الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ظن وأخواتها] :
هذا باب الأفعال الداخلة بعد استيفاء فاعلها على المبتدأ والخير، فتنصبهما مفعولين1:
[أفعال القلوب] :
أفعال هذا الباب نوعان: أحدهما أفعال القلوب، وإنما قيل لها ذلك لأن معانيها قائمة بالقلب، وليس كل قلبي ينصب المفعولين، بل القلبي ثلاثة أقسام:
[الأفعال القلبية ثلاثة أقسام] :
ما لا يتعدى بنفسه، نحو فكر وتفكر، وما يتعدى لواحد نحو عرف وفهم، وما يتعدى لاثنين وهو المراد، وينقسم أربعة أقسام:
1 ذهب الجمهور إلى أن أصل مفعولي ظن وأخواتها مبتدأ وخبر، وذهب السهيلي وحده إلى أن المفعولين هما كمفعولي أعطى ليس أصلهما مبتدأ وخبرا، واستدل بظننت زيادا عمرا، وهذا قول لا ينكر. وقولك "زيد عمرو" على أنهما مبتدأ وخبر، لا يصح إلا على معنى التشبيه، وأنت لم ترد ذلك مع ظننت، وأجيب بالمنع، وأن المراد ظننت زيدا عمرا فتبين خلافه.
وذهب الفراء إلى أن المنصوب الأول: مفعول، والمنصوب الثاني منصوب على التشبيه بالحال، واستدل لذلك بأن الثاني يجيء جملة، نحو: ظننت زيدا يؤدي واجبه، ويجيء ظرفا؛ نحو: ظننت زيدا عندك، ويجيء جارا ومجرورا، نحو: ظننت زيدا على خلق حسن؛ وقد عهدنا الحال يجيء على هذه الوجوه، والذي يقطع بالرد عليه أن المنصوب الثاني يجيء معرفة نحو: ظننت زيدا أخاك، ويجيء ضميرا: نحو: زيد ظننتكه، ويجيء جامدا؛ نحو: ظننت زيدا أسدا، ولا يقتصر في شيء من ذلك على السماع، ثم هو في جميع أحواله مما لا يستغني الكلام عنه؛ لأنه لا يتم معنى الكلام بدونه، والحال لا يكون كذلك.
شرح التصريح: 1/ 246-247.
[ما يتعدى لاثنين أربعة أقسام] :
أحدها: ما يفيد في الخبر يقينا، وهو أربعة: وجد، وألفى، وتعلَّمْ، بمعنى اعلَمْ، ودرى، قال الله تعالى:{تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا} 1 {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} 2، وقال الشاعر3:[الطويل]
169-
تعلَّمْ شفاء النفس قهر عدوها4
1 "73" سورة المزمل، الآية:20.
موطن الشاهد: {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "تجد" فعلا قلبيا ناصبا لمفعولين هما: "الهاء، وخيرا"؛ ويفيد العلم واليقين؛ لأن من وجد الشيء على حقيقته، فقد علمه.
2 "37" سورة الصافات، الآية:69.
موطن الشاهد: {أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "ألفى" قلبيا مفيدا اليقين وناصبا لمفعولين اثنين؛ هما: "آباءهم، وضالين".
3 هو زياد بن سيار بن عمرو بن جابر:
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فبالغ بلطف في التحيل والمكر
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 247، وابن عقيل:"120/ 2/ 32"، والأشموني:"325/ 1/ 158"، وهمع الهوامع: 1/ 149، والدرر اللوامع: 1/ 123، ومغني اللبيب:"1017/ 775"، وشرح السيوطي: 312، وشرح العيني: 2/ 374، وشذور الذهب:"183/ 477".
المفردات الغريبة: تعلم: فعل أمر مبني على السكون؛ وهو ملازم لهذه الصيغة؛ ومعناه: اعلمْ وتَيَقَّنْ. شفاء النفس: قضاء مطالبها ومآربها. بلطف: برفق ولين. التحيل: أخذ الأشياء بالحيلة والدهاء.
معنى الشاهد: اعلم أن ما يشفي نفوس الرجال قهرهم لأعدائهم، وتغلبهم عليهم؛ فعليك أن تبالغ في الاحتيال، وتحين الفرص؛ لكي تنال من عدوك ما تريد.
الإعراب: تعلم: "قلبي بمعنى اعلم" فعل أمر، والفاعل: أنت. شفاء: مفعول به أول، وهو مضاف. النفس: مضاف إليه ثان. فبالغ: الفاء عاطفة. بالغ: فعل أمر، الفاعل: أنت. "بلطف": متعلق بـ "بالغ". "في التحيل": متعلق بـ "لطف". والمكر: معطوف على التحيل مجرور مثله. =
والأكثر وقوع هذا على "أن" وصلتها1، كقوله2:[الطويل]
170-
فقلت تعلم أن للصيد غرة3.
= موطن الشاهد: "تعلم شفاء النفس قهر عدوها".
وجه الاستشهاد: مجيء "تعلم" فعلا قلبيا بمعنى "اعلم" مفيدا اليقين؛ وقد نُصِبَ به مفعولان اثنان؛ أصلهما مبتدأ أو خبر؛ ومثل هذا الشاهد قول الحارث بن ظالم المري:
تعلم -أبيت اللعن- أني فاتك
…
من اليوم أو من بعده بابن جعفر
فقد سدت أن ومعمولاها مسد مفعولي "تعلم"؛ ومعلوم أن هذا الفعل، يندر أن ينصب مفعولين ظاهرين، وإنما تسد "أن" المؤكدة ومعمولاها مسد المفعولين لهذا الفعل، كما في الشاهد التالي.
1 وحينئذ تسد "أن" ومعمولها مسد المفعولين، ومعروف أن الصلة تشتمل على مسند ومسند إليه.
2 هو: زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني، شاعر حكريم من أهل نجد وأحد أصحاب المعلقات السبع، والمعروف بحولياته، وهو راوية أوس بن حجر، قيل إنه أشعر الشعراء في الجاهلية لأنه لا يعاظل بين القول ولا يتبع حوشي الكلام، شهد له بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجرير. ولم يتصل الشعر في ولد أحد من فحول الشعر ما اتصل في ولده، ولم يدرك الإسلام ومات سنة 13 ق. هـ. الشعر والشعراء: 1/ 137، الأغاني: 9/ 139، الاشتقاق: 111، الخزانة: 1/ 375، الجمحي: 1/ 63.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
وإلا تضيعها فإنك قاتله
وهو من قصيدة لزهير ومطلعها قوله:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله
…
وعري أفراس الصبا ورواحله
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 2147، والأشموني:"326/ 1/ 158"، والعيني: 2/ 374 وديوان زهير بن أبي سلمى: 134.
المفردات الغريبة: تعلم: اعلم. غرة: غفلة. تضيعها: الضمير عائد على الفرصة التي تتيحها الغفلة.
المعنى: اعلم، وتيقن أن للصيد أوقاتا، يهأ فيها ويستريح، وتعتريه غفلة وسكون؛ فإذا انتهزت هذه الفرصة، وصوبت إليه سهامك، فإنك قاتله لا محالة.
الإعراب: تعلم: "بمعنى: اعلم" فعل أمر مبني على السكون، والفاعل: أنت: أن: حرف مشبه بالفعل "للصيد"؛ متعلق بخبر مقدم لـ "أن". غرة: اسم "أن" مؤخر منصوب؛ و"أن ومعمولاها": سدت مسدَّ مفعولي "تعلم". إلا: إن شرطية، لا: نافية، تضيعها: فعل الشرط مجزوم، والفاعل: أنت، و"ها" مفعول به. فإنك: الفاء واقعة في جواب الشرط، إنك: حرف مشبه بالفعل، والكاف: اسمه، قاتله: خبر "إن" والهاء: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "تعلم أن للصيد غرة".
وجه الاستشهاد: استعمال "تعلم" بمعنى اعلم، وقد تعدى هذا الفعل إلى مفعوليه بوساطة "أن" المفتوحة المؤكدة وصلتها؛ وهذا الغالب في استعمال هذا الفعل.
وقوله1: [الطويل]
171-
دريت الوفي العهد يا عُرْوَ فاغتبط2
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فإن اغتباطا بالوفاء حميد
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 247، وابن عقيل:"119/ 2/ 31"، والأشموني:"323/ 1/ 157" وهمع الهوامع: 1/ 149، والدرر اللوامع: 1/ 132، وقطر الندى:"68/ 228" والعيني: 2/ 373 وشذور الذهب: "181/ 475".
المفردات الغريبة: دريت: ماضٍ مبني للمجهول، من درى بمعنى علم. فاغتبط. أمر من الغبطة، وهي تمني مثل ما للغير، من غير تمني زواله عنه، والمراد: ازدد فيما أنت عليه من الصفات الحميدة ليغبط الناس؛ أو الدعاء له بأن يدوم على ما هو عليه؛ ليغبطه الناس.
المعنى: تيقن الناس وعلموا علما لا شك فيه، أنك -يا عروة- تفي بالعهد، ولا تنقضه؛ فلتغتبط على هذه الخصلة الحميدة؛ لأن الاغتباط بها أمر محمود، ومشكور عند الله وعند الناس.
الإعراب: دريت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل؛ وهي المفعول الأول قبل بناء الفعل للمجهول. الوفي: مفعول به ثان منصوب، والوفي: صفة مشبهة. العهد: فاعل للصفة المشبهة؛ أو مضاف إليه، من إضافة الصفة إلى فاعلها؛ أو منصوب على التشبيه بالمفعول به؛ والوجه الثاني: أفضل. يا عرو: "يا" حرف نداء. عرو: منادى مرخم بحذف التاء، مبني على ضم الحرف المذكور، أو المحذوف؛ على لغة من ينتظر، ومن لا ينتظر. فاغتبط: الفاء واقعة في جواب شرط مقدر، والتقدير: إذا كنت كذلك فاغتبط. فإن الفاء تعليلية، إن: حرف مشبه بالفعل. اغتباطا: اسم "إن""بالوفاء": متعلق بـ "اغتباطا". حميد: خبر "إن" مرفوع.
موطن الشاهد: "دريت الوفي العهد".
وجه الاستشهاد: جاء فعل "درى" قلبيا يفيد اليقين، ونصب مفعولين اثنين؛ الأول: التاء المتحولة نائب قاعل؛ لبناء الفعل المجهول، والثاني: الوفي؛ ونصب فعل درى لمفعولين قليل، والأكثر فيه أن يتعدى إلى واحد بالباء، نحو: دريت بكذا.
والأكثر في هذا أن يتعدى بالباء، فإذا دخلت عليه الهمزة تعدى لآخر بنفسه1 نحو:{وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} 2.
والثاني: ما يفيد في الخبر رجحانا3، وهو خمسة: جعل، وحجا، وعدَّ، وهب، وزعم، نحو:{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} 4، وقوله5:[البسيط]
172-
قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة6
1 أي: إن دخلت عليه همزة التعدية؛ تعدى بها إلى واحد، وتعدى إلى الثاني بالباء، كما في الآية الكريمة التالية.
2 "10" سورة يونس، الآية:16.
موطن الشاهد: {وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} .
وجه الاستشهاد: دخول همزة التعدية على فعل "درى" فتعدى بوساطة هذه التعدية إلى المفعول الأول؛ وهو "كم" بنفسه، وإلى المفعول الثاني بحرف الجر، كما أسلفنا.
3 الرجحان: ما ينشأ من تغلب أحد الدليلين المتعارضين في أمر من الأمور على الآخر؛ بحيث يصير أقرب إلى اليقين من الشك.
4 "43" سورة الزخرف، الآية:19.
موط الشاهد: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ.... إِنَاثًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "فعل" مفيدا، رجحان الخبر؛ فنصب مفعولين اثنين؛ الأول: الملائكة؛ والثاني: إناثا.
5 القائل: هو تميم بن أبي مقبل، وقيل اسمه تميم بن أُبَي بن مقبل، أحد بني العجلان، شاعر مجيد في الوصف والرثاء، منقح للكلام وصاف للقدح حتى قيل: قدح ابن مقبل، أدرك الإسلام وأسلم، وكان جافيا في الدين، يبكي أهل جاهليته. وبلغ مائة وعشرين سنة. الشعر والشعراء: 1/ 455، الجمحي: 1/ 150، الإصابة: 1/ 195، الأغاني: 3/ 179، اللآلي:362.
6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
حتى ألمت بنا يوما ملمات
=
.........................................................................
= وقد نصب صاحب المحكم البيت إلى أبي شنبل الأعرابي، ونسبه ثعلب في أماليه إلى أعرابي يقال له: القنان، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، وابن عقيل:"125/ 2/ 38" والأشموني: "322/ 1/ 157" وهمع الهوامع: 1/ 148، والدرر اللوامع: 1/ 130، والعيني: 2/ 376 وشذور الذهب: "178/ 472" وليس في ديوان تميم بن أبي مقبل.
المفردات الغريبة: أحجو: أظن. ألمت: نزلت. ملمات: جمع ملمة وهي النازلة من نوازل الدهر.
المعنى: قد كنت أظن وأعتقد أن أبا عمرو أخا مخلصا، يوثق به، ويعتمد عليه في الملمات والشدائد؛ حتى نزلت بنا يوما حوادث مؤملة؛ فتبين لي غير ما كنت أظن فيه.
الإعراب: أحجو: فعل مضارع، والفاعل: أنا. أبا: مفعول به أول، وهو مضاف. عمرو: مضاف إليه. أخا: مفعول به ثانٍ، وهو مضاف. ثقة: مضاف إليه؛ ويجوز أن تكون "أخا" بالتنوين مفعولا ثانيا وثقه بالتنوين والنصب صفة لها. حتى: حرف غاية وجر: ألمت: فعل ماضٍ، والتاء، للتأنيث. ملمات: فاعل مرفوع.
موط الشاهد: "أحجو أبا عمرو أخا".
وجه الاستشهاد: استعمل فعل "أحجو" بمعنى أظن؛ فنصب به مفعولين؛ أحدهما: أبا عمرو، وثانيهما: أخا ثقة؛ وفعل حجا لا يتعدى إلى مفعولين إلا إذا كان قلبيا مفيدا الرجحان والظن.
فائدة 1: ذكر العيني أنه لم ينقل أحد من النحاة أن "حجا يحجو" ينصب مفعولين غير ابن مالك رحمه الله تعالى.
فائدة 2: يأتي فعل حجا بمعانٍ عدة؛ منها: الغلبة في المحاجاة؛ وذلك إذا ألقيت على مخاطبك كلمة يخالف لفظها معناها، وتسمى هذه الكلمة أحجية؛ ويأتي فعل "حجا" بمعنى "قصد"؛ نحو قول الأخطل:
حجونا بني النعمان إذ عصَّ ملكهم
…
وقبل بني النعمان حاربنا عمرو
فحجونا بمعنى قصدنا. وعص ملكهم: قوي واشتد.
ويأتي بمعنى أقام؛ نحو: "حجا محمد بمكة"؛ أي: أقام بها.
ويأتي بمعنى "رد" نحو: حجوت السائل؛ أي رددته.
ويأتي بمعنى "ساق" نحو: حجوت الإبل، أي سقتها.
ويأتي بمعنى "حفظ وكتم" نحو: حجوت الحديث؛ أي حفظته أو كتمته.
ويتضح من الأمثلة السابقة أن "حجا" لما يكون بمعنى غلب في المحاجاة، أو قصد، أو رد، أو ساق، أو كتم، أو حفظ؛ تتعدى إلى مفعول واحد. وإذا كان بمعنى أقام في المكان، أو وقف؛ فإنه لا يتعدى بنفسه، وإنما يتعدى بحرف الجر.
وقوله1: [الطويل]
173-
فلا تعدد المولى شريكك في الغنى2
1 القائل هو: النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الله؛ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن صاحبه، وابن أخت عبد الله بن رواحة، ولد سنة اثنتين للهجرة ومسنده: 114 حديثا؛ حدث عنه الزهري والشعبي وغيرهما، ولاه معاوية الكوفة ثم دمشق، ثم حمص وبها قتل.
سير أعلام النبلاء: 3/ 411، البداية والنهاية: 8/ 244، الإصابة: 3/ 559، شذرات الذهب: 1/ 72.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
ولكنما المولى شريكك في العدم
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، وابن عقيل:"124/ 2/ 37"، والأشموني:"321/ 1/ 157" وهمع الهوامع: 1/ 148، والدرر اللوامع: 1/ 130، والخزانة: 1/ 461 عرضا، والعيني: 2/ 377.
المفردات الغريبة: لا تعدد: لا تظن. المولى: يطلق على معانٍ كثيرة، والمراد هنا الصاحب والناصر. العدم: الفقر.
المعنى: لا تظن الصديق المخلص، والصاحب الوفي، هو الذي يقاسمك ويشاطرك المودة والإخاء في حال يسارك وغناك؛ بل هو الذي يرافقك ويصاحبك في حال فقرك، وضيق عيشك، وغدر الزمان بك.
الإعراب: لا: ناهية. تعدد: فعل مضارع مجزوم، والفاعل: أنت. المولى: مفعول به أول لفعل "تعدد". شريكك: مفعول به ثان، والكاف: مضاف إليه. "لكنما": كافة ومكفوفة تفيد الاستدراك. المولى: مبتدأ. شريكك: خبر ومضاف إليه.
موطن الشاهد: "لا تعدد المولى شريكك".
وجه الاستشهاد: استعمل مضارع "عد""بمعنى ظن" ونصب به مفعولين؛ أحدهما: المولى. والثاني: شريكك، كما بينا في الإعراب؛ ومثل الشاهد السابق بعد قول جارية بن الحجاج:
لا أعد الإقتار عُدْمًا ولكنْ
…
فَقْدُ من قد فقدته الإعدام
فـ "أعد" بمعنى أظن، وقد نصب مفعولين؛ الإقتار وعدما؛ والشواهد على استعمال عد بمعنى ظن كثيرة.
وقوله1: [المتقارب]
174-
وإلا فهبني امرأ هالكا2
1 القائل: هو عبد الله بن همام السلولي، أحد بني مرة صعصعة من قيس عيلان، وبنو مرة يعرفون ببني سلول؛ شاعر أموي، جيد الشعر عذبه، حتى سمي بالعطاء لحسن شعره، وهو إلى هذا صاحب جاه عند السلطان؛ لزوم معاوية وابنه يزيد، وكان عندهما حظيا مكينا. الشعر والشعراء: 2/ 651، والجمحي: 2/ 625، واللآلي: 683، والخزانة: 2/ 638.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
فقلت: أجرني أبا مالك
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، وابن عقيل:"126/ 2/ 36"، والأشموني:"324/ 1/ 157"، وهمع الهوامع: 1/ 149، والدرر اللوامع: 1/ 131، والخصائص: 2/ 186، والعيني: 2/ 378 ومغني اللبيب: "1018/ 775"، وشرح السيوطي: 312، وشذور الذهب:"182/ 476".
المفردات الغريبة: أجرني: أغثني واحمني، وأصله: اتخذني لك جارا تدفع عنه وتحميه. هبني: احسبني وظنني.
المعنى: فقلت: أغثني واحمني ودافع عني يا أبا مالك، وأمني من أعدائي، فإن لم تفعل ذلك، فظن أني هالك لا محالة.
الإعراب: أجرني: فعل أمر؛ خرج إلى معنى الاستعطاف، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. أبا خالد: منادى بحرف نداء محذوف منصوب، وخالد: مضاف إليه. إلا: إن شرطية جازمة، لا: نافية؛ وفعل الشرط محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه. فهبني: الفاء رابطة لجواب الشرط، هب: فعل أمر مبني على السكون؛ وهو ملازم لصيغة الأمر، والفاعل: أنت. والنون: للوقاية، والياء: مفعول به أول. أمرأ: مفعول ثانٍ منصوب. هالكا: صفة منصوبة.
موطن الشاهد: "هبني امرأ".
وجه الاستشهاد: مجيء "هب" بمعنى الظن؛ فنصب مفعولين؛ أحدهما: ياء المتكلم؛ والثاني: امرأ؛ ومعلوم أن "هب: بهذا المعنى فعل جامد، لا يتصرف؛ فلا يأتي منه مضارع ولا ماضٍ؛ بل هو مزم لصيغة الأمر؛ والغالب على هذا الفعل أن يتعدى إلى مفعولين صريحين، كما في الشاهد، وقد يدخل على "أن" المؤكدة ومعموليها خلافا لابن سيده، والجوهري، والجرمي؛ حيث عدوا دخوله عليها لحنا، غير أن العلماء والمحققين أثبتوا أنه ليس لحنا، واستشهدوا بحديث عمر: "هب أن أبانا كان حمارا". غير أن هذا الاستعمال قليل، والأفضل ألا يصار إلى استعماله.
فائدة: يجب أن نميز هنا بين "هب" الفعل الجامد الذي تحدثنا عنه، وبين "هب" الأمر من "وهب" يهب المتصرف؛ فذاك يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه، كما قال جل جلاله:{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق} ، وقوله في آية أخرى:{هَبْ لِي حُكْمًا} ، وقوله تقدست أسماؤه:{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} .
ففعل "وهب" في الآيات الكريمة بمعنى الهبة، وهي التفضل بما ينفع الموهوب.
وقوله1: [الخفيف]
175-
زعمتني شيخا ولست بشيخ2
1 القائل: هو أبو أمية الحنفي:
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
إنما الشيخ من يدبُّ دبيبا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، والأشموني:"319/ 1/ 156"، والعيني: 2/ 379 ومغني اللبيب: "1016/ 775" وشذور الذهب: "179/ 473"، وقطر الندى:"70/ 231".
المفردات الغريبة: شيخا، الشيخ: هو الذي ظهر عليه الضعف والشيب، ويغلب أن يكون من سن الخمسين ويجمع على أشياخ وشيوخ. يدب دبيبا: يمشي مشيا وئيدا.
المعنى: ظنت هذه المرأة حين رأت الشيب برأسي، أني أصبحت شيخا ضعيفا منهوك القوى، وهي في ذلك مخطئة؛ لأن الشيخ من ضعفت قوته، وكَلَّ عزمه، وتقاربت خطاه وأضحى لا يستطيع السير لشدة ضعفه فأخذ يدب على عصاه؛ أما أن فأقوى وأشد مما تظن.
الإعراب: زعمتني: فعل ماضٍ، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به أول لـ "زعم". شيخًا: مفعول ثان منصوب، ولست: الواو حالية. لست: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. بشيخ: الباء زائدة، شيخ: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس. إنما: كافة ومكفوفة، تفيد الحصر. الشيخ: مبتدأ. من: اسم موصول، خبر. يدب: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو. دبيبا: مفعول مطلق؛ وجملة "يدب دبيبا": صلة للموصول لا محل لها.
موطن الشاهد: "زعمتني شيخا".
وجه الاستشهاد: استعمل فعل "زعم" بمعنى ظن، فنصب به مفعولين؛ أحدهما: ياء المتكلم، والثاني: قوله: "شيخا"؛ وهذا مستعمل شائع في لغة العرب؛ وإن كان الأكثر فيه أن يقع على أن المثقلة أو المخففة وصلتهما كما سنرى.
والأكثر في هذا وقوعه على أن وأن وصلتهما، نحو:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} 1، وقال2:[الطويل]
176-
وقد زعمت أني تغيرت بعدها3
1 64 سورة التغابن، الآية:7.
موطن الشاهد: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} .
وجه الاستشهاد: دخول فعل زعم القلبي على "أن" المخففة وصلتها، فسدَّتْ مع معموليها مسدَّ مفعولي زعم؛ ووقوع "زعم" على "أن" وصلتها كثير شائع في اللغة، كما جاء في المتن.
2 القائل: هو كثير بن عبد الرحمن، المعروف بكثير عزة، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
ومن ذا الذي يا عَزُّ لا يتغير
وبعده قوله:
تغير جسمي والخليفة كالذي
…
عهدت، ولم يُخبَرْ بسرك مُخبَرُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، والأشموني:"32/ 1/ 157"، والعيني: 2/ 380 وشذور الذهب: "180/ 474"، وديوان كثير عزة: 1/ 62.
المفردات الغريبة: زعمت: ظنت. تغيرت: تغير جسمي فأصبح هزيلا شاحب اللون.
المعنى: ظنت عزة، وهي تتحدث عني؛ لما رأته من تحول في بدني وشحوب في لوني وهزال في جسمي- أنني تغيرت بعد فراقها والبعد عنها؛ ثم استدرك وقال: ومن الذي لا يتغير بعدما عانى من الوجد وألم الشوق والبعد؟
الإعراب: زعمت: فعل ماضٍ من أفعال القلوب؛ والتاء: للتأنيث. أني: حرف مشبه واسمه. تغيرت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "تغيرت بعدها": في محل رفع خبر "أن"؛ وأن وما دخلت عليه سدت مسد مفعولي زعم. "بعدها": متعلق بـ "تغير"، و"ها": مضاف إليه. من ذا: مبتدأ وخبر: الذي: بدل من اسم الإشارة؛ أو عطف بيان عليه. يا: حرف نداء. عز: منادى مفرد علم مرخم؛ وجملة النداء؛ معترضة بين الموصول وصلته، لا محل لها. لا: نافية. يتغير: فعل مضارع والفاعل: هو؛ وجملة "لا يتغير": صلة للموصول لا محل لها.
موطن الشاهد: "زعمت أني تغيرت".
وجه الاستشهاد: استعمل فعل "زعم" بمعنى ظن، وعداه إلى مفعولين؛ سد مسدهما أن وما دخلت عليه؛ وهذا كثير شائع في استعمال هذا الفعل كما أشرنا من قبل؛ ومن أمثلته قول امرئ القيس:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني
…
كبرت وألا يحسن اللهو أمثالي
وقول جميل بن معمر العذري:
وقد زعمت أني سأرضي بها العدى
…
سرقت إذن يا بثن زاد رفيقي
ومن تعدية هذا الفعل بوساطة "أن" المخففة وما دخلت عليه قوله جل شأنه: {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} .
والثالث: ما يَرِدُ بالوجهين1، والغالب كونه لليقين، وهو اثنان: رأى، وعلم، كقوله جل ثناؤه:{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا} 2، وقوله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} 3، وقوله تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَات} 4.
والرابع: ما يَرِدُ بهما، والغالب كونه للرجحان، وهو ثلاثة: ظن، وحسب، وخال كقوله5:[الطويل]
177-
ظننتك إن شبَّتْ لظى الحرب صاليا6
1 أي يكون بمعنى اليقين أحيانا، وبمعنى الرجحان أحيانا أخرى، والقرينة تعين المراد.
2 "70" سورة المعارج، الآية: 6 و7.
موطن الشاهد: {يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يرى" في الآية الكريمة دالا على المعنيين، فالأول يدل على الرجحان؛ لأن الضمير عائد إلى الكفار الذين يظنون البعث ممتنعا؛ والثاني: يدل على اليقين؛ لأن المتكلم الله جل جلاله؛ ومعناه: ونعلمه واقعا لا محالة.
3 "47" سورة محمد، الآية:19.
موطن الشاهد: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "اعلم" بمعنى تيقن واعتقد؛ وأن وصِلَتُها سدت مسد مفعولي "اعلم".
4 "60" سورة الممتحنة، الآية:10.
موطن الشاهد: {عَلِمْتُمُوهَُّن مُؤْمِنَاتٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "علم" في الآية الكريمة بمعنى "ظن"؛ والضمير "هن"؛ مفعوله الأول، ومؤمنات: مفعوله الثاني.
5 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فعردت فيمن كان عنها معردا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 248، والأشموني:"317/ 1/ 156" والعيني: 2/ 381. =
وكقوله تعالى: {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} 1، وكقوله الشاعر2:[الطويل]
178-
وكنا حسبنا كل بيضاء شحمةً3
= المفردات الغريبة: شبَّت: اشتعلت واتَّقَدت وتأججت. لظى الحرب: نارها وأوارها. صاليا: داخلا فيها، وخائضا غمارها. عردت: أحجمت وفرَّت، والتعريد: الفرار، أو سرعة الذهاب في الهزيمة.
المعنى: لقد ترجح أنك -إذا اضطرمت نيران الحرب وحمي وطيسها- تقتحهما وتخوض غمارها غير هياب ولا وجل؛ وإذا بك تفر وتنهزم مع المنهزمين.
الإعراب: ظننتك: فعل ماضٍ يفيد الرجحان، والتاء: فاعله، والكاف: مفعوله الأول. إن: شرطية جازمة. شبت: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث. لظى: فاعل مرفوع، الحرب: مضاف إليه؛ وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه. صاليا: مفعول به ثانٍ؛ لفعل "ظن" فعردت: الفاء عاطفة. عردت: فعل ماضٍ وفاعل. "فيمن": متعلق بـ "عرد". كان فعل ماضٍ ناقص، واسمه: هو. معردا: خبر كان؛ وجملة "كان مع معموليها": صلة "من" لا محل لها.
موطن الشاهد: "ظننتك صاليا".
وجه الاستشهاد: استعمل فعل "ظن" من الظن بمعنى الرجحان؛ ونصب به مفعولين؛ الأول: "الكاف" ضمير الخطاب، والثاني: صاليا.
1 "2" سورة البقرة، الآية:46.
موطن الشاهد: {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "يظنون" من الظن بمعنى اليقين؛ لأن المؤمنين يتيقنون من ملاقاة ربهم، و"أن" وصلتها سدت مسد مفعولي "يظنون".
2 الشاعر: هو زفر بن الحارث الكلبي: أبو الهذيل، كبير قيس في زمانه، ومن الطبقة الأولى من التابعين من أهل الجزيرة، سمع عائشة ومعاوية رضي الله عنهما، وشهد صفين مع معاوية، وشهد مرج راهط مع الضحاك بن قيس؛ لجأ إلى قرقيسيا -بلد على الفرات- وبقي فيها إلى أن مات في خلافة عبد الملك بن مروان، وله بضع وسبعون سنة.
الخزانة: 2/ 372، المؤتلف:129.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
عشية لاقينا جُذامَ وحميرا
وهو من كلمة يقولها في وصف مرج راهط، وهو موضع كانت لهم فيه موقعة، وبعده قوله: =
وقوله1: [الطويل]
179-
حسبتُ التقى والجودَ خيرَ تجارةٍ2
=
فلما لقينا عصبة تغلبية
…
يقودون جردا في الأعنة ضمرا
سقيناهم كأسا سوقنا بمثلها
…
ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه
…
ببعض أبت عيدانه أن تكسرا
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 249، ومغني اللبيب:"1078/ 833" والسيوطي: 314، والعيني: 2/ 382، وشرح التبريزي لديوان الحماسة "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد"، 1/ 150.
المفردات الغريبة: وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة: كنا ظننا شيئا فوجدنا الأمر على خلاف ما كنا نظن، وهذه العبارة مأخوذة من المثل:"ما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة". جذام وحمير: قبيلتان من قبائل اليمن.
المعنى: كنا ظننا في قومنا -لما نعلمه من شجاعتهم ومقدرتهم الفائقة في الحرب- أنهم سيقهرون أعداءهم بمجرد اللقاء بهم، وأن أولئك الأعداء، سيهزمون حين يرون أنفسهم أمام شجعان لا قبل لهم بمنازلتهم؛ ولكننا وجدنا في الأعداء قدرة وصلابة وصمودا في المواجهة، وصبرا على النزال، لم يكن متوقعا؛ ولعل هذا البيت من خير ما قيل في إنصاف الخصوم.
الإعراب: كنا: فعل ماضٍ ناقص، واسمه، حسبنا: فعل ماضٍ يفيد الرجحان، و"نا" فاعل. كل: مفعول به أول لـ "حسب" بيضاء: مضاف إليه. شحمة: مفعول به ثانٍ. لاقينا: فعل ماضٍ، وفاعل. جذام: مفعول به. وحميرا: معطوف على "جذام" وجملة "لاقينا
…
" في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "حسبنا كل بيضاء شحمة".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "حسب" القلبي بمعنى الرجحان ونصبه مفعولين اثنين؛ الأول: كل؛ والثاني: شحمة.
1 هو: لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
رباحا، إذا ما المرء أصبح ثاقلا
وهو من كلمة طويلة للبيد عدتها اثنان وتسعون بيتا، وأولها قوله:
كبيشة حلت بعد عهدك عاقلا
…
وكانت له خبلا على النأي خابلا
=
وكقوله1: [الطويل]
180-
إخالك، إن لم تغضض الطرف، ذا هوى2
=
تربعت الأشراف ثم تصيفت
…
حساء البطاح وانتجعن المسايلا
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 249، وابن عقيل:"122/ 2/ 34"، والأشموني:"339/ 1/ 163" وهمع الهوامع: 1/ 149، والدرر اللوامع: 1/ 132، والعيني: 2/ 384، وديوان لبيد:146.
المفردات الغريبة: رباحا: أي ربحا. ثاقلا: أي ميتا؛ لأن الجسم يثقل إذا فارقته الروح.
المعنى: لقد علمت وتيقنت أن تقوى الله تعالى، والجود بالمال وبالنفس -إذا اقتضى الأمر- أحسن تجارة، تعود على الإنسان بخير ربح، إذا مات وفارق هذه الدنيا؛ وذلك لأنه سيجد ما أعده الله له خيرا وأعظم أجرا.
الإعراب: حسب: فعل ماضٍ بمعنى "علم"، والتاء: فاعل. التقى: مفعول به أول.
والجود: معطوف على المفعول الأول. خير: مفعول به ثانٍ. تجارة: مضاف إليه. رباحا: تمييز منصوب. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان متعلق بجوابه. ما: زائدة. المرء: فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ وهذا الفعل المحذوف ناقص محذوف الخبر؛ لأن مفسره "أصبح" فعل ناقص والجملة من "أصبح مع معموليها": في محل جر بالإضافة. أصبح: فعل ماضٍ ناقص، واسمه: هو. ثاقلا: خبر أصبح منصوب؛ وجملة "أصبح ثاقلا": مفسرة لا محل لها.
موطن الشاهد: "حسبت التقى
…
خير".
وجه الاستشهاد: استعمال فعل "حسب" بمعنى علم القلبي، ونصبه مفعولين اثنين؛ الأول: التقى. والثاني: خير؛ واستعمال "حسب" بهذا المعنى كثير شائع.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
يسومك ما لا يستطاع من الوجد
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 249، والأشموني:"313/ 1/ 155" وهمع الهوامع: 1/ 150 والدرر اللوامع: 1/ 133، والعيني: 2/ 385.
المفردات الغريبة: إخالك: أظنك، وهو بكسر الهمزة، مع أن القياس في همزة المضارعة فتحها، ولكن جمهور العرب كسروها في هذا الفعل ما عدا بني أسد فإنهم يفتحونها على القياس. تغضض الطرف: تصرف العين وتغمضها. ذا هوى: صاحب عشق. يسومك: يكلفك ويجشمك. الوجد: الهيام والحزن. =
وقوله2: [المنسرح]
181-
ما خلتني زلت بعدكم ضَمِنًا2
= المعنى: إني لأظنك -إن لم تصرف النظر عن الحسان ومفاتنهن- صاحب عشق وهيام؛ وعشقك وهيامك يجشمانك المصاعب، ويقودانك إلى ما لا تستطيع تحمله من تباريح الشوق والهوى.
الإعراب: إخالك: فعل مضارع "يفيد الرجحان"، والفاعل: أنا، والكاف: مفعوله الأول. إن: شرطية جازمة: لم: جازمة نافية، تغضض: فعل مضارع مجزوم؛ وهو فعل الشرط، والفاعل: أنت. الطرق: مفعول به. ذا: "بمعنى صاحب": مفعول به ثانٍ لـ "إخالك" وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة؛ وجملةُ جوابِ الشرط محذوفةٌ؛ لدلالة ما قبل الشرط عليها. هوى: مضاف إليه. يسومك: فعل مضارع، والفاعل: هو، يعود على هوى؛ والكاف: مفعول به أول. لـ "يسوم". ما: اسم موصول، مفعول به ثانٍ لـ "يسوم" لا: نافية. يستطاع: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل: هو، يعود إلى "ما"؛ وجملة "لا يستطاع من الوجد": صلة لـ "ما" لا محل لها، وجملة "يسومك ما لا يستطاع من الوجد": في محل جر صفة لـ "هوى". "من الوجد": متعلق بمحذوف حال من "ما"؛ وهو الأفضل.
موطن الشاهد: "إخالك ذا هوى".
وجه الاستشهاد: استعمال مضارع "خال" وهو فعل قلبي يفيد الرجحان، وقد نصب بهذا الفعل مفعولان اثنان؛ وهما: كاف الخطاب، وذا. واستعمال إخالك بهذا المعنى كثير شائع.
فائدة: القياس في همزة "إخالك" أن تكون مفتوحة في المضارع، نحو: خاف أخاف، ولكن العرب كسروا همزة المضارعة في هذا الفعل وحده باستثناء بني أسد؛ فهم يفتحونها على ما يقتضيه القياس فيقولون: أخالك، والوجهان جائزان باتفاق.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت -أنشده الجوهري عن خلف الأحمر- وعجزه قوله:
أشكو إليكم حموة الألم
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 249، والعيني: 2/ 386، واللسان "ضمن".
المفردات الغريبة: ضَمِنًا: زَمِنًا مُبتَلَىً. حموة الألم: شدته وسورته.
المعنى: يخاطب من فارقهم من الأحبة قائلا: ما ظننت أنني سأبقى بعد فراقكم وبعدكم عني مريضا أشكو مرارة الفراق ولوعة الأسى شوقا إليكم.
الإعراب: ما: نافية. خلتني: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل، والنون: للوقاية، والباء: مفعول به أول. زلت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. "بعدكم": متعلق بـ "ضمنا" المفعول الثاني لـ "خال". أشكو: فعل مضارع، والفاعل: أنا، وجملة "أشكو": في محل نصب خبر "زال". حموة: مفعول به لـ "أشكوا". الألم: مضاف إليه؛ ويجوز أن يكون "ضمنا" خبر "زال"، وجملة "أشكو": المفعول الثاني لـ "خال".
موطن الشاهد: "خلتني ضمنا".
وجه الاستشهاد: استعمال "خال" القلبي بمعنى الرجحان، وقد نصب هذا الفعل مفعولين اثنين؛ ياء المتكلم، وضمنا؛ كما أوضحنا في الإعراب؛ واستعمال خال بهذا المعنى كثير شائع كما أسلفنا.
تنبيهان: الأول: ترد علم بمعنى عرف، وظن بمعنى اتهم، ورأى بمعنى الرأي، أي: المذهب، وحجا بمعنى قصد، فيتعدين إلى واحد نحو:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} 1 {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضنِينٍ} 2 وتقول: "رأى أبو حنيفة حِلَّ كذا، ورأى الشافعي حرمته" و: "حجوت بيت الله"3.
وترد وجد بمعنى حزن أو حقد فلا يتعديان.
وتأتي هذه الأفعال وبقية أفعال الباب لمعانٍ أُخَر غير قلبية فلا تتعدى لمفعولين، وإنما لم يحترز عنها لأنها لم يشملها قولنا:"أفعال القلوب".
= مفعول به أول. زلت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه. "بعدكم": متعلق بـ "ضمنا" المفعول الثاني لـ "خال". أشكو: فعل مضارع، والفاعل: أنا، وجملة "أشكو": في محل نصب خبر "زال". حموة: مفعول به لـ "أشكوا". الألم: مضاف إليه؛ ويجوز أن يكون "ضمنا" خبر "زال"، وجملة "أشكو": المفعول الثاني لـ "خال".
موطن الشاهد: "خلتني ضمنا".
وجه الاستشهاد: استعمال "خال" القلبي بمعنى الرجحان، وقد نصب هذا الفعل مفعولين اثنين؛ ياء المتكلم، وضمنا؛ كما أوضحنا في الإعراب؛ واستعمال خال بهذا المعنى كثير شائع كما أسلفنا.
1 "16" سورة النحل، الآية:78.
موطن الشاهد: {لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تعلمون" بمعنى تعرفون؛ أي ليس قلبيا؛ ولذا نصب مفعولا واحدا، واكتفى به؛ ومفعوله "شيئا" كما هو واضح.
2 "81" سورة التكوير، الآية:24.
موطن الشاهد: "بِظَنِيْن".
وجه الاستشهاد: مجيء "ظنين" في الآية الكريمة -على قراءة الظاء- بمعنى متهم؛ والمعنى: وما هو على ما يأتيه من أخبار الغيب بمتهم، كما زعم المشركون.
3 قال الرضي: إن "رأى" التي من الرأي بمعنى الاعتقاد تتعدى أحيانا لاثنين، مثل: رأى أبو حنيفة كذا حلالا، ورأى الشافعي كذا حراما. وتارة تتعدى إلى واحد هو مصدر ثاني هذين الفعلين مضافا إلى أولهما، كما ذكر المصنف.
وقال الصبان: "وهذا صريح في جواز استعمال أفعال هذا الباب متعدية إلى واحد هو مصدر ثاني الجزأين مضافا إلى أولهما، من غير تقدير مفعول ثانٍ؛ لأن هذا المصدر هو المفعول به في الحقيقة؛ نحو: رأى أبو حنيفة حل كذا. شرح التصريح: 1/ 250، حاشية الصبان: 2/ 20.
الثاني: ألحقوا رأى الحلُمية1 برأي العلمية في التعدي لاثنين، كقوله2:[الوافر]
182-
أراهم رفقتي حتى إذا ما3
1 أي الدالة على الرؤيا المنامية.
2 القائل هو: عمرو بن أحمر الباهلي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
تجافى الليل وانخزل انخزالا
وبعد قوله:
إذا أنا كالذي يجري لوردٍ
…
إلى آل فلم يدرك بلالا
وهذان البيتان من قصيدة للشاعر يندب فيها رفاقه الذين فارقوه إلى الشام فصار يراهم في منامه وأولها:
أبت عيناك إلا أن تلحا
…
وتحتالا بما بهما احتيالا
كأنهما سُعَينَا مستغيث
…
يرجَّى طالعا بهما ثقالا
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 250، وهمع الهوامع: 1/ 150، والدرر اللوامع: 1/ 134 وابن عقيل: "131/ 2/ 53" والأشموني: "339/ 1/ 163".
المفردات الغريبة: رفقتي، الرفقة: الجماعة ينزلون جملة ويرتحلون جملة. تجافى الليل: زال، ذهب. انخزل: انطوى وانقطع. لورد، الورد: المنهل العذب الذي يشرب منه. آل: الآل: السراب وهو ما تراه وسط النهار، كأنه ماء، وليس بماء. بلالا: ما يبل به الحلق، والمراد هنا الماء.
المعنى: إن هؤلاء الأصحاب "أبو حنش وطلق وعمار وأثال" أراهم مجتمعين معي مناما؛ فإذا ما انطوى الليل، واستيقظت من نومي، لا أرى أحدا منهم؛ فأنا كالظمآن الذي يرى السراب، فيظنه ماء؛ حتى إذا جاءه، لم يجد شيئا، فيظل عطشا، ولم ينل مطلبا.
الإعراب: أراهم: فعل مضارع، والفاعل: أنا، و"هم": مفعول به أول. رفقتي: مفعول به ثان، والياء: مضاف إليه. حتى: ابتدائية. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، متضمن معنى الشرط. ما: زائدة. تجافى: فعل ماضٍ. الليل: فاعل مرفوع؛ وجملة "تجافى الليل": "فعل الشرط غير الجازم" في محل جر بالإضافة؛ وجواب إذا في أول البيت التالي: "إذا أنا كالذي
…
".
موطن الشاهد: "أراهم رفقتي".
وجه الاستشهاد: إعمال "أرى" مضارع "رأى" الحلمية؛ أي رأى في المنام عمل رأى؛ التي بمعنى "علم"؛ لما بينهما من تشابه؛ لأن الرؤيا إدراك بالحسن الباطن، كالعلم؛ ولهذا، نصب بالفعل مفعولين اثنين، كما بينا في الإعراب.
ومصدرها الرؤيا، نحو:{هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ} 1، ولا تختص الرؤيا بمصدر الحلمية، بل تقع مصدرا للبصرية، خلافا للحريري2 وابن مالك، بدليل:{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} 3، قال ابن عباس: هي رؤيا عين.
النوع الثاني: أفعال التصيير، كجعل، ورد، وترك، واتخذ، وتخذ، وصير، ووهب، قال الله تعالى:{فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} 4 {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ
رأى؛ التي بمعنى "علم"؛ لما بينهما من تشابه؛ لأن الرؤيا إدراك بالحسن الباطن، كالعلم؛ ولهذا، نصب بالفعل مفعولين اثنين، كما بينا في الإعراب.
1 "12" سورة يوسف، الآية:100.
موطن الشاهد: {رُؤْيَايَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "رؤيا" مصدرا لـ "رأى" الحلمية.
2 الحريري: هو أبو محمد: القاسم بن علي بن محمد الحريري، صاحب المقامات المشهورة، كان غاية في الذكاء والفطنة والبلاغة، وأحد أئمة عصره في اللغة، وذلك واضح من خلال مقاماته التي بزَّ بها الأوائل وأعجز الأواخر، له مصنفات أخرى مثل: درة الغواص في أوهام الخواص، وملحة الإعراب وشرحها في النحو، وله ديوان شعر، كان الحريري دميم الخلقة مبتلى بنتف لحيته، ولد سنة 446 ومات بالبصرة وله سبعون سنة وذلك سنة 516هـ. سير أعلام النبلاء: 19/ 460، معجم الأدباء: 16/ 261، بغية الوعاة: 2/ 257، خزانة الأدب: 6/ 462.
3 "17" سورة الإسراء، الآية:60.
موطن الشاهد: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الرؤيا" مصدرا لـ "رأى" البصرية؛ لأن الرؤيا هنا رؤيا عين، كما فسرها ابن عباس؛ غير أن المشهور استعمالها في الحلمية.
انظر شرح التصريح: 1/ 251.
ومن استعمالهم للرؤيا بمعنى رؤية قول الراعي النميري، يصف صيادا:
وكبر للرؤيا وهش فؤاده
…
وبَشَّرَ نفسا كان قبلُ يلومُها
4 "25" سورة الفرقان، الآية:23.
موطن الشاهد: {جَعَلْنَاهُ هَبَاءً} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "جعل" دالا على التحويل والانتقال من حالة إلى أخرى، فنصب مفعولين؛ الأول هاء الضمير العائد إلى عمل الكفار، والثاني: هباء؛ وهو ذرات التراب الصغيرة التي ترى في شعاع الشمس. ومنثورا: مبعثرا.
كُفَّارًا} 1 {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} 2 {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} 3، وقال الشاعر4:[الوافر]
183-
تخذت غراز إثرهم دليلا5.
1 "2" سورة البقرة، الآية:109.
موطن الشاهد: {يَرَدُّونَكُمْ
…
كُفَّارًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "يردونكم" مضارع رد الدال على التحويل والتصيير ناصبا لمفعولين؛ هما: الضمير المتصل "كم" و"كفارا"؛ والمعنى: ود الذين كفروا لو يصيرونكم كفارا.
2 "18" سورة الكهف، الآية:99.
موطن الشاهد: {تَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَمُوجُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "ترك" دالا على التصيير، فنصب مفعولين؛ الأول: بعضهم، والثاني: جملة "يموج"؛ ومن العلماء من ينصب بـ "ترك" مفعولا واحدا، وينصب الثاني على الحال.
3 "4" سورة النساء، الآية:125.
موطن الشاهد: {اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "اتخذ" ناصبا لمفعولين؛ أصلهما مبتدأ وخبر، كما في الآيات السابقة؛ فـ "إبراهيم" المفعول الأول، و"خليلا": المفعول الثاني.
4 الشاعر: هو: أبو جندب بن مرة الهذلي؛ أخو أبي خراش الهذلي.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وفرُّوا في الحجاز ليعجزوني
وهو ثالث ثلاثة أبيات يقولها في بني لحيان:
لقد أمسى بنو لحيان مني
…
بحمد الله في خزي مبين
جزيتهم بما أخذوا تلادي
…
بني لحيان كُلًّا فاخِرُوني
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 252، والأشموني:"329/ 1/ 158" والعيني: 2/ 400 وديوان الهذليين: 3/ 90.
المفردات الغربية: غراز: اسم واد، وقيل اسم جبل. إثرهم: عقب رحيلهم. ليعجزوني: ليغلبوني، وذلك بأن يفلتوا مني فلا أدركهم.
المعنى: يذم الشاعر بني لحيان -وكانت بينه وبينهم خصومة- فيقول: تتبعت أثرهم بعد رحليهم؛ ولكنهم فروا إلى الحجاز؛ ليعجزوني؛ فلا أدركهم.
الإعراب: تخذت: فعل ماضٍ وفاعل "وفعل تخذت دال على التصيير وهو بمعنى =
وقال1: [مشطور الرجز]
184-
فصيروا مثل كعصف مأكولْ2
= جعل في هذا البيت. غراز: مفعول به أول؛ وهو ممنوع من الصرف على إرادة البقعة؛ وهي مؤنثة. إثرهم: ظرف متعلق بـ "تخذت" ومضاف إليه. دليلا: مفعول به ثانٍ لـ "تخذت". في الحجاز": متعلق بـ "فروا"؛ وفي هنا بمعنى "إلى". ليعجزوني: اللام للتعليل، يعجزوني: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام كي، وعلامة نصبه حذف النون، والواو: فاعل، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل جر بلام التعليل؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ "فر"؛ وتقدير الكلام: وفروا إلى الحجاز لإعجازهم إياي من اللحاق بهم.
موطن الشاهد: "تخذت غراز دليلا".
وجه الاستشهاد: مجيء "تخذ" فعلا دالا على التصيير، ونصبه مفعولين اثنين؛ الأول؛ غراز، والثاني: دليلا، كما أوضحنا في الإعراب.
1 القائل: هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من السريع الموقوف بسكون لام مأكول، أو من مشطور الرجز. وصدره قوله:
ولعبت طير بهم أبابيلْ
وقبل الشاهد قوله:
ومسهم ما مس أصحاب الفيلْ
…
ترميهمُ حجارة من سِجِّيلْ
وهما في ذكر أصحاب الفيل وما حل بهم من الهلاك، وينسبهما بعض النحاة إلى حميد الأرقط. والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 252، 2/ 172، والأشموني:"328/ 1/ 158"، وهمع الهوامع: 1/ 150 والدرر اللوامع: 1/ 132، ومغني اللبيب:"324/ 238"، والسيوطي: 171 والكتاب لسيبويه: 1/ 203، والمقتضب: 4/ 141، 350، وخزانة الأدب: 4/ 270 والعيني: 2/ 402، وسيرة ابن هشام "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 56، وملحقات ديوان رؤبة:181.
المفردات الغريبة: أبابيل: جماعات وفرق، واحدة إبول؛ أو أبيل، وقيل: لا واحد له. كعصب، العصب: الزرع الذي أكل حبه، وبقي تبنه وورقه، وقيل: التبن.
المعنى: يصف الشاعر قوما أبيدوا واستؤصلوا، فلم يبق لهم أثر يذكر؛ ولعله يشير إلى قصة أصحاب الفيل؛ فشبههم بالزرع الذي عبثت به جماعات الطيور؛ فأكلت حبه؛ ولم تترك منه غير ورقه الجاف. =
وقالوا: "وَهَبَنِي الله فداك"1 وهذا ملازم للمضي.
[أحكام ظن وأخواتها من حيث الإعمال والإلغاء والتعليق] :
فصل: لهذه الأفعال ثلاثة أحكام:
أحدها: الإعمال، وهو الأصل، وهو واقع في الجميع2.
الثاني: الإلغاء، وهو: إبطال العمل لفظا ومحلا، لضعف العامل بتوسطه أو تأخره، كـ:"زيد ظننت قائم" و: "زيد قائم ظننت"3 قال4: [البسيط]
= الإعراب: صيروا: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والواو: نائب فاعل؛ وهي المفعول الأول. مثل: مفعول به ثانٍ لـ "صيروا". كعصف: الكاف اسم بمعنى مثل، توكيد لـ "مثل" المذكورة؛ وعصف: مضاف إليه؛ أو الكاف زائدة، وعصف: مضاف إلى مثل؛ وقد فصل بين المتضايفين بالكاف؛ وهذا جائز.
موطن الشاهد: "صيروا مثل".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "صير" بمعنى التحويل من حالة إلى حالة، فنصب مفعولين؛ "واو الجماعة" الذي ناب عن الفاعل بعد بناء الفعل للمجهول، و"مثل"، كما بينا في الإعراب.
1 قول لبعض العرب، حكاه ابن الأعرابي، ومعنى وهبني: صيرني.
2 أي في أفعال القلوب، وفي أفعال التصيير؛ سواء منها المتصرف والجامد على النحو الذي ذكر، وقد مر أن الأفعال القلبية متصرفة إلا فعلين هما:"تعلم" بمعنى اعلم، و"هب" بمعنى ظن، والذي يعمل من المتصرف هو الماضي وحده في الغالب، أما أفعال التصيير فالجامد منها هو "وهب". ويلزمه المضي كما سبق.
شرح التصريح: 1/ 253.
3 المثال الأول، يدل على توسط العامل الملغى بين المبتدأ والخبر؛ وهما مفعولاه قبل أن يلغى والمثال الثاني؛ يدل على تأخر العامل الملغى عنهما؛ والإلغاء في هاتين الحالتين جائز، وليس واجبا، كما سيتضح لنا لاحقا.
4 القائل هو: منازل بن ربيعة المنقري، وقيل ابن زمعة؛ والمعروف باللعين المنقري؛ وذلك لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمعه ينشد شعرا والناس يصلون، فقال: من هذا اللعين؟ فعلقت عليه، وكنية اللعين هذا، أبو أكيدر، وهو شاعر إسلامي هجاء، مبغض للضيوف، وذلك ظاهر في شعره.
الشعر والشعراء: 1/ 499، والاشتقاق: 153، والخزانة: 1/ 530.
185-
وفي الأراجيز -خِلُت- اللؤمُ والخورُ1
وقال2: [الطويل]
186-
هُمَا سَيِّدَانا يزعمان؛ وإنما3
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
أبالأراجيز يا ابن اللوم توعدني؟
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 253، وهمع الهوامع: 1/ 153 وفيه:
وفي الأراجيز خلت اللؤم والفشل
والدرر اللوامع: 1/ 135، والكتاب لسيبويه: 1/ 61، وشرح المفصل: 7/ 84، 7/ 85 وقطر الندى:"71/ 232"، والخزانة: 1/ 125 عرضا، وذكر أن الصواب: "
…
والفشل".
المفردات الغريبة: الأراجيز: جمع أرجوزة، وهي ما كان من الشعر من بحر الرجز، وقد كان من الشعراء من لا يقول غير الرجز، كالعجاج، وابنه رؤبة، ومنهم من يقول الشعر لا غير. وآخرون يقولون النوعين. توعدني: تتهددني. اللؤم: دناءة الأصل وشحُّ النفس. الخور: الضعف.
المعنى: أتتهددني بالأراجيز، يا دنيء الأصل، ويا وضيع النسب؟ وفي هذه الأراجيز الدناءة والضعف. "ربما لأن الرجز لا ينزل منزلة الشعر في نظره"؛ وجعله ابنا للوم مبالغة في هجائه.
الإعراب: أبالأراجيز: الهمزة للاستفهام. "بالأراجيز": متعلق بـ "توعدني". يابن اللؤم: حرف نداء، ومنادى مضاف منصوب، ومضاف إليه، وجملة النداء معترضة بين الجار والمجرور ومتعلقه. توعدني: فعل مضارع، والنون للوقاية، والياء: مفعول به، والفاعل: أنت. وفي الأراجيز: الواو حالية. "في الأراجيز": متعلق بمحذوف خبر مقدم. خلت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "خلت": اعتراضية، لا محل لها؛ لأنها اعترضت بين المبتدأ والخبر. اللؤم: مبتدأ مؤخر. والخور: معطوف على اللؤم مرفوع مثله؛ وجملة "في الأراجيز اللؤم والخور": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "في الأراجيز خلت اللؤم".
وجه الاستشهاد: توسط فعل "خال" بين المبتدأ "اللؤم" والخبر "الأراجيز"؛ ولما توسط الفعل بينهما، ألغي عمله فيهما؛ إذ لولا توسطه؛ لنصبهما؛ والتقدير: وخلت اللؤم والخور في الأراجيز؛ فاللؤم: مفعول أول، ومحل الجار المفعول الثاني.
2 القائل هو: أبو أسيدة الدبيري؛ ولم أعثر له على ترجمة وافية.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
يسوداننا إن أيسرت غنماهما
=
وإلغاء المتأخر أقوى من إعماله1، والمتوسط بالعكس2، وقيل: هما في المتوسط بين المفعولين سواء.
الثالث: التعليق، وهو إبطال العمل لفظا لا محلا3؛ لمجيء ما له صدر
= ويُروى قبله:
وإن لنا شيخين لا ينفعاننا
…
غنيين لا يجدي علينا غناهما
والبيت رواه ابن السكيت في كتاب الألفاظ ثاني أربعة أبيات: 135، والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 254، وهمع الهوامع: 1/ 153، والدرر اللوامع: 1/ 135 والعيني: 2/ 403، واللسان "يسر".
المفردات الغريبة: يزعمان: يظنان، أيسرت غنماهما: كثرت ألبانها ونسلها.
المعنى: لنا في قومنا شيخنا غنيان، قد طعنا في السن، لا يعود علينا من غناهما شيء، مع ذلك، فهما يظنان أنهما سيدانا وصاحبا الأمر والنهي فينا.
الإعراب: هما: مبتدأ. سيدانا: خبر ومضاف إليه. يزعمان: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، لأنه من الأفعال الخمسة، والألف في محل رفع فاعل. وإنما: أداة حصر. يسوداننا: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو: فاعل: و"نا" مفعول به. إن: شرطية جازمة. أيسرت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. وأيسرت: في محل جزم فعل الشرط. غنماهما: فاعل "أيسر" مرفوع، وعلامة رفعه الألف، و"هما": مضاف إليه؛ وجواب الشرط محذوف لدلالة سياق الكلام عليه.
موطن الشاهد: "هما سيدانا يزعمان".
وجه الاستشهاد: إلغاء عمل فعل "يزعم" القلبي؛ لتأخره عن مفعوليه؛ فارتفعا على أصلهما؛ وأصلهما -كما هو معلوم- المبتدأ والخبر؛ وإلغاء عمل الفعل في حالة تأخره عن عامليه أكثر من أعماله، كما هو واضح في المتن.
1 وذلك لضعفه بالتأخر، ويشترط لجواز الأمرين: عدم انتفاء العامل، وإلا وجب الإعمال نحو: محمدًا مسافرا لم أدر، وكون العامل غير مصدر نحو: علي مجد ظني، وألا تدخل على الاسم لام الابتداء نحو: لرأيك ناضج خلت، وإلا وجب الإلغاء في الموضعين. ويرى بعضهم أن الثاني من باب التعليق؛ وتأخير الفعل مع وجود المعلق، لا يمنع التعليق.
2 أي أن الإعمال أقوى من الإهمال، ومحل هذا إذا لم تتقدم على الاسم لام الابتداء، وإلا وجب الإلغاء. وإذا كان الفعل منفيا تعين الإعمال كما سبق.
3 أي أن العامل يمنع من العمل الظاهر -وهو النصب في لفظ المفعولين أو أحدهما- ولكنه في التقدير عامل؛ وذلك بسبب مانع يحول بينه وبين العامل الظاهر. وسمي هذا النوع من العمل تعليقا؛ لأن العامل متعلق بالمحل ومقدر عمله فيه، وإن بطل عمله في اللفظ بسبب هذا المانع كما سترى. واعلم أن الجملة في حال التعليق لفظها مرفوع ولكنها في محل نصب، فإذا عطفت عليها: جاز مراعاة لفظها برفع المعطوف، وجاز نصبه مراعاة لمحلها. أما في حالة الإلغاء فالجملة، لا محل لها من الإعراب، ولا يعطف عليها إلا بالرفع تبعا للفظها.
شرح التصريح: 1/ 254.
الكلام بعده، وهو: لام الابتداء، نحو:{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 1، ولام القسم، كقوله2:[الكامل]
187-
ولقد علمت لتأتين منيتي3
1 "2" سورة البقرة، الآية:102.
موطن الشاهد: {عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} .
وجه الاستشهاد: وقوع فعل "علم" القلبي معلقا عن العمل لدخول لام الابتداء على المبتدأ والخبر؛ ولام الابتداء، لا يعمل ما قبلها فيما بعدها وإلا فقدت صدارتها؛ فاللام: حرف ابتداء. من: اسم موصول، مبتدأ أول. وجملة "اشتراه": صلة، لا محل لها. وما: نافية. "له": متعلق بخبر مقدم محذوف. من: زائدة. خلاف: مبتدأ ثانٍ مؤخر؛ وجملة "ما له من خلاق": في محل رفع خبر المبتدأ الأول؛ وجملة المبتدأ الأول وخبره، سدت مسد مفعولي "علم" المعلق عن العمل في اللفظ فقط، بسبب لام الابتداء التي لا يتخطاها العامل كما أسلفنا. وانظر شرح التصريح: 1/ 254.
2 القائل هو: لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
إن المنايا لا تطيش سهامها
وهو من معلقة لبيد، والتي مطلعها قوله:
عفت الديار محلها فمقامها
…
بمنى تأبد غولها فرجامها
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 254، 255، 259، والأشموني:"336/ 1/ 161"، وهمع الهوامع: 1/ 154، والدرر اللوامع: 1/ 137، والكتاب لسيبويه: 1/ 456، وخزانة الأدب: 4/ 13، 332، ومغني اللبيب:"747/ 524""754/ 532" والعيني: 2/ 405 وشذور الذهب: "185/ 481"، وقطر الندى:"73/ 235".
المفردات الغريبة: منيتي، المنية: الموت. لا تطيش: لا تخيب ولا تخطئ، يقال: طاش السهم، إذا لم يصب الهدف. سهامها: جمع سهم. =
وما النافية نحو: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} 1.
ولا وإن النافيتان في جواب قسم ملفوظ به أو مقدر2، نحو:"علمت والله لا زيد في الدار ولا عمرو" و: "علمت إن زيد قائم".
= المعنى: لقد أيقنت أن منيتي ستأتيني وسألاقي الموت حتما، لأن الموت نازل لا محالة بكل إنسان، لا يفلت منه أحد، ولا تطيش سهامه.
الإعراب: ولقد: الواو حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف؛ والتقدير والله لقد علمت. لقد: اللام واقعة في جواب القسم، قد: حرف تحقيق. علمت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "علمت": جواب القسم، لا محل لها. لتأتين: اللام واقعة في جواب قسم مقدر آخر، تأتين: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. منيتي: فاعل مرفوع، والياء مضاف إليه؛ وجملة "تأتين منيتي": سدت مسد مفعولي "علم" المعلق عن العمل بسبب لام القسم؛ هذا؛ ويجوز أن تكون اللام المقترنة بـ "قد" الموطئة للقسم تفيد التوكيد، واللام في لتأتين: واقعة في جواب القسم؛ وجملة "لتأتين"؛ جواب القسم، لا محل لها. أن: حرف مشبه بالفعل. المنايا: اسمه. لا: نافية. تطيش: فعل مضارع. سهامها: فاعل ومضاف إليه؟ وجملة "لا تطيش سهامها": في محل رفع خبر "إن".
موطن الشاهد: "علمت لتأتين منيتي".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "علم" القلبي معلقا عن العمل؛ لوقوعه قبل لام جواب القسم؛ ولذا علق عن العمل في لفظ الجملة فقط؛ ولولا وجود لام القسم لنصب المفعولين؛ والتقدير: ولقد علمت منيتي آتية؛ بنصب "منيته" نصبا تقديريا، على أنه المفعول الأول، ونصب آتية نصبا ظاهرا على أنه المفعول الثاني؛ وقد ذكر صاحب شرح التصريح تعليقا حول جملة جواب القسم، وهل لها محل أو لا في مثل هذا الشاهد يفضل العودة إليه؛ وإلى حاشية الصبان معا لمعرفة مراده. شرح التصريح: 1/ 255، وحاشية الصبان: 2/ 30.
1 "21" سورة الأنبياء، الآية:65.
موطن الشاهد: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} .
وجه الاستشهاد: علق فعل "علم" عن العمل في الجملة بعده لفظا، لأنه وقع قبل "ما" النافية؛ فـ "ما" نافية. هؤلاء: مبتدأ. جملة "ينطقون": خبر؛ والجملة من "المبتدأ والخبر": في محل نصب، سدت مسد مفعولي "علم".
2 لأن لهما الصدارة حينئذ، ويرى البعض عدم اشتراط القسم قبل كل أداة من الثلاثة؛ لعدم وروده في الأساليب الفصيحة، ولا فرق في الأحرف الثلاثة بين العاملة منها؛ والمهملة؛ فكلها مع الأهمال أو الإعمال صالحة؛ لأن تكون أداة تعليق.
والاستفهام، وله صورتان:
إحداهما: أن يعترض حرف الاستفهام بين العامل والجملة، نحو:{وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُون} 1.
والثانية: أن يكون في الجملة اسم استفهام: عمدة كان، نحو:{لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} 2، أو فضلة، نحو:{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} 3.
1 "21" الأنبياء، الآية:109.
موطن الشاهد: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُون} .
وجه الاستشهاد: اعترضت همزة الاستفهام بين الفعل القلبي "أدري" وبين معموليه؛ فعلقت عن العمل لفظا لا معنى؛ فـ قريب: مبتدأ، بعيد: معطوف عليه: ما: خبر المبتدأ والجملة من "المبتدأ والخبر": في موضع نصب، سدت مسد مفعولي "أدري" المعلق.
2 "18" سورة الكهف، الآية:12.
موطن الشاهد: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} .
وجه الاستشهاد: علق فعل "نعلم" عن العمل لفظا؛ لوقوعه قبل اسم الاستفهام العمدة؛ فأي: مبتدأ، وأحصى: خبر "إن كانت اسم تفضيل" وفي محل رفع خبر إن كانت فعلا ماضيا؛ وجملة: "أيُّ الحزبين أحصى" في موضع نصب سدت مسد مفعولي "نعلم" المعلق.
3 "26" سورة الشعراء، الآية:227.
موطن الشاهد: {سَيَعْلَمُ
…
أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} .
وجه الاستشهاد: علق فعل "يعلم" عن العمل لفظا؛ لأنه تلي بـ "أي" اسم الاستفهام، وهو لا يعمل فيه ما قبله؛ فـ "أي" مفعول مطلق مقدم من تأخير، والعامل فيه "ينقلبون"؛ والأصل؛ ينقلبون أي منقلب؛ وليست "أي" مفعولا به لـ "يعلم" كما يتوهم المبتدئون -لما ذكرنا- وجملة ينقلبون معلق عنها العامل؛ فهي في محل نصب سدت مسد مفعولي "يعلم".
لا يدخل الإلغاء والتعليق في أفعال التصيير] :
ولا يدخل الإلغاء ولا التعليق في شيء من أفعال التصيير1، ولا في قلبي جامد2، وهو اثنان: هب، وتعلم3، فإنهما يلزمان الأمر، وما عداهما من أفعال الباب متصرف إلا وهب، كما مر.
ولتصاريفهن ما لهن، تقول في الإعمال:"أظن زيدا قائما" و: "أنا ظانٌّ زيدا قائما"، وفي الإلغاء4:"زيد أظن قائم، وزيد قائم أظن، وزيد أنا ظانٌّ قائم، وزيد قائم أنا ظانٌّ" وفي التعليق: "أظن ما زيد قائم، وأنا ظانٌّ ما زيد قائم".
[الفرق بين الإلغاء والتعليق] :
[وقد تبين مما قدمناه أن الفرق بين الإلغاء والتعليق من وجهين] :
أحدهما: أن العامل الملغى لا عمل له البتة، والعامل المعلق له عمل في المحل، فيجوز:"علمت لزيد قائم وغير ذلك من أموره" بالنصب عطفا على المحل5.
1 لقوتها، لأن متناولها الذوات لا الأحداث، وأثرها ظاهر في الغالب؛ فهي قوية في العمل.
2 لضعفه بعدم التصرف، فلا يضم إلى ذلك ضعف آخر بإلغائه أو تعليقه.
3 ذهب الكثيرون من النحاة: إلى أن "تعلم" تتصرف وهو الراجح؛ فقد حكى ابن السكيت؛ تعلمت أن فلانا خارج، وعلى ذلك يدخلها الإلغاء والتعليق.
4 المراد بالتصاريف: المضارع، والأمر، واسم الفاعل، واسم المفعول، والمصدر؛ ويلاحظ أن المصدر يجب فيه الإلغاء إذا تقدم عليه معمولاه، أو أحدهما؛ بأن تأخر أو توسط؛ لأنه يعمل فيما قبله، كما تقدم في موضعه.
5 للعلماء خلاف في الجملة المعلق عنها بأحد المعلقات التي ذكرها المؤلف -إلا الاستفهام- ولهم في ذلك ثلاثة مذاهب: أولها: أن لهذه الجملة محلا من الإعراب؛ وأن هذا المحل، هو النصب، وهذا مذهب سيبويه وسائر البصريين وابن كيسان، وهو الذي يجري عليه كلام المؤلف ههنا، والثاني: أنه لا محل لها من الإعراب، وأنها جواب قسم مقدر بينها وبين الفعل المعلق، فإذا قلت "علمت لزيد قائم" فتقدير الكلام: علمت والله لزيد قائم، وهذا مذهب الكوفيين.
الثالث: أن الجملة المعلق عنها، لا محل لها من الإعراب، بسبب كونها جواب =
قال3: [الطويل]
188-
وما كانت أدري قبل عزة ما البكى
…
ولا موجعات القلب حتى تولت1
= قسم، لكن هذا القسم مدلول عليه بنفس الفعل المعلق، وليس مدلولا عليه بشيء محذوف، كما زعم الكوفيون، وهذا مذهب المغاربة من النحويين، وممن ذهب إليه ابن عصفور.
واعلم أنه إنما يعطف على محل الجملة المعلق عنها جملة أو مفردا في معنى الجملة. شرح التصريح: 1/ 257.
فائدة: لا فرق في الاستفهام العمدة -من حيث التعليق- بين المبتدأ، أو الخبر، كما في قولك: علمت متى السفر؟، أو المضاف إليه المبتدأ، نحو: علمت أبو من زيد، أو خبرا كذلك؛ نحو: علمت صبيحة أي يوم سفرك.
انظر شرح التصريح: 1/ 256.
1 القائل هو كثير بن عبد الرحمن، المعروف بكثير عزة. وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 257، والأشموني:"338/ 1/ 162" وقطر الندى: "74/ 237" وشذور الذهب: "187/ 486" ومغني اللبيب: "771/ 546"، وديوان كثير: 1/ 27.
المفردات الغريبة: أدري: أعلم. عزة: اسم محبوبة الشاعر: موجعات: جمع موجعة: أي مؤلمة.
المعنى: ما كنت أعلم قبل أن أعرف عزة وأهواها، أي شيء وهو البكى؛ لأنني كنت خالي القلب، وما كانت أعلم الأمور المؤلمة؛ لكوني مرتاح الخاطر، حتى ذهبت وفارقتني.
الإعراب: ما: نافية. كنت: فعل ماضٍ ناقص، واسمه. أدري: فعل مضارع، "والفاعل" أنا؛ وجملة "أدري": في محل نصب خبر "كان". "قبل": متعلق بـ "أدري". عزة: مضاف إليه؛ مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. ما: اسم استفهام، مبتدأ. البكي: خبر. ولا موجعات: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. موجعات: اسم معطوف على محل "ما البكى" منصوب، وعلامة نصبه الكسرة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. حتى: حرف غاية وجر. تولت: فعل ماضٍ، والفاعل: هي، والتاء: للتأنيث؛ والمصدر المؤول من "أن المقدرة قبل تولت مع ما بعدها": في محل جر بـ "حتى"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بالنفي الذي دل عليه "ما" في قوله "ما كنت أدري".
موطن الشاهد: "أدري ما البكى ولا موجعات".
وجه الاستشهاد: علق الفعل القلبي "أدري" عن العمل؛ لأن المبتدأ بعده اسم استفهام؛ ومعلوم أن اسم الاستفهام لا يعمل ما قبله فيه؛ لأن رتبته التصدير؛ غير أن الفعل عمل النصب في محل الجملة؛ ودليل ذلك، عطف "موجعات" المنصوب على محلها. وأعرب بعضهم:"ولا موجعات" كالآتي:
الواو حالية. لا: نافية للجنس. موجعات: اسمها والخبر محذوف. وأعرب بعضهم "ما البكى" كالتالي:
ما: زائدة. البكى: مفعول به؛ والأصل: لا أدري البكى، ولا أدري موجعات القلب؛ فيكون من باب عطف الجمل ولا شاهد فيه على الوجهين؛ والأرجح ما ذهبنا إليه في إعراب البيت. وانظر شرح التصريح: 1/ 257.
والثاني: أن سبب التعليق موجب، فلا يجوز:"ظننت ما زيدا قائما" وسبب الإلغاء مجوِّز1، فيجوز:"زيدًا ظننتُ قائما" و"زيدا قائما ظننت".
ولا يجوز إلغاء العامل المتقدم2، خلافا للكوفيين والأخفش، واستدلوا بقوله3:[البسيط]
189-
أني رأيت ملاك الشيمة الأدب4
1 هناك بعض الحالات التي يجب فيها الإعمال؛ منها: إذا كان الناسخ منفيا، سواء كان متأخرا عن المفعولين، أم متوسطا بينهما، نحو:"شتاء باردا لم أظن"، "شتاء لم أظن باردا"، ويجب الإهمال إذا كان العامل مصدرا متأخرا نحو: المطر قليل- ظني غالب؛ لأن المصدر المتأخر لا يعمل في شيء متقدم عليه؛ وكذلك إذا كان في المفعول المتقدم لام ابتداء أو غيرها من ألفاظ التعليق، نحو: لمحمد مكافح ظننت. أو إذا وقع الناسخ بين اسم إن وخبرها، نحو: إن التردد حسبت مضيعة.
2 هذا مذهب البصريين. وعليه جرى ابن مالك. ومن الفروق بين الإلغاء والتعليق: أن الإلغاء يؤثر في المفعولين معا. أما التعليق فقد يكون أثره على المفعولين أو على أحدهما. والإلغاء لا يجوز في توابعه إلا مراعاة الناحية الظاهرة. أما التعليق فيجوز في توابعه مراعاة الناحية اللفظية، والناحية المحلية كما سبق.
3 القائل: رجل من بني فزارة.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
كذاك أدبت حتى صار من خلقي
وقبله قوله:
أكنيه حين أناديه لأكرمه
…
ولا ألقبه والسوأة اللقب
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 258، وابن عقيل:"130/ 2/ 49"، والأشموني:"335/ 1/ 160" وهمع الهوامع: 1/ 153، والدرر اللوامع: 1/ 135، والمقرب: 22، والخزانة: 4/ 5 والعيني: 2/ 411، وشرح التبريز على الحماسة "تحقيق: =
........................................................................
= محمد محيي الدين عبد الحميد": 3/ 147، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 1146. وهي برواية "الأدبا".
المفردات الغريبة: كذاك: اسم الإشارة، يراد به مصدر الفعل المذكور بعده أي تأديبا مثل ذلك التأديب المعبر عنه في قوله: "أكنيه حين
…
". ملاك الشيء: قوامه الذي يملك به. الشيمة. الخلق، والجمع: الشيم.
المعنى: أدبت أدبا مثل ذلك الأدب العظيم؛ حتى من شيمتي وطبعي الإيمان بأن رأس الأخلاق، وملاك الفضائل الإنسانية هو الأدب.
الإعراب: كذاك: "الكاف" اسم بمعنى مثل، صفة لمحذوف واقع مفعولا مطلقا من "أدبت" الذي بعده، واسم الإشارة: مضاف إليه؛ أو الكاف: حرف جر، واسم الإشارة: اسم مجرور؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف صفة لمصدر محذوف واقع مفعولا مطلقا لـ "أدبت"؛ والتقدير: أدبت تأديبا مثل هذا التأديب. أدبت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل. حتى: ابتدائية. صار: فعل ماضٍ ناقص. "من خلقي": متعلق بمحذوف خبر "صار" المقدم، والياء: مضاف إليه، أني: حرف مشبه واسمه وجدت: فعل ماضٍ وفاعل؛ وجملة "وجدت" في محل رفع خبر "أن"؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل رفع اسم "صار". ملاك: مبتدأ. الشيمة: مضاف إليه. الأدب: خبر مرفوع؛ وجملة "ملاك الشيمة الأدب": في محل نصب، سدت مسد مفعولي "وجد" على تقدير لام ابتداء، علقت هذا الفعل عن العمل في لفظ جزأي الجملة؛ والأصل: وجدت لملاك الشيمة الأدب؛ أو الجملة في محل نصب مفعولا ثانيا لفعل "وجد"؛ ومفعوله الأول: ضمير الشأن المحذوف؛ والتقدير: وجدته -أي الحال والشأن- ملاك الشيمة الأدب.
مواطن الشاهد: "وجدت ملاك الشيمة الأدب".
وجه الاستشهاد: إلغاء الفعل "وجد" مع تقدمه على معموليه؛ إذ لو أعمله؛ لنصب به "ملاك" و"الأدب" على أنهما مفعولان؛ ولكن رواية البيت برفعهما؛ وفي هذا الشاهد خلاف بين النحويين؛ فمذهب الكوفيون إلى أن ما جاء في هذا الشاهد وأمثاله من باب الإلغاء؛ لأن الإلغاء -عندهم- جائز مع تقدم العامل، كجوازه في التوسط والتأخر؛ والعلة في ذلك، أن أفعال القلوب ضعيفة عن بقية الأفعال المتعدية، وهذا الإلغاء أثر من آثار ضعفها. وأما البصريون فخرجوا هذا الشاهد وأمثاله على ثلاثة احتمالات، ذكرها المؤلف في المتن بعد ذكر الشاهد التالي؛ ورأي الكوفيون أسلم من رأي البصريين في هذه المسألة؛ لأن الأصل؛ وإلا تصبح دلالة الشواهد غير موثوق بها ولا مطمأن إليها؛ لأن التأويل في كل كلام ممكن. وانظر تفصيل هذه المسألة في شرح التصريح: 1/ 258، وشرح ابن عقيل:"ط. دار الفكر": 1/ 342-344.
وقوله1: [البسيط]
190-
وما إخال لدينا منك تنويل2
1 القائل: هو كعب بن زهير بن أبي سلمة، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
أرجو وآمل أن تدنو مودتها
والبيت من القصيدة المشهورة في مدح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والتي مطلعها قوله:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
…
متيم إثرها لم يفد مكبول
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 258، وابن عقيل 129/ 2/ 47، والأشموني:"334/ 1/ 160" والخزانة: 4/ 7، والعيني: 2/ 412، وهمع الهوامع: 1/ 53، 153، والدرر اللوامع: 1/ 31، 136، وديوان كعب بن زهير: 9، وفيه برواية "تعجيل".
المفردات الغريبة: تدنو: تقرب. تنويل: إعطاء.
المعنى: إني لأرجو أن تدنو مودتها، وتقرب محبتها، وما أظن أني سأصل منك إلى أي عطاء أو تنويل.
الإعراب: أرجو وآمل: فعلان مضارعان، والفاعل فيهما: أنا. أن: حرف ناصب. تدنو: فعل مضارع منصوب بـ "أن" وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الواو؛ منع من ظهورها السكون العارض لضرورة الشعر. مودتها: فاعل ومضاف إليه؛ و"ها": عائد إلى سعاد. وما: الواو عاطفة. ما: نافية. إخال: فعل مضارع والفاعل أنا. "لدينا": متعلق بمحذوف خبر مقدم، و"نا": مضاف إليه. "منك": متعلق بمحذوف حال من ضمير الخبر. تنويل: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل نصب مفعولا به ثانيا لـ "إخال"؛ والمفعول الأول: ضمير شأن محذوف على مذهب البصريين.
موطن الشاهد: "وما إخال لدينا منك تنويل".
وجه الاستشهاد: ظاهر البيت يوحي بإلغاء العامل "إخال" مع تقدمه على معموليه؛ وبهذا الظاهر أخذ نحاة الكوفة؛ لأنهم يجوزون إلغاء أفعال القلوب، مع تقدمها؛ لضعفها، كما بينا في الشاهد السابق، ولكن نحاة البصرة أولوا البيت بما يخرجه عن استشهاد الكوفيين، ولهم فيه توجيهات عدة؛ ذكرها المؤلف في المتن وأعربنا الشاهد على الوجه الثالث منها؛ وهو اعتبار "إخال" عاملة في مفعولين؛ الأول محذوف؛ وهو ضمير الشأن، والثاني جملة.
وأجيب بأن ذلك محتمل لثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون من التعليق بلام الابتداء المقدرة، والأصل:"لملاك" و: "للدينا" ثم حذفت وبقي التعليق.
والثاني: أن يكون من الإلغاء؛ لأن التوسط المبيح للإلغاء ليس التوسط بين المعمولين فقط، بل توسط العامل في الكلام مقتضٍ أيضا، نعم الإلغاء للتوسط بين المعمولين أقوى، والعامل هنا قد سبق بأني وبما النافية، ونظيره "متى ظننت زيدا قائما" فيجوز فيه الإلغاء.
والثالث: أن يكون من الإعمال على أن المفعول الأول محذوف، وهو ضمير الشأ،، والأصل:"وجدته" و: "إخاله" كما حذف في قولهم: "إن بك زيد مأخوذ".
[جواز حذف المفعولين اختصارا] :
فصل: ويجوز بالإجماع حذف المفعولين اختصارا1، أي: لدليل، نحو:{أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُون} 2، وقوله3:[الطويل]
191-
بأي كتاب أم بأية سنة
…
ترى حبهم عارا علي وتحسب4
1 المراد بالحذف اختصارا: حذف ما يمكن الاستغناء عنه، من الألفاظ؛ لداع يقتضيه؛ وهو جائز بشرط وجود دليل، يدل على المحذوف؛ وألا يترتب على الحذف فساد في المعنى أو في الصياغة اللفظية.
2 "28" سورة القصص، الآية:74.
موطن الشاهد: {تَزْعُمُونَ} .
وجه الاستشهاد: حذف مفعولي "تزعمون"؛ لدلالة ما قبلهما؛ والتقدير: أين شركائي الذين كنتم تزعمونهم شركائي؟ أو تزعمون أنهم شركائي.
3 القائل: هو الكميت بن زيد الأسدي، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة هاشمية للكميت؛ يمدح فيها آل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأولها قوله:
طربت، وما شوقا إلى البيض أطرب
…
ولا لعبا مني، وذو الشيب يلعب
ولم يلهني دار ولا رسم منزل
…
ولم يتطربني بنان مخضب
=
أي: تزعمونهم شركائي1، وتحسب حبهم عارا علي.
[جواز حذف المفعولين اقتصارا] :
وأما حذفهما اقتصارا، أي: لغير دليل، فعن سيبويه والأخفش المنع مطلقا2، واختاره الناظم، وعن الأكثرين الإجازة مطلقا، لقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ
= والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 259، وابن عقيل:"132/ 2/ 55"، والهمع: 1/ 152، والدرر اللوامع: 1/ 134 والمحتسب: 1/ 173، والمقرب: 21، والخزانة: 4/ 5 والعيني: 2/ 413، وحاشية يس على التصريح: 1/ 161.
المفردات الغريبة: ترى حبهم: رأى هنا من الرأي بمعنى الاعتقاد، ويجوز أن تكون علمية. عارا، العار: كل خصلة يلحقك بسببها عيب ومذمة؛ تقول: عيرته كذا، ولا يجوز عيرته بكذا. على الأرجح؛ لأنه يتعدى إلى مفعولين بنفسه. تحسب: تظن.
المعنى: يا من يعيرني حب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم -ويعيب علي ذلك، فبأي كتاب، تسترشد، أم بأية سنة ترى محبتي لهم منقصة ومذمة، أو تظن ذلك؟؟.
الإعراب: "بأي": متعلق بـ "ترى". كتاب: مضاف إليه. أم: حرف عطف. "بأية": معطوف على الأول. سنة: مضاف إليه. ترى: فعل مضارع، والفاعل: أنت. حبهم: مفعول به بأول لـ "ترى" ومضاف إليه. عارا: مفعول به ثانٍ. "علي": متعلق بـ "محذوف صفة من عار"؛ وهو الأفضل. وتحسب: الواو عاطفة جملة على جملة. تحسب: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنت. ومفعولا "تحسب" محذوفان؛ لدلالة الكلام السابق عليهما؛ أو لدلالة مفعولي "ترى" عليهما تحديدا؛ والتقدير: وتحسب حبهم عارا علي.
موطن الشاهد: "تحسب".
وجه الاستشهاد: حذف مفعولي هذا العامل؛ لدلالة سابق الكلام عليهما، كما بينا في الإعراب، وحذف المفعولين اختصارا؛ لدليل يدل عليهما جائز بإجماع النحاة، كما في المتن.
1 كان الأولى أن يقول: تزعمون أنهم شركائي؛ جريا على الأكثر من تعدي "يزعم" إلى "أن" و"صلتها"، ولكنه عدل عن ذلك؛ لأن الكلام في حذف المفعولين معا في حذف ما يسد مسدهما، وإن كانا بمنزلة واحدة، وقد بينا ذلك في وجه الاستشهاد في الآية الكريمة.
شرح التصريح: 1/ 259.
2 أي في أفعال العلم وأفعال الظن، كما يؤخذ من تفصيل الأعلم: الآتي. وعلة المنع: ذهاب الفائدة بحذفهما، وأيضا فإن هذه الأفعال لإفادتها التحقيق تجاب بما يجاب به القسم، وجواب القسم، لا يحذف؛ فكذلك ما هو بمنزلته.
وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون} 1، {فَهُوَ يَرَى} 2، {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْء} 3، وقولهم:"من يسمع يَخَلْ"4، وعن الأعلم5 يجوز في أعال الظن دون أفعال العلم6.
1 "2" سورة البقرة، الآية: 216 و231.
موطن الشاهد: {يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون} .
وجه الاستشهاد: استدل بعض النحاة بهذه الآية على جواز حذف مفعولي: العامل القلبي "تعلمون" اقتصارا، من غير دليل يدل على المفعولين المحذوفين؛ لأنهم يجيزون الحذف مطلقا، كما جاء في المتن؛ وأما تقدير الآية -والله أعلم: يعلم الأشياء، كائنة، أو نحو ذلك.
2 "53" سورة النجم، الآية:35.
موطن الشاهد: {يَرَى} .
وجه الاستشهاد: جواز حذف المفعولين، كما في الآية السابقة، من غير دليل يدل عليهما؛ وقيل: إن الحذف في هذه الآية لدليل؛ لأن قوله تعالى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْب} يشعر بالمفعولين؛ والتقدير في الآية -والله أعلم- يرى ما يعتقده حقا.
3 "48" سورة الفتح، الآية:62.
موطن الشاهد: {ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْء} .
وجه الاستشهاد: حذف ما يسد مسد المفعولين؛ لأن التقدير: ظننتم انقلاب الرسول والمؤمنين إلى أهليهم منتفيا أبدا؛ وظن السوء: مفعول مطلق مفيد للنوع؛ والأرجح أن الحذف في الآية الكريمة اختصارا؛ لوجود دليل في قوله تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ} يشعر بمفعولين؛ أو بما يسد مسدهما.
4 مثل قالته العرب، يضرب لمن أخبار الناس ومعايبهم؛ فيقع في نفسه، عليهم مكروه ويعني: من يسمع، يخل مسموعه صادقا، وهو من أمثال الميداني: 2/ 300.
5 الأعلم: هو أبو الحجاج؛ يوسف بن سليمان بن عيسى النحوي الشنتمري، المعروف بالأعلم. كان عالما بالعربية واللغة ومعاني الأشعار، حافظ لها، مشهورا بضبطها وإتقانها، رحل إلى قرطبة، وأخذ عن علمائها؛ له مصنفات قيمة؛ منها: شرح حماسة أبي تمام، وشرح الجمل للزجاجي، وشرح أبيات الجمل، مات سنة: 476هـ.
البلغة: 292، بغية الوعاة: 2/ 356، وفيات الأعيان: 2/ 465، معجم المؤلفين: 13/ 302.
6 حجته كثرة السماع في الأولى دون الثانية.
[حكم حذف أحد المفعولين اختصارا واقتصارا] :
ويمنع بالإجماع حذف أحدهما اقتصارا، وأما اختصارا فمنعه1 ابن ملكون2 وأجازه الجمهور، كقوله3:[الكامل]
192-
ولقد نزلت فلا تظني غيره
…
مني بمنزلة المحب المكرم4
1 حجته هو ومن تابعه، أنه أحد جزأي الجملة.
2 ابن ملكون: هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن منذر بن سعيد بن ملكون الحضرمي الإشبيلي من المغاربة، كان أستاذا نحويا جليلا، روى عن أبي الحسن شريح، وروى عنه ابن خروف والشلوبين؛ له شرح الحماسة، والنكت على تبصرة الصميري، وغير ذلك. توفي سنة: 584هـ؛ وقيل 581هـ.
البلغة: 10، بغية الوعاة: 1/ 431، الأعلام: 1/ 59، معجم المؤلفين: 1/ 108، وطبقات ابن شهبة:152.
3 القائل: هو عنترة بن عمرو بن شداد العبسي، وشداد جده نسب إليه، وقيل: عمه؛ أحد فرسان العرب وأجوادهم، من أهل نجد، ومن الطبقة السادسة من الجاهليين، وأحد أصحاب المعلقات؛ كان أسود اللون عبدا؛ حتى قيل: هو أحد أغربة العرب؛ لم ينسبه أبوه إليه إلا بعد الكبر، كانت له أيام ومشاهد في حرب داحس والغبراء، اختلف في موته، فقيل مات مقتولا؛ وقيل أصابته ريح فقتلته بعد أن أسن وضعف، وذلك سنة 22 ق. هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 250، والأغاني: 7/ 141، والخزانة: 1/ 59، والجمحي: 1/ 152.
4 تخريج الشاهد: البيت من معلقة عنترة المشهورة؛ والتي مطلعها قوله:
هل غادر الشعراء من متردم
…
أم هل عرفت الدار بعد توهم
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 260، وابن عقيل:"123/ 2/ 56"، والأشموني:"341/ 1/ 164" وهمع الهوامع: 1/ 152، والدرر اللوامع:"1/ 134، والخصائص: 2/ 216، والمحتسب: 1/ 78، والمقرب: 21، والخزانة: 1/ 539، 4/ 4، والعيني: 2/ 214 وحاشية يس على التصريح: 1/ 126 وشذور الذهب: "498/ 196".
المفردات الغريبة: غادر: ترك. متردم: مستصلح: من ردمت الشيء، إذا أصلحته يريد: هل ترك الشعراء لأحد معنى لم يتناولوه؟ توهم: إنكار وظن، المحب: المحبوب.
المعنى: والله، لقد نزلت -أيتها المحبوبة- من قلبي بمنزلة الشيء المحبوب المكرم، فلا تظني شيئا غير ذلك واقعا ذلك الموقع. =
[حكم الجملة بعد القول] :
تحكى الجملة الفعلية بعد القول1، وكذا الاسمية، وسليم2 يعلمونه فيها عمل ظن مطلقا، وعليه يروى قوله3:[الطويل]
193-
تقول هزيز الريح مرت بأثأب4
= الإعراب: ولقد: الواو حرف قسم وجر؛ واللام مفيدة للتأكيد، وقد: حرف تحقيق. نزلت: فعل وفاعل؛ وجملة "نزلت": جواب القسم المحذوف؛ والتقدير: والله لقد نزلت. فلا: الفاء: تفريعية، لا: ناهية. غيره: مفعول أول لفعل: تظن المجزوم بـ "لا" الناهية؛ والهاء مضاف إليه؛ والمفعول الثاني محذوف؛ لدلالة سياق الكلام عليه، والتقدير: فلا تظني غيره حاصلا، أو نحو ذلك. "مني" و"بمنزلة": متعلقان بـ "نزلت"؛ وجملة لا تظني غيره": معترضة بين المجرور ومتعلقه.
موطن الشاهد: "فلا تظني غيره".
وجه الاستشهاد: حذف مفعول "ظن" الثاني اختصارا؛ لدلالة السياق عليه؛ وحكم هذا الحذف جائز عند الجمهور، خلافا لابن ملكون.
1 هذا بإجماع العرب، أما الاسمية فعند البعض، وتكون الجملة في موضع نصب على المفعولية للقول. هذا: والجملة المحكية قد تذكر بلفظها، كما سمعت، وكما جرت على لسان الناطق بها، وقد تذكر بمعناها لا بألفاظها مع مراعاة الدقة في المعنى، إلا إذا كان هناك ما يقتضي التمسك بنصها الحرفي لداعٍ ديني أو قضائي مثلا، وإذا كانت الجملة المحكية، فيها خطأ لغوي أو نحويٌّ وجب حكايتها بالمعنى للتخلص مما بها من خطأ؛ إلا إذا قصد إبراز هذا الخطأ لسبب ما. وإذا وقع بعد القول مفرد، سواء كان مدلوله لفظا، نحو: قلت كلمة أو لفظا. أو كان في معنى الجملة، نحو: قلت قصيدة، أو محاضرة -نصب على أنه مفعول به للقول، وإن أريد بالمفرد نفس اللفظ المحض- وجب حكايته ورعايته إعرابه نحو: قال فلان: محمد، إذا تكلم بمحمد مرفوعا.
حاشية يس على التصريح: 1/ 261.
2 سليم: اسم لقبيلة من قيس عيلان؛ رأسها سليم بن منصور بن عكرمة بن قيس بن عيلان وسليم أيضا قبيلة من جذام من اليمين يجرون القول مجرى الظن.
3 هو: امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه
=
بالنصب، وقوله1:[الطويل]
194-
إذا قلت أني آئبٌ أهل بلدة2
= وهو في وصف فرس، وهو من القصيدة، التي مطلعها:
خليليَّ مُرَّا بي على أم جندب
…
لنقضيَ حاجات الفؤاد المعذب
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 262، والعيني: 2/ 431، والمقرب: 64، وديوان امرئ القيس:49.
المفردات الغريبة: شأوين: تثنية شأو، وهو الشوط والطلق. عطفه: جانبه. هزيز الريح: دويها عند هبوبها. أثأب: اسم جنس جمعي؛ واحده أثأبة، وهي نوع من الشجر.
المعنى: يصف فرسه قائلا: إذا ما جرى هذا الفرس شوطين، وحمي السبق، وعرق، تظنه؛ لخفته وسرعة جريه- ريحا هبت على تلك الأشجار، فلعبت بها.
الإعراب: تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن" مرفوع، والفاعل: أنت. هزيز: مفعول أول، لـ "تقول". الريح: مضاف إليه. مرت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي. "بأثأب": متعلق بـ "مر"؛ وجملة "مرت": في محل نصب مفعولا ثانيا لـ "تقول".
موطن الشاهد: "تقول".
وجه الاستشهاد: استعمل الشاعر فعل "تقول" بمعنى تظن من غير أن يتقدمه استفهام، ونصب به مفعولين؛ أحدهما:"هزيز" وثانيهما: جملة "مرت بأثأب"؛ والذين يجرونه هذا المجرى مطلقا من غير شروط بنو سليم فقط؛ وأما غيرهم، فيتقيدون بشروط ذكرها المؤلف في المتن.
1 القائل هو الحطيئة: جرول بن أوس من بني قطيعة بن عبس، لقب بالحطيئة لقصره وقربه من الأرض، يكنى أبا مليكة، كان راوية زهير، وصفه الرواة بأبشع الأوصاف، وقالوا:"ما تشاء أن تقول في شعر شاعر ما من عيب إلا وجدته فيه، مع قبح منظر ونسب مغمور ودين فاسد" وكان من فحول الشعراء ومتقدميهم، وفصحائهم في فنون الشعر؛ من المديح والهجاء، والفخر والنسيب مات سنة: 50هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 322، الاشتقاق: 170، الأغاني: 2/ 41، الخزانة: 1/ 408، الجمحي: 1/ 104.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
وضَعْتُ بها عنه الولية بالهجْرِ
والبيت من قصيدة يصف فيها بعيره بالسرعة.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 262، والأشموني:"347/ 1/ 165" والعيني: 2/ 432، وديوانه:104. =
[شروط إجراء القول مجرى الظن] :
بالفتح1، وغيرهم يشترط شروطا، وهي: كونه مضارعا، وسوى به السيرافي "قلت" بالخطاب، والكوفي "قل"، وإسناده للمخاطب، وكونه حالا، قاله الناظم، ورد بقوله2:[الكامل]
195-
فمتى تقول الدار تجمعنا3
= المفردات الغريبة: قلت: معناها هنا ظننت. آئب: راجع؛ اسم فاعل من آب يؤوب: إذا رجع، والعادة أن يرجع الإنسان من عمله آخر النهار، وفي أول الليل، وهذا، هو المراد هننا، الولية:"البرذعة" توضع تحت الرحل، أو ما يوضع تحتها. بالهجر: نصف النهار عند اشتداد الحر، وأصله بتحريك الجيم، وسكنت للضرورة.
المعنى: إذا قدرت وظننت أني سأصل بلدة آخر النهار، لبعد مسافتها، أتيتها نصف النهار، عند اشتداد الحر، وذلك لسرعة بعيري ونجابته.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان مبني على السكون في محل نصب على الظرفية. قلت: فعل وفاعل. و"قلت" بمعنى ظننت. أني: حرف مشبه بالفعل، و"الياء" اسمه. آئب: خير "أن" مرفوع؛ وفاعل اسم الفاعل: ضمير مستتر فيه. أهل: مفعول به لـ "آئب"؛ لإشرابه معنى واصل أو مدرك، وأهل: مضاف. بلدة: مضاف إليه؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل نصب، سدت مسد مفعولي "قال" الذي جاء بمعنى "ظن"؛ وجملة؛ "قال وفاعله وما سد مسد مفعوليه": في محل جر بالإضافة. وضعت: فعل وفاعل. "وبها" و"عنه": متعلقان بـ "وضع". الولية: مفعول به لـ "وضع". "بالهجر": متعلق بـ "وضع".
موطن الشاهد: "قلت أني آئب".
وجه الاستشهاد: أجرى الشاعر فعل "قال" مجرى ظن، ولم يحك به الجملة بعده، بدليل فتح همزة "أني"، ولو قصد الحكاية؛ لكسر همزتها؛ ومعلوم أن همزة "أن" تفتح بعد ظن، ولما أُجرِيَ فعلُ "قال" مجراه، وحُمِل عليه؛ فُتِحت همزة "أن" بعده؛ ولو جاء "قال" على معناه غير متضمن معنى الظن؛ لكسرت همزة إن بعده، كما في قوله تعالى:{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّه} .
1 أي بفتح همزة "أني" على أنها مع معموليها سدت مسد مفعولي قلت: كما أوضحنا.
2 هو: عمر بن أبي ربيعة المخزومي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
أما الرحيل فدون بعد غد
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 262، والكتاب لسيبويه: 1/ 63، والمقتضب، =
والحق أن متى ظرف لتجمعنا لا لنقول، وكونه بعد استفهام بحرف أو باسم، سمع الكسائي:"أتقول للعميان عقلا"1 وقال2: [الطويل]
196-
علام تقول الرمح يثقل عاتقي3
= 2/ 249، وجمل الزجاجي: 314، وشرح المفصل: 7/ 78، والخزانة: 1/ 423، والعيني: 2/ 434، وديوان عمر بن أبي ربيعة:394.
المفردات الغريبة: الرحيل: الارتحال ومفارقة ديار الأحبة. دون بعد غد: أي قبل بعد الغد، وهذا يصدق باليوم وبالغد.
المعنى: إن فراق الأحبة ورحيلهم عنا، سيكون اليوم أو غدا. فمتى تظن الدار تجمع شملنا، بعد هذا الفراق؟
الإعراب: متى: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بـ "تقول". تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن" وفاعله: أنت. الدار: مفعول به أول لـ "تقول". تجمعنا: فعل مضارع، والفاعل: هي -يعود إلى الدار- و"نا" مفعول به؛ وجملة "تجمعنا": في محل نصب مفعولا ثانيا لـ "تقول".
موطن الشاهد: "تقول الدار تجمعنا".
وجه الاستشهاد: استعمل فعل "تقول" بمعنى تظن، ونصب به مفعولين؛ أحدهما: الدار، والثاني: جملة "تجمعنا"؛ وأوضح أن الشاعر، لم يقصد به الحكاية؛ لأنه لو قصد الحكاية؛ لرفع "الدار" على الابتداء؛ ولكانت جملة "تجمعنا": في محل رفع خبر؛ ومن ثم كانت جملة "الدار تجمعنا": في محل نصب مقول القول.
فائدة: أعمل الشاعر "تقول" عمل تظن، مع أنها ليست للزمان الحاضر، بل هي للمستقبل؛ لأنه لم يستفهم عن ظنه في الحال أن الدار تجمعه مع أحبابه، بل الاستفهام عن وقوع ظنه؛ وهذا يقتضي إلا يكون واقعا في الحال؛ وإلا لم يستفهم عن وقته؛ ومع هذا، فالحق اشتراط كون "تقول" بمعنى تظن للزمان الحاضر، كما ذهب إليه ابن مالك.
1 قول لبعض العرب، للعميان: مفعول ثانٍ مقدم لتقول، عقلا: مفعول أول، وقد عملت "تقول" بعد حرف الاستفهام.
2 القائل: هو عمرو بن معديكرب الزبيدي، أبو ثور، أحد بني مذحج، وأحد فرسان العرب المشهورين بالبأس والقوة في الجاهلية، أسلم وارتد ثم عاد إلى الإسلام وحسن إسلامه، وشهد القادسية، وفتح نهاوند فقتل هناك مع النعمان بن مقرن المزني؛ قائد الجيش؛ له شعر جيد في الفخر والمديح. الشعر والشعراء: 1/ 372، الأغاني: 14/ 24، الاشتقاق: 63، الإصابة: 5/ 20.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله: =
قال سيبويه والأخفش: وكونهما متصلين1، فلو قلت:"أأنت تقول" فالحكاية، وخولفا2، فإن قدرت الضمير فاعلا بمحذوف والنصب بذلك المحذوف جاز اتفاقا، واغتفر الجميع الفصل بظرف أو مجرور أو معمول القول3.
= إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت
وهو من قصيدة رواها أبو تمام في ديوان الحماسة؛ وهو من شواهد: التصريح: 1/ 263، والأشموني:"342/ 1/ 164" وهمع الهوامع: 1/ 157، والدرر اللوامع: 1/ 139 ومغني اللبيب: "248/ 191"، والسيوطي: 143 والعيني: 2/ 436.
المفردات الغريبة: علام: مؤلفة من حرف واسم وهما "على" و"ما" ومثلها قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} ، و:{فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} . تقول: تظن. عاتقي: كاهلي، وهو ما بين المنكب والعنق. أطعن: أضرب، من طعن بالرمح يطعن -من باب منع أو نصر، أما طعن فلان على فلان في سببه -مثلا- فمن باب فتح.
المعنى: على أي شيء، وبأي حجة، تظن الرمح يثقل كاهلي، ولم أحمل السلاح إذا أنا لم أطعن برمحي، ولم أضرب بسيفي، عند كر الخيل واحتدام القتال؟
الإعراب: علام حرف جر، وما: اسم استفهام؛ حذف ألفه؛ لاتصاله بحرف الجر؛ وهو في محل جر بحرف الجر؛ و"علام": متعلق بـ "تقول". تقول: فعل مضارع "بمعنى تظن" مرفوع، والفاعل: أنت. الرمح: مفعول به أول لـ "تقول". يثقل: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو؛ وجملة "يثقل": في محل نصب مفعولا ثانيا لـ "تقول". عاتقي: مفعول به لـ "يثقل" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "تقول الرمح يثقل عاتقي".
وجه الاستشهاد: استعمل فعل "تقول" بمعنى "تظن" بعد اسم الاستفهام، ونصب به مفعولين؛ الأول:"الرمح" والثاني: جملة "يثقل عاتقي"، ودليل استعماله بمعنى الظن نصب "الرمح"؛ فلو كان بمعنى الحكاية؛ لرفع الرمح على أنه مبتدأ، وتكون جملة "يثقل عاتقي": الخبر، والجملة في محل نصب مقول القول؛ لأن القول، لا ينصب اسما مفردا، متى كان المقصود الحكاية؛ وإنما ينصب الجملة، أو ما يؤدي معنى الجملة.
1 أي: لا يفصل بين الاستفهام والمضارع فاصل. ومن النحاة من يشترط عدم الفصل.
2 أي خالفهما الكوفيون والبصريون، فأجازوا النصب، ولم يعتدوا بالضمير فاصلا.
3 سواء كان المعمول مفعولا، أو حالا، أو غيرهما، ويجوز الفصل بأكثر من واحد مما ذكر.
كقوله1: [البسيط]
197-
أبَعدَ بُعْدٍ تقول الدار جامعة2
1 لم ينسب هذا البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
شملي بهم أم تقول البعد محتوما؟
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 263، والأشموني:"344/ 1/ 164"، وهمع الهوامع: 1/ 157 والدرر اللوامع: "1/ 140، ومغني اللبيب: "1176/ 909" والسيوطي: 327، والعيني: 2/ 438، والشذور: "198/ 501".
المفردات الغريبة: جامعة: اسم فاعل جمع، والجمع ضد التفريق. شملي: مصدر شملهم الأمر إذا عمهم، ويطلق الشمل على العذق من النخلة، وعلى الاجتماع يقال: فرق شملهم: أي: ما اجتمع من أمرهم. وجمع الله شملهم: أي ما تفرق منه. محتوما: أي واجبا، وهو اسم مفعول من حتم الأمر، أوجبه.
المعنى: أبعد تفرقنا وتنائينا، تظن الدار تجمع شملنا ثانية، ونلتقي بعد فراق، أم تظن البعد أصبح أمرا مقضيا به علينا إلى الأبد؟؟.
الإعراب: أبعد: الهمزة حرف استفهام. "بعد": متعلق بـ "تقول". أو بـ "جامعة". بعد: مضاف إليه. تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن"، والفاعل: أنت: الدار: مفعول به أول لـ "تقول". جامعة: مفعول به ثانٍ؛ وفي "جامعة" ضمير مستتر، فاعل لاسم الفاعل، يعود إلى الدار. شملي: مفعول به لاسم الفاعل "جامعة" والياء: مضاف إليه. "بهم: متعلق بـ "جامعة". أم: حرف عطف. تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن" مرفوع، والفاعل: أنت. البعد: مفعول به أول لـ "تقول". محتوما: مفعول به ثان لـ "تقول".
موطن الشاهد: "تقول الدار جامعة، تقول البعد محتوما".
وجه الاستشهاد: استعمل الشاعر فعل "تقول" بمعنى "تظن" في الموضعين، ونصب به مفعولين اثنين ظاهرين في كلا الموضعين؛ وفي هذا أقوى دليل على إجراء القول مجرى الظن؛ لأن المفعولين في كلا الموضعين منصوبان لفظا؛ ومعلوم أن القول؛ إذا أريد به الحكاية لم ينصب إلا الجمل أو ما يؤدي مؤداها؛ فإذا لم يصح أن يقصد بالقول -هنا- الحكاية، وجب أن يقصد به الظن لما بينا.
وقوله1: [الوافر]
198-
أجهَّالا تقول بني لؤي2
1 القائل: هو الكميت بن زيد الأسدي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا، صدر بيت، يمدح فيه الشاعر مضر ويفضلهم على أهل اليمن، وعجزه قوله:
لعمر أبيك أم متجاهلينا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 263، والأشموني:"345/ 1/ 164"، وابن عقيل:"135/ 2/ 60" وهمع الهوامع: 1/ 157، والدرر اللوامع: 1/ 140، والكتاب لسيبويه: 1/ 63، والمقتضب: 2/ 249 وشرح المفصل: 71/ 78، والخزانة: 1/ 423 عرضا، 4/ 23، والعيني: 2/ 429 وشذور الذهب: "199/ 502"، وليس في ديوان الكميت.
المفردات الغريبة: أجهالا: جمع جاهل. بنو لؤي: يراد بهم جمهور قريش وعامتهم؛ لأنهم ينسبون إلى لؤي بن غالب. لعمر أبيك: لحياته وبقاؤه. متجاهلينا: المتجاهل: الذي يتصنع الجهل ويتكلفه وليس بجاهل.
المعنى: أخبرني وحياة أبيك: أتظن بني لؤي جهالا حين استعملوا أهل اليمن على أعمالهم، وقدموهم على بني مضر، مع فضلهم عليهم؛ أم هم عالمون بالحقيقة مقدرون النتائج، غير أنهم يتصنعون الجهل؛ لحاجة في أنفسهم؟.
الإعراب: أجهالا: الهمزة حرف استفهام. جهالا: مفعول به ثان مقدم على المفعول الأول، وعلى عامله "تقول". تقول: فعل مضارع بمعنى "تظن" والفاعل: أنت. بني مفعول به أول، لـ "تقول" منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. لؤي: مضاف إليه مجرور؛ والخبر محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمر أبيك قسمي؛ والجملة معترضة، لا محل لها. أم: عاطفة، معادلة للهمزة. متجاهلينا، معطوف على "جهالا".
موطن الشاهد: "أجهالا تقول بني لؤي".
وجه الاستشهاد: إعمال "تقول" عمل تظن، ونصبه مفعولين، وقد فصل بين الاستفهام والفعل بمعمول الفعل "جهالا"؛ الواقع مفعولا ثانيا للفعل؛ وحكم الفصل بين الاستفهام والفعل بمعمول الفعل جائز في هذا الباب؛ كما ظهر ذلك واضحا في الإعراب.
قال السهيلي1: وأن لا يتعدى باللام2، كـ:"ستقول لزيد عمرو منطلق".
وتجوز الحكاية مع استيفاء الشروط3، نحو:{أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ} 4 الآية، في قراءة الخطاب، وروي:"علام تقول الرمح" بالرفع.
1 السهيلي: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي الأندلسي المالقي، كان عالما بالعربية واللغة والقراءات، جامعا بين الدراية والرواية، نحويا مقدما واسع المعرفة، تصدَّر للإقراء والتدريس، روى عن ابن العربي وأبي طاهر، وابن الطراوة، وروى عنه الرندي، وأبو الحسن الغافقي؛ له مصنفات قيمة منها: الروض الأنف، في شرح السيرة النبوية، وكتاب: التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام، وكتاب في شرح آية الوصية، وكتاب الفكر
…
وغيرها وهو مع هذا شاعر مجيد؛ له شعر جيد، منه الأبيات المشهورة:
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
…
أنت المعدُّ لكل ما يتوقع
يا من يرجَّى للشدائد كلها
…
يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول: "كن"
…
امنن، فإن الخير عندك أجمعُ
وقد مات بمراكش سنة 688؛ وقيل 581هـ.
البلغة: 122، إنباه الرواة: 2/ 164، بغية الوعاة: 2/ 81، طبقات القراء: 1/ 371 معجم المؤلفين: 5/ 147، والأعلام: 4/ 86.
2 أي يشترط في المضارع: ألا يتعدى باللام؛ لأنها تبعده عن معنى الظن، ويصبح قولا مسموعا وقد علمت أن مذهب الجمهور: أن القول، إذا عمل عمل الظن، يجري مجراه في المعنى أيضا.
شرح التصريح: 1/ 263.
3 وحينئذ يكون بمعنى النطق والتلفظ، لا معنى الظن، وتكون الجملة بعده في محل نصب سدت مسد المفعول به. ومن هنا يتبين: أن استيفاء الشروط ليس موجبا لتنزله منزلة الظن، وإنما يجيز ذلك فقط. أما جريانه مجرى الظن، فيوجب تحقق الشروط المذكورة كلها.
4 "2" سورة البقرة، الآية:140.
أوجه القراءات:
موطن الشاهد: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تقولون" مرادا به الحكاية، على الرغم من كونه مضارعا مسبوقا باستفهام؛ وحكم مجيئه على هذه الحالة الجواز؛ و"إن وما دخلت عليه": سدت مسد مفعول به واحد؛ والدليل على كون "تقولون" مرادا به الحكاية كسر همزة "إن" بعده.
...........................................................................
تنبيهات:
1-
ليس بلازم، أن يكون المفعولان، في هذا الباب؛ أصلهما المبتدأ والخبر حقيقة؛ بل يكفي أن يكون أصلهما كذلك، ولو تأويلا؛ مثل: جعلت الطين إبريقا، وصيرت الذهب خاتما؛ فإنه لا يصح أن يقال: الطين إبريق، والذهب خاتم؛ لأن الخبر يجب أن يكون نفس المبتدأ في المعنى، وهنا ليس كذلك اللهم إلا بشيء من التأويل؛ كأن يقدر: أن الطين سيتحول إلى إبريق، والذهب إلى خاتم.
2-
كثيرا ما يستعمل "رأى" الماضي مسبوقا بأداة استفهام، بمعنى: أخبرني، تقول: أرأيتك هذا الملثم، أفدائي هو؟ وحينئذ، ينصب مفعولا واحدا أو مفعولين على حسب المراد.
3-
التعليق بالاستفهام ليس مقصورا على الأفعال القلبية المتصرفة في هذا الباب، بل سمع في غيرها من الأفعال مثل: تفكر، سأل، استنبأ، أبصر. قال تعالى:{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّة} ، {يَسْأَلونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّين} ، {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} ، {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ، بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} .
4 كما يجوز حذف المفعولين؛ أو أحدهما اختصارا أو اقتصارا على النحو الذي بسطناه، ويجوز أيضا حذف الناسخ مع مرفوعه. تقول: ماذا تزعم؟ فيكون الجواب: مندوب الجماعة بالباب، أي أزعم
…
ضياء السالك: 1/ 366.