المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب التوكيد - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك - ت هبود - جـ ٣

[ابن هشام النحوي]

الفصل: ‌ باب التوكيد

هذا‌

‌ باب التوكيد

1

[التوكيد المعنوي وألفاظه] :

وهو ضربان: لفظي وسيأتي، ومعنوي2؛ وله سبعة ألفاظ3.

[حكم التوكيد بالنفس والعين] :

الأول والثاني: النفس والعين4، ويؤكد بهما؛ لرفع المجاز عن الذات، تقول:"جاء الخليفة" فيحتمل أن الجائي خبره أو ثقله5، فإذا أكدت بالنفس أو بالعين أو بهما6؛ ارتفع ذلك الاحتمال.

ويجب اتصالهما بضمير مطابق للمؤكد، وأن يكون لفظهما طبقه في الإفراد

1 هو في الأصل: مصدر وكد، ثم استعمل في التابع المذكور؛ ويقال فيه: التأكيد، بقلب الواو همزة؛ والأول أشهر في استعمال النحاة.

2 هو التابع الذي يزيل عن متبوعه الشك، واحتمال إرادة غير معناه الحقيقي الظاهر، وعدم إرادة العموم والشمول.

3 لفظ سبعة غير دقيق؛ لأن المؤلف، ذكر ألفاظ التوكيد المعنوي المشهور استعمالها؛ ومعلوم أنه يوجد ألفاظ غيرها، تستعمل في التوكيد المعنوي، غير أنها ليست مشهورة. انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 120.

4 المراد بهما -النفس والعين: ذات الشيء، وحقيقته التي يتكون منها -ولو لم يكن في تركيبه نفس ولا عين-؛ ويختصان عن بقية ألفاظ التوكيد المعنوي، بجواز جرهما بالباء الزائدة؛ تقول: رأيت الرجل نفسه، أو بنفسه؛ وقابلت الموظف عينه، أو بعينه؛ والمجرور يكون في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب المتبوع. وإذا أكد معهما بكلمة "كل"، يحسن تأخير "كل" عنهما، كما سيتضح لاحقا.

انظر حاشية الصبان: 3/ 73-74. والتصريح: 2/ 120.

5 الثقل: واحد الأثقال، وبفتح الثاء والقاف: متاع المسافر وحشمه.

6 أي: معا من دون عطف. ويشترط تقديم النفس على العين.

ص: 293

والجمع1؛ وأما في التثنية: فالأصح جمعهما على أفعل2، ويترجح إفرادهما على تثنيتهما، عند الناظم، وغيره بعكس ذلك.

والألفاظ الباقية: كلا وكلتا للمثنى3، وكل وجميع وعامة لغيره4.

ويجب اتصالهن بضمير المؤكد؛ فليس منه: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} 5؛ خلافا لمن وهم6، ولا قراءة بعضهم:"إنا كلا فيها"7؛ خلافا

1 ينبغي أن يجمع النفس والعين جمع تكسير للقلة على "أفعل" لا غير؛ حين يكون المؤكد جمعا؛ مع إضافتهما لضمير الجمع. ولا يجوز أن يؤكد بهما مجموعين على نفوس وعيون على المختار.

2 فيقال: جاء المحمدان أنفسهما أو أعينهما؛ ويجوز إفرادهما وتثنيتهما؛ فيقال: نفسهما وعينهما، أو: نفساهما، وعيناهما، ولا بد من إضافتهما إلى ضمير المثنى؛ ليطابق المؤكد.

3 أي: ولو على سبيل التفريق؛ نحو: فاز محمد وعلي كلاهما؛ بشرط اتحاد العامل. ويقصد بهما: إزالة الاحتمال والمجاز عن التثنية، وإثبات أنها هي المقصودة.

4 أي: لغير المثنى؛ وهو الجمع مطلقا، والمفرد بشرط أن يتجزأ بنفسه، أبو بعامله؛ نحو: نجح الطلبة كلهم أو جميعهم أو عامتهم، واشتريت الدابة كلها، أو جميعها، أو عامتها.

5 2 سورة البقرة، الآية:29.

موطن الشاهد: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} .

وجه الاستشهاد: عدم وقوع "جميعا" توكيدا في هذه الآية؛ لعدم اتصاله بالضمير؛ لأنه لو كان توكيدا؛ لجاء "جميعه" على أن التوكيد بجميع غريب -كما سيأتي- فلا يحمل التنزيل عليه. التصريح: 2/ 122.

6 هو ابن عقيل؛ أحد شراح الألفية؛ فإنه أعرب "جميعا": توكيدا لـ"ما" الموصولة الواقعة مفعولا "لخلق"، ولو كان كذلك لقيل جميعه، ثم التوكيد بجميع قليل فلا يحمل عليه التنزيل. مغني اللبيب: 662، التصريح: 2/ 122.

7 أوجه القراءات: قرأ الجمهور: {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} ، برفع "كل"، وقرأ بعض القراء:"إنا كلا" بنصب "كلا" على أنها بدل من اسم "إن" على الصحيح. انظر التصريح: 2/ 123.

موطن الشاهد: "إنا كلا فيها".

وجه الاستشهاد: عدم مجيء "كلا" توكيدا لـ"نا" الواقع اسما لـ"إن"؛ لأنه لم يتصل بها الضمير، وإنما هي بدل من اسم "إن" على الصحيح؛ و"جميعا" في الآية السابقة: في محل نصب على الحال من "ما" الموصولة.

ص: 294

للفراء والزمخشري1؛ بل "جميعا" حال2، و"كلا" بدل3، ويجوز كونه حالا من ضمير الظرف4

ويؤكد بهن؛ لرفع احتمال تقدير بعض مضاف إلى متبوعهن؛ فمن ثم جاز "جاءني الزيدان كلاهما" و"المرأتان كلتاهما"؛ لجواز أن يكون الأصل: جاء أحد الزيدين أو إحدى المرأتين؛ كما قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} 5، بتقدير يخرج من أحدهما6، وامتنع على الأصح:"اختصم الزيدان كلاهما"، و"الهندان كلتاهما"؛ لامتناع التقدير المذكور7، وجاز "جاء القوم كلهم"،

1 مرت ترجمة لكل منهما.

2 أي: من "ما" الموصولة، ومعناها: مجتمعا، وخلق: بمعنى قدر خلق ذلك في علمه، فلا يرد أن الحالية، تقتضي وقوع الخلق، على ما في الأرض، في حالة الاجتماع، وليس كذلك.

حاشية يس على التصريح: 2/ 123.

3 أي: بدل "كل" من اسم "إن"؛ وهو لا يحتاج إلى ضمير.

4 أي: من ضمير الاستقرار المرفوع في "فيها"؛ وفيه ضعفان؛ تقدم الحال على عامله الظرفي، وتنكير "كل"، بقطعها عن الإضافة لفظا ومعنى؛ والحال واجبة التنكير. قيل: وقد يُستغنى عن الإضافة إلى الضمير بالإضافة إلى مثل ظاهر المؤكد بكل؛ ومنه قول كثير:

كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركمو

يا أشبه الناس كل الناس بالقمر

مغني اللبيب: 256.

5 55 سورة الرحمن، الآية:22.

موطن الشاهد: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} .

وجه الاستشهاد: وقوع المثنى "منهما"؛ وإرادة الواحد به؛ وهو البحر الملح.

6 أي: وهو البحر الملح؛ لأن العذب، ليس فيه ذلك. واللؤلؤ: كبار الدر. والمرجان: صغاره. التصريح: 2/ 123.

7 لأن التخاصم، لا يتحقق معناه إلا بوقوعه من اثنين حتما؛ فلا فائدة من التوكيد هنا؛ ومثله: كل ما يدل على المفاعلة، والمشاركة؛ نحو: تقاتل، وتحارب؛ وهذا رأي الأخفش، ومن تبعه. وأجاز الجمهور مثل ذلك -على ما فيه من ضعف بلاغي-؛ لأن التوكيد، قد يكون للتقوية؛ لا لرفع الاحتمال.

التصريح: 2/ 123، وحاشية الصبان: 3/ 75.

ص: 295

و"اشتريت العبد كله"، وامتنع "جاء زيد كله"1.

[التوكيد بـ"جميع"] :

والتوكيد بجميع غريب، ومنه قول امرأة:[مجزوء الرجز]

401-

فداك حي خولان

جميعهم وهمدان2

1 لعدم الفائدة من التوكيد؛ لأنه يستحيل نسبة المجيء إلى جزئه.

2 تخريج الشاهد: البيت: قالته امرأة أعرابية ترقص به ولدها وبعده:

وكل آل قحطان

والأكرمون عدنان

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 123، والعيني: 4/ 91، والهمع: 2/ 123، والدرر: 2/ 155.

المفردات الغريبة: فداك؛ الفداء بالمد والقصر: ما يُعطى من مال ونحوه عوضا عن المفدى؛ والمراد هنا: الدعاء والثناء. خولان وهمدان: قبيلتان من قبائل اليمن. قحطان: أبو العرب اليمانية. عدنان: أبو عرب الحجاز.

المعنى: تخاطب تلك المرأة طفلها -وهي تداعبه- قائلة: تفديك قبيلتا خولان وهمدان جميعهما؛ وهذا كقول القائل: فداك أبي وأمي؛ ونحو ذلك.

الإعراب: فداك: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة. حي: خبر المبتدأ مرفوع، وهو مضاف. خولان: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف، وسكن لضرورة الوقف. جميعهم: توكيد لـ"حي خولان"، و"هم" في محل جر مضاف إليه. وهمدان: الواو حرف عطف، همدان: اسم معطوف على حي خولان.

موطن الشاهد: "جميعهم".

وجه الاستشهاد: مجيء هذا اللفظ توكيدا للخبر، أو للفاعل إن حركنا الفاء بالفتح؛ وهو بمنزلة كل في المعنى والاستعمال، ويقصد به رفع احتمال التجوز بإرادة البعض، وإطلاق اسم الكل عليه.

فائدة: قد يأتي لفظ "جميع" بمعنى: مجتمع؛ أي: ضد متفرق، فلا يفيد توكيدا، كقول الشاعر:

نهيتك عن هذا وأنت جميع

انظر ضياء السالك 3/ 141.

ص: 296

[التوكيد بـ"عامة"] :

وكذلك التوكيد بعامة، والتاء فيها بمنزلتها في النافلة؛ فتصلح مع المؤنث والمذكر1؛ فتقول "اشتريت العبد عامته"، كما قال الله تعالى:{وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} 2.

[جواز تقوية التوكيد بـ"أجمع وجمعاء"] :

فصل: ويجوز، إذا أريد تقوية التوكيد، أن تتبع كله بأجمع، وكلها بجمعاء، وكلهم بأجمعين، وكلهن بجمع؛ قال الله تعالى:{فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} 3.

1 قال ابن مالك في الألفية:

واستعملوا أيضا ككل فاعله

من "عم" في التوكيد مثل النافله

فقد ذكر ابن هشام -هنا- أن المراد بهذا التشبيه، أن التاء في "عامة" مثل التاء في لفظ "نافلة" يؤتى بها مع المذكر، ومع المؤنث، وليس ذكره استدراكا على النحاة. فقد ذكر ابن الناظم في شرحه على الألفية؛ أن قوله:"مثل النافلة؛ معناه: أن ذكر هذا اللفظ -في هذا الباب- زائدة على ما ذكره النحاة؛ فإن أكثرهم أغفل ذكره؛ فكما أن النافلة زيادة على ما فرضه الله تعالى على عباده، يكون ذكر لفظ "عامة" في ألفاظ التوكيد، زيادة، على ما ذكره النحاة، من ألفاظه.

هذا، واعتبار لفظ "عامة"؛ بمعنى: جميع، ومجيئه توكيدا؛ هو مذهب سيبويه؛ وذهب المبرد إلى أن معنى "عامتهم" في مثل: جاء القوم عامتهم؛ أكثرهم لا جميعهم؛ وعلى هذا يكون بدل بعض من كل لا للتعميم؛ كما يرى سيبويه.

التصريح: 2/ 124. كتاب سيبويه: 1/ 376-377.

2 21 سورة الأنبياء، الآية:72.

موطن الشاهد: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} .

وجه الاستشهاد: استشهد بالآية الكريمة على أن "عامة" لفظ يشبه "نافلة" في الوزن، ولزوم التاء في الأحوال كلها؛ تذكيرا، وتأنيثا، وإفرادا

3 15 سورة الحجر، الآية:30.

موطن الشاهد: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "كلهم" توكيدا، و"أجمعون" توكيدا ثانيا؛ جيء به؛ لتقوية التوكيد الأول.

ص: 297

وقد يؤكد بهن وإن لم يتقدم كل1؛ نحو: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} {لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} 3، ولا يجوز تثنية أجمع ولا جمعاء استغناء بكلام وكلتا4، كما استغنوا بتثنية سي عن تثنية سواء5؛ وأجاز الكوفيون والأخفش ذلك؛ فتقول "جاءني الزيدان أجمعان" و"الهندان جمعاوان".

وإذا لم يفد توكيد النكرة لم يجز باتفاق6، وإن أفاد جاز، عند الكوفيين، وهو الصحيح، وتحصل الفائدة بأن يكون المؤكد محدودا والتوكيد من ألفاظ

1 وفي هذه الحالة؛ يجوز إعراب "أجمعين" وأخواتها: حالا؛ ولكن المعنى يختلف عن إعرابها توكيدا؛ فإن معناها -على الحال- يكون: مجتمعين؛ أي: في حال اجتماعهم، وعدم تفرقهم. وعلى التوكيد؛ يكون معناها: الشمول، والإحاطة، وينبغي ملاحظة ذلك عند الإعراب.

2 38 سورة ص، الآية:82.

موطن الشاهد: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} .

وجه الاستشهاد: وقوع "أجمعين" توكيدا لـ"هم" الواقع مفعولا به؛ وحكم وقوع "أجمعين" توكيدا من دون أن يسبق بـ"كل" الجواز باتفاق.

3 15 سورة الحجر، الآية:43.

موطن الشاهد: {لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} .

وجه الاستشهاد: وقوع "أجمعون" توكيدا لـ"هم" الواقع في محل جر بالإضافة؛ وحكم وقوع "أجمعين" توكيدا من دون أن يسبق بـ"كل" الجواز، كما في الآية السابقة.

4 قيل: إنما يصح الاستغناء بذلك؛ إذا قصد شمول الأفراد؛ أما إذا قصد شمول أجزاء الأفراد -كما في اشتريت المنزلين أو الحديقتين- فإن "كلا" و"كلتا" لا تفيده.

5 فقالوا: سيان، ولم يقولوا: سواءان؛ وهذا رأي جمهور البصريين.

هذا، وإذا تكررت ألفاظ التوكيد؛ فهي للمتبوع، وليس الثاني توكيدا للتوكيد. ولا يجوز فيها القطع، ولا عطف بعضها على بعض؛ وهي كلها معارف إما بالإضافة، إلى الضمير؛ نحو: كلهم، وإما بالعلمية؛ نحو: أجمعون، ومن ثم امتنع نصب شيء منها على الحال.

6 لأن الغرض من التوكيد إزالة اللبس؛ وألفاظه معارف، والنكرة تدل، على الإبهام والشيوع؛ فهما متعارضان تعريفا وتنكيرا.

ص: 298

الإحاطة؛ كـ"اعتكفت أسبوعا كله"، وقوله1:[البسيط]

402-

يا ليت عدة حول كله رجب2

1 القائل: هو عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي، أحد بني خزيمة بن صاهلة وأحد شعراء العصر الأموي.

له ترجمة في شرح أشعار الهذليين للسكري: 909.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

لكنه شاقه أن قيل ذا رجب

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 125، وشذور الذهب: 228/ 556، والقطر: 138/ 397، والأشموني: 793/ 2/ 407، والعيني: 4/ 96، والإنصاف: 1/ 451، وشرح المفصل: 3/ 35، وأشعار الهذليين:91.

المفردات الغريبة: شاقه: أعجبه وهاجه، أو بعث الشوق في نفسه. والشوق: تموع النفس إلى الشيء. الحول: العام.

المعنى: يقول الشاعر: إنه أعجبه وبعث الشوق في نفسه حين قيل: هذا الشهر رجب، وتمنى أن تكون شهور العام كلها "رجب" لما يجد فيه من الخير والأنس.

الإعراب: لكنه: حرف مشبه بالفعل، والهاء ضمير متصل مبني على الضم، في محل نصب اسمه. شاقه: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والهاء ضمير متصل، مبني على الضم، في محل نصب مفعولا به. أن: حرف مصدري. قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول. ذا: اسم إشارة مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ. رجب: خبر مرفوع. وجملة "شاقه رجب": في محل رفع خبر "لكن". وجملة "ذا رجب": في محل رفع نائب فاعل لـ"قيل"؛ والمصدر المؤول من "أن المصدرية وما دخلت عليه": في محل رفع فاعل "شاق". يا: حرف تنبيه. ليت: حرف مشبه بالفعل. عدة: اسم "ليت" منصوب، وهو مضاف. حول: مضاف إليه. كله: توكيد لـ"حول" مجرور، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. رجب: خبر ليت مرفوع -على رواية الرفع في رجب.

ورأى بعضهم أن "رجبا" -بالنصب وليس بالرفع- وعليها فإما أن يكون الشاهد، قد جرى على اللغة الضعيفة التي تنصب بـ"ليت" وأخواتها الجزأين؛ وإما أن يكون "رجبا" مفعولا به لفعل محذوف تقع جملته خبرا لـ"ليت"؛ والتقدير: يا ليت عدة حول كله تشبه رجبا؛ والأول أفضل؛ غير أن البيت من قصيدة منصوبة الروي؛ ومطلعها:

يا للرجال ليوم الأربعاء أما

ينفك يحدث لي بعد النهى طربا

موطن الشاهد: "حول كله".

وجه الاستشهاد: توكيد النكرة "حول" على رأي الكوفيين؛ لكونها محدودة؛ لأن العامة معلوم الأول والآخر؛ ولفظ التوكيد "كله" من الألفاظ الدالة على الإحاطة؛ وهذا مذهب الكوفيين، وهو ما ارتضاه ابن مالك.

ص: 299

ومن أنشد "شهر" مكان حول فقد حرفه1، ولا يجوز "صمت زمنا كله"2، ولا "شهرا نفسه"3.

[توكيد الضمير بالنفس أو بالعين] :

فصل: وإذا أكد ضمير مرفوع متصل4، بالنفس أو بالعين؛ وجب توكيده أولا بالضمير المنفصل5؛ نحو "قوموا أنتم أنفسكم"، بخلاف "قام الزيدون أنفسهم" فيمتنع الضمير6، وبخلاف "ضربتهم أنفسهم"، و"مررت بهم أنفسهم"، و"قاموا كلهم"، فالضمير جائز لا واجب7.

1 لأنه يفسد المعنى؛ إذ لا يتصور أن يتمنى أن يكون الشهر كله رجبا؛ فإن الشهر، لا يكون بعضه رجبا، وبعضه غير رجب؛ حتى يتمنى أن يكون كله رجبا.

2 لأن النكرة غير محدودة الوقت، ولا معلومة المقدار.

3 لأن لفظ التوكيد، ليس من ألفاظ الإحاطة والشمول.

4 سواء أكان بارزا؛ كما مثل المصنف، أم مستترا؛ نحو: محمد حضر هو نفسه.

5 لوقوع اللبس -أحيانا- في مثل: هند خرجت نفسها، أو ذهبت عينها؛ إذ يحتمل أن المراد: هو خروج نفسها؛ التي بها حياتها، وذهاب عينها؛ التي تبصر بها؛ فإذا جاء الفاصل، منع هذا الاحتمال؛ ويعرب الضمير المنفصل توكيدا لفظيا للضمير السالف؛ وقيل: إن الشرط مطلق فاصل، ولو غير ضمير؛ نحو؛ قوموا في الدار أنفسكم، ولكن الفصل بالضمير المنفصل أحسن وأفصح.

التصريح: 2/ 126، وكتاب سيبويه: 2/ 379.

6 لأن المؤكد؛ وهو: "الزيدون" ليس ضميرا متصلا، وإنما هو اسم ظاهر، والضمير لا يؤكد الظاهر؛ فإن الظاهر أقوى منه؛ لأنه لا يحتاج إلى مرجع يفسره.

7 لأن الضمير المؤكد في الأولين، ليس مرفوعا، فهو منصوب المحل على المفعولية في الأول، ومجرور المحل بالباء، في الثاني؛ فلا يلزم توكيده بالضمير المنفصل، قبل توكيده بالنفس أو بالعين؛ ومع هذا يجوز توكيده بالضمير. تقول: ضربتهم هم أنفسهم، ومررت بهم هم أنفسهم، ويجوز بغير توكيد بالضمير. والتوكيد في الثالث بغير النفس والعين. أما توكيد الضمير المرفوع المنفصل بالنفس أو بالعين؛ فحكمه حكم توكيد الاسم الظاهر بهما؛ لا يحتاج إلى فاصل. تقول: أنت نفسك حضرت، وأنتما أنفسكما سافرتما، وأنتم أنفسكم امتنعتم عن الإجابة

إلخ.

التصريح: 2/ 125-126، وضياء السالك: 3/ 146.

ص: 300

[التوكيد اللفظي وأحكامه] :

[معنى التوكيد اللفظي] :

وأما التوكيد اللفظي فهو: اللفظ المكرر به ما قبله1.

فإن كان جملة فالأكثر اقترانها بالعاطف2، نحو:{كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} 3، ونحو:{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} 4، وتأتي بدونه، نحو

1 إما بعينه ولا يضر فيه بعض تغيير؛ نحو: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ} ، أو بمرادفه؛ كقوله الشاعر:

"أنت بالخير حقيق قمن"

أي: جدير، ويكون المرادف فعلا واسما. ولا يزيد التكرير عن ثلاث؛ لأنه لم يقع أكثر منها في كلام العرب، وأما ما في سورة الرحمن والمرسلات؛ فليس بتأكيد؛ لأنها لم تتعدد على معنى واحد؛ بل كل آية قيل فيها ذلك؛ فالمراد التكذيب بما ذكر فيها.

2 وهو "ثم" خاصة. وجعل الرضي "الفاء" كثم، ويؤيده قوله تعالى:{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ، والعطف -هنا- صوري؛ لأن بين الجملتين تمام الاتصال؛ فلا تعطف الثانية، على الأولى، عطفا حقيقيا، وإلا كانت التبعية بالعطف، لا بالتوكيد.

حاشية يس على التصريح: 2/ 127.

3 78 سورة النبأ، الآية: 4، والآية:5.

موطن الشاهد: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} .

وجه الاستشهاد: وقوع جملة {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} الثانية توكيدا لفظيا للجملة الأولى، وقد اقترنت بحرف العطف "ثم"؛ وحكم هذا الاقتران جائز بكثرة.

4 75 سورة القيامة، الآية: 34، والآية:35.

موطن الشاهد: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} .

وجه الاستشهاد: وقوع جملة {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} الثانية توكيدا لفظيا، للجملة الأولى، مع اقترانها بحرف العطف، كما في الآية السابقة.

ومن أمثلته -أيضا- قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} ؛ لأنه لو عطف بثم، أو بالفاء؛ لتوهم تكرار الضرب.

ص: 301

قوله عليه الصلاة والسلام: "والله لأغزون قريشا" ثلاث مرات، ويجب الترك عند إيهام التعدد، نحو "ضربت زيدا ضربت زيدا"1.

[أحكام التوكيد اللفظي] :

وإن كان اسما ظاهرا أو ضميرا منفصلا منصوبا فواضح2؛ نحو: "فنكاحها باطل باطل باطل"3 وقوله4: [الطويل]

403-

فإياك إياك المراء فإنه5

1 أي: وتأتي الجملة توكيدا لفظيا، لجملة سبقتها، من دون أن تقترن بحرف العطف، ولو كررت عدة مرات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: كرر الجملة عينها ثلاث مرات.

2 أي أن توكيده، يكون بمجرد التكرار، من غير شرط، ويتبع الثاني الأول في الضبط، ولا محل له من الإعراب. ويجب في الأسماء الموصولة، عند توكيدها توكيدا لفظيا، إعادة لفظها وصلتها معه، ولا يجوز تكرار الموصول -وحده- دون صلته.

3 هذا جزء من حديث شريف؛ وهو: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير وليها فنكاحها باطل باطل باطل".

والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 6/ 66-166، وشرح معاني الآثار: 3/ 7، وإرواء الغليل: 6/ 243.

موطن الشاهد: "نكاحها باطل باطل باطل".

وجه الاستشهاد: وقوع "باطل" توكيدا لفظيا مكررا؛ كما هو واضح.

4 القائل: هو الفضل بن عبد الرحمن القرشي، شاعر بني هاشم وعالمهم في وقته، أول من لبس السواد على زيد بن علي بن الحسين، ورثاه بقصيدة طويلة حسنة، تخفى عند بني تميم، من هارون الرشيد الذي طلبه، فدلوا عليه؛ فهجاهم بأببات مشهورة. توفي سنة: 173هـ.

الأعلام: 5/ 150، المرزباني: 310، نسب قريش:89.

5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

إلى الشر دعاء وللشر جالب

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 128، والأشموني: 796/ 2/ 409، وسيبويه: 1/ 141، والمقتضب: 3/ 213، والخصائص: 3/ 102، وشرح المفصل: 2/ 25، والعيني: 4/ 113، 308، والخزانة: 1/ 465، ومعجم الشعراء للمرزباني:310.

المفردات الغريبة: المراء: الجدال والمعارضة بالباطل. دعاء: صيغة مبالغة من دعا فلان فلانا؛ إذا طلب حضوره. جالب: مسبب له؛ من جلبه إذا ساقه وجاء به. =

ص: 302

وإن كان ضميرا منفصلا مرفوعا؛ جاز أن يؤكد به كل ضمير متصل1، نحو "قمت أنت"، و"أكرمتك أنت"، و"مررت بك أنت".

= المعنى: أحذرك الجدال والمعارضة، مع الناس، من غير وجه حق، فإن ذلك كثيرا ما يجر إلى الشرور والخصومات، ويسبب للإنسان متاعب ومصاعب.

الإعراب: إياك: مفعول به منصوب على التحذير، بفعل محذوف وجوبا. إياك: توكيد للأول مبني على السكون في محل نصب، والكاف للخطاب. المراء: مفعول ثان؛ لفعل التحذير المحذوف؛ والتقدير: أحذرك المراء؛ وأعربه الجمهور: منصوبا على نزع الخافض؛ والتقدير: باعد نفسك من المراء. فإنه: الفاء تعليلية، إن حرف مشبه بالفعل، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم "إن". "إلى الشر": متعلق بـ"دعاء" الواقع خبرا لـ"إن". دعاء: خبر "إن" مرفوع. وللشر: الواو عاطفة، "للشر": متعلق بـ"جالب" الآتي. جالب: معطوف على "دعاء" مرفوع مثله.

موطن الشاهد: "إياك إياك".

وجه الاستشهاد: توكيد الضمير المنفصل "إياك" بإعادة اللفظ نفسه؛ وهو من التوكيد اللفظي؛ وخالف بعضهم محتجا، بأن الضمير المنصوب، يحتاج إلى عامل ينصبه؛ وهذا لا بد له من فاعل؛ فهو يريد جعله من توكيد الجملة بالجملة؛ وهو غير لازم؛ لأننا نستطيع أن نؤكد الجملة بأكملها: فنقول: جاء زيد، جاء زيد، وقد نؤكد الفعل وحده؛ فنقول: جاء جاء زيد وقد نؤكد الفاعل وحده؛ فنقول: جاء زيد زيد.

وإن كان في الجملة مفعول فقد نؤكده وحده؛ فنقول: ضرب علي خالدا خالدا.

انظر أوضح المسالك 3/ 337.

1 أي: مرفوع، أو منصوب، أو مجرور، ويكون على وجه الاستعارة في توكيده ضمير النصب والجر، وليس له محل إعرابي. ويؤكد به كذلك المنفصل المرفوع، لا المنصوب، فلا يقال: إياك أنت أكرمت. وليس هناك ضمير منفصل مختص بالجر؛ وإلى ما تقدم يشير ابن مالك بقوله:

ومضمر الرفع الذي قد انفصل

أكد به كل ضمير اتصل

والمعنى: أن الضمير المنفصل المرفوع، يجوز أن يؤكد به كل ضمير متصل؛ ولكن على وجه الاستعارة، في توكيده ضمير النصب والجر، كما سبق.

حاشية الصبان: 2/ 84. والتصريح: 2/ 128.

فائدة: إذا أتبعت المتصل المنصوب بمنفصل منصوب؛ نحو: رايتك إياك، فمذهب البصريين: أنه بدل، ومذهب الكوفيين: أنه توكيد. قال المصنف: وقولهم -عندي- أصح؛ لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل؛ كنسبة المرفوع المنفصل =

ص: 303

وإن كان ضميرا متصلا؛ وصل بما وصل به المؤكد؛ نحو: "عجبت منك منك".

وإن كان فعلا أو حرفا جوابيا فواضح؛ كقولك: "قام قام زيد" وقوله1: [الكامل]

404-

لا لا أبوح بحب بثنة إنها2

= من المرفوع المتصل؛ في نحو: فعلت أنت، والمرفوع تأكيد بإجماع. حاشية الصبان: 3/ 84.

توجيه: لا يجوز حذف المؤكَّد وقيام المؤكِّد مقامه على الأصل؛ وأجاز الخليل ذلك؛ في نحو: مررت بزيد، وأتاني أخوه أنفسهما؛ على تقدير: هما صاحباي أنفسهما. حاشية الصبان: 3/ 84.

1 القائل هو: جميل بن معمر العذري، وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

أخذت علي مواثقا وعهودا

وهو من شواهد التصريح: 2/ 129، والأشموني: 808/ 2/ 411، والخزانة: 2/ 353، والعيني: 4/ 114، والهمع: 2/ 125، والدرر: 2/ 159، وحاشية يس: 2/ 130 وديوان جميل: 79.

المفردات الغريبة: لا أبوح: لا أفشي ولا أظهر، من باح بسره، إذا أفشاه، وتكلم به، وأخبر عنه. بثنة: محبوبته، واسمها بثينة، وقد تصرف في اسمها تمليحا. مواثقا: جمع موثق؛ وهو العهد والميثاق.

المعنى: لا أفشي، ولا أخبر أحدا بالحب الذي بيني وبين بثينة؛ لأنها أخذت علي عهدا مؤكدا ألا أبوح بحبها، ولا أظهره، ويجب أن أفي بعهدي لها.

الإعراب: لا: حرف نفي، لا محل له من الإعراب. لا: توكيد للأول. أبوح: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا. "بحب": متعلق بـ"أبوح"، وهو مضاف. بثنة: مضاف إليه مجرور وعلمة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف. إنها: حرف مشبه بالفعل، و"ها" في محل نصب اسمها. أخذت: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي. علي: متعلق بـ"أخذ". مواثقا: مفعول به لـ"أخذ" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وقد صرفه الشاعر ونونه -وهو ممنوع من الصرف- لضرورة الشعر. وعهودا: الواو عاطفة، عهودا: اسم معطوف على قوله: "مواثق" منصوب مثله. =

ص: 304

وإن كان غير جوابي؛ وجب أمران: أن يفصل بينهما، وأن يعاد مع التوكيد ما اتصل بالمؤكد إن كان مضمرا، نحو:{أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} 1، وأن يعاد هو أو ضميره إن كان ظاهرا2؛ نحو:"إن زيدا إن زيدا فاضل" أو "إن زيدا إنه فاضل"؛ وهو الأولى3، وشذ اتصال الحرفين؛ كقوله4:[الخفيف]

= موطن الشاهد: "لا لا".

وجه الاستشهاد: توكيد "لا" توكيدا لفظيا؛ وهي حرف جواب، لا تحتاج إلى الفصل بين المؤكَّد والمؤكِّد، ولا إلى شيء آخر؛ كالحروف غير الجوابية؛ فنستطيع أن نقول: لا لا، نعم نعم، نعم جير. فنعيد حرف الجواب بنفسه، أو بمرادفه، كما قال المضرس بن ربعي.

وقلن على الفردوس أول مشرب

أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره

أوضح المسالك 3/ 339.

1 23 سورة المؤمنون، الآية:35.

وجه الاستشهاد: وقوع "أنكم" الثانية مؤكدة لـ"أنكم" الأولى الواقعة مفعولا ثانيا لـ"يعد"؛ وفصل بينهما بالظرف وما بعده -إذا متم وكنتم ترابا وعظاما- وأعيد مع الثانية ما اتصل بالأولى؛ وهو الكاف والميم؛ لأنه مضمر؛ وحكم الفصل، وإعادة ما اتصل بالمؤكد الوجوب. التصريح: 2/ 129.

2 أي: يعاد لفظ المتصل بالحرف، أو ضميره؛ إن كان ما اتصل به الحرف اسما ظاهرا.

3 أي: إعادة الضمير أولى وأفصح، من إعادة اللفظ؛ لأنه الأصل، ويلزم من إعادة اللفظ التكرار، وإيهام أن الثاني غير الأول، وبه جاء التنزيل، قال تعالى:{فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . أما إعادة الظاهر، فمن وضعه موضع المضمر. وفي توكيد الحرف، يقول ابن مالك:

كذا الحروف غير ما تحصلا

به جواب كنعم وكـ"بلى"

فالمعنى: أن توكيد الضمير المتصل، لا يكون إلا بإعادته، وإعادة ما اتصل به -كما سبق- وكذلك الحروف غير الجوابية، لا يعاد لفظها إلا مع الاسم الظاهر المتصل بها، أو ضميره. أما حروف الجواب كـ"نعم" و"بلى"؛ فتعاد وحدها.

حاشية الصبان: 3/ 82، والتصريح: 2/ 128، 129.

4 لم يُنسب البيت إلى قائل معين.

ص: 305

405-

إن إن الكريم يحلم ما لم1

1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

يرين من أجاره قد ضيما

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 130، والأشموني: 802/ 2/ 410، والعيني: 4/ 107 والهمع: 2/ 125، والدرر: 2/ 161 وفيه برواية: أضيما.

المفردات الغريبة: يحلم: من الحلم، وهو الأناة والتعقل. أجاره: جعله في جواره وحمايته. ضيم: مبني للمجهول، أي ظلم وبخس حقه.

المعنى: أن الرجل الكريم الخلق الأبي الطيب النفس؛ يتحلى بالحلم، والصبر، والتعقل في أحواله، وتصرفاته؛ ما لم ير أن من أجاره، وجعله في حماه، قد ظُلم واعتُدي عليه؛ فعند ذلك، يذهب عنه حلمه ويبطش بهذا الظالم، المعتدي على ما التجأ إليه.

الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. إن: توكيد لـ"إن" الأولى. الكريم: اسم "إن" منصوب. يحلم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، وجملة "يحلم": في محل رفع خبر "إن". ما لم: ما مصدرية ظرفية، لا محل لها من الإعراب، لم: حرف نفي وجزم وقلب. يرين: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل جزم بـ"لم"، والنون: لا محل لها من الإعراب؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالإضافة، بإضافة اسم زمان مقدر منصوب بـ"يحلم"؛ والتقدير: يحلم مدة عدم رؤيته. من: اسم موصول، مبني على السكون، في محل نصب مفعولا به، لـ"يرى". أجاره: فعل ماضٍ والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم، في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "أجاره": صلة للموصول، لا محل لها. قد: حرف تحقيق. ضيما: فعل ماضٍ، مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ والألف للإطلاق؛ وجملة "ضيما": في محل نصب حال، وأما إن عدت "يرى" قلبية علمية؛ كان الاسم الموصول مفعولا أول لها، وجملة "قد ضيما": في محل نصب مفعولا ثانيا.

موطن الشاهد: "إن إن".

وجه الاستشهاد: توكيد الحرف "إن" بإعادته من غير فاصل بينهما مع أنه ليس من حروف الجواب، وهذا التوكيد شاذ، ولا يقاس عليه.

ص: 306

وأسهل منه قوله1: [الرجز]

406-

حتى تراها وكأن وكأن2

لأن المؤكد حرفان؛ فلم يتصل لفظ بمثله، وأشد منه قوله3:[الوافر]

407-

ولا للما بهم أبدا دواء4

1 القائل: قيل هو الأغلب العجلي، وقيل هو: خطام المجاشعي.

2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور، في وصف إبل، وبعده قوله:

أعناقها مشددات بقرن

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 130، والأشموني: 803/ 2/ 410، والعيني: 4/ 100، والهمع: 2/ 125، والدرر: 2/ 160.

المفردات الغريب: أعناقها: جمع عنق -وهو الرقبة. قرن: حبل تربط به الإبل، ويقرن بعضها إلى بعض.

المعنى: يصف إبلا في سرعة سيرها وانتظامه فيقول: إن أصحاب هذه الإبل، يستحثونها على السير، بنظام واعتدال، حتى إن من يراها يظن أن أعناقها مربوط بعضها إلى بعض بحبال؛ لانتظامها على السير.

الإعراب: حتى: حرف غاية وجر. تراها: فعل مضارع -يقصد به هنا حكاية الحال- مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت و"ها" في حل نصب مفعولا به. وكأن: الواو واو الحال، كأن: حرف مشبه بالفعل. كأن: توكيد للأولى، وخففت لضرورة الشعر. أعناقها: اسم "كأن"، و"ها" في محل جر مضاف إليه. مشددات: خبر كأن مرفوع. "بقرن": متعلق بقوله: "مشددات"، وسكن "قرن"؛ لضرورة الشعر.

موطن الشاهد: "وكأن وكأن".

وجه الاستشهاد: تأكيد "كأن" بمثلها، مع عدم الفاصل، بمعمول الأولى، مع أنها ليست من أحرف الجواب؛ غير أن هذا الشذوذ أخف من سابقه؛ لأنه فصل بين اللفظين بواو العطف.

3 القائل: هو مسلم بن معبد الوالبي الأسدي، شاعر اشتهر في العصر الأموي؛ أورد له صاحب الخزانة قصيدة همزية في خبر إبل له.

خزانة الأدب: 1/ 364، الأعلام: 7/ 223.

4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

فلا والله لا يلفى لما بي

=

ص: 307

لكون الحرف على حرف واحد.

وأسهل منه قوله1: [الطويل]

= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 230، والأشموني: 806/ 2/ 410، ومعاني الفراء: 1/ 68، والمحتسب: 2/ 256، والخصائص: 2/ 282، والإنصاف: 1/ 571، وشرح المفصل: 7/ 18، 8/ 43، 9/ 15، والمقرب: 51، والخزانة: 1/ 364، 2/ 35، 4/ 273، والعيني: 4/ 102، والهمع: 2/ 78، 125، 158، والدرر: 2/ 95، 161، 221، والمغني: 328/ 240، 334/ 242، 655/ 462، والسيوطي: 172، 262.

المفردات الغريبة: لا يلفى: لا يوجد، من ألفى، إذا وجد. لما بي؛ أي: للذي بي.

المعنى: يقسم أنه لا يوجد للذي به من الموجدة والألم، ولا للذي عند خصومه من الحقد والضغينة علاج، وليس هنالك أمل، في المودة، والمصالحة، وإزالة الأحقاد، والضغائن، بعد أن تفاقم الخطب وعظم الخلاف.

الإعراب: فلا: الفاء عاطفة، لا: نافية. والله: الواو حرف قسم وجر، و"اسم الجلالة": مقسم به مجرور؛ و"والله": متعلق بفعل قسم محذوف. لا: نافية. يلفى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. "لما بي": متعلق بـ"يلفى". "بي": متعلق بمحذوف صلة الموصول. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. للما: اللام الأولى حرف جر، واللام الثانية توكيد للأولى؛ و"ما" اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل جر باللام الأولى؛ و"للما": معطوف بالواو على "لما بي". "بهم": متعلق بمحذوف صلة. "أبدا": متعلق بـ"يلفى". دواء: نائب فاعل مرفوع.

موطن الشاهد: "للما". وجه الاستشهاد: مجيء اللام الثانية توكيدا للأولى الجارة من دون أن يفصل بينهما فاصل؛ ومعلوم أن اللام، ليست من أحرف الجواب؛ وحكم هذا التأكيد: أنه بالغ الشذوذ؛ لأن الحرف المؤكد موضوع على حرف هجائي واحد، لا يكاد يقوم بنفسه؛ والصواب أن يقول: لما لما بهم.

1 القائل: هو: الأسود بن يعفر التميمي: أبو نهشل، شاعر جاهلي، من سادات تميم ومن أهل العراق، كان فصيحا جوادا، نادم النعمان بن المنذر، ولما أسن كف بصره. ويقال له:"أعشى بني نهشل". مات سنة 22ق. هـ.

الشعر والشعراء: 1/ 255، تجريد الأغاني: 1446، الجمحي: 147، الأعلام: 1/ 330. السمط: 248.

ص: 308

408-

فأصبح لا يسألنه عن بما به1

لأن المؤكد على حرفين؛ ولاختلاف اللفظين.

1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

أصعد في علو الهوى أم تصوبا

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 130، والأشموني: 708/ 2/ 411، والمغني: 656/ 462.

المفردات الغريبة: أصعد: أرتفع وأرتقى. تصوبا: نزل وتسفل.

المعنى: أن هؤلاء الغواني أصبحن -بعد أن وخط المحب الشيب، وهذا الكبر ونالت منه الشيخوخة- لا يكترثن به ولا يملن إليه، ولا يسألن عما به من ضعف أو غيره؛ وهل لا يزال يحلق في الهوى والحب؟ أم نزل وهبط ونسي كل شيء؟.

الإعراب: فأصبح: الفاء عاطفة، أصبح: فعل ماضٍ ناقص، واسمه ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو. لا: نافية. يسألنه: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون في محل رفع فاعل، والهاء: في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "لا يسألنه": في محل نصب خبر "أصبح". عن: حرف جر. بما: الباء حرف جر بمعنى "عن" توكيد لفظي لـ"عن"، و"ما" اسم موصول مبني على السكون في محل جر بـ"عن"، و"بما": متعلق بـ"يسأل". "به": متعلق بمحذوف صلة الموصول.

موطن الشاهد: "عن بما".

وجه الاستشهاد: تأكيد "عن" الجارة بلفظ مرادف؛ هو الباء التي بمعنى "عن"؛ وهذا شاذ لعدم الفاصل، غير أنه أهون من سابقه؛ لأن الحرف المؤكد "عن" موضوع على حرفين؛ ولأن اللفظين مختلفان، وإن اتفقا في المعنى.

فوائد وتوجيهات: أ- يمتنع حذف المؤكد لفظيا؛ لأن حذفه منافٍ لتكراره.

ب- من الأساليب الصحيحة: جاء القوم بأجمعهم، وتعرب "أجمع" توكيدا مجرور اللفظ، بالباء الزائدة، في محل رفع، أو نصب، أو جر؛ على حسب حالة المؤكد "المتبوع"؛ وبعضهم يعربها: بدلا -وإن كانت تؤدي معنى التوكيد-؛ ولا بد من إضافتها إلى ضمير مطابق للمتبوع.

ج- لا يفصل بين المؤكَّد والمؤكِّد، "بإما" على الأصح؛ وأجاز الفراء: مررت بالقوم، إما أجمعين، وإما بعضهم.

د- لا يلي العامل شيء من ألفاظ التوكيد -وهو على حاله في التوكيد- إلا "جميعا"، و"عامة" مطلقا؛ فتقول: القوم، قام جميعهم، وعامتهم؛ ورأيت جميعهم، وعامتهم؛ ومررت بجميعهم، وعامتهم.

حاشية الصبان: 3/ 84.

ص: 309