المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل] : - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك - ت هبود - جـ ٢

[ابن هشام النحوي]

الفصل: ‌[باب الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل] :

[باب الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل] :

هذا باب ما ينصب مفاعيل ثلاثة:

وهي: أعلم وأرى اللذان أصلهما علم ورأى المتعديان لاثنين، وما ضمن معناهما1 من نبأ وأنبأ وخبر وأخبر وحدث، نحو:{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِم} {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا} 3.

[جواز حذف الأول والاقتصار عليه] :

ويجوز عند الأكثرين حذف الأول، كـ:"أعلمت كبشك سمينا" والاقتصار عليه، كـ:"أعلمت زيدا"4.

1 يشير بهذا: إلى أن الخمسة المذكورة ملحقة في بعض استعمالاتها بأعلم وأرى المذكورتين، في التعدية إلى ثلاثة مفاعيل لتضمنها معناهما. وليست الهمزة فيها، أو التضعيف -للتعدية أو النقل؛ لأنه ليس لها ثلاثي مستعمل في العلم- إلا خبر بمعنى علم، ولم ترد تعديتها إلى ثلاثة مفاعيل صريحة في كلام العرب، إلا وهي مبنية للمفعول كما سترى من الشواهد، فيكون أول المفاعيل نائب فاعل مرفوعا، ويكون الثاني والثالث صريحين. أو تسد مسدهما جملة، أو يكون أحدهما صريحا، والثاني مكانه جملة.

شرح التصريح: 1/ 264.

2 "2" سورة البقرة، الآية:167.

موطن الشاهد: {يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "يريهم" مضارع "أرى" متعديا إلى ثلاثة مفاعيل؛ وهي: الضمير المتصل "هم"، وأعمالهم، وحسرات؛ وإذا كان الفعل من "رأى البصرية" فحسرات: حال، وليس مفعولا ثالثا.

3 "8" سورة الأنفال، الآية:43.

موطن الشاهد: {يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "يُرِي" كما في الآية السابقة في الموضعين؛ فالكاف؛ المفعول الأول، و"هم": المفعول الثاني؛ قليلا وكثيرا: المفعول الثالث.

4 وذلك؛ لأن الفائدة لا تنعدم بحذفه في المثال الأول، أو بالاقتصار عليه في المثال الثاني؛ إذ قد يراد الإخبار بمجرد العلم به، وبمجرد إعلام الشخص المذكور، أما حذف الثلاثة؛ فأجازه ابن مالك لدليل ولغيره؛ وإن لم يجز في باب ظن لغير دليل.

شرح التصريح: 1/ 265.

ص: 72

[جواز حذف الثاني والثالث اختصارا] :

وللثاني واللثالث من جواز حذف أحدهما اختصارا ومنعه اقتصارا، ومن الإلغاء والتعليق ما كان لهما، خلافا لمن منع من الإلغاء والتعليق مطلقا، ولمن منعهما في المبني للفاعل، ولنا على الإلغاء قول بعضهم:"البركة أَعْلَمَنَا الله مع الأكابر" وقوله1: [الطويل]

199-

وأنت أَرَانِي اللهُ أمنعُ عاصِمٍ2

1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

وأرأف مستكفيٍ وأسمحُ واهبِ

ويروى قبله:

وكيف أبالي بالعدى ووعيدهم

وأخشى ملمات الزمان الصوائب

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 266، والأشموني:"348/ 1/ 166"، وهمع الهوامع: 1/ 158 والدرر اللوامع: 1/ 140، والعيني: 2/ 446.

المفردات الغريبة: أمنع: أفعل تفضيل، من منع على وزن كرم، إذا صار منيعا قويا لا يعتدى عليه. عاصم: حافظ، وهو اسم فاعل من عصم فلان فلانا، على وزن ضرب، أي منع عنه الأذى والمكروه. أرأف: أفعل تفضيل من الرأفة، وهي الشفقة والرحمة. مستكفي: مطلوب منه الكفاية في الملمات.

المعنى: أرأني الله إياك أقوى حافظ يقي الإنسان شر الأعداء، أرأف من يلجأ إليه في الملمات، وأجود وأكرم من يعطي من غير مَنٍّ في هذه الحياة.

الإعراب: أنت: مبتدأ. أراني: فعل ماضٍ، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. الله: فاعل مرفوع. أمنع: خبر المبتدأ. عاصم: مضاف إليه. وأرأف: الواو عاطفة، أرأف: معطوف على أمنع. مستكفيٍ: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. وأسمح: الواو عاطفة. أسمح: معطوف على "أمنع" واهب: مضاف إليه.

موطن الشاهد: "أنت أراني الله أمنع عاصم".

وجه الاستشهاد: إلغاء عمل "أرى" في المفعولين الثاني والثالث؛ وهما: "أنت أمنع عاصم"؛ لتوسطه بينهما؛ لأن الأصل: أرأني الله إياك أمنع عاصم؛ أو: أرأنيك الله أمنع عاصم؛ فلما قدم المفعول الثاني؛ أبدل بضمير الرفع "أنت" وارتفع على الابتداء.

ص: 73

وعلى التعليق: {يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 1، وقوله2:[الطويل]

200-

حذار فقد نُبِّئْتُ إِنَّك للَّذِي

ستجزى بما تسعى فتسعدُ أو تشقَى

= عاصم"؛ لتوسطه بينهما؛ لأن الأصل: أرأني الله إياك أمنع عاصم؛ أو: أرأنيك الله أمنع عاصم؛ فلما قدم المفعول الثاني؛ أبدل بضمير الرفع "أنت" وارتفع على الابتداء.

1 "34" سورة سبأ، الآية:7.

موطن الشاهد: {يُنَبِّئُكُمْ..... إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} .

وجه الاستشهاد: علق فعل "ينبِّئ" عن العمل في مفعولين الثاني والثالث؛ لدخول لام الابتداء والمفعول الأول: "كم" وجملة الشرط وجوابه المحذوف اعترضت بين المفعول الأول وما سد مسد المفعولين: {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ} .

2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 266، وهمع الهوامع: 1/ 158، والدرر اللوامع: 1/ 140 وشرح شواهد الألفية للعيني: 2/ 477.

المفردات الغريبة: حذار: اسم فعل أمر، بمعنى احذر. نبئت: أعلمت وأخبرت. ستجزى: ستكأفأ. بما تسعى: بما تعمل في هذه الحياة.

المعنى: احذر عاقبة ما تعمل في هذه الحياة؛ فإنك ستؤاخذ بما قدمت يداك، وتجزى على حسب عملك، فإن كان خيرا سعدت، وإن كان شرا شقيت وندمت.

الإعراب: حذار: اسم فعل أمر بمعنى احذر: وفاعله: أنت. فقد: الفاء تعليلية، قد: حرف دالٌّ على التحقيق. نبئت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل؛ وهي المفعول الأول، قبل بناء الفعل للمجهول. إنَّك: حرف مشبه بالفعل، والكاف: اسمه. للذي: اللام لام المزحلقة، تفيد التوكيد. الذي: خبر "إن"؛ وجملة "إن وما دخلت عليه": في موضع نصب، سدت مسد المفعولين؛ الثاني والثالث؛ لتعلق الفعل عنهما. ستجزى:"السين" للاستقبال. تجزى: فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل: أنت. وجملة "ستجزى": صلة لـ "الذي لا محل لها. "بما": متعلق بـ "تجزى". تسعى: فعل مضارع والفاعل: أنت، وجملة "تسعى": صلة للموصول، لا محل لها. فتسعد: الفاء عاطفة، تسعد: فعل مضارع والفاعل: أنت؛ وفعل تسعد معطوف على تجزى: أو: عاطفة. تشقى: معطوف على تسعد.

موطن الشاهد: "نبئت إنك للذي".

وجه الاستشهاد: "مجيء فعل "نُبِّئَ" القلبي المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل معلقا عن العمل في الثاني والثالث؛ لدخول اللام المزحلقة في خبر "إن"؛ وأما مفعوله الأول؛ فهو التاء المنقلبة نائب فاعل، لبناء الفعل للمجهول؛ ومعلوم أن تعليق الفعل عن العمل في المفعولين الثاني والثالث معناه إبطال عمله في لفظهما؛ ولكنه يظل عاملا في محلهما؛ ولهذا، مكنا في الإعراب: و"إن وما دخلت عليه": في محل نصب، سدت مسد المفعولين الثاني والثالث.

ص: 74

[حكم أرى وأعلم المنقولين من المتعدي لواحد] :

قال ابن مالك: وإذا كانت أرى وأعلم منقولتين من المتعدي لواحد1 تعدتا لاثنين2، نحو:{مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} 3، وحكمهما حكم مفعولي "كسا"4، في الحذف لدليل وغيره، وفي منع الإلغاء والتعليق، قيل: وفيه نظر في موضعين؛ أحدهما: أن "علم" بمعنى عرف إنما حفظ نقلها بالتضعيف لا بالهمزة، والثاني: أن "أرى" البصرية سمع تعليقها بالاستفهام، نحو:{رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} 5، وقد يجاب بالتزام جواز نقل المتعدي لواحد بالهمزة قياسا، نحو:"ألبست زيدا جبة" وبادعاء أن الرؤية هنا علمية.

1 بأن كانت بصرية بمعنى أبصر، وعلم عرفانية بمعنى عرف.

2 أي: بواسطة الهمزة.

3 "3" سورة آل عمران، الآية:152.

موطن الشاهد: {أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "أرى" فعلا ماضيا بصريا، والفاعل: هو: و"كم" مفعول أول، و"ما" "الاسم الموصول" مفعول ثانٍ؛ وجملة "تحبون": صلة؛ وتعدى الفعل لمفعولين بسبب دخول همزة التعدية عليه.

4 باب كسا: هو كل فعل يتعدى إلى مفعولين ليس في الأصل مبتدأ وخبرا، مثل:"سأل، وأعطى، وألبس، ومنح، ومنع"؛ ولهذا لا يصح تطبيق الأحكام الخاصة بالأفعال القلبية عليهما إلا التعليق؛ فإنه جائز.

5 "2" سورة البقرة، الآية:260.

موطن الشاهد: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} .

وجه الاستشهاد: مجيء "أر" فعل أمر من "أرى" البصرية، خرج إلى معنى الدعاء، والفاعل: أنت. والنون للوقاية، والياء: مفعول به أول؛ وجملة "كيف تحيي الموتى": في محل نصب، سد مسد المفعول الثاني لـ "أر" المعلق عن المفعول الثاني بـ "كيف". =

ص: 75

.........................................................................

فائدتان: أ- لا يجوز أن يعامل أخوات "رأى وعلم" القلبية معاملتهما في النقل إلى الثلاثة بالهمزة فيقال: أظننت محمد عليا كريما

وأحسبت

وأزعمت، وأجاز ذلك الأخفش، ورأيه ضعيف.

ب- صوغ الفعل للمفعول يجعله قاصرا عن مفعول كان متعديا إليه قبل الصوغ؛ فالمتعدي إلى ثلاثة؛ إذا صغته للمفعول؛ صار متعديا إلى اثنين، وذو الاثنين يصير متعديا إلى واحد، وذو الواحد يصير غير متعدٍّ، أما دخول همزة النقل على الفعل فبالعكس. شرح الأشموني: 1/ 167.

ص: 76