: 1/ 239-240، وشرح الأشموني: 1/ 244.

2 عوده: حال من الفاعل المستتر في رجع، وهو معرفة بإضافته إلى الضمير، ومؤول بالمشتق ومعناه: رجع عائدا في الحال، أو رجع على الطريق نفسه. ويروى برفع "عوده" على أنه مبتدأ والجار والمجرور بعده خبر، والجملة حال من الضمير في جاء. ويقال هذا:"الإنسان" عهد منه عدم الاستقرار على ما ينقل إليه، بل يرجع إلى ما كان عليه واختلف في رواية النصب اختلافا كثيرا. التصريح: 1/ 373، الكتاب لسيبويه: 1/ 391.

ص: 256

عائدا، و:"ادخلوا الأول فالأول"1، أي: مترتبين، و:"جاؤوا الجماء الغفير"2، أي: جميعا، و:"أرسلها العراك"3، أي: معتركة.

1 "الأول" حال من الواو في "ادخلوا" و"الأول" الثاني معطوف بالفاء على سابقه، وهما معرفتان بـ "أل". الكتاب، لسيبويه: 1/ 398.

2 "الجماء" حال من الواو في جاءوا. والجماء: مؤنث الأجم بمعنى الكثير، وأنث باعتبار الموصوف المحذوف؛ أي: الجماعة الجماء؛ والغفير: من الغفر وهو الستر؛ أي الذي يستر ويغطي وجه الأرض؛ لكثرته؛ وهو صفة للجماء ولم يطابق -وإن كان بمعنى الفاعل حملا على فعيل بمعنى المفعول- أو باعتبار معنى الجمع. انظر شرح التصريح: 1/ 373.

3 أرسلها العراك: أي مزدحمة؛ وقد جاءت هذه الجملة في بيت للبيد العامري، يصف حمارا وحشيا أورد أتنه الماء لتشرب، وتمام البيت:

فأوردها العراك ولم يذدها

ولم يشفق على نغص الدخال

والضمير في أوردها عائد إلى حمار الوحش، و"ها" عائد إلى أتنه؛ وأصل العراك: مصدر بمعنى ازدحام الإبل أو غيرها حين ورود الماء. لم يذدها: لم يمنعها ولم يطردها والنغص: -بفتح النون والغين- مصدر نغص الرجل: إذا لم يتم مراده؛ ونغص البعير؛ إذا لم يتم شربه؛ وموطن الشاهد هنا "العراك" فإنه جاء معرفا، وقد خرجه النحاة كما يلي:

أ- إن هذا المصدر حال -مع مخالفة لفظه للأصل في الحال، من وجهين؛ كونه مصدرا؛ وكونه معرفة -وهو في التأويل وصف منكر- لأن المعنى: أرسلها معاركة. وهذا مذهب سيبويه.

ب- إن "العراك" مفعول ثانٍ لـ "أرسل" بعد أن ضمن أرسل معنى "أورد"؛ وفعل أورد يتعدى إلى مفعولين؛ كما في قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} فكأنه يريد: أوردها العراك: أي الازدحام، وأراد مكانه؛ وفي هذا التخريج تكلف ظاهر، وهو مذهب الكوفيين.

ج- إن العراك "مصدر باق" على مصدريته، وهو مفعول مطلق مؤكد لعامله ومبين لنوعه معا؛ وذلك العامل يقدر وصفا منكرا، واقعا حالا من الضمير البارز المتصل العائد إلى الأتن، وكأنه قال: فأرسلها معتركة العراك، أي مزدحمة الازدحام المعهود. وانظر تفصيل هذه المسألة في حاشية الشيخ يس على التصريح: 1/ 373-374، وكتاب سيبويه: 1/ 372.

ص: 257

الرابع: أن تكون نفس صاحبها في المعنى1، فلذلك جاز:"جاء زيد ضاحكا" وامتنع: "جاء زيد ضحكا"2.

وقد جاءت مصادر أحوالا، بقلة في المعارف، كـ:"جاء وحده"، و:"أرسلها العراك"3.

وبكثرة في النكرات4، كـ:"طلع بغتة"، و:"جاء ركضا"، و:"قتلته صبرا"، وذلك على التأويل بالوصف5، أي: مباغتا، وراكضا، ومصبورا، أي: محبوسا.

1 هذا الوصف معناه: أن تكون الحال وصفا لصاحبها؛ وخبرا عنه؛ والوصف نفس الموصوف، والخبر نفس المخبر عنه؛ ولهذا، جاز القول: جاء زيدا ضاحكا؛ لأن الضاحك هو زيد في المعنى.

2 لأن الضحك مصدر، وزيد ذات؛ والمصدر مباين للذات.

3 لكونه تنطوي على شذوذين؛ المصدرية والتعريف.

4 بغتة وركضا: حال من الفاعل؛ وصبرا: حال من المفعول؛ وهي مصادر؛ ونكرات في الوقت نفسه؛ ومعنى بغتة: فجأة، وركضا: عدوا، وقتل صبرا: أن يحبسه حيا، ثم يرمى حتى يقتل؛ وصبرا حال من مفعول قتلته.

5 وهذا على مذهب سيبويه والجمهور من النحاة؛ وحجتهم في ذلك: أن الحال كالخبر والصفة، وقد وقع كل منهما مصدرا منكرا كثيرا؛ فكذلك الحال.

وذهب الأخفش والمبرد إلى أن مثل هذه المصادر منصوبة على المصدرية، والعامل فيها محذوف؛ أي: يبغت بغتة؛ ويركض ركضا؛ ويصبر صبرا؛ فالجملة من الفعل المحذوف مع المصدر الظاهر؛ هي الحال؛ لا المصدر؛ وكذلك الحال عند الكوفيين؛ غير أن الناصب له -عندهم- الفعل المذكور مؤولا من لفظ المصدر؛ أي بغت بغتة، وركض ركضا، وصبرا صبرا.

وذهب بعضهم إلى أنها مصادر على حذف مضاف غير مصدر -هو الحال في الأصل- فلما حذف المضاف؛ ناب عنه المضاف إليه في الحالية؛ أي ذا بغتة؛ وذا ركض؛ وذا صبر.

وقال بعضهم: هي مصادر على حذف مصادر؛ والتقدير: طلوع بغتة؛ ومجيء ركض، وقتل صبر. =

ص: 258

ومع كثرة ذلك فقال الجمهور: لا ينقاس مطلقا، وقاسه المبرد فيما كان نوعا من العامل1، فأجاز:"جاء زيد سرعة" ومنع: "جاء زيد ضحكا"، وقاسه الناظم وابنه بعد "أما" نحو2:"أما علما فعالم" أي: مهما يذكر شخص في حال علم فالمذكور عالم3، وبعد خبر شبه به مبتدؤه، كـ:"زيد زهير شعرا" أو قرن هو بأل الدال على الكمال، نحو:"أنت الرجل علما".

[أصل صاحب الحال أن يكون معرفة ويأتي نكرة بمسوغ] :

فصل: وأصل صاحب الحال التعريف ويقع نكرة بمسوغ4، كأن يتقدم

= وما ذهب إليه سيبويه والجمهور أفضل من ذلك كله؛ وإلى هذا أشار الناظم:

ومصدر منكَّر حالا يقعْ

بكثرة كبغتةً زيدٌ طلعْ

والمعنى يقع المصدر النكرة حالا بكثرة؛ وذلك على خلاف الأصل؛ لأن الحال وصف، يدل على معنى صاحبه؛ والمصدر لا دلالة له على صاحب المعنى؛ وذلك مثل: زيد طلع بغتة؛ فبغتة مصدر نكرة؛ وهو منصوب على الحال، على النحو الذي فصل؛ وأما الذي سهل هذه المخالفة، فحمله على الإخبارية في مثل محمد عدل، والصفة في مثل: هذا ماء غور، وقد أشرنا إلى ذلك سابقا وانظر في هذه المسألة:

همع الهوامع: 1/ 238، والأشموني: 1/ 245-246، وشرح التصريح: 1/ 374-375.

1 أي: مما يدل عليه عامله؛ فالسرعة في المثال نوع من المجيء.

2 أي: من كل تركيب وقع الحال فيه بعد "أما" الشرطية، في مقام قصد فيه الرد على من وصف شخصا بوصفين؛ وأنت تعتقد اتصافه بأحدهما دون الآخر.

3 ناصب الحال في هذا: فعل الشرط المحذوف؛ وهو "يذكر" وصاحبها" نائب الفاعل المرفوع، ويجوز أن يكون ناصبها ما بعد الفاء، وصاحبها الضمير المستكن فيه، وهي على هذا مؤكدة؛ والتقدير: مهما يكن من شيء فالمذكور عالم في حال علم؛ ويتعين الوجه الأول؛ إن كان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها. ضياء السالك: 2/ 199-200.

4 من المسوغات: أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو؛ وذلك لأن وجود الواو في صدر جملة الحال يمنع توهم كون الجملة صفة؛ لأن النعت لا يفصل بينه وبين منعوته بالواو، نحو قوله تعالى:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} وقيل: إن مجيء الحال من النكرة غير الموصوفة موقوف على السماع، ولا يجاوزه لا فيما ذكر من المسوغات ولا في غيره.

ص: 259

عليه الحال1، نحو:"في الدار جالسا رجل"، وقوله2:[مجزوء الوافر]

269-

لِمَيَّة موحِشًا طَلَلُ3

1 أي وتتأخر النكرة، وذلك قياسا على المبتدأ إذا تأخر.

2 القائل: هو كثير بن عبد الرحمن المعروف بكثير عزة، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

يلوحُ كَأَنَّهُ خِلَلُ

وقد روي البيت برواية أخرى هي:

لمية موحشا طلل قديم

عفاه كل أسحم مستديم

وهو بالرواية الأولى من شواهد: التصريح: 1/ 375، 2/ 120، والأشموني:"473/ 1/ 247" والكتاب لسيبويه: 1/ 276، ومجالس العلماء للزجاجي: 174، والخصائص: 2/ 492، وأمالي ابن الشجري: 1/ 26، وشرح المفصل: 2/ 50، والخزانة: 1/ 533 عرضا، والعيني: 3/ 163، والمغني:"132/ 118""802/ 571""119/ 568" وشرح السيوطي 85، 88، والشذور:"7/ 43".

المفردات الغريبة: مية: اسم محبوبة الشاعر. موحشا: اسم فاعل من أوحش المنزل إذا خلا من أهله، والمراد: القفر الذي لا أنيس فيه. طلل: هو ما بقي شاخصا من آثار الديار. يلوح: يظهر ويلمع. خلل: جمع خلة: وهي بطانة منقوشة بالمعادن تغشى بها أجفان السيوف.

المعنى: لقد أقفرت دار مية من أهلها، ودرست معالمها، ولم يبق منها إلا آثار بسيطة، تظهر للرأي وكأنه نقوش في البطائن التي تغشى بها أجفان السيوف.

الإعراب: "لمية": متعلق بمحذوف خبر مقدم؛ ومية: اسم ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. موحشا: حال متقدم من "طلل" الواقع مبتدأ مؤخرا. "على مذهب سيبويه؛ الذي يجيز مجيء الحال من المبتدأ" والجمهور يرون أن صاحب الحال، هو الضمير المستكن في "الجار والمجرور" الواقع خبرا. طلل: مبتدأ مؤخر مرفوع، والفاعل: هو؛ وجملة "يلوح": في محل رفع صفة لـ "طلل". كأنه: حرف مشبه بالفعل، و"الهاء": في محل نصب اسمه. خلل: خبر، كأن، مرفوع، وجملة "كأنه خلل": في محل نصب من الضمير المستتر في "يلوح"؛ أي من الفاعل.

موطن الشاهد: "موحشا".

وجه الاستشهاد: وقوع "موحشا" حالا من "طلل" وهو نكرة، وسوغ ذلك تقدم الحال عليها؛ وهذا على رأي سيبويه -كما أسلفنا- وأما الجمهور: فيرون أن "موحشا" حال من الضمير المستكن في الخبر؛ وهذا الضمير معرفة -وإن كان مرجعه- المبتدأ؛ وهو نكرة، وعلى هذا، فلا شاهد فيه.

ويرى بعضهم: أن النكرة "طلل" موصوفة بجملة "يلوح" فيكون المسوغ هنا وصف النكرة، لا تقدم الحال عليها. انظر شرح التصريح، وحاشية الشيخ يس: 1/ 375-376، وحاشية الصبان: 2/ 174-175.

ص: 260

أو يكون مخصوصا إما بوصف، كقراءة بعضهم:"وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقًا"1، وقول الشاعر2:[البسيط]

270-

نَجَّيت يا رب نوحا واستجبت له

في فُلُكٍ ماخِرٍ في اليم مشحونا3

1 "2" سورة البقرة، الآية:101.

أوجه القراءات: القراءة المذكورة قراءة إبراهيم بن أبي عبلة.

موطن الشاهد: "مصدقا".

وجه الاستشهاد: مجيء "مصدقا" حالا من "كتاب"؛ لتخصصه بالوصف "الجار والمجرور" بعده؛ وفي هذا دلالة على جواز كون "مصدقا" حالا من الضمير المستكن في الجار والمجرور الذي انتقل إليه بعد حذف الاستقرار على ما صححه في باب المبتدأ. شرح التصريح: 1/ 376.

2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

3 تخريج الشاهد: يروى بعد الشاهد قوله:

وعاش يدعو بآيات مبينة

في قومه ألف عام غير خمسينا

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 376، والأشموني:"475/ 1/ 247" وابن عقيل: "183/ 2/ 259"، والعيني: 3/ 149.

المفردات الغريبة: نجيت: أنقذت وخلصت من الغرق. نوحا: هو أبو البشر الثاني بعد آدم. فلك: السفينة، للمفرد والجمع. ماخر: شاق عباب الماء، وهو اسم فاعل من مخرت السفينة، إذا شقت الماء فسمع لها صوت. اليم: البحر. مشحونا: مملوءا.

الإعراب: يا رب: "يا" حرف نداء، رب: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة تخفيفا، اكتفاء بالكسرة؛ والياء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة؛ وجملة "النداء": معترضة بين فعل نجيت وبين المفعول نوحا. "في فلك": متعلق بمحذوف حال من "نوح"؛ أو بـ "نجى". ماخر: صفة لـ "فلك". "في اليم": متعلق بـ "ماخر". مشحونا: حال من "فلك" منصوب.

موطن الشاهد: "مشحونا".

وجه الاستشهاد: مجيء "مشحونا" حالا من النكرة "فلك" والذي سوغ مجيئها من النكرة؛ أنها -أي النكرة- وصفت قبل مجيء الحال منها بـ "ماخر" كما أوضحنا في الإعراب؛ وحكم مجيء الحال -على هذا النحو- جائز باتفاق؛ لأن النكرة متى وصفت تخصصت ولم تعد مبهمة أو مجهولة كما كانت عليه قبل الوصف.

ص: 261

وليس منه: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} 1، خلافا للناظم وابنه، أو بإضافة، نحو:{فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً} 2، أو بمعمول، نحو:"عجبت من ضرب أخوك شديد"3 أو مسبوقا بنفي، نحو:{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} 4، أو نهي نحو:

1 "44" سورة الدخان، الآية:4.

موطن الشاهد: "أمرا".

وجه الاستشهاد: أعرب ابن مالك وابنه "أمرا" حالا من "أمر" الأول؛ لوصفه بـ "حكيم" مع أنه مضاف إليه؛ وهما يقولان بعدم جواز مجيء الحال من المضاف إليه، إلا بشروط لم تتوافر هنا؛ كأن يكون المضاف بعض المضاف إليه، أو كبعضه؛ أو عاملا في الحال. وفي إعراب "أمرا" أقوال أخرى؛ منها:

أ- أنه منصوب على الاختصاص بـ "أخص" محذوفا.

ب- أنه مفعول لأجله.

ج- أنه حال من كل؛ أو من فاعل "أنزلنا"؛ أو مفعوله؛ أي: آمرين به -أو مأمورا به. انظر شرح التصريح: 1/ 376-377.

2 "41" سورة فصلت، الآية:10.

موطن الشاهد: "سواء".

وجه الاستشهاد: مجيء "سواء" حالا من أربعة؛ وهي نكرة؛ غير أنها مختصة بإضافتها إلى "أيام".

3 "شديدا" حال من "ضرب" النكرة؛ لاختصاصه بالعمل في الفاعل، وهو "أخوك".

4 "15" سورة الحجر، الآية:4.

موطن الشاهد: {وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} .

وجه الاستشهاد: مجيء جملة "لها كتاب معلوم" حالا من "قرية" النكرة؛ لأنها مسبوقة بالنفي؛ وفيها مسوغ آخر؛ وهو اقتران الجملة الحالية بالواو -وإن خص بعضهم ذلك بالإيجاب- ومسوغ ثالث؛ وهو: وقوع "إلا" الاستثنائية قبلها؛ لأن الاستثناء المفرغ، لا يقع في النعوت.

ص: 262

لا يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا1

وقوله1: [الكامل]

271-

لا يركنَنْ أحد إلى الإحجامِ

يوم الوغى متخوفا لحمام2

1 هذا من كلام ابن مالك في الألفية؛ و"مستسهلا" حال من "امرؤ" الأول؛ مسبوق بنهي.

2 القائل: هو: أبو نعامة، قطري بن الفجاءة المازني الخارجي، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد: هذا أول أبيات أربعة رواها أبو علي القالي، ورواها أبو تمام، حبيب بن أوس، وهي:

فلقد أراني للرماح دريئة

من عن يمين مرة وأمامي

حتى خضبت بما تحدر من دمي

أكتاف سرجي أو عنان لجامي

ثم انصرفت وقد أصبت ولم أُصَبْ

جَذَعَ البصيرة قارع الإقدام

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 377، والأشموني:"477/ 1/ 247"، وابن عقيل:"186/ 2/ 262"، وهمع الهوامع: 1/ 240، والدرر اللوامع: 1/ 200، والعيني: 3/ 150، وأمالي القالي: 2/ 190، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي:136.

المفردات الغريبة: الركون: الميل. الإحجام: النكوص والتأخر، وهو مصدر أحجم عن الشيء، إذا نكص عنه ولم يقدم عليه. الوغى: الحرب، وأصله الجلبة والصياح، وأطلق على الحرب لما فيها من ذلك. الحمام: الموت.

المعنى: لا يسوغ لأحد أن يفكر في التأخر والتخلف وعدم الإقدام وقت الحرب خوفا من الموت؛ فإن ذلك عار، لا يليق بالرجال، ومعلوم أنه لكل أجل كتاب.

الإعراب: لا: ناهية جازمة. يركنن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل جزم بـ "لا" الناهية، ونون التوكيد الخفيفة: حرف مبني على السكون: لا محل له من الإعراب. أحد: فاعل مرفوع. "إلى الإحجام": متعلق بـ "يركن". "يوم": متعلق بـ "يركن" أيضا، وهو مضاف. الوغى: مضاف إليه. متخوفا: حال منصوب من قوله "أحد"؛ أي من الفاعل. "لحمام": متعلق بـ "متخوفا" الواقع حالا.

موطن الشاهد: "متخوفا".

وجه الاستشهاد: مجيء "متخوفا" حالا من قوله "أحد"؛ وهو نكرة؛ والذي سوغ مجيء الحال من النكرة، وقوع هذه النكرة بعد النهي، الذي هو شبيه بالنفي، وحكم وقوع الحال -هنا- الجواز باتفاق.

ص: 263

أو استفهام، كقوله1:[البسيط]

272-

يا صاح هل حم عيش باقيا فترى2

1 القائل: رجل من طيء لم يسمه ابن مالك.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

لنفسك العذر في إبعادها الأملا؟

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 377، والأشموني:"478/ 1/ 247"، وابن عقيل:"185/ 2/ 261"، والهمع: 1/ 240، والدرر: 1/ 201، والعيني: 3/ 153.

المفردات الغريبة: يا صاح: يا صاحبي، فرخم بحذف الباء، واكتفي بالكسرة للدلالة على ياء المتكلم. حم: قدر وقُضِي. عيش "المراد هنا": الحياة. باقيا: دائما لا يفنى ولا يزول.

المعنى: يخاطب الشاعر صاحبا له مستنكرا: أخبرني هل قدر للإنسان حياة دائمة في هذه الدنيا، فيكون لك العذر في تلك الآمال البعيدة، والتكالب على جمع حطام الدنيا الغادرة الفانية؟!

الإعراب: يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. صاح: منادى مرخم، وأصله: يا صاحب، فإن قدر منقطعا عن الإضافة؛ فهو مبني على ضم الحرف المحذوف؛ للترخيم، في محل نصب؛ وصاح: مرخم صاحب على غير قياس لأنه غير علم. هل: حرف استفهام، لا محل له من الإعراب؛ وهو -هنا- يفيد الإنكار. حم: فعل ماضٍٍ مبني للمجهول، مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. عيش: نائب فاعل مرفوع. باقيا: حال منصوب من "عيش" الواقع نائب فاعل، لفعل "حم" المسبوق بالاستفهام الإنكار. فترى: الفاء فاء السببية، لا محل لها من الإعراب، ترى: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة وجوبا بعد فاء السببية، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف، والفاعل: أنت. "لنفسك": متعلق بـ "ترى"، والكاف: مضاف إليه، وهو في موضع المفعول الثاني. العذر: مفعول به أول منصوب لـ "ترى". "في إبعادها": متعلق بـ "العذر"، و"ها": في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر إلى فاعله؛ فلهذا الضمير محلان من الإعراب؛ الجر بالإضافة، والرفع على الفاعلية. الأملا: مفعول به منصوب للمصدر، والألف: للإطلاق.

موطن الشاهد: "باقيا".

وجه الاستشهاد: وقوع "باقيا" حالا من "عيش" وهو نكرة، وسوغ ذلك وقوع النكرة بعد الاستفهام، وهو شبيه بالنفي، ومن المسوغات لمجيء الحال؛ أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو؛ لأن وجود الواو في صدر الجملة يمنع توهم كونها صفة؛ نحو قوله تعالى:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} ؛ ومن المسوغات أيضا؛ أن تشترك النكرة مع معرفة في الحال؛ نحو: هؤلاء صبية ومحمد مسافرين.

ضياء السالك: 2/ 203، وحاشية الصبان: 2/ 176.

ص: 264

[قد يقع نكرة بغير مسوغ] :

وقد يقع1 نكرة بغير مسوغ، كقولهم:"عليه مائة بيضا"2، وفي الحديث:"وصلى وراءه رجال قياما"3.

[للحال مع صاحبها ثلاث حالات] :

فصل: وللحال مع صاحبها ثلاث حالات:

إحداها: وهي الأصل: أن يجوز فيها أن تتأخر عنه وأن تتقدم عليه، كـ:"جاء زيد ضاحكا"، و:"ضربت اللص مكتوفا" فلك في: "ضاحكا" و: "مكتوفا" أن تقدمها على المرفوع والمنصوب.

1 ذهب أبو حيان إلى أن مجيء الحال من النكرة كثير مقيس، ونقل ذلك عن سيبويه، والعلماء ينقلون القول بعدم جواز القياس على ذلك عن الخليل ويونس. همع الهوامع: 1/ 240.

2 "بيضا" جمع أبيض، حال من مائة، ولا يصح أن يكون تمييزا لأن تمييز المائة لا يكون جمعا، وهذا المثال رواه سيبويه عن العرب، والمراد أن المائة دراهم لا دنانير ولا غيرها؛ لأن الدراهم من الفضة وهي بيضاء. الكتاب لسيبويه: 2/ 112/ 159.

3 تخريج الحديث: الحديث رواه الإمام مالك بن أنس في الموطأ على النحو التالي: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -قاعدا، وصلى وراءه رجال قياما"؛ وربما كان اللفظ المروي من كلام راوي الحديث، كما لم يحتجوا بالحديث عامة؛ لأن الرواة قد أجازوا الرواية بالمعنى؛ وفي رأيهم مغالاة؛ لأن رواة الحديث أوثق من رواة الشعر؛ فالأولى الاحتجاج بالحديث.

موطن الشاهد: "قياما".

وجه الاستشهاد: مجيء الحال "قياما" من النكرة "رجال" بلا مسوغ، وقد اختلف النحاة، في مجيء الحال من النكرة، بلا مسوغ، أمقيس؟ أو مقصور على السماع؟، فذهب سيبويه إلى الأول، وذهب إلى الثاني الخليل ويونس.

ص: 265

الثانية: أن تتأخر عنه1 وجوبا، وذلك كأن تكون محصورة، نحو:{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} 2، أو يكون صاحبها مجرورا3: إما بحرف جر غير زائد، كـ:"مررت بهند جالسة"، وخالف في هذه الفارسي وابن جني وابن

1 من المواضع التي يجب فيها تأخير الحال عن صاحبها أن تكون الحال جملة مقترنة بالواو، نحو "جاء زيد والشمس طالعة"؛ فلا يجوز أن نقول في هذا المثال: جاء والشمس طالعة زيد؛ وذلك لأن الأصل في الواو أن تكون للعطف، ولا يجوز عندما تكون عاطفة تقديمها على المعطوف عليه، فراعوا في واو الحال ما راعوه في واو العطف.

حاشية يس على التصريح: 1/ 378.

2 "6" سورة الأنعام، الآية:8.

موطن الشاهد: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "مبشرين" و"منذرين" حالين من "المرسلين"، ولا يجوز تقديمها على "المرسلين"؛ لأنهما محصوران، ويجب تأخير المحصور؛ لأن تقديمه يؤدي إلى عكس المعنى البلاغي المراد من الحصر.

3 للنحاة في جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف جر أصلي:

أ- ذهب ابن مالك، وأبو علي الفارسي، وابن برهان، وابن كيسان، وابن جني، وابن ملكون وبعض المغاربة إلى أن تقدم الحال على صاحبها المجرور بحرف جر أصلي جائز مطلقا.

ب- وذهب جمهور البصريين إلى أن ذلك لا يجوز مطلقا.

ج- وأجاز الكوفيون تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف جر أصلي في ثلاث مسائل:

الأولى: أن يكون المجرور ضميرا؛ نحو: مررت بك ضاحكة، فإنه يجوز لك القول. مررت ضاحكة بك.

الثانية: أن يكون المجرور أحد اسمين، عطف ثانيهما على المجرور؛ نحو قولك:"مررت بزيد وعمرو مسرعين"؛ فإنه يجوز القول: "مررت مسرعين بزيد وعمرو".

الثالثة: أن يكون الحال جملة فعلية؛ نحو: "مررت بهند تضحك"، فإنه يجوز القول:"مررت تضحك بهند"، ومنعوه فيما سوى ذلك.

وأما بالنسبة إلى المجرور بحرف جر زائد، فإن النحاة -جميعا- متفقون على جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور به؛ نحو:"ما جاءني من أحد مبشرا" فإنه يجوز لك في هذا المثال أن تقول: ما جاءني مبشرا من أحد؛ وجاز ذلك؛ لأن المجرور بحرف الجر الزائد -عند التحقيق- فاعل أو مفعول. وانظر في تفصيل هذه المسألة: همع الهوامع: 1/ 241، وشرح التصريح: 1/ 378-379، وحاشية الصبان: 2/ 176-178.

ص: 266

كيسان1؛ فأجازوا التقديم، قال الناظم: وهو الصحيح؛ لوروده كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} 2، وقول الشاعر3:[الطويل]

273-

تسليت طرا عنكم بعد بينكم4

1 مرت ترجمة لكل منهم؛ وحجتهم: أن المجرور بالحرف مفعول به في المعنى، وتقديم حال المفعول به عليه غير ممنوع، وكذلك الحال هنا.

2 "34" سورة سبأ، الآية:38.

موطن الشاهد: {كَافَّةً لِلنَّاسِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "كافة" بمعنى جميعا -حالا من المجرور "الناس"؛ وقد تقدم عليه؛ وحكم تقدمه -في هذه الحالة- الجواز، كما أسلفنا.

3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

بذكراكم حتى كأنكم عندي

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 379، والأشموني:"479/ 1/ 248"، والعيني: 3/ 160.

المفردات الغريبة: تسليت: تصبرت وتكلفت السلوان. طرا: أي جميعا. بينكم: فراقكم وبعدكم.

المعنى: تسليت، وشغلت نفسي عنكم جيمعا -بعد بعدكم عني- بذكراكم الطيبة التي لا تنسى، وكنتم بذلك كأنكم ماثلون أمامي، ولم تفارقوني.

الإعراب: تسليت: فعل ماضٍ، والتاء فاعل. طرا: حال منصوب من الضمير المجرور بـ "عن"، وقد تقدم عليه؛ ولا تأتي "طرا" إلا حالا. "عنكم": متعلق بـ "تسليت". "بعد": متعلق بـ "تسليت" أيضا، هو مضاف. بينكم: مضاف إليه، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه، والميم: حرف عماد؛ أو و"كم": مضاف إليه. "بذكراكم": متعلق بـ "تسلى"، وذكرى: مضاف، و"كم" مضاف إليه. حتى: حرف ابتداء، لا محل له من الإعراب. كأنكم: حرف مشبه بالفعل، و"كم" ضمير متصل في محل نصب اسم "كأن". "عندي": متعلق بمحذوف خبر "كأن"، وعند مضاف، و"الياء": مضاف إليه.

موطن الشاهد: "طرًا".

وجه الاستشهاد: مجيء "طرا" حالا من كاف المخاطب في "عنكم" المجرور محلا =

ص: 267

والحق أن البيت ضرورة، وأن {كَافةً} حال من الكاف1، والتاء للمبالغة، لا للتأنيث2، ويلزمه تقديم الحال المحصورة، وتعدي "أرسل" باللام، والأول

= بـ "عن"؛ وقد تقدم الحال على صاحبه المجرور؛ وحكم تقدمه الجواز كما أسلفنا -على رأي الفارسي ومن تبعه- وأما الجمهور، فلا يجيزون ذلك، ورد عليه ابن مالك في ألفيته:

وسبق حال ما بحرف جر قد

أبوا، ولا أمنعه؛ فقد ورد

وقد بينا القول في ذلك من قبل، وأثبت ابن مالك في شرح التسهيل التقديم، بقوله:"وجواز التقديم هو الصحيح؛ لِوروده في الفصيح؛ لِقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} فـ "كافة" -على هذا- حال من "الناس"، المجرور باللام، وقد تقدم الحال على صاحبه "المجرور"؛ وأما الأمثلة الشعر العربي فكثيرة؛ منها قول عبد الرحمن بن حسان:

إذا المرء أعيته المروءة ناشئا

فمطلبها كهلًا عليه شديدُ

فـ "كهلا" حال من "الهاء" المجرور محلا بـ "على" في قوله: "عليه" وقد تقدم الحال على صاحبه المجرور. بحرف جر أصلي.

ومنها قول عروة بن حزام، أو كثير، ونسب إلى المجنون:

لئن كان برد الماء هيمان صاديا

إلي حبيبا إنها لحبيب

فـ "هيمان، وصاديا" حالان من "الياء" المجرور محلا بـ "إلى" في قوله: "إلي"؛ وقد تقدم الحال على صاحبه المجرور بحرف جر أصلي، كما هو واضح.

وحملوا على ذلك، قوله تعالى:{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} فأعربوا "على قميصه": جارا ومجرورا متعلقا بمحذوف حال من دم" المجرور بالباء؛ وفي هذا تقدم للحال؛ كما هو واضح؛ وأما الزمخشري فأعرب "على قميصه" في محل نصب على الظرفية، وكأنه قيل: وجاءوا فوق قميصه بدم كذب، وأعرب هذا الإعراب فرارا من تقديم الحال على صاحبها المجرور، وخالفه العلماء في ذلك. حاشية يس على التصريح: 1/ 379 وحاشية الصبان: 2/ 177-178.

1 ذكر هذا التخريج الزجاج، ولم يرتضه ابن مالك، وعلل رده بأن مجيء التاء للمبالغة سماعي في أمثلة المبالغة مثل علامة، وإن جاءت في بعض أمثلة اسم الفاعل مثل راوية فهو شاذ لا يقاس عليه، والمعروف أنه لا يجوز حمل الفصيح على الشاذ خصوصا إذا وجد له محمل آخر لا شذوذ فيه. التصريح: 1/ 379.

2 جعل الزمخشري "كافة" صفة لموصوف محذوف، وتقدير الكلام: وما أرسلناك إلا إرسالة كافة، ورد هذا التخريج بوجهين، الأول: أن كلمة "كافة" لا تستعمل في الكلام العربي إلا حالا، فجعلها صفة ينافي ما ثبت لها من ذلك. والوجه الثاني: أن حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه إنما عهد في صفة اعتيد استعمالها مع هذا الموصوف، و"كافة مع إرسالة ليس من هذا الباب. مغني اللبيب: 733، والتصريح: 1/ 379.

ص: 268

ممتنع، والثاني خلاف الأكثر1.

وإما بإضافته2، كـ:"أعجبني وجهها مسفرة".

وإنما تجيء الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف بعضه كهذا المثال، وكقوله تعالى:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} 4، أو كبعضه نحو:{مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} 5، أو عاملا في الحال، نحو:{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} 6، و:"أعجبني انطلاقك منفردا" و: "هذا

1 هذا الادعاء غير مسلَّم به، فقد صرح البصريون والكسائي والفراء وابن الأنباري بجواز تقديم المفعول المحصور، ولا فرق بينه وبين الحال، وأما تعدي "أرسل" باللام، فقد ورد في قوله تعالى:{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} . التصريح: 1/ 379-380.

2 إذا كانت الإضافة محضة لزم تأخير الحال باتفاق. وإن كانت غير محضة، نحو:"هذا شارب السويق ملتوتا الآن أو غدا"، جاز التقديم عند الناظم، وأنكره ابنه. التصريح: 1/ 380.

3 "15" سورة الحجر، الآية:47.

موطن الشاهد: {إِخْوَانًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "إخوانا" حالا من المضاف إليه "هم"؛ والصدور بعضه؛ وحكم مجيئه -على هذه الحالة- الجواز، كما أسلفنا.

4 "49" سورة الحجرات، الآية:12.

موطن الشاهد: {مَيْتًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "ميتا" حالا من "الأخ" المضاف إليه "اللحم" واللحم بعض الأخ؛ فحكم مجيئه هنا الجواز أيضا، كما في الآية السابقة.

5 "16" سورة النحل، الآية:123.

موطن الشاهد: {حَنِيفًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "حنيفا" حالا من "إبراهيم" المضاف إلى الملة؛ والملة كبعضه في صحة حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه.

6 "10" سورة يونس، الآية:4.

موطن الشاهد: {جَمِيعًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "جميعا" حالا من "كم" المضاف إليه، ومرجع: مصدر ميمي بمعنى الرجوع؛ وهو عامل النصب في الحال؛ ومثله: أعجبني انطلاقك منفردا.

ص: 269

شارب السويق ملتوتا"1.

الثالثة: أن تتقدم عليه وجوبا، كما إذا كان صاحبها محصورا2، نحو:"ما جاء راكبا إلا زيد".

1 موطن الشاهد: "ملتوتا".

وجه الاستشهاد: مجيء "ملتوتا" حالا من السويق المضاف إليه، وشارب: اسم فاعل، عامل النصب في الحال. والسويق: ما يتخذ من القمح والشعير، والملتوت: من لت السويق؛ سحقه وبله وبسه بالماء.

فائدة: لم يجز تقدم الحال على صاحبها المجرور بالإضافة؛ لأنها لو تقدمت على صاحبها؛ لوقعت إما بين المضاف والمضاف إليه؛ ومعلوم أن المضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة؛ فلا يجوز الفصل بينهما؛ وإما أن تقع قبل المضاف، فيتقدم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف؛ ومعلوم أن منزلة المضاف يتعرف بالمضاف إليه؛ فلما تشابهت منزلتاهما، أخذ المضاف والمضاف إليه حكم الصلة والموصول؛ وواضح أن حكم الصلة مع الموصول ألا يتقدم بعض معمولاتها على الموصول؛ فكذلك الحال هنا؛ فلا يتقدم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف. شرح التصريح: 1/ 380-381.

فائدة: اختلف النحاة في مجيء الحال من المضاف إليه في غير المسائل الثلاث السابقة؛ فذهب أبو علي الفارسي إلى الجواز -نقله عنه ابن الشجري في أماليه- وادعى ابن مالك الإجماع على أنه لا يجوز مجيء الحال من المضاف إليه في غير المسائل الثلاث المذكورة. انظر شرح الأشموني: 1/ 250-251.

توجيه: ذكر بعض النحاة من المواضع التي يجب فيها تأخير الحال عن صاحبها: أن يكون الصاحب منصوبا بكأن أو ليت، أو لعل، أو بفعل تعجب، أو بصلة حرف مصدري نحو: سرني أن أكرمت الفقير محتاجا أو يكون ضميرا متصلا بصلة "أل" نحو: الود أنت المستحقه خالصا. أو يكون الحال جملة مقترنة بالواو نحو: جاء محمد والقوم مستعدون للرحيل.

همع الهوامع: 1/ 240-241.

2 وبعض النحاة يجيز تقديم المحصور بإلا كما سبق في الفاعل. ومن مواضع وجوب التقديم أيضا: أن يكون صاحبها مضافا إلى ضمير يعود على شيء وله صلة وعلاقة بالحال نحو: جاء زائرا فاطمة أبوها. همع الهوامع: 1/ 241.

ص: 270

[للحال مع عاملها ثلاث حالات] :

فصل: وللحال مع عاملها ثلاث حالات أيضا1:

إحداها: وهي الأصل: أن يجوز فيها أن تتأخر عنه وأن تتقدم عليه، وإنما يكون ذلك إذا كان العامل: فعلا متصرفا2، كـ:"جاء زيدٌ راكبا"، أو صفة تشبه الفعل المتصرف3، كـ:"زيد منطلق مسرعا"، فلك في:"راكبا" و: "مسرعا" أن تقدمها على: "جاء" وعلى: "منطلق"، كما قال الله تعالى:{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} 4، وقالت العرب:"شتى تؤوب الحلبة"5، أي: متفرقين يرجع الحالبون، وقال الشاعر:

1 عامل النصب في الحال: إما لفظي كالمصدر، والفعل المشتق، والوصف العامل كاسم الفاعل ونحوه، وإما معنوي؛ كأسماء الإشارة، وألفاظ الاستفهام، وبعض الحروف والأدوات التي سيأتي ذكرها. وما ذكره المؤلف من جواز تقديم الحال على عاملها في الحالات التي ذكرها، وبالأدلة التي استشهد بها؛ هو مذهب البصريين. وذهب الجرمي إلى أنه لا يجوز تقديم الحال على عاملها مطلقا، وذهب الأخفش إلى أنه لا يجوز تقدم الحال على عاملها إذا فصل بين العامل والحال بفاصل نحو: زيد جاء راكبا، ويجوز عندهما أن نقول في هذا المثال: راكبا زيد جاء، ومن هنا يظهر السر في استدلال المؤلف بالآية الكريمة التي ترد على الأخفش، وأما المثل والبيت فيردان على الجرمي.

التصريح: 1/ 381، همع الهوامع: 241/ 242.

2 بأن يقع ماضيا ومستقبلا وحالا، شرط ألا يعرض له ما يمنع تقديم الحا لعليه: كاقترانه بلام الابتداء أو القسم؛ نحو: إن محمدا ليقوم طائعا ولأصبرن محتسبا. أو وقوعه صلة لحرف مصدري، أو لـ "أل" نحو: لك أن تنتقل متريضا، وأنت المصلي فذًّا.

3 هي اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، ووجه الشبه تضمن معنى الفعل وحروفه، وقبول العلامات الدالة على الفرعية مطلقا؛ كالتثنية والجمع والتأنيث.

4 "54" سورة القمر، الآية:7.

موطن الشاهد: {خُشَّعًا} .

وجه الاستشهاد: وقوع "خشعا" حالا من الواو في "يخرجون"؛ وقد تقدم على عامله الفعل، كما هو واضح؛ ويجوز أن يكون "خشعا" صفة لمفعول محذوف لـ "يكون"؛ والتقدير: يدعو الداعي قوما خشعا أبصارهم.

5 هذا مثل من أمثال العرب ذكره الميداني في مجمعه: 1/ 358 "برقم: 1914"، =

ص: 271

نجوت وهذا تحملين طليق1

فـ: "تحملين" في موضع نصب على الحال، وعاملها:"طليق" وهو صفة مشبهة.

الثانية: أن تتقدم عليه وجوبا، كما إذا كان لها صدر الكلام، نحو:"كيف جاء زيد"؟

الثالثة: أن تتأخر عنه وجوبا، وذلك في ست مسائل2: وهي أن يكون العامل فعلا جامدا، نحو:"ما أحسنه مقبلا"3، أو صفة تشبه الفعل الجامد، وهو اسم التفضيل، نحو:"هذا أفصح الناس خطيبا"4، أو مصدرا مقدرا بالفعل وحرف مصدري، نحو:"أعجبني اعتكاف أخيك صائما"5، أو اسم فعل، نحو: "نزال

= يقولونه عندما يريدون أن يعبروا عن اختلاف الناس في الأخلاق مع أن أصلهم واحد. فشتى: جمع "شتيت"؛ أي: متفرق، تؤوب: ترجع، الحلبة: جمع حالب، وأصله: أن أصحاب الإبل والبقر وسائر النعم عندما يريدون أن يردوا الماء ليسقوا نعمهم، يردون مجتمعين وعندما يريدون أن يحلبوا ماشيتهم يحلبونها متفرقين، فيحلب كل واحد منهم ماشيته على حدة. انظر شرح التصريح: 1/ 381.

موطن الشاهد: "شتى تؤوب الحلبة".

وجه الاستشهاد: وقوع "شتى" حالا من "الحلبة" وقد تقدمت على عاملها "تؤوب؛ وهو فعل متصرف؛ وحكم تقدم الحال -هنا- الجواز".

1 تقدم ذكر الشاهد والتعليق عليه.

موطن الشاهد: "تحملين".

وجه الاستشهاد: مجيء جملة "تحملين" في محل نصب على الحال من فاعل "طليق" المستتر فيه؛ وعامل الحال: "طليق" وهو صفة مشبهة؛ وقد قدمت عليه؛ والتقدير: أي هذا طليق حال كونه محمولا لك؛ وحكم تقديم الحال هنا الجواز، كما أشار ابن مالك بقوله:

فجائزٌ تقديمُه كـ "مسرعا"

ذا راحل، ومخلصا زيد دعا

2 مر ذكر هذه المسائل الست، ووجه ذكرها هنا؛ أنها تجمع أمرين: التأخر عن صاحبها، والتأخر عن عاملها.

3 "مقبلا": حال من الهاء في أحسنه. وهو واجب التأخير عن العامل لأنه غير متصرف في نفسه، فلا يتصرف في معموله بالتقدم عليه.

4 "خطيبا" حال من فاعل "أفصح" المستتر فيه.

5 "صائما" حال من أخيك، والفاعل فيه المصدر الذي يمكن تقديره بأن والفعل، ومعمول هذا المصدر لا يتقدم عليه كمعمول اسم الفعل. أما إذا كان العامل مصدرا نائبا عن فعله المحذوف وجوبا، فيجوز تقدم الحال، نحو: إكراما فاطمة مجدة.

ص: 272

مسرعا"، أو لفظا مضمَّنا معنى الفعل دون حروفه، نحو:{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} 1، وقوله2:[الطويل]

274-

كأن قلوب الطير رطبا ويابسا3

1 "27" سورة النمل، الآية:52.

موطن الشاهد: {خَاوِيَةً} .

وجه الاستشهاد: وقوع "خاوية" حالا من "بيوتهم"، والعامل فيه اسم الإشارة "تلك" وفيه معنى الفعل؛ شرح التصريح: 1/ 382.

فائدة: ذهب السهيلي إلى أن الاسم الإشارة لا يعمل، وإنما العامل فعل محذوف تقديره: انظر إليها خاوية.

2 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

لدى وكرها العناب والحشف البالي

وهذا البيت من قصيدته المشهورة والتي مطلعها:

ألا عم صباحا أيها الطلل البالي

وهل يعمن من كان في العصر الخالي

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 382، والمصون لأبي أحمد العسكري: 66، والمنصف لابن جني: 2/ 117، ودلائل الإعجاز للجرجاني: 66، 339، وأسرار البلاغة: 220، 227، والعيني: 3/ 216، ومعاهد التنصيص: 1/ 161، والمغني:"399/ 288""730/ 513""807/ 573" وشرح السيوطي: 203، 277، وديوان امرئ القيس:38.

المفردات الغريبة: وكرها: الوكر عش الطائر حيث كان، في شجر أو جبل. العناب: نوع من الفاكهة تشبه به أنامل الحسان المخضوبة بالحناء. الحشف: أراد التمر.

المعنى: يصف الشاعر تلك العقاب بأنها كثيرة الاصطياد للطير، ويرى عند عشها من قلوب الطير؛ بعضها لا يزال رطبا؛ فهو كالعناب، وبعضها قد جف؛ فأضحى كأردأ التمر.

الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل. قلوب: اسم "كأن" منصوب، وهو مضاف. الطير: مضاف إليه مجرور. رطبا: حال من اسم "كأن" منصوب، ويابسا: الواو عاطفة. يابسا: اسم معطوف على اسم "كأن" منصوب مثله. "لدى": متعلق بمحذوف حال من "قلوب الطير"، وهو مضاف. وكرها:"وكر" مضاف إليه، و"ها" مضاف إليه ثانٍ. العناب: خبر "كأن" مرفوع. والحشف: الواو عاطفة، الحشف: اسم معطوف =

ص: 273

وقولك: "ليت هندا مقيمة عندنا" أو عاملا آخر عرض له مانع، نحو:"لأصبر محتسبا" و: "لأعتكفن صائما" فإن ما في حيز لام الابتداء ولام القسم لا يتقدم عليهما1.

ويستثنى من أفعل التفضيل ما كان عاملا في حالين لاسمين متحدي المعنى أو مختلفين، وأحدهما مفضل على الآخر؛ فإنه يجب تقديم حال الفاضل، كـ:"هذا بسرا أطيب منه رطبا"، وقولك:"زيد مفردا أنفع من عمرو مُعَانًا"2.

ويستثنى من المضمن معنى الفعل دون حروفه: أن يكون ظرفا أو مجرورا مخبرا بهما، فيجوز بقلة توسط الحال بين المخبر عنه والمخبر به، كقوله3:[الطويل]

= على "العناب": مرفوع مثله. البالي: صفة للحشف مرفوع بضمة مقدرة على الياء؛ منع من ظهورها الثقل.

موطن الشاهد: "رطبا ويابسا".

وجه الاستشهاد: وقوع "رطبا ويابسا" حالين من "قلوب الطير" والعامل في الحالين، وصاحبهما "كأن" ومعناه أشبه؛ فهو متضمن معنى الفعل من دون حروفه؛ ولا يجوز تقديم الحال على عاملها في مثل هذا.

فائدة: يجوز في الضمير العائد إلى جمع التكسير التذكير والتأنيث؛ ولهذا جاز مجيء "ربطا ويابسا" بالتذكير.

1 لأن لهما الصدارة؛ فلا يعمل ما بعدهما في شيء قبلهما، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك. واللام في "لأصبر" للابتداء، وفي "لأعتكفن" للقسم.

2 "مفردا" حال من الضمير المستتر في "أنفع" الراجح إلى زيد، ومُعانًا حال من "عمرو" والعامل في الحالين "أنفع"، وكان القياس في هذا وما قبله وجوب تأخر الحالين عن "أفعل" لكنهم اغتفروا تقدم الحال الفاضلة، فرقا بين المفضل والمفضل عليه إذ لو أخرا لحصل لبس. وصاحبا الحالين في المثال الأول متحدان في المعنى، وفي الثاني مختلفان. وهذا التقدير الذي ذكره المصنف، هو تقدير سيبويه وارتضاه المازني وأبو علي الفارسي في التذكرة وابن كيسان وابن جني. ويرى المبرد والزجاج والفارسي في الحلبيات، والسيرافي؛ أن الناصب لهذين الحالين "كان" محذوفة، وصاحب الحال هو الضمير المستتر في "كان". التصريح: 1/ 383-382، وهمع الهوامع: 1/ 242-243.

3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

ص: 274

275-

بنا عاذ عوف وهو بادي ذلة

لديكم.....................1

وكقراءة بعضهم: "مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةً لِذُكُورِنَا"2، وكقراءة

1 تخريج الشاهد: هذا جزء من بيت، وهو بتمامه:

بنا عاذ عوف وهو بادي ذلة

لديكم، فلم يعدم ولاء ولا نصرا

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 385، والأشموني:"488/ 1/ 252" والعيني: 3/ 172.

المفردات الغريبة: عاذ: اعتصم والتجأ. عوف: اسم رجل. بادي ذلة: ظاهر المهانة. يعدم: يفقد. ولاء: موالاة ومناصرة. نصرا: إعانة.

المعنى: التجأ إلينا عوف، واستعان بنا، وقد ظهر عليه الهوان والمذلة وهو مقيم عندكم، فأقلنا عثرته، ونصرناه، وقدمنا له العون والمساعدة.

الإعراب: "بنا": متعلق بـ "عاذ". عاذ: فعل ماضٍ: فاعل مرفوع. وهو: الواو حالية، هو: ضمير منفصل، في محل رفع مبتدأ. بادي: حال من الضمير المستقر في خبر المبتدأ "لديكم" الآتي؛ وبادي: مضاف. ذلة: مضاف إليه مجرور. "لديكم" ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر المبتدأ "هو"، ولدى: منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المنقلبة ياء، منع من ظهورها التعذر، ولدى: مضاف، و"كم": مضاف إليه. فلم: الفاء عاطفة، لم: نافية جازمة. يعدم: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه السكون، والفاعل: هو، يعود إلى عوف. ولاء: مفعول به لِيعدم منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. ولاء: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. نصرا: معطوف على قوله "ولاء" منصوب مثله.

موطن الشاهد: "بادي ذلة".

وجه الاستشهاد: مجيء "بادي" حالا من ضمير الظرف "لديكم" المنتقل إليه من متعلقه كما هو معلوم؛ وقد تقدم الحال على عامله "الظرف" مع توسطه بين المخبر عنه والخبر، ولو جعل "بادي" حالا من "هو" على رأي سيبويه الذي يجيز مجيء الحال من المبتدأ لم يكن في البيت الشاهد المطلوب؛ وما ذكره المؤلف والناظم تبعا فيه قول الأخفش والفراء، بينما يرى الجمهور -مجيئه- على هذه الحال - ضرورة من ضرورات الشعر. انظر شرح التصريح: 1/ 384، وحاشية الصبان: 2/ 182.

2 "6" سورة الأنعام، الآية:139.

أوجه القراءات: قرأ "خالص" بالرفع عبد الله، وابن جبير، وأبو العالية، والضحاك، وابن أبي عبلة، والأعمش؛ وقرأ "خالصا" -بالنصب- ابن جبير. وقرأ "خالصة" -بالتأنيث والنصب- ابن عباس والأعرج، وقتادة. وقرأ "خالصة" -بالتأنيث والرفع =

ص: 275

الحسن1: "وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ"2، وهو قول الأخفش، وتبعه الناظم.

والحق أن البيت ضرورة، وأن:"خالصة"3 و: "مطويات" معمولان لصلة: "ما"، ولـ:"قبضته"، وأن "السموات" عطف على ضمير مستتر في:"قبضته" لأنها

= أبو رزين، وعكرمة، وابن يعمر، وأبو حيوة وغيرهم. انظر: معاني القرآن: 1/ 358، والقرطبي: 7/ 96، ومجمع البيان: 2/ 372، والبحر المحيط: 4/ 231.

موطن الشاهد: "خالصةً".

وجه الاستشهاد: مجيء "خالصة" -على هذه القراءة- حالا من الضمير المنتقل إلى الجار والمجرور؛ وهو "لذكورنا" وقد تقدمت على عاملها، وتوسطت بين المخبر عنه؛ وهو "ما" الموصولة، والخبر؛ وهو "لذكورنا" و"ما" واقعة على الأجنة؛ وحكم مجيء الحال هنا الجواز بقلة.

1 هو الإمام الجليل؛ أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، أحد علماء التابعين وكبرائهم، كان إمامًا في القراءة، وكان أكثر كلامه حكما وبلاغة، وقد جمع مع العلم العمل والعبادة. وقد روي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: لو أشاء أن أقول إن القرآن نزل بلغة الحسن لقلت؛ لفصاحته، وهو أحد الأربعة الذين لهم قراءات شاذة مع القراءات العشر، توفي بالبصرة سنة: 116 هـ.

وفيات الأعيان: 2/ 69/ 73، طبقات ابن سعد: 7/ 156، تهذيب التهذيب: 2/ 263، حلية الأولياء: 2/ 131.

2 "39" سورة الزمر، الآية:67.

أوجه القراءات: هذه القراءة منسوبة إلى عيسى والجحدري، وقرأ الباقون برفع "مطويات" على أنها خبر للمبتدأ "السموات".

موطن الشاهد: "مطوياتٍ".

وجه الاستشهاد: مجيء "مطويات" حالا متوسطة بين المبتدأ "السموات" وعاملها الظرفي الواقع خبرا؛ وهو "بيمينه" وصاحب الحال الضمير المنتقل إلى الخبر "الجار والمجرور"؛ وهذه الحالة -جواز تقديم الحال على عاملها الظرف، والجار والمجرور- هي التي أشار إليها ابن مالك بقوله:

................ وندر

نحو سعيد مستقرا في هجر

3 فتكون "خالصة" معمولة للجار والمجرور على أنها حال من الضمير المستتر في "بطون" الواقعة صلة لـ "ما"؛ وهي العاملة في الحال؛ والتاء في "خالصة": للتأنيث باعتبار معنى "ما"؛ لأنها واقعة على الأجنة كما أوضحنا. وتكون "مطويات" معمولة لـ "قبضته" على أنها حال من السموات، و"بين ظرف لغو متعلق بـ "مطويات". وانظر شرح التصريح: 1/ 385.

ص: 276

بمعنى مقبوضتِهِ، لا مبتدأ، و:"بيمينه" معمول الحال، لا عاملها1.

[جواز تعدد الحال لمفرد وغيره] :

فصل: ولشبه الحال بالخبر2 والنعت3 جاز أن تتعدد، لمفرد، وغيره4، فالأول كقوله5:[الطويل]

276-

عليَّ إذا ما جئت ليلى بخفيةٍ

زيارة بيت الله رَجلانَ حافِيا6

1 وعلى هذا تكون الحال غير متقدمة على عاملها الظرف والجار والمجرور في الآيتين؛ وذهب الجمهور من نحاة البصرة في إعراب الآية الكريمة كالآتي: الأرض: مبتدأ. وقبضته: خبر المبتدأ؛ وفي قبضته: ضمير مستتر على أنه نائب فاعل؛ لأن "قبضته" بمعنى مقبوضته؛ فهو اسم مفعول؛ واسم المفعول يرفع نائب فاعل. وقوله: {وَالسَّمَوَاتُ} معطوف على هذا الضمير المستتر، وساغ العطف على الضمير المرفوع من دون توكيد؛ لأنه قد فصل بين متحمل الضمير، والاسم المعطوف بقوله:{يَومَ الْقِيَامَةِ} ، وقوله تعالى:"مطويات" حال من السموات، و"بيمينه": متعلق بـ "مطويات"، وليس خبرا -كما زعم الفراء والأخفش. انظر شرح التصريح: 1/ 385.

2 أي في كونه محكوما به في المعنى على صاحبه كما يحكم بالخبر على المبتدأ، وهذا من باب أنه إذا أشبه الشيء الشيء أخذ حكمه.

3 أي في أنه يدل على الاتصاف بالصفة، وإن كان ذلك مقصودا في النعت وتبعيا في الحال.

4 المراد بالجواز عدم الامتناع، وهذا يصدق بالواجب؛ فإنه يجب تكرير الحال وتعددها بعد "إما"؛ لوجوب تكرير "إما" فقول: اضرب اللص إما قائما، وإما مطروحا على الأرض، وكذلك بعد "لا" النافية؛ لتكريرها في الغالب، تقول: جاء علي لا فرحًا ولا أسوان.

5 أنشد هذا البيت ابن الأعرابي، ولم ينسبه، وبعضهم نسبه إلى مجنون ليلى.

6 تخريج الشاهد: ينشد بعد الشاهد قوله:

شَكُورًا لربي حين أبصرت وجهها

ورؤيتها قد تسقني السم صافيا

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 385، والأشموني:"489/ 1/ 254" ومغني اللبيب: "832/ 601"، وشرح السيوطي: 290، واللسان "رجل"، وديوان المجنون: 301، 306.

المفردات الغريبة: بخفية: أي في خفاء وستر وبعد عن الأنظار. رجلان: ماشيا. حافيا: غير منتعل. =

ص: 277

وليس منه نحو: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} 1.

والثاني: إن اتَّحَد لفظه ومعناه ثني أو جمع2، نحو:{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} 3، الأصل دائبة ودائبا، ونحو: "وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ

= المعنى: ينذر الشاعر ويوجب على نفسه، إذا ما وصل إلى محبوبته ليلى، ولم يشعر به أحد من الناس، أن يزور بيت الله ماشيا غير منتعل.

الإعراب: "علي": متعلق بمحذوف خبر مقدم. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط، مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. ما: زائدة: زرت: فعل ماضٍ، وفاعل. ليلى: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره؛ للتعذر. "بخفية": متعلق بـ "زرت"؛ وجواب إذا محذوف يدل عليه سياق الكلام؛ وجملة "إذا وشرطها وجوابها": اعتراضية، لا محل لها؛ اعترضت بين الخبر المقدم ومبتدئه المؤخر. زيارة: مبتدأ مؤخر، وهو مضاف. بيت: مضاف إليه، وهو مضاف. الله:"لفظ الجلالة" مضاف إليه. رجلان: حال من "ياء المتكلم" في قوله: "علي"، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. حافيا: حال ثانية من "ياء المتكلم" أيضا.

موطن الشاهد: "رجلان حافيا".

وجه الاستشهاد: تعدد الحال "رجلان" و"حافيا" وصاحبهما واحد؛ وهو "ياء المتكلم" المجرورة محلا بـ "على"؛ ويجوز أن يكون صاحبهما فاعل الزيارة المحذوف؛ والتقدير: زيارتي بيت الله.

1 "3" سورة آل عمران، الآية:39.

موطن الشاهد: {مُصَدِّقًا

وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} .

وجه الاستشهاد: استشهد بالآية على عدم تعدد الحال فيها؛ لأن الحالين الثاني والثالث، قد عطفا بالواو على الأول، ومن شرط اعتبار التعدد ألا يكون بطريق العطف.

2 من باب الاختصار، وذلك أولى لا واجب كما يقول الرضي:"وأما الحالان من الفاعل والمفعول معا؛ فإن كان متفقين فالأولى الجمع بينهما؛ لِأنه أخصر، نحو لقيت زيدا راكبا راكبا". ا. هـ.

وهذا من غير نظر للعوامل: أهي متحدة في ألفاظها ومعانيها وعملها، أم غير متحدة في شيء من ذلك.

حاشية يس على التصريح: 1/ 386.

3 "14" سورة إبراهيم، الآية:33.

موطن الشاهد: {دَائِبَيْنِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "دائبين" مثنى؛ وهي حال مؤسسة من الشمس والقمر، ولا يضر الاختلاف في التذكير والتأنيث ما دام الحالان متفقين لفظا ومعنى.

ص: 278

وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ"1، وإن اختلف فُرِّقَ بغير عطف2، كـ: "لقيته مُصْعِدًا منحدرا"، ويقدر الأول للثاني وبالعكس، قال3:[الوافر]

277-

عهدت سعاد ذات هوى معنى4

1 "16" سورة النحل، الآية:12.

موطن الشاهد: "مُسَخَّرَاتٍ".

وجه الاستشهاد: مجيء "مسخرات" حالا مؤكدة لعاملها لفظا ومعنى صرح بذلك ابن مالك في شرح العمدة وولده في شرح النظم؛ والأصل: مسخرا ومسخرا ومسخرة ومسخرا ومسخرة؛ فلما اتحدت لفظا ومعنى جمعت؛ ولا يضر الاختلاف في التذكير والتأنيث.

2 قال الرضي: إن كان هناك قرينة يعرف بها صاحب كل منهما جاز وقوعهما كيفما كان؛ نحو: لقيت هندا مصعدا منحدرة"؛ والأولى: أن يجعل كل حال بجنب صاحبها، وقوله: "وقدمت حال المفعول إذ لا أقل من أن يكون

" بيان لما تفعله إذا اخترت الصورة التي ليست أولى من غيرها، وهذا الترتيب واجب إذا لم يؤمن اللبس، وإذا أمن اللبس كان جائزا. انظر شرح التصريح مع حاشية الشيخ يس: 1/ 386.

3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

فزِدْتُ وعاد سلوانا هواها

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 386، والعيني: 3/ 180، ومغني اللبيب:"967/ 734" وشرح السيوطي: 304.

المفردات الغريبة: عهدت: عرفت وعلمت. سعاد: اسم محبوبته. ذات هوى: صاحبة عشق وحب. معنَّى: اسم مفعول من عناه الأمر، شق عليه حتى أورثه العناء والجهد. سلوانا: سلوا ونسيانا.

المعنى: لقد كنت أنا وسعاد شديدي المحبة والهيام؛ فأما أنا فازددت حبا لها وشغفا بها؛ وأما هي فانقلب هواها وحبها هجرا وانصرافا عني.

الإعراب: عهدت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعله. سعاد: مفعول به منصوب. ذات: حال من "سعاد" منصوب، وهو مضاف. هوى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره =

ص: 279

وقد تأتي على الترتيب إن أمن اللبس1، كقوله2:[الطويل]

278-

خرجت بها أمشي تجر وراءنا3

= الكسرة المقدرة على الألف المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهورها التعذر. معنى: حال من "تاء المتكلم" في قوله: "عهدت" السابق. فزدت: الفاء عاطفة، زدت: فعل ماضٍٍ وفاعل. وعاد: الواو عاطفة. عاد: فعل ماضٍٍ بمعنى "صار" مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. سلوانا: خبر "عاد" الذي بمعنى صار تقدم على اسمه؛ وهو منصوب. هواها: اسم "عاد" الذي بمعنى "صار" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر؛ وهوى: مضاف، وضمير الغائبة العائد إلى سعاد مضاف إليه؛ ويجوز أن نعرب عاد: فعل ماضٍٍ تام، وسلونا: حال تقدمت على الفاعل، وهواها: فاعل مرفوع مضاف إليه؛ وهو الأفضل.

موطن الشاهد: "ذات هوى معنَّى".

وجه الاستشهاد: مجيء الحالين "ذات" و"معنى" على عكس ترتيب صاحبيهما؛ فقد جعل أول الحالين -وهو ذات- لثاني الاسمين، وهو سعاد؛ ليتصل بصاحبه؛ وأما قول "معنى" فصاحبه تاء المتكلم في قوله:"عهدت"؛ وحكم مجيء الحالين على عكس ترتيب صاحبيهما هو الأكثر؛ بخلاف ما لو أتى بهما على ترتيب صاحبيها؛ فإنه يلزم عليه الفصل بين كل حال وصاحبها بأجنبي.

1 اتفق النحاة على أنه إذا تعدد الحال، وتعدد صاحبها، ولم تأت بكل حال منهما بجنب صاحبها، بل أخرت الحالين، فإنك تجعل أول الحالين لثاني الصاحبين، وثاني الحالين لأول الصاحبين، ولا تجعل أول الحالين لأول الصاحبين، وثانيهما لثانيهما إلا حين تقوم قرينة، ترشد السامع إلى رد كل حال إلى صاحبه.

ومعلوم أن النحاة يفضلون رد أول الحالين لثاني الصاحبين عند انعدام القرينة التي ترد كل حال إلى صاحبها؛ لأن هذا يقلل الفصل بين الحال وصاحبها بأجنبي؛ فإنه يترتب عليه أن يفصل بين حال واحد وصاحبه؛ فأما الوجه الآخر؛ فيترتب عليه الفصل بين حالين وصاحبيهما؛ ولا شك في أن فصلا واحدا أخف من فصلين.

وعلمنا -سابقا- أنه إذا قامت قرينة تعين على رد كل حال إلى صاحبها، فأنت بالخيار بين أن تجعل الحالين على ترتيب الصاحبين أو على عكس ترتيبهما.

حاشية الشيخ يس: 1/ 386.

2 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

على أثرينا ذيل مرط مرحل

=

ص: 280

ومنع الفارسي وجماعة1 النوع الأول، فقدروا نحو قوله:"حافيا" صفة أو حالا من ضمير "رجلان" وسلموا الجواز إذا كان العامل اسم التفضيل2، نحو:"هذا بسرا أطيب منه رطبا"3.

= وهو من معلقة امرئ القيس المشهورة والتي كثر الاستشهاد بأبياتها، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 378، والهمع: 1/ 244، والدرر: 1/ 201، والمغني:"966/ 734" وشرح شواهد الشافية للبغدادي: 286.

المفردات الغريبة: مرط: كساء من صوف أو خز. مرحل: معلم فيه خطوط.

المعنى: خرجت بمحبوبتي من خدرها ماشيا -وهي تجر على أثر أقدامنا- ذيل كسائها؛ لتخفي أثرينا عن الناس، فلا يعلم بنا أحد.

الإعراب: خرجت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل. "بها": متعلق بـ "خرج". أمشي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره للثقل، والفاعل: أنا؛ وجملة "تمشي": في محل نصب على الحال من الفاعل؛ الذي هو تاء المتكلم. تجر: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم، والفاعل: هي؛ وجملة "تجر": في محل نصب على الحال من ضمير الغائبة في قوله "بها". "على أثرينا": متعلق بـ "تجر"؛ وأَثَرَيْ: مجرور وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى، و"نا": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. ذيل: مفعول به منصوب، وهو مضاف. مرط: مضاف إليه مجرور. مرحل: صفة لـ "مرط" مجرورة.

موطن الشاهد: "أمشي تجر".

وجه الاستشهاد: وقوع الجملتين "أمشي" و"تجر" في محل نصب على الحال، غير أن صاحب كل واحد غير الآخر؛ فجاء الحالان على ترتيب الصاحبين؛ الأول للأول، والثاني للثاني؛ لأمن اللبس؛ لأن "أمشي" مذكر، و"تجر" مؤنث؛ ومعلوم أن الحال يطابق صاحبه في التذكير والتأنيث.

1 وهو تعدد الحال المفرد، وحجتهم: أن صاحب الحال إذا كان واحدا، فلا يقتضي العامل إلا حالا واحدة، قياسا على الظرف، وهو قياس مع الفارق الواضح؛ لأن الشيء الواحد يمتنع وقوعه في زمانين أو مكانين، لكن لا يمتنع تقييده بقيدين ولا بأكثر، ذكر هذا ابن الناظم مبررا مخالفته لرأي الفارسي وابن عصفور وكثير من المحققين كما ذكر أبو حيان. همع الهوامع: 1/ 244.

2 لأن صاحب الحال، وإن كان واحد في المعنى، فهو متعدد في اللفظ.

هذا: ويؤخذ من المثال الذي ذكره المصنف، أنه ينبغي أن يكون اسم التفضيل متوسطا بين الحالين؛ لِيخرج نحو: محمد أحسن من زملائه متكلما فصيحا.

3 لم يتطرق المؤلف إلى مبحث تعدد الحال. وقد ذكره السيوطي فقال: "ويجب للحال =

ص: 281

[الحال مؤسسة ومؤكدة] :

فصل: الحال ضربان:

مؤسِّسَة، وهي: التي لا يستفاد معناها بدونها، كـ "جاء زيد راكبا" وقد مضت.

ومؤكدة1: إما لعاملها لفظا ومعنى، نحو:{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} 2، وقوله3:[البسيط]

279-

أصخ مصيخا لمن أبدى نصيحته4

= إذا وقعت بعد "إما" أن تردف بأخرى معادا معها "إما" أو "أو" كقوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} وقول الشاعر:

وقد شفني ألا يزال يروعني

خيالك إما طارقا أو مغاديا

وإفرادها بعد إما ممنوع في النثر والنظم وبعد "لا" نادر، تقول: لا راغبا ولا راهبا فتكرر، وقد تفرد كقوله:

قهرت العدى لا مستعينا بعصبة

ولكنْ بأنواع الخدائع والمكرِ

همع الهوامع: 1/ 245.

1 تقسيم الحال إلى مؤسسة ومؤكدة هو مذهب الجمهور، وذهب الفراء والمبرد والسهيلي إلى أن الحال لا تكون إلا مؤسسة، وأنكروا ما ظنه الجمهور مؤكدة لعاملها، وتأولوا الأمثلة حتى جعلوها من أمثلة المؤسسة، ولم يتعرضوا لإنكار المؤكدة لصاحبها؛ لأن المتقدمين من النحاة لم يعرفوها، فلهذا لم يتعرضوا لها.

همع الهوامع: 1/ 245، والتصريح: 1/ 387، مغني اللبيب:606.

2 "4" سورة النساء، الآية:79.

موطن الشاهد: {أَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "رسولا" حالا من "الكاف" الواقعة في محل نصب مفعول به، وهي مؤكدة لـ "أرسلناك"، وموافقة لها لفظا ومعنى.

3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

والزم توقِّيَ خلطِ الجدِّ باللعبِ

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 387، والأشموني:"491/ 1/ 255"، والعيني: 3/ 185. =

ص: 282

أو معنى فقط نحو: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} {وَلَّى مُدْبِرًا} 2.

= المفردات الغريبة: أصخ: استمع، وهو أمر من الإصاخة، بمعنى الاستماع. أبدى: أظهر وأعلن نصيحته. النصيحة: الإرشاد إلى الخير. توقي: مصدر توقى الأمر، إذا تحفظ من الوقوع فيه وتحرز عن إتيانه.

المعنى: استمع وأحسن الاستماع والإنصات لمن ينصحك بإخلاص، ولا تهمل النصيحة، والتزم وقاية نفسك وحفظها من خلط الجد والاجتهاد، باللهو والعبث.

الإعراب: أصخ: فعل أمر، والفاعل: أنت. مصيخا: حال من الضمير المستتر في "أصخ". "لمن": متعلق بـ "أصخ"؛ و"من": اسم موصول في محل جر بحرف الجر. أبدى: فعل ماضٍٍ مبني على الفتح المقدر على الألف، منع من ظهوره التعذر، وفاعله: هو. نصيحته: مفعول به لـ "أبدى" منصوب، وهو مضاف، و"الهاء": في محل جر بالإضافة؛ وجملة "أبدى نصيحته": صلة للموصول، لا محل لها. والزم: الواو عاطفة، الزم: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل: أنت. توقي: مفعول به لـ "الزم"، وهو مضاف. خلط: مضاف إليه مجرور؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله، وخلط مضاف. الجد: مضاف إليه؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله كسابقه. "باللعب": متعلق بـ "خلط".

موطن الشاهد: "مصيخا".

وجه الاستشهاد: مجيء "مصيخا" حالا مؤكدة من ضمير "أصخ"؛ وهي موافقة لهذا العامل لفظا ومعنى؛ مع كون مادة الحال وعامله واحدة؛ ومعلوم أن الفراء والمبرد والسهيلي ينكرون مجيء الحال مؤكدة لعاملها ويزعمون أنها لا تكون إلا مؤسِّسة؛ أي دالة على معنى لم يستفد من عاملها، ويؤولون كل ما ظنه الجمهور مؤكدة، ويردونه إلى المؤسسة، وقد أولوا -هنا- أصخ بمعنى استمع، ومصيخا بمعنى مستمعا في انتباه وحرص، وفي قولهم تكلف ظاهر، والصواب ما ذهب إليه الجمهور.

1 "27" سورة النمل، الآية:19.

موطن الشاهد: {ضَاحِكًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "ضاحكا" حالا من فاعل "تبسم" مؤكدا للعامل في المعنى؛ لأن التبسم نوع من الضحك.

2 "27" سورة النمل، الآية:10.

موطن الشاهد: {مُدْبِرًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "مدبرا" حالا من فاعل "ولى" مؤكدا للعامل في المعنى؛ لأن الإدبار نوع من التولي.

ص: 283

وإما لصاحبها1، نحو:{لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} 2.

وإما لمضمون3 جملة معقودة من اسمين معرفتين جامدتين، كـ:"زيد أبوك عطوفا" وهذه الحال واجبة التأخير عن الجملة المذكورة، وهي معمولة لمحذوف وجوبا تقديره أحقه4 ونحوه.

1 هذا القسم من زيادات المصنف ولم يذكره الناظم، ولم يشمله إنكار الفراء والمبرد والسهيلي.

2 "10" سورة يونس، الآية:99.

موطن الشاهد: {جَمِيعًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "جميعا" حالا من فاعل "آمن" وهو "من" الموصولة؛ وهي مؤكدة لها؛ لأن كلا منهما تدل على الإحاطة والشمول؛ وهذا القسم لم يذكره ابن مالك، وإنما زاده ابن هشام الأنصاري رحمه الله تعالى.

3 فسر الصبان مضمون الجملة في هذا الموضع بأنه "مصدر الخبر مضافا إلى المبتدأ إذا كان الخبر مشتقا، والكون العام مضافا إلى المبتدأ ومخبرا عنه بالخبر إذا كان الخبر في الجملة جامدا.

وقد سبقه الزمخشري في "مفصله" بقوله: "والحال المؤكدة هي التي تجيء على أثر جملة عقدها من اسمين، لا عمل لهما "يريد أنهما جامدان" لتوكيد خبرها وتقرير مؤاده، ونفي الشك عنه، وذلك قولك: زيد أبوك عطوفا، وهو زيد معروفا، وهو الحق بينا، ألا ترى كيف حققت بالعطوف الأبوة، وبالمعروف، والبين أن الرجل زيد، وأن الأمر حق، وفي التنزيل: {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} ، وكذلك: أنا عبد الله آكلا كما يأكل العبيد؛ وفيه تقرير للعبودية، وتحقيق لها، وتقول: أنا فلان بطلا شجاعا وكريما جوادا؛ فتحقق ما أنت متسم به، وما هو ثابت في نفسك". ولمزيد من الإيضاح، انظر المفصل، للزمخشري: 63-64.

وحاشية الصبان: 2/ 185.

وشرح التصريح: 1/ 387-388.

4 من شواهد هذا النوع قول سالم بن دارة:

أنا ابن دارة معروفا بها نسبي

وهل بدارة يا للناس من عارِ

وقد مثل بهذا البيت الزمخشري، وحمل عليه قوله تعالى:{هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} كما حمل غيره عليه قوله تعالى: {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} . انظر حاشية الصبان: 2/ 185.

ص: 284

[وقوع الحال مفردا وشبه جملة] :

فصل: تقع الحال اسما مفردا كما مضى.

وظرفا كـ: "رأيت الهلال بين السحاب" وجارا ومجرورا نحو: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} 1، ويتعلقان بمستقر أو استقر محذوفين وجوبا2. وجملة بثلاثة شروط:

[وقوع الحال جملة بثلاثة شروط] :

أحدها: كونها خبرية، وغلط من قال في قوله3:[السريع]

280-

اطلبْ ولا تَضْجَرَ مِنْ مَطْلَبِ4

1 "28" سورة القصص، الآية:79.

موطن الشاهد: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} .

وجه الاستشهاد: وقوع "الجار والمجرور" في موضع الحال من فاعل خرج المستتر؛ العائد إلى "قارون"؛ وحكم مجيء الجار والمجرور في موضع الحال الجواز.

2 لكونهما "كونا" مطلقا، ويشترط في كل من الظرف والجار والمجرور: أن يكون تاما، أي مفيدا، وإفادته تكون بالإضافة، أو بالنعت، أو بالعدد، أو بغير ذلك من أنواع الإفادة.

3 نسبه صاحب التصريح إلى أحد المولدين ولم يعيِّنْهُ.

4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

فآفة الطالب أن يضجرا

ويروى بعده قوله:

أما ترى الحبل، بتكراره

في الصخرة الصماء قد أثرا

والبيت لم يؤتَ به كشاهد، وإنما لبيان خطأ الذين أعربوه. انظر: التصريح: 1/ 389، والأشموني:"493/ 1/ 256"، والعيني: 3/ 217، والهمع: 1/ 246، 202، والمغني:"74/ 529""999/ 763".

المفردات الغريبة: لا تضجر: لا تسأم ولا تقلق. آفة: عاهة، وهي عرض يفسد ما يصيبه.

المعنى: ثابر، وداوم على طلب معالي الأمور، ولا تسأم إذا لم تظفر بما تطلب؛ فإن السأم والملل علة كل طالب، ومن يصبر، ينل ما يريد.

الإعراب: اطلب: فعل أمر، والفاعل: أنت. ولا: الواو واو المعية، لا: نافية. =

ص: 285

إن "لا" ناهية والواو للحال، والصواب أنها عاطفة مثل:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} 1.

= تضجر: فعل مضارع منصوب بأن المصدرية المضمرة بعد واو المعية، وعلامة نصبه الفتحة الظهرة. "من مطلب": متعلق بـ "لا تضجر". فآفة: الفاء تفريعية، آفة: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الطالب: مضاف إليه. أن: حرف مصدري ونصب. يضجرا: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المصدرية، والفاعل: هو، والألف للإطلاق؛ والمصدر المؤول من "أن المصدرية وما دخلت عليه": في محل رفع خبر المبتدأ "آفة"؛ والتقدير: فآفة الطالب الضجر.

موطن الشاهد: "ولا تضجرا".

وجه الاستشهاد: بيان خطأ من أعرب الواو في قوله: "ولا تضجرا" حالية؛ لأنه يشترط في جملة الحال أن تكون خبرية، وهذه إنشائية؛ والذي ذهب إلى أنها حالية الأمين المحلي -كما ذكره ابن هشام في المغني؛ حيث عد "لا": ناهية، والواو التي قبلها للحال، وتضجرا: فعل مضارع مجزوم بـ "لا" الناهية؛ وأصله ولا تضجرن بنون التوكيد الخفيفة، فحذفت نون التوكيد الخفيفة، وبقيت الفتحة قبلها؛ لتدل عليها؛ وعلى هذا تكون الجملة في محل نصب على الحال؛ غير أن الصواب ما ذهبنا إليه في الإعراب.

انظر في هذه المسألة، وفي أوجه إعراب الشاهد: مغني اللبيب: 763، وشرح التصريح: 1/ 389، وهمع الهوامع: 1/ 245.

فائدة: الجملة الشرطية في قولهم: "لأمدحن المخلص إن أصاب أو أخطأ" واقعة في محل نصب على الحال -مع أنها إنشائية، مشتملة على علامة استقبال؛ حرف الشرط "إن" فالمسوغ -عند النحاة- أنها شرطية لفظا لا معنى؛ لأن التقدير: لأمدحنه على أي حال.

فائدة: على تقدير الواو عاطفة -على رأي ابن هشام- في الشاهد السابق؛ فلها تخريجان: الأول: أن تكون عاطفة مصدرا يسبك من أن والفعل على مصدر متوهم من الأمر السابق؛ أي: ليكن منك طلب وعدم ضجر. الثاني: أن تكون عاطفة جملة على جملة؛ وعلى الوجه الأول: فالفتحة في "تضجر" فتحة إعراب، ولا: نافية وعلى الثاني: فالفتحة فتحة بناء للتركيب؛ والأصل: ولا تضجرن بنون التوكيد الخفيفة؛ فحذفت للضرورة، ولا: ناهية.

1 "4" سورة النساء، الآية:36.

موطن الشاهد: {وَلَا تُشْرِكُوا} .

وجه الاستشهاد: مجيء الواو عاطفة في الآية الكريمة؛ والواو عطفت جملة على جملة، كما هو واضح.

ص: 286

الثاني: أن تكون غير مصدرة بدليل استقبال، وغلط من أعرب {سَيَهْدِينِ} من قوله تعالى:{إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} 1 حالا.

الثالث: أن تكون مرتبطة، إما بالواو والضمير، نحو:{خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ} 2، أو بالضمير فقط، نحو:{اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} 3، أي: متعادين، أو بالواو فقط، نحو:{لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} 4.

[وجوب الواو قبل "قد" داخلة على المضارع] :

وتجب الواو قبل "قد"5 داخلة على المضارع، نحو: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد

1 "37" سورة الصافات، الآية:99.

موطن الشاهد: {سَيَهْدِينِ} .

وجه الاستشهاد: استشهد بها؛ ليدل على كونها غير حالية بسبب اقترانها بالسين ومتى اقترنت بالسين صارت مستقبلة بالنسبة إلى عاملها؛ وهناك تنافٍ بين الحال والاستقبال من حيث اللفظ.

2 "2" سورة البقرة، الآية:243.

موطن الشاهد: {وَهُمْ أُلُوفٌ} .

وجه الاستشهاد: مجيء جملة "وهم ألوف" حالا من الواو في خرجوا؛ وهي مرتبطة بالواو والضمير.

3 "2" سورة البقرة، الآية:36.

موطن الشاهد: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌ} .

وجه الاستشهاد: مجيء جملة "بعضكم لبعض عدو" حالا من الواو في "اهبطوا" والرابط الضمير في "بعضكم"؛ والخطاب لسيدنا آدم وحواء عليهما السلا م.

4 "12" سورة يوسف، الآية:14.

موطن الشاهد: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} .

وجه الاستشهاد: مجيء جملة "نحن عصبة" حالا من "الذئب" أو من ضمير يوسف عليه السلام؛ والرابط الواو فقط، ولا علاقة للضمير نحن؛ لأنه لم يرجع إلى صاحب الحال.

5 هذا أحد موضعين، يجب في كل منهما ربط الجملة الواقعة حالا بالواو؛ والمقصود بالمضارع هنا أن يكون مثبتا؛ فمتى كان مثبتا ومقرونا بقد، وجب أن يكون الرابط =

ص: 287

تَعْلَمُونَ} 1.

[امتناع الواو في سبع صور] :

وتمتنع في سبع صور:

إحداها: الواقعة بعد عاطف2، نحو:{فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} 3.

= لها بصاحب الحال، هو الواو، كما في الآية الكريمة {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ} ولكن لا يشترط في الجملة المضارعية أن تقترن بقد وأن تسبقها الواو، فقد وردت الجملة المضارعية المثبتة حالا من غير "قد" و"الواو" معا في أفصح الكلام؛ حيث قال جل شأنه:{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} ؛ وهنا لا بد من ربطها بصاحب الحال بضمير يرجع منها إليه.

وأما الموضع الثاني الذي يجب فيه "الواو" جملة الحال التي ليس فيها ضمير يعود منها على صاحب الحال؛ نحو: "أقبل الأمير والشمس طالعة"، وكقوله تبارك وتعالى:{لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} .

وأما بالنسبة إلى الفعل الماضي المثبت الواقعة جملته حالا، فقد اختلف النحاة في حكم اقترانه بـ "قد"؛ فذهب الكوفيون والأخفش من البصريين إلى الجواز؛ متى كان معه ضمير يعود على صاحب الحال -سواء أكان مع الضمير واو أم لم يكن- فإن لم يكن معه ضمير، يعود إلى صاحب الحال -بأن كان الرابط هو الواو وحدها- وجب اقترانه بقد وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز مجيء الماضي المثبت حالا إلا إذا اقترن بـ "قد" سواء أكان الرابط، هو الضمير وحده، أم كان الرابط هو الواو وحدها، أم كان الرابط هو الواو والضمير معا؛ فإن وجدت "قد" في اللفظ، فالأمر ظاهر، وإن لم توجد وجب تقديرها واختار ابن مالك وأبو حيان مذهب الكوفيين في هذه المسألة، وهو الأرجح. وانظر في هذه المسألة: همع الهوامع: 1/ 246، والمغني: 229-833، ورصف المباني: 417-418، والتصريح: 1/ 391.

1 "61" سورة الصف، الآية:5.

موطن الشاهد: {وقد تعلمون} .

وجه الاستشهاد: مجيء "تعلمون" حالا من الواو في "تؤذونني" والرابط الواو؛ وحكم وجود الرابط -هنا- الوجب.

2 أي يعطفها على حال قبلها.

3 "7" سورة الأعراف، الآية:4.

موطن الشاهد: {هم قائلون} .

وجه الاستشهاد: مجيء جملة "هم قائلون" حالا معطوفة على "بياتا" وهو مصدر في محل نصب على الحال؛ والرابط الضمير، ولا يقال:"أو""وهم" كراهة اجتماع حرفي عطف صورة.

ص: 288

الثانية: المؤكدة لمضمون الجملة، نحو:"هو الحق لا شك فيه" و: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} 1.

الثالثة: الماضي التالي إلا، نحو:{إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} 2.

الرابعة: الماضي المتلوُّ بأو3، نحو:"لأضْرِبَنَّهُ ذَهَبَ أو مَكَثَ"4.

الخامسة: المضارع المنفي بلا، نحو:{وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} 5.

1 "2" سورة البقرة، الآية:2.

موطن الشاهد: "لا شك فيه"، {لا رَيْبَ فِيهِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء كل من الجملتين حالا مؤكدة لمضمون الجملة قبلها؛ وتمتنع الواو -هنا- لأن المؤكد عين المؤكد؛ فلو قرن بالواو، كان في صورة عطف الشيء على نفسه؛ وأما المؤكدة لعاملها فقد تقترن؛ نحو:"ثم توليتم وأنتم تعلمون".

2 "15" سورة الحجر، الآية:11.

موطن الشاهد: {كانوا به يستهزئون} .

وجه الاستشهاد: مجيء جملة "كانوا به يستهزئون" حالا من "الهاء" في "يأيتهم" وامتنعت الواو هنا؛ لأن ما بعد "إلا" مفرد حكما، ويرى بعض النحاة جواز اقترانه بالواو في هذه الحالة، تمسكا بقول زهير:

نعم امرأ هرمٌ لم تعرُ نائبَةً

إلا وكان لمرتاعٍ بها وزرا

وذلك قياسا على الجملة الاسمية الواقعة بعد "إلا" نحو قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} انظر شرح التصريح: 1/ 392.

3 أي الجملة الماضوية الحالية المعطوفة عليها جملة أخرى بأو.

4 جملة "ذهب" في محل نصب حال من الهاء وبعدها "أو" وتمتنع الواو؛ لأنها في تقدير فعل الشرط؛ إذ المعنى: إن ذهب وإن مكث، وفعل الشرط لا يقترن بالواو، فكذلك المقدر به. والحق أن العلة عدم وجود الواو في مثل هذا الأسلوب من الكلام العربي.

5 "5" سورة المائدة، الآية:8.

موطن الشاهد: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء جملة "نؤمن بالله" حالا من الضمير المجرور باللازم، ولم تقترن بالواو؛ لأن المضارع المنفي بـ "لا" أو "بما" بمنزلة اسم الفاعل المجرور بإضافة "غير" المنصوبة على الحال، وهو لا تدخل عليه الواو؛ والتقدير:"وما لنا غير مؤمنين"؛ واختص المنفي بـ "لا" و"ما" من دون المنفي بـ "لم" و"لما"؛ لأن مضي المنفي بهما في المعنى، قربه من الماضي الجائز الاقتران بالواو، وأبعده من الشبه باسم الفاعل، وذهب محمد ابن صاحب الألفية إلى جواز اقتران المضارع المنفي بـ "لا" بالواو، وإن كان عدم الاقتران أكثر، واستشهد بقول أحدهم:"وكنت لا ينهنهني الوعيد". شرح التصريح: 1/ 392.

ص: 289

السادسة: المضارع المنفي بما، كقوله1:[الطويل]

281-

عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة2

= تقترن بالواو؛ لأن المضارع المنفي بـ "لا" أو "بما" بمنزلة اسم الفاعل المجرور بإضافة "غير" المنصوبة على الحال، وهو لا تدخل عليه الواو؛ والتقدير:"وما لنا غير مؤمنين"؛ واختص المنفي بـ "لا" و"ما" من دون المنفي بـ "لم" و"لما"؛ لأن مضي المنفي بهما في المعنى، قربه من الماضي الجائز الاقتران بالواو، وأبعده من الشبه باسم الفاعل، وذهب محمد ابن صاحب الألفية إلى جواز اقتران المضارع المنفي بـ "لا" بالواو، وإن كان عدم الاقتران أكثر، واستشهد بقول أحدهم:"وكنت لا ينهنهني الوعيد". شرح التصريح: 1/ 392.

1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه وقوله:

فلما لك بعد الشيب صبا متيما

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 392، والأشموني:"500/ 1/ 257" والهمع: 1/ 246، والدرر: 1/ 203.

المفردات الغريبة: عهدتك: عرفتك. تصبو: تميل إلى اللهو والعبث، من الصبوة، وهي الميل إلى الجهل والفتوة. شبيبة: شباب وفتوة ونشاط جسماني. صبا: عاشقا، من الصبابة، وهي العشق ورقة الهوى. متيما: مذللا مستعبدا بالحب.

المعنى: عرفتك وأنت شابٌّ موفور القوة جم النشاط -مستقيما بعيدا عن اللهو والميل للنساء، فما لك بعد الشيخوخة والكبر والضعف، صرت عاشقا متيما؟.

الإعراب: عهدتك: فعل ماضٍ، وفاعل، ومفعول به. ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. تصبو: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو، منع من ظهورها الثقل، والفاعل: أنت؛ وجملة "تصبو" في محل نصب على الحال، وصاحبه كاف الخطاب الواقعة مفعولا به في "عهدتك". وفيك: الواو حالية، و"فيك": متعلق بخبر مقدم محذوف. شبيبة: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل نصب على الحال؛ وصاحب الحال الضمير المستتر في "تصبو". فما: الفاء عاطفة، "ما": اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. "لك": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ؛ والتقدير: أي شيء ثابت لك؛ أو حاصل لك. "بعد": متعلق بقوله: "صبا" الآتي، وهو مضاف. الشيب: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. صبا: حال منصوب، وصاحبه ضمير المخاطب المجرور باللام في قوله:"لك" السابق. متيما: صفة لقوله "صبا" منصوبة مثله.

موطن الشاهد: "ما تصبو".

وجه الاستشهاد: مجيء جملة "تصبو" منفية بـ "ما" وقد وقعت في محل نصب على الحال؛ ولم تقترن بالواو اكتفاء بالربط بالضمير؛ وهو الفاعل المستتر؛ لما بيناه في المنفية بـ "لا" ومثل المنفي بـ "ما" المنفي بـ "إن" النافية. ضياء السالك: 2/ 222.

ص: 290

السابعة: المضارع المثبت1، كقوله تعالى:{وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} 2.

وأما نحو قوله3: [الكامل]

282-

علقتها عرضا وأقتل قومها4

1 أي المجرد من "قد"، فإن اقترن بقد لزمته الواو.

2 "74" سورة المدثر، الآية:6.

موطن الشاهد: "تستكثر".

وجه الاستشهاد: مجيء جملة "تستكثر" حالا من فاعل "تمنن" المستتر فيه؛ وقد امتنعت الواو هنا؛ لشبهه باسم الفاعل في الزنة والمعنى، والواو لا تدخل على اسم الفاعل، فكذلك ما أشبهه.

3 القائل: عنترة بن شداد العبسي، وقد مرت ترجمته.

4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

زعما لعمر أبيك ليس بمزعمِ

والبيت من معلقته المشهورة؛ التي مطلعها قوله:

هل غادر الشعراء من متردم؟

أم هل عرفت الدار بعد توهم؟

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 392، والأشموني:"495/ 1/ 256"، والعيني: 3/ 188.

المفردات الغريبة: علقتها: تعلقت بها وأحببتها. عرضا: من غير قصد: زعما: طمعا، وهو مصدر زعم، بمعنى طمع.

المعنى: أحببتها، وشغفت بها بمجرد النظر إليها من غير قصد، وأنا أحارب قومها وأقتلهم، فكيف هذا التناقض؟!، ثم قال مخاطبا نفسه: إن هذا طمع لا موضع له، وفعل لا يليق بمثلى.

الإعراب: علقتها: فعل ماضٍٍ مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع نائب فاعل؛ و"ها" مفعول به ثانٍ. عرضا: مفعول مطلق منصوب؛ وهو الأفضل. وأقتل: الواو عاطفة، أقتل فعل مضارع -بمعنى الماضي- مرفوع، والفاعل: أنا. قومها: مفعول به =

ص: 291

فقيل: ضرورة وقيل: الواو عاطفة والمضارع مؤول بالماضي1، وقيل: واو الحال والمضارع خبر لمبتدأ محذوف، أي: وأنا أقتل2.

[حذف عامل الحال جوازا أو وجوبا] :

[حذف العامل جوازا] :

فصل: وقد يحذف عامل الحال: جوازا3؛ لِدليل حالي، كقولك لقاصد

= منصوب، وهو مضاف، و"ها": مضاف إليه؛ وجملة "أقتل قومها": لا محل لها؛ لكونها معطوفة على جملة "علقتها" الاستئنافية؛ والتقدير: علقتها تعلقا عارضا وقتلت قومها؛ ويجوز -وهو الأفضل- أن تكون الواو حالية، وجملة "أقتل قومها": في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: وأنا أقتل قومها؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل نصب على الحال؛ وصاحبه تاء المتكلم في قوله: "علقتها" السابق. زعما: على رواية النصب؛ مفعول مطلق لفعل محذوف؛ والتقدير: زعم زعما، وعلى رواية الرفع؛ يكون إما خبرا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هذا زعم؛ أو يكون مبتدأ؛ وخبره جملة ليس بمزعم"؛ والأول أفضل. لَعَمْر: اللام لام الابتداء، لا محل لها من الإعراب. عَمْرُ: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. أبيك: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه؛ وخبر المبتدأ محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمر أبيك قسمي، أو ما أقسم به؛ وجملة "المبتدأ والخبر": لا محل لها؛ لأنها اعتراضية، اعترضت بين الصفة والموصوف؛ أو بين المبتدأ والخبر على رواية رفع "زعم" كما بينا. ليس: فعل ماضٍٍ ناقص؛ واسمه "هو" يعود إلى الزعم. بمزعم: الباء حرف جر زائد، مزعم: خبر "ليس" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد؛ والجملة في محل نصب أو رفع صلة لـ "زعم".

موطن الشاهد: "وأقتل قومها".

وجه الاستشهاد: مجيء جملة: "أقتل قومها" حالية مضارعية مثبتة، وقد اقترنت بالواو مع امتناع الواو في ذلك، وقد خرجه المؤلف في المتن.

1 والتقدير: وقتلت قومها؛ وذلك ليتناسب المتعاطفان، فذلك أولى من عدم التناسب.

2 خلاصة البحث: إن اقتران جملة الحال بالواو على ثلاثة أنواع: واجب، وذلك في موضعين. وممتنع، وذلك في سبعة مواضع، وجائز، وذلك فيما عدا ذلك.

3 الأصل في عامل الحال وغيرها، أن يكون مذكورا؛ ليحقق الغرض منه، وهو إفادة معنى جديد، أو تقوية المعنى الموجود، وقد يحذف جوازا أو وجوبا لدواع تقتضي الحذف، ويستثنى من الحذف جوازا: ما إذا كان العامل معنويًّا، كالظرف والجار والمجرور، واسم الإشارة، وحرف التمني والتنبيه إلخ، فلا يجوز حذف العامل فيها؛ لضعفه سواء فهم أم لم يفهم.

ص: 292

السفر: "راشدا" وللقادم من الحج: "مأجورا" أو مقالي1، {بَلَى قَادِرِين} 2 {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} 3 بإضمار: تسافر، ورجعت، ونجمعها، وصلوا.

[حذف العامل وجوبا] :

ووجوبا قياسا في أربع صور: نحو: "ضربي زيدا قائما"4، ونحو:"زيد أبوك عطوفا"5 وقد مضتا، والتي يبين بها ازدياد أو نقص بتدريج، كـ:"تصدق بدينار فصاعدا"، و:"اشتره بدينار فسافلا"6، وما ذكر لتوبيخ، نحو: "أقائما وقد قعد

1 الدليل المقالي: هو ما يعتمد على كلام مذكور صريح، وهو في مثال المصنف جواب نفي وشرط، وقد يكون جوابا لاستفهام نحو: راكبا، لمن قال: كيف جئت؟ أو منهيا عنه نحو: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} ، أو مقصودا لحصر فيه، نحو: ما جاءني محمد إلا راكبا ومنه قوله تعالى: {وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} . أما الدليل الحالي فتدل عليه المناسبات المحيطة بالمتكلم، من غير استعانة بكلام أو قول.

التصريح: 1/ 393.

2 "75" سورة القيامة، الآية:4.

موطن الشاهد: {بَلَى قَادِرِين} .

وجه الاستشهاد: مجيء "قادرين" حالا بعامل محذوف جوازا؛ والتقدير: نجمعها قادرين؛ فأضمر العامل "نجمعها" في جواب النفي؛ وحكم الإضمار -هنا- الجواز؛ غير أن القراءة سنة متبعة، لا تجوز مخالفتها.

3 "2" سورة البقرة، الآية:239.

موطن الشاهد: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "رجالا وركبانا" حالين؛ والعامل فيهما محذوف، وتقديره: صلوا؛ وحكم الحذف هنا الجواز، غير أن القراءة سنة مؤكدة، فلا تجوز مخالفتها.

4 أي مما فيه الحال سادة مسد الخبر، وقد سبق إيضاحها، فلا يجوز ذكر الخبر لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض.

5 أي: من الحال المؤكدة لمضمون جملة قبلها، والعلة في وجوب حذف العامل: أن الجملة قبله بمنزلة البدل من اللفظ.

6 "صاعدا" و"سافلا" حالان عاملهما محذوف وجوبا؛ والتقدير: فذهب المتصدق به صاعدا، وانحط المشتري به سافلا؛ ولا بد في هذه الحالة من اقتران الحال بالفاء العاطفة، أو "ثم" العاطفة؛ وهي تعطف جملة خبرية على جملة إنشائية، ويجب حذف العامل والصاحب معا في هذه الحال. شرح التصريح: 1/ 393.

ص: 293

الناس"، و: "أتميميا مرة وقيسيا أخرى"1 أي: أتوجد، وأتتحول2.

وسماعا في غير ذلك، نحو:"هنيئا لك" أي: ثبت لك الخير هنيئا، أو أَهْنَأَكَ هنيئا.

1 "قائما" و"تميميا" و"قيسيا" أحوال منصوبة بفعل محذوف وجوبا؛ لأنها بدل من اللفظ بالفعل، ولا يجمع بين البدل والمبدل منه.

2 "أتوجد" راجع إلى المثال الأول، و"أتتحول" راجع إلى الثاني، وليس المراد أن يتحول في حالة كونه تميميا

بل إنه يتخلق تارة بأخلاق التميمي وأخرى بأخلاق القيسي؛ والأولى: تقدير عامل الحال "توجد" كسابقه، وقيل "تميميا وقيسيا": مفعول مطلق على حذف مضاف: أي أتتخلق تخلق تميمي مرة؟

وما ذكره المؤلف محظور ذكر العامل فيه رأي ممنوع ذكره -وهناك عوامل تحذف سماعا؛ نحو: هنيئا لك. انظر شرح التصريح: 1/ 393.

فائدة أولى: عندما تتعدد الحال لواحد، تسمى "مترادفة" أي متوالية، تتلو الواحدة الأخرى؛ ويمكن أن تعرب الحال الثانية حالا من الضمير المستتر في الحال التي قبلها، وتسمى الثانية "متداخلة".

فائدة ثانية: هنالك ألفاظ مسموعة، وقعت أحوالا مع أنها معرفة بالإضافة؛ نحو: تفرق القوم أيدي سبأ، وقد أولت على معنى: متبددين؛ أو مثل أيدي سبأ؛ فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. ومنها قولهم: فعلت هذا الأمر جهدي أو طاقتي، وأول بمعنى: جاهدا أو مطيقا.

فائدة ثالثة: تنقسم الحال باعتبار الزمان إلى مقارنة لعاملها، وهو الغالب فيها، ومقدرة وهي المستقبلة؛ نحو: مررت برجل معه سيف مقاتلا به غدا؛ أي: مقدرا ذلك. انظر حاشية الصبان: 2/ 193، وضياء السالك: 2/ 226.

ص: 294