المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب حروف الجر - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك - ت هبود - جـ ٣

[ابن هشام النحوي]

الفصل: ‌باب حروف الجر

‌المجلد الثالث

‌باب حروف الجر

[باب حروف الجر1] :

هذا باب حروف الجر.

[عدد حروف الجر] .

وهي عشرون حرفا2؛ ثلاثة مضت في الاستثناء، وهي: خلا، وعدا، وحاشا، وثلاثة شاذة:

1 هذه تسمية البصريين، وعللوا ذلك بأنها تعمل الجر فيما بعدها ظاهرا أو مقدرا أو محليا كما قيل: حروف النصب، والجرم لذلك. أو لأنها تجر معاني الأفعال وشبهها وتوصلها إلى ما تجره، ومن أجل هذا سماها الكوفيون: حروف الإضافة؛ لأنها تضيف معاني الأفعال وتربطها بما بعدها. حاشية يس على التصريح: 2/ 2.

2 عشرون حرفا على المشهور، غير أنه في بعضها خلاف، وقد أشار الناظم إليها بقوله:

هاك حروف الجر وهي: من، إلى

حتى، خلا، حاشا، عدا، في، عن، على

مذ، منذ، رب، اللام، كي، واو، وتا

والكاف، والبا، ولعل، ومتى

وحروف الجر تقع كلها أصلية إلا "من، والباء، واللام، والكاف" فتستعمل زائدة أحيانا و"رب ولعل" حرفا جر شبيهان بالزائد؛ وترك المؤلف ذكر "لولا" حيث يعدها بعض النحاة من حروف الجر، في بعض استعمالاتها؛ فهي تدخل على الاسم الصريح، والمؤول، وعلى الضمير المنفصل، والمتصل؛ فتقول: لولاي، ولولاه، ولولاك؛ واختلف النحاة في هذا الاستعمال، ولهم في ذلك ثلاثة مذاهب:

الأول: أن الضمير المتصل "الياء، الكاف، الهاء" موضوع موضع الضمير المنفصل؛ ومحله من الإعراب الرفع، وليس له إلا هذا الإعراب؛ ليجري استعمالها في الأحوال كلها مجرى واحدا. وهذا مذهب الكوفيين، والأخفش من البصريين، ونسبة العيني إلى الخليل ويونس.

الثاني: أن "لولا" في هذه الحالة حرف زائد، لا يتعلق بشيء؛ والضمير الذي بعدها؛ له محلان من الإعراب؛ أحدهما: الجر، والثاني: الرفع بالابتداء، كالمجرور بـ"من" الزائدة، كما في قولهم:"ما في الدار من أحد"؛ فأحد: مجرور لفظا ومحله الرفع؛ لأنه مبتدأ؛ وهذا مذهب سيبويه، وجمهور البصريين. =

ص: 3

[الأحرف الشاذة] :

أحدها: "متى" في لغة هذيل1؛ وهي بمعنى "من" الابتدائية2، سمع من بعضهم:"أخرجها متى كمه"، وقال3:[الطويل]

= الثالث: أن هذا الاستعمال خطأ، لم يرد عن العرب، غير أن هذا المذهب زعم خلاف الحقيقة، حين ورد عمن يحتج بكلامهم هذا الاستعمال، كما في قول العرجي:

ولولاك في ذا العالم لم أحجج

وكقول عمرو بن العاص يخاطب معاوية بن أبي سفيان في شأن الحسن بن علي رضي الله عنهما:

أتطمع فينا من أراق دماءنا

ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن

وهذا المذهب المحجوج مذهب أبي العباس المبرد.

انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 2، ورصف المباني: 292، والجنى الداني: 597 ومغني البيب: 361، والمقتضب للمبرد: 3/ 73، وابن عقيل: 3/ 7.

فائدة: حرف الجر الأصلي؛ ما له معنى خاص، وهو يحتاج إلى متعلق مذكور أو محذوف. وحرف الجر الزائد؛ ما ليس له معنى خاص، وإنما يؤتى به لمجرد التوكيد، وليس له متعلق مذكور أو محذوف في الكلام؛ نحو قولهم: ما زارني من أحد؛ وعملنا أن المجرور به له محلان من الإعراب، فأحد: مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه فاعل زارني. وأما حرف الجر الشبيه بالزائد؛ فله معنى خاص كالحرف الأصلي، غير أنه لا متعلق له كالزائد؛ ففيه شبه من الأصلي، وشبه من الزائد؛ ومثاله:"لولا، ورب، ولعل"؛ فـ"لولا" تدل على امتناع لوجود، و"رب" تدل على التقليل أو التكثير، و"لعل" تدل على الترجي؛ وهذه تجر كالحروف الأصلية، غير أنها لا تحتاج إلى متعلق، فأشبهت الحرف الزائد؛ ولذا سميت أحرف جر شبيهة بالزائدة.

1 من القبائل العربية القحطانية التي أسهمت في الوضع اللغوي، وعنها أخذ اللسان العربي، وكان فيها أكثر من سبعين شاعرا مشهورا، منهم أبو ذؤيب الهذلي.

2 قال في الهمع: وتأتي اسما بمعنى "وسط" حكي: وضعها متى كمه، أي وسطه، وهي حينئذ مبنية لمشابهتها الحرفي. همع الهوامع: 2/ 34.

3 القائل: هو أبو ذؤيب الهذلي؛ خويلد بن خالد بن محرك، أحد بني هذيل بن مدركه من مضر، شاعر فحل، مخضرم، أسلم وحسن وإسلامه، كان فصيحا كثير الغريب له العينية المشهورة، عاش إلى أيام عثمان بن عفان، واشترك في فتح إفريقيا. مات سنة 27هـ.

ص: 4

287-

متى لجج خضر لهن نئيج1

تجريد الأغاني 786، والشعر والشعراء: 2/ 653، الجمحي: 1/ 131، والأعلام: 2/ 325، والخزانة: 1/ 203.

تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

شربن بماء البحر ثم ترفعت

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 2، وهمع الهوامع: 2/ 34، والدرر اللوامع: 2/ 34، وابن عقيل: 3/ 6، والأشموني: 524/ 2/ 284، والخصائص: 2/ 85، والمحتسب: 2/ 114، وأمالي ابن الشجري: 2/ 27، والخزانة: 3/ 193، والعيني: 3/ 249، 272، 4/ 422، والمغني: 157/ 142، 175/ 151، 628/ 441، والسيوطي: 109، وديوان الهذليين: 1/ 51.

المفردات الغريبة: شربن: المراد حملن الماء، والضمير للسحاب. ترفعت: ارتفعت وتصعدت. لجج: جمع لجة وهي معظم الماء، ونئيج: مر سريع بصوت.

المعنى: هذا البيت يعبر عما كان العرب يعتقدون، من أن للسحب شبه خراطيم تدنو من البحر المالح في بعض الأماكن فتأخذ من مائه ما شاءت ثم تصعد إلى الجو سريعا ولها دوي؛ فيعذب هذا الماء ويتنقل ثم ينزل إلى حيث يشاء الله مطرا. ونستطيع أن نفسر هذا الاعتقاد الساذج بما يتفق مع ما قرره العلم اليوم، وهو أنه كناية عن تصعد ماء البحار بوساطة حرارة الشمس وتنقله من جهة إلى أخرى بالهواء، حتى يرتفع إلى حيث يشاء الله، ويكون سحبا تنزل بعد مطرا.

الإعراب: شربن: فعل ماض مبني على السكون، ونون النسوة في محل رفع فاعل. "بماء": متفلق بـ"شرب"، وماء: مضاف. البحر: مضاف إليه. ثم: حرف عطف. ترفعت: فعل ماض مبني عل الفتح، والتاء: حرف دال على التأنيث، لا محل له من الإعراب، والفاعل: هي، يعود إلى السحائب المذكورة في بيت سابق. متى: حرف جر -على لغة هذيل- بمعنى "من" الابتدائية. لجج: مجرورة بـ"متى" وعلامة جره الكسرة. و"متى لجج": متعلق بـ"شرب". خضر: صفة لـ"لجج" مجرورة. "لهن": متعلق بمحذوف خبر مقدم. نئيج: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "لهن نئيج": في محل جر صفة ثانية لـ"لجج"؛ ويمكن أن تكون في محل نصب حالا من لجج؛ لأنها وصفت؛ فتخصصت بالوصف.

موطن الشاهد: "متى لجج".

وجع الاستشهاد: استعمال "متى" حرف جر بمعنى "من" على لغة هذيل، وجره لـ "لجج".

ص: 5

والثاني: "لعل" في لغة عقيل1، قال2:[الوافر]

288-

لعل الله فضلكم علينا3

1 بالتصفير؛ قبيلة عربية أبوها عقيل بن كعب بن ربيعة من قيس عيلان بن مضر.

2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

بشيء أن أمكم شريم

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 2، والأشموني: 523/ 2/ 284، والعيني: 3/ 247، والمقرب: 41، والخزانة:368.

المفردات الغريبة: لعل: حرف جر شبيه بالزائد ومعناه الترجي، وقيل: هو هنا بمعنى الإشفاق، ولا يتعلق بشيء. فضلكم: زادكم. شريم: هي المرأة المفضاة التي اختلط مسلكاها، ويقال فيها: شرماء وشروم.

المعنى: آمل أن يكون الله -سبحانة وتعالى- فضلكم علينا وأكرمكم؛ لأن أمكم -أو بكون أمكم- بهذه الحالة؛ قد اختلط قبلها بدبرها، وهذا الشاعر تهكم واستهزاء.

الإعراب: لعل: حرف جر شبيه بالزائد، يفيد معنى الترجي. الله:"لفظ الجلالة" مجرور لفظا مرفوع محلا، على أنه مبتدأ. فضلكم: فعل ماض، والفاعل: هو، و"كم": مفعول به؛ وجملة "فضلكم": في محل رفع خبر المبتدأ. "علينا": متعلق بـ"فضلكم"، أو بمحذوف حال من "شيء"؛ لأنه تقدم عليه. "بشيء": متعلق بـ"فضلكم". إن: حرف مشبة بالفعل. أمكم: اسم "إن" منصوب، وهو مضاف، و"كم": مضاف إليه. شريم: خبر مرفوع؛ وجملة "إن أمكم شريم": لا محل لها من الإعراب؛ لأنها تعليلية. ويجوز فتح همزة "إن"، ويكون المصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل جر بدل من "شيء".

موطن الشاهد: "لعل الله".

وجه الاستشهاد: استعمال "لعل" حرف جر -على لغة عقيل- فجر بها لفظ الجلالة؛ ومعلوم أن "لعل" ليس له متعلق كما سبق؛ لكونه حرفا شبيها بالزائد، ومثل هذا البيت قول كعب الغنوي:

فقلت: ادع أخرى وارفع الصوت جهرة

لعل أبي المغوار منك قريب

انظر حاشية الصبان: 2/ 205.

ص: 6

ولهم في لامها الأولى: الإثبات، والحذف1؛ وفي الثانية: الفتح والكسر. والثالث: "كي" وإنما تجر ثلاثة؛

أحدها: "ما" الاستفهامية2، يقولون إذا سألوا عن علة الشيء:"كيمه"3؛ والأكثر أن يقولوا: "لمه".

1 إثبات اللام الأولى وحذفها في لغات العرب عامة، وليس في "لعل" التي يجر الاسم بعدها خاصة كما ظن بعضهم، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ فمثال إثبات اللام الأولى، قول خالد بن جعفر:

لعل الله يمكنني عليها

جهارا من زهير أو أسيد

ومثال حذف لامها الأولى قول نافع بن سعد الطائي:

ولست بلوام على الأمر بعدما

يفوت، ولكن عل أن أتقدما

وقول العجير السلولي:

لك الخير، عللنا بها، عل ساعة

تمر، وسهواء من الليل يذهب

شرح التصريح: 2/ 3.

2 أي التي يسأل بها عن سبب الشيء وعلته.

3 أصل "كيمه": كيما؟ أي: لما؛ ومعلوم أن "ما" الاستفهامية، إذا جرت؛ تحذف ألفها، ويحل محلها "هاء السكت" في الوقف؛ حفظا للفتحة الدالة على الألف؛ وإعرابها كالآتي: كي: حرف جر أصلي، يفيد التعليل، وما: استفهامية في محل جر بـ"كي" وحذفت ألفها لما ذكرنا؛ وذهب الكوفيون في هذه العبارة مذهبا بعيدا، حيث عدوا "كي" -هنا- مصدرية ناصبة للفعل المضارع، وهذا الفعل المضارع المنصوب بها محذوف، وأن "مه" التي بعدها مؤلفة من "ما" اسم الاستفهام، ومن "هاء" السكت، وأن "ما" الاستفهامية في محل نصب مفعولا به؛ لذاك الفعل المحذوف؛ والتقدير -عندهم- كأن قائلا، قد قال لك: جئت، فقلت له: كي تفعل ماذا؟.

ونلحظ في مذهب الكوفيين -فضلا عن التكلف الغريب الظاهر- أربعة أمور، لا يجيزها جمهور النحاة وهي:

أ- في تأويلهم تخريجهم حذف صلة الحرف المصدري مع بقاء معمولها، فالحرف المصدري "كي"، وصلته: المضارع الذي التزموا تقديره، ومعمول الصلة: ما الاستفهامية؛ وهذا غير جائز.

في نصب اسم الاستفهام بعامل تقدم عليه؛ ومعلوم أن الأسماء الاستفهام لها الصدارة؛ فلا يتقدم عليه العامل فيه. =

ص: 7

الثاني: "ما" المصدرية وصلتها1؛ كقوله2: [الطويل]

289-

يراد الفتى كيما يضر وينفع3

= ج- في حذف ألف "ما" الاستفهامية، في غير الجر، وقد علم أن ألفها، لا تحذف إلا في حالة الجر.

د- في حذف المنصوب مع بقاء عامل النصب، وهذا لا نظير له في لغة العرب.

وانظر في هذه المسألة: الجنى الداني: 262، وصف المباني: 215، والمقتضب: 2/ 6.

3 أي المصدر المنسبك من "ما" وصلتها، فإن هذا هو المجرور محلا بالحرف.

4 القائل هو: قيس بن الخطيم بن عدي الأوسي، أبو يزيد: شاعر الأوس، وأحد صناديدها في الجاهلية، وأشهر بعد تتبعه قاتلي أبيه وجه حتى قتلهما، له شعر جيد في ذلك، وفي وقعة البعاث بين الأوس والخزرج. أدرك الإسلام ولم يسلم مات سنة 2ق. هـ.

تجريد الأغاني: 307-321، والجمحي: 228، الأعلام: 5/ 205، الأغاني: 2/ 154.

1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

إذا أنت لم تنفع فضر فإنما

وقد اختلف في نسبته، فقد نسبه بعضهم للنابغة الذبياني، ونسبه البعض إلى النابغة الجعدي. وهو من شواهد التصريح: 2/ 3، والأشموني: 521/ 2/ 283، والخزانة: 3/ 591، والعيني: 3/ 345، 4/ 379، والمغني: 331/ 241، والسيوطي 133، وديون قيس بن الخطيم:170.

المفردات الغريبة: يراد: يقصد.

المعنى: إذا لم يكن في مقدورك أن تنفع من يستحق النفع والعون، فضر من يستحق الضرر والإيذاء؛ فإن الإنسان لا يقصد من الحياة غير هذين العملين.

الإعراب: إذا: طرف لما يستقبل من الزمان، وخافض لشرطه منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. أنت: فاعل لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ مبني على الفتح، في محل رفع؛ والجملة "من الفعل المحذوف وفاعله": في محل جر بالإضافة. لم: حرف جزم ونفي وقلب. تنفع: فعل مضارع مجزوم، والفاعل: أنت؛ وجملة "لم تنفع": تفسيرية، لا محل لها. فضر: الفاء واقعة في جواب شرط غير جازم. ضر: فعل أمر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وحرك بالفتح؛ للتخلص من التقاء الساكنين، وللتخفيف، والفاعل: أنت؛ وجملة "ضر": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. فإنما: الفاء تعليلية. إنما: كافة ومكفوفة، تفيد الحصر، لا محل لها. يراد فعل مضارع مبني للمجهول، مرفوع وعلامة رفعه الضمة =

ص: 8

أي: للضر والنفع؛ قاله الأخفش1؛ وقيل: "ما" كافة.

الثالث: "أن" المصدرية وصلتها؛ نحو: "جئت كي تكرمني" إذا قدرت "أن" بعدها؛ بدليل ظهورها في الضرورة، كقوله2:[الطويل]

290-

لسانك كيما أن تغر وتخدعا3

= الظاهرة: الفتى: نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. كيما:"كي" حرف تعليل وجر، و"ما" حرف مصدري مبني على السكون، لا محل له. يضر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو؛ والمصدر المؤول من "ما المصدرية وما دخلت عليه" في محل جر بـ"كي"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"يراد"؛ وتقدير الكلام: "يراد الفتى للضر والنفع"؛ وجملة "يضر": صلة الموصول الحرفي، لا محل لها. وينفع: الواو: عاطفة جملة على جملة، ينفع: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو، يعود إلى الفتى؛ وجملة "ينفع": معطوفة على جملة "يضر": لا محل لها.

موطن الشاهد: "كيما".

وجه الاستشهاد: دخول "كي" على "ما" المصدرية، وجرها للمصدر المؤول كما بينا في الإعراب -على تأويل الأخفش- وهي عند غيره كافة لـ"كي" عن عمل النصب في الفعل المضارع؛ والفعل المضارع مؤول بالمصدر على القولين. انظر حاشية الصبان: 2/ 204.

1 مرت ترجمته.

2 القائل: هو جميل بن معمر العذري، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

وقالت: أكل الناس أصبحت مانحا

والبيت من قصيدة مطلعها قوله:

عرفت مصيف الحي والمتربعا

كما خطت الكف الكتاب المرجعا

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 3، والأشموني: 522/ 2/ 283، والعيني: 3/ 244، 4/ 379، وشرح المفصل: 9/ 14، والخزانة: 3/ 854، والهمع: 2/ 5، والدرر: 2/ 5، والمغني: 333/ 242، والسيوطي: 173، والتصريح: 2/ 230، 231، ديوان جميل:25.

المفردات الغريبة: مانحا: اسم فاعل من المنح وهو الإعطاء، تغر: تخدع -يقال غره غرورا- خدعه. تخدعا: خدعه؛ ختله وأراد به المكروه من حيث لا يعلم.

المعنى: أصبحت مانحا جميع الناس حلاوة لسانك وحسن كلامك، لتغرهم وتوقعهم في المكروه من حيث لا يشعرون؛ أن هذا عمل لا يليق بالكملة من الرجال. =

ص: 9

والأولى أن تقدر "كي" مصدرية1 فتقدر اللام قبلها؛ بدليل كثرة ظهورها معها؛ نحو: {لِكَيْلا تَأْسَوْا} 2.

= الإعراب: فقالت: الفاء عاطفة، قالت: فعل ماض؛ والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي. أكل: الهمزة حرف استفهام، كل: مفعول به ثان لـ"مانح" تقدم عليه وعلى المفعول الأول، وكل: مضاف، والناس: مضاف إليه مجرور. أصبحت: فعل ماض ناقص، والتاء: في محل رفع اسمه. مانحا: خبر "أصبح" منصوب؛ وفاعل اسم الفاعل "مانح" ضمير مستتر فيه؛ تقديره: أنت. لسانك: مفعول به أول، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه. كيما: "كي" حرف تعليل وجر، لا محل له من الإعراب، و"ما" حرف زائد. أن: حرف مصدري ونصب، لا محل له من الإعراب. تغر: فعل مضارع منصوب بـ"أن" المصدرية، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، الفاعل: أنت. وتخدع: الواو عاطفة، تخدع: فعل مضارع معطوف على فعل "تغر" منصوب مثله. والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل جر بـ"كي"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"مانح"؛ والتقدير: أصبحت مانحا لسانك كل الناس؛ للنفع والضر.

موطن الشاهد: "كيما أن تضر".

وجه الاستشهاد: ظهور "أن" المصدرية بعد "كي" وفي ظهورها دلالة على أن "كي" للتعليل، وليست حرفا مصدريا؛ وكذلك يستفاد -هنا- أن "كي" التعليلية، تقدر بعدها "أن" إذا لم تكن موجودة؛ لأن ظهور الشيء في بعض الأوقات دليل على أن هذا الموضع محل له؛ ومثل هذا الشاهد قول الآخر:

أردت كيما أن تطير بقربتي

فتتركها شنا ببيداء بلقع

وكذا:

أردت لكيما أن ترى إلي عثرة

ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل

1 ومتى قدرت مصدرية، كانت هي الناصبة للمضارع، وذلك إذا لم تذكر "أن" بعدها؛ فإذا ذكرت "أن" المصدرية بعدها، ولم تسبقها لام الجر؛ كانت حرف جر؛ شبيهة بلام التعليل من حيث المعنى والعمل؛ فإن ذكرت قبلها اللام؛ كانت حرفا مصدريا ناصبا بنفسه، كأن المصدرية؛ من حيث المعنى والعمل؛ وإن توسطت بينهما؛ فالأحسن اعتبارها جارة للمصدر المنسبك بعدها، مؤكدة للام الجر قبلها؛ ويجوز أن تكون مصدرية مؤكدة بـ"أن" بعدها، والمصدر المنسبك مجرور باللام قبلها. وإن لم توجد "لام الجر" قبلها، ولا "أن" بعدها؛ جاز اعتبارها مصدرية بتقدير اللام قبلها، أو حرف جر بتقدير "أن" بعدها.

فائدة: تختص "متى، ولعل، وكي" بالدخول على الاسم الظاهر، وهي لا تستعمل في الجر إلا قليلا.

2 57 سورة الحديد، الآية:23. =

ص: 10

...............................................................................

= موطن الاستشهاد: {لِكَيْلا تَأْسَوْا} .

وجه الاستشهاد: اقتران اللام بـ"كي" في الآية الكريمة، يرجع تقديرها عند عدم ظهورها في الكلام.

فائدة: ورد في الكلام الفصيح انتصاب الفعل المضارع بعد "كي" التي لم تسبق بلام التعليل، ولا المتبوعة بـ"أن" المصدرية من غير شذوذ ولا علة، في نحو فوله تعالى:{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} ، وكقول النابغة الذبياني:

وقفت فيها طويلا كي أسائلها

عيت جوابا وما بالربع من أحد

وأما مذهب النحاة في الناصب للمضارع في مختلف الأحوال فهي:

أ- ذهب الأخفش إلى أن الناصب للمضارع في الأوجه كلها "أن" المصدرية ظاهرة أو مقدرة؛ لأن الأخفش يرى أن "كي" لا تكون إلا حرف جر دالا على التعليل؛ فإذا ذكرت اللام قبلها، كما في قوله تعالى:{لِكَيْ لا يَعْلَمَ} ؛ فهو يرى أن "اللام" للتعليل، و"كي" بدل منها، وكانت "أن" مضمرة بعدهما.

وإذا ذكرت اللام بعد كي، كما في قول ابن قيس الرقيات:"كي لتقضيني رقية" كانت اللام بدلا من "كي" التعليلية، و"أن" مقدرة بعدها.

ب- وذهب الخليل إلى أن الناصب للمضارع في الوجوه كلها "أن" المصدرية ظاهرة أو مقدرة -كما رأى الأخفش- غير أنه ذهب هذا المذهب؛ لكونه لا يرى ناصبا للمضارع غير "أن" المصدرية مظهرة أو مضمرة.

ج- وذهب الكوفيون إلى أن الناصب في تلك الوجود كلها "كي" نفسها؛ وذلك؛ لكونهم يرون أن "كي" لا تكون إلا حرفا مصدريا ناصبا للمضارع؛ مذكورا أو مقدرا؛ فإن ذكرت "أن" بعد كي؛ كانت مصدرية أيضا وهي بدل من كي؛ وإن ذكرت اللام بعد؛ كانت اللام زائدة.

د- وذهب جمهور البصريين إلى أن "كي" -أحيانا- حرف جر دالا على التعليل، وتكون أحيانا أخرى حرفا مصدريا ناصبا؛ فهم يلتزمون الوجه "الثاني" كما التزمه الكوفيون، ولا يلتزمون الوجه الأول الذي التزمه الأخفش.

- وهم يرون أن "كي" تأتي حرفا مصدريا ناصبا للمضارع، ولا تحتمل وجها آخر في إلا حالة واحدة؛ وهي أن تذكر اللام قبلها، ولا تذكر "أن" بعدها، كقول عمر بن أبي ربيعة:

"لكي يعلموا أن الهوى حيث تنظر"

وهي -عندهم- حرف تعليل وجر ولا تحتمل غير ذلك في حالتين:

1-

أن تذكر اللام بعدها، كقول ابن الرقيات:"كي لتقضيني رقية".

2-

أن تذكر "أن" بعدها، ولا تذكر قبلها اللام، كما في قول جميل:"كيما أن تغر وتخدعا". =

ص: 11

والأربعة عشر الباقية قسمان:

[ما يجر الظاهر والمضمر] :

سبعة تجر الظاهر والمضمر؛ وهي: من، إلى، وعن، وعلى، وفي، والباء، واللام؛ نحو:{وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} {رضي الله عنهم} 5، {وَعَلَيْهَا وَعَلَى

= وهي -عندهم- محتملة للوجهين في حالتين: 1- أن تذكر -وحدها- من دون أن تتقدما اللام ولا تذكر بعدها "أن". 2- أن تقع "كي" بين اللام وأن، في نحو:"لكيما أن تطير" فإذا عدت كي تعليلية كانت مؤكدة للام، وإن عدت "كي" مصدرية؛ كانت "أن" مؤكدة لها؛ والأول أفضل. انظر في هذه المسألة: مغني اللبيب: 241-234، التصريح: 2/ 230-231.

1 33 سورة الأحزاب الآية: 7.

موطن الشاهد: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} .

وجه الاستشهاد: جر "من" للضمير في الموضع الأول، واللاسم الظاهر في الموضع الثاني.

2 5 سورة المائدة، الآية:48.

موطن الشاهد: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} .

وجه الاستشهاد: جر "إلى" للاسم الظاهر؛ وهو اسم الجلالة.

3 10 سورة يونس، الآية:4.

موطن الشاهد: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} .

وجه الاستشهاد: جر "إلى" للضمير المتصل الهاء.

4 84 سورة الانشقاق، الآية:19.

موطن الشاهد: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} .

وجه الاستشهاد: جر "عن" للاسم الظاهر "طبق".

5 98 سورة البينة، الآية:8.

موطن الشاهد: {رضي الله عنهم} .

وجه الاستشهاد: جر "عن" للضمير المتصل "هم".

ص: 12

الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} 1، {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ} {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ} {آمِنُوا بِاللَّهِ} {وَآمِنُوا بِهِ} {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} 7.

[ما يختص بالظاهر] :

وسبعة تختص بالظاهر، وتنقسم أربعة أقسام8:

1 23 سورة المؤمنون، الآية:22.

موطن الشاهد: {عَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} .

وجه الاستشهاد: جر "على" في الموضع الأول للهاء، والاسم الظاهر "الفلك" في الموضع الثاني.

2 51 سورة الذاريات، الآية:20.

موطن الشاهد: {فِي الْأَرْضِ آيَاتٌ} .

وجه الاستشهاد: جر "في" للاسم الظاهر "الأرض".

3 43 سورة الزخرف، الآية:71.

موطن الشاهد: {فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ} .

وجه الاستشهاد: جر "في" للضمير الهاء.

4 57 سورة الحديد، الآية:7.

موطن الشاهد: {آمِنُوا بِاللَّهِ} .

وجه الاستشهاد: جر "الباء" للاسم الظاهر "لفظ الجلالة".

5 46 سورة الأحقاف، الآية:31.

موطن الشاهد: {آمَنُوا بِهِ} .

وجه الاستشهاد: جر "الباء" للضمير المتصل "الهاء".

6 2 سورة البقرة، الآية:284.

موطن الشاهد: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} .

وجه الاستشهاد: جر "اللام" للاسم الظاهر "لفظ الجلالة"؛ وجر "في" للاسم الظاهر السموات.

7 2 سورة البقرة، الآية:255.

موطن الشاهد: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} .

وجه الاستشهاد: جر "اللام" للضمير المتصل "الهاء"؛ وجر "في" للاسم الظاهر "السموات".

8 هذا التقسيم بالنسبة لعملها في الظاهر.

ص: 13

أ- ما لا يختص بظاهر بعينة؛ وهو: حتى، والكاف، والواو، وقد تدخل الكاف في الضرورة على الضمير؛ كقول العجاج1:[مشطور الرجز]

291-

وأم أو عال كها أو أقربا2

1 العجاج بن رؤية وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الزجز وقبله قوله:

خلى الذنابات شمالا كثبا

وفيه يصف العجاج حمارا وحشيا وأتنه.

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 3، والأشموني: 528/ 2/ 286، وابن عقيل: 203/ 3/ 13، وشرح المفضل: 8/ 44، والعيني: 3/ 253، وديوان العجاج:74.

المفردات الغريبة: خلى: ترك الذنابات: موضع معين شمالا: أي ناحية الشمال. كثبا: قريبا، والكثب: القرب. أم أوعال: هضبة معروفة. كها: أي مثل الدنابات في البعد.

المعنى: أن هذا الحمار ترك الذنابات عن شماله قريبا منه، وترك أم أوعال مثل الذنابات أو أقرب منها إليه.

الإعراب: خلى: فعل ماض، وفاعله: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى حمار الوحش. الذنابات: مفعول به لفعل "خلى" منصوب، وعلامة نصبه الكسرة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. شمالا: ظرف مكان متعلق بـ"خلى". كثبا: صفة لـ"شمالا" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة. وأم: الواو عاطفة، أم: اسم معطوف على الذنابات، وهو مضاف. أوعال: مضاف إليه مجرور. كها: "الكاف" حرف تشبيه وجر، و"ها" ضمير متل يعود إلى الذنابات، في محل جر بحرف الجر؛ و"كها": متعلق بحال محذوفة من أم أوعال؛ وعلى رواية رفع "أم أوعال" فـ"أم": مبتدأ مرفوع. و"كها": متعلق بالخبر المحذوف. أو: حرف عطف. أقربا: اسم معطوف علي الضمير المجرور محلا بالكاف -على رواية رفع أم أوعال- حيث يكون الجار والمجرور خبرا؛ وهو مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه لا ينصرف للوصفية ووزن الفعل؛ وهو معطوف على محل الجار والمجرور، إن رويت "أم أوعال" بالنصب، ويكون الجار والمجرور حالا؛ وهو منصوب -على هذه الرواية- وعلامة نصبة الفتحة الظاهرة.

موطن الشاهد: "كها".

وجه الاستشهاد: جر "الكاف" الضمير المتصل "ها" ومن حق "الكاف" أن تجر الاسم الظاهر، والضمير المنفصل -عند بعض النحاة- وجرها الضمير المتصل ضرورة من =

ص: 14

وقول الآخر1: [الزجز]

292-

كه ولا كهن إلا حاظلا2292- كه ولا كهن إلا حاظلا2

= ضرورات الشعر؛ وقال الأعلم: إدخال الكاف -أي في الشاهد- على المضمير تشبيها لها بـ"مثل"؛ لأنها في معناها، واستعمل ذلك عند الضرورة؛ وسيبوية يرى ذلك قبيحا؛ والعلة له: أن الإضمار يرد الشيء إلى أصله؛ فالكاف بمعنى "مثل". ومثل الشاهد السابق قول أبي محمد اليزيدي اللغوي:

شكوتم إلينا مجانيكم

ونشكو إليكم مجانيننا

فلولا المعافاة كناكهم

ولولا البلاء لكانوا كنا

وقول الآخر:

لا تملني فإنني كك فيها

إننا في الملام مشتركان

انظر همع الهوامع: 2/ 30-31.

1 القائل: هو رؤبة بن العجاج وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت في وصف حمار وحشي وأتن وحشيات وصدره قوله:

فلا ترى بعلا ولا حلائلا

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 4، والأشموني: 529/ 2/ 286، وابن عقيل: 204/ 3/ 14، وسيبويه 1/ 392، والمقرب: 41، والعيني: 3/ 256، والهمع: 2/ 30، والدرر: 2/ 27، وديوان رؤبة بن العجاج:128.

المفردات الغريبة: بعلا: زوجا، والجمع البعولة، ويقال للمرأة أيضا: بعل وبعلة؛ كزوج وزوجة. حلائل: جمع حليلة وهي الزوجة. حاظلا: مانعا من التزوج.

المعنى: لا ترى من الأزواج والزوجات مثل حمار الوحش وأتنه، كل يقصر نفسه على صاحبه، ولا يتطلع إلى غيره إلا من منع أنثاه قهرا عن التزوج، وذلك أن الحمار يمنع أتنه من حمار آخر يريدها. وكانت عادة العرب في الجاهلية إذا طلقوا امرأة، منعوها من التزوج إلا بإذنهم، فجعل الأتن كالحلائل، وجعل الحمار بعلهن.

الإعراب: لا: نافية، لا محل لها من الإعراب. ترى: فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، والفاعل: أنت، بعلا: مفعول به منصوب. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة للتأكيد النفي. حلائلا: معطوف على قوله: "بعلا" منصوب مثله؛ والألف: للإطلاق. كه: "الكاف" حرف تشبيه وجر، و"الهاء": ضمير متصل يعود إلى الحمار الوحشي في محل جر بحرف الجر، و"كه": متعلق بمحذوف صفة لـ"بعل". ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. "كهن": جار ومجرور معطوف على "كه" السابق. إلا: أداة حصر. حاظلا: حال من "بعلا" الموصوف بالجار والمجرور الأول "كه"؛ و"الجار والمجرور" الواقع صفة لـ"بعلا" سوغ مجيء =

ص: 15

ب- وما يختص بالزمان؛ وهو: مذ، ومنذ؛ فأما قولهم:"ما رأيته مذ أن الله خلقه"؛ فتقديره: مذ زمن أن الله خلقه؛ أي مذ زمن1 خلق الله إياه.

وما يختص بالنكرات؛ وهو: رب، وقد تدخل في الكلام على ضمير غيبة ملازم للإفراد، والتذكير، والتفسير بتمييز بعده مطابق للمعنى2؛ قال3:[الخفيف]

293-

ربه فتية دعوت إلى ما4

= "حاظلا" حالا من "بعلا" الواقع نكرة؛ وإما إذا عدت "ترى" علمية فـ"حاظلا" مفعول به ثان؛ والأول -هنا- أرجع.

موطن الشاهد: "كه، كهن".

وجه الاستشهاد: جر "الكاف" الضمير المتصل؛ وحكم جرها له الجواز للضرورة الشعرية.

1 فمذ في الحقيقة إنما جرت زمانا محذوفا مضافا إلى المصدر. ويشترط في الزمان المجرور بهما: أن يكون معينا لا مبهما، كمنذ زمن. وماضيا أو حالا لا مستقبلا، كمنذ غد. ومتصرفا لا غيره، كمنذ سحر، تريد سحر يوم بعينه، فإن لم ترده من يوم بعينه فهو متصرف كقوله تعالى:{إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} .

وشرط عاملهما أن يكون فعلا ماضيا: إما منفيا متكررا نحو: ما رأيته منذ يوم الجمعة. أو مثبتا متطاولا -فيه معنى الاستمرار- كسرت منذ يوم الخميس، ولا يجوز قتله مذ يوم الخميس.

2 في الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، وقد استغنى بمطابقة التمييز للمعنى عن مطابقة الضمير. والكوفيون يجيزون مطابقة الضمير لفظا تقول: ربها امرأة، وربهما رجلين

وهكذا.

التصريح: 2/ 4، والأشموني: 1/ 286، والدرر اللوامع: 2/ 21.

3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجز قوله:

يورث المجد دائبا فأجابوا

وهو من الشواهد: التصريح: 2/ 4، والأشموني: 2/ 286 عرضا، والهمع: 2/ 27، والدرر: 2/ 20، والشذور: 180/ 65، والعيني: 3/ 259، والمغني: 877/ 638، والسيوطي:296. =

ص: 16

د- ما يختص بالله ورب مضافا للكعبة أو لياء المتكلم؛ وهو التاء؛ نحو: {تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ} 1، و"ترب الكعبة"، و"تربي لأفعلن"، وندر:"تالرحمن""وتحياتك"2.

= المفردات الغريبة: فتية: جمع فتى. دعوت ناديت. يورث: يكسب المجد: الكرم والشرف. دائبا: مداوما مجتهدا فيه.

المعنى: كثير من الشباب دعوتهم إلى ما يكسبهم المجد والشرف والكرم، وثابرت على دعائهم فاستجابوا لما دعوتهم إليه، ولبوا ندائي.

الإعراب: ربه: "رب" حرف جر شبيه بالزائد، يفيد التقليل، و"الهاء" ضمير غيبة يعود إلى فتية المميز له؛ والمتاخر عنه، وهو مبني على الضم؛ وله محلان من الإعراب؛ الجر بـ"رب"؛ والرفع على الابتداء. فتية: تمييز لـ"ضمير الغيبة المجرور محلا بـ"رب".

دعوت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: فاعل؛ وجملة "دعوت": في محل نصب صفة لـ"فتية". "إلى ما": متعلق بـ"دعوت". يورث: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم، والفاعل: هو؛ يعود إلى الاسم الموصول. المجد: مفعول به منصوب؛ وجملة "يورث": صلة للموصول، لا محل لها. دائبا: حال من التاء في "دعوت" منصوب. فأجابوا: الفاء عاطفة، أجاب: فعل ماض مبني على الضم، لاتصاله بالواو؛ والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل؛

موطن الشاهد: "ربه فتيه".

وجه الاستشهاد: جر "رب" الشبيه بالزائد ضمير مفردا مذكورا، مع أنه مفسر بتمييز مجموع "فتية"؛ فدل ذلك، على أنه يجب إفراد الضمير وتذكيره مهما يكن مفسره؛ وذلك لأن هذا التمييز لازم، لا يجوز تركه؛ فتركوا بيان المراد من الضمير للتمييز؛ واختلف في الضمير المجرور بـ"رب" فقيل: معرفة، وقيل: نكرة؛ لأنه عائد على واجب التنكير. انظر شرح التصريح: 2/ 4.

1 21 سورة الأنبياء، الآية:57.

موطن الشاهد: "تالله لأكيدن".

وجه الاستشهاد: مجيء "التاء" حرف جر وقسم داخله على لفظ الجلالة؛ وهي تدخل على لفظ الجلالة كما في المتن، وعلى "رب" مضافا إلى الكعبة أو إلى ياء المتكلم، على رأي الأخفش؛ وندر دخولها على "الرحمن" و"حياتك"؛ فتقول:"تالرحمن، وتحياتك" على رأي سيبويه.

شرح التصريح: 2/ 4.

2 معناه: وحياتك، فالتاء بدل من واو القسم.

ص: 17

[معاني الحروف] .

فصل: في ذكر معاني الحروف1.

لـ"من" سبعة معان؛

أحدها: التبعيض؛ نحو: {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} 2، ولهذا قرئ:"بعض ما تحبون".

والثاني: بيان الجنس3................................................................

1 مذهب البصريين أن لكل حرف من حروف الجر معنى واحدا يؤديه على سبيل الحقيقة، فمعنى "في" الظرفية، و"على" الاستعلاء

إلخ. فإذا أدى الحرف معنى آخر غير المعنى الخاض به كانت تأديته لهذا المعنى بطريق المجاز، أو بتضمين العامل الذي يتعلق به الحرف معنى عامل آخر يتعدى بهذا الحرف. ولا بد لصحة استعمال المجاز من علاقة بين المعنى المنقول منه والمعنى المنقول إليه، وقرينة تصرف الذهن عن المعنى الأصلي إلى المعنى المجازي. ومذهب الكوفيين: أن قصر الحرف على معنى واحد تعسف لا مبرر له، وأنه إذا اشتهر استعمال الحرف في معنى، شاعت دلالته عليه؛ بحيث يفهمها السامع بلا لبس ولا غموض كان هذا المعنى حقيقيا بالنسبة للحرف، ولا مجاز ولا تضمين، وفي هذا المذهب تيسير، وقد رجحه كثير من المحققين، على أن الباحثين متفقون على أن المجاز إذا اشتهر وشاع أصبح حقيقة عرفية.

التصريح: التصريح: 2/ 4-5.

2 3 سورة آل عمران، الآية:92.

أوجه القراءات: ذكر صاحب التصريح أن قراءة "بعض ما تحبون" لعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه. انظر شرح التصريح: 2/ 8.

موطن الشاهد: "مما تحبون".

وجه الاستشهاد: مجيء "من" بمعنى "بعض"؛ لأن المراد: حتى تنفقوا بعض ما تحبون؛ ولذا، كلما جاز حذف "من" ووضع بعض مكانها؛ كانت دالة على التبعيض، كما في المتن.

3 أي بيان أن ما بعدها جنس يشمل ما قبلها، وأكثر ما تقع بعد "ما" و"مهما" لشدة إبهامهما، نحو {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} ، و {مَا نَنسَخ من آيَةٍ} وعلامتها: صحة الإخبار بما بعدها عما قبلها، وهنالك علامة أخرى وهي صحة حذف "من" ووضع اسم موصول مكانها؛ مع ضمير يعود على ما قبلها إن كان معرفة. فإن كان نكرة فالعلامة أن يخلفها الضمير وحده؛ فنحو:{أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} تقول فيه: هي ذهب. و"من" البيانية =

ص: 18

نحو: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} 1.

والثالث: ابتداء الغاية2 المكانية باتفاق؛ نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 3، والزمانية، خلاف لأكثر البصريين4، ولنا قوله تعالى:{مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}

= مع مجرورها ظرف في محل نصب على الحال إن كان ما قبلها معرفة، ونعت تابع لما قبلها إن كان نكرة.

مغني اللبيب: 420، الجنى الداني: 309-310، وصف المباني:323.

1 18 سورة الكهف، الآية:31.

موطن الشاهد: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ}

وجه الاستشهاد: مجيء "من" الثاينة دال على بيان الجنس، وأما "من" الأولى فزائدة؛ وأنكر بعض النحاة مجيء "من" لبيان الجنس، وقالوا: إن قوله تعالى {مِنْ ذَهَبٍ} ، و {مِنْ سُنْدُسٍ} للتبعيض، وليست لبيان الجنس.

2 المراد بالغاية هنا: المقدار والمسافة لا آخر الشيء، وعلامتها: أن يصلح في مكانها "إلى" أو ما يفيد فائدتها.

3 17 سورة الإسراء، الآية:1.

موطن الشاهد: {مِنَ الْمَسْجِدِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "من" مفيدة ابتداء الغاية المكانية؛ وحكم مجيئها مفيد هذا المعنى الجواز باتفاق.

4 يرى البصريون أن "من" لا تأتي لابتداء الغاية الزمانية، وأما الكوفيون، فيرون أنها تكون الغاية الزمانية، بقوله تعالى:{لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} ؛ ومعلوم أن "أول يوم" من الزمان؛ بينما زعم البصريون أن "من" في الآية لابتداء الغاية في الأحداث، وأن التقدير: من تأسيس أول يوم؛ وابن هشام في "مغني اللبيب" مال إلى رأي البصريين؛ فرأيه -هناك- خلاف رأيه هنا. انظر مغني اللبيب: 419، وشرح التصريح: 2/ 8.

5 9 سورة التوبة، الآية:108.

موطن الشاهد: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} .

وجه الاستشهاد: احتج الكوفيون بهذه الآية على مجيء "من" مفيدة ابتداء الغاية في الزمان -كما أسلفنا- بينما رأى البصريون أن "من" لابتداء الغاية في الأحداث -هنا- والتقدير: من تأسيس أول يوم.

ص: 19

والحديث: "فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة"1، وقول الشاعل2:[الطويل]

294-

تخيرن من أزمان يوم حليمة3

1 حديث رواه البخاري في باب الاستسقاء: 2/ 508؛ وفيه: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هلكت المواشي، وتقطعت السبل"، فدعا -أي رسول الله صلى اله عليه وسلم- فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة. ومثله في الموطأ: 1/ 191.

2 هو: النابغة الذبياني، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت يمدح فيه الشاعر عمرو بن الحارث الأعرج، أحد ملوك الغسانيين وعجزه قوله:

إلى اليوم قد جربن كل التجارب

وقبل الشاهد البيت المشهور:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 8، والأشموني: 533/ 2/ 287 وابن عقيل: 205/ 3/ 16 ومغني اللبيب: 598/ 420 والخزانة: 3/ 303، وشرح المفصل: 5/ 128، والعيني: 3/ 270، وديوان النابغة:6.

المفردات الغريبة: تخيرن: وقع الاختيار عليهن، واصطفين، وضمير الإناث للسيوف في البيت الأول. يوم حليمة: يوم من أيام العرب المشهورة. وكان سنة 61ق. هـ وحليمة هي: بنت الحارث بن أبي شمر ملك غسان، وكان أبوها قد وجه جيشا إلى المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة بالعراق، فشجعت الجيش ومنحت أفراده جزءا من طيبها فانتصر وقتل المنذر. وقد ضرب بذلك المثل فقيل:"وما يوم حليمة بسر" وهو يضرب لكل أمر مشهور. جربن: اختبرن وامتحن. التجارب: جمع تجربة وهي اختبار الشيء، مرة بعد أخرى.

المعنى: أن هذه السيوف، جربت واختبرب مرات كثيرة من هذا الوقت، وأظهرت التجارب مضاءها وصفاء جوهرها، وجودة صقلها وشدة فتكها بالأعداء.

الإعراب: تخيرن: فعل ماض مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة؛ والنون: في محل رفع نائب فاعل. من: حرف جر دال على ابتداء الغاية الزمانية. أزمان: اسم مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهو مضاف. ويوم: مضاف إليه وهو مضاف. حليمة: مضاف إليه؛ وقد صرفه الشاعر لاضطراره إلى تنوينه -لإقامة الوزن- ومن ثم، جره بالكسرة الظاهرة. "إلى اليوم": متعلق بـ"تخير". قد: حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. جربن: فعل ماض، مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة؛ و"النون" في محل رفع نائب فاعل. كل: معفول مطلق منصوب، وهو مضاف. التجارب: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة. =

ص: 20

والرابع: التنصيص على العموم1؛ أو تأكيد التنصيص عليه2؛ وهي الزائدة3؛ ولها ثلاثة شروط: ان يسبقها نفي، أو............................................................

= موطن الشاهد: "من أزمان".

وجه الاستشهاد: استشهد الكوفيون بهذا البيت على مجيء "من" دالة على ابتداء الغاية الزمانية، ورد عليهم البصريون بأن الكلام على تقدير مضاف؛ أي: من استمرار يوم حليمة؛ كما قدروا مضافا في الحديث الشريف السابق؛ لتكون "من" لابتداء الغاية في الأحداث؛ أي: من صلاة يوم الجمعة؛ وربما جاء الابتداء في غير الزمان والمكان، نحو قوله تعالى:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} . ضياء السالك: 2/ 252.

1 أي: عموم المعنى وشمول كل فرد من أفراد الجنس، وهي الداخلة على نكرة ليست ملازمة للوقوع بعد النفي، ولا تدل على العموم بنفسها؛ نحو: ما جاءني من رجل؛ ذلك أن كلمة "رجل" من النكرات التي قد تقع بعد النفي أو لا تقع؛ فوقوعها بعد النفي لا يفيد العموم والشمول لكل فرد، بل يحتمل خروج بعض الأفراد من دائرة النفي؛ فإذا أريد النص في الشمول على سبيل اليقين جيء بالحرف الزائد "من"، ووضع قبل النكرة مباشرة، ومن ثم لا يصح أن يقال: ما غاب من رجل وإنما غاب رجلان أو أكثر منعا للتناقض.

مغني اللبيب: 425، والتصريح: 2/ 8.

2 هي الداخلة على نكرة لا تستعمل إلا بعد نفي أو شبهه، فتدل بنفسها على العموم مثل: أحد -عريب- ديار، تقول: ما جاءني من أحد، فيدل ذلك دلالة قاطعة على العموم والشمول، وإنما كانت الأولى للتنصيص، وهذه للتأكيد؛ لأن النكرة الملازمة للنفي تدل على العموم بنفسها، فزيادة "من" تأكيد لذلك العموم. أما الأولى فإن النكرة قبل دخول "من" تحتمل نفي الواحدة ونفي الجنس على سبيل العموم؛ فدخولها نص على الثاني.

ضياء المسالك: 2/ 253.

3 المواضع التي تزاد فيها "من" على وجه التفصيل تسعة:

1-

قبل الفاعل، كقوله تعالى:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} ، فذكر: فاعل يأتي، وقبل "من" ما النافية.

2-

قبل النائب عن الفاعل، كقولك: ما اتهم من أحد بهذه التهمة، فأحد: نائب فاعل اتهم المبني للمجهول، وقبل "من" ما النافية.

3-

قبل المبتدأ، كقوله تعالى:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ} فخالق مبتدأ، وقبل "من" هل الاستفهامية.

4-

قبل اسم كان، كقوله تعالى:{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ} فخرج: اسم كان، وقبل "من" ما النافية.

ص: 21

.................................. نهي1، أو استفهام بهل2، وأن يكون مجرورها نكرة، وأن

= 5- قبل المفعول به، كقوله تعالى:{هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} فأحد: مفعول به لتحس، وقبل "من" هل الاستفهامية.

6-

قبل المفعول الأول من مفعولي ظن وأخواتها، نحو: ما ظننت من أحد يذهب إلى مثل ما ذهبت إليه.

7-

قبل المفعول الأول من مفعولات أعلم وأخواتها نحو: ما أعلمت من أحد أنك مسافر.

8-

قبل المفعول الأول من مفعولي أعطى، نحو: ما أعطيت من أحد مثل ما أعطيتك.

9-

قبل المفعول الثاني من مفعولي أعطى نحو: ما منحت أحدا من دينار.

وكل هذه المواضع يصدق عليها أنها فاعل أو مفعول أو مبتدأ.

وزيادتها يعني وقوعها في موضع يطلبه العامل بدونها فتكون مقحمة بين طالب ومطلوب، وإن كان سقوطها مخلا بالمعنى المراد.

الجنى الداني: 319، وحاشية يس على التصريح: 2/ 9.

1 فلا تزاد في الإثبات إلا في تمييز "كم" الخبرية؛ إذا كان مفصولا منها بفعل متعد، نحو قوله تعالى:{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} .

فائدة: ذهب الكوفيون إلى أنه لا يشترط في مجرور "من" الزائدة إلا شرط واحد، وهو أن يكون مجرورها فاعلا، أو مفعولا، أو مبتدأ، ولا يشترط أن يتقدم عليها نفي، أو استفهام، أو نهي؛ واستدلوا على ذلك بورودها زائدة في الكلام الموجب الذي لم يتقدمه نفي أو نهي أو استفهام، كما في قولهم:"قد كان من مطر" وقولهم: "وقد كان من حديث فخل عني"؛ فكان -هنا- تامة محتاجة إلى فاعل، و"من" زائدة، و"مطر" و"حديث" فاعل؛ وكلاهما مجرور لفظا مرفوع محلا؛ وأول بعض العلماء هذين الشاهدين بأن الفاعل فيهما ضمير مستتر؛ تقديره: هو، يعود إلى اسم الفاعل كان؛ والتقدير: قد كان هو -أي الكائن- من مطر؛ وفي الثاني: قد كان هو -أي الكائن- من حديث؛ وقالوا: لو سلمنا بأن الاسم الذي دخلت عليه "من" هو الفاعل، فلا نسلم بأنه لم يتقدم عليه نفي أو استفهام بهل؛ بل ندعي أنه قد سبقه استفهام بـ"هل"، وندعي أن هذا الكلام واقع في جواب كلام، وأنه وارد على سبيل حكاية ما تكلم به المستفهم. وكأن قائلا يقول: هل كان من مطر؟، فقيل له: قد كان من مطر؛ وهل كان من حديث؟، فقيل له: قد كان من حديث؛ وهذا تكلف، لا نرى له مسوغا.

وذهب الأخفش والكسائي وهشام إلى أنه تجوز زيادة "من" بغير شرط؛ فتزاد بعد الإيجاب، وبعد النفي؛ ويجوز أن يكون مدخولها معرفة، وأن يكون نكرة؛ ويجوز أن يكون واقعا في أحد مواقع الإعراب المذكورة، أو في غيرها.

وانظر شرح التصريح: 2/ 9-10، ومغني اللبيب: 428، والجنى الداني:318.

2 أو بالهمزة كذلك على الراجح، نحو: هل جاءك، أو أجاءك من بشير؟. هذا وقد زاد =

ص: 22

= الفارسي، الشرط، واستشهد لذلك بقول زهير بن أبي سلمى:

ومهما تكن عند امرئ من خلقية

وإن خالها تخفى على الناس تعلم

مغني اللبيب: 425-426.

1 21 سورة الأنبياء، الآية:2.

موطن الشاهد: {مِنْ ذَكَرٍ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "من" حرف جر زائد في الآية الكريمة، بعد النفي ومجيء المجرور بها -لفظا- فاعلا لـ"تأتيهم" المنفي بـ"ما" وهو نكرة؛ وحكم مجيئها حرف جر زائد -في هذه الحال- الجواز باتفاق.

2 19 سورة مريم، الآية:98.

موطن الشاهد: "من أحد".

وجه الاستشهاد: مجيء "من" حرف جر زائد في الآية الكريمة؛ حيث جاءت بعد الاستفهام بـ"هل" وجاء المجرور بها -لفظا- مفعولا به لفعل "تحس" المسبوق بـ"هل"؛ وحكم مجيء "من" حرف جر زائد -في هذه الحال- الجواز باتفاق.

فائدة: قد تزاد "من" مع المفعول المطلق، كما في قوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ، وقوله جل جلاله:{وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} ، فجعل أبو البقاء "شيء" بمعنى تفريط في الآية الأولى، وبمعنى "ضرر" في الآية الثانية.

شرح التصريح: 2/ 9، ومغني اللبيب:426.

3 35 سورة فاطر، الآية:3.

موطن الشاهد: "هل من خالق".

وجه الاستشهاد: مجيء "من" حرف جر زائد بعد الاستفهام، ومجيء المجرور به -لفظا- نكرة، وهو مبتدأ.

4 أي: أن تكون بمعنى كلمة "بدل" بحيث يصح أن تحل هذه الكلمة محلها؛ وقد أنكر قوم مجيء "من" للبدل، فقالوا: التقدير في هذه الآية، أي بدلا من الآخرة، وعلى هذا يكون المفيد للبدل هو متعلق "من"، لا "من" نفسها و"من" هنا للابتداء. مغني اللبيب: 423، التصريح: 2/ 10.

5 9 سورة التوبة، الآية:38.

ص: 23

والسادس: الظرفية1، نحو:{مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} 3.

والسابع4: التعليل؛ كقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ.............................................

= موطن الشاهد: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "من" في الآية الكريمة بمعنى "بدل" أي بدل الآخرة، وأنكر قوم مجيئها للبدل كما أوضحنا.

1 مكانية أو زمانية، وهذا هو قول الكوفيين، وقال البصريون: هي في الآيتين؛ لبيان الجنس كما في قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} مغني اللبيب: 420.

2 35 سورة فاطر، الآية:40.

موطن الشاهد: "من الأرض".

وجه الاستشهاد: مجيء "من" بمعنى "في" تفيد الظرفية المكانية على مذهب الكوفيين، والبصريون رأوا أنها -هنا- لبيان الجنس، وليست للظرفية، كما بينا.

3 62 سورة الجمعة، الآية:9.

موطن الشاهد: "من يوم".

وجه الاستشهاد: مجيء "من" بمعنى "في" أي: في يوم الجمعة؛ فهي في هذه الآية بمعنى الظرفية الزمانية -على مذهب الكوفيين- والبصريون يرون أنها لبيان الجنس.

4 وقد ذكر في المغني إضافة إلى هذه المعاني:

ثامنا: المجاوزة كـ"عن" نحو قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} أي عن ذكر الله.

تاسعا: وهو الانتهاء، نحو قولك: قربت منه، أي إليه.

عاشرا: وهو الاستعلاء، نحو قوله تعالى:{وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} أي عليهم وخرجها المانعون على التضمين؛ أي: منعناه بالنصر من القوم.

حادي عشر: وهو الفصل؛ كقوله تعالى: {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} ونحو: لا تعرف زيدا من عمرو. فقد دخلت "من" على متضادين أو نحوهما.

ثاني عشر: بمعنى الباء، وهذا عند بعض البصريين، وبعض الكوفيين؛ نحو:{يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} أي بطرف.

ثالث عشر: موافقة "عند" كقوله تعالى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} قاله أبو عبيدة.

رابع عشر: مرادفة "ربما" وذلك إذا اتصلت بما كقوله: إنا لمما نضرب الكبش ضربة.

خامس عشر: للغاية، تقول: رأيته من ذلك الموضع، فجعلته غاية لرؤيتك. وقد أسقط المصنف ذكر هذه المعاني لما في بعضها من الرد. =

ص: 24

أُغْرِقُوا} 1، وقال الفرزذق:[الطويل]

يغضي حياء ويغضَى من مهابته3

[معاني اللام] :

وللام اثنا عشر معنى:

أحدها: الملك3، نحو:{لَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} 4.

والثاني: شبه الملك، ويعبر عنه بالاختصاص5؛ نحو:"السرج للدابة".

= التصريح: 2/ 10، ومغني اللبيب: 419 وما بعدها.

1 71 سورة نوح، والآية:25.

موطن الشاهد: "مما خطيئاتهم".

وجه الاستشهاد: مجيء "من" مفيدة التعليل -على رأي جماعة من النحاة- لأن التقدير: أغرقوا لأجل خطاياهم؛ فقدمت العلة على المعلول للاختصاص. شرح التصريح: 2/ 10.

2 هذا صدر بيت، من كلمة يقولها الفرزدق في مدح زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم. وعجز هذا البيت قوله:

فما يكلم إلا حين يبتسم

وقد مر تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه.

موطن الشاهد: "من مهابته".

موطن الاستشهاد: مجيء "من" مفيدة التعليل -على رأي بعض النحاة- لأن التقدير: يغضى منه لأجل مهابته؛ والإغضاء: إرخاء الجفون.

فائدة: إذا ولي "من" اسم مبدوء بـ"أل" فالأحسن فتح نونها؛ نحو: قدم المدينة؛ وإذا وليها ساكن آخر، فالأغلب كسر نونها؛ نحو: سررت من اجتهادك. ضياء السالك: 2/ 254.

3 هي التي تقع بين ذاتين، الثانية منهما هي التي تملك حقيقة، وهذا المعنى أكثر استعمالاتها؛ نحو: القلم للتلميذ.

4 31 سورة لقمان، الآية:26.

موطن الشاهد: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" مفيدة معنى الملك؛ لأن ما في السموات وما في الأرض ملك لله تعالى.

5 وتقع بين ذاتين؛ ثانيتهما لا تملك حقيقة، وإنما تختص بالأولى دون تملك من أحداهما =

ص: 25

والثالث: التعدية؛ نحو: "ما أضرب زيدا لعمرو"1.

والرابع: التعليل؛ كقوله: [الطويل]

وإني لتعروني لذكراك هزة2

والخامس: التوكيد؛ وهي الزائدة3؛ نحو قوله4: [الكامل]

295-

ملكا أجار لمسلم ومعاهد5

= للأخرى، كمثال المصنف. أو أولاهما لا تملك؛ كأنت لي، وأنا لك، وقد تقع اللام قبل الذاتين، نحو: لأخي ابن ذكي. فإن وقعت بين معنى وذات، نحو الحمد لله، والويل للكافرين، كانت للاستحقاق، وقد يعبر عن الجميع بلام الاختصاص.

مغني اللبيب: 275.

1 "ضرب" متعد في الأصل، فلما بني للتعجب؛ نقل إلى "فعل" فصار قاصرا فعدي بالهمزة إلى زيد وباللام إلى عمرو؛ هذا مذهب البصريين؛ وذهب الكوفيون إلى أن الفعل باقٍ على تعديته، ولم ينقل، واللام هنا لتقوية العامل لضعفه باستعماله في التعجب.

2 تقدم تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه في "باب إن وأخواتها".

موطن الشاهد: "لذكراك".

وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" مفيدة التعليل؛ والتقدير: تعروني -لأجل تذكري إياك- هزة.

3 وتقع بين الفعل ومعموله المؤخر عنه كمثال المؤلف، وبين المتضايفين نحو: يا بؤس للحرب. وفائدتها، تقوية المعنى دون العامل ولا تتعلق بشيء وهناك رأيان في ما بعدها، أهو مجرور بها، أم بالمضاف؟.

4 القائل: هو الرماح بن أبرد المعروف بابن ميادة، وقد مرت ترجمته.

5 تخريج الشاهد:

هذا عجز بيت، وصدره وقوله:

ومكلت ما بين العرق ويثرب

والبيت من كلمة للشاعر في مدح أمير المدينة؛ عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان ومطلع هذه القصيدة قوله:

من كان أخطأه الربيع فإنما

نضر الحجاز بغيث عبد الواحد

إن المدينة أصبحت معمورة

بموج حلو الشمائل ماجد

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 11، والأشموني: 540/ 2/ 90 مغني اللبيب: =

ص: 26

وأما {رَدِفَ لَكُمْ} 1؛ فالظاهر: أنه ضمن معنى اقترب؛ فهو مثل {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} 2.

= 392/ 285، والأغاني "بولاق": 2/ 115، والعيني: 3/ 278، والهمع: 2/ 33، 157، والسيوطي:197.

المفردات الغريبة: يثرب: الاسم القديم للمدينة المنورة، سميت باسم رجل من العمالقة بناها، وتسمى كذلك "طيبة" سماها بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. أجار: حفظ وحمى. معاهد: هو من يدخل بلاد الإسلام بعهد من الإمام.

المعنى: لقد امتد سلطانك وانبسط نفوذك، حتى شمل ما بين العراق والمدينة المنورة، وشملت الجميع بعدلك وحمايتك، سواء في ذلك المسلم والمعاهد.

الإعراب: ملكت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: فاعل. ما: اسم موصول بمعنى الذي، مفعول به لـ"ملكت" مبني على السكون في محل نصب. "بين": متعلق بمحذوف صلة الموصول، وهو مضاف. العراق: مضاف إليه مجرور. ويثرب: الواو عاطفة، يثرب: اسم معطوف على العراق مجرور مثله؛ وصرف الشاعر "يثرب" اضطرارا لإقامة الوزن؛ فنونه، وجره بالكسرة. ملكا: مفعول مطلق منصوب. أجار: فعل ماض، والفاعل: هو؛ وجملة "أجار": في محل نصب صفة لـ"ملكا" لمسلم: اللام حرف جز زائد، لا محل له من الإعراب، مسلم: اسم مجرور لفظا منصوب محلا، على أنه مفعول به لـ"أجار". ومعاهد: الواو عاطفة، معاهد: اسم معطوف على مسلم -على لفظه- مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

موطن الشاهد: "لمسلم".

وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" زائدة لمجرد التوكيد؛ لأن فعل "أجار" يتعدى بنفسه، وقد تقدم على معموله؛ فهو ليس بحاجة إلى اللام.

1 27 سورة النمل، الآية:72.

موطن الشاهد: {رَدِفَ لَكُمْ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" في الآية الكريمة زائدة على رأي المبرد؛ بينما يرى ابن هشام أن فعل "ردف" ضمن معنى اقترب؛ وعليه فاللام صلة له، لا زائدة، وبه جزم في المغني، وهو الأرجح، والصواب. انظر شرح التصريح: 2/ 11، والمقتضب: 2/ 37، والمغني:285.

2 21 سورة الأنبياء، الآية:1.

موطن الشاهد: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" صلة لفعل "اقترب" فهي ليست زائدة في الآية الكريمة.

ص: 27

والسادس: تقوية العامل الذي ضعف: إما بكونه فرعا في العمل1؛ نحو: {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 3، وإما بتأخره عن المعمول؛ نحو:{إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} 4، وليست المقوية زائدة محضة5، ولا معدية محضة6؛ بل هي بينهما.

والسابع: انتهاء الغاية؛ نحو: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً} 7.

والثامن: القسم؛ نحو: "لله لا يؤخر الأجل"8.

1 أي مأخوذا من غيره كالفروع، وذلك كالمصدر، ومثاله قوله: ساءني ضرب علي لخالد واسم الفاعل، ومنه الآية الأولى في أمثله المؤلف، واسم المفعول؛ نحو: زيد معطى للدراهم. وأمثلة المبالغة، ومن أمثلته الآية الثانية من أمثلة المؤلف.

2 2 سورة البقرة، الآية 91.

موطن الشاهد: {مُصَدِّقًا لِمَا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" زائدة لتقوية العامل "مصدقا"؛ لأنه اسم فاعل؛ فهو فرع في العمل؛ فقوي باللام.

3 85 سورة البروج، الآية:16.

موطن الشاهد: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" زائدة لتقوية العامل "فعال"؛ لأنه صيغة مبالغة؛ فهو فرع في العمل؛ فقوي باللام.

4 12 سورة يوسف، الآية:43.

موطن الشاهد: {لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} .

وجه الاستشهاد: الأصل -والله أعلم- إن كنتم تعبرون الرؤيا؛ فلما أخر الفعل، وقدم معموله عليه؛ ضعف عمله فقوي باللام.

5 لأنها تفيد التقوية وتتعلق بالعامل الذي قوته؛ بخلاف الزائدة المحضة؛ فإنها لا تتعلق بشيء.

6 وذلك لاطراد صحة إسقاطها.

7 35 سورة فاطر، الآية:13.

موطن الشاهد: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً} .

وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" مفيدة لانتهاء الغاية؛ لأن المعنى: كل يجري إلى أجل مسمى المعنى.

8 القسم والتعجب معا، ويشترط أن تكون جملة القسم محذوفة، وأن يكون المقسم به لفظ =

ص: 28

والتاسع: التعجب؛ نحو: "لله درك! "1.

والعاشر: الصيرورة2؛ نحو: [الوافر]

296-

لدوا للموت وابنوا للخراب3

= الجلالة؛ لأنها خلف عن التاء، والتاء أكثر ما تستعمل مع لفظ الجلالة، كقوله تعالى:{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} . مغني اللبيب: 282.

1 أي: المجرد عن القسم، بشرط القرينة، ويغلب أن يكون بعد النداء؛ نحو: يا للغروب وما فيه من روعة، وكون اللام للتعجب -هنا- يخالف ما قاله النحاة من أن الصيغة كلها للتعجب، ويجاب بالتزام ما قالوه في باب التعجب، وإن ما قيل -هنا- من باب نسبة ما للكل إلى ما للجزء؛ فهو مجاز مرسل علاقته الكلية والجزئية. حاشية يس على التصريح: 2/ 11-12.

2 أي: لبيان ما يصير إليه الأمر، وتسمى كذلك "لام العاقبة"؛ لأنها توضح عاقبة الشيء وما يؤول إليه.

همع الهوامع: 2/ 32، ومغني اللبيب:282.

3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

فكلكم يصير إلى الذهاب

وهو من شواهد التصريح: 2/ 12، والهمع: 2/ 32، والدرر: 2/ 31.

المفردات الغريبة: لدوا: فعل أمر من الولادة.

المعنى: لدوا وتكاثروا وابنوا وشيدوا كما تشاءون ليكون المآل والمصير والعاقبة إلى ما ذكر؛ فكل إنسان مصيره الموت والفناء.

الإعراب: لدوا: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: فاعل، والألف: للتفريق. للموت: متعلق بـ"لدوا". وابنوا: الواو عاطفة، ابنوا: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: في محل رفع فاعل، والألف: للتفريق؛ وجملة "ابنوا": معطوفة على جملة "لدوا" لا محل لها. "للخراب": متعلق بـ"ابنوا". فكلكم: الفاء تعليلية، لا محل لها من الإعراب، كل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"كم": مضاف إليه. يصير: فعل مضارع ناقص مرفوع، وفاعله: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى "كل". "إلى زوال": متعلق بخبر "يصير" المحذوف؛ وجملة "يصير إلى زوال": في محل رفع خبر "كل"؛ وجملة "كلكم يصير إلى زوال": تعليلية، لا محل لها.

موطن الشاهد: "للموت، للخراب".

وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" في الموضعين للصيرورة، وليست للتعليل؛ لأن =

ص: 29

والحادي عشر: البعدية، نحو:{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} 1، أي: بعده.

والثاني عشر: الاستعلاء2، نحو:{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} 3؛ أي: عليها4.

= الموت، ليس علة للولد، ولأن الخراب ليس علة للبناء؛ فالموت والخراب أمران يصير المآل إليهما، من غير أن يكون أحدهما باعثا أو حافزا؛ ومثل هذا، قوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} فالباعث الذي بعث فرعون على التقاط موسى وتربيته؛ ليكون لهم قرة عين، وأن يتخذ ولدا، لكن صادف أن كانت عاقبته ومآله أن كان لهم عدوا. وقد منع البصريون أن تجيء اللام للصيرورة، وزعم الزمخشري أنها لا تنفك عن التعليل؛ وهؤلاء يجعلون اللام في البيت وفي الآية الكريمة داخلة على محذوف؛ هو العلة الباعثة. انظر مغني اللبيب:283.

1 17 سورة الإسراء: الآية: 78.

موطن الشاهد: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" بمعنى "بعد"؛ لأن المراد: بعد دلوك الشمس، وهذه الآية، ذكرت في "باب المفعول له" وذكر المؤلف -هناك- أن اللام للتعليل، وفسر الدلوك بميل الشمس عن وسط السماء.

2 أي: الدلالة على أن شيئا حسيا أو معنويا وقع فوق الاسم الذي بعدها؛ فتكون بمعنى "على".

3 17 سورة الإسراء، الآية:109.

موطن الشاهد: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" مفيدة معنى الاستعلاء حقيقة؛ لأن المعنى: يخرون عليها؛ وتأتي بمعنى الاستعلاء المعنوي؛ ومثاله، قوله تعالى:{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أي: عليها؛ ومن شواهد مجيء اللام بمعنى "على" قول النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة، حين اشترت بريرة:"اشترطي لهم الولاء" أي: عليهم، وعليه خرج قوله تعالى:{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} ، وتله: كبه وصرعه.

4 وتأتي "اللام" في النسب؛ نحو: لزيد عم هو لعمرو خال.

وللتبليغ؛ نحو؛ {قُلْ لِعِبَادِيَ} ، وللتبيين؛ نحو: سقيا لك. وللظرفية نحو {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي: فيه. وبمعنى "عند"، كقراءة الجحدري {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} -بكسر اللام وتخفيف الميم- أي: عند مجيئه إياهم. وبمعنى "من"؛ نحو قول جرير: "ونحن لكم يوم القيامة أفضل" أي: نحن أفضل منكم يوم القيامة وبمعنى "عن" إذا استعملت مع القول؛ نحو: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي: عن الذين آمنوا. وللتمليك وشبهه؛ نحو: وهبت لزيد دينارا، ونحو {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} . مغني اللبيب: 280، والهمع: 2/ 32، والتصريح: 2/ 12.

ص: 30

[معاني الباء] :

وللباء اثنا عشر معنى أيضا:

أحدها: الاستعانة؛ نحو: "كتبت بالقالم"1.

والثاني: التعدية2؛ نحو: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} 3؛ أي: أذهبه.

والثالث: التعويض؛ كـ"بعتك هذا بهذا"4.

1 "الباء" دالة على آلة الفعل وأداته التي يحصل بها معناه، فهي الواسطة بين الفاعل ومفعوله المعنوي؛ ولذلك تسمى "باء الآلة"؛ ومثلها؛ نجرت بالقدوم. وذكر الزمخشري قولين في باء البسملة؛ أحدهما: أن الباء فيها للآلة مجازا؛ لأن الفعل لا يتأتى على أتم وجه وأكمله إلا بالاستعانة بالله. والثاني: أن الباء فيها للمصاحبة، وذلك تحاشيا من سوء الأدب مع الله عز وجل أن يجعل آلة ولو مجازا.

التصريح: 2/ 12.

2 أي: يستعان بها غالبا في تعدية الفعل إلى مفعوله كما تعديه همزة النقل؛ ولذلك تسمى "باء النقل"، وأكثر ما تعدي الفعل القاصر، كمثال المصنف، ومن ورودها مع الفعل المتعدي قوله تعالى:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} والأصل: دفع بعض الناس بعضا.

3 2 سورة البقرة، الآية:17.

أوجه القراءات: قرئت: أذهب الله نورهم.

موطن الشاهد: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى التعدية.

رد العلماء بهذه الآية على المبرد والسهيلي اللذين زعما أن بين التعدية بالهمزة والتعدية بالباء فرقا، شرح التصريح: 2/ 12.

4 هي الداخلة على الأعواض والأثمان، حسا أو معنى، والعوض: دفع شيء في مقابلة شيء آخر؛ ولذلك تسمى باء المقابلة، ومثل المؤلف للعوض الحسي، أما المعنوي؛ فنحو: قابلت إحسانه بالشكر والدعاء، وجعل من هذا النوع قوله تعالى:{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} خلاف للمعتزلة؛ لأن دخول الجنة، قد يكون بالعوض، وقد يكون فضلا من الله وإحسانا. وحملت الباء في قوله صلى الله عليه وسلم:"لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" على أنها للسببية؛ ليدل على أن العمل ليس سببا موجبا لدخول الجنة. وهذا ينفي التعارض بين الحديث والآية.

مغني اللبيب: 141، والتصريح: 2/ 12.

ص: 31

والرابع الإلصاق1؛ نحو: "أمسكت بزيد"2.

والخامس: التبعيض3؛ نحو: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} 4؛ أي: منها.

والسادس: المصاحبة5؛ نحو: {وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ} 6؛ أي: معه.

والسابع: المجاوزة7؛ نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} 8؛ أي: عنه.

1 الإلصاق هو: مطلق التعليق، وهذا المعنى أصل معانيها لا يفارقها، يؤيد هذا قول سيبويه: "وإنما هي للإلصاق والاختلاط

وما اتسع من هذا في الكلام فهذا أصله".

وهو إما حقيقي، كمثال المصنف، أو مجازي؛ نحو: مررت بمحمد، أي: جعلت مروري بمكان يقرب من مكانه.

المغني: 137-138.

2 معناه: قبضت على شيء من جسمه، أو مما يتصل به من ثوب أو نحوه، وهذا أبلغ من أمسكت زيدا؛ لأنه يفيد منعه من الانصراف بأي وجه كان.

3 أثبت مجيء الباء للتبعيض الأصمعي، والفارسي، والقتبي، وابن مالك والكوفيون، واستدلوا بالآية التي تلاها المؤلف، وبقوله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} وعلى هذا بنى الشافعي مذهبه في أن الواجب في الوضوء مسح بعض الرأس. انظر شرح التصريح: 2/ 13.

4 76 سورة الإنسان، الآية:6.

موطن الشاهد: {يَشْرَبُ بِهَا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى التبعيض في الآية الكريمة؛ لأن المعنى: يشرب منها، كما بين المؤلف في المتن.

5 المصاحبة: انضمام شيء إلى آخر انضماما يقتضي تلازمهما فيما يقع عليهما أو منهما، وعلامتها: أن يصلح في موضعها "مع"، ويغني عنها وعن مصحوبها الحال.

6 5 سورة المائدة، الآية:61.

موطن الشاهد: {دَخَلُوا بِالْكُفْرِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى المصاحبة؛ لأن معنى وقد دخلوا بالكفر؛ أي: معه؛ أو كافرين المعنى.

7 أي: التي يصلح في مكانها "من". قيل: ويختص هذا المعنى بالسؤال، كما مثل المصنف، وبدليل {يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} وقيل: لا يختص بذلك بدليل قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} ، أي: عنه شرح التصريح: 2/ 13.

8 25 سورة الفرقان، الآية:59. =

ص: 32

والثامن: الظرفية1؛ نحو: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} 2؛ أي: فيه، ونحو:{نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} 3.

والتاسع: البدل؛ كقول بعضهم4: "ما يسرني أني شهدت بدرا بالعقبة"؛ أي: بدلها.

والعاشر: الاستعلاء؛ نحو: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} 5؛ أي: على قنطار.

والحادي عشر: السببية؛ نحو: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} 6.

= موطن الشاهد {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى المجاوزة؛ لأن المعنى: فاسأل عنه خبيرا.

1 هي التي يصلح في مكانها "في"، والظرفية مكانية وزمانية.

2 28 سورة القصص، الآية:44.

موطن الشاهد: {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى الظرفية المكانية؛ والتقدير: وما كنت فيه، كما في المتن.

3 54 سورة القمر، الآية:34.

موطن الشاهد: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى الظرفية الزمانية؛ والتقدير: نجيناهم فيه.

4 القول للصحابي الجليل، رافع بن خديج، وفي الحديث:"ما يسرني بها حمر النعم" أي: بدلها.

5 3 سورة آل عمران، الآية:75.

موطن الشاهد: {تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى الاستعلاء؛ لأن المعنى -كما جاء في المتن: على قنطار. ومن أدلة أنه يحسن في موضعها "على" قوله تعالى: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ} شرح التصريح: 2/ 13.

6 5 سورة المائدة، الآية:13.

موطن الشاهد: {بِمَا نَقْضِهِمْ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "الباء"مفيدة معنى السببية؛ لأن المعنى: لعناهم بسبب نقضهم ميثاقهم؛ وهي غير الداخلة على آلة الفعل "باء الاستعانة" خلافا لابن مالك الذي أدرجهما في بعضهما.

ص: 33

والثاني عشر: التأكيد؛ وهي الزائدة1؛ نحو: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 2، ونحو:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 3، ونحو:"بحسبك درهم"، ونحو:"زيد ليس بقائم"4.

[معاني "في"] :

ولـ"في" سنة معان:

1-

الظرفية؛ حقيقة مكانية أو زمانية؛ نحو: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} 5، ونحو:{فِي بِضْعِ سِنِينَ} 6.

1 وتزاد الباء في الحال المنفي عاملها، وفي التوكيد بالنفس والعين كقوله تعالى:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} وفي هاتين الحالتين خلاف.

مغني اللبيب: 144 وما بعدها.

2 4 سورة النساء، الآية:79.

موطن الشاهد: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" زائدة مفيدة معنى التوكيد؛ وزيدت -هنا- مع الفاعل؛ لأن المعنى: كفى الله شهيدا.

3 2 سورة البقرة، الآية:195.

موطن الشاهد: {لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" زائدة مفيدة معنى التوكيد؛ وقد زيدت -هنا- مع المفعول؛ لأن المعنى: لا تلقوا أيديكم.

4 زيادة الباء في المثال الأول مع المبتدأ مع لفظ حسب، وفي المثال الثاني مع خبر "ليس". توجيه: تأتي الباء للقسم وهي أصل أحرفه، وتستعمل في القسم الاستعطافي، وهو المؤكد بجملة طلبية؛ نحو: بالله هل قام زيد، أي أسألك بالله مستحلفا، وغير الاستعطافي، وهو المؤكد بجملة خبرية؛ نحو: بالله لتفعلن، وللغاية؛ نحو:{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} أي: إلي. وقيل: ضمن "أحسن" معنى لطف؛ وللتعدية؛ نحو: بأبي أنت وأمي، أي فداك أبي وأمي.

مغني اللبيب: 137، همع الهوامع: 2/ 21، التصريح: 2/ 13.

5 30 سورة الروم، الآية:3.

موطن الشاهد: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى الظرفية المكانية حقيقة؛ وقد اكتسبت معنى الظرفية من المضاف إليها "أدنى"؛ وأدنى: اسم تفضيل من الدنو.

6 30 سورة الروم، الآية:4.

ص: 34

= موطن الشاهد: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى الظرفية الزمانية حقيقة؛ وبضع: اسم لما بين الثلاث إلى التسع.

فائدة: الظرفية الحقيقية، هي التي يكون الظرف والمظروف فيها من الذوات، فإن كانا جميعا من أسماء المعاني؛ نحو قوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أو كان الظرف من أسماء المعاني، والمظروف من أسماء الذات؛ نحو قولك: المتقون في رحمة الله، أو كان الظرف ذاتا، والمظروف معنى؛ كانت الظرفية مجازية وقد اجتمعت الظرفية الحقيقية والمجازية في قوله تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} . شرح التصريح: 2/ 13-14.

1 33 سورة الأحزاب، الآية:21.

موطن الشاهد: {كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة الظرفية المجازية؛ لاختلال شرط الظرفية الحقيقية؛ حيث أتى الظرف ذاتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمظروف معنى "أسوة".

2 24 سورة النور، الآية:14.

موطن الشاهد: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى السببية؛ لأن المعنى: لمسكم عذاب عظيم بسبب ما أفضتم -أي: خضتم فيه من حديث الإفك، وما اتهمتم به السيدة عائشة رضي الله عنها وجاء في الحديث الشريف: "دخلت امرأة النار في هرة حبستها

" أي: بسبب؛ أو لأجل هرة حبستها.

3 7 سورة الأعراف، الآية:38.

موطن الشاهد: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى المصاحبة؛ لأن المعنى: ادخلوا مع أمم؛ و"في" التي تفيد المصاحبة؛ هي التي نستطيع أن نضع مكانها "مع".

4 20 سورة طه، الآية:71.

موطن الشاهد: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ} .

ص: 35

5-

والمقايسة1؛ نحو: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} 2.

6 وبمعنى الباء؛ نحو3: [الطويل]

297-

بصيرون في طعن الأباهر والكلى4

= وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى الاستعلاء؛ لأن المعنى: لأصلبنكم على جذوع النخل -على رأي الكوفيين والقتبي- وقيل: ليست -هنا- للاستعلاء، ولكن شبه المصلوب لتمكنه من الجذع بالحال في الشيء.

1 أو الموازنة، وهي أن يكون ما قبلها ملاحظا بالقياس إلى ما بعدها، ويحكم عليه بعد هذا القياس بأمر ما؛ فهي واقعة بين مفضول سابق وفاضل لاحق، ولا مانع من العكس أحيانا.

2 9 سورة التوبة، الآية:38.

موطن الشاهد: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى المقايسة؛ لأن المعنى: فما متاع الحياة الدنيا بالقياس إلى الآخرة.

3 قائل هذا البيت، هو الصحابي زيد الخير، والذي كان يعرف في الجاهلية بزيد الخيل؛ وذلك؛ لكثرة خيله، يكنى أبا مكنف، كان طويلا جسيما وشاعرا محسنا، أدرك الإسلام ووفد مع قومه طيئ على الرسول صلى الله عليه وسلم وقد فرح بإسلامه، وقال: ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون ما وصف لي، غيرك. الشعر والشعراء: 1/ 286، تجريد الأغاني: 1867، الأعلام: 3/ 61، الإصابة: ت: 2935، الخزانة: 21/ 448.

4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

ويركب يوم الروع منا فوارس.

والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 14، والأشموني: 550/ 2/ 292، والخزانة: 4/ 165، وأمالي ابن الشجري: 2/ 268، والهمع: 2/ 30، والدرر: 2/ 26، والمغني: 305/ 224.

المفردات الغريبة: الروع: الفزع والخوف. فوارس: جمع فارس على غير قياس. بصيرون: عارفون وخبيرون. الأباهر: جمع أبهر، وهو عرق متصل بالقلب، إذا انقطع مات صاحبه، الكلى: جمع كلوة أو كلية.

المعنى: في اليوم الذي يفزع فيه الناس ويرهبون -وهو يوم الحرب- يركب منا فرسان شجعان مدربون على الحرب، خبيرون بطعن المقاتل التي تقضي على الأعداء.

الإعراب: ويركب: الواو عاطفة، يركب: فعل مضارع مرفوع. "يوم": متعلق =

ص: 36

[معاني "على"] :

ولـ"على" أربع معان:

أحدها: الاستعلاء1، نحو:{وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} 2.

= بـ"يركب"، وهو مضاف. الروع: مضاف إليه مجرور. "منا": متعلق بمحذوف حال من فوارس؛ والأصل بمحذوف صفة لفوارس؛ فلما تقدم عليه، صار حالا؛ لأن الصفة، لا تتقدم على الموصوف. فوارس: فاعل مرفوع، وقد صرفه الشاعر -للضرورة- ونونه؛ ومعلوم أن "فوارس" ممنوع من الصرف؛ لكونه على زنة منتهى الجموع. بصيرون: صفة لـ"فوارس" مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم. "في طعن": متعلق بـ"بصيرون"، وهو مضاف. الأباهر: مضاف إليه مجرور؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله. والكلى: الواو عاطفة، الكلى: اسم معطوف على الأباهر، مجرور مثله، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف؛ منع من ظهروها التعذر.

موطن الشاهد: "في طعن".

وجه الاستشهاد: مجيء "في" بمعنى "الباء"؛ لأن "بصير" يتعدى بها، ولا يتعدى بـ"في" عادة.

فائدة: تأتي "في" بمعنى "إلى" الغائية؛ ومنه قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} كناية عن عدم الرد، وعن ترك الكلام؛ وتأتي بمعنى "من"؛ نحو قوله تعالى:{فِي تِسْعِ آيَاتٍ} ؛ وتأتي بمعنى "الباء" التي للإلصاق؛ نحو: وقف الحارس في الباب، اي: ملاصقا له؛ وللتعويض؛ وهي الزائدة عوضا من أخرى محذوفة كقولك: ضربت فيمن رغبت، أصله: ضربت من رغبت فيه. وللتوكيد وهي الزائدة لغير تعويض وجعل منه الفارسي {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} أي اركبوها.

مغني اللبيب: 225، التصريح: 2/ 14، وضياء السالك: 2/ 261.

1 أي العلو؛ وهو أكثر معانيها استتعمالا، والاستعلاء، قد يكون حقيقة إن كان على نفس المجرور وهو الغالب؛ حسا كمثال المصنف، أو معنى؛ نحو:{فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} . ومجازا؛ إن كان العلو على ما يقرب من المجرور. نحو: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً} {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} فقد شبه التمكن من الهدى والأخلاق العظيمة الشريفة والثبوت عليها بمن علا دابة يصرفها كيف شاء. وليس من الاستعلاء المجازي قولهم: توكلت على الله، واعتمدت عليه؛ لأن الله لا يعلو عليه شيء لا حقيقة ولا مجازا، وإنما ذلك من باب الإضافة والإسناد، أي أضفت توكلي واعتمادي إلى الله، وأسندتهما إليه سبحانه وتعالى.

2 23 سورة المؤمنون، الآية:22.

موطن الشاهد: {عَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ} . =

ص: 37

والثاني: الظرفية؛ نحو: {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} 1؛ أي: في حين غفلة.

والثالث: المجاوزة؛ كقوله2: [الوافر]

289-

إذا رضيت علي بنو قشير3

أي: عني.

= وجه الاستشهاد: مجيء "على" مفيدة معنى الاستعلاء في الموضعين؛ أي الاستعلاء على مجرورها، وحكم مجيئها مفيدة الاستعلاء الجواز مع التغليب.

1 28 سورة القصص، الآية:15.

موطن الشاهد: {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "على" مفيدة معنى الظرفية؛ لأن التقدير: في حين غفلة.

2 القائل: هو قحيف العامري: لم أجد ترجمة بهذا الاسم؛ ولعله قحيف العقيلي؛ قحيف بن ضمير، أحد بني قشير بن مالك بن عقيل بن كعب من ربيعة؛ وهو شاعر مقل، من شعراء الإسلام؛ كان يشبب بخرقاء التي كان يشبب بها ذو الرمة.

الأغاني "ط. دار الشعب": 28/ 9516.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

لعمر الله أعجبني رضاها

والبيت في مدح حكيم بن المسيب القشيري، وهو من شواهد: التصريح: 2/ 14، والأشموني: 554/ 2/ 294، وابن عقيل: 209/ 3/ 25، والنوادر: 176، والمقتضب: 2/ 320، والخصائص: 2/ 311، 389، والمحتسب: 1/ 52، 348 وأمالي ابن الشجري: 2/ 269، والإنصاف: 630، وشرح المفصل: 1/ 120، والهمع: 2/ 28، والدرر: 2/ 22.

المفردات الغريبة: بنو قشير: قبيلة تنسب إلى كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. لعمر الله: المراد: الحلف بإقراره لله تعالى بالبقاء بعد فناء الخلق.

المعنى: يريد الشاعر القول: إذا ما حظيت برضا بني قشير؛ فيكفيني فخرا وشرفا، ووالله إنني لأسر، وأفرح برضاها؛ الذي يبعث الأمل والتفاؤل في نفسي.

الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه، منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. رضيت: فعل ماض مبني على الفتح، لاتصاله بتاء التأنيث الساكنة، والتاء: لا محل لها من الإعراب. "علي": متعلق بـ"رضي". بنو: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وبنوا: مضاف. قشير: مضاف إليه مجرور. لعمر: اللام لام الابتداء، عمر: مبتدأ مرفوع، =

ص: 38

= وهو مضاف. الله "لفظ الجلالة" مضاف إليه، وخبر المبتدأ محذوف؛ والتقدير: لعمر الله يميني؛ أو قسمي؛ أو ما أحلف به. أعجبني: فعل ماض مبني على الفتح، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به. رضاها: فاعل "أعجب" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف، و"ها": مضاف إليه؛ وجمل "أعجبني رضاها" جواب شرط غير جازم، لا محل لها.

موطن الشاهد: "رضيت علي".

وجه الاستشهاد: مجيء "على" بمعنى "عن"؛ لأن الأصل في "رضي" أن يتعدى بـ"عن" لا بـ"على"؛ وقال بعضهم: إن "رضي" مضمن معنى عطف.

1 13 سورة الرعد، الآية:6.

موطن الشاهد: {لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "على" بمعنى "مع" كما جاء في المتن.

2 بقي من معاني "على":

1-

أنها تأتي بمعنى اللام، نحو قوله تعالى:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} أي لهدايته إياكم.

2-

تأتي بمعنى "عند" نحو قوله سبحانه وتعالى: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} أي عندي.

3-

تأتي بمعنى "من" نحو قوله -جلت قدرته: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} أي من الناس.

4-

تأتي بمعنى الباء، نحو قوله -جل شأنه:{حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} أي حقيق بألا أقول.

5-

أن تكون زائدة، كما في قول حميد بن ثور:

أبى الله إلا أن سرحة مالك

على كل أفنان العضاه تروق

فتروق فعل يتعدى بنفسه، فزاد الشاعر معه "على". ونص سيبويه على أن "على" لا تقع زائدة، وعلى رأيه يخرج ما في البيت بأن "يروق" قد ضمن معنى تشرق.

6-

تأتي بمعنى "لكن" الدالة على الاستدراك؛ نحو قولك: فلان يرتكب الآثام على أنه لا يقنط من رحمة الله.

التصريح: 2/ 15، مغني اللبيب: 189-195.

ص: 39

[معاني "عن"] :

ولـ"عن" أربعة معان أيضا:

أحدها: المجاوزة1؛ نحو: "سرت عن البلد"، و"رميت عن القوس".

والثاني: البعدية، نحو:{طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} 2؛ أي: حالا بعد حال.

والثالث: الاستعلاء؛ كقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} 3؛ أي: على نفسه؛ وكقول الشاعر4: [البسيط]

1 المجاوزة: هي ابتعاد شيء مذكور أو غير مذكور عما بعد حرف الجر بسبب شيء قبله؛ فالأول؛ نحو: رميت السهم عن القوس، والثاني: نحو رضي الله عنك، أي جاوزتك المؤاخذة بسبب الرضا. والمجاوزة قد تكون حقيقية كهذين المثالين، وقد تكون مجازية، إذا كانت في المعاني؛ نحو: أخذت الفقه عن عالم متمكن، أي أن الفقه جاوزه بسبب الأخذ منه؛ والمجاوزة أظهر معاني "عن" وأكثرها استعمالا. ولم يذكر البصريون سواه.

2 84 سورة الانشقاق؛ الآية: 19.

موطن الشاهد: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "عن" مفيدة معنى "البعدية"؛ والمعنى -كما في المتن- حالا بعد حال؛ أي: من البعث والسؤال والموت؛ أو من النطفة إلى ما بعدها.

وقال الدماميني: يحتمل أن تكون" عن" على بابها، والتقدير طبقا تباعدا عن طبق آخر دونه، فيكون كل طبق أعظم في الشدة مما قبله. انظر شرح التصريح: 2/ 15.

3 48 سورة محمد، الآية:38.

موطن الشاهد: {يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "عن" بمعنى" على" كما جاء في المتن.

وخرج الدماميني الآية على أن "يبخل" قد ضمن معنى يبعد، أي ومن يبخل فإنما يبعد الخير عن نفسه.

4 الشاعر: هو: ذو الإصبع العدواني؛ واسمه الحارث بن محرث؛ وقيل "الحرثان" ينتهي نسبه إلى مضر، شاعر حكيم شجاع جاهلي لقب بذي الإصبع؛ لأن حية نهشت إصبع رجله، وقيل: لأنه كانت له إصبع زائدة، عاش طويلا، وشعره مملوء بالحكمة والفخر. مات حوالي 22ق. هـ. الشعر والشعراء: 2/ 708، تجريد الأغاني: 353، الأغاني: 3/ 2، الاشتقاق: 163، الأعلام: 2/ 173.

ص: 40

299-

لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب

عني1.........

أي: علي.

1 تخريج الشاهد: هذا جزء من بيت للشاعر يقوله في مزين بن جابر؛ وتمام عجزه قوله:

عني ولا أنت دياني فتخزوني

والبيت من قصيدة له مشهورة؛ مطلعها قوله:

يا من لقلب شديد الهم محزون

أمسى تذكر ريا أم هارون

وبعد الشاهد قوله:

ولا تقوت عيالي يوم مسغبة

ولا بنفسك في الضراء تكفيني

فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي

فإن ذلك مما ليس يشجيني

ومنها:

إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها

إن كان أغناك عني سوف يغنيني

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 15، والأشموني: 558/ 2/ 295، وابن عقيل: 208/ 3/ 23، ومجالس العلماء: 71، والخصائص: 2/ 288، وأمالي ابن الشجري: 2/ 13، 169، والإنصاف: 394، وشرح المفصل: 8/ 53، 9/ 104، والمقرب: 42، والخزانة: 3/ 222، والعيني: 3/ 286، والمفضليات:160.

المفردات الغريبة: لاه: أصله: لله، حذفت لام الجر، واللام الأولى من لفظ الجلالة شذوذا. أفضلت: زدت وصرت صاحب فضل. حسب: هو كل ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه ومآثرهم. دياني: مالك أمري، وهو صيغة مبالغة من دان فلان فلانا، أخضعه وملك أمره. تخزوني: تسوسني وتقهرني.

المعنى: لله در ابن عمك -يعني نفسه- فقد حاز من الصفات السامية ما يتعجب منه، وأنت لم تفضلني في المفاخر ولست القائم على أمري وبيدك مصيري، حتى تسوسني وتقهرني وتذلني.

الإعراب: لاه: مجرور بحرف جر محذوف -على مذهب سيبويه- و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف خبر مقدم. ابن: مبتدأ مؤخر، وهو مضاف. عمك:"عم" مضاف إليه، وهو مضاف؛ و"الكاف": مضاف إليه. لا: نافيه. أفضلت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل. "في حسب": متعلق بـ"أفضل". "عني": متعلق بـ"أفضل" أيضا. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية. أنت: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. دياني: خبر المبتدأ، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه. فتخزوني: الفاء عاطفة، تخزو؛ فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو، منع من ظهروها الثقل؛ والفاعل: أنت؛ والنون: للوقاية؛ والياء: مفعول به لـ"تخزو". =

ص: 41

والرابع: التعليل؛ نحو: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} 1 أي: لأجله2.

[معاني الكاف] :

وللكاف أربع معان أيضا:

أحدها: التشبيه؛ نحو {وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} 3.

= موطن الشاهد: "لا أفضلت في حسب عني".

وجه الاستشهاد: مجيء "عن" في الشاهد بمعنى "على" مفيدة الاستعلاء؛ لأن السائغ في اللغة أن يقال: أفضلت عليه؛ وجوز الرضي أن تكون "عن" باقية على أصلها؛ وضمن الشاعر "أفضلت" معنى تجاوزت في الفضل؛ والأول أفضل، وقد سبق ابن هشام إليه ابن السكيت في "إصلاح المنطق"، وابن قتيبة في "أدب الكاتب"؛ وفي البيت شاهد آخر على حذف حرف الجر وبقاء عمله -على مذهب سيبويه- كما أسلفنا وعلى حذف اللام الأولى من لفظ الجلالة شذوذا، كما بينا في لغة البيت. انظر التصريح: 1/ 15، ومغني اللبيب:196.

1 11 سورة هود، الآية:53.

موطن الشاهد: "عن قولك".

وجه الاستشهاد: مجيء "عن" بمعنى التعليل؛ أي: لأجل قولك؛ وجوز الزمخشري أن يكون حالا من ضمير تاركي؛ والتقدير: ما نتركها صادرين عن قولك. شرح التصريح: 1/ 16.

2 من معاني "عن" أيضا:

1-

تأتي بمعنى "من"؛ نحو قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} أي منهم.

2-

تأتي بمعنى "الباء"؛ نحو قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} أي به.

3-

تأتي بمعنى البدل؛ نحو قوله تعالى: {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} أي بدل نفس.

وفي الحديث الشريف "صومي عن أمك" أي: بدلها.

4-

تأتي دالة على الاستعانة؛ نحو قولك: رميت عن القوس.

5-

تكون للظرفية؛ نحو قول الأعشى:

وأس سراة الحي حيث لقيتهم

ولا تك عن حمل الرباعة وانيا

التصريح: 2/ 16، ومغني اللبيب:196.

3 55 سورة الرحمن، الآية:37.

موطن الشاهد {كَالدِّهَانِ} . =

ص: 42

والثاني: التعليل؛ نحو: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} 1؛ أي: لهدايته إياكم.

والثالث: الاستعلاء؛ قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ فقال: كخير؛ أي: عليه2؛ وجعل منه الأخفش قولهم: "كن كما أنت"؛ أي: على ما أنت عليه3.

والرابع: التوكيد؛ وهي الزائدة؛ نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 4؛ أي: ليس شيء مثله5.

= وجه الاستشهاد: وقوع الكاف مفيدة التشبيه في الآية الكريمة؛ وهو -التشبيه- أشهر معاني "الكاف".

1 2 سورة البقرة، الآية:198.

موطن الشاهد: {كَمَا هَدَاكُمْ} .

وجه الاستشهاد: وقوع "الكاف" مفيدة التعليل، وما مصدرية؛ والتقدير: لهدايته إياكم؛ غير أن أكثر النحاة، قالوا: إنه من وضع الخاص موضع العام، إذ الذكر والهداية، يشتركان في أمر، وهو الإحسان؛ فهذا في الأصل، بمنزلة {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} والكاف للتشبيه ثم عدل عن ذلك للإعلام بخصوصية المطلوب: شرح التصريح: 1/ 16.

2 استدل المصنف بهذا؛ لأن المقول به، والمجيب هو رؤبة بن العجاج الراجز المشهور؛ وقيل: الكاف للتشبيه على حذف مضاف، أي كصاحب خير.

3 الكاف بمعنى "على"، وما موصولة في محل جر بالكاف. أنت: مبتدأ حذف خبره، والجملة من المبتدأ وخبره، لا محل لها من الإعراب صلة، والتقدير: كن على الحال الذي أنت عليه، وقيل:"ما" زائدة ملغاة، وأنت: ضمير مرفوع أقيم مقام الضمير المجرور، وهو في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر كن، وكأنه قال: كن كأنت، أي كن فيما يستقبل من الزمان مماثلا لنفسك فيما مضى منه. وفيه أعاريب أخرى. انظر شرح التصريح: 1/ 16.

4 42 سورة الشورى، الآية:11.

موطن الشاهد: {كَمِثْلِهِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "الكاف" زائدة -في الآية الكريمة- مفيدة التوكيد؛ والمعنى: ليس شيءٌ مثلَه؛ هكذا قدره الأكثرون؛ فرارا من إثبات المثل وهو محال عليه سبحانه، وقد زيدت الكاف لتوكيد نفي المثل؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة.

وقيل: إن الكاف ليست بزائدة، و"مثل" بمعنى الذات أو الصفة، وقيل غير ذلك.

5 زاد في المغني من معاني الكاف المبادرة، وذلك إذا اتصلت بما في نحو: سلم كما تدخل =

ص: 43

[معاني إلى وحتى] :

ومعنى إلى وحتى: انتهاء الغاية، مكانية أو زمانية نحو:{مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} 1؛ ونحو: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} 2؛ ونحو: "أكلت السمكة حتى رأسها"؛ ونحو: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 3.

وإنما يحر بحتى في الغالب آخر أو متصل بآخر؛ كما مثلنا؛ فلا يقال: "سهرت البارحة حتى نصفها"4.

= وقولهم: صل كما يدخل الوقت، وذكر هذا النوع على غرابته السيرافي، وابن الخباز في النهاية.

انظر مغني اللبيب: 237، والتصريح: 2/ 17.

1 17 سورة الإسراء، الآية:1.

موطن الشاهد: {إِلَى الْمَسْجِدِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "إلى" مفيدة معنى انتهاء الغاية المكانية.

2 2 سورة البقرة، الآية:187.

موطن الشاهد: {إِلَى اللَّيْلِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "إلى" مفيدة معنى انتهاء الغاية الزمانية.

3 97 سورة القدر، الآية:5.

موطن الشاهد: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "حتى" مفيدة معنى انتهاء الغاية الزمانية.

4 لأن النصف، ليس آخرا، ولا متصلا به؛ والغالب: أن يكون مجرور "حتى" اسما ظاهرا، لا مضمرا.

فوائد:

فائدة "1": تأتي "إلى" للمصاحبة؛ نحو: من غش في المعاملة أساء قومه إلى نفسه؛ أي: مع نفسه؛ وتأتي للاختصاص؛ نحو: أمر الأمة إلى رئيسها، وأمر الأسرة إلى راعيها؛ وتأتي للظرفية؛ نحو: سيجمع الله الناس إلى يوم تشيب في الولدان؛ أي: في يوم.

فائدة "2": تأتي حتى للتعليل، والدلالة على أن ما قبلها علة وسبب لما بعدها؛ بعكس اللام، فإن ما بعدها، هو علة لما قبلها؛ وفي هذه الحالة لا تجر إلا المصدر المنسبك من أن الناصبة وصلتها؛ نحو: أحسن عملك حتى تكافأ.

فائدة "3": ذكر النحاة فروقا بين "إلى وحتى" منها:

أ- أن "إلى" تجر الاسم الظاهر والمضمر، و"حتى" لا تجر إلا الظاهر على الأرجح. =

ص: 44

ومعنى كي: التعليل؛ ومعنى الواو والتاء: القسم؛ ومعنى مذ ومنذ: ابتداء الغاية؛ إن كان الزمان ماضيا؛ كقوله1: [الكامل]

300-

أقوين مذ حجج ومذ دهر2

= ب- أن "إلى" تقتضي انقضاء ما قبلها بغير تمهل، بخلاف "حتى".

ج- أن "إلى" لا تدخل على المضارع؛ بخلاف "حتى".

د- أن "إلى" تدل على النهاية إذا وجدت قبلها "من" الدالة على البداية. ضياء السالك: 2/ 267.

1 القائل: هو زهير بن أبي سلمى المزني، وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

لمن الديار بقنة الحجر

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 17، الأشموني"568/ 2/ 297، والعيني: 3/ 312، والجمل: 150، والإنصاف: 371، وشرح المفصل: 4/ 93، 8/ 11، والخزانة: 4/ 126. والهمع: 1/ 217، والدرر: 1/ 186 والمغني: 30/ 441 والسيوطي، وديوان زهير: 86.

المفردات الغريبة: قنة: هي أعلى الجبل. الحجر: منازل قوم ثمود بالشام عند وادي القرى. أقوين: خلون من السكان. حجج: سنين، جمع حجة وهي السنة. وهو اسم زمان كالدهر.

المعنى: لمن هذه الديار التي بأعلى هذا المكان؟ وقد خلت من ساكنيها من سنوات وأزمان طويلة.

الإعراب: لمن: اللام حرف جر، من: اسم استفهام في محل جر بحرف الجر، و"لمن": متعلق بمحذوف خبر مقدم. الديار: مبتدأ مؤخر مرفوع. "بقنة": متعلق بمحذوف حال من "الديار"؛ أو متعلق بمحذوف صفة من "الديار" إذا عددناه محلى بـ"أل" الجنسية؛ لأنه كالنكرة، وقنة: مضاف. الحجر: مضاف إليه مجرور. أقوين: أقوى فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون: في محل رفع فاعل. مذ: حرف جر بمعنى "من". حجج: اسم مجرور، و"الجار والمجرور": متعلق بـ"أقوى". ومذ: الواو عاطفة، مذ: حرف جر. دهر: اسم مجرور بـ"مذ" و"الجار والمجرور": معطوف بالواو على الجار والمجرور السابق.

موطن الشاهد: "مذ حجج، ومذ دهر".

وجه الاستشهاد: مجيء "مذ" في كلا الموضعين حرف جر لابتداء الغاية الزمانية؛ لأن الحجج جمع حجة؛ وهي السنة؛ ومعلوم أن السنة اسم زمان، وكذلك الدهر؛ وعدت =

ص: 45

وقوله1: [الطويل]

301-

وربع عفت آثاره منذ أزمان2

= "مذ" لابتداء الغاية الزمانية؛ لكون الزمن المجرور بهما ماضيا؛ وقد روى الكوفيون هذا البيت "من حجج ومن دهر" واستدلوا بهذه الرواية على أن "من" تأتي لابتداء الغاية الزمانية، وأنكر البصريون تلك الرواية، واعتمدوا الرواية التي ذكرها المؤلف في المتن.

1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 17، والأشموني: 567/ 2/ 297 والعيني: 3/ 319، والهمع: 1/ 217، والدرر: 1/ 186، والدمنهوري: 41، 74، والمغني: 629/ 441، والسيوطي: 254، وديوان امرئ القيس:89.

المفردات الغريبة: قفا: أمر للواحد بلفظ الاثنين على عادة العرب مثل: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} . ذكرى: تذكر. عرفان: معرفة. ربع: منزل ودار. عفت آثاره: درست وانمحت علاماته.

المعنى: قف يا صاحبي نندب حظنا ونذرف الدمع من تذكر الأحبة والأصدقاء الذين فقدناهم، وتلك المنازل التي درست بعد أن كانت عامرة بأهلها، وذهبت آثارها ومعالمها من أزمان طويلة.

الإعراب: قفا: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بألف الاثنين؛ أو لأن مضارعه من الأفعال الخمسة؛ والألف: ضمير متصل في محل رفع فاعل؛ ويجوز أن يكون الفعل للمخاطب المفرد؛ وأصله: قفن "بنون التوكيد الخفيفة" ثم انقلبت النون ألفا، كما تنقلب في الوقف. نبك: فعل مضارع مجزوم؛ لوقوعه في جواب الطلب، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والفاعل: نحن. "من ذكرى": متعلق بـ"نبك"، وذكرى: مضاف. حبيب: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. وعرفان: الواو عاطفة، عرفان: اسم معطوف على حبيب. وربع: الواو عاطفة، ربع: اسم معطوف على حبيب أيضا. عفت: فعل ماض، والتاء: للتأنيث. آثاره: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. منذ: حرف جر. أزمان: اسم مجرور.

موطن الشاهد: "منذ أزمان".

وجه الاستشهاد: مجيء "منذ" حرف جر، دخل على لفظ دال على الزمان؛ والمراد به -هنا- الزمان الماضي؛ فدلت "منذ" على ابتداء الغاية الزمانية؛ وبهذا الشاهد وأمثاله، استدل الكوفيون على أن "منذ" قد تكون لابتداء الغاية الزمانية، كما أسلفنا.

ص: 46

والظرفية: إن كان حاضرا؛ نحو: "منذ يومنا"، وبمعنى "من" و"إلى" معا؛ إن كان معدودا؛ نحو:"مذ يومين".

[معنى "رب"] :

و"رب": للتكثير كثيرا، وللتقليل قليلا1؛ فالأول؛ كقوله عليه الصلاة2 والسلام:"يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة" 3، وقول بعض العرب، عند انقضاء رمضان:"يا رب صائمه لن يصومه، وقائمه لن يقومه"4 والثاني كقوله5:

[الطويل]

302-

ألا رب مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان6

1 يرى فريق من النحاة أنها للتقليل دائما، وزعم ابن درستويه وجماعة أنها للتكثير دائما. مغني اللبيب: 179، والتصريح: 2/ 18.

2 حمل على هذا المعنى قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} ، فوجه الدلالة من الآية الكريمة ومن الحديث أن "رب" فيهما للتكثير وليست للتقليل؛ لأن كلا منهما مسوق للتخويف، ولا يناسب التخويف أن يكون القليل هو ودادتهم أن يكونوا مسلمين، ولا أن يكون القليل هو أن يعرى في الآخرة من كان كاسيا في الدنيا.

ومن مجيئها للتكثير -أيضا- قول جذيمة الأبرش:

ربما أوفيت في علم

ترفعن ثوبي شمالات

فالبيت مسوق للافتخار، ولا يناسبه التقليل.

مغني اللبيب: 180.

3 حديث شريف أخرجه البخاري في باب التهجد: 1/ 201 و3/ 10 و10/ 302-598. والترمذي: 2196.

موطن الشاهد: "رب كاسية".

وجه الاستشهاد: مجيء "رب" حرف جر شبيه بالزائد، مفيدا للتكثير؛ لما أوضحنا.

4 استدل الكسائي على إعمال اسم الفاعل المجرد بمعنى الماضي من هذا القول.

5 ينسب هذا البيت إلى رجل من أزد السراة ولم يعين اسمه؛ وذكر الفارسي: أنه لرجل اسمه عمرو الجنبي، كان من حديثه أنه لقي امرأ القيس في إحدى الفلوات فخاطبه بهذا البيت.

6 تخريج الشاهد: ينشد بعد هذا البيت، قوله:

وذي شامة غراء في حر وجهه

مجللة لا تنقضي لأوان =

ص: 47

يريد بذلك آدم وعيسى عليهما الصلاة والسلام.

=

ويكمل في خمس وتسع شبابه

ويهرم في سبع معا وثمان

والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 18، والأشموني: 569/ 2/ 298، والعيني: 3/ 354 وسيبويه: 1/ 341، 2/ 258، والخصائص: 2/ 233، وشرح المفصل: 4/ 48، والمقرب: 42 والخزانة: 1/ 397، والهمع: 1/ 54، 2/ 26، والدرر: 1/ 31، 2/ 17، والمغني: 224/ 181، والسيوطي:126.

المفردات الغريبة: مولود ليس له أب: هو عيسى عليه السلام. ولد ليس له أبوان: هو آدم عليه السلام فقد خلق من تراب، وأراد بالبيتين التاليين القمر.

المعنى: المعنى واضح في بيان المفردات السابقة.

الإعراب: ألا: حرب تنبيه. رب: حرب جر شبيه بالزائد، يفيد -هنا- التقليل. مولود: اسم مجرور لفظا، مرفوع محلا على أنه مبتدأ. وليس: الواو حرف زائد؛ لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف؛ ويجوز أن تكون حالية و"ليس": فعل ماض ناقص. "له": متعلق بمحذوف خبر ليس المتقدم على اسمها. أب: اسم "ليس" مؤخر مرفوع؛ وجملة "ليس له أب": في محل رفع، أو جر صفة لـ"مولود" -على الوجه الأول- وفي محل نصب على الحال على الوجه الثاني، وخبر المبتدأ "مولود" محذوف؛ والتقدير: ألا رب مولود موصوف بكونه لا أب له موجود. وذي: الواو عاطفة، ذي: اسم معطوف على مولود -على لفظ- مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. ولد: مضاف إليه مجرور. لم: جازمة نافية، لا محل لها من الإعراب. يلده: فعل مضارع مجزوم بـ"لم" وعلامة جزمه السكون المقدر؛ منع من ظهوره حركة التخلص من التقاء الساكنين؛ حيث سكنت اللام تشبيها بـ"كتف" و"فخذ" ونحوهما، من كل كلمة ثانيها مكسور؛ فإنه يجوز إسكانه للتخفيف، وسكنت الدال للجازم، فحركت الدال بالفتح اتباعا للياء، ويجوز ضمها اتباعا للهاء؛ و"الهاء": في محل نصب مفعولا به. أبوان: فاعل لـ"يلد" مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى؛ وجملة "لم يلده أبوان": في محل جر صفة لـ"ذي ولد".

موطن الشاهد: "رب مولود".

وجه الاستشهاد: مجيء "رب" حرف جر شبيه بالزائد، وقد أفادت التقليل؛ لأن المولود الذي ليس له أب قليل جدا، ولا يعرف منه إلا عيسى عليه السلام، وكذا ذو الولد الذي لم يولد من أبوين؛ حيث لم يوجد منه إلا آدم عليه السلام؛ ولا تجر "رب" -غالبا- إلا الاسم الظاهر النكرة، وتحتاج هذه النكرة إلى صفة من مفرد، أو جملة، أو شبهها؛ وقد تجر -على قلة- ضميرا للتنبيه، يفسره اسم منصوب بعده، يعرب تمييزا. ضياء السالك: 2/ 270.

ص: 48

[ما لفظه مشترك بين الحرفية والاسمية] :

فصل: من هذه الحروف ما لفظه مشترك بين الحرفية والاسمية، وهو خمسة:

أحدها: الكاف؛ والأصح أن اسميتها مخصوصة بالشعر1؛ كقوله2: [الرجز]

303-

يضحكن عن كالبرد المنهم3

1 يرى الأخفش والفارسي وابن مالك: أن استعمالها اسما قياسي في سعة الكلام، ولا يختص بضرورة الشعر، وقد كثر في كلام الفحول من الشعراء. وإذا صارت اسما كانت بمعنى "مثل" وتقع فاعلا، فتكون مبنية على الفتح في محل رفع، كقول الشاعر:

ما عاتب الحر الكريم كنفسه

............

ومفعولا، كقول الآخر:

ولم أر كالمعروف إما مذاقه

فحلو وإما وجهه فجميل

وفي محل جر؛ تبتسم عن كاللؤلؤ، وشاهد المؤلف في المتن.

مغني اللبيب 238-239. التصريح: 2/ 18.

1 القائل هو الراجز المشهور، العجاج بن رؤبة، وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز في وصف نسوة بالحسن والجمال، وقبله قوله:

بيض ثلاث كنعاج جم

ويروى قبل الشاهد قوله:

عند أبي الصهباء أقصى همي

ولا تلمني اليوم يابن عمي

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 18، والأشموني: 562/ 2/ 296، والعيني: 3/ 294. المخصص: 9/ 119، وشرح المفصل: 8/ 42، 44، والخزانة: 4/ 262، والهمع: 2/ 31، الدرر: 2/ 28، والمغني: 325/ 239، والسيوطي: 71، وملحقات ديوان العجاج: 83.

المفردات الغريبة: بيض: جمع بيضاء. نعاج: جمع نعجة، والمراد بها هنا البقرة الوحشية، شبهت بها المرأة الحسناء، ولا يقال نعاج لغيرها. جم: جمع جماء، وهي التي لا قرن لها. البرد: مطر ينعقد كرات صغيرة. المنهم: الذائب منه بعضه حتى يصير كرات صغيرة جدا.

المعنى: أن هؤلاء النسوة البيض اللاتي كبقر الوحش خفة ورشاقة يضحكن عن أسنان كالبرد الصغير صفاء ولطافة.

الإعراب: يضحكن: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون: =

ص: 49

والثاني والثالث: "عن" و"على"؛ وذلك1، إذا دخلت عليهما "من"؛ كقوله2:[الكامل]

304-

من عن يميني مرة وأمامي3

= ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل؛ وجملة "يضحكن": في محل رفع صفة ثانية لـ"بيض ثلاث" والصفة الأولى هي متعلق الجار والمجرور في قوله "كنعاج جم". عن: حرف جر. كالبرد: الكاف اسم بمعنى مثل، مبني على الفتح في محل جر بـ"عن"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"يضحك"، والكاف الاسمية مضاف. البرد: مضاف إليه مجرور. المنهم: صفة للبرد مجرورة.

موطن الشاهد: "عن كالبرد".

وجه الاستشهاد: مجيء "الكاف" اسما بمعنى "مثل"، ودليل ذلك، دخول حرف الجر عليها؛ لأن حرف الجر لا يدخل إلى على الاسم.

فائدة: اتفق العلماء على مجيء "الكاف" اسما بمعنى "مثل"، واختلفوا: هل يختص ذلك في ضرورة الشعر أو لا؟، فذهب الأخفش والفارسي وابن مالك إلى أنه لا يختص بضرورة الشعر؛ وجوزوا في نحو قولك:"زيد كالأسد" أن تكون الكاف حرف جر، وأن تكون اسما بمعنى "مثل" أضيف إلى الأسد.

انظر مغني اللبيب: 238-239.

1 ليس ذلك بقيد لاسميتهما وإنما الغالب وقوعهما مجرورتين بمن، وإذا استعملا اسمين، كانت "عن" بمعنى جانب، وعلى بمعنى فوق، وهذا الاستعمال قياسي فيهما.

2 القائل: هو قطري بن الفجاءة التميمي الخارجي، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

فلقد أراني للرماح دريئة

وهو من شواهد التصريح: 2/ 19، والأشموني: 564/ 2/ 296، وابن عقيل: 213/ 3/ 29" وسيبويه: 2/ 229، 254، شرح المفصل: 8/ 40، الخزانة: 4/ 258، العيني: 3/ 500، الهمع: 1/ 156، 2/ 36، وشرح الحماسة للمرزوقي: 136، والمغني: 933/ 690، والسيوطي:150.

المفردات الغريبة: دريئة: هي الحلقة التي يتعلم عليها الطعن والرمي.

المعنى: يصف نفسه بالشجاعة والصبر على الجلاد في معمعة الحرب حين يفر الأبطال، فتتقاذف عليه رماح الأعداء ونبالهم وتأتيه من كل جانب وهو ثابت. أو يريد: أن المحاربين معه يتخذونه وقاية يتقون بها ضربات الأعداء؛ لشجاعته ورباطة جأشه.

الإعراب: ولقد: الواو حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف؛ والتقدير: والله لقد =

ص: 50

وقوله1: [الطويل]

305-

غدت من عليه بعدما تم ظمؤها2

= أراني؛ واللام واقعة في جواب القسم المقدر، و"قد": حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. أراني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف؛ للتعذر؛ والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا؛ تقديره: أنا؛ والنون: للوقاية، وياء المتكلم في محل نصب مفعولا به أول لـ"أرى". "للرماح": متعلق بمحذوف حال من "دريئة" الآتي. وكان أصله وصفا؛ فلما تقدم أعرب حالا. دريئة: مفعول به ثان لـ"أرى". من: حرف جر. عن: اسم بمعنى جهة أو جانب مبني على السكون في محل جر بـ"من" و"الجار والمجرور": متعلق بفعل دل عليه قوله: "أراني للرماح دريئة"؛ والتقدير: تجيئني هذه الرماح من جهة يميني تارة، و"عن": مضاف. يميني: يمين: مضاف إليه، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه. "تارة": متعلق بالفعل المحذوف المدلول عليه، كما بينا. وأمامي: الواو حرف عطف، أمامي: معطوف على يميني؛ والمعطوف على المجرور مجرور مثله، وهو مضاف، وياء المتكلم: مضاف إليه.

موطن الشاهد: "من عن يميني".

وجه الاستشهاد: مجيء "عن" في الشاهد اسما بمعنى جانب أو جهة؛ ودليل ذلك دخول حرف الجر عليه؛ لأن حروف الجر، لا تدخل إلا على الأسماء.

1 القائل: هو مزاحم بن الحارث العقيلي، وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت للشاعر في وصف قطاة، وعجزه قوله:

تصل وعن قيض بزيزاء مجهل

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 19، والأشموني: 565/ 2/ 296، وابن عقيل: 212/ 3/ 28. وسيبويه: 2/ 310، والنوادر 1631، والمقتضب: 3/ 53، الكامل: 488، الجمل: 73، المقرب: 42، والخزانة: 4/ 251، وشرح المفصل: 8/ 37، والعيني: 2/ 36، الدرر: 2/ 36، الهمع: 2/ 36، السيوطي: 145.

المفردات الغريبة: غدت: صارت، والضمير فيه عائد على القطاة. تم: كمل. ظمؤها: مدة صبرها عن الماء، والظمء: ما بين الشرب والشرب. تصل: تصوت أحشاؤها من العطش. قيض: هو القشر الأعلى للبيض. زيزاء: بيداء، وهي الأرض القفر التي لا ماء فيها. مجهل: قفز ليس فيها أعلام يهتدى بها.

المعنى: أن هذه القطاة، صارت من فوق فرخها -وقد مضت المدة التي تصبر فيها عن الماء- تصوت من شدة الظمأ، وهي على قشور البيض والأفراخ في تلك الأرض الغليظة القفر الخالية مما يهتدي به السائرون.

ص: 51

والرابع والخامس: "مذ" و"منذ"؛ وذلك في موضعين:

أحدهما: أن يدخلا على اسم مرفوع؛ نحو: "ما رأيته مذ يومان"، أو "منذ يوم الجمعة"؛ وهما حينئذ مبتدآن، وما بعدهما خبر؛ وقيل بالعكس؛ وقيل: ظرفان، وما بعدهما فاعل بكان تامة محذوفة1.

= الإعراب: غدت: فعل ماض ناقص بمعنى "صار" مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، والتاء: للتأنيث، لا محل لها من الإعراب؛ واسم "غدت": ضمير مستتر جوازا تقديره: هي، يعود إلى القطاة الموصوفة بهذا البيت، وما قبله من الأبيات. من: حرف جر "عليه": على: اسم بمعنى فوق أو عند مبني على السكون في محل جر بـ"من". و"من على": متعلق بخبر "غدا" المحذوف؛ و"على" -هنا- مضاف، والهاء: مضاف إليه. "بعد": متعلق: بـ"غدا". ما: حرف مصدري، لا محل له من الإعراب. تم: فعل ماض. ظمؤها: فاعل مرفوع، وهو مضاف، وضمير "ها" -العائد على القطاة- في محل جر بالإضافة؛ و"ما المصدرية وما دخلت عليه" في تأويل مصدر مجرور بإضافة "بعد" إليه؛ والتقدير: بعد تمام ظمئها. تصل: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم؛ والفاعل: هو، يعود إلى القطاة؛ وجملة "تصل": في محل نصب على الحال من "قطاة". وعن: الواو عاطفة، عن: حرف جر. قيض: اسم مجرور بـ"عن". و"الجار والمجرور": معطوف بالواو على قوله "من عليه" السابق. "بزيزاء": متعلق بمحذوف صفة لـ"قيض"؛ وزيزاء: اسم ممنوع من الصرف؛ لاختتامه بألف التأنيث الممدودة؛ فعلامة جره الفتحة. مجهل: صفة لـ"زيزاء" مجرورة، وعلامة جرها الكسرة.

موطن الشاهد: "من عليه".

وجه الاستشهاد: مجيء "على" اسما بمعنى "مثل"؛ ودليل ذلك، دخول حرف الجر عليها؛ وقيل: إن معنى "على" -هنا- فوق؛ وهو قول الأصمعي؛ وقيل: معناه عند؛ وهو قول أبي عبيدة، وجماعة النحويين. انظر شرح التصريح: 2/ 19.

1 بيان ما أورده المؤلف: أن في قولك: ما رأيته منذ يومان. أربعة مذاهب:

الأول: مذهب المبرد والفارسي وابن السراج وبعض الكوفيين واختاره ابن الحاجب؛ وحاصله أن معنى "مذ ومنذ" الأمد إذا كان الزمان حاضرا أو معدودا، فإن كان الزمان ماضيا فمعناهما أول المدة، وهما على كل حال مبتدآن، وما بعدهما خبر عنهما واجب التأخير وهو أولى المذاهب بالاتباع.

الثاني: مذهب الأخفش والزجاج والزجاجي، أنهما ظرفان متعلقان بمحذوف، هو الخبر، وما بعدهما مبتدأ مؤخر؛ ويكون معنى: ما لقيته مذ يومان: بيني وبين لقائه يومان، وهذا تكلف. =

ص: 52

والثاني: أن يدخلا على الجملة؛ فعلة كانت؛ وهو الغالب؛ كقوله1: [الكامل]

306-

ما زال مذ عقدت يداه إزاره2

= الثالث: مذهب جمهور الكوفيين، واختاره ابن مالك وابن مضاء والسهيلي، وهو أنهما ظرفان والاسم المرفوع بعد كل منهما فاعل لكان تامة محذوف. والتقدير: مذ كان أو قد مضى يومان.

والرابع: مذهب بعض الكوفيين؛ وحاصله أن مذ ومنذ أصلهما "من" حرف الجر، و"ذو" الموصولة التي بمعنى الذي في لغة طيئ، والاسم المرفوع بعد كل منهما خبر مبتدأ محذوف؛ وجملة "المبتدأ والخبر": لا محل لها من الإعراب؛ لأنها صلة الموصول؛ والتقدير: ما رأيته من ابتداء الوقت الذي هو يومان.

مغني اللبيب: "44-443"، والتصريح: 2/ 20.

1 القائل: هو الفرزدق، وقد مر ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من كلمة للشاعر يرثي فيها يزيد بن المهلب، وعجزه قوله:

فسما فأدرك خمسة الأشبار

وبعد الشاهد قوله:

يدني كتائب من كتائب تلتقي

في ظل معترك العجاج مثار

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 21، والمقتضب: 2/ 176، والجمل: 142، وشرح المفصل: 2/ 121، 6/ 33، والعيني: 3/ 321، والهمع: 1/ 216، 2/ 150، الدرر: 1/ 185، 2/ 206، والمغني: 631/ 442، والسيوطي: 256، وديوان الفرزدق:378.

المفردات الغريبة: عقدت يداه إزاره: كناية عن مجاوزته حد الطفولة وبلوغه سن التمييز، والإزار: ما يلبسه الإنسان في نصفه الأسفل. فسما: شب وارتفع. أدرك: بلغ ووصل. خمسة الأشبار: المراد: ارتفعت قامته وبلغ مبلغ الرجال.

المعنى: أن يزيد منذ بلغ سن التمييز واستطاع أن يقضي حوائجه بنفسه، ظهرت عليه مخايل الرجولة، وأخذ يتدرج في مدارج الرفعة والشجاعة، ويظهر منه ما لا يرى إلا من الأبطال العظماء.

الإعراب: ما زال: ما نافية، لا عمل لها. زال: فعل ماض ناقص؛ واسمه: هو؛ يعود إلى يزيد. مذ: ظرف زمان، مبني على السكون في محل نصب، متعلق بـ"زال"؛ وهو مضاف إلى جملة "عقدت يداه إزاره"؛ وهو الأفضل -هنا-. عقدت فعل ماض مبني على =

ص: 53

أو اسمية؛ كقوله1: [الطويل]

307-

وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع2

= الفتح، والتاء للتأنيث. يداه: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، والهاء: في محل جر بالإضافة. إزاره: مفعول به منصوب، والهاء: مضاف إليه. فسما: الفاء عاطفة، سما: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف، منع من ظهوره التعذر؛ والفاعل: هو: يعود إلى يزيد. فأدرك: الفاء عاطفة، أدرك: فعل ماض، والفاعل: هو؛ يعود إلى يزيد. خمسة: مفعول به منصوب، وهو مضاف. الأشبار: مضاف إليه مجرور؛ وخبر "زال" جملة "يدني" في البيت الذي يليه؛ وهو:

يدني كتائب من كتائب تلتقي

في ظل معترك العجاج مثار

موطن الشاهد: "مذ عقدت".

وجه الاستشهاد: دخول "مذ" على جملة فعلية؛ وهو الغالب في استعمالها، وينبغي أن يكون فعلها ماضيا.

1 القائل: هو الأعشى ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

وليدا وكهلا حين شبت وأمردا

وهو من قصيدته المشهورة والتي مطلعها قوله:

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

وبت كما بات السليم مسهدا

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 21، والأشموني: 566/ 2/ 297، والعيني: 3/ 326، الهمع: 1/ 216، الدرر: 1/ 185، المغني: 632/ 442، السيوطي: 257، وديوان الأعشى:102.

المفردات الغريبة: أبغي: أطلب. يافع: هو الغلام الذي بلغ الحلم أو ناهز العشرين، يقال: أيفع الغلام ويفع فهو يافع، ولا يقال موفع، وكأنهم استغنوا باسم الفاعل من الثلاثي. وليدا: صبيا. كهلا: هو من جاوز الثلاثين أو الأربعين إلى الخمسين أو الستين. أمردا: هو الشاب الذي طر شاربه ولم تنبت لحيته؛ لأنه لم يبلغ سن الالتحاء، فإذا بلغه -ولم تنبت لحيته- فهو ثط.

المعنى: أنني أطلب المال وأسعى للحصول عليه منذ كنت ناشئا، ثم صبيا، إلى أن بلغت سن الكهولة.

الإعراب: ما زلت: ما نافية، زلت: فعل ماض ناقص، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم "زال". أبغي: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة المقدرة =

ص: 54

وهما، حينئذ، ظرفان باتفاق1.

[زيادة "ما" بعد "من" و"عن" و"الباء"] :

فصل: تزاد كلمة "ما" بعد "من" و"عن" والباء؛ فلا تكفهن عن عمل الجر2،

= على الياء للثقل؛ والفاعل: أنا. المال: مفعول به منصوب؛ وجملة "أبغي المال": في محل نصب خبر "زال". مذ: ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بـ"أبغي". أنا: ضمير رفع منفصل، في محل رفع مبتدأ. يافع: خبر مرفوع؛ وجملة "أنا يافع": في محل جر بالإضافة؛ وهو الأفضل.

موطن الشاهد: "مذ أنا يافع".

وجه الاستشهاد: دخول "مذ" على الجملة الاسمية؛ وبعض العلماء يرون أن "مذ" داخلة على زمن مضاف إلى الجملة؛ والتقدير: مذ زمن كوني يافعا؛ وبعضهم أعرب "مذ" مبتدأ، وجعل جملة "أنا يافع" في محل جر بإضافة اسم زمان، يقع خبرا للمبتدأ "مذ". والتقدير: أول أمد بغائي الخير وقت أنا يافع؛ والوجه الذي اعتمدناه أفضل من هذا كله.

1 ذهب بعض النحاة، وتبعهم المؤلف في "مغني اللبيب" إلى أن "مذ ومنذ" إذا وقعت بعدهما جملة فعلية أو اسمية، فهما اسمان غير ظرفين؛ ويكون كل منهما مبتدأ محذوف الخبر؛ غير أن عبارة ابن هشام في المغني تشير إلى الخلاف بوضوح، هل هما ظرفان أو اسمان؟ فهو يقول: "والحالة الثانية أن يليهما الجمل الفعلية أو الاسمية

والمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان، فقيل: إلى الجملة، وقيل: إلى زمن مضاف إلى الجمل؛ وقيل: مبتدآن، فيجب تقدير زمان مضاف إلى الجملة، يكون هو الخبر؛ فما كان -عنده- متفقا عليه في "أوضح المسالك" جعله المشهور في "مغني اللبيب" وعلى كل، فالقول باسميتهما ضعيف. انظر شرح التصريح: 2/ 21، والمغني: 441-442.

فائدة: اختلف النحاة في "مذ ومنذ" أهما أصلان أم أن أحدهما أصل للآخر؟ فقال الجمهور: "منذ" أصل، و"مذ" فرع عنه بحذف النون؛ وقال ابن ملكون: كل منهما أصل برأسه؛ وقال المالقي: إذا كانا اسمين، فإن "مذ" فرع عن "منذ"؛ وإذ كانا حرفين؛ فكل منهما أصل، ووجه ذلك أن ادعاءه زيادة النون أو حذفها، تصرف؛ والمقرر أن الحرف، لا يتصرف. أوضح المسالك: 3/ 64.

2 لأنها لا تزيل اختصاصهن بالأسماء، ويرى الجمهور: أن "ما" إذا دخلت على واحد من الحروف الثلاثة: الباء، ومن، وعن، لم تكفه أصلا، وهو يؤولون قول الشاعر:

فلئن صرت لا تحير جوابا

فبما قد ترى وأنت خطيب

حيث استشهد به ابن مالك على أن "ما" قد تدخل على الباء، فتكفها.

وما ذكره ابن الشجري أن "ما" قد تدخل على "من" فتكفها كقول أبي حية النميري:

وإنا لمما نضرب الكبش ضربة

على رأسه تلقي اللسان من الفم

=

ص: 55

نحو: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} {عَمَّا قَلِيلٍ} {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} 3.

[زيادة "ما" بعد "رب" و"الكاف"] :

وبعد "رب" و"الكاف"؛ فيبقى العمل قليلا؛ كقوله4: [الخفيف]

308-

ربما ضربة بسيف صقيل5

= يؤولون هذا الشاهد ونحوه على أن "ما" مصدرية، والفعل بعدها في تأويل مصدر مجرور بالباء أو من، فتقدير البيت الأول: فبرؤيتنا إياك، وتقدير الثاني: وإنا لمن ضربنا الكبش. هذا وقد زاد جماعة أن "ما" تزاد بعد اللام أيضا فلا تكفها عن عمل الجزء واستدلوا بقول الأعشى:

إلى ملك خير أربابه

فإن لما كل شيء قرارا

مغني اللبيب: 408-409.

1 71 سورة نوح، الآية:25.

موطن الشاهد: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "ما" زائدة بعد "من" الجارة، ولم تمنعها عن العمل في الاسم الذي بعدها، فخطيئات مجرورة بـ"من"، و"هم": في محل جر بالإضافة.

2 23 سورة المؤمنين، الآية:40.

وجه الاستشهاد: مجيء "ما" زائدة بعد "عن" الجارة، ولم تكفها عن العمل في الاسم الذي بعدها، كما في الآية السابقة.

3 4 سورة النساء، الآية: 155،

5 سورة المائدة، الآية:13.

موطن الشاهد: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "ما" زائدة بعد الباء الجارة، ولم تكفها عن العمل في الاسم الذي بعدها؛ و"نقضهم": اسم مجرور بالباء، و"هم": في محل جر بالإضافة.

4 القائل: هو عدي بن الرعلاء الغساني، شاعر جاهلي، اشتهر بنسبته إلى أمه، وضاع اسم أبيه، وهو صاحب القصيدة التي منها البيت المشهور:

ليس من مات فاستراح بميت

إنما الميت ميت الأحياء

الخزانة: 4/ 187، الأصمعيات: 170، المرزباني: 252، الأعلام: 4/ 220.

5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

بين بصرى وطعنة نجلاء

=

ص: 56

وقوله1: [الطويل]

309-

كما الناس مجروم عليه وجارم2

= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 21، والأشموني: 572/ 2/ 299، أمالي ابن الشجري: 2/ 243، والهمع: 2/ 38، الدرر: 2/ 41، المغني: 233/ 183، 588/ 411، السيوطي: 138-247، الخزانة: 4/ 187.

المفردات الغريبة: صقيل: مجلو أملس. بصرى: بلد بالشام. كان بها سوق في الجاهلية، وذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه للتجارة، ورآه فيها بحيرا الراهب. نجلاء: واسعة ظاهرة الاتساع.

المعنى: كثيرا ما استعملت سيفي للضرب، ورمحي للطعن في هذه الجهة استعمالا مشرفا.

الإعراب: ربما: رب حرف جر شبيه بالزائد، و"ما" زائدة لا عمل لها. ضرب: اسم مجرور لفظا بـ"رب" مرفوع محلا، على أنه مبتدأ مرفوع. بسيف: متعلق بمحذوف صفة لـ"ضربة". صقيل: صفة مجرورة لـ"سيف". "بين": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، و"بين" مضاف. بصرى: مضاف إليه. وطعنة: الواو عاطفة، و"طعنة": اسم معطوف على ضربة مجرور مثله. نجلاء: صفة لـ"طعنة" مجرورة.

فائدة: أضاف الشاعر "بين" إلى "بصرى"؛ وهو اسم مفرد، ولم يعطف عليه مثله -ومعلوم أن "بين" لا تضاف إلا إلى متعدد- لأحد احتمالين؛ الأول: كون "بصرى" في قولة المتعدد؛ لأنها ذات أجزاء، ومحلات كثيرة؛ والتقدير: بين أجزائها وأماكنها؛ والثاني: أن هناك مضافا محذوفا؛ والتقدير: بين أماكن بصرى.

موطن الشاهد: "ربما".

وجه الاستشهاد: زيادة "ما" بعد "رب" من دون أن تمنعها من العمل؛ وحكم ذلك الجواز مع القلة.

1 القائل: هو عمرو بن براقة الهمداني، وبراقة اسم أمه واسم أبيه منبه، شاعر همداني قبيل الإسلام؛ له أخبار في الجاهلية، عاش إلى خلافة عمر بن الخطاب، ووفد مع من وفد من قومه، ودخل عليه، وكان شيخا كبيرا يعرج، مات بعد سنة 11هـ.

الأعلام: 5/ 76، الإصابة: ت: 6477، سمط اللآلي: 748 و749، الأغاني: 21/ 175 "ط. ليدن".

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

وننصر مولانا ونعلم أنه

وهو من كلمة قالها عمرو في رجل اسمه حريم من مراد، كان قد أغار على إبل عمرو =

ص: 57

............................

= فاستاقها، فأغار عمرو على حريم، واستاق كل شيء عنده، فأتى حريم بعد ذلك عمرا، وطلب إليه أن يرد عليه بعض ما أخذه منه، فأبى عمرو، ورجع حريم. وأول هذه الكلمة قوله:

تقول سليمى لا تعرض لتلفة

وليلك عن ليل الصعاليك نائم

والشاهد من شواهد: "التصريح: 2/ 21، الأشموني: 573/ 2/ 299، ابن عقيل: 217/ 3/ 35، وأمالي القالي "بولاق": 2/ 123، المؤتلف: 67، العيني: 3/ 332، الهمع: 2/ 38، 130، الدرر: 2/ 42، 170، المغني عدة مرات منها: 101/ 92، 321/ 326، والسيوطي: 73، 247، 263.

المفردات الغريبة: ننصر: نعين ونؤازر. مولانا: المراد هنا: حليفنا أو سيدنا. مجروم: مظلوم واقع عليه الجرم والتعدي. جارم: ظالم معتد.

المعنى: يفتخر الشاعر بقومه قائلا: إن من أخلاقنا وشيمتنا، أن نساعد حليفنا، ونعينه على عدوه، ونحن نعلم أنه كغيره من الناس يظلم ويَظلم غيره.

الإعراب: وننصر: الواو بحسب ما قبلها، ننصر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: نحن. مولانا: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف، و"نا": مضاف إليه. ونعلم: الواو عاطفة، نعلم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: نحن، وجملة "نعلم": معطوفة على جملة ننصر. أنه: أن حرف مشبه بالفعل، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم "أن". كما: الكاف حرف تشبيه وجر، و"ما": زائدة لا محل لها من الإعراب. الناس: اسم مجرور بالكاف، وعلامة جره الكسرة؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف خبر "أن"؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": سد مسد مفعولي نعلم. مجروم: خبر ثان لـ"أن"مرفوع. "عليه": في محل رفع نائب فاعل لاسم المفعول "مجروم". وجارم: الواو عاطفة، جارم: اسم معطوف على "مجروم" مرفوع مثله؛ وفي "جارم" ضمير مستتر فاعل لاسم الفاعل.

موطن الشاهد: "كما الناس".

وجه الاستشهاد: اقتران الكاف بـ"ما" الزائدة، من دون أن تكفها عن العمل في الاسم الذي بعدها؛ وحكم اقترانها بـ"ما" الزائدة مع بقاء عملها الجواز مع القلة، كما جاء في المتن.

فائدة: أولى: قد تزاد "ما" -على قلة أيضا- بعد "اللام"، كما في قول الأعشى:

إلى ملك خير أربابه

فإن لما كل شيء قرارا

أي: فإن لكل شيء.

ثانية: تزاد "ما" بعد أدوات الشرط الجازمة في نحو قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} ، وبعد أدوات الشرط غير الجازمة في نحو قوله -جل شأنه: {حَتَّى =

ص: 58

والغالب أن تكفهما عن العمل؛ فيدخلان -حينئذ- على الجمل؛ كقوله1: [الطويل]

310-

كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه2

= إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} ؛ وهي في الموضعين لم تغير من وضع الأداة شيئا، وإنما زيدت في أحوالها كلها لمجرد التأكيد.

1 القائل: هو نهشل بن حرى بن ضمرة الدارمي، شاعر مخضرم، عاش في الجاهلية، وأدرك الإسلام وأسلم ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم صحب عليا في حروبه؛ أثنى عليه الجمحي وعلى آبائه وذلك بتواليهم بالشعر والشرف، وقال: لا أعلم في تميم رهطا يتوالون تواليهم. مات نحو سنة 45هـ. الشعر والشعراء: 2/ 637، الجمحي: 2/ 583، الاشتقاق: 150، الأغاني: 8/ 153، الأعلام: 8/ 49.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، يرثي فيه الشاعر أخاه مالكا، وكان قد قتل في جيش علي يوم صفين، وصدره قوله:

أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد

والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 22، والعيني: 3/ 334، والهمع: 2/ 38، والدرر: 2/ 42.

المفردات الغريبة: ماجد: ذو مجد، والمجد: الرفعة والشرف والكرم. يخزني: يوقعني في الخزاية، وهي الإهانة والفضيحة، والمراد: يخذلني. يوم مشهد: اليوم الذي يشهده الناس ويحضرونه، والمراد يوم صفين، وهو الذي قتل فيه أخوه مالك. سيف عمرو: المراد: عمرو بن معديكرب الزبيدي، وسيفه: الصمصامة. مضاربه: جمع مضرب، وهو نحو شبر من طرفه.

المعنى: يمدح الشاعر أخاه بالشجاعة والإقدام والكرم، وأنه لم يتخل عنه ولم يخذله، ولم يحجم عن لقاء الأعداء معه يوم صفين؛ كما أن سيف عمرو بن معديكرب لم يخذله، ولم ينب في يده.

الإعراب: أخ: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هو أخ. ماجد: صفة لـ"أخ" مرفوع. لم: نافية جازمة. يخزني: فعل مضار مجزوم بـ"لم" وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به؛ والفاعل: هو؛ وجملة "لم يخزني": في محل رفع صفة ثانية لـ"أخ". "يوم": متعلق بـ"يخزي"، وهو مضاف. مشهد: مضاف إليه مجرور. كما: الكاف حرف تشبيه وجر، و"ما" حرف كاف مبني على السكون لا محل له من الإعراب. سيف: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. عمرو: مضاف إليه مجرور. لم: جازمة نافية. تخنه: فعل مضارع مجزوم بـ"لم" وعلامة جزمه =

ص: 59

وقوله1: [المديد]

311-

ربما أوفيت في علم2

= السكون، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعولا به. مضاربه: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه؛ وجملة "لم تخنه مضاربه": في محل رفع خبر المبتدأ "سيف".

موطن الشاهد: "كما سيف عمرو".

وجه الاستشهاد: مجيء الكاف الجارة مقترنة بـ"ما" الكافة؛ فكفتها عن عمل الجر، ودخلت على الجملة الاسمية -كما بينا في الإعراب- حيث تلاها "سيف" الواقع مبتدأ، وخبره جملة "لم تخنه مضاربه"؛ وحكم اقتران "ما" الكافة بالكاف ومنعها من العمل -أي من جر الاسم بعدها- الجواز مع الرجحان.

ومثل الشاهد السابق قول عمرو بن حكيم بن معية:

ولو جاورتنا العام سمراء لم نبل

على جدبنا ألا يصوب ربيع

لقد علمت سمراء أن حديثها

نجيع كما ماء السماء نجيع

والشاهد في قوله: "كما ماء السماء نجيع" حيث جاءت الكاف الجارة، واقترنت بها "ما" الكافة فمنعتها من عمل الجر، وتلاها جملة اسمية؛ فـ"ماء" مبتدأ، والسماء: مضاف إليه. نجيع: خبر المبتدأ مرفوع.

1 القائل: هو جذيمة الأبرش، ويعرف بالوضاح، ثالث ملوك الدولة التنوخية في العراق، جاهلي عاش عمرا طويلا، وملك أرضا واسعة بفضل تنظيمه للجيوش واستعماله للمجانيق. من حديثه أنه قتل عمرو بن الظرف، أبا الزباء واستولى على أرضه، ثم ثأرت الزباء لأبيها فقتلته وذلك نحو: 366ق. هـ. خزانة الأدب: 4/ 569، الأعلام: 2/ 114.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

ترفعن ثوبي شمالات

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 22، والأشموني: 574/ 2/ 299، سيبويه: 1/ 154، والنوادر: 210، والمقتضب: 3/ 15، والمؤتلف: 340، أمالي ابن الشجري: 2/ 243، شرح المفصل: 9/ 40، المقرب: 86، العيني: 3/ 234، 3/ 328، الهمع: 2/ 38، 78، الدرر: 2/ 41، 99، المغني: 222/ 180، 232/ 183، 576/ 407، والسيوطي: 134، 245.

المفردات الغريبة: أوفيت: نزلت. علم: جبل. شمالات: جمع شمال، وهي ريح تهب من ناحية القطب الشمالي، =

ص: 60

والغالب على "رب" المكفوفة" أن تدخل على فعل ماض، كهذا البيت1.

وقد تدخل على مضارع منزل الماضي؛ لتحقق وقوعه؛ نحو: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} 2.

= المعنى: كثيرا ما أنزل على الجبال العالية في مهب الرياح العاتية، متحملا المصاعب لأرقب الأعداء؛ فهو يفتخر بأنه يرقب الطليعة بنفسه متحملا المشاق ولا يعتمد على غيره في المراقبة.

الإعراب ربما: رب حرب جر شبيه بالزائد، يفيد التقليل، و"ما": حرف كاف لـ"رب" عن عمل الجر لفظا في الاسم الذي يليه؛ وهو مهيئ لهذا الحرف أن يدخل على الجمل. أوفيت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل. "في علم": متعلق بـ"أوفى". ترفعن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة؛ ونون التوكيد لا محل لها من الإعراب. ثوبي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء، منع من ظهروها اشتغال المحل بالحركة المناسبة لياء المتكلم؛ والياء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. شمالات: فاعل مرفوع مؤخر.

موطن الشاهد: "ربما أوفيت".

وجه الاستشهاد: اقتران "ما" الكافة بـ"رب" ومنعها إياها من عمل الجر؛ ودليل ذلك دخول "رب" على الجملة الفعلية؛ ولو بقي عمل "رب"؛ لدخل على الاسم.

1 لأن معناها التكثير أو التقليل، وهما إنما يكونان فيما عرف حده، والمستقبل مجهول، وإذا كانت "ما" كافة، و"رب" غير عاملة وجب وصلهما كتابة؛ فإن كانت "رب" عاملة وجب فصلهما.

2 15 سورة الحجر، الآية:2.

موطن الشاهد: "ربما يود".

وجه الاستشهاد: دخول "رب" المكفوفة على فعل مضارع متحقق الوقوع؛ وحكم دخولها على الفعل المضارع الجواز مع القلة، كما في الآية الكريمة؛ وذكر ابن هشام في "المغني": إنما جاز دخول "ربما" على "يود"؛ "لأن المستقبل معلوم -عند الله تعالى- كالماضي، وقيل: هو على حكاية حال ماضية مجازا، مثل قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} ؛ وقيل: التقدير ربما كان يود، وليس حذف كان من دون "إن" و"لو" الشرطيتين سهلا، ثم الخبر حينئذ -وهو "يود"- مخرج على حكاية الحال الماضية؛ فلا حاجة إلى تقدير كان، ولا يمتنع دخولها على الاسمية، خلافا للفارسي". انظر مغني اللبيب: 408، وشرح التصريح: 2/ 22.

ص: 61

وندر دخولها على الجملة الاسمية؛ كقوله1: [الخفيف]

312-

ربما الجامل المؤبل فيهم2

حتى قال الفارسي3: يجب أن تقدر "ما" اسما مجرورا بـ"رب" بمعنى

1 القائل: هو أبو دؤاد الإيادي؛ جارية بن الحجاج، شاعر جاهلي، وأحد وصاف الخيل المشهورين شهد له بذلك الأصمعي. وله شعر في المدح والهجاء وقد كانت تفخر إياد به فتقول: فينا أشعر العرب، تجريد الأغاني، 1778، الشعر والشعراء: 1/ 237، الأعلام: 1/ 106، السمط:879.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

وعناجيج بينهن المهار

والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 22، والأشموني: 570/ 2/ 298، وابن عقيل: 215/ 3/ 33، والعيني: 3/ 328، وأمالي ابن الشجري: 2/ 243، وشرح المفصل: 8/ 29، الخزانة: 4/ 188، الهمع: 2/ 26، 38، الدرر: 2/ 41، المغني: 234/ 183، السيوطي: 139، ديوان أبي دؤاد:316.

المفردات الغريبة: الجامل: اسم جمع للإبل لا واحد له، وقيل القطيع من الإبل مع رعاتها. المؤبل: المعد للقنية. عناجيج: جمع عنجوج كعصفور، وهي الخيل الجياد الطويلة الأعناق. المها: جمع مهر، وهو ولد الفرس، والأنثى مهرة.

المعنى: يفتخر الشاعر بنفسه ويصفها بالجود والكرم، وأنه لا يبخل على من يتصل به بأحسن ما عنده؛ من الإبل المتخذة للقنية، والخيل الجياد التي معها أولادها.

الإعراب: ربما: حرف جر شبيه بالزائد، يفيد التقليل، وما: كافة لـ"رب" عن العمل، الجامل: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، المؤبل: صفة لـ"الجامل" مرفوع. "فيهم": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. وعناجيج: الواو عاطفة، عناجيج: اسم معطوف على الجامل مرفوع مثله. بينهن: "بين" متعلق بمحذوف خبر مقدم، و"هن": في محل جر بالإضافة. المهار: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل رفع صفة لـ"عناجيج".

موطن الشاهد: "ربما الجامل فيهم".

وجه الاستشهاد: دخول "رب" المكفوفة بـ"ما" على الجملة الاسمية؛ وحكم دخولها على الجمل الاسمية الجواز مع الندرة.

3 جعل الفارسي "ما" في هذا البيت نكرة بمعنى شيء مجرور المحل برب؛ وذلك لأنه لا يجوز دخول "رب" المكفوفة على الجملة الاسمية، وجعل "الجامل": خبر مبتدأ محذوف، أي: رب شيء هو الجامل، وفيهم: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال؛ =

ص: 62

شيء؛ و"الجامل"؛ خبرا لضمير محذوف؛ والجملة صفة لما؛ أي: رب شيء هو الجامل المؤبل.

[حذف "رب" وبقاء عملها] :

فصل: تحذف "رب" ويبقى عملها، بعد الفاء كثيرا؛ كقوله1:[الطويل]

313-

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع2

= فيكون مدخول رب مفردا، وإنما قدر الفارسي ضميرا محذوفا، ولم يجعل الجملة على حالها صفة لما؛ ليحصل الربط بين الصفة والموصوف؛ وفي هذه الحالة، تكتب "ما" مفصولة من "رب"، بخلاف "ما" الكافة فإنها تكتب موصولة؛ كما بينا من قبل.

انظر مغني اللبيب: 408، والتصريح: 2/ 22.

1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

فألهيتها عن ذي تمائم محول

والبيت من معلقته المشهورة، وهو من شواهد: التصريح: 2/ 22، والشذور 161/ 425، والهمع: 2/ 36، والدرر: 2/ 38، والمغني: 227/ 181، 290/ 213، والسيوطي: 137-158، وابن عقيل: 218/ 3/ 36، والأشموني: 577/ 2/ 399، وديوان امرئ القيس:147.

المفردات الغريبة: طرقت: أتيتها ليلا، والطروق: الإتيان في الليل. ألهيتها: شغلتها. تمائم: جمع تميمة وهي التعاويذ التي تعلق على الصبي لتقيه من العين والسحر ونحوهما على عقيدة العرب. محول: اسم فاعل، من أحول الصبي إذا مر من عمره حول.

المعنى: رب امرأة مثلك حبلى ومرضع قد أتيتها ليلا فشغلتها عن طفلها الصغير الذي تولع به. وخص الحبلى والمرضع؛ لأنهما أزهد النساء في الرجال، ومع ذلك تعلقتا به ومالتا إليه.

الإعراب: فمثلك: الفاء عاطفة، مثل: اسم مجرور لفظا بـ"رب" المقدرة، منصوب محلا على أنه مفعول به لـ"طرقت" الآتي، والكاف: في محل جر بالإضافة؛ والتقدير: فـ"رب مثلك طرقت". حبلى: بدل من "مثل" مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة إن راعينا اللفظ. ومنصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة إن راعينا المحل. قد: حرف تحقيق. طرقت: فعل ماض، والتاء: في محل رفع فاعل. ومرضع: الواو عاطفة، مرضع: اسم معطوف على "حبلى"؛ والراجح في روايته الجر؛ غير أنه يجوز مراعاة =

ص: 63

وبعد الواو أكثر1؛ كقوله2: [الطويل]

= المحل، فيجوز نصبه عطفا على محل "حبلى". فألهيتها: الفاء عاطفة، ألهى: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، و"ها": ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعولا به. "عن ذي": متعلق بـ"ألهيتها"؛ و"ذي" من الأسماء الستة؛ فعلامة جره الياء بدل الكسرة، وهو مضاف. تمائم: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ لأنه على صيغة منتهى الجموع. محول: صفة لـ"ذي تمائم" مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

موطن الشاهد: "فمثلك".

وجه الاستشهاد: جر "مثل" بـ"رب" المحذوفة بعد الفاء؛ وحكم الجر بـ"رب" المحذوفة بعد الفاء الجواز مع الكثرة؛ ومثل هذا الشاهد قول المتنخل الهذلي:

فحور قد لهوت بهن عين

نواعم في المروط وفي الرياط

1 ذهب الكوفيون وأبو العباس المبرد من البصريين إلى أن الواو تعمل بنفسها الجر في النكرة، وقالوا في تعليل ذلك: لأن الواو نابت عن "رب" التي تعمل الجر؛ فلما نابت عنها؛ عملت عملها، ولا يمكن أن نعد هذه الواو واو العطف؛ لأنها تقع في أول الكلام؛ وذهب البصريون إلى أن الواو، ليست هي التي تعمل الجر، وإنما عامل الجر "رب" مقدرة، وقالوا في تعليل رأيهم:"لأن الواو حرف غير مختص، والحرف غير المختص أصله ألا يعمل شيئا، وإذا كانت الواو، ليست هي عامل الجر، لزم أن نقدر عاملا يكون جر ما بعد الواو به، وإنما قدرنا الجر بـ"رب" لأنا رأينا "رب" يجوز ظهورها مع الواو، فيقال: ورب ليل ورب بلد، ومن ذلك قول الشاعر:

"ورب أسيلة الخدين بكر"

والذي ينقض قول الكوفيين والمبرد: "إن العامل هو الواو نفسها في نحو: وليل، ونحول: وبلد" أنا رأينا العرب تجر بـ"رب" محذوفة، وليس في الكلام عوض منها: كما في قول الشاعر:

مثلك أو خير تركت رذية

تقلب عينيها إذا طار طائر

ورأينا العرب -أيضا- تجر الاسم النكرة بعد بل وبعد الفاء، ولم يقل أحد منا ومنكم: إن بل أو الفاء تجر، وهذان الحرفان، يحسن ظهورهما في الكلام مع "رب" كما قلنا في شأن الواو، ولو كان حرف منها نائبا عن رب وعوضا عنها، لم يجز أن يظهر في الكلام معها؛ لأن العوض لا يذكر مع المعوض. انظر مغني اللبيب: 477، وهمع الهوامع: 2/ 36-37.

2 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.

ص: 64

314-

وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله1

وبعد "بل" قليلا؛ كقوله2: [الرجز]

315-

بل مَهمَهٍ قطعت بعد مهمه3

1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

علي بأنواع الهموم ليبتلي

والبيت من معلقته المشهورة التي كثر الاستشهاد بأبياتها.

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 22، وشذور الذهب: 160/ 424، شرح الزوزني: 106، والمغني: 672/ 473، والأشموني: 579/ 2/ 300، وديوان امرئ القيس:151.

المفردات الغريبة: كموج البحر: أي مثله في شدة هوله وظلمته. سدوله: ستوره، والمفرد: سدل. ليبتلي: ليختبر ويمتحن.

المعنى: رب ليل عظيم الهول والخوف أسدل علي ستور ظلامه مع أنواع الهموم والأحزان؛ ليختبر ما عندي من الشجاعة والاحتمال والصبر، أو الجزع والفزع قطعته ولم أبال به.

الإعراب: وليل: الواو: واو رب، لا محل لها من الإعراب، ليل: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. "كموج": متعلق بمحذوف صفة لـ"ليل"، وموج: مضاف. البحر: مضاف إليه مجرور. أرخى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف، منع من ظهروه التعذر؛ والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره هو. سدوله: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه؛ وجملة "أرخى سدوله": في محل رفع خبر المبتدأ المجرور لفظا بـ"رب" المقدرة. "علي": متعلق بـ"أرخى". بأنواع: متعلق بـ"أرخى" أيضا، وأنواع مضاف. الهموم: مضاف إليه مجرور. ليبتلي: اللام للتعليل، يبتلي: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل؛ والمصدر المؤول من "أن المصدرية المضمرة مع يبتلي": في محل جر بلام التعليل؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"أرخى".

موطن الشاهد: "وليل".

وجه الاستشهاد: جر "ليل" بـ"رب" المقدرة بعد الواو؛ وحكم عمل رب محذوف بعد الواو الجواز وهو شائع بكثرة؛ وعملها محذوفة بعد الواو من عملها محذوفة بعد الفاء.

2 القائل: هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز استشهد به: التصريح: 2/ 23، والعيني 3/ 345، وشرح شواهد الشافية: 202، واللسان "بلل"، وديوان رؤبة:166. =

ص: 65

وبدونهن أقل؛ كقوله1: [الخفيف]

316-

رسم دارٍ وقفت في طلله2

= المفردات الغريبة: مهمه: مفازة بعيدة الأطراف. قيل سميت بذلك؛ لأن سالكها يقول لصاحبه من الخوف والذعر: مه مه، أي كف عن الحديث.

الإعراب: بل: حرف عطف يفيد الإضراب، لا محل له من الإعراب. مهمه: اسم مجرور لفظا بـ"رب" المقدرة المحذوفة، منصوب محلا، على أنه مفعول به لـ"قطعت" الآتي. "بعد": متعلق بـ"قطع"، وهو مضاف. مهمه: مضاف إليه مجرور.

موطن الشاهد: "بل مهمه".

وجه الاستشهاد: جر "مهمه" بـ"رب" المحذوفة المقدرة بعد "بل"؛ وحكم حذف "رب" مع بقاء عملها بعد "بل" الجواز مع القلة؛ ومثل هذا الشاهد قول رؤبة بن العجاج:

بل بلد ذي صعد وأصباب

قطعت أخشاه بعسف جواب

فجاءت "رب" مقدرة بعد "بل"، وبقي عملها، بعد حذفها.

1 القائل: هو جميل بن معمر العذري، وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

كدت أقضي الحياة من جلله

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 23، وابن عقيل "220/ 3/ 38"، وأمالي القالي: 1/ 246، واللسان "جلل"، وديوان جميل بن معمر العذري:187.

المفردات الغريبة: رسم دار: هو ما بقي من آثارها لاصقا بالأرض، كالرماد ونحوه. طلله، الطلل: ما شخص أي ما ارتفع من آثارها، كالوتد والأثافي. من جلله: من أجله، أو من عظم شأنه في نفسي.

المعنى: رب أثر باق من آثار ديار الأحبة وقفت عنده، فكدت أموت أسى وحزنا على تلك الديار، التي كانت عامرة ولها أعظم شأن في نفسي، فاصبحت خرابا خاوية من أهلها.

الإعراب: رسم: اسم مجرور لفظا بـ"رب" المقدرة، مرفوع محلا على أنه مبتدأ؛ وهو مضاف. دار: مضاف إليه مجرور. وقفت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع فاعل. "في طلله": متعلق بـ"وقف"، وطلل: مضاف، والهاء مضاف إليه؛ وجملة "وقفت في طلله": في محل رفع صفة لـ"رسم"؛ أو في محل جر صفة له؛ تبعا للفظ الموصوف. كدت: فعل ماض من أفعال المقاربة مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع اسم "كاد". أقضي: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. الحياة: مفعول به منصوب. "من جلله": متعلق بـ"أقضي"، وجلل: مضاف، و"الهاء": في محل جر بالإضافة؛ وجملة "أقضي =

ص: 66

[حذف غير رب وبقاء عمله] :

وقد يحذف غير "رب" ويبقى عمله؛ وهو ضربان:

1-

سماعي؛ كقول رؤبة: "خيرٍ والحمد لله"؛ جوابا لمن قال له كيف أصبحت1؟

2-

وقياسي، كقولك2:"بكم درهم اشتريت ثوبك"؛ أي: بكم من درهم؟؛

= الحياة..": في محل نصب خبر "كاد"؛ وجملة "كاد واسمها وخبرها": في محل رفع خبر المبتدأ.

موطن الشاهد: "رسم دار".

وجه الاستشهاد: جر "رسم" بـ"رب"؛ وهي محذوفة من غير أن يتقدم هذا المجرور حرف من الأحرف السابق ذكرها؛ وحكم هذا قليل ونادر.

1 الأصل: بخير، أو على خير، فحذف الجار وأبقى عمله، ورؤبة هذا من فصحاء العرب الذين يستشهد بقولهم.

2 بقي مما يطرد فيه الحذف غير ما ذكره المصنف:

1-

أن يكون الجار أحد حروف القسم والمجرور لفظ الجلالة دون عوض من حرف القسم المحذوف: الله لأفعلن.

2-

في جواب سؤال اشتمل على حرف مثل الحرف المحذوف، نحو "زيد"، في جواب من قال: بمن اهتديت؟

3-

في العطف على ما تضمن مثل الحرف المحذوف إذا كان العطف بحرف منفصل بـ"لو" كقول الشاعر:

"متى عدتم بنا ولو فئة منا".

4-

أن يكون المجرور معطوفا على آخر؛ بحرف منفصل بلا، كقول الشاعر:

ما لمحب جلد أن يهجرا

ولا حبيب رأفة فيجبرا

5-

أن يكون المجرور مقرونا بهمزة استفهام بعد كلام تضمن مثل الحرف المحذوف، نحو قولك:"أزيد بن عمرو" جوابا لمن قال: "اهتديت بزيد".

6-

أن يكون المجرور مسبوقا بهلا بعد كلام اشتمل على مثل الحرف المحذوف؛ نحو: "هلا رجل يعتمد عليه". بعد قول القائل "تمسكت بخالد".

7-

أن يكون المجرور مسبوقا بإن، وفي الكلام السابق عليه مثل الحرف المحذوف؛ نحو: لا تمسك بأحسنهما خلقا، إن علي وإن عمرو".

8-

لام التعليل إن جرت كي المصدرية وصلتها؛ نحو: جئت كي أتعلم. =

ص: 67

خلافا للزجاج، في تقديره1. الجر بالإضافة؛ وكقولهم:"إن في الدار زيدا والحجرة عمرا" أي: وفي الحجرة؛ خلافا للأخفش، إذ قدر العطف، على معمولي عاملين2؛ وقولهم:"مررت برجل صالح إلا صالحٍ فطالحٍ" حكاه يونس3؛ وتقديره: إلا أمر بصالح، فقد مررت بطالح4.

= 9- بعد أن المصدرية وأن المؤكدة؛ نحو: "رغبت أن أتنسك" و"عجبت أنك مستمر في ضلالك".

10-

أن يكون المجرور بالحرف معطوفا على خبر "ليس" أو "ما" الحجازية بشرط أن يكون صالحا لدخول حرف الجر عليه، بأن يكون الخبر اسما لم ينتقض نفيه بإلا؛ نحو: لست مدركا القطار، ولا قادر على العودة بجر "قادر" بالعطف على مدركا، الذي يجوز جره بالباء، فيقال: لست بمدرك. فعلى الجواز الموهوم عطف عليه بالجر؛ وهذا هو الذي يسميه النحاة: العطف على التوهم.

انظر: همع الهوامع: 2/ 37، والنحو الوافي: 2/ 532، والأشموني مع حاشية الصبان: 2/ 233-235.

1 وذلك من وجهين: أحدهما: أن كم الاستفهامية، لا يصلح أن تعمل الجر؛ لأنها قائمة مقام عدد مركب؛ والعدد المركب، لا يعمل الجر، فكذا ما قام مقامه. والثاني: أن الجر بعد "كم" الاستفهامية، لو كان بالإضافة، لم يشترط دخول حرف الجر على كم، فاشتراط ذلك دليل على أن الجر بمن مضمرة؛ لكون حرف الجر الداخل على كم عوضا عن اللفظ بمن بخلاف كم الخبرية؛ فإنه لما لم يشترط دخول حرف الجر عليها، كان تمييزها مجرورا بالإضافة لا بمن مضمرة خلافا للفراء.

شرح التصريح: 2/ 23.

2 فجعل "الحجرة" معطوفة على الدار، و"عمرا" معطوفا على "زيدا" والدار وزيد معمولان لعاملين مختلفين؛ لأن العامل في الدار حرف الجر، والعامل في "زيد" إن. والعطف بحرف واحد على معمولين لعاملين مختلفين، مما لا يجيزه. سيبويه وأنصاره؛ لضعف حرف العطف عن أن يقوم مقام عاملين مختلفين. انظر حاشية الصبان. 2/ 235، وشرح التصريح: 2/ 23.

3 وحكاه سيبويه "إلا صالحا فطالحا" بنصبهما على تقدير إلا يكن صالحا يكن طالحا، وحكاه أيضا "إلا صالحا فطالح" بنصب الأول ورفع الثاني على تقدير إلا يكن صالحا فهو طالح.

4 هذا تقدير ابن مالك، وقدره سيبويه: إلا أكن مررت بصالح فبطالح.

قيل: وهو الصواب؛ لئلا يتنقض إخبارك أولا بالمرور فيما مضى؛ لأن إلا أمر معناه في =

ص: 68

...........................................

= المستقبل؛ ويمكن حمل تقدير ابن مالك عليه، بأن يجعل معنى إلا أمر إن لا أكن مررت. شرح التصريح: 2/ 23. حاشية الصبان: 2/ 235.

فائدتان: 1- لا يجوز الفصل بين حرف الجر ومجروره اختيارا، ويجوز الفصل بينهما اضطرارا بظرف أو جار ومجرور.

2-

ذكرنا: أن الظرف والجار والمجرور لا بد لهما من متعلق يرتبطان به، وهذا المتعلق قد يكون فعلا أو شبهه كاسم الفعل، او مؤولا بما يشبه ذلك، أو ما يشير إلى معناه، نحو:{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} أي وهو المسمى بهذا الاسم، {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} أي: انتفى الكون مجنونا بنعمة ربك، فإن لم يكن شيء من ذلك، قدر الكون المطلق متعلقا. ويستثنى من ذلك:

أ- الحروف الزائدة؛ لأنه أتى بها للتأكيد لا للربط.

ب- "لعل" في لغة عقيل؛ لأنها شبيهة بالزائد.

ج- "رب" في مثل: رب رجل محسن قابلت؛ لأن مجرورها مفعول.

د- "لولا" عند من جر بها؛ لأنها بمنزلة "لعل" في رفع ما بعدها محلا.

هـ- حروف الاستثناء وهي: خلا، وعدا، وحاشا، إذا خفضن.

انظر الأشموني مع حاشية الصبان: 2/ 236.

ص: 69