المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب التعجب] : - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك - ت هبود - جـ ٣

[ابن هشام النحوي]

الفصل: ‌[باب التعجب] :

[باب التعجب] :

هذا باب التعجب1:

[صيغ التعجب] :

وله عبارات كثيرة، نحو:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ}

1 هو انفعال وتأثر داخلي يحدث في النفس عند استعظام أمر له مزية ظاهرة بسبب زيادة فيه. جعلته نادرا ولا نظير له، وقد خفي سببها. قيل: ولعل هذا معناه اللغوي. أما عند النحاة فهو: استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها، وخرج بها المتعجب به عن أمثاله، أو قل نظيره فيها. وهذا يفسر اشتراط أن يكون الفعل الذي تؤخذ من مصدره صيغة التعجب مبنيا للمعلوم؛ فلا يتعجب مما لا زيادة فيه، ولا مما ظهر سببه، ولهذا يقال: إذا ظهر السبب بطل العجب. وأيضا، لا يوصف المولى سبحانه بأنه متعجب؛ لأنه لا يخفى عليه سبحانه شيء. وما ورد في كلامه، أو في الحديث الشريف، أو غيرهما مما يدل على التعجب، فالمراد منه: إما توجيه المخاطبين إلى إظهار العجب نحو: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} أي: أن حالهم تستدعي أن يتعجب منها. أو المراد لازمه وهو الرضا والتعظيم، ونحو ذلك من الأغراض البلاغية، كحديث:"عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل": أي: وهم أسارى المشركين يسلمون فيدخلون الجنة. وكان القياس عدم التعجب من صفاته تعالى؛؟؟؟ لا تقبل الزيادة، نحو: ما أعظم الله، وما أقدره، وما أجله، وما أعلمه، ولكنهم أجازوا ذلك بقصد الثناء عليه على أن المعنى: أنه تعالى في غاية العظمة، وأن عظمته مما تحار فيها العقول.

التصريح، وحاشية يس: 2/ 86- حاشية الصبان: 1/ 16-17.

2 2 سورة البقرة، الآية:28.

موطن الشاهد: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} .

وجه الاستشهاد: استعمال "كيف" للتعجب مجازا عما وصفت له عن الاستفهام عن الأحوال، والمعنى: أتعجب من كفركم بالله.

ص: 224

"سبحان الله إن المؤمن لا ينجس" 1 لله دره فارسا2!.

والمبوب له منها في النحو اثنتان:

[ما أفعله وإعرابها] :

إحداهما: ما أفعله، نحو "ما أحسن زيدا".

فأما "ما" فأجمعوا على اسميتها3؛ لأن في "أحسن" ضميرا يعود4 عليها، وأجمعوا على أنها مبتدأ؛ لأنها مجردة للإسناد إليها5، ثم قال سيبويه: هي نكرة تامة6 بمعنى شيء، وابتدئ بها؛ لتضمنها معنى التعجب، وما بعدها خبر؛

1 حديث شريف قاله عليه الصلاة والسلام لأبي هريرة حين رآه في بعض طرق المدينة وكان جنبا، فأبى أن يقابله حتى اغتسل.

والحديث أخرجه: البخاري: 1/ 390، ومسلم: الحيض ب 29: 115، والنسائي: 1/ 146، مسند الإمام أحمد: 2/ 235-382، وفتح الباري لابن حجر: 10/ 599، شرح السنة للبغوي: 2/ 29.

موطن الشاهد: "سبحان الله".

وجه الاستشهاد: وقوع "سبحان" اللفظ الموضوع للتنزيه مفيدا للتعجب؛ لأن الإنسان يسبح الله عند رؤية مخلوقاته العجيبة.

2 قول لبعض العرب. ومن الصيغ التعجبية غير ما ذكر: "يا لك"، و"يا له، وقولهم: عجبت من كذا

" غير ذلك.

3 وهي علامة التعجب، ولذا تسمى "ما التعجبية". ويجب تقديمها على الفعل.

4 وهذا الضمير بينه وبين غيره من الضمائر المستترة المرفوعة فرقا من ثلاثة أوجه، الأول: أن الضمير المرفوع المستتر في الفعل مثلا يجوز العطف عليه بعد الفصل بالضمير المرفوع البارز أو فاصل ما، وهنا لا يجوز في الضمير المستتر في أحسن ذلك. والثاني: أنه لا يجوز أن يبدل من الضمير المستتر في أحسن، والثالث: أنه لا يجوز في باب التدريب أن يخبر عن هذا الضمير المستتر في أحسن.

هذا: وقد قال البصريون بصراحة عن هذا الضمير، ولم يقله الكوفيون كما يعلم من كلامهم الآتي في أحسن.

حاشية يس على التصريح: 2/ 87.

5 روي عن الكسائي: أنه يقول: إن "ما" لا موضع لها من الإعراب، فهو على هذا لا يكون مع النحاة في أنها مبتدأ، وهذا قول شاذ لا يقدح فيه الإجماع.

6 يراد بالنكرة: أنها بمعنى شيء أي شيء، وبالتمام: أنها غير موصوفة بشيء بعدها، وقد أفادها التنكير الإبهام، وهو يناسب التعجب؛ لانه يكون فيما خفي سببه. =

ص: 225

فموضعه رفع؛ وقال الأخفش: هي معرفة ناقصة بمعنى الذي، وما بعدها: صلة فلا موضع له، أو نكرة ناقصة، وما بعدها صفة فمحله رفع؛ وعليهما: فالخبر محذوف وجوبا، أي: شيء عظيم1.

وأما "أفعل" كأحسن فقال البصريون والكسائي: فعل؛ للزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية؛ نحو: "ما أفقرني إلى رحمة الله تعالى"، ففتحته بناء كالفتحة في ضرب من "زيد ضرب عمرا"، وما بعده مفعول به2، وقال بقية الكوفيين: اسم؛ لقولهم: "ما أحيسنه"3؛ ففتحته إعراب؛ كالفتحة في "زيد عندك"؛ وذلك لأن مخالفة الخبر

= يؤخذ على قول الأخفش: أن فيه حذف الخبر من غير أن يسد مسده شيء، وفيه أيضا: تقديم الإبهام بالصلة أو الصفة، وتأخير الإبهام بالتزام حذف الخبر، والمألوف في الكلام الذي يتضمن إفهاما وإبهاما تقديم الإبهام، فالراجح ما ذهب إليه سيبويه من أنها نكرة تامة، وينبغي الأخذ به؛ لأنه خال من التعسف والحذف والتأويل من غير داعٍ. هذا ويروى للأخفش قول وافق فيه سيبويه والجمهور: وهو أن "ما" نكرة تامة لا تحتاج إلى وصف. ويذكر النحاة قولا آخر للفراء وابن درستويه، ونسب هذا القول إلى الكوفيين. أيضا، وحاصله أن "ما" اسم استفهام مشرب بمعنى التعجب مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، فأما الكوفيون فعندهم أن "أحسن" اسم مرفوع خبر المبتدأ، وأما الفراء وابن درستويه فإن قالا إن "أحسن" اسم، ووافقا الكوفيين استفهام لهما القول على ما فيه، وإن قالا إن "أحسن" فعل ماضٍ تقع جملته خبرا كما يقول البصريون في "أحسن". ورد عليهما أنهما جعلا خبر اسم الاستفهام المشرب بالتعجب جملة فعلية وهو خلاف الأصل. فإن الأصل أن يكون خبره اسما مفردا نحو قوله تعالى:{الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ} ، {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ} ، {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} .

التصريح: 2/ 87، الهمع: 2/ 90، الأشموني: 2/ 363.

والأشموني مع الصبان: 3/ 18.

2 وهو في المعنى فاعل. ولهذا المفعول أحكام خاصة، منها: أنه لا يحذف إلا إذا دل عليه دليل، ولا يكون إلا معرفة أو نكرة مختصة، ولا يتقدم على عامله، ولا يحال بينهما إلا بالظرف على الصحيح.

3 واستدلوا لذلك بقول الشاعر:

يا ما أميلح غزلانا شدن لنا

من هؤليائكن الضال والسمر

وزعموا أن التصغير من خصائص الأسماء فيكون تصغير أملح دالا على أنه اسم، =

ص: 226

للمبتدأ، تقتضي -عندهم- نصبه1، و"أحسن" إنما هو في المعنى وصف لزيد؛ لا لضمير "ما"2، و"زيد" -عندهم- مشبه بالمفعول به3.

["أفعل به" وإعرابها] :

الصيغة الثانية: أفعل به؛ نحو: "أحسن بزيد".

وأجمعوا على فعلية أفعل4، ثم قال البصريون: لفظه لفظ الأمر5، ومعناه: الخبر6؛ وهو في الأصل: فعل ماضٍ على صيغة أفعل بمعنى صار ذا كذا كـ"أغد

= ويجيب البصريون، ومعهم الكسائي من الكوفيين: بأن هذا شاذ فلا ينهض دليلا على الاسمية. وقيل: بأن التصغير راجع إلى المصدر المدلول عليه بالفعل، وقيل: إنما صغر فعل التعجب حملا له على أفعل التفضيل لاتفاقهما لفظا، وقيل: إنما صغر؛ لأنه لزم طريقة واحدة فاشبه بذلك الأسماء فدخله بعض أحكامها، وحمل الشيء على الشيء في بعض أحكامه لا يخرجه عن أصله.

الدرر اللوامع: 1/ 49، 2/ 119، حاشية الصبان: 3/ 18.

1 اي نصب الخبر، فعامل النصب عندهم في الخبر هو المخالفة للمبتدأ، أي: كونه ليس وصفا له. أما إذا كان الخبر هو المبتدأ في المعنى، كالله ربنا، أو مشبها به، نحو:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} ؛ فإنه يرتفع ارتفاعه.

2 هذا بيان للمخالفة هنا، وهي أن الخبر ليس وصفا للمبتدأ في المعنى. وفيه إشارة إلى أن معنى "أحسن" عندهم: فائق في الحسن، لا صير زيدا حسنا، كما هو مذهب البصريين؛ إذ التصيير صفة لضمير "ما" لا لزيد.

التصريح: 2/ 88.

3 وذلك لوقوعه بد ما يشبه الفعل في الصورة.

4 قال باسمية "أفعل" ابن الأنباري ورده المرادي، وإجماع النحاة على فعلية أفعل أنه جاء على صيغة لا يكون عليها إلا الفعل، وأما أصبع، فنادر ولا يجعل أصلا.

التصريح: 2/ 88، وانظر: الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري: 1/ 126-148.

5 أي: أنه جاء على صورة الأمر، فيبنى على السكون إن كان صحيح الآخر، وعلى حذف حرف العلة إن كان معتلا كالأمر؛ نظرا لصورته، أو يبنى على فتح مقدر منع من ظهوره مجيئه على صورة الأمر؛ نظرا لمعناه.

6 وذلك في الأصل، أما الآن فالجملة كلها لإنشاء التعجب، ولا تدل على زمن مطلقا أو أن المصنف أراد بالخبر: ما قابل الطلب، فيشمل الإنشاء غير الطلب كما هنا.

ص: 227

البعير"؛ أي: صار ذا غدة1، ثم غيرت الصيغة2، فقبح إسناد صيغة الأمر، إلى الاسم الظاهر3، فزيدت الباء في الفاعل؛ ليصير على صورة المفعول به4، كـ"امْرُرْ بزيد" ولذلك التزمت5، بخلافها في {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 6، فيجوز تركها؛ كقوله7:[الطويل]

379-

كف الشيب والإسلام للمرء ناهيا8

1 الغدة: طاعون الإبل، ولا تكون الفدة إلا في البطن.

2 أي: إلى الأمر، وذلك عن قصد التعجب؛ ليوافق اللفظ في التغيير؛ تغيير المعنى عن الإخبار إلى الإنشاء.

3 لأن الأمر لا يرفع الاسم الظاهر.

4 وزيادتها في هذا الموضع لازمة إذا كان المجرور بها اسما صريحا لا مصدرا مؤولا.

5 أي: زيادتها صونا للفظ عن القبح، إلا إذا كان المجرور بها مصدرا مؤولا من "أن"، أو "أن" وصلتهما؛ لاطراد حذف الجار في ذلك، كقول العباس بن مرداس. وأجبب إلينا أن تكون المقدما.

أي: بأن تكون.

6 48 سورة الفتح، الآية:28.

موطن الشاهد: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} .

وجه الاستشهاد: مجيء "الياء" زائدة في فاعل "كفى" وحكم زيادتها -هنا- الجواز؛ لأنه يجوز في اللغة القول: "كفى الله شهيدا".

7 القائل: هو سحيم بن وثيل؛ عبد بني الحسحاس، وقد مرت ترجمته.

8 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

عميرة ودع إن تجهزت غاديا

وهو مطلع قصيدة مشهورة له، وبعده قوله:

جنونا بها فيما اعترتنا علاقة

علاقة حب مسترا وباديا

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 88، والأشموني: 730/ 2/ 364، والعيني: 3/ 665، والكتاب لسيبويه: 1/ 230، 2/ 308، والخصائص: 2/ 488، والإنصاف: 1/ 168، وشرح المفصل: 2/ 115، 7/ 84، 148، 8/ 24، 93، 138، والمغني: 160/ 145، والسيوطي: 112، وديوان سحيم:16.

المفردات الغريبة: عميرة: اسم محبوبته، وهو تصغير عمرة. تجهزت: تهيأت وأعددت ما يلزمك في سفرك. غاديا: اسم فاعل من غدا، أي: ذهب وقت الغداة، وهي ما بين الفجر وطلوع الشمس. =

ص: 228

وقال الفراء، والزجاج، والزمخشري، وابن كيسان، وابن خروف1: لفظه ومعناه الأمر؛ وفيه ضمير2، والباء للتعدية3، ثم قال ابن كيسان: الضمير للحسن4، وقال غيره: للمخاطب، وإنما التزم إفراده5؛ لأنه كلام جرى مجرى المثل.

= المعنى: يجرد الشاعر من نفسه شخصا يخاطبه ويقول له: اترك عمير وودعها وداع شخص أعد عدته لترك نوازع الصبا، متعظا بما حل به من الشيب، واعتصم به من حرمة الإسلام، وكفى بذلك واعظا. روي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سمعه ينشد هذا البيت قال: لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك.

الإعراب: عميرة مفعول به مقدم لفعل "ودع". ودع: فعل أمر مبني على السكون، لا محل لها من الإعراب، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره أنت. إن: شرطية جازمة، لا محل لها من الإعراب. تجهزت: فعل ماض، وهو فعل الشرط، مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل. غاديا: حال منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. كفى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف؛ للتعذر. الشيب: فاعل "كفى" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. والإسلام: الواو عاطفة، الإسلام؛ اسم معطوف على الشيب مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "للمرء": متعلق بقوله "ناهيا" الآتي. ناهيا: حال من الشيب، ويمكن أن يعرب تمييزا مبينا لنسبة الكفاية إليه؛ والأول أفضل.

موطن الشاهد: "كفى الشيب".

وجه الاستشهاد: إسقاط الباء من فاعل "كفى"؛ وفي هذا دلالة على أن هذه الباء، ليست واجبة الدخول على فاعل هذا الفعل؛ بخلاف دخولها على فاعل فعل التعجب الذي على صورة الأمر؛ فاقترانه بالباء واجب، ولا يجوز تجرده منها.

1 مرت ترجمة وافية لكل واحد منهم.

2 أي: مستتر تقديره: أنت، وهو الفاعل.

3 فهي حرف أصلي، وهي ومجرورها في محل نصب على المفعولية. وقيل: الهمزة على قول الفراء ومن وافقه للنقل والباء زائدة.

4 أي: المصدر المفهوم من أحسن، والتقدير: أحسن يا حسن بزيد أي: دم به والزمه؛ ولذلك أفرد الضمير؛ لأن ضمير المصدر كالمصدر لا يثنى ولا يجمع.

5 أي: الذي يراد منه أن يتعجب. وعليه يكون معنى أحسن بزيد: اجعل يا مخاطب زيدا حسنا، أي: صفه بالحسن كيف شئت. وعلى كل فالضمير المذكور مفرد مذكر دائما، فلا يقال في التأنيث: أحسني، ولا في التثنية والجمع أحسنا وأحسنوا وأحسن.

انظر التصريح؛ 2/ 88-89.

ص: 229

[جواز حذف المتعجب منه] :

مسألة: ويجوز حذف المتعجب منه1؛ في مثل "ما أحسنه"، إن دل عليه دليل2؛ كقوله3:[الطويل]

380-

ربيعة خيرا ما أعف وأكرما4

1 المراد بالمتعجب منه: المعمول الذي له صلة بالأمر الذي يدعو للتعجب من صفة أو فعل؛ فإذا قلت: ما أحسن الإخلاص في العمل!، فإن التعجب من حسن الإخلاص، لا من الإخلاص ذاته؛ لأن التعجب من الأحوال لا من الذوات.

2 ويشترط أن يكون ضميرا، سواء أكان منصوبا بـ"أفعل" أم مجرورا بالباء بعد "أفعل".

انظر في هذه المسألة ابن عقيل: 3/ 151، والدرر اللوامع: 2/ 120، والتصريح: 2/ 89-90.

3 القائل: هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أبو الحسن رابع الخلفاء الراشدين وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، وأحد المبشرين بالجنة، وأحد الأبطال الشجعان والخطباء العلماء، وأول الناس إسلاما، كان بينه وبين معاوية خلاف ومعارك. ينسب إليه ديوان شعر، وجمعت خطبه وأقواله ورسائله في كتاب، قتله ابن ملجم لعنه الله، وذلك سنة 40هـ، وله 63 سنة.

صفة الصفوة: 1/ 118، الإصابة: ت: 5690، الأعلام: 4/ 295، الطبري: 6/ 83. وغيره كثير.

4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

جزى الله عني والجزاء بفضله

وهو من كلمة يمدح فيها ربيعة على ما أبلت معه يوم صفين وقبله قوله:

لمن راية سوداء يخفق ظلها

إذا قيل قدمها صفين تقدما

يقدمها في الموت حتى يزيرها

حياض المنايا تقطر الموت والدما

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 89، والأشموني: 732/ 2/ 364، والعيني: 3/ 649، والهمع: 2/ 91، والدرر: 2/ 121.

المفردات الغريبة: جزى: كافأ؛ من المجازاة وهي المكافأة. بفضله: بإحسانه.

المعنى: يدعو الإمام علي كرم الله وجهه الله جل جلاله أن يجزي بفضله العميم ربيعة على ما بذلته، وما بدر منها من الكرم بالنفس والمال، ثم يعجب رضي الله عنه من شأن ربيعة فيقول: ما أعفها وما أكرمها!.

الإعراب: جزى: فعل ماض، مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الله: "لفظ =

ص: 230

وفي "أفعل به" إن كان أفعل معطوفا على آخر مذكور معه مثل ذلك المحذوف؛ نحو: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 1، وأما قوله2:[الطويل]

381-

حميدا، وإن يستغن يوما بأجدر3

= الجلالة" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "عني" متعلق بـ"جزى". والجزاء: الواو: حالية، الجزاء: مبتدأ مرفوع. "بفضله": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والهاء: "مضاف إليه؛ وجملة "الجزاء بفضله": في محل نصب حال. ربيعة: مفعول به أول لـ"جزى". ما: تعجبية في محل رفع متبدأ. أعف: فعل ماضٍ، مبني على الفتح لإنشاء التعجب، وفاعله ضمير مستتر يعود إلى ما، وجملة "أعف": في محل رفع خبر المبتدأ. وأكرم: الواو حرف عطف، أكرم معطوف على أعف السابق والألف للإطلاق.

موطن الشاهد: "ما أعف وأكرم".

وجه الاستشهاد: حذف المتعجب منه وهو مفعول فعل التعجب؛ لأنه ضمير يدل عليه سياق الكلام؛ لأن التقدير: ما أغفها وأكرمها.

1 19 سورة مريم، الآية:38.

موطن الشاهد: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} .

وجه الاستشهاد: حذف الفاعل المجرور بعد "أفعل"؛ للدليل مع كونه فاعلا؛ لأن لزومه للجر كساه صورة الفضلة، فجاز فيه ما يجوز فيها. وقيل: لم تحذف، وإنما استتر بالفعل بعد حذف الباء.

2 القائل: هو عروة بن الورد العبسي؛ المعروف بعروة الصعاليك، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

فذلك إن يلق المنية يلقها

وقبله قوله:

فإن بعدوا لا يأمنون اقترابه

تشوف أهل الغائب المتنظر

وهما من قصيدة عدتها سبعة وعشرون بيتا موجودة في ديوانه "مط. جول كربوتل": 63-87 واختار أبو تمام بعض أبياتها في حماسته، يصف فيها صعلوكا ومنها قوله:

ولله صعلوك صحيفة خده

كضوء شهاب المائس المتنور

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 90، والأشموني: 733/ 2/ 365، وابن عقيل: 270/ 3/ 152، والعيني: 3/ 650، والخزانة: 1/ 196.

المفردات الغريبة: المنية: الموت. حميدا: محمودا، فهو فعيل بمعنى مفعول. فأجدر: أي: ما أجدره وما أحقه. =

ص: 231

أي: به؛ فشاذ1.

[عدم تصرف فعلي التعجب] :

مسألة: وكل من هذين الفعلين ممنوع التصرف2؛ فالأول: نظير تبارك،

= المعنى: هذا الصعلوك الموصوف بالصفات المذكورة إن مات في سبيل مطلبه يموت وهو محمود الفعال عند الناس؛ لما كان عليه من عفة وعزة نفس، وما له من صفات كريمة، وإن عاش واستغنى فما أحقه، وما أخلقه بالغنى؛ لأنه وصل إليه بسعيه وجده.

الإعراب: فذلك: ذا: اسم إشارة في محل رفع مبتدأ، واللام: للبعد، والكاف: للخطاب، لا محل لها من الإعراب. إن: حرف شرط جازم. يلق: فعل مضارع مجزوم، وهو فعل الشرط، وعلامة جزمه حذف الألف، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. المنية: مفعول به منصوب. يلقها: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف الألف، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، و"ها": ضمير متصل في محل نصب مفعولا به. حميدا: حال من فاعل "يلق"، الذي هو جواب الشرط؛ وجملة "الشرط وجوابه": في محل رفع خبر المبتدأ. وإن: الواو عاطفة، إن: حرف شرط جازم. يستغن: فعل مضارع -فعل الشرط- مجزوم، وعلامة جزمه حذف الياء، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. "يوما": متعلق بـ"يستغن". فأجدر: الفاء واقعة في جواب الشرط، أجدر: فعل ماضٍ لإنشاء التعجب جاء على صورة الأمر وحرك للروي، وفاعله محذوف هو والباء الجارة له؛ لأن الأصل فأجدر به؛ وجملة "أجدر به": في محل جزم جواب الشرط؛ وجملة "الشرط وجوابه": في محل رفع عطف بالواو على جملتي الشرط والجواب السابقتين.

موطن الشاهد: "فأجدر".

وجه الاستشهاد: حذف المتعجب منه مع حرف الجر من غير أن تكون صيغة التعجب المحذوف معمولها، معطوفة على أخرى معها معمولها المشابه للمحذوف على حد {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} .

1 أي: لعدم العطف المذكور. وقال الصبان: والأوجه عندي أنه ليس بشاذ، وأنه لا يشترط هذا الشرط، بل المدار على وجود دليل يدل على المحذوف.

حاشية الصبان على شرح الأشموني: 3/ 20.

2 فكل من الصيغتين يلزم حالة واحدة، مع أن فعلهما الأصلي ثلاثي متصرف، ولكنهما يفقدان التصرف بسبب استعمالهما في التعجب، ولا يدلان على حدث، ولا زمن؛ لأن الجملة التعجبية متجردة لمحض الإنشاء المقصود منه التعجب. اللهم إلا إذا =

ص: 232

وعسى، وليس1؛ والثاني: نظير هب بمعنى اعتقد، وتعلم بمعنى اعلم2؛ وعلة جمودهما: تضمنهما معنى حرف التعجب الذي كان يستحق الوضع3.

[امتناع تقدم معمولي فعلي التعجب عليهما] :

مسألة: ولعدم تصرف هذين الفعلين؛ امتنع أن يتقدم عليهما معمولهما، وأن يفصل بينهما، بغير ظرف ومجرور؛ لا تقول:"ما زيدا أحسن"، ولا "بزيد أحسن"، وإن قيل إن "بزيد" مفعول4، وكذلك لا تقول:"ما أحسن يا عبد الله زيدا"5 ولا "أحسن لولا بخله بزيد"6.

واختلفوا في الفصل بظرف أو مجرور متعلقين بالفعل، والصحيح الجواز، كقولهم:"ما أحسن بالرجل أن يصدق، وما أقبح به أن يكذب"، وقوله7:[الطويل]

= اشتملت على لفظة "كان" أو "يكون" أو غيرهما من الألفاظ التي تدل على زمن معين.

1 أي: في الجمود وملازمة المضي.

2 أي: في الجمود وملازمة صيغة الأمر.

4 وأيضا فإن لزومهما حالة واحدة أدل على التعجب؛ لأن التصرف والانتقال من حالة إلى أخرى ربما يشعر بزوال المعنى الأول.

وأجاز هشام الإتيان بمضارع "ما أفعله" فتقول: ما يحسن محمدا؛ وهو قياس ولم يسمع.

التصريح: 2/ 90.

4 كما هو رأي الفراء، ومن وافقه، وقد تقدم.

5 أي: بالفصل بالمنادى بين أحسن ومعموله. وقد ورد في الفصيح ما يدل على جوازه، كقول: علي كرم الله وجهه في عمار بن ياسر وقد مر به، وهو مقتول، فمسح التراب عن وجهه:"أعزز علي أبا اليقظان أن أراك صريعا مجدلا" أي: مرميا على الجدالة، وهي الأرض. وأبو اليقظان: كنية عمار بن ياسر رضي الله عنه.

6 أي: بالفصل بلولا الامتناعية ومصحوبها. وأجاز ذلك ابن كيسان. انظر الأشموني مع الصبان: 3/ 25،

7 القائل: هو أوس بن حجر، وقد مرت ترجمته.

ص: 233

382-

وأحر إذا حالت بأن أتحولا1

ولو تعلق الظرف والجار والمجرور بمعمول فعل التعجب، لم يجز الفصل به

1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

أقيم بدار الحزم ما دام حزمها

وهو من شواهد التصريح: 2/ 90، والأشموني: 735/ 2/ 369، والعيني: 3/ 659، وديوان أوس بن حجر:83.

المفردات الغريبة: دار الحزم: المكان الذي تعتبر الإقامة فيه حزما. أحر: أخلق. حالت: تغيرت. أتحول: أنتقل عنها إلى غيرها.

المعنى: أقيم بالمكان الذي تعتبر الإقامة فيه من الحزم وحسن التصرف، وذلك حيث يكون الإنسان فيه عزيزا مكرما، فإذا تغيرت الحال، ولاقى الإنسان مهانة فأخلق به أن يتحول عنه إلى مكان آخر، يلقى فيه العزة والكرامة.

الإعراب: أقيم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. "بدار": متعلق بأقيم، ودار مضاف. الحزم: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. ما دام: ما: مصدرية ظرفية، لا محل لها من الإعراب، دام: فعل ماضٍ تام، مبني على الفتح. حزمها: فاعل دام التامة مرفوع، وهو مضاف، و"ها" ضمير متصل في محل جر بالإضافة؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه" مجرور بإضافة اسم زمان مقدر ينتصب بأقيم والتقدير: أقيم بدار الحزم مدة دوام حزمها، ويمكن أن تكون دام ناقصة، ويكون "حزمها" اسمها، ومضافا إليه، ويكون خبرها محذوفا والتقدير: ما دام حزمها موجودا. وأحر: الواو: عاطفة، أحر: فعل ماضٍ لإنشاء التعجب جاء على صورة الأمر. "إذا": متعلق بـ"أحر". حالت: فعل ماضٍ، مبني على الفتح، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي؛ وجملة "حالت": في محل جر بإضافة إذا إليها. بأن: الباء حرف جر زائد، أن حرف مصدري ونصب. أتحولا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة والألف للإطلاق، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه" مجرور لفظا بالباء مرفوع محلا على أنه فاعل لفعل التعجب "أحر".

موطن الشاهد: "أحر إذا حالت بأن أتحولا".

وجه الاستشهاد: الفصل بالظرف "إذا حالت" بين فعل التعجب "أحر" وبين معموله "بأن أتحولا".

ص: 234

اتفاقا؛ نحو: "ما أحسن معتكفا في المسجد"، و"أحسن بجالس عندك"1.

[شروط ما يُبنى منه فعلا التعجب] :

فصل: وإنما يبنى هذان الفعلان مما اجتمعت فيه ثمانية شروط:

أحدها: أي يكون فعلا2؛ فلا يبنيان من الجلف والحمار، فلا يقال "ما أجلفه"، ولا "ما أحمره"3؛ وشذ "ما أذرع المرأة"؛ أي: ما أخف يدها في الغزل، بنوه من قولهم: امرأة ذراع4؛ ومثله "ما أقمنه"، و"ما أجدره بكذا"5.

الثاني: أن يكون ثلاثيا؛ فلا يبنيان من دحرج وضارب واستخرج6 إلا "أفعل"؛ فقيل: يجوز مطلقا، وقيل: يمتنع مطلقا، وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل؛ نحو: "ما أظلم الليل" و"ما أقفر هذا المكان"؛ وشذ على هذين القولين: "ما أعطاه

1 فلا يقال فيهما: ما أحسن في المسجد معتكفا، ولا أحسن عندك بجالس، لئلا يلزم الفصل بين الفعل ومعموله بمعمول معموله.

التصريح: 2/ 90 الأشموني مع الصبان: 3/ 24.

2 أي: ماضيا، وإن كان يفقد الدلالة على الزمن بدخوله في صيغة التعجب.

3 لبنائه من الاسم لا من الفعل، وقد أثبت له القاموس فعلا؛ فقد جاء فيه، الجلف: الرجل الغليظ الجافي، وجلف كفرح، جلفا وجلافة، وعلى ذلك يصح ما أجلفه. وكذلك ما أحمره، فإنه من الحمار، وهو الحيوان المعروف. ويضرب به المثل في البلادة.

التصريح: 2/ 90-91. الأشموني مع الصبان: 3/ 24.

4 في القاموس: الذراع كسحاب: الخفيفة اليدين بالغزل. قيل: وقد ذكر ابن القطاع في كتاب الأفعال: ذرعت المرأة إذا خفت يدها في العمل فهي ذراع. وعلى هذا يكون الشذوذ من حيث البناء من فعل المجهول.

5 فقد بنوا الأول من قولهم: هو قمن بكذا، والثاني من قولهم: هو جدير بكذا، وهنا هما: ما أحقه وما أخلقه، ولا فعل لهما.

6 قال الصبان نقلا عن المصرح: لأنه يلزم على ذلك حذف بعض الأصول في الرباعي المجرد. وحذف الزيادة الدالة على معنى مقصود في غيره؛ كالمشاركة والمطاوعة والطلب في نحو: ضارب؛ وانطلق، واستخرج مما تدل عليه حروف الزيادة.

حاشية الصبان: 3/ 21، التصريح: 2/ 91. =

ص: 235

للدراهم" و"ما أولاه للمعروف"، وعلى كل قول "ما أتقاه"، و"ما أملا القربة"؛ لأنهما من اتقى وامتلأت، و"ما أخصره"؛ لأنه من اختصر، وفيه شذوذ آخر، وسيأتي1.

الثالث: أن يكون متصرفا؛ فلا يبنيان من نحو: نعم وبئس2.

الرابع: أن يكون معناه قابلا للتفاضل؛ فلا يبنيان من نحو: فني ومات3.

الخامس: أن لا يكون مبنيا للمفعول4؛ فلا يبنيان من نحو: "ضرب"، وشذ

= اختار ابن مالك في "التسهيل"، وشرحه ما ذهب إليه سيبويه والمحققون من أصحابه وذلك بجواز بناء فعل التعجب من أفعل سواء كانت الهمزة فيه للنقل أم لا. وذهب المازني، والأخفش والمبرد وابن السراج والفارسي إلى عدم الجواز مطلقا. أما ابن عصفور فقد فصل في ذلك، وقال بعدم الجواز إن كانت الهمزة للنقل نحو: أذهب فلا يقال "ما أذهب نور الليل"، ويجوز إن كانت الهمزة لغير النقل نحو أظلم الليل، وأقفر المكان، فنقول: ما أظلم الليل، وما أقفر هذا المكان، وقد أنكر الشاطبي هذا القول وأطال في الرد عليه. هذا: وقد اختلف في بناء فعل التعجب من الثلاثي المزيد إذا جرى مجرى الثلاثي نحو: اتقى وامتلأ وافتقر واستغنى، وذهب ابن السراج وطائفة إلى الجواز؛ لأنهم أجروه مجرى الثلاثي المجرد من الزوائد لا مجرى المزيد؛ بدليل قولهم في الوصف منه: تقي وملي وفقير وغني، وذهب ابن خروف وجماعة إلى المنع؛ لأن العلة التي من أجلها امتنع بناؤهما من المزيد غير الجاري مجرى المجرد موجودة -هنا- وهي عدم البنية، وحذف زوائدها لغير موجب مع وجود الغنى عن ذلك بأشد وأشدد ونحوهما.

التصريح: 2/ 91.

2 لأن التصرف فيما لا يتصرف نقص لوضعه، وعدم التصرف على وجهين؛ الأول: أن يكون الفعل قد خرج عن طريقة الأفعال، وذلك كنعم وبئس وعسى وليس، والثاني: أن تترك بعض صيغ الفعل استغناء عنها بأخرى من معناه؛ نحو: يدع ويذر، فإنهم لم يجيئوا لهذين الفعلين بصيغة الماضي استغناء "بترك"، وهما باقيان على دلالتهما على الحدث والزمان.

التصريح: 2/ 92.

3 لأنه لا تفاوت في الفناء والموت، ولا مزية لبعض فاعليه على بعض حتى يتعجب منه.

4 وذلك، لئلا يلتبس المبني من فعل المفعول، بالمبني من فعل الفاعل.

ص: 236

"ما أخصره! " من وجهين1؛ وبعضهم يستثنى ما كان ملازما لصيغة "فعل" نحو: "عنيت بحاجتك" و"زهي علينا" فيجيز: "ما أعناه بحاجتك" و"ما أزهاه علينا"2.

السادس: أن يكون تاما؛ فلا يبنيان من نحو: كان، وظل، وبات، وصار، وكاد3.

السابع: أن يكون مثبتا؛ فلا يبنيان من منفي4؛ سواء كان ملازما للنفي؛ نحو: "ما عاج بالدواء"؛ أي: ما انتفع به5، أم غير ملازم كـ"ما قام زيد"6.

الثامن: أن لا يكون اسم فاعله على أفعل7 فعلاء؛ فلا يبنيان من نحو:

1 هما: كونه من غير الثلاثي، وكونه من المبني للمجهول.

2 إنما استثني ذلك؛ لأمن اللبس، ولوروده في الأمثال، فقد قيل: هو أزهى من ديك، وأزهي من طاوس. والتفضيل أخو التعجب. قال ابن مالك في التسهيل:"وقد يبنيان من فعل المفعول إن أمن اللبس".

3 فلا يقال: ما أكون محمدا مسافرا مثلا؛ لأنه يستلزم نصب "أفعل" لشيئين، وهذا غير سائغ. ولا يجوز حذف "مسافرا" لامتناع حذف خبر كان. ولا جره باللام؛ لامتناع ذلك. وحكي عن الكوفيين: ما أكون زيدا قائما؛ بناء على أصلهم من أن المنصوب بعد "كان" حال.

التصريح: 2/ 92. الأشموني مع الصبان: 3/ 22.

4 لأنه يؤدي إلى اللبس بين التعجب من المثبت، ومن المنفي، لأن صيغة التعجب إثبات وليس فيها أداة نفي.

5 مضارعه يعيج أي: ينتفع، وهو ملازم للنفي أيضا. وندر مجيئه للإثبات. أما عاج يعوج بمعنى: مال يميل، فيستعمل في النفي والإثبات، ومن وروده منفيا قول جرير:

تمرون الديار ولم تعوجوا

كلامكم علي إذًا حرام

التصريح، وحاشية يس: 2/ 92.

6 فلا يقال: ما أقومه. ومثله: ما عاج، أي مال، فلا يقال: ما أعوجه وذلك لئلا يلتبس المنفي بالمثبت.

7 قيل في سبب المنع: إن من حق صيغة التعجب أن تبنى من الثلاثي المحض؛ وأكثر أفعال الألوان والخلق إنما تجيء على أفعل -بتسكين الفاء- وزيادة مثل اللام نحو أخضر فلم يبن فعلا التعجب في الغالب مما كان منها ثلاثيا إجراء للأقل مجرى الأكثر، وقيل: لأن الألوان والعيوب الظاهرة جرت مجرى الخلق الثابتة التي لا تزيد ولا تنقص كاليد والرجل. وغيرها في عدم التعجب منها. وقيل: لأن بناء الوصف من =

ص: 237

"عرج، وشهل، وخضر الزرع"1.

[كيف يتعجب من فاقد الشروط؟] :

فصل: ويتوصل إلى التعجب من الزائد على ثلاثة، ومما وصفه على أفعل فعلاء بـ"ما أشد" ونحوه، وينصب مصدرهما بعده، أو بـ"أشدد" ونحوه، ويجر مصدرهما بعده بالباء؛ فتقول "ما أشد، أو أعظم، دحرجته، أو انطلاقه أو حمرته" و"أشدد، أو أعظم، بها".

وكذا المنفي والمبني للمفعول؛ إلا أن مصدرهما يكون مؤولا، لا صريحا، نحو "ما أكثر أن لا يقوم" و"ما أعظم ما ضرب" و"أشدد بهما".

وأما الفعل الناقص؛ فإن قلنا: له مصدر؛ فمن النوع الأول، وإلا فمن الثاني، تقول:"ما أشد كونه جميلا"، أو "ما أكثر ما كان محسنا! "، و"أشدد، أو أكثر، بذلك! ".

وأما الجامد والذي لا يتفاوت معناه؛ فلا يتعجب منهما البتة2.

= هذا النوع على أفعل، ولم يبن منه أفعل تفضيل لئلا يلتبس أحدهما بالآخر، ولما امتنع صوغ أفعل التفضيل منه امتنع صوغ فعلي التعجب منه لجريانها مجرى واحدا في أمور كثيرة وتساويها في الوزن والمعنى.

التصريح: 2/ 92-93.

1 بقي شرط تاسع لم يذكراه؛ وهو أن لا يستغنى عنه بالمصوغ من غيره، نحو: قال من القائلة، فإنهم لا يقولون ما أقيله استغناء بقولهم: ما أكثر قائلته، ذكره سيبويه. ونحو سكر وجلس ضد أقام؛ فإنهم لا يقولون ما أسكره وأقعده وأجلسه استغناء بقولهم: ما أشد سكره، وأكثر قعوده وجلوسه، ذكره ابن برهان. وزاد ابن عصفور: قام وغضب ونام، وفي عد "نام" منها نظر، فقد حكى سيبويه: ما أنومه، وقالت العرب: هو أنوم من فهد.

الأشموني: 2/ 367، والتصريح: 2/ 93، والأشموني مع الصبان: 3/ 22.

2 ذلك؛ لأن الجامد لا مصدر له حتى يمكن نصبه، أو جره بالباء، والذي لا يتفاوت متناه غير قابل للتفضيل.

ص: 238