المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب المستثنى] : - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك - ت هبود - جـ ٢

[ابن هشام النحوي]

الفصل: ‌[باب المستثنى] :

[باب المستثنى] :

هذا باب المستثنى:

[أدوات الاستثناء] :

للاستثناء1 أدوات ثمانٍ:

حرفان وهما: "إلا" عند الجميع، و:"حاشا"2 عند سيبويه، ويقال فيها: حاش وحشا.

1 الاستثناء: اسم يذكر بعد إلا، أو إحدى أخواتها، يخالف ما قبلها في الحكم نفيا أو إثباتا، ويقول صاحب التسهيل في تعريفه:"هو المخرج تحقيقا أو تقديرا من مذكور، أو متروك بإلا أو ما في معناها" فالمخرج: جنس يشمل المخرج بالبدل، وبالصفة، وبالشرط، وبالاستثناء، وغير ذلك؛ وقوله:"تحقيقا أو تقديرا": إشارة إلى قسمي الاستثناء، المتصل والمنقطع. وقوله:"من مذكور أو متروك": إشارة إلى قسمي الاستثناء، التام والمفرَّغ؛ وقوله:"بإلا أو ما في معناها": يشمل أدوات الاستثناء جميعا. وانظر شرح التصريح: 1/ 346-347، وحاشية الصبان: 2/ 141-142.

2 للنحاة في "حاشا" ثلاثة مذاهب:

الأول: ما ذهب إليه سيبويه وجماعة من البصريين، وحاصله: أن "حاشا" حرف جر دائما، ولا تأتي فعلا؛ لأنهم لم يحفظوا إلا الجر بها، والجر: لا يكون إلا بالحرف؛ واختلف أصحاب هذا الرأي حول قضية التعليق؛ ألها تعلق كبقية حروف الجر أو إنها كالحروف الزائدة، فلا متعلق لها؟ فذهب بعضهم إلى أن لها متعلقا كسائر حروف الجر؛ ومتعلقها ما يكون قبلها من فعل أو شبهه؛ وعلى هذا، يكون محلها مع المجرور نصبا. وذهب آخرون -ومنهم ابن هشام- إلى أنها لا تتعلق بشيء كالحروف الزائدة؛ لِأنها ليست على نمط حروف الجر الأصلية، التي توصل معاني الأفعال التي قبلها إلى الاسم المجرور بها؛ وهي -أي حاشا- لا توصل المعنى إلى ما بعدها؛ بل تزيل معنى الفعل، ولما اختلف حال هذا الحرف "حاشا" عن حال بقية حروف الجر الأصلية، لم يجعل منها؛ وفي هذا الكلام نظر. =

ص: 220

وفعلان وهما: "ليس"1، و:"لا يكون".

ومترددان بين الفعلية والحرفية2، وهما:"خلا" عند الجميع، و:"عدا" عند غير سيبويه.

واسمان وهما: "غير" و: "سوى" بلغاتها، فإنه يقال: سِوىً كـ "رِضىً"، وسُوىً كـ "هُدىً"، وسَواء كـ "سماء"، وسِواء كـ "بناء"، وهي أغربها3.

= الثاني: ما ذهب إليه المازني والجرمي، والمبرد، والزجاج، والأخفش، وأبو زيد، والفراء، وأبو عمرو الشيباني، وكثير من المتأخرين، وهو عدها حرف جر -كثيرا- وما بعدها يكون مجرورا بها، واستعمالها -قليلا- فعلا متعديا جامدا فتنصب ما بعدها؛ فإذا استعملت حرفا، قيل: حاشاي من دون نون الوقاية، وإذا استعملت فعلا، قيل: حاشاني، ويعد هذا الفعل جامدا؛ لتضمنه معنى إلا؛ ولما جاء عمن يحتج بكلامهم نصب ما بعدها؛ وجره؛ ذهب أصحاب هذا المذهب إلى أنها حين تجر ما بعدها تكون حرف جر، وحين تنصب ما بعدها تكون فعلا.

الثالث: ما ذهب إليه الكوفيون، وهو أنها فعل دائما، تنصب ما بعدها، ولا تكون حرفا جارا، وحجتهم على ما ذهبوا إليه وكونها تتصرف، فتأتي حاشى وأحيانا: حاش؛ ومعلوم أن الحروف لا تتصرف؛ وإذا جاء بعدها اسم مجرور؛ فهو مجرور بحرف جر حذف، وبقي عمله؛ وفي كلامهم نظر؛ والأرجح، والأصح: ما ذهب إليه أصحاب المذهب الثاني؛ لعدم التأويل والتقدير: وانظر في تفصيل هذه المسألة: شرح التصريح: 1/ 346، والمغني: 164-166، والجني الداني، 558-568، وحاشية الصبان: 2/ 165-167، وابن عقيل: 1/ 491-493.

1 هذا مذهب الجمهور، وذهب أبو علي الفارسي، وتبعه في ذلك أبو بكر بن شقير، إلى أن ليس حرفا دائما، وظهر بطلان هذا الرأي باقترانها بتاء التأنيث الساكنة في نحو "ليست هذه بمفلحة"، وتاء الفاعل في نحو "لست، ولستما، ولستم، ولستن" وهذا من علامات الأفعال. و"ليس" في الاستثناء حرف ناصب للمثنى بمنزلة إلا، وهي في غير الاستثناء فعل. مغني اللبيب: 386-390، والتصريح: 1/ 347، والجنى الداني: 493-500.

2 أي ما لم تتقدم عليهما "ما" المصدرية، وإلا تعينتا للفعلية ويلزمان المضي.

3 قلَّ من ذكرها، وممن نص عليها الفارسي في كتابه الحجة، وتبعه ابن الخباز في كتابه النهاية.

وقال في المغني: إنها تمد مع الفتح وتقصر مع الضم ويجوز الوجهان مع الكسر. التصريح: 1/ 347، ومغني اللبيب:187.

ص: 221

[أحوال الاسم الواقع بعد إلا وحكمه] :

فإذا استثنى بـ "إلا" وكان الكلام غير تام، وهو الذي لم يذكر فيه المستثنى منه، فلا عمل لـ "إلا"، بل يكون الحكم عند وجودها مثله عند فقدها، ويسمى استثناء مفرغا، وشرطه: كون الكلام غير إيجاب1، وهو: النفي نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} 2، والنهي نحو:{وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 4، والاستفهام الإنكاري نحو: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ

1 لأن التفريغ في الإيجاب، يدعو إلى الاستبعاد والوهم؛ فنحو: قام إلا زاهر، يفهم منه قيام جميع الناس إلا زاهرا -وهذا بعيدا ومحال- وليس هناك قرينة تدل على أن المراد جماعة مخصوصة.

وجوَّز ابن الحاجب التفريغ في الموجب، شرط أن يكون فضلة، وحصلت فائدة؛ نحو: قرأت إلا يوم الخميس؛ فإنه يجوز أن تقرأ في الأيام جميعها إلا يوم الخميس.

وأجيب بأن هذا قليل فيمنع طردا للباب، كما اتفق على الجواز في المنفي، وإن لم يستقم المعنى أحيانا؛ نحو: ما مات إلا زاهر؛ لِهذا السبب.

وخلاصة القول: أن الاستثناء المفرغ يقتضي أن يكون الكلام غير تام، وغير موجب معًا. انظر ضياء السالك: 2/ 163، حا: 4، وشرح التصريح: 1/ 348.

2 "3" سورة آل عمران، الآية:144.

موطن الشاهد: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} .

وجه الاستشهاد: تقدم على الاستثناء ما يخرجه عن الإيجاب وهو "ما" النافية، فيعرب "محمد" مبتدأ، و"رسول" خبرا؛ لكون الاستثناء مفرغا، حيث جاء الكلام غير إيجاب.

3 "4" سورة النساء، الآية:171.

موطن الشاهد: {وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} .

وجه الاستشهاد: مجيء الاستثناء مفرَّغا؛ لِكون الكلام غير إيجاب؛ لِسبقه بلا الناهية؛ و"تقولوا" يطلب مفعولا صريحا، فنصب ما بعد إلا على المفعولية؛ وتقدير المستثنى منه: ولا تقولوا على الله شيئا إلا الحق.

4 "29" سورة العنكبوت، الآية:46.

موطن الشاهد: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .

وجه الاستشهاد: مجيء الاستثناء مفرغا؛ لكون الكلام غير إيجاب؛ لِسبقه بلا الناهية. وما قبل "إلا" وهو "تجادلوا" يطلب مجرورا بالباء؛ فجر بها ما بعد إلا وهو "التي"؛ وتقدير المستثنى منه: ولا تجادلوا أهل الكتاب بشيء إلا بالتي هي أحسن.

ص: 222

الْفَاسِقُونَ} 1، فأما قوله تعالى:{وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} 2، فحمل "يأبى" على "لا يريد" لأنهما بمعنى.

وإن كان الكلام تاما: فإن كان موجبا3 وجب نصب المستثنى4، نحو:

1 "46" سورة الأحقاف، الآية:35.

موطن الشاهد: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} .

وجه الاستشهاد: مجيء الاستثناء مفرغا؛ حيث جاء الكلام غير إيجاب؛ لأن الاستفهام الإنكاري يحمل معنى النفي؛ وما قبل إلا؛ وهو "يهلك" يتطلب نائب فاعل مرفوع ما بعد "إلا" وهو "القوم" وتقدير المستثنى منه: فهل يهلك أحد إلا القوم الفاسقون.

2 "9" سورة التوبة، الآية:32.

موطن الشاهد: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} .

وجه الاستشهاد: حمل "يأبى" في إفادة النفي على "لا يريد"؛ لأنهما بمعنى واحد؛ والمعنى: لا يريد الله إلا أن يتم نوره "إتمام نوره" فلا فرق في النفي بين أن يكون في اللفظ أو في المعنى؛ ولذا عد من باب الاستثناء المفرغ.

3 الموجب هو: الجملة التي ليس فيها نفي أو شبهه؛ وهو النهي، والاستفهام المتضمن معنى النفي، كالإنكاري والتوبيخي.

4 يجب نصب المستثنى سواء أكان متأخرا عن المستثنى منه، أم متقدما عليه؛ ومتصلا كان الاستثناء أم منقطعا. ويقال في الإعراب:"إلا": حرف استثناء، والمستثنى: منصوب على الاستثناء.

فائدة: اختلف النحاة في العامل في الاسم المنصوب بعد إلا؛ ولهم في هذه المسألة ثمانية أقوال:

أ- إن الناصب لهذا الاسم هو "إلا" نفسها -وحدها" وإلى هذا ذهب ابن مالك، ونسبه إلى سيبويه والمبرد.

ب- إن الناصب هو تمام الكلام، ومثل هذا انتصاب التمييز، نحو قولك: أعطيته عشرين درهما.

ج- إن الناصب هو الفعل المتقدم على "إلا" لكن بوساطة "إلا" وينسب هذا القول إلى السيرافي، والفارسي، وابن الباذش، وضعف العلماء هذا الرأي؛ لأنه قد لا يكون في الكلام فعل أصلا؛ كما في قولك:"القوم إخوتك إلا زيدا".

د- إن الناصب هو الفعل السابق بغير وساطة "إلا" وإلى هذا، ذهب ابن خروف، وضعفوه بمثل ما ضعفوا رأي الفارسي ومن معه. =

ص: 223

{فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} 1، وأما قوله2:[البسيط]

260-

عافٍ تَغَيَّرَ إلا النؤْيُ والوَتَدُ3

فحمل "تغير" على "لم يبق على حاله" لأنهما بمعنى.

= هـ- إن الناصب فعل محذوف يقدر من معنى "إلا" مثل "أستثني"، وإلى هذا، ذهب الزجاج.

و إن الناصب هو مخالفة ما بعد إلا لما قبلها، ويحكى هذا عن الكسائي.

ز- إن الاسم المنصوب يقع اسما لـ "أن" -بتشديد النون- مؤكدة محذوفة وخبرها محذوف أيضا؛ وتقدير الكلام في "قام القوم إلا زيدا": قام القوم إلا أن زيدا لم يقم، وقد حكي هذا القول عن الكسائي؛ وهو تكلف ظاهر.

ح- إن "إلا" مركبة من "إن" المؤكدة ولا العاطفة، ثم خففت "إن" بحذف أحد نونيها، ثم أدغمت في "لا" فإذا انتصب ما بعدها، فذلك من أجل تغليب حكم "إن"، وإذا لم ينتصب فمن أجل تغليب حكم "لا" العاطفة؛ ونسب هذا القول إلى الفراء؛ وهو أشد تكلفا من سابقه. انظر شرح التصريح: 1/ 349.

1 "2" سورة البقرة، الآية:249.

موطن الشاهد: {شَرِبُوا مِنْهُ إِِلَّا قَلِيلًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء ما قبل "إلا" وهو شربوا كلاما تاما موجبا؛ لأن المستثنى منه موجود؛ وهو "الواو" في شربوا؛ ولم يتقدم عليه نفي ولا شبهه؛ فجاء ما بعد إلا "قليلا" منصوبا على الاستثناء؛ وحكم نصبه على الاستثناء -في هذه الحال- الوجوب؛ لتوفر الشروط اللازمة.

2 القائل: هو: الأخطل؛ غياث بن غوث التغلبي النصراني، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد:

هذا عجز بيت وصدره قوله:

وبالصريمة منهم منزل خَلَقٌ

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 349، والأشموني:"444/ 1/ 228"، والعيني: 3/ 103 ومغني اللبيب: "496/ 363"، وديوان الأخطل:168.

المفردات الغريبة: الصريمة: اسم موضع، وأصله: المنقطع من الرمل. خلق: بالٍ. عافٍ: دارس مندثر. النؤي: جدول صغير يحفر حول الخباء لمنع السيل عنه.

المعنى: إن بهذا الموضع منزلا باليا خلفه القوم، تغيرت حاله، ودرست معالمه، ولم يبق منه إلا الحفرة التي كانت حوله، والوتد الذي يربط به الخباء أو الدواب.

الإعراب: "بالصريمة": متعلق بمحذوف خبر مقدم. "منهم": متعلق بمحذوف حال =

ص: 224

وإن كان الكلام غير موجب: فإن كان الاستثناء متصلا1 فالأرجح إتْباع المستثنى للمستثنى منه2: بَدَلَ بعضٍ عند البصريين، وعَطْفَ نَسَقٍ عند الكوفيين3

= من "منزل" الآتي؛ لأن الصفة إذا تقدمت على الموصوف؛ تنصب على الحال؛ ويجوز تقدم الحال على صاحبه؛ أو "منهم": متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في "بالصريمة"؛ وهذا الضمير عائد على منزل -وهذا متعين على مذهب الجمهور الذين لا يجوزون مجيء الحال من المبتدأ. منزل: مبتدأ مؤخر. خلق صفة لـ "منزل" مرفوع. عافٍ: صفة ثانية مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين. تغير: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، يعود إلى المنزل؛ وجملة "تغير": في محل رفع صفة ثالثة لـ "منزل" إلا: حرف استثناء النؤي: بدل من الضمير المستتر في تغير؛ وبدل المرفوع مرفوع مثله. والوتد: الواو عاطفة، الوتد: اسم معطوف على النؤي مرفوع مثله.

موطن الشاهد: "إلا النؤي والوتد".

وجه الاستشهاد: ارتفاع "النؤي" على البدلية؛ لأن الكلام ليس تاما موجبا كما خرجه النحاة؛ بل هو منفي في المعنى؛ لكون "تغير"؛ وهو العامل في ضمير المستثنى منه؛ وهو المنزل في معنى عامل منفي؛ تقديره: "لم يبق حاله" كما بعدها مبتدأ محذوف الخبر؛ ومثله حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافىً إلا المجاهرون"؛ والتقدير: ولكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون؛ وذهب العلماء إلى أن جملة "المبتدأ والخبر" الواقعة بعد "إلا" في محل نصب على الاستثناء؛ وقال ابن هشام: قد فات العلماء عد هذه الجملة في الجمل التي لها محل من الإعراب. انظر في هذه المسألة: شرح التصريح: 1/ 349، وضياء السالك: 2/ 165.

1 هو ما يكون فيه المستثنى بعض المستثنى منه، ويحكم على أحدهما بضد ما يحكم به على الآخر، سواء كان المستثنى منه متعدد الأفراد، والمستثنى أحد تلك الأفراد؛ نحو: زرت الزملاء إلا محمدا؛ أو كان المستثنى منه فردا ذا أجزاء، والمستثنى جزءًا؛ نحو: زرت الزملاء إلا محمدا؛ أو كان المستثنى منه فردا ذا أجزاء، والمستثنى جزءا من تلك الأجزاء نحو: نظفت الحجرة إلا نافذة؛ وفي الحالتين يكون ما بعد إلا مخالفا في الحكم لما قبلها.

2 أي: في إعرابه، فيكون مثله: مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا.

3 ذلك لأن "إلا" عندهم من حروف العطف في باب الاستثناء خاصة، وهي بمنزلة "لا" العاطفة؛ من حيث كون ما بعدها يخالف ما قبلها؛ واعترض أبو العباس، أحمد بن يحيى ثعلب وهو من شيوخ نحاة الكوفة -على مذهب البصريين، في هذه المسألة، وقال: كيف يكون ما بعد "إلا" بدلا؛ وهو موجب ومتبوعه منفي؛ فكأنه ينكر أن يخالف البدل المبدل منه في الإيجاب والنفي؛ ورد عليه أبو سعيد السيرافي: بأنا إنما جعلناه بدلا مما قبله في عمل العامل فيه، وتخالف البدل من المبدل منه في النفي والإيجاب، لا يمنع البدلية؛ لأن سبيل البدل، أن يجعل المبدل منه، كأنه لم يذكر، ويجعل البدل في موضعه؛ لأنه هو المقصود بالحكم، ثم إنا رأينا التوابع تختلف مع متبوعها في النفي، والإثبات، كما في:"رأيت رجلا كريما لا بخيلا" فما يمنع أن يكون البدل مثل الصفة والعطف؟!. وانظر شرح التصريح: 1/ 349-350.

ص: 225

1 "4" سورة النساء، الآية:66.

أوجه القراءات: قرأ برفع "قليل" السبعة غير ابن عامر؛ وقرأ بنصب "قليلا" ابن عامر، وعيسى بن عمرو، وإسحاق، وأبي، وأنس. انظر الإتحاف: 192، وإعراب القرآن، للنحاس: 1/ 431، وحجة القراءات، لأبي زرعة:206.

توجيه القراءات: على قراءة الرفع، يكون "قليل" بدلا من الضمير المتصل بالفعل "فعلوه" ومحل الواو الرفع؛ لأنه فاعل؛ وعلى قراءة النصب، يكون "قليلا" منصوبا على الاستثناء؛ لأن التقدير: أستثني قليلا منهم.

موطن الشاهد: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} .

وجه الاستشهاد: مجيء ما قبل "إلا" مسبوقا بـ "ما" النافية "ما فعلوه" فيعرب ما بعد "إلا" بدلا من الضمير المتصل بالفعل؛ بدل بعض من كل -عند البصريين- وذكر الشيخ خالد الأزهي أنه على نية تكرار العامل؛ إذ التقدير: ما فعلوه إلا فعله قليل منهم؛ وهو عطف نسق عند الكوفيين كما أسلفنا. انظر شرح التصريح: 1/ 350.

2 "11" سورة هود، الآية:81.

أوجه القراءات: قرأ بالرفع ابن كثير، وأبو عمرو، وابن محيصن، واليزيدي، والحسن؛ وقرأ الباقون بالنصب. الإتحاف: 259، وإعراب القرآن: 2/ 5، والبحر المحيط: 5/ 248.

توجيه القراءات: على قراءة الرفع في "امرأتك" على أنها بدل بعض من كل في قوله "أحد"؛ وعلى قراءة النصب على تقدير: أستثني امرأتك؛ فيكون "امرأتك" منصوبا على الاستثناء.

موطن الشاهد: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} .

وجه الاستشهاد: مجيء ما قبل إلا مسبوقا بالنهي؛ وهو شبيه النفي، ولذا يعرب ما بعد إلا بدلا من "أحد" الواقعة فاعلا والكوفيون يعربون "امرأتك" هنا عطف نسق كما أوضحنا.

ص: 226

{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} 1، والنصب عربي جيد، وقد قرئ به في السبع في:{قَلِيلٌ} و: {امْرَأَتَكَ} .

وإذا تعذر البدل على اللفظ أبدل على الموضع2، نحو:"لا إله إلا الله"،

1 "15" سورة الحجر، الآية:56.

موطن الشاهد: {وَمَنْ يَقْنَطُ.... إِلَّا الضَّالُّونَ} .

وجه الاستشهاد: سبق ما قبل "إلا" بالاستفهام الإنكاري؛ وهو شبيه بالنفي، ولذا يعرب الاسم بعد "إلا" بدلا من الضمير المستتر في "يقنط" بدل بعض من كل؛ ولم يصرح معه بضمير؛ لأن قوة تعلق المستثنى بالمستثنى منه يغني عن الضمير غالبا، وكذا الحال في الآية السابقة.

2 ذكر المؤلف مما يتعذر إبداله على لفظ المبدل منه لسبب صناعي ثلاثة أمثلة؛ هي: "لا إله إلا الله"، و:"ما فيها أحد إلا زيد" و"ليس زيد بشيء إلا شيئا لا يعبأ به" وفي المثالين؛ الأول والثاني، ارتفع ما بعد "إلا"، وفي الثالث: نصب ما بعد إلا، وتوجيه ذلك:

أ- "لا إله إلا الله".

جاءت "لا" في أول الجملة نافية للجنس و"إله" اسمها، وخبرها محذوف؛ والتقدير: لا إله موجود، أو كائن، أو لنا؛ ومعلوم أن اسم لا وخبرها المقدر نكرتان على ما هو ضروري في إعمال "لا" عمل "إن"؛ ومعلوم أن ما بعد إلا الاستثنائية، يكون حكمه -من جهة النفي والإثبات- ضد حكم ما قبلها، فإذا كان ما قبلها منفيا، كان ما بعدها مثبتا، والعكس صحيح؛ وعلى هذا فلو أبدلنا لفظ الجلالة "الله" من اسم "لا" وهو إله -على اللفظ- أي: نصبنا لفظ الجلالة، كنا قد أعملنا "لا" في معرفة؛ بل في أعرف المعارف، وفي هذه مخالفة لشرط إعماله؛ لأنه يجب أن يكون اسمها نكرة باتفاق، وكذلك، فإن ما بعد "إلا" هنا مثبت؛ ومعلوم أن "لا" لا تعمل في مثبت؛ فإتباعنا ما بعد إلا على لفظ المتبوع الذي هو أثر عمل "لا" يجرنا إلى مخالفة هذا الأصل فضلا عن المخالفة الأولى؛ ومن أجل هذا وذاك؛ منعنا من أن نبدل لفظ الجلالة على لفظ المبدل منه؛ وهو اسم لا، وجوزنا أن نبدل على الموضع؛ لأنه ليس أثرا من آثار "لا"؛ وذلك لأن اسم "لا" أصله مبتدأ والمبتدأ مرفوع بالابتداء؛ فلو أبدلنا لفظ الجلالة بالرفع، لم نكن جعلنا لـ "لا" فيه عملا؛ وسبق أن عرفنا أن سيبويه يعد "لا" واسمها جميعا في قوة المبتدأ؛ فالموضع ههنا رفع بالابتداء؛ على أحد الوجهين، وليس لـ "لا" أثر فيه؛ فأبدل بالرفع على الموضع وأنكر بعض النحاة الإبدال بالرفع -على اعتبار الابتداء على كلا الاحتمالين، وجعلوا المبدل منه؛ هو =

ص: 227

ونحو: "ما فيها من أحد إلا زيد" برفعهما، و:"ليس زيد بشيء إلا شيئا لا يعبأ به" بالنصب؛ لأن "لا" الجنسية لا تعمل في معرفة، ولا في موجب، ومن والباء الزائدتين كذلك، فإن قلت:"لا إله إلا الله واحد" فارفع أيضا؛ لِأنها لا تعمل في موجب.

ولا يترجح النصب على الإتباع لتأخر صفة المستثنى منه على المستثنى، نحو:"ما فيها رجل إلا أخوك صالح" خلافا للمازني1:

= الضمير المستتر في خبر "لا"؛ والتقدير: لا إله لنا إلا الله؛ أو لا إله موجود إلا الله، ونحو ذلك؛ ويكون المعنى:"أن "لا" واسمها وخبرها" نفت جنس الآلهة، وأثبت "البدل" الله وحده؛ فظل الكلام دالا على التوحيد.

ب- "ما فيها أحد إلا زيد".

جاء المستثنى منه في هذا المثال "أحد" وهو نكرة منفية مجرورة بمن الزائدة لفظا؛ غير أنها مرفوعة المحل؛ لكونها مبتدأ خبره الجار والمجرور المتقدم عليها؛ فلو أننا أبدلنا "زيد" المعرفة بالعلمية، من أحد على لفظه -وهو الجر بمن- لكنا جعلنا زيدا "المعرفة" معمولا لـ "من" الزائدة العاملة في "أحد""المبدل منه"؛ ومعلوم أن "من" الزائدة، لا تدخل إلا على النكرة، وكذلك جاء ما بعد إلا مثبتا؛ لأن ما قبلها منفي؛ ومعلوم أن "من" الزائدة لا تدخل إلا على المنفي؛ ولهذا، وذاك؛ امتنع الإتباع على اللفظ -لفظ المبدل منه- الذي هو أثر لـ "من" الزائدة، وجاز الإتباع على الموضع؛ وهو الرفع على الابتداء؛ لأن الابتداء، ليس أثرا لـ "من" الزائدة.

ج- "ليس زيد بشيء إلا شيئا لا بعبأ به".

جاء المستثنى منه "شيء" مجرورا بـ "من" الزائدة؛ لوقوعه خبرا لـ "ليس" فوقع نكرة منفية، و"شيئا" الذي نريد أن نبدله نكرة مثبتة؛ ولوقوعه بعد إلا المسبوقة بالنفي؛ فلو أبدلنا هنا على اللفظ؛ لجعلنا البدل معمولا للباء الزائدة؛ وهي لا تدخل إلا على النكرة المنفية؛ ولذا وجب البدل على الموضع -وهو النصب- الذي هو أثر ليس. شرح التصريح: 1/ 351.

1 حيث اختار المازني النصب في هذه الحالة؛ ففي قولهم: "ما فيها رجل إلا أخاك صالح"؛ فرجل: مبتدأ، و"الجار والمجرور": خبر تقدم عليه؛ وصالح: صفة لـ "رجل"، وأخاك: منصوب على الاستثناء مقدم على صفة المستثنى منه؛ وهذا الرأي، يجعل حكم تقديم المستثنى على وصف المستثنى منه، كتقديم المستثنى على نفس المستثنى منه؛ وهذا الرأي نسبه ابن الخباز إلى المازني، غير أن المحققين أنكروا تلك النسبة؛ وفي هذه المسألة رأيان آخران؛ أحدهما: أن يكون نصب المستثنى في =

ص: 228

وإن كان الاستثناء منقطعا1: فإن لم يمكن تسليط العامل على المستثنى وجب النصب اتفاقا، نحو:"ما زاد هذا المال إلا ما نقص" إذ لا يقال زاد النقص، ومثله:"ما نفع زيد إلا ما ضر" إذ لا يقال نفع الضر.

وإن أمكن تسليطه فالحجازيون يوجبون النصب، وعليه قراءة السبعة:{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 2، وتميم ترجحه وتجيز الإتباع، كقوله3:[الراجز]

= هذه الحالة راجعا على إتباع المستثنى للمستثنى منه، فلم يعط المستثنى في هذه الحالة حكم المستثنى المتقدم على المستثنى منه نفسه، ولم يعطَ حكم المستثنى المتأخر على المستثنى منه، وهذا الرأي هو ما حكاه الأثبات -ومنهم ابن هشام- عن المازني، وهو ما اختاره المبرد أيضا فيما ذكره ابن مالك في شرح كافيته؛ وثانيهما: أن لا يترجح نصب المستثنى في هذه الحالة، ولا يترجح إتباعه للمستثنى منه؛ بل يستوي الأمران؛ وأصحاب هذا الرأي، نظروا إلى الأمرين معا؛ أن المستثنى منه متقدم على المستثنى، وأن صفة المستثنى منه متأخرة عن المستثنى، فأعطوا كل واحد من الأمرين لمحة من النظر؛ فلما وجدوا كل واحد من هذين الأمرين يقتضي حكما يخالف الحكم الذي يقتضيه الآخر، أعطوا هذه الصورة حكما متوسطا، قال ابن مالك:"وعندي أن النصب والبدل عند ذلك مستويان؛ لأن لكل واحد منهما مرجحا". شرح التصريح: 1/ 351-352.

1 وهو ما فقد أحد ركني المتصل؛ نحو: قام القوم إلا حمارا لفاقد البعضية، وقوله تعالى:{لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} لفاقد المخالفة في الحكم لما قبله ويشترط في المنقطع أن يناسب المستثنى منه، فلا يجوز:"قام القوم إلا ثعبانا"، وألا يتقدم ما هو نص في خروجه؛ فلا يصح:"صهلت الخيل إلا الإبل"، بخلاف صوتت مثلا.

2 "4" سورة النساء، الآية:157.

موطن الشاهد: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} .

وجه الاستشهاد: نصب "اتباع" على الاستثناء؛ وحكم نصبه على الاستثناء الوجوب على مذهب البصريين؛ لأنه لا يصح فيه الإبدال حقيقة من جهة إن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه؛ وأما التميميون؛ فيرجحون النصب على الاستثناء؛ ويجيزون الإتباع؛ فيقرأون: "إِلَّا اتِّبَاعُ" بالرفع على أنه بدل من العلم باعتبار الموضع، ولا يجوز أن يقرأ بالخفض على الإبدال منه باعتبار اللفظ؛ لما تقدم من أنه معرفة موجبة و"من" زائدة، لا تعمل فيها. شرح التصريح: 1/ 353.

3 القائل: عامر بن الحارث، المعروف بجران العود، وهو أحد بني كلفة -بضم الكاف وفتحها- أو كلدة النميري، شاعر جاهلي أدرك الإسلام، لقب بجران العود لبيت قاله وهو:

خذا حذرا يا ضرتي فإنني

رأيت جران العود قد كان يصلح

وذلك أنه كان له زوجتان، فاتخذ سوطا يهددهما به.

الشعر والشعراء: 2/ 718، والخزانة 41/ 197، والمقاصد: 1/ 492.

ص: 229

261-

وبلدة ليس بها أنيس

إلا اليعافير وإلا العيس1

1 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 353، والأشموني:"445/ 1/ 229" والشذور: "25/ 265" والهمع: 1/ 225، والدرر: 1/ 192، والكتاب: 1/ 133، 365، ومعاني الفراء: 1/ 479، والمقتضب: 2/ 319، 347، 4/ 414، والإنصاف: 271، وشرح المفصل: 2/ 80، 117، 7/ 21، 8/ 52، والخزانة: 4/ 197، والعيني: 31/ 107، وديوان جران العود:53.

المفردات الغريبة: أنيس: مؤنس. اليعافير: جمع يعفور، وهو ولد البقرة الوحشية. العيس: هي الإبل التي يخالط بياضها شيء من الشقرة، واحدها: أعيس، والأنثى: عيساء.

المعنى: كثير من البلدان والأماكن الموحشة؛ التي لا مؤنس فيها ولا رفيق، وليس فيها إلا أولاد البقر الوحشي والإبل؛ زرتها ولم أخشَ شيئا.

الإعراب: وبلدة: الواو واو "رب". بلدة: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. ليس: فعل ماضٍٍ ناقص. "بها" متعلق بمحذوف خبر ليس المتقدم على اسمه. أنيس: اسم "ليس" مؤخر مرفوع. إلا: حرف استثناء، لا محل له من الإعراب. اليعافير: بدل من "أنيس" مرفوع مثله. وإلا: الواو عاطفة. إلا حرف زائد يفيد التأكيد. العيس: اسم معطوف على "اليعافير" مرفوع مثله.

موطن الشاهد: "إلا اليعافير".

وجه الاستشهاد: رفع "اليعافير" على الإبدال -على لغة تميم- مع أنه استثناء منقطع تقدم فيه المستثنى منه، فكان ينبغي انتصابه على المشهور؛ وقد حملهم على ذلك أن المقصود هو المستثنى؛ فكأنه قال: ليس بها إلا اليعافير -وهذا رأي سيبويه- وأما المستثنى منه، فكأنه غير مذكور، فصار كالاستثناء المفرغ؛ أو أنه توسع في معنى المستثنى، حتى جعله نوعا من المستثنى منه، فقدر اليعافير والعيس نوعا من الأنيس، أو توسع في المستثنى، حتى جعله نوعا من المستثنى منه، فقدر اليعافير والعيس نوعا من الأنيس، أو توسع في المستثنى منه، فكأن الاستثناء في الحالتين متصل. وانظر: همع الهوامع: 1/ 225، وكتاب سيبويه: 1/ 262، وشرح التصريح: 1/ 354.

ص: 230

وحمل عليه الزمخشري1: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} 2.

[وجوب نصب المستثنى إذا تقدم على المستثنى منه] :

فصل: وإذا تقدم المستثنى على المستثنى منه وجب نصبه مطلقا3، كقوله4:

262-

وما لِيَ إلا آل أحمد شيعةٌ

وما لِيَ إلا مذهبَ الحق مذهبُ5

1 هو: أبو القاسم؛ محمود بن عمر بن محمد الزمخشري الخوارزمي، جار الله، والزمخشري نسبة إلى زمخشر من أعمال خوارزم، إمام في اللغة والنحو والبيان، أخذ عن النيسابوري والأصبهاني، له مصنفات قيمة منها: الكشاف في التفسير، والمفصل في النحو، وأطواق الذهب، والأحاجي النحوية، وغيرها كثير. مات يوم عرفة سنة: 538 هـ.

البلغة: 256، إنباه الرواة: 3/ 265، بغية الوعاة: 2/ 279، معجم المؤلفين: 12/ 186.

2 "27" سورة النمل، الآية:65.

موطن الشاهد: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} .

وجه الاستشهاد: جعل الزمخشري "من" الاسم الموصول في محل رفع فاعل لـ "يعلم" والغيب: مفعولا به ليعلم أيضا، ولفظ الجلالة بدلا من "من" الموصولة؛ وعلى هذا؛ فهو استثناء منقطع؛ لأن المستثنى -لفظ الجلالة- ليس من جنس المستثنى منه؛ لأن الله تعالى لا يحويه مكان. و"من في السموات" يدل على أن المقصودين مستقرون في السموات والأرض؛ غير أن ابن مالك، جعل الاستثناء متصلا، وقدر متعلق الظرف: من يذكر في السموات والأرض؛ لا استقر ونحوه؛ ورأى ابن هشام في المغني: أنه يجوز أن تعرب "من" مفعولا به لـ "يعلم" لا فاعلا، و"الغيب" بدل اشتمال منه، و"لفظ" الجلالة فاعل، ويكون الاستثناء مفرغا، وكأنه: لا يعلم الغيب إلا الله: وهذا الرأي أفضل مما قبله. انظر مغني اللبيب: 576، وشرح التصريح: 1/ 354.

3 أي: سواء أكان متصلا أم منقطعا؛ ولا يجوز أن يعرب بدلا؛ لأنه يكون تابعًا، والتابع لا يتقدم على المتبوع؛ كما هو معلوم.

4 القائل: هو الكميت بن زيد الأسدي، وقد مرت ترجمته.

5 هذا بيت للكميت من قصيدة له هاشمية، يمدح فيها بني هاشم آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومطلعها: =

ص: 231

بعضهم يجيز غير النصب في المسبوق بنفي] :

وبعضهم يجيز غير النصب1 في المسبوق بالنفي، فيقول:"ما قام إلا زيد أحد" سمع يونس: "مالي إلا أبوك ناصر"، وقال2:[الطويل]

=

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب

ولا لعبا مني وذو الشوق يلعب

ولم يلهني دار ولا رسم منزل

ولم يتطربني بنان مخضب

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 355، وابن عقيل:"167/ 2/ 216"، والأشموني:"449/ 1/ 230" وهمع الهوامع: 1/ 225، والدرر اللوامع: 1/ 192، ومجالس ثعلب: 60، والأغاني: 5/ 119، والعيني: 3/ 111، والمقتضب: 4/ 398، والإنصاف: 275، والجمل: 238، وشرح المفصل: 2/ 79، والخزانة: 2/ 207 عرضا، وشذور الذهب:"124/ 345، 356" وقطر الندى: "109/ 335".

المفردات الغريبة: طربت: من الطرب، وهو خفة تعتري القلب من لهو أو حزن أو نحوهما. البيض: جمع بيضاء، وهي المرأة النقية اللون. بنان، البنان: الأصابع أو أطرافها، والمفرد بنانة. مخضب: مزين بالخضاب، وهو ما يختضب به كالحناء ونحوه. شيعة: أنصار وأعوان. مذهب الحق: طريقة وشرعة.

المعنى: ليس لي أعوان وأنصار -أعتمدهم في الملمات إلا آل النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لي طريق ومذهب أسلكه وأهتدي به إلا طريق الحق.

الإعراب: ما: نافية. "لي": متعلق بمحذوف خبر مقدم. إلا: حرف استثناء، لا محل له من الإعراب. آل: مستثنى تقدم على المستثنى منه، منصوب، وهو مضاف. أحمد: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل. شيعة: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وهو المستثنى منه. وما لي: الواو عاطفة، ما: نافية، "لي": متعلق بخبر مقدم محذوف. إلا: حرف استثناء. مذهب: مستثنى منصوب، تقدم على المستثنى منه، وهو مضاف. الحق: مضاف إليه. مذهب: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وهو المستثنى منه.

موطن الشاهد: "ما لي إلا آل أحمد، ما لي إلا مذهب الحق".

وجه الاستشهاد: تقدم المستثنى في الموضعين "آل، ومذهب" على المستثنى منه -كما بينا في الإعراب- ونصب المستثنى وجوبا؛ لأنه لو لم ينصب على الاستثناء؛ لأعرب بدلا؛ والبدل تابع، والتابع لا يجوز أن يتقدم على المتبوع، كما هو معلوم.

1 أي على الاستثناء، فيجيز النصب والرفع والجر على البدل للإتباع.

2 القائل: هو حسان بن ثابت الأنصاري، وقد مرت ترجمته.

ص: 232

263-

إذا لم يكن إلا النبيون شافع1

ووجهه أن العامل فُرِّغَ لما بعد "إلا" وأن المؤخر عام أريد به خاص؛ فَصَحَّ إبداله من المستثنى، لكنه بدل كُلٍّ، ونظيره في أن المتبوع أخر وصار تابعا "ما مررت بمثلك أحدٍ"2.

1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

لأنهم يرجون منه شفاعة

والبيت من قصيدة للشاعر مطلعها:

ألا يا لقومي هل لما حُمَّ دافعُ؟

وهل ما مضى من صالح العيش راجعُ؟

تذكرت عصرا قد مضى فتهافتتْ

بنات الحشا وانهلَّ مني المدامعُ

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 355، والأشموني:"448/ 1/ 229"، وابن عقيل:"168/ 2/ 217" والهمع: 1/ 225، والدرر: 1/ 192، والعيني: 3/ 114، وديوان حسان بن ثابت:254.

المفردات الغريبة: يرجون: يأملون.

المعنى: إن أهل بدر أطاعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفوا بعهدهم له؛ لأنهم يرجون أن يشفع لهم يوم القيامة، حين لا تنفع شفاعة أحد إلا الأنبياء.

الإعراب: لأنهم: اللام حرف جر، يفيد التعليل. أن: حرف مشبه بالفعل، و"هم": في محل نصب اسمه. يرجون: فعل مضارع مرفوع، والواو: فاعل؛ وجملة "يرجون": في محل رفع خبر "أن"؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل جر باللام؛ و"الجار والمجرور": متعلق بفعل "بدَّلوا" في بيت سابق. "منه": متعلق بـ "يرجون". شفاعة: مفعول به لـ "يرجون". إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، في محل نصب على الظرفية الزمانية. لم: جازمة نافية. يكن: فعل مضارع تام مجزوم. إلا: أداة استثناء ملغاة. النبيون: فاعل "يكن" مرفوع، وعلامة رفعه الواو. شافع: بدل كل من كل من فاعل يكن.

موطن الشاهد: "إلا النبيون شافع".

وجه الاستشهاد: ارتفع المستثنى المتقدم المسبوق بالنفي -وهو النبيون- على مذهب الكوفيين؛ وخرج العلماء هذا الشاهد وأمثاله على أنه استثناء مفرغ؛ حيث عدو المستثنى معمولا لما قبل "إلا" فهو فاعل لـ "يكن" التامة، وما بعدها بدل منه؛ بدل كل من كل -كما بينا في الإعراب- وانظر شرح التصريح: 1/ 355.

2 قول ورد عن العرب، أصله: مررت بأحد مثلك، مثلك: تابع في الأصل لأحد على أنه نعت له، فلما قدم النعت على المنعوت أعرب النعت بحسب العوامل، وأعرب "أحد" وهو المنعوت في الأصل بدلا. التصريح: 1/ 355.

ص: 233

[تتكرر "إلا" لتوكيد ولغير توكيد] :

[حكم تكررها لتوكيد] :

فصل: وإذا تكررت "إلا" فإن كان التكرار للتوكيد، وذلك إذا تلت عاطفا1، أو تلاها اسم مماثل لما قبلها2، ألغيت؛ فالأول نحو:"ما جاء إلا زيد وإلا عمرو" فما بعد "إلا" الثانية معطوف بالواو على ما قبلها، و"إلا" زائدة للتوكيد3، والثاني كقوله:

.................... لا

تمرر بهم إلا الفتى إلا العَلَا4

فـ: "الفتى" مستثنى من الضمير المجرور بالباء، والأرجح كونه تابعا له في جره5، ويجوز كونه منصوبا على الاستثناء، و:"العلا" بدل من الفتى بدل كل من كل؛ لِأنهما لمُسَمّىً واحد، و:"إلا" الثانية مؤكدة.

وقد اجتمع العطف والبدل في قوله6: [الرجز]

264-

ما لك من شيخك إلا عملُهْ

إلا رسيمُهُ وإلا رَمَلُهْ7

1 المقصود بالعاطف هنا الواو من دون غيرها من حروف العطف.

2 المقصود: أنه متفق مع ما قبلها في معناه ومدلوله ومقصود بالحكم، بالرغم من اختلاف الألفاظ؛ كأن يكون بدل كل من كل، أو عطف بيان، وكذا الحال في بقية أنواع البدل، نحو: ما أعجبني إلا زيد إلا وجهه إلا علمه. انظر شرح التصريح: 1/ 356، وضياء السالك: 2/ 171.

3 أي: التوكيد اللفظي، ولا أثر لها في الحكم الإعرابي مطلقا.

4 هذا عجز بيت من كلام الناظم في الألفية، يبين فيه حكم "إلا" المكررة للتوكيد؛ وهو بتمامه:

"وألغ "إلا" ذات توكيد؛ كلا

تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا"

5 يترتب على هذا الأرجح حذف حرف الجر وبقاء الاسم الذي كان مجرورا به على جره في غير الموضع القياسي.

6 لم ينسب إلى قائل معين.

7 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 356، والأشموني =

ص: 234

فـ: "رسيمه" بدل، و:"رمله" معطوف، و:"إلا" المقترنة بكل منهما مؤكدة.

[حكم تكرارها لغير توكيد] :

وإن كان التكرار لغير توكيد، وذلك في غير بابي العطف والبدل، فإن كان العامل الذي قبل "إلا" مفرغا تركته يؤثر في واحد من المستثنيات، ونصبت ما عدا ذلك الواحد، نحو:"ما قام إلا زيدٌ إلا عمرًا إلا بكرًا" رفعت الأول بالفعل على أنه فاعل، ونصبت الباقي، ولا يتعين الأول لتأثير العامل، بل يترجح، وتقول: "ما

= "451/ 1/ 232"، وابن عقيل:"170/ 2/ 221"، والهمع: 1/ 227، والدرر: 1/ 193، والكتاب: 1/ 374، والمقرب: 35، والعيني: 3/ 117.

المفردات الغريبة: "شيخك": المشهور في هذه الكلمة أنها بالياء، وقيل هي "شنجك": الجمل؛ وأصلها التحريك وسكنت للضرورة. الرسم: ضرب من سير الإبل البطيء. الرمل: السير السريع، وفسر الأعلم "الرسيم": بالسعي بين الصفا والمروة، وفسر الرمل: بالطواف بالبيت.

المعنى: ليس لك من جملك مأرب إلا رسيمه ورمله؛ وكلاهما أنت في حاجة إليه؛ والرواية المشهورة "شيخك": والشيخ: الرجل المسن، وعلى هذه الرواية، يكون المراد: ليس لك مطمع في شيخك إلا الانتفاع منه بهذين العملين الجليلين؛ وهما السعي والهرولة بين الصفا والمروة. وفي الطواف.

الإعراب: ما: نافية. "لك": متعلق بخبر مقدم محذوف. "من شنجك": متعلق بما تعلق به الأول، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه. إلا: أداة استثناء ملغاة. عمله: مبتدأ مؤخر، وهو مضاف، و"الهاء": مضاف إليه. إلا: حرف زائد يفيد التوكيد. رسيمه: بدل من "عمله" بدل بعض من كل، وهو مضاف، و"الهاء": مضاف إليه. وإلا: الواو عاطفة، إلا: حرف زائد يفيد التوكيد. رمله: معطوف على "رسيم" مرفوع مثله، وهو مضاف، و"الهاء" مضاف إليه.

موطن الشاهد: "إلا عمله إلا رسيمه وإلا رمله".

وجه الاستشهاد: تكرار "إلا" مرتين في قوله: "إلا رسيمه" و"إلا رمله"؛ وفي الموضع الأول؛ كان ما بعدها بدلا مما قبلها، وفي الموضع الثاني؛ كان ما بعدها معطوفا على ما قبلها، وهما الموضعان اللذان تزاد فيهما "إلا"؛ وهي في هذين الموضعين ملغاة لا تفيد غير التوكيد.

ص: 235

رأيت إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا" فتنصب واحد منها بالفعل على أنه مفعول به، وتنصب البواقي بإلا على الاستثناء.

وإن كان العامل غير مفرغ، فإن تقدمت المستثنيات على المستثنى منه نصبت كلها1، نحو:"ما قام إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا أحدٌ" وإن تأخرت، فإن كان الكلام إيجابا نصبت أيضا كلها، نحو:"قاموا إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا".

وإن كان غير إيجاب أعطي واحد منها ما يعطاه لو انفرد، ونصب ما عداه، نحو:"ما قاموا إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا" لك في واحد منها الرفع راجحا والنصب مرجوحا ويتعين في الباقي النصب2، ولا يتعين الأول لجواز الوجهين، بل يترجح.

هذا حكم المستثنيات المكررة بالنظر إلى اللفظ3.

[حكم المستثنيات المتكررة بالنظر إلى المعنى] :

وأما بالنظر إلى المعنى فهو نوعان: ما لا يمكن استثناء بعضه من بعض، كـ:"زيد وعمرو وبكر"4 وما يمكن، نحو:"له عندي عشرة إلا أربعة إلا اثنين إلا واحدا".

ففي النوع الأول: إن كان المستثنى الأول داخلا، وذلك إذا كان مستثنى من غير موجب، فما بعده داخل5، وإن كان خارجا، وذلك إن كان مستثنى من موجب، فما بعده خارج6.

1 وجوبا سواء كان الكلام تاما موجبا، أم غير موجب، ولا يجوز الإبدال في شيء منها لأنه يكون تابعا، والتابع لا يتقدم على المتبوع.

2 أجاز الأبدي في هذه الصورة رفع الجميع على الإبدال.

3 أي: من حيث الإعراب اللفظي.

4 فإن كل واحد منها، لا يدخل فيه غيره، فلا يستثنى منه شيء.

5 أي: في الحكم الذي دخل فيه الأول؛ نحو: ما قام أحد إلا محمدا إلا عليا إلا محمودا. و"محمدا" هو المستثنى الأول، وهو داخل في إثبات القيام له؛ لأنه مستثنى من النفي، فيكون كل من "علي" و"محمود" داخلا أيضا.

6 أي: أن حكم المستثنيات الأخيرة حكم الأول؛ دخولا وخروجا؛ وفي حكم المستثنيات المكررة المتأخرة، يقول ابن مالك: =

ص: 236

وفي النوع الثاني1 اختلفوا، فقيل: الحكم كذلك، وإن الجميع مستثنى من أصل العدد2، وقال البصريون والكسائي: كل من الأعداد مستثنى مما يليه3، وهو الصحيح لأن الحمل على الأقرب متعين عند التردد، وقيل: المذهبان محتملان.

وعلى هذا فالمقر به في المثال ثلاثة على القول الأول، وسبعة على القول الثاني، ومحتمل لهما على الثالث، ولك في معرفة المتحصل على القول الثاني طريقتان، إحداهما: أن تسقط الأول وتجبر الباقي بالثاني وتسقط الثالث، وإن كان معك رابع فإنك تجبر به، وهكذا إلى الأخير4. والثانية: أن تحط الآخر مما يليه، ثم باقيه مما يليه، وهكذا إلى الأول5.

=

وانصب لتأخير، وجئْ بواحدِ

منها كما لو كان دون زائدِ

كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي

وحكمها في القصد حكم الأولِ

والمعنى: انصب المستثنيات كلها في حالة التأخير، إن كان الكلام موجبا؛ فإن كان تاما غير موجب؛ عوامل واحد منها بما كان يستحقه لو لم تتكرر "لا" فيبدل مما قبله؛ وهو المختار، أو ينصب -على قلة- نحو المثال الذي ذكره؛ فيجوز في "علي" الرفع على البدلية من امرؤ، والنصب على الاستثناء؛ وما يتكرر من المستثنيات، حكمه في المعنى حكم الأول، فيثبت له ما يثبت للأول من الدخول إن كان الكلام منفيا والخروج؛ إن كان موجبا كما أوضح المؤلف. انظر شرح التصريح: 1/ 357، وضياء السالك: 2/ 175.

1 هو ما يمكن استثناء بعضه من بعض.

2 أي: من العدد الأول.

3 أي: من الذي قبله، والذي قبله مستثنى من الذي قبله وهكذا

إلى الأول.

4 فالمستثنى الأول في المثال الأول: "4" تسقط من "10"؛ فيكون الباقي: "6"، ويجبر بالثاني، وهو:"2" فتصير: "8"، ثم يسقط منها الثالث، وهو:"1"؛ فيكون الباقي: "7".

5 وهناك طريقة ثالثة ذكرها صاحب "ضياء السالك" وهي: جمع الأعداد الفردية -ومنها المستثنى منه الأول- ثم الأعداد الزوجية، وتطرح الثانية من الأولى، فباقي الطرح هو المطلوب؛ ففي المثال المذكور:"10 + 2" - "4 + 1" = 7.

انظر شرح التصريح: 1/ 359-360، وضياء السالك: 1/ 176.

ص: 237

["غير" أصلها - والاستثناء بها] :

فصل: وأصل1 "غير" أن يوصف بها إما نكرة، نحو:{صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} 2، أو معرفة كالنكرة3، نحو:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} 4، فإن موصوفها {الَّذِينَ} وهم جنس لا قوم بأعيانهم.

وقد تخرج عن الصفة وتضمن معنى: "إلا" فيستثنى بها اسم مجرور بإضافتها إليه، وتعرب هي بما يستحقه المستثنى بإلا في ذلك الكلام، فيجب نصبها5 في نحو:"قاموا غير زيد" و: "ما نفع هذا المال غير الضرر" عند الجميع، وفي نحو: "ما

1 يوصف بها -على الرغم من جمودها- لما فيها من معنى اسم الفاعل؛ لأن معناها إفادة المغايرة، والدلالة على أن مجرورها مغاير ومخالف للموصوف في الحكم الذي ثبت له إيجابا أو نفيا؛ إما في ذاته؛ نحو: قابلت رجلا غير علي؛ أو في وصف طارئ على الذات؛ نحو: قابلني بوجه غير الذي عهدته منه، فوصف الوجه مختلف في الحالتين. وانظر مغني اللبيب: 209، وشرح التصريح:360.

2 "7" سورة الأعراف، الآية:53.

موطن الشاهد: {صَالِحًا غَيْرَ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "غير" صفة لـ "صالحا" على الرغم من إضافتها إلى الذي؛ لكونها لا تتعرف بالإضافة؛ لتوغلها في الإبهام.

3 أي: المعرفة المراد منها الجنس.

4 "1" سورة الفاتحة، الآية:7.

موطن الشاهد: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "غير" صفة لـ "الذين" وهم جنس مبهم لا قوم بأعيانهم، كما ذكر المؤلف في المتن؛ ومعلوم أن المعرف الذي يراد به الجنس قريب من النكرة؛ وهي في الحالتين مؤولة بالمشتق -كما أسلفنا- بمعنى مغاير؛ لأن النعت لا يكون إلا مشتقا أو مؤولا به.

5 خلاصة القول: أنه يجب نصب "غير" بالإجماع في صورتين: إذا كان الكلام تاما موجبا نحو: قام القوم غير زيد، أو كان الاستثناء منقطعا ولا يمكن تسليط العامل على المستثنى؛ نحو: ما نفع هذا المال غير الضرر. ويجب النصب عند الحجازيين إذا كان الاستثناء منقطعا وأمكن تسليط العامل على المستثنى؛ نحو: ما في الدار أحد غير حمار، وبنو تميم يجيزون الإتباع في ذلك، وإذا تقدم المستثنى على المستثنى منه، نحو: ما في الدار غير زيد أحد، وجب النصب عند الأكثرين.

شرح التصريح: 1/ 360، 361.

ص: 238

فيها أحد غير حمار" عند الحجازيين، وعند الأكثر في نحو: "ما فيها غير زيد أحد"، ويترجح عند قوم في نحو هذا المثال، وعند تميم في نحو: "ما فيها أحد غير حمار"، ويضعف في نحو: "ما قاموا غير زيد" ويمتنع في نحو: "ما قام غير زيد".

[الاستثناء بـ "سوى"] :

فصل: والمستثنى1 بـ: "سوى" كالمستثنى بـ: "غير" في وجوب الخفض.

1 للنحاة في "سوى" ثلاثة آراء:

الأول: أن "سوى" ظرف مكان، وأنها لا تخرج عن الظرفية، فإن جاء من كلام العرب شيء، استعملت فيه اسما غير ظرف؛ فهو مؤول أو ضرورة من ضرورات الشعر؛ وهذا رأي الخليل، وسيبويه، وجمهرة البصريين.

الثاني: أن "سوى" تستعمل ظرفا منصوبا على الظرفية، وتستعمل اسما غير ظرف؛ إلا أن استعمالها ظرفا أكثر من استعمالها غير ظرف؛ وارتضى المؤلف هذا الرأي، فهو يقول:"وإلى مذهبهما أميل" ويعني بهما: الرماني، والعكبري.

الثالث: أن "سوى" تستعمل ظرفا، وتستعمل اسما غير ظرف، وأن الاستعمالين سواء، ليس أحدهما أكثر من الثاني، وليس أحدهما ضرورة ولا خاصا بالشعر؛ وهذا رأي الكوفيين، وتبعهما ابن مالك، واستدلوا بالآتي:

أ- أجمع أهل اللغة على أن قول القائل: "قاموا سواك" وقوله: "قاموا غيرك" بمعنى واحد.

ب- لم يقل واحد من أهل اللغة: إن "سوى" عبارة عن مكان أو زمان؛ حتى تكون ظرفا؛ وإنما تأولها البصريون بمعنى بَدَلَك، ثم جعلوا "بدلك" بمعنى "مكانك"، فحكموا بمقتضى ذلك التأويل بأنها ظرف.

ج- وقوع العدد الكثير من الشواهد الشعرية والنثرية التي تخالف ملازمتها للنصب على الظرفية؛ حيث جاءت مجرورة بحرف الجر، كما في قوله عليه الصلاة والسلام:"ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود"، وكما في قول المرار العقيلي:

ولا ينطق الفحشاء من كان منهم

إذا جلسوا منا ولا من سوائنا

وجاءت مجرورة بالإضافة، كما في قول الشاعر:

فإنني والذي يحج له النـ

ـاس بجدوى سواك لم أَثِقٍ

وجاءت مرفوعة بالابتداء كما في قول الشاعر:

وإذا تباع كريمة أو تشترى

فسواك بائعها وأنت المشتري

=

ص: 239

ثم قال الزجاجي1 وابن مالك. سوى كغير معنى وإعرابا، ويؤيدهما حكاية الفراء:"أتاني سواك". وقال سيبويه والجمهور: هي ظرف، بدليل وصل الموصول بها، كـ:"جاء الذي سواك" قالوا: ولا تخرج عن النصب على الظرفية إلا في الشعر، كقوله2:[الهزج]

265-

ولم يبقَ سوى العدوا

ن دِنَّاهُمْ كما دانوا3

= وجاءت مرفوعة على الفاعلية، كما في قول الآخر:

ولم يبق سوى العدوا

ن دناهم كما دانوا

وجاءت اسما لـ "إن" في قول أحدهم:

لديك كفيل بالمنى لمؤمِّلِ

وإن سواك من يؤمِّلُهُ يشقَى

وبعد هذا كله، يتضح لنا بطلان قولهم بعد تصرفها، ولزومها للظرفية وبناءً عليه يكون ما ذهب إليه الكوفيون، وارتضاه ابن مالك في هذه المسألة هو القول الأصوب لما بينا. وانظر في هذه المسألة:

ابن عقيل: 2/ 226، وحاشية الصبان: 2/ 158-159-160-161، وحاشية، يس على التصريح: 1/ 362، وهمع الهوامع: 1/ 201-202.

1 الزجاجي: هو أبو القاسم؛ عبد الرحمن بن إسحاق، أصله من نهاوند، انتقل إلى بغداد ولزم أبا إسحاق: إبراهيم الزجاج، فنسب إليه، وأخذ أيضا عن الطبري، وابن كيسان وابن السراج والأخفش وابن الأنباري، له كتب قيمة منها: الجمل في النحو، والإيضاح في علل النحو، والكافي، وشرح خطبة أدب الكتاب، وشرح أسماء الله الحسنى وكتاب الأماني

وغيرها مات بطبرية سنة 340 هـ.

البلغة: 121، بغية الوعاة 2/ 77، وفيات الأعيان: 1/ 288، إنباه الرواة: 2/ 161، الأعلام: 4/ 69.

2 القائل: هو الفند الزِمَّاني -بكسر الزاي وتشديد الميم المفتوحة- واسمه شهل بن شيبان، أحد شعراء الحماسة وأحد فرسان ربيعة المشهورين المعدودين، شهد حرب بكر وتغلب وقد قارب المائة سنة، فأبلى فيها بلاء حسنا، ولقب بالفند؛ لأن بكرا بعثوا إلى بني حنيفة يستنصرونهم، فأمدوهم به وكتبوا إليهم: قد بعثنا إليكم بثلاثمائة فارس، فلما أتى بكرا وهو مسن قالوا: وما يغني هذا العشبة؟ قال: أوما ترضون أن أكون لكم فندا تأوون إليه.

الخزانة: 3/ 434-435.

3 تخريج الشاهد: من قصيدة قالها الشاعر في حرب البسوس، رواها أبو تمام في حماسته ومطلعها قوله: =

ص: 240

وقال الرماني1 والعكبري2: تستعمل ظرفا غالبا، وكغير قليلا، وإلى هذا أذهب.

=

صفحنا عن بني ذهل

وقلنا القوم إخوان

عسى الأيام أن يرجعـ

ـن قوما كالذي كانوا

فلما صرح الشر

وأمسى وهو عريان

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 362، وابن عقيل:"173/ 2/ 228" والهمع: 1/ 202، والدرر: 1/ 170، وأمالي القالي: 1/ 260، والخزانة: 2/ 57، والعيني: 3/ 122، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي:35.

المفردات الغريبة: العدوان: الظلم الصريح. دناهم: جازيناهم وفعلنا بهم مثل ما فعلوا بنا.

المعنى: لما ظهر الشر، وانكشف كل شيء كان مستورا، ولم يبقَ من بني ذهل إلا العدوان الظاهر؛ جازيناهم، وفعلنا بهم مثلما فعلوا بنا، وكما تدين تدان.

الإعراب: لم: حرف جزم ونفي وقلب. يبق: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. سوى: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف، وهو مضاف. العدوان: مضاف إليه. دنَّاهم: فعل ماضٍ، مبني على السكون؛ لاتصاله بـ "نا" الدالة على الفاعلين، و"نا": فاعل، و"هم": مفعول به. كما: الكاف حرف جر، و"ما" حرف مصدري. دانوا: فعل ماضٍ، والواو: فاعل؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالكاف؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف صفة لمصدر، يقع مفعولا مطلقا؛ عامله "دناهم"؛ والتقدير: دنَّاهم دينًا مماثلا لدينهم إيانا؛ وجملة "دانوا": صلة للمصولو الحرفي، لا محل لها؛ وجملة "دناهم": جواب "لما" في بيت سابق، لا محل لها.

موطن الشاهد: "ولم يبق سوى العدوان".

وجه الاستشهاد: وقوع "سوى" فاعلا لـ "يبق"؛ وحكم مجيئها فاعلا الجواز لضرورة الشعر عند البصريين؛ وأما عند الكوفيين فجائز في سعة الكلام، ولم يخصوه بالشعر فقط كالبصريين؛ ومذهبهم في هذه المسألة أرجح؛ لورود الشواهد الكثيرة من الشعر والنثر معا عمن يحتج بكلامهم. وانظر شرح التصريح: 1/ 362.

1 مرت ترجمته.

2 هو: أبو البقاء عبد الله بن الحسين، محب الدين العكبري البغدادي النحوي الضرير، قرأ على ابن الخشاب وغيره، له مصنفات كثيرة منها: إعراب القرآن، تفسير القرآن، إعراب الشواذ من القرآن، شرح الإيضاح، شرح اللمع، شرح المقامات، شرح الكتاب

وغيرها ولد سنة 538، ومات سنة 616 هـ.

البلغة: 108، إنباه الرواة: 2/ 116، بغية الوعاة: 2/ 38، معجم المؤلفين: 6/ 46، الأعلام 4/ 208.

ص: 241

[الاستثناء بـ "ليس" و"لا يكون"] :

فصل: والمستثنى بـ: "ليس"، و: لا يكون" واجب النصب؛ لِأنه خبرهما، وفي الحديث: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السنَّ والظفرَ" 1 وتقول: "أتوني لا يكون زيدا".

واسمهما2 ضمير مستتر عائد على اسم الفاعل المفهوم من الفعل السابق، أو

1 هذا حديث شريف في حكم الذبائح.

وأخرجه بلفظ: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكلوا ليس السنَّ والظفرَ".

المعجم الكبير للطبراني "ط. العراق": 4/ 320، وإتحاف السادة المتقين للزبيدي "تصوير بيروت": 6/ 76 وكنز العمال "مطبعة التراث الإسلامي": 1767. وأخرجه بلفظ: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السنَّ والظفرَ" مسلم، الأضاحي "مطبعة عيسى الحلبي": برقم: 40، وسنن النسائي "تصوير بيروت": 7/ 228، ومسند الإمام أحمد "مطبعة الميمنية": 4/ 142، ومعجم الطبراني: 4/ 321. وشرح السنة للبغوي "مطبعة المكتب الإسلامي": 11/ 214، وفتح الباري "دار الفكر": 9/ 623، 631.

2 للنحاة في مرجع الضمير المستتر وجوبا في "ليس" و"لا يكون" ثلاثة أقوال؛ هي:

الأول: أن هذا الضمير عائد إلى اسم فاعل الفعل العامل في المستثنى منه؛ أو إلى اسم المفعول -وهذا الرأي لسيبويه- وبيانه: أننا إذا قلنا: "جاء القوم ليس زيدا" يكون تقدير الكلام: جاء القوم ليس هو -أي الجائي- زيدا؛ واعترض على هذا القول باعتراضات؛ أوضحها: أنه قد لا يكون في الكلام السابق على المستثنى فعل، كما لو قلت:"القوم إخوتك ليس زيدًا" فمن أين لنا أن نشتق اسم الفاعل الذي يعود الضمير إليه؟

وأجاب بعض من ينتصر لسيبويه: بأننا نتصيد من معنى الكلام السابق فعل، ونجعل اسم فاعل هذا الفعل المتصيد مرجع الضمير؛ ففي المثال المذكور نقدر أن الكلام: القوم يتصفون بأخوتك ليس زيدا، ونقدر مرع الضمير: ليس هو -أي المتصف بهذه الأخوة- زيدا.

والثاني: أن هذا الضمير عائد على البعض المدلول عليه بكله السابق -وهذا رأي البصريين ففي قولنا: "جاء القوم ليس زيدا"؛ التقدير: ليس هو -أي بعض القوم- زيدا؛ ومعنى هذا، أن نكون نفينا أن يكون بعض القوم زيدا؛ أي بعض القوم من =

ص: 242

البعض المدلول عليه بكله السابق، فتقدير:"قاموا ليس زيدا": ليس القائم، أو ليس بعضهم، وعلى الثاني فهو نظير:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} 1 بعد تقدم ذكر الأولاد2.

وجملتا الاستثناء3 في موضع نصب على الحال4، أو مستأنفتان فلا موضع لهما5.

[المستثنى بـ "خلا" و"عدا" وحكمه] :

فصل: وفي المستثنى بـ "خلا" و"عدا" وجهان:

= عدا زيدا، وبالتالي: نكون قد أطلقنا لفظ البعض على الجميع إلا واحدا، وليس من المعهود هذا الإطلاق.

الثالث: أن الضمير يعود إلى مصدر الفعل السابق، بعد أن نقدر أن المستثنى، كان مضافا إلى مصدر مثله -وهذا رأي الكوفيين- ففي قولنا:"جاء القوم ليس زيدا"؛ التقدير: ليس المجيء مجيء زيد؛ واعترض على هذا الرأي باعتراضين؛ أولهما: أنه قد لا يكون في الكلام السابق فعل، ومر جوابه في الكلام على قول سيبويه، وثانيهما: أن فيه هذا التقدير مضافا محذوفا، لم يلفظ به في كلام قط. وانظر في هذا المسألة: شرح التصريح: 1/ 362-363، والجني الداني:495.

1 "4" سورة النساء، الآية:11.

موطن الشاهد: {كُنَّ نِسَاءً} .

وجه الاستشهاد: عودة الضمير في "كن" على البعض المدلول عليه بالكل بعد تقدم ذكر الأولاد في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} فإن الأولاد تشمل الذكور والإناث؛ فعادت النون في "كن" على الإناث اللاتي هن البعض المفهوم من الأولاد؛ ومعلوم أن "النون": اسم "كن" و"نساء": خبرها.

2 أي في قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} فإن قيل: لا فائدة من قول القائل: فإن كن الإناث نساء. فالجواب: أن الفائدة تمت بما ذكره بعده من الظرف وهو قوله جل جلاله {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} شرح التصريح: 1/ 363.

3 أي: جملة "ليس زيدا"، "ولا يكون زيدا".

4 ولا تحتاج لوجود "قد" المشروطة في الجملة الماضوية الواقعة حالا؛ لأن هذا في غير الجمل التي أفعالها جامدة كما هنا.

5 أي: لا علاقة لهما بما قبلهما من جهة الإعراب. أما من الناحية المعنوية فبينهما ارتباط كما أسلفنا، وهذا رأي جمهور البصريين. شرح التصريح: 1/ 363.

ص: 243

أحدهما: الجر على أنهما حرفا جر، وهو قليل، ولم يحفظه سيبويه في "عدا"، ومن شواهده قوله1:[الوافر]

266-

أَبَحْنَا حيَّهُم قتلًا وأسرًا

عدا الشمطاء والطفل الصغير2

وموضعهما نصب، فقيل: هو نصب عن تمام الكلام3، وقيل: لأنهما متعلقان بالفعل المذكور4.

1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

2 تخريج الشاهد: ويروى قبل الشاهد -وهو دليل على أن القوافي مجرورة- قوله:

تركنا في الحضيض بنات عوج

عواكف قد خضعن إلى النسور

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 232، والدر: 1/ 197، والعيني: 3/ 123.

المفردات الغريبة: أبحنا، أحللنا، من أباح الشيء إذا أحله، والمراد: استأصلنا حيهم، الحي: القبيلة. الشمطاء: العجوز التي خالط البياض سواد شعرها، والرجل أشمط.

المعنى: استبحنا القتل والأسر، واستأصلنا تلك القبيلة، ولم نترك إلا العجائز من النساء، والصغار من الأطفال.

الإعراب: أبحنا: فعل ماضٍٍ مبني على السكون؛ لِاتصاله بـ "نا"؛ و"نا" في محل رفع فاعل. حيهم: مفعول به، وهو مضاف. و"هم": مضاف إليه. قتلا: تمييز منصوب؛ ويجوز أن يكون "حيهم" مفعولا به على نزع الخافض؛ أي في حيهم، وقتلا: مفعولا به. وأسرا: الواو عاطفة؛ أسرا: معطوف على "قتلا" منصوب مثله. عدا: حرف جر دالٍّ على الاستثناء، لا محل له من الإعراب. الشمطاء: مجرور بـ "عدا" وعلامة جره الكسرة الظاهرة. والطفل: الواو عاطفة، الطفل: اسم معطوف على الشمطاء، والمعطوف على المجرور مجرور مثله. الصغير: صفة للطفل مجرورة.

موطن الشاهد: "عدا الشمطاء".

وجه الاستشهاد: مجيء "عدا" في الشاهد حرف جر و"الشمطاء" مجرورا به.

3 أي: تمام الجملة قبلهما، فتكون هي الناصبة لمحلهما على الاستثناء؛ كما قيل في تمييز النسبة: إن العامل فيه النصب، هو الجملة قبله، ولا يحتاجان إلى متعلق على اعتبارهما من أحرف الجر الشبيهة بالزائد. وانظر شرح التصريح: 1/ 363، وحاشية الصبان: 2/ 163.

4 أي: قبلهما، فيكونان -حينئذ- في موضع نصب على المفعول به، والأول: أرجح.

ص: 244

والثاني: النصب على أنهما فعلان جامدان لوقوعهما موقع1 "إلا" وفاعلهما ضمير مستتر"، وفي مفسره وفي موضع الجملة البحث السابق.

وتدخل علهيما "ما" المصدرية2 فيتعين النصب؛ لِتعين الفعلية حينئذ، كقوله3:[الطويل]

267-

ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطل4

1 فعلان لتقدم ما المصدرية عليهما، التي لا توصل إلا بالأفعال، والفعل إذا وقع موقع الحرف يصير جامدا، كما أن الاسم إذا وقع موقعه يصير مبنيا، ونصب ما بعدهما على أنه مفعول واضح بالنسبة لعدا؛ متعدٍّ قبل الاستثناء، أما "خلا" فقد ضمنت عند الاستثناء معنى "جاوز"؛ فصارت متعدية. التصريح: 1/ 364.

2 أي: استثناء؛ لِأنها لا تدخل على فعل جامد. وقيل: لأنهما في الأصل متصرفان. والمنع إنما هو في الجامد أصالة.

3 القائل: هو لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته.

4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

وكل نعيم لا محالة زائلُ

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 364، والهمع: 1/ 3، 266، 333، والدرر: 1/ 2، 93، 197، وشرح المفصل: 2/ 78، والعيني: 1/ 15، 3/ 134، وحاشية يس: 1/ 355، ومغني اللبيب:"219/ 179""352/ 259" وشرح السيوطي: 134، 180، والشذور:"122/ 341" وديوان لبيد: 256.

المفردات الغريبة: ما خلا الله: ما عداه سبحانه؛ باطل، المراد: فانٍ وهالك. زائل: ذاهب.

المعنى: كل شيء في هذه الحياة صائر إلى زوال، ولا يبقى إلا الواحد الديان، وكل نعيم في هذه الدنيا سيغدو أثرا بعد عين، فليعتبر بهذا الغافلون والمنحرفون.

الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه: كل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. شيء: مضاف إليه مجرور. ما: مصدرية، لا محل لها. خلا: فعل ماضٍٍ مبني على الفتح المقدر، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا، تقديره هو: يعود إلى البعض المفهوم من الكل السابق. الله: "لفظ الجلالة" منصوب على التعظيم. باطل: خبر المبتدأ "كل" مرفوع. وكل: الواو عاطفة، كل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. نعيم: مضاف إليه مجرور. لا محالة: لا نافية للجنس، لا محل لها من الإعراب. محالة: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب؛ وخبر "لا" محذوف؛ والتقدير: لا محالة موجودة؛ وجملة "لا محالة موجودة": اعتراضية، لا محل لها. زائل: خبر "كل" مرفوع.

موطن الشاهد: "ما خلا الله".

وجه الاستشهاد: استعمال "خلا" فعلا؛ لسبقها بـ "ما" المصدرية، ونصب لفظ الجلالة بعدها؛ والذي يدلنا على استعمالها فعلا سبقها بما المصدرية؛ لأن "ما" المصدرية، لا تدخل على الأفعال، ولا تدخل على الحروف.

ص: 245

وقوله1: [الطويل]

268-

تملُّ الندامى ما عداني فإنني2

ولهذا دخلت نون الوقاية، وموضع الموصول وصلته نصب: إما على الظرفية على حذف مضاف، أو على الحالية على التأويل باسم الفاعل3، فمعنى: "قاموا ما

1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

بكل الذي يهوَى نديمي مولعُ

وقد مر تخريج الشاهد والتعليق عليه.

موطن الشاهد: "ما عداني".

وجه الاستشهاد: استعمال "عدا" فعلا؛ لأنها سبقت بما المصدرية؛ ومعلوم أن "عدا" عندما تسبق بما المصدرية، تتمحَّض للفعلية -كما سبق- وما يؤكد استعمال الشاعر لـ "عدا" فعلية؛ إلحاقه بها نون الوقاية لما وصل بها ياء المتكلم، ونحن نعلم أن نون الوقاية تلزم الأفعال من دون الحروف.

3 عندما تأتي "عدا وخلا" مقرونتين بـ "ما" فلمحلهما ثلاثة أوجه من الإعراب:

الأول: أن "ما" المصدرية ومدخولها في تأويل مصدر منصوب على الظرفية الزمانية؛ وأصله: مضاف إليه للفظ "وقت" فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه؛ ففي قولهم:"قام القوم عدا زيدا"، يكون التقدير: قام القوم وقت مجاوزتهم زيدا.

الثاني: أن "ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر، يراد به اسم الفاعل، وهو حال من المستثنى منه؛ ويكون تقدير المثال السابق: قام القوم مجاوزتهم زيدا، أي: مجاوزين زيدا؛ وهذا، كما قدر المصدر الصريح -حين وقع حالا- باسم الفاعل؛ نحو قولك: جاء زيد ركضا؛ أي: راكضا.

الثالث: أن "ما عدا زيدا" منصوب على الاستثناء، مثل انتصاب "غير" في قولهم: قام القوم غير زيد؛ والتقدير الثاني للسيرافي، والثالث لابن خروف، والرأي الأرجح، هو الأول؛ لأن "ما عدا" في تأويل المصدر عند الجميع، والمصدر ينوب مناب ظرف الزمان بكثرة، كما في قولهم: أزورك طلوع الشمس، وأحبك مجيء الحاج؛ فأما مجيء الحال مصدرا، فيحتاج إلى التأويل -على أن بعض النحاة ذكر أن مجيء المصدر حالا؛ إنما يكون في المصدر الصريح لا المؤول؛ وأما النصب على الاستثناء، ففيه من التكلف ما لا يخفى. وانظر شرح التصريح: 1/ 365، والمغني: 178-179.

ص: 246

عدا زيدا" قاموا وقت مجاوزتهم زيدا، أو مجاوزين زيدا، وقد يجران على تقدير "ما" زائدة1.

[المستثنى بـ "حاشا"] :

فصل: والمستثنى بـ: "حاشا" عند سيبويه مجرور لا غير، وسمع غيره النصب2، كقوله:"اللهم اغفر لي ولمن يسمع، حاشا الشيطانَ وأبا الأصبغ"3.

والكلام في موضعها جارة وناصبة وفي فاعلها كالكلام في أختيها.

ولا يجوز دخول "ما" عليها، خلافا لبعضهم4، ولا دخول "إلا" خلافا

1 وإلى هذا ذهب الجرمي والربعي والكسائي والفارسي وابن جني، ولم يرتضه ابن هشام في المغني لأن "ما" تزاد بعد حرف الجر، نحو:{عَمَّا قَلِيلٍ} ، و:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} ، أما هنا فلا، وإن كان سمع ذلك فهو شذوذ لا يقاس عليه. التصريح: 1/ 365، مغني اللبيب: 179، همع الهوامع: 1/ 233.

2 الذين رووا النصب بعد "حاشا" هم أبو زيد والفراء، والأخفش، والشيباني، وابن خروف، وأجازه الجرمي والمازني والمبرد والزجاج وابن مالك. مغني اللبيب: 165، والجنى الداني: 558، والتصريح: 1/ 365.

3 هذا كلام منثور، وليس بنظم، وأبو الأصبغ: اسم رجل رمي بالخسة والدناءة وجعل قرينا للشيطان لالتحاقه في قبح الأفعال.

"الشيطان" منصوب بحاشا على أنها فعل ماضٍ، و"أبا" معطوف عليه. "الأصبغ" مضاف إليه. وجيء بحاشا هنا للتهكم؛ لأنها إنما يستثنى بها في مقام تنزيه المستثنى عن نقص ما، والمغفرة أمر حسن لا يتنزه أحد عنه، ولكنه بالغ في تقبيح فعل الشيطان وأبي الأصبغ وخستهما ودمهما حتى كأن المغفرة تنقص بهما، فيجب أن تتنزه عنهما وألا تتعلق بأمثالهما.

4 فقد أجاز دخول "ما" عليها مستدلا بقوله عليه الصلاة والسلام: "أسامة أَحَبُّ الناسِ إلي ما حاشا فاطمة". ورد بأن جملة "ما حاشا فاطمة" مدرجة من كلام الراوي وليست من الحديث، أي أنه عليه الصلاة والسلام، لم يستثنِ فاطمة، فتكون "ما" نافية لا مصدرية، و"حاشا" فعل متعدٍّ متصرف بمعنى أستثني. وكذلك استدل بقول الأخطل:

رأيت الناس ما حاشا قريشًا

فإنا نحن أفضلهم فعالا

ص: 247

للكسائي1.

1 فقد أجاز دخول "إلا" عليهما إذا جرت، ومنعه إذا نصبت، تقول: قام القوم إلا حاشا محمد -بالجر. التصريح: 1/ 365.

تنبيه: الصحيح أن ناصب المستثنى هو "إلا" لا ما قبلها، ولا كلمة أستثني مضمرا؛ لأنها مختصة بالأسماء غير منزلة منها منزلة الجزء، يجب أن تعمل ما لم تتوسط بين عامل مفرغ ومعموله فتلغى؛ لأن العامل أقوى منها.

تكملة: تأتي "حاشا" على ثلاثة أحوال:

أ- استثنائية: وهي فعل جامد، وقد تأتي حرفا وقد سبق الكلام عليها.

ب- تنزيهية: تدل على التنزيه الخالص وتبرئة ما بعدها من سوء. والصحيح أنها اسم مرادف لكلمة "تنزيه" التي هي مصدر "نزه" بدليل إضافتها وتنوينها في قوله تعالى: {حَاشَ لِلَّهِ} فقد قرأ ابن مسعود: "حاش الله"، بالإضافة على زيادة اللام؛ كسبحان الله، ومعاذ الله. وقرأ أبو السمال: حاشا لله. بالتنوين والإضافة، والتنوين من خواص الأسماء، وهي منصوبة على أنها مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا من معناها؛ لِأنها مصدر قائم قام الفعل. وقال بعض النحاة: إنها اسم فعل ماضٍٍ بمعنى: تنزه أو برئ، واللام بعدها زائدة، و"الله" مجرور باللام الزائدة في محل رفع فاعل باسم الفعل. وقال الكوفيون والمبرد: إنها فعل.

ج- أن تكون فعلا متعديا متصرفا بمعنى أستثني. تقول: حاشيت مال اليتيم. أن تمتد إليه يدي، أي أستثنيه، وتكتب ألفها الأخيرة ياء في هذه الحالة ومنه الحديث السابق:"أسامة أحب الناس إلي ما حاشي فاطمة". وقول الشاعر:

ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه

ولا أحاشي من الأقوام من أحد

ويجوز في نحو: قام الناس حاشاك وحاشاه. كون الضمير منصوبا، وكونه مجرورا.

فإذا قلت: حاشاي -تعين الجر، وإن قلت: حاشاني- تعين النصب، وكذا الشأن في: خلا، وعدا، ضياء السالك: 2/ 186.

فائدة: تأتي "لما" للاستثناء بمعنى إلا، نحو: ناشدتك الله لما فعلت كذا -عمرك الله لما تركت كذا. وهذا مقصور على السماع على الصحيح. التصريح: 1/ 365، مغني اللبيب: 164-1654، ومشكل إعراب القرآن: 1/ 428، همع اللوامع: 1/ 232-233، الجنى الداني:561.

ص: 248