الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى مضاف لما قارنها؛ كقوله1: [الطويل]
383-
فنعم ابن أخت القوم غير مكذب2
1 القائل: هو أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: البيت من كلمة يمدح فيها أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم، ويعاتب قريشا على ما كان منها، وهذا البيت يذكر فيه زهير بن أبي أمية -وهو ابن أخته عاتكة- يذكره بالخير؛ لأنه كان أحد الذين نقضوا الصحيفة التي كتبتها قريش لتقاطع آل النبي في حديث معروف.
وما ذكره المصنف صدر بيت وعجزه قوله:
زهير حساما مفردا من حمائل
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 95، والأشموني: 739/ 2/ 371، والسيرة: 176، وتاريخ ابن كثير: 3/ 56، والعيني: 4/ 15، والهمع: 2/ 85، والدرر: 2/ 109، وديوان أبي طالب: الورقة: 3.
المفردات الغريبة: حسام، الحسام: السيف القاطع سمي بذلك؛ لأنه يحسم الخلاف بين الناس، حمائل: جمع حمالة، وهي علاقة السيف.
المعنى: يمدح أبو طالب زهيرًا ابن أخته بأنه صادق المودة، مخلص لرحمه، لا ينسب إلى الكذب، وهو ماضي العزيمة نسيج وحده، كالسيف الذي يفرد عن حمائله؛ وزهير هذا هو ابن أمية بن عاتكة بنت عبد المطلب؛ أخت أبي طالب، وعمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زهير أحد الرجال الذين اتفقوا على نقض الصحيفة التي تعاهدت فيها قريش على مقاطعة بني هاشم، وعلقوها في الكعبة؛ ليلجئوهم إلى حمل النبي على ترك دعوته.
الإعراب: نعم: فعل ماضٍ جامد، دال على إنشاء المدح مبني على الفتح. ابن: فاعل نعم مرفوع، وهو مضاف. أخت: مضاف إليه، وهو مضاف. القوم: مضاف إليه. غير: حال من فاعل نعم، وهو مضاف. مكذب: مضاف إليه؛ وجملة "نعم وفاعله": في محل رفع خبر مقدم. زهير: مخصوص بالمدح مبتدأ مؤخر، ويجوز أن نعرب "زهير": خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبا والتقدير: هو زهير. حساما -بالنصب- حال من زهير منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ خلافا لرواية العيني بالرفع حيث أعربها صفة لزهير، وإن صحت هذه الرواية -بالرفع- لم يصح الإعراب؛ لأن زهيرا علم، فهو معرفة وحساما نكرة، ومعلوم أن المعرفة لا توصف بالنكرة، ولهذا تخرج رواية الرفع على أن "حسام": خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: هو حسام. مفردا: صفة لـ"حسام" منصوب. من: حرف جر. حمائل: اسم مجرور، وجره =
أو مضمرين مستترين1 مفسرين بتمييز2؛ نحو: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ}
= بالكسرة ضرورة، وكان ينبغي جره بالفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف. و"من حمائل": متعلق بـ"مفرد".
موطن الشاهد: "فنعم ابن أخت القوم".
وجه الاستشهاد: الإتيان بفاعل نعم اسما مضافا إلى مقترن بأل، وهو القوم، وقد جاءت إضافة الفاعل إلى ضمير ما فيه أل في قول الشاعر: فنعم أخو الهيجا ونعم شبابها
وهو نادر لا يقاس عليه.
وأجاز الفراء، ومن تبعه من الكوفيين إضافة الفاعل إلى النكرة كما في قول الشاعر:
فنعم صاحب قوم لا سلاح له
…
وصاحب الركب عثمان بن عفان
وخص الجمهور ذلك بالضرورة.
وورد مجيء الفاعل علما، أو مضافا إلى علم كقول بعض العبادلة: بئس عبد الله أنا إن كان كذا. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم عبد الله هذا" وأول على أن الفاعل ضمير مستتر حذف تمييزه، والعلم مخصوص بالمدح، وما بعده بدل أو عطف بيان.
انظر ضياء السالك: 3/ 82-83.
1 أي: رافعان لمضمرين مستترين وجوبا غالبا. ويلتزم هذا الضمير الإفراد والتذكير، كقول الشاعر:
نعم امرأين حاتم وكعب
…
كلاهما غيث وسيف عضب
ومن غير الغالب: نعما رجلين، نعموا رجالا كما سبق، وشذ إبراز الضمير مع الباء الزائدة، حيث سمع قولهم:"نعم بهم قوما".
انظر التصريح: 2/ 95.
2 أي: بعدهما. وهذا من المواضع التي يجوز عود الضمير فيها على متأخر لفظا ورتبة، ولا بد من مطابقة هذا التمييز لمعناهما؛ أي: للمخصوص بالمدح أو الذم، إفرادا وغير إفراد، وتذكيرا وتأنيثا.
خلاصة: "نعم" و"بئس" فعلا جامدان: وهما يرفعان فاعلين مقترنين بـ"أل"، أو مضافين إلى المقترن بها، ومثل هذا، بقوله:"نعم عقبى الكرما"، أو يرفعان ضميرا، يفسره تمييز؛ نحو:"نعم قوما معشره". ويشترط في هذا التمييز علاوة على مطابلقة المخصوص التي ذكرناها: أن يكون نكرة عامة متكثرة الأفراد؛ فلا يجوز: "نعم شمسا هذا الشمس"؛ لأنه لا ثاني لها. أما قولهم: نعم شمسا شمس هذا اليوم، =
بَدَلًا} 1، وقوله2:[البسيط]
384-
نعم امرأ هرم لم تعر نائبة3
= فسائغ؛ لتعددها بتعدد الأيام؛ وأن يكون مؤخرا عن العامل؛ فلا يصح تقديمه على نعم وبئس. وأن يتقدم على المخصوص بالمدح أو الذم، وشذ قولهم: نعم محمد رجلا. ولا يجوز حذفه؛ لئلا يبقى الفاعل المستتر مبهما، ليس له ما يفسره، إلا إذا وجدت قرينة تدل عيه، كالتاء في قولك:"إن زرت محمدا، فبها ونعمت، أي: ونعمت زيارة زيارتك، ومنه الحديث المتقدم: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت" ويجب أن يكون صالحا لقبول "أل" المعرفة، فلا يكون من الكلمات المتوغلة في الإبهام، ككلمة "غير"، و"مثل"، و"شبه"، و"أي".
انظرالتصريح: 2/ 95، وضياء السالك: 3/ 83-84.
1 18 سورة الكهف: الآية: 50.
موطن الشاهد: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء فاعل "بئس" مضمرا فيها، و"بدلا": تمييز منصوب مفسر له؛ والتقدير: بئس هو -أي البدل-؛ وحكم إضماره في هذه الحالة الوجوب؛ خلافا للمبرد، وابن السراج والفارسي. التصريح: 2/ 95.
2 القائل هو: زهير بن أبي سلمى المزني، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت في مدح هرم بن سنان، وعجزه قوله:
إلا وكان لمرتاع لها وزرا
والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 392، 2/ 95، والأشموني: 746/ 2/ 374، وليس في ديوان زهير بن أبي سلمى.
المفردات الغريبة: لم تعر: لم تنزل ولم تعرض. نائبة: كارثة وحادثة من حوادث الدهر. لمرتاع: أي فزع وخائف، وهو اسم فاعل من ارتاع. وزرا: ملجأ ومعينا.
المعنى: يمدح هرما بأنه رجل كريم ذو مروءة، وشجاع لا تنزل بأحد نازلة، أو تحل به كارثة من كوارث الزمان تتطلب النجدة والعون، إلا أخذ بيده، وكان له معينا وناصرا ومساعدا.
الإعراب: نعم: فعل ماض، دال على إنشاء المدح، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: هو. امرأ: تمييز منصوب، من فاعل "نعم"، وجملة "نعم وفاعله": في محل رفع خبر مقدم. هرم: مبتدأ مؤخر مرفوع. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تعر: فعل مضارع مجزوم بـ"لم"، وعلامة جزمه حذف الواو. نائبة: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. إلا: أداة استثناء. وكان: الواو: حالية، كان: فعل ماضٍ ناقص، =
[حكم الجمع بين الفاعل الظاهر والتمييز] :
وأجاز المبرد وابن السراج والفارسي1: أن يجمع بين التمييز والفاعل الظاهر، كقوله2:[البسيط] .
385-
نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت3
= واسمه ضمير مستتر تقديره: هو. "لمرتاع": متعلق بـ"وزر" الآتي: "بها": متعلق بـ"مرتاع". وزر: خبر كان الناقصة، وجملة "كان واسمها وخبرها": في محل نصب على الحال؛ وهذه الحال مستثناة من عموم الأحوال، والتقدير: لم تعر نائبة في حال من الأحوال إلا من الحال التي يكون فيها هرم وزرا لمن يرتاع به.
موطن الشاهد: "نعم امرأ هرم".
وجه الاستشهاد: مجيء فاعل "نعم" ضميرا مستترا، وقد فسر لإبهامه بالتمييز بعده "امرأ"، وفي البيت شاهد آخر في قوله:"إلا وكان" حيث جيء بواو الحال قبل الفعل الماضي الواقع بعد إلا، وحكم هذا الإتيان نادر، والفصيح تجرده من الواو كما في قوله تعالى:{إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} .
ونظير الشاهد المذكور قول الشاعر:
نعم امرأين حاكم وكعب
…
كلاهما غيث وسيف عضب
انظر الأشموني: 2/ 376.
انظر ضياء السالك 3/ 84.
1 مرت ترجمة وافية لكل منهم.
2 لم يُنسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
رد التحية نطقا أو بإيماء
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 95، والعيني: 4/ 32، والهمع: 2/ 86، والدرر: 2/ 112، والمغني: 841/ 604، والسيوطي:292.
المفردات الغريبة: الفتاة: المرأة الشابة الحديثة السن، وهي مؤنث الفتى. بذلت: أعطت. بإيماء؛ الإيماء: الإشارة، مصدر أومأ إلى الشيء، إذا أشار إليه.
المعنى: أن هندا تستحق الثناء، والتقدير، لو تفضلت برد التحية بالنطق، أو بالإشارة وبعد ذلك منها بذلا ومنحة.
الإعراب: نعم: فعل ماض، دال على إنشاء المدح، مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. الفتاة: فاعل نعم مرفوع. فتاة: تمييز مؤكد للفاعل منصوب، وعلامة نصبه =
ومنعه سيبويه والسيرافي1 مطلقا2، وقيل: إن أفاد معنى زائدا جاز، وإلا فلا؛ كقوله:
فنعم المرء من رجل تهامي3
= الفتحة الظاهرة على رأي المبرد والفارسي وابن السراج وجماعة من المتأخرين، وحال مؤكدة لصاحبها على رأي أنصار سيبويه؛ وجملة "نعم وفاعلها": في محل رفع خبر مقدم. هند: مخصوص بالمدح، مبتدأ مؤخر مرفوع. لو: شرطية أو حرف تمن، لا محل له من الإعراب. بذلت: فعل ماضٍ، مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي. رد: مفعول به منصوب، وهو مضاف. التحية: مضاف إليه؛ إن عددنا "لو" حرف تمن، فلا جواب لها، وإن عددناها حرف شرط غير جازم فجملة "بذلت": فعل الشرط لا محل لها، ويكون جوابها محذوفا، والتقدير: لو بذلت رد التحية لنعمنا بردها. نطقا: منصوب على نزع الخافض؛ لأن الأصل: بنطق. أو بإيماء: معطوف على نطقا بأو.
موطن الشاهد: "نعم الفتاة فتاة".
وجه الاستشهاد: الجمع بين فاعل نعم الظاهر "الفتاة"، وبين تمييزها "فتاة"، وليس في التمييز معنى زائد على ما يدل عليه الفاعل غير أن الغرض منه مجرد التوكيد لا رفع إبهام شيء، ومثله قول الشاعر:
تزود مثل زاد أبيك فينا
…
فنعم الزاد زاد أبيك زادا
وهذا الرأي مؤيد بما ورد كثيرا نظما ونثرا في الفصيح من كلام العرب، وهو الصحيح، وقد ورد في النثر قول الحارث بن عباد حين بلغه أن ابنه بجيرا قتل في حرب البسوس:"نعم القتيل قتيلا أصلح بين بكر وتغلب". وهو من النثر الذي لا ضرورة فيه.
1 مرت ترجمة لكل منهما.
2 أي سواء أفاد التمييز معنى زائدا عما يفيده الفاعل أم لا؛ لأن التمييز لرفع الإبهام، ولا إبهام مع ظهور الفاعل. وقد أولا ما ورد من ذلك بجعل المنصوب حالا مؤكدا. التصريح: 2/ 96.
3 البيت لأبي بكر الأسود بن شعوب الليثي، وقيل: لبجير بن عبد الله بن سلمة بن قشير. وما ذكره المؤلف عجز بيت وصدره قوله:
تخيره فلم يعدل سواه
وقد مر تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه برقم: 285.
موطن الشاهد: "فنعم المرء من رجل". =
[ما المتصلة بنعم وبئس وإعرابها] :
واختلف في كلمة "ما" بعد نعم وبئس؛ فقيل: فاعل1؛ فهي معرفة ناقصة،
= وجه الاستشهاد: الجمع بين فاعل "نعم" الظاهر وهو "المرء"، وبين التمييز "من رجل"؛ وقد أفاد التمييز معنى زائدا عما أفاده الفاعل بسبب نعته بكونه تهاميا؛ أي: منسوبا إلى تهامة؛ وتهامة: اسم لما انخفض عن نجد من بلاد الحجاز.
1 وعلى ذلك فهي مستثناة من شرط الفاعل المتقدم. ومثل "ما"، "من"، وتكون موصولة، أو نكرة تامة أو موصوفة، ولا تكون معرفة. و"ما" الواقعة بعد "نعم" أو "بئس" على ثلاثة أضرب؛ وذلك لأنها إما أن لا يقع بعدها شيء أصلا، وإما أن يقع بعدها اسم مفرد: أي: ليس جملة ولا شبه جملة، وإما أن يقع بعدها جملة فعلية.
أ- فإن كانت لم يقع بعدها شيء؛ نحو: صادقت زيدا فنعما، أو تقول: اختبرت زاهرا فبئسما، فللنحاة فيها قولان:
أحدهما: أن "ما" معرفة تامة فهي فاعل، والتقدير: صادقت زيدا فنعم الصديق، واختبرت زاهرا فبئس المختبر.
وثانيهما: أن "ما" نكرة تامة فهي تمييز، والتقدير: صادقت زيدا فنعم صديقا، واختبرت زاهرا فبئس مختبرا.
ب- وإن وقع بعدها اسم مفرد؛ نحو: قولك: "صادقت عليا فنعما هو"؛ ونحو قولك: بئسما عمل بغير نية، فللنحاة ثلاثة أقوال في هذه الحالة:
الأول: أنها معرف تامة فهي فاعل.
الثاني: أنها نكرة تامة فهي تمييز، والاسم الذي بعدها -على هذين القولين- هو المخصوص بالمدح أوبالذم.
الثالث: أن "ما" قد ركبت مع نعم أو بئس، فصار الجميع كله واحدة، وهي فعل ماضٍ لإنشاء المدح أو الذم، والاسم الذي يليها فاعل، وهذا القول ينسب للفراء.
ج- وإن وقع بعد "ما" جملة فعلية؛ نحو قوله تعالى: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} ، وقوله جل شأنه:{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} ، فللنحاة فيها أربعة أقوال:
الأول: أنها موصولة معرفة في محل رفع فاعل، والجملة بعدها صلة لا محل لها.
الثاني: أنها نكرة في موضع نصب على التمييز، والجملة بعدها في محل نصب صفة لها، وهذا رأي الأخفش والزجاج والفارسي؛ أو الجملة بعدها صفة لمخصوص بالمدح أو بالذم محذوف.
الثالث: أن "ما" هي المخصوص بالمدح أو بالذم، وهي اسم موصول، والفاعل ضمير مستتر فيه، وهذا قول الكسائي، ونقل عن الفراء أيضا. =
أي: موصولة، في نحو:{نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} 1؛ أي: نعم الذي يعظكم به، ومعرفة تامة في نحو:{فَنِعِمَّا هِيَ} 2؛ أي: فنعم الشيء هي، وقيل: تمييز؛ فهي نكرة موصوفة في الأول وتامة في الثاني3.
[حكم المخصوص بالمدح والذم بعدهما] :
فصل: ويذكر المخصوص بالمدح، أو الذم بعد فاعل نعم وبئس4؛ فيقال:
= الرابع: أن "ما" كافة لنعم أو بئس عن العمل.
انظر التصريح: 2/ 96-97، همع الهوامع: 2/ 86.
1 4 سورة النساء، الآية:58.
موطن الشاهد: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" في محل رفع فاعل؛ وجملة {يَعِظُكُمْ بِهِ} : صلة للموصول، والمخصوص بالمدح محذوف؛ والتقدير: نعم الذي يعظكم به؛ وهذا منقول عن الفارسي؛ وقيل: هي نكرة. موصوفة بالجملة الفعلية، في محل نصب تمييز.
التصريح: 2/ 96.
2 2 سورة البقرة، الآية:271.
موطن الشاهد: {فَنِعِمَّا هِيَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "ما" معرفة تامة؛ لأنه تلاه المفرد "هي"؛ وهو المخصوص؛ وهو منقول على سيبويه؛ والأصل: فنعم الشيء إبداؤها؛ لأن الكلام في الإبداء لها في الصدقات؛ وقيل: هي نكرة تامة -لعدم وجود الجملة- واقعة في محل نصب تمييز.
التصريح؛ 2/ 96.
3 يذكر هنا أنه إذا كان فاعل "نعم وبئس" ضميرا مستترا، فلا يجوز أن يكون له تابع؛ من نعت أو عطف أو توكيد أو بدل، وإذا كان فاعلهما مفردا ظاهرا امتنع توكيده توكيدا معنويا؛ فإن كان مثنى أو جمعا جاز، نقول: نعم الصديقان كلاهما محمد وعلي، ونعم الأصدقاء كلهم محمد وعلي وعمر. والمؤنث كالمذكر. أما التوكيد اللفظي فجائز، وكذلك العطف والبدل، أما النعت فيجوز إذا أريد به الإيضاح لا التخصيص؛ لأن التخصيص منافٍ للتعميم المفهوم من أل الجنسية.
4 يشترط في المخصوص: أن يكون معرفة، أو نكرة مختصة بوصف أو إضافة أو غيرهما من وسائل التخصيص. وأن يكون أخص من الفاعل لا مساويا له ولا أعم؛ وذلك ليحصل التفصيل بعد الإجمال، فيكون أوقع في النفس. وأن يكون مطابقا له =
"نعم الرجل أبو بكر"، و"بئس الرجل أبو لهب"، وهو: مبتدأ، والجملة قبله: خبره1؛ ويجوز أن يكون خبرا لمبتدأ واجب الحذف؛ أي: الممدوح أبو بكر، والمذموم أبو لهب2.
وقد يتقدم المخصوص؛ فيتعين كونه مبتدأ، نحو:"زيد نعم الرجل".
وقد يتقدم ما يشعر به فيحذف؛ نحو: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} 3 أي: هون وليس منه "العلم نعم المقتنى"4؛ وإنما ذلك من التقدم5.
[بناء "فعل" الثلاثي وإجراؤه مجرى "نعم" و"بئس"] :
فصل: وكل فعل ثلاثي صالح للتعجب منه؛ فإنه يجوز استعماله على فَعُل بضم
= في المعنى: تذكيرا وتأنيثا، وإفرادا وتثنية وجمعا. وأن يكون متأخرا عنه ليكون أدعى للتشويق. وكذلك يجب تأخيره عن التمييز إذا كان الفاعل ضميرا مستترا له تمييز، نحو: نعم رجلا المجاهد؛ فإن كان الفاعل اسما ظاهرا جاز تقديم المخصوص على التمييز وتأخيره، تقول: نعم المجد تلميذا محمد، ونعم المجد محمد تلميذا. وإذا كان المخصوص مؤنثا، جاز تذكير الفعل وتأنيثه، وإن كان الفاعل مذكرا.
1 والرابط عموم الفاعل، أو إعادة المبتدأ بمعناه، وهذا مذهب سيبويه ومن تبعه، وهو الراجح.
التصريح: 2/ 97. الأشموني مع الصبان: 3/ 37.
2 وهذا مذهب الجمهور.
3 38 سورة ص، الآية:44.
موطن الشاهد: {نِعْمَ الْعَبْدُ} .
وجه الاستشهاد: حذف المخصوص بالمدح، وهو ضمير "أيوب"؛ لدلالة ما قبله عليه، وهو يصلح أن يكون مخصوصا؛ والتقدير: نعم العبد هو.
4 هذا من أمثلة ابن مالك في الألفية.
5 هذا إذا أعرب "العلم" مبتدأ، أما إذا أعرب "العلم" خبرا لمبتدأ محذوف، أي: الممدوح العلم، أو عكسه، أو أعرب مفعولا لمحذوف أي: الزم العلم، وجملة "نعم المقتنى": مستأنفة فيكون من تقديم المشعر لا المخصوص؛ لعدم صلاحيته للتأخير؛ لأنه من جملة أخرى، وعلى هذا يحمل كلام الناظم.
التصريح: 2/ 97. الأشموني مع الصبان: 3/ 37.
العين؛ إما بالأصالة: كـ"ظرف وشرف" أو بالتحويل1: كـ"ضرب" و"فهم"، ثم يجري، حينئذ، مجرى نعم وبئس: في إفادة المدح والذم، وفي حكم الفاعل، وحكم المخصوص؛ تقول في المدح:"فهم الرجل زيد"، وفي الذم:"خبث الرجل عمرو".
[حكم ساء] :
ومن أمثلته "ساء"2 فإنه في الأصل سوأ بالفتح؛ فحول إلى فعل، بالضم، فصار قاصرا، ثم ضمن معنى "بئس" فصار جامدا، قاصرا، محكوما له ولفاعله بما ذكرنا؛ تقول:"ساء الرجل أبو جهل"، و"ساء حطب النار أبو لهب" وفي التنزيل:{وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} 3، و {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} 4.
1 أي: إذا كان في الأصل مفتوح العين أو مكسروها كمثالي المصنف. ثم إن كان الفعل معتل العين بقي قلبها ألفا مع تقدير تحويله إلى "فعل"؛ نحو: طال الرجل محمد، وباع رجلا علي، أي: ما أطوله وأبيعه، وإن كان معتل اللام ظهرت الواو وقلبت الياء واوا: تقول: غزو، ورمو، وقيل: يقر على حاله، والحكمة في التحويل لحاقه بأفعال الغرائز ليصير قاصرا.
التصريح: 2/ 98. الهمع: 2/ 87-88.
2 خصها المصنف والناظم بالذكر؛ لأنها للذم العام فهي أشبه ببئس، ولكثرة استعمالها وللخلاف فيها، أهي مثل بئس في المعنى والحكم؟ أم هي مثلها في المعنى، أما في الأحكام فكالأفعال المحولة؟.
3 18 سورة الكهف، الآية:29.
موطن الشاهد: {سَاءَتْ مُرْتَفَقًا} .
وجه الاستشهاد: وقوع فاعل "ساء" ضميرا مستترا، يعود على النار. ومرتفقا: تمييز على حذف مضاف؛ أي: نار مرتفق؛ لأن التمييز، ينبغي أن يكون عير المميز في المعنى. والمرتفق: المتكأ.
انظر التصريح: 2/ 98.
4 29 سورة العنكبوت، الآية:4.
موطن الشاهد: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} .
وجه الاستشهاد: جواز كون "ما" فاعلا لـ"ساء"، أو تمييزا؛ فعلى الأول: هي اسم موصول "والجملة": صلة لها؛ والتقدير: ساء الذي يحكمونه؛ وعلى الثاني: هي =
ولك في فاعل فعل المذكور أن تأتي به اسما ظاهرا مجردا من "أل"، وأن تجره بالباء، وأن تأتي به ضميرا مطابقا؛ نحو:"فهم زيد"1، وسمع "مررت بأبيات جاد بهن أبياتا" و"جدن أبياتا"2؛ وقال3:[المديد]
386-
حب بالزور الذي لا يرى4
= نكرة موصوفة؛ والتقدير: ساء شيئا يحكمونه؛ وعلى الوجهين، فالمخصوص بالذم محذوف.
انظر شرح التصريح: 2/ 98.
1 بهذا خالف الفعل المحول إلى فعُل -بضم العين- نعم وبئس، فقد علمت أن فاعل نعم وبئس لا يكون إلا مقترنا بأل، أو مضافا لما قارنها أو إلى مضاف إلى ما قارنها، ومن المحول إلى فعل بالضم "حب" إذا لم يكن معها "ذا" وهذا الذي ذكره المؤلف من حكم هذه الأفعال هو في أصله رأي الأخفش والمبرد، وهو المشهور عن العلماء، ولكن الدماميني قد بحث أنه يلتزم في فاعل ساء ما التزم في فاعل بئس، وجزم الشاطبي بأن فاعل "حب" إذا لم يكن معه "ذا" يلتزم فيه ما لزم في فاعل نعم.
حاشية يس على التصريح: 2/ 98، الأشموني: 2/ 380. والأشموني مع الصبان: 3/ 40.
2 حكى ذلك الكسائي، بزيادة الباء في الفاعل أولا، وتجرده منها ثانيا، وهو سبب تمثيل المصنف به. وجاد بهن؛ من جاء الشيء إذا صار جيدا، وأصله: جود، فحول إلى "فعُل"؛ لقصد المبالغة والتعجب، وزيدت الباء في الفاعل، وعوض من ضمير الرفع ضمير الجر، فقيل: بهن، و"أبياتا" تمييز، و"جدن" فعل وفاعل، و"أبياتا" تمييز أيضا. وقد جمع فيهما بين الفاعل والتمييز.
3 القائل: هو الطرماح بن حكيم، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
منه إلا صفحة أو لمام
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 99، والأشموني: 55/ 2/ 380، والعيني: 4/ 15، والمقرب: 11، والهمع: 2/ 89، والدرر: 2/ 119، وديون الطرماح:79.
المفردات الغريبة: الزور: الزائر، وهو مصدر يراد به اسم الفاعل، ويطلق على الواحد والجمع مذكرا ومؤنثا. صفحة: المراد صفحة الوجه، وهي جانبه. لمام: جمع لمة، وهي الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغ المنكب سمي: جمة.
المعنى: ما أحب الضيف الذي لا يثقل على مضيفه بالمكث عنده ومضايقته، حتى لا =
أصله "حبب الزور"، فزاد الباء، وضم الحاء؛ لأن فعل المذكور، يجوز فيه أن تسكن عينه، وأن تنقل حركتها إلى فائه؛ فتقول:"ضرب الرجل" و"ضرب".
["حبذا" و"لا حبذا" وإعرابهما] :
فصل: ويقال في المدح: "حبذا" وفي الذم: "لا حبذا" قال1: [المتقارب]
387-
ألا حبذا عاذري في الهوى
…
ولا حبذا الجاهل العاذل2
= يكاد يتحقق من ملامحه لسرعة انصرافه وتركه المضيف.
الإعراب: حب: فعل ماضٍ، دال على إنشاء المدح. بالزور: الباء: حرف جر زائد، الزور: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه فاعل "حب". الذي: اسم موصول في محل رفع صفة لـ"الزور". لا: نافية لا عمل لها. يرى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. "منه": متعلق بـ"يرى". إلا: أداة حصر، لا عمل لها. صفحة: نائب فاعل مرفوع. أو: حرف عطف. لمام: اسم معطوف على صفحة مرفوع، وسكن لضرورة الروي؛ وجملة "لا يرى": صلة للموصول، لا محل لها من الإعراب.
موطن الشاهد: "حب بالزور".
وجه الاستشهاد: مجيء فاعل حب التي تفيد معنى نعم مقترنا بالباء الزائدة؛ لأن المعنى قريب من معنى صيغة التعجب، وقد علمنا سابقا أن الباء تزاد باطراد في فاعل فعل التعجب فحمل ما في البيت على تلك الزيادة، غير أن الباء ليست واجبة الزيادة مع الفاعل في "حب"، فيجوز أن نقول: حب زيد، وحب بزيد: حيث استعمله مجنون ليلى من دون أن يقرن فاعله بالباء، وأتى بالتمييز بعده حيث قال:
نسائلكم هل سال نعمان بعدنا
…
وحب إلينا بطن نعمان واديا
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد:
البيت من شواهد: التصريح: 2/ 00، والعيني: 4/ 16، والهمع: 2/ 89، والدرر: 2/ 117.
المفردات الغريبة: العاذر: الذي يقبل العذر، ولا يلوم، من عذره يعذره؛ والاسم: المعذرة. العاذل: اللائم، من عذله يعذله، والاسم: العذل.
المعنى: نعم من يعذرني في الهوى، ويكف عن لومي وعذلي، وبئس الجاهل الغبي الذي يلومني، ولا يلتمس لي عذرا.
الإعراب: ألا: حرف استفتاح وتنبيه، لا محل له من الإعراب. حبذا: حب: فعل =
ومذهب سيبويه أن "حب" فعل، و"ذا" فاعل، وأنهما باقيان على أصلهما1، وقيل: ركبا وغلبت الفعلية؛ لتقدم الفعل، فصار الجميع فعلا وما بعده فاعل2، وقيل: ركبا وغلبت الاسمية لشرف الاسم، فصار الجميع اسما مبتدأ وما بعده خبرا3.
= ماضٍ لإنشاء المدح مبني على الفتح، و"ذا" اسم إشارة في محل رفع فاعل، وجملة "حبذا": في محل رفع خبر مقدم. عاذري: مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وياء المتكلم: في محل جر بالإضافة. "في الهوى": متعلق بـ"عاذر". ولا: الواو: عاطفة، لا: نافية، لا محل لها من الإعراب. حبذا: حب: فعل ماضٍ مبني على الفتح، و"ذا": اسم الإشارة فاعله، والجملة في محل رفع خبر مقدم. الجاهل: مبتدأ مؤخر مرفوع. العاذل: صفة للجاهل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
موطن الشاهد: "حبذا عاذري"، و"لا حبذا صحبة الجاهل".
وجه الاستشهاد: استعمال حبذا للمدح في الشطر الأول من البيت، و"لا حبذا" للذم في الشطر الثاني.
ومثل هذا البيت قول الشاعر:
ألا حبذا أهل الملا غير أنه
…
إذا ذكرت مي فلا حبذا هيا
انظر شرح التصريح: 2/ 99.
1 أي: أنهما جملة فعلية ماضوية؛ لإنشاء المدح، و"ذا" كفاعل "نعم" لا يجوز إتباعه. وإذا وقع بعده اسم؛ نحو: حبذا الرجل، فهو المخصوص لا تابع لاسم الإشارة.
2 هذا رأي ضعيف؛ لأنه لم يعهد تركيب فعل من فعل واسم على أنه قد يحذف المخصوص، والفاعل لا يحذف.
3 وأجاز بعضهم كون "حبذا" خبرا مقدما، والاسم بعده مبتدأ مؤخر، وينسب هذا إلى المبرد وابن السراج، وضعف بأن "حبذا" لو كان اسما لوجب تكرار "لا" عند إهمالها في نحو: لا حبذا زيد ولا عمرو، وأيضا: عمل "لا" في معرفة، إن أعملت عمل "إن" أو ليس، وبقي وجه آخر، وهو: أن يكون "حب" فعلا، و"ذا" ملغاة، والاسم بعده فاعل.
مغني اللبيب: 725، والتصريح: 2/ 99. حاشية الصبان: 3/ 40، ابن عقيل "طبعة دار الفكر": 3/ 138.
فائدة: أجاز بعض النحاة أن يكون "حبذا" خبرا مقدما، والاسم بعده مبتدأ مؤخرا، وهناك وجه آخر، وهو أن يكون "حب" فعلا و"ذا" ملغاة، والاسم بعده فاعلا؛ وهذا الوجه في العمل كالوجه الأول من وجوه التركيب المذكورة في المتن، ولكنه غيره في =
ولا يتغير "ذا" عن الإفراد والتذكير؛ بل يقال: "حبذا الزيدان والهندان"، أو "الزيدون والهندات"؛ لأن ذلك كلام جرى مجرى المثل؛ كما في قولهم:"الصيف ضيعت اللبن"، يقال لكل أحد بكسر التاء وإفرادها1، وقال ابن كيسان: لأن المشار إليه مضاف محذوف، أي: حبذا حسن هند2.
[لا يتقدم المخصوص على حبذا] :
ولا يتقدم المخصوص على "حبذا" لما ذكرنا من أنه كلام جرى مجرى المثل، وقال ابن بابشاذ3: لئلا يتوهم أن في "حب" ضميرا4، وأن "ذا" مفعول5.
= التقدير: وخلاصة القول في "حبذا زيد": أن لها خمسة أوجه من الإعراب: الأول: أن يكون "حب" فعلا ماضيا، و"ذا" فاعله، والجملة خبر مقدم وزيد مبتدأ مؤخر. الثاني: أن يكون "حبذا" برمته فعلا، و"زيد" فاعل. الثالث: أن يكون "حبذا" برمته مبتدأ، وزيد خبره. الرابع: أن يكون "حبذا" فعلا وفاعلا، وزيد مبتدأ خبره محذوف.
الخامس: أن يكون "حبذا" فعلا وفاعلا، وزيد خبر لمبتدأ محذوف.
انظر التصريح: 2/ 99، مغني اللبيب:725.
1 ذلك؛ لأنه في الأصل خطاب لامرأة طلقت زوجا غنيا؛ لكبره، وأخذت شابا فقيرا، وكان ذلك في زمن الصيف، فلما جاء الشتاء أرسلت للأول تطلب منه لبنا، فقال لها ذلك، وصار مثلا يضرب لمن يطلب الشيء بعد تفريطه فيه، و"الصيف" منصوب على الظرفية لضيعت.
وهو من أمثال الميداني "تحق عبد الحميد": 2/ 68 رقم: 2725.
2 رد ابن العلج على ابن كيسان؛ بأنه لو كان كما ذكره لظهر هذا المبتدأ المقدر في بعض التراكيب العربية، ولم يثبت إطلاقا، فهو قول لا دليل عليه.
التصريح: 2/ 100، حاشية الصبان: 3/ 41.
3 مرت ترجمته.
4 أي مرفوعا على الفاعلية عائدا على المخصوص. وهذا التوهم بعيد؛ لأن معنى هذا التركيب قد اشتهر في غير ذلك المعنى المتوهم؛ على أن هذا التوهم الذي يفر منه، لا يمتنع وروده على الذهب بسبب التأخير؛ لأنه يفهم أن "ذا" مفعول مقدم "وزيد" فاعل مؤخر.
التصريح: 2/ 100.
5 بقي أن نقول: إن مخصوص "حبذا" يخالف مخصوص "نعم" في أمور: =
تنبيه: إذا قلت "حب الرجل زيد" فحب هذه من باب فعل المتقدم ذكره، ويجوز في حائه الفتح والضم، كما تقدم؛ فإن قلت "حبذا" ففتح الجاء واجب إن جعلتهما كالكلمة الواحدة.
= الأول: مخصوص "نعم" يجوز تقدمه عليها؛ نحو: زيد نعم الرجل، بخلاف مخصوص "حبذا"، وقد ذكر ذلك المصنف.
الثاني: يجوز إعمال النواسخ في مخصوص "نعم"؛ نحو؛ نعم رجلا كان زيد، بخلاف مخصوص "حبذا"، فإن النواسخ لا تعمل فيه.
الثالث: أن تقديم التمييز على المخصوص بعد "حبذا" وتأخير التمييز عن المخصوص سواء في القياس كثير في الاستعمال، وإن كان تقديم التمييز أولى وأكثر، بخلاف المخصوص، بنعم؛ فإن تأخير التمييز عنه -عند البصريين- شاذ في غاية الندرة.
الرابع: أنه مع اشتراكهما في جواز إعرابهما مبتدأ خبره الجملة قبله، أو خبرا مبتدؤه محذوف وجوبا، إلا أن الوجه الثاني في "حبذا" أسهل منه في "نعم"، من جهة أن النواسخ تدخل عليه مع نعم، وهي لا تدخل إلا على المبتدأ، فيترجح فيه الوجه.
الأشموني: 2/ 383-383، والأشموني مع حاشية الصبان: 3/ 42-43.
[باب أفعل التفضيل]
1
[ما يصاغ منه أفعل التفضيل] :
إنما يصاغ أفعل التفضيل مما يصاغ منه فعلا التعجب؛ فيقال: "هو أضرب" و"أعلم" و"أفضل"، كما يقال:"ما أضربه" و"أعلمه" و"أفضله" وشذ بناؤه من وصف لا فعل له؛ كـ"هو أقمن به" أي: أحق، و"ألص من شظاظ"2، ومما زاد على ثلاثة كـ"هذا الكلام أخصر من غيره"3، وفي أفعل المذاهب الثلاثة4، وسمع "هو أعطاهم للدراهم، وأولاهم للمعروف"5، و"هذا المكان أقفر من
1 هو اسم مشتق مصوغ؛ للدلالة على شيئين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر فيها. وقياسه "أفعل" للمذكر ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل، و"فعلى" للمؤنث. أما خير وشر وحب، فقد حذفت همزتها؛ لكثرة الاستعمال، وجاء على الأصل قول رؤبة: بلال خير الناس وابن الأخير، وقراءة بعضهم:{مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} ، وفي الحديث:"أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".
الأشموني: 2/ 383، حاشية الصبان: 3/ 43.
2 بنوه من لص. وقد حكى ابن القطاع لصص -بالفتح- إذا استتر، وحكي أيضا: لصصه إذا أخذه خفية. وعلى ذلك لا شذوذ فيه. وشظاظ -بكسر الشين- اسم لص من بني ضبة معروف بالذكاء في اللصوصية، ويضرب به المثل، يقال:"أسرق من شظاظ"، و"ألص من شظاظ"، ويقال أيضا:"ألص من سرحان" وهو الذئب، و"ألص من فأرة".
انظر مجمع الأمثال للميداني "تحقيق: محيي الدين عبد الحميد": 2/ 257، برقم:3745.
3 بنوه من: "اختصر". وفيه شذوذ آخر، وهو بناؤه من المبني للمجهول.
4 أي: في بناء "أفعل" التفضيل من الرباعي الذي على وزن "أفعل" الخلاف السابق في التعجب؛ فقيل: يجوز مطلقا، وقيل: يمتنع مطلقا، وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل وإلا فلا.
5 هذان شاذان عند من يمنع ذلك مطلقا، وعند من يمنع إذا كانت الهمزة للنقل؛ لأن همزتها كذلك.
غيره"1، ومن فعل المفعول كـ"هو أزهى من ديك"2 و"أشغل من ذات النحيين"3 و"أعنى بحاجتك".
[ما يتوصل به إلى ما عدم الشروط] :
وما توصل به إلى التعجب مما لا يتعجب منه بلفظه يتوصل به إلى التفضيل، ويجاء بعده بمصدر ذلك الفعل تمييزا؛ فيقال:"هو أشد استخراجا" و"حمرة".
[حالات اسم التفصيل] :
فصل: ولاسم التفضيل ثلاثة حالات4.
إحداها: أن يكون مجردا من أل والإضافة، فيجب له حكمان:
1 هذا شاذ على القول بالمنع مطلقا؛ لأن همزته ليست للنقل.
2 بنوه من قولهم: زهي، بمعنى تكبر، وحكى ابن دريد: زها يزهو، أي: تكبر، وعليه فلا شذوذ؛ لأنه من المبني للفاعل، وهو من أمثال الميداني.
أمثال الميداني: 1/ 327، برقم:1761.
3 بنوه من "شغل"؛ لأن المراد أنها أكثر مشغولة. والنحيين: تثنية نحي وهو زق السمن؛ أمثال الميداني: 1/ 376، برقمك 2029. الأشموني وحاشية الصبان: 3/ 43-44.
4 هذا باعتبار لفظه، وله باعتبار معناه ثلاثة استعمالات.
أ- ما تقدم في تعريفه.
ب- أن يراد به؛ أن شيئا زاد في صفة نفسه على آخر في صفته، كقولهم: الصيف أحر من الشتاء؛ أي: الصيف أبلغ في حره من الشتاء في برده، ومثل: العسل أحلى من الخل ونحو ذلك: وليس في هذه الحالة وصف مشترك وإنما الاشتراك في الزيادة.
ج- أن يتجرد عن معنى التفضيل، ويراد به ثبوت الوصف لمحله فيؤول باسم فاعل، أو صفة مشبهة. فإن أضيف لمعرفة تعينت المطابقة كما سيأتي: نحو الناقص والأشج أعدلا بني مروان، أي: عادلاهم، ونصيب أشعر الحبشة، أي: شاعرهم. وإن لم يضف، ولم يقترن بأل ولا بمن، فالأكثر فيه عدم المطابقة؛ نحو: قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} ، أي: هين، {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} ، أي: عالم، وقد يطابق وعليه يخرج قول أبي نواس الآتي: كأن صغرى
…
البيت.
حاشية يس على التصريح: 2/ 102.
أحدهما: أن يكون مفردا مذكرا دائما؛ نحو: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ} 1؛ ونحو: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} الآية2، ومن ثم قيل في "أُخَر" إنه معدول عن آخر3، وفي قول ابن هانئ4:[البسيط]
388-
كأن صغرى وكبرى من فقاقعها5
1 12 سورة يوسف، الآية:8.
موطن الشاهد: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أحب" اسم تفضيل مجردا من "أل" والإضافة؛ فجاء مفردا مذكرا؛ وحكم مجيئه على هذه الحالة -بالتذكير- الوجوب؛ وقد أفرد -هنا- مع المثنى.
2 9 سورة التوبة، الآية:24.
وجه الاستشهاد: إفراد اسم التفضيل مع الجماعة.
3 أي: وليس من باب التفضيل؛ لأنه ليست فيه مشاركة وزيادة؛ لأن معناه الأصلي: أشد تأخرا، و"أخر": جمع أخرى، أنثى آخر على وزن "أفعل".
4 هو: أبو نواس؛ الحسن بن هانئ، شاعر العراق في عصره، وأحد الشعراء المكثرين، كان له علم باللغة حتى شهد له بذلك الشافعي رضي الله عنه اشتهر بمجونه وخمرياته، بالإضافة لنظمه في كل أنواع الشعر، له ديوان مطبوع ومشهور. اختلف في ولادته وموته، والمشهور أنه ولد سنة 146هـ، وتوفي سنة: 198هـ.
خزانة الأدب: 1/ 168، وفيات الأعيان: 1/ 135، الأعلام: 2/ 225، الشعر والشعراء: 2/ 796
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت في وصف الخمر، وعجزه قوله:
حصباء در على أرض من الذهب
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 102، والأشموني: 767/ 2/ 386، والعيني: 4/ 50، والمغني: 706/ 498، وشرح المفصل: 6/ 100، 102، وديوان أبي نواس:243.
المفردات الغريبة: فقاقعها: جمع فقاعة، وهي النفاخات التي على وجه الماء أو الخمر، شبه حبات صغيرة من الحصباء وهي: دقاق الحصى. در: لآلئ، جمع درة، وهي اللؤلؤة.
المعنى: كأن النفاخات الصغيرة البيضاء التي تعلو الخمر، وهي في الكأس في لونها الذهبي حبات من اللؤلؤ على أرض من ذهب. =
إنه لحن.
والثاني: أن يؤتى بعده بمن1 جارة للمفضول2؛ وقد تحذفان3 نحو:
= الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل. صغرى: اسم كأن منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف؛ للتعذر. وكبرى: الواو: عاطفة، كبرى: اسم معطوف على صغرى، منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف؛ للتعذر. من: حرف جر. فقاقعها: اسم مجرور، و"ها": مضاف إليه، و"من فقاقع": متعلق بمحذوف صفة لـ"صغرى" و"كبرى". حصباء: خبر كأن مرفوع، وهو مضاف. در: مضاف غليه مجرور. "على أرض": متعلق بمحذوف صفة لـ"حصباء در". "من الذهب": متعلق بمحذوف صفة لـ"أرض".
موطن التمثيل به: "صغرى وكبرى".
وجه الاستشهاد: مجيء أفعل التفضيل "صغرى" و"كبرى" مؤنثا مع أنه مجرد من أل والإضافة، وكان حقه أن يأتي مفردا مذكرا فيقال: أصغر وأكبر؛ ولهذا قال بعضهم: إنه لحن.
غير أن آخرين قالوا: إنه لم يقصد التفضيل وإنما أراد معنى الوصف المجرد عن الزيادة، فـ"صغرى" و"كبرى" -هنا- صفة مشبهة لا أفعال تفضيل.
1 ولا يجر المفضول غيرها من الحروف، وهي واجبة في هذه الحالة، واختلف في معناها، فقال المبرد: هي للابتداء، وتكون لابتداء الارتفاع إذا كان السياق للمدح؛ نحو: النشيط أفضل من الخامل، ولابتداء الانحطاط إذا كان السياق للذم؛ نحو: المنافق أضر من العدو. وقال ابن مالك: هي للمجاوزة؛ أي: أن المفضل جاوز المفضول في الوصف الممدوح أو المذموم، وزاد عليه.
التصريح: 2/ 102. والأشموني: 2/ 384. والأشموني مع الصبان: 3/ 45.
2 يجوز الفصل بين أفعل التفضيل و"من" الداخلة على المفضول بأحد شيئين: الأول: معمول أفعل التفضيل؛ نحو: على أحفظ للآداب من عمرو، والثاني:"لو" ومدخولها؛ نحو قول الشاعر:
ولفوك أطيب لو بذلت لنا
…
من ماء موهبة على خمر
الأشموني: 2/ 385.
3 اختلف النحاة عند حذف "من" ومجرورها -وهو المفضل عليه في صيغة أفعل- أيلزم كونها دالة على التفضيل، أم يجوز خلوها من هذه الدلالة؟
ذهب الكسائي والفراء وهشام، وتبعهم المحقق الرضي إلى أن هذه الصيغة لا تخلو قط من الدلالة على التفضيل، وبيان ذلك في مختلف الأحوال أنك إن ذكرت الصيغة، وبعدها "من" جارة للمفضول؛ فدلالتها على التفضيل ظاهرة، وإن أضيفت الصيغة، =
{وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 1، وقد جاء الإثبات والحذف في {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} 2، أي: منك.
وأكثر ما تحذف "من" إذا كان أفعل خبرا3، ويقل إذا كان حالا، كقوله4:[الطويل]
= فإن المضاف إليه هو المفضل عليه، وإن اقترنت بأل، فإن أل عوض من المضاف إليه، وإن لم تضف ولم تقترن بأل، ولم يذكر معها "من" جارة للمفضول؛ كان الكلام على أحد تقديرين؛
الأول: تقدير "من" ومجرورها.
الثاني: تقدير الصيغة مضافة، وقد حذف المضاف إليه وهو منوي الثبوت؛ كقول معن بن أوس:
ولا بلغ المهدون نحوك مدحة
…
ولا صدقوا إلا الذي فيك أفضل
فالمراد: إلا الذي فيك أفضل مما قالوه فيك ووصفوك به.
وكقول الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا
…
بيتا دعائمه أعز وأطول
فالمراد: دعائمه أعز الدعائم وأطولها، أو أعز من كل عزيز، وأطول من كل طويل، والأمثلة على ذلك كثيرة.
انظر الأشموني: 2/ 388، أوضح المسالك: 3/ 289-290.
1 87 سورة الأعلى، الآية:18.
موطن الشاهد: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} .
وجه الاستشهاد: حذف الجار "من" والمجرور "المفضول" بعد اسم التفضيل؛ وحكم هذا الحذف الجواز؛ لوجود الدليل؛ والتقدير: والآخرة خير وأبقى من الحياة الدنيا.
2 18 سورة الكهف، الآية:34.
موطن الشاهد: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء من والمجرور بها -المفضول- بعد اسم التفضيل "أكثر"، وحذفها مع مجرورها -المفضول- بعد اسم التفضيل "أعز"؛ والتقدير: أعز منك؛ وجاز الحذف -هنا- لوجود الدليل.
3 سواء كان خبرا لمبتدأ، أو خبر ناسخ، أو أصله الخبر، كثاني مفعولي "ظن" وأخواتها. وثالث مفاعيل "أعلم وأرى" إلخ؛ نحو: محمد أكرم، كان محمد أفضل، ظننت محمدا أعلم، أعلمت عليا محمدا أقدر على تحمل المسئولية.
4 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
389-
دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا1
اي: دنوت أجمل من البدر، أو صفة كقوله2:[مشطور الرجز]
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فظل فؤادي في هواك مضللا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 103، والأشموني: 762/ 2/ 385، وابن عقيل: 279/ 3/ 77، والعيني: 4/ 50، والخزانة: 1/ 387.
المفردات الغريبة: دنوت: قربت. خلناك: ظنناك وحسبناك. ظل: استمر. مضللا: حيران غير مهتد إلى الصواب؛ وهو من الضلال وهو عدم الرشد.
المعنى: قربت منا أيتها المحبوبة، وأنت أكثر جمالا وبهاء من البدر، وقد كنا نظنك مثله في الجمال وحسن المنظر، فصار قلبي حائرا في هواك وحبك، لا يعرف سبيل الرشد ووجه الصواب.
الإعراب: دنوت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل رفع فاعل. وقد: الواو: حالية، قد: حرف تحقيق. خلناك: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، و"نا": ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، والكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول. "كالبدر": متعلق بمحذوف مفعول ثانٍ لـ"خال"؛ وجملة "خال ومفعوليه": في محل نصب حال. أجملا: حال من تاء المخاطبة الواقعة فاعلا لـ"دنا"، والألف: للإطلاق، والتقدير: قربت منا حال كونك أجمل من البدر، وقد ظنناك كالبدر. فظل: الفاء: حرف عطف، ظل: فعل ماضٍ ناقص. فؤادي: اسم ظل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل الياء، والياء: في محل جر مضاف إليه. "في هواك": متعلق بـ"مضلل" الآتي، و"هوا": مضاف والكاف: في محل جر مضاف إليه. مضللا: خبر ظل منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
موطن الشاهد: "دنوت كالبدر أجملا".
وجه الاستشهاد: حذف "من" التي تجر المفضول عليه مع مجرورها؛ لأن الأصل دنوت -وقد خلناك كالبدر- أجمل منه، وأفعل التفضيل -هنا- حال من الفاعل في دنوت، وجملة "وقد خلناك كالبدر": اعتراضية، وهذا على قلته قياسي.
2 القائل: هو أحيحة بن الجلاح الأوسي الصحابي، شاعر جاهلي من دهاة العرب وشجعانهم، قيل: إنه كان سيد يثرب وسيد الأوس، وكان كثير المال، له شعر بقي منه القليل مات نحو 130ق. هـ. =
390-
تروحي أجدر أن تقيلي1
أي: تروحي وائتي مكانا أجدر من غيره بأن تقيلي فيه.
= تجريد الأغاني: 1612، الأغاني: 13/ 115، خزانة الأدب: 2/ 23، الأعلام: 1/ 277.
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من الرجز، أو بيت من مشطوره، وبعده قوله:
غدا بجنبي بارد ظليل
…
ومشرب يشربها رسيل
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 103، والأشموني: 763/ 2/ 385، والمحتسب: 1/ 212، وأمالي ابن الشجري: 1/ 343، والعيني: 4/ 36.
المفردات الغريبة: تروحي: ارتفعي وطولي، من قولهم: تروح النبت إذا طال. أجدر: أحق وأحرى. تقيلي: من القيلولة؛ وهي الوقت الذي يشتد فيه الحر في منتصف النهار. هذا: وقد ظن بعضهم أن الشاعر يخاطب بهذا ناقته، وأنه يطلب منها الصبر على مشاق السير، وأن تقبل في وقت الظهيرة، لكن هذا لا يتناسب مع ما قبل البيت وبعده، فقبله قوله:
تأبري يا خيرة الفسيل
…
تأبري من حنذ فشولي
إذا ضن أهل النخل بالفحول
…
تروحي.......... البيت
المعنى: ارتفعي أيتها النخلة الصغيرة وطولي، وخذي مكانا أحرى من غيره بأن يزداد فيه نموك وازدهارك، بجنبي ماء بارد ومكان ظليل.
الإعراب: تروحي: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بياء المؤنثة المخاطبة، والياء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. أجدر: أفعل تفضيل صفة لمحذوف هو، وعامله المعطوف على تروحي؛ والتقدير: وخذي مكانا أجدر من غيره. أن: حرف مصدري ونصب. تقيلي: فعل مضارع منصوب بأن المصدرية، وعلامة نصبه حذف النون، والياء: في محل رفع فاعل، والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": مجرور بحرف جر محذوف، والتقدير: أجدر بقيلولتك، و"بقيلولتك": متعلق بـ"أجدر". غدا: متعلق بـ"تقيلي". "بجنبي": متعلق بـ"تقيلي" أيضا، وجنبي: مضاف. بارد: مضاف إليه، والأصل في بارد: أنها صفة لمحذوف؛ لأن التقدير: بمكان بارد فحذف الموصوف، وأقيمت مقامه. ظليل: صفة لـ"بارد" مجرورة.
موطن الشاهد: "أجدر أن تقيلي".
وجه الاستشهاد: حذف من الجارة للمفضول عليه مع مجرورها، فأصل الكلام: تروحي وأتي مكانا أجدر من غيره بأن تقيلي فيه كما ذكر المؤلف؛ واسم التفضيل -هنا- صفة لموصوف محذوف، وحكم هذا أنه قليل.
ويجب تقديم "من" ومجرورها عليه إن كان المجرور استفهاما1؛ نحو: "أنت ممن أفضل"2 أو مضافا إلى الاستفهام "أنت من غلام من أفضل"، وقد تتقدم في غير الاستفهام؛ كقوله3:[الطويل]
391-
فأسماء من تلك الظعينة أملح4
وهو ضرورة.
1 أي: تقديم "من" ومجرورها على "أفعل" وحده، دون الجملة كلها؛ وذلك لأن الاستفهام له الصدراة في الكلام.
2 الأصل: أنت أفضل ممن؟.
3 القائل هو: جرير بن عطية الشاعر الأموي؛ وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
إذا سايرت أسماء يوما ظعينة
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 103، والأشموني: 773/ 2/ 389، وابن عقيل: 284/ 3/ 186، والعيني: 4/ 52، وديوان جرير:107.
المفردات الغريبة: سايرت: سارت وصاحبت. ظعينة، الظعينة: الهودج كانت فيه امرأة أو لا، والجمع: ظعن وظعائن، وهي أيضا: المرأة ما دامت في الهودج، والمراد هنا: المرأة مطلقا. أملح: أحسن؛ من ملح كظرف.
المعنى: أن أسماء كلما سارت مع نسوة ظهر حسنها، وتفوقت على من يسايرنها في الحسن والملاحة.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه منصوب بجوابه مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. سايرت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. أسماء: فاعل مرفوع. "يوما": متعلق بـ"ساير". ظعينة: مفعول به لـ"سايرت"؛ وجملة "سايرت": في محل جر بالإضافة بعد "إذ". فأسماء: الفاء: واقعة في جواب الشرط، أسماء: مبتدأ مرفوع. من: حرف جر. تلك: تي: اسم إشارة في محل جر بـ"من"، واللام: للبعد والكاف: للخطاب، و"من تلك": متعلق بـ"أملح" الآتي. الظعينة: بدل من اسم الإشارة مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. أملح: خبر المبتدأ "أسماء" مرفوع، وجملة "المبتدأ وخبره": جواب شرط غير جازم، لا محل لها من الإعراب.
موطن الشاهد: "من تلك الظعينة أملح".
وجه الاستشهاد: تقدم من ومجرورها "من تلك الظعينة" على أفعل التفضيل "أملح" =
الحالة الثانية: أن يكون بأل؛ فيجب له حكمان؛
أحدهما: أن يكون مطابقا لموصوفه1؛ نحو: "زيد الأفضل"، و"هند الفضلى"، و"الزيدان الأفضلان"، و"الزيدون الأفضلون"، و"الهندات الفضليات"، أو "الفضل"2.
والثاني: ألا يؤتى معه بمن3؛ فأما قول الأعشى4: [السريع]
392-
ولست بالأكثر منهم حصى5
= في غير الاستفهام: وحكم هذا التقديم أنه شاذ أتى لضرورة الشعر. ومثل البيت الشاهد قول ذي الرمة:
ولا عيب فيها غير أن سريعها
…
قطوف وأن لا شيء منهن أكسل
وكذا قول أعرابي من طيئ:
وأشنب براق الثنايا غروبه
…
من البرد الوسمي أصفى وأبرد
انظر زهر الآداب "تحقيق محيي الدين عبد الحميد": 718.
1 أي: في التذكير والتأنيث، والإفراد وفروعه؛ وذلك لأن اقترانه بأل أضعف شبهه بأفعل في التعجب.
2 الفضل: جمع تكسير لفضلى. ويرجع في تأنيث اسم التفضيل وتكسيره إلى السماع. فقد لا يسمع ذلك كأظرف وأشرف، وعلى هذا فالمطابقة مقيدة بالسماع عن العرب.
3 لأن المفضل عليه غير مذكور؛ إذ تغني عنه "أل". و"من" و"أل" يتعاقبان ولا يجتمعان، فلا يقال: على الأفضل من محمد.
4 ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
وإنما العزة للكاثر
وهو من قصيدة يهجو فيها علقمة بن علاثة الصحابي، ويفضل عليه ابن عمه عامر بن الطفيل في المنافرة التي وقعت بينهما، وهي مشهورة.
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 104، والأشموني: 766/ 2/ 386، وابن عقيل: 280/ 3/ 180، ونوادر أبي زيد: 25، والخصائص: 1/ 185، 3/ 234، وشرح المفصل: 3/ 6، 6/ 100، 103، والخزانة: 3/ 489، والمغني: 974/ 744، والسيوطي: 305، وديوان الأعشى:106.
المفردات الغريبة: حصى؛ المراد: العدد من الأعوان والأنصار. العزة: القوة والغلبة. الكاثر: اسم فاعل، من كثرته أكثره من باب نصر، غلبته في الكثرة. =
فخرج على زيادة "أل" أو على أنها متعلقة بـ"أكثر" نكرة محذوفا مبدلا من "أكثر" المذكور.
الثالثة: أن يكون مضافا1، فإن كانت إضافته إلى نكرة؛ لزمه أمران؛ التذكير،
= المعنى: لست يا علقمة أكثر من عامر عددا وأعوانا وأنصارا، وإنما تكون الغلبة ويتم النصر لمن عنده جنود وأعوان ونصراء أكثر.
الإعراب: لست: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع اسم "ليس". بالأكثر: الباء: حرف جر زائد، لا محل له من الإعراب، الأكثر: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس. "منهم": متعلق بـ"الأكثر"؛ وعليه يكون قد جمع بين "أل" و"من" الداخلة على المفعول، خلافا لجماعة من النحاة. حصى: تمييز منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين. وإنما: الواو: عاطفة، إنما: أداة حصر. العزة: مبتدأ مرفوع. "للكاثر": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ.
موطن الشاهد: "بالأكثر منهم".
وجه الاستشهاد: يدل ظاهره على أن "من" لحقت أفعل التفضيل المحلى بأل، حيث دخلت على المفضول عليه علما أن اسم التفضيل معرف بأل، وهذا ممنوع، وقد خرجه المصنف، وذكر بعضهم أنه ضرورة، ومعلوم أن "من" تأتي مع أفعل التفضيل المنكر، وخرج الشاهد على واحد من ثلاثة أوجه:
الأول: أن "من" هذه ليست متعلقة بأفعل التفضيل المذكور، وإنما هي متعلقة بأفعل آخر منكر محذوف؛ والتقدير: ولست بالأكثر أكثر منه.
الثاني: أن "أل" هذه زائدة زيادتها في التمييز والحال ونحوهما، وعليه يكون أفعل التفضيل نكرة.
الثالث: أن "من" في البيت ليست متعلقة بالأكثر الذي هو أفعل التفضيل، وذهب أصحاب هذا المذهب إلى أحد قولين؛ أحدهما: أنها مع مجرورها متعلقان بـ"ليس" لما فيه من معنى الفعل "انتفى". ثانيهما: أنهما متعلقان بمحذوف يقع حالا من اسم ليس.
انظر المغني: 744.
1 الراجح أن تكون إضافته غير محضة، وقيل: محضة. ويشترط في هذه الحالة مطلقا، سواء أضيف لنكرة أو لمعرفة: ألا يقع بعد أفعل "من" الجارة للمفضول؛ فلا يصح: على أفضل المتسابقين من محمد. أما الجارة لغيره فتقع، تقول: محمد أقرب الناس مني. كما يشترط أن يكون المضاف بعضا من المضاف إليه عند إرادة التفضيل، فلا يصح محمد أفضل امرأة. فإن لم يقصد التفضيل جاز، نحو: يوسف أحسن إخوته، =
والتوحيد، كما يلزمان المجرد؛ لاستوائهما في التنكير1، ويلزم في المضاف إليه أن يطابق؛ نحو:"الزيدان أفضل رجلين" و"الزيدون أفضل رجال"، و"هند أفضل امرأة"، فأما {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} 2 فالتقدير: أول فريق كافر.
وإن كانت الإضافة إلى معرفة؛ فإن أول أفعل بما لا تفضيل فيه وجبت المطابقة؛ كقولهم: "الناقص والأشج أعدلا بني مروان"3؛ أي: عادلاهم، وإن كان على أصله من إفادة المفاضلة؛ جازت المطابقة؛ كقوله تعالى: {أَكَابِرَ
= والمراد بكونه بعضا من المضاف إليه: أن يكون "أفعل" جزءا والمضاف إليه كلا، نحو: الرأس أنفع الجسم. أو يكون "أفعل" فردا من أفراد كثيرة يشملها المضاف إليه، وينبغي حينئذ أن يكون المضاف إليه جنسا يندرج تحته أفراد كثيرة، نحو: الفرات أكبر الأنهار في سوريا.
1 ولكونهما على معنى "من". وإذا عطفت على المضاف النكرة مضافا إلى ضميرها؛ فقيل: يذكر الضمير أيضا، ويفرد على التوهم، تقول: محمد أفضل رجل وأعقله، وهند أكرم امرأة وأعقله، والمحمدان أكرم رجلين وأعقله
…
وهكذا.
وقيل: تجوز المطابقة، إن لم تكن واجبة، أو أولى. أما. إذا أضفت "أفعل" إلى معرفة فإنك تؤنث وتثني وتجمع وهو القياس. وأجاز سيبويه الإفراد تمسكا بقول الشاعر:
ومية أحسن الثقلين جيدا
…
وسالفة وأحسنه قذالا
أي أحسن من ذكر.
حاشية يس على التصريح: 2/ 104. الأشموني مع الصبان: 3/ 47.
2 2 سورة البقرة، الآية:41.
موطن الشاهد: {لا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} .
وجه الاستشهاد: إفراد "كافر" ومقتضى القاعدة: كافرين بالجمع؛ ليطابق الوانو في "تكونوا"؛ وتخريج ذلك: على حذف موصوف مطابق في المعنى، وهو فريق؛ لأنه جمع في المعنى، وقد أفرد "كافر" باعتبار لفظ فريق.
3 الناقص: هو يزيد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان؛ لقب بذلك لأنه نقص أرزاق الجند. والأشج: عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، ولقب بذلك لشجة كانت برأسه من ضرب دابة. وهذا مثال لما لا تفضيل فيه؛ لأنه لم يشاركهما أحد في بني مروان في العدل. ومثال ما يقصد به التفضيل المطلق على المضاف إليه وعلى غيره: محمد أفضل قريش.
مُجْرِمِيهَا} 1، {هُمْ أَرَاذِلُنَا} 2، وتركها كقوله تعالى:{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} 3، وهذا هو الغالب، وابن السراج4 يوجبه5، فإن قدر "أكابر": مفعولا ثانيا و"مجرميها": مفعولا أول؛ فيلزمه المطابقة في المجرد.
[ما يرفعه أفعل التفضيل] :
مسألة: يرفع أفعل التفضيل الضمير المستتر في كل لغة؛ نحو: "زيد أفضل"، والضمير المنفصل، والاسم الظاهر، في لغة قليلة؛ كـ"مررت برجل أفضل منه أبوه"، أو "أنت"6، ويطرد ذلك إذا حل محل الفعل، وذلك إذا سبقه نفي، وكان
1 6 سورة الأنعام، الآية:123.
موطن الشاهد: {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} .
وجه الاستشهاد: إضافة "أكابر" إلى مجرميها مع مطابقته لموصوفه المقدر؛ أي: قوما أكابر؛ ولو لم يطابق؛ لقيل: أكبر مجرميها.
التصريح: 2/ 105.
2 11 سورة هود، الآية:27.
موطن الشاهد: {هُمْ أَرَاذِلُنَا} .
وجه الاستشهاد: إضافة "أراذل" إلى "نا" مع مطابقته لموصوفه المقدر؛ كما في الآية السابقة؛ ولو لم يطابق؛ لقيل: أرذلنا.
التصريح: 2/ 105. في إعراب الآية الأولى أعاريب؛ أولاها: ما قاله الصبان: تفسير "جعلنا" بمكنا، "في كل قرية" ظرف لغو متعلق به "أكابر" مفعوله.
حاشية الصبان: 3/ 49.
3 2 سورة البقرة، الآية:96.
موطن الشاهد: {لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ} .
وجه الاستشهاد: ترك المطابقة بين المفعول الأول "هم"، واسم التفضيل "أحرص" المفعول الثاني؛ ولو طابق؛ لقيل: لتجدنهم أحرصي؛ وترك المطابقة، هو الغالب في الاستعمال، وابن السراج يوجبه، ويرده قوله تعالى:{أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} .
4 مرت ترجمته.
5 أي: يوجب ترك المطابقة، ويجعل "أفعل" فيه كالمجرد، ويلتزم فيه الإفراد والتذكير. ويرده:{أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} المتقدم.
6 لم يرفع اسم التفضيل الاسم الظاهر والضمير البارز باضطراد كاسم الفاعل؛ لأن شبه اسم التفضيل باسم الفاعل ضعيف، فهو في حال تجرده من "أل" والإضافة، أو في =
مرفوعه أجنبيا، مفضلا على نفسه باعتبارين؛ نحو:"ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد"، فإنه يجوز أن يقال:"ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد"؛ والأصل: أن يقع هذا الظاهر بين ضميرين؛ أولهما للموصوف، وثانيهما للظاهر، كما مثلنا، وقد يحذف الضمير الثاني، وتدخل "من" إما على الاسم الظاهر، أو على محله، أو على ذي المحل؛ فتقول:"من كحل عين زيد"، أو "من عين زيد"، أو "من زيد"؛ فتحذف مضافا، أو مضافين، وقد لا يؤتى بعد المرفوع بشيء؛ فتقول:"ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل"، وقالوا:"ما أحد أحسن به الجميل من زيد"، والأصل:"ما أحد أحسن به الجميل من حسن الجميل بزيد"، ثم إنهم أضافوا الجميل إلى زيد لملابسته إياه، ثم حذفوا المضاف؛ ومثله في المعنى:
لن ترى في الناس من رفيق
…
أولى به الفضل من الصديق1
= حال إضافته إلى النكرة يلزم الإفراد والتذكير، ولا يجوز تأنيثه، ولا تثنيته، ولا جمعه؛ فلما ضعفت منزلته عن منزلة اسم الفاعل بسبب ذلك، ولم يوجد ما يجبر هذا النقص -كأن يسوغ حلول فعل بمعناه في محله- فقد وجب ألا يعمل في كل ما يعمل فيه اسم الفاعل؛ ولو وجد جابر كما في مسألة الكحل عمل فيها.
انظر أوضح المسالك: 3/ 298.
1 هذا بيت من ألفية ابن مالك.
فوائد: 1- ينصب "أفعل" التفضيل: المفعول لأجله، والظرف، والحال وبقية المنصوبات ما عدا: المفعول المطلق، والمفعول معه. وفي المفعول به خلاف والرأي جوازه؛ لوروده، كقوله تعالى:{هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} . أما التمييز، فإن كان فاعلا في المعنى نصب بأفعل؛ نحو: الطبيب أكثر نفعا من المهندس. وإن لم يكن فاعلا، وكان "أفعل" مضافا صح نصبه؛ نحو: الحطيئة أكثر الشعراء هجاء.
2-
إذا كان "أفعل" التفضيل مصوغا من مصدر فعل متعدٍّ بحرف جر معين، عدي "أفعل" بذلك الحرف؛ نحو: كان عمر أشفق الناس على الرعية، وأزهدهم في الدنيا، وأسرع إلى إغاثة الملهوف. وإن كان من متعدٍّ بنفسه، فإن دل على علم تعدى بالباء؛ نحو: أنا أعلم بصديقي، وأدرى الناس بحالته. وإن دل على حب أبو بغض، أو ما في معناهما عدي باللام؛ إن كان مجرورها مفعولا به في المعنى، وما قبل "أفعل" هو الفاعل؛ نحو: المسلم أحب للخير من غيره، وأبغض لمخالفة دينه. وعدي بإلى؛ إن كان المجرور هو الفاعل في المعنى؛ نحو: المال أحب إلى البخيل من كل شيء. وإن دل على غير ذلك عدي باللام؛ نحو: محمد أنفع للجار، وإن كان فعله متعديا لاثنين عدي لأحدهما باللام، ونصب الآخر مفعولا به؛ نحو: محمد أعطى للمحتاجين الكثير من المال.
الأشموني مع حاشية الصبان: 3/ 56.
والأصل: "من ولاية الفضل بالصديق"، ثم "من فضل الصديق" ثم "من الصديق".
_________
هذا
باب النعت
1:
[أنواع التوابع] :
الأشياء التي تتبع ما قبلها في الإعراب2 خمسة3: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، والنسق، والبدل4.
1 ويسمى النعت أيضا: الصفة، والوصف.
2 سواء كان الإعراب لفظيا، أو تقديريا أو محليا. ومثل الإعراب: ما يشبهه من حركة عارصة لغير الإعراب؛ نحو: يا زيد الفاضل -بضم الفاضل على أنه تابع للمنادى على اللفظ.
3 دليل الحصر في الخمسة؛ أن التابع: إما أن يكون بواسطة حرف، وإما لا؛ فالذي يكون بواسطة حرف هو عطف النسق، والذي لا يكون بواسطة حرف؛ إما أن يكون له ألفاظ محصورة معروفة، وإما لا؛ فالذي لا يكون بواسطة حرف؛ وله ألفاظ محصورة معروفة، هو التوكيد؛ والذي لا يكون بواسطة حرف، وليس له ألفاظ محصورة؛ إما أن يكون بالمشق، أو ما في قوته؛ وهو النعت؛ وإما أن يكون بالجامد؛ وهو عطف البيان.
التصريح: 2/ 108.
4 اختلف في عامل التابع؛ فأما النعت، والتوكيد، وعطف البيان؛ فمذهب الجمهور: أن العامل في كل واحد منهما؛ هو نفس العامل في متبوعه، وينسب هذا القول إلى سيبويه؛ وهذا هو الرأي الراجح؛ وذهب الخليل، والأخفش: إلى أن العامل، في كل منها هو تبعيته لما قبله؛ وهي أمر معنوي. وأما البدل؛ فمذهب الجمهور أن العامل فيه محذوف مماثل للعامل في المبدل منه.
وذهب المبرد: إلى أن عامل البدل؛ هو العامل في المبدل منه، وينسب هذا القول إلى سيبويه؛ واختاره ابن مالك، وابن خروف؛ وذهب ابن عصفور: إلى أن العامل في البدل؛ هو العامل في المبدل منه؛ لكن على أنه نائب عن آخر محذوف، لا على استقلاله بذلك؛ فهو عامل في المبدل منه استقلالا، وفي البدل على سبيل النيابة؛ وأما عطف النسق؛ فمذهب الجمهور: أن العمل فيه؛ هو العامل في المعطوف عليه =
[تعريف النعت] :
فالنعت، عند الناظم، هو "التابع1 الذي يكمل متبوعه، بدلالته على معنى فيه2، أو فيما يتعلق به"3.
فخرج بقيد التكميل: النسق والبدل4، وبقيد الدلالة المذكورة: البيان
= لكنه عمل في المعطوف، بواسطة الحرف العاطف؛ وقال قوم: العامل في عطف النسق؛ هو حرف العطف؛ وقال قوم: العامل فيه محذوف.
التصريح: 2/ 108.
1 التابع: هو الاسم المشارك لما قبله، في إعرابه الحاصل والمتجدد، وليس خبرا. ومعنى قولنا:"الحاصل والمتجدد": أنه كلما تغير إعراب الاسم السابق، بسبب تغير التراكيب يتغير الاسم اللاحق بنفس التغير؛ فخرج بذلك: خبر المبتدأ؛ لأنه لو تغير المبتدأ بأن دخلت عليه إن أو إحدى أخواتها، لم يتغير الخبر بنفس تغيره، وخرج منه المفعول الثاني؛ لأنه لو تغير إعراب المفعول الأول، بأن صار نائب فاعل؛ لبناء الفعل للمجهول، لم يتغير المفعول الثاني كذلك؛ وخرج منه الحال المنصوب؛ لأنه لو تغير إعراب ذلك الاسم المنصوب؛ الذي هو صاحب الحال، إلى الرفع أو الجر لم يتغير معه إعراب الحال.
وقولنا: "وليس خبرا": مخرج للخبر الثاني، فيما إذا تعددت الأخبار؛ نحو:"الرمان حلو حامض" هذا، ولا يفصل بين التابع والمتبوع بأجنبي محض عنه ويجوز بمعمول الوصف؛ نحو قوله تعالى:{ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} ؛ وبمعمول الموصوف؛ نحو: يعجبني ضربك زيدًا الشديدُ؛ وبعامل المتبوع؛ نحو: المريض -أكرمت- الجريح؛ وبمعمول العامل؛ كقوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ} ؛ وبمفسر العامل؛ نحو؛ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} وبالاستثناء؛ وبالقسم؛ وبجوابه؛ كقوله تعالى: {بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} ؛ وبالاعتراض؛ كقوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}
…
إلخ. ولا يحوز تقديم التابع على المتبوع.
الأشموني وحاشية الصبان: 2/ 57.
2 هذا، إذا كان نعتا حقيقيا؛ وهو: ما يدل على معنى في نفس منعوته؛ أو ما هو في حكمه.
3 وذلك؛ إذا كان نعتا سببيا؛ وهو ما يدل على معنى في شيء بعده؛ له صلة وارتباط بالمتبوع.
4 لأنهما لم يقصد بهما أصلا تكميل متبوعهما، لا بإيضاح، ولا تخصيص.
والتوكيد1.
والمراد بالمكمل الموضح للمعرفة؛ كـ"جاء زيد التاجر" أو "التاجر أبوه"، والمخصص للنكرة؛ كـ"جاءني رجل تاجر" أو "تاجر أبوه"2.
1 لأنهما لا يدلان على صفة ومعنى في متبوعهما، ولا فيما يتعلق به؛ فإنهما عين متبوعهما فهما يكملان بالإيضاح ورفع الاحتمال.
2 الأصل في النعت: أن يكون للإيضاح، أو التخصيص؛ فالإيضاح:"هو رفع الاشتراك اللفظي الواقع في المعارف على سبيل الاتفاق"؛ ومعنى هذا: أنه قد يكون لك عدة أصدقاء؛ كل منهم يسمى خالدا؛ فإذا قيل لك: حضر خالد لم تدر أي الخالدين حضر؛ ولذا يلزمه أن يضيف إلى اسمه صفة توضحه لك، كأن يقول: حضر خالد الشاعر، وفسر بعضهم الإيضاح؛ بأنه: رفع الاحتمال في المعارف.
والتخصيص: "هو رفع الاشتراك المعنوي الواقع في النكرات بحسب الوضع"؛ ومعنى هذا: أن النكرة موضوعة للدلالة على فرد مبهم، من أفراد، يصدق لفظ النكرة، على كل واحد منهم؛ فرجل: يدل على واحد من أفراد الذكور البالغين، من بني آدم؛ فإذا قلت: زارنا رجل، لم يدر السامع أي أفراد هذا الجنس، قد زارك؛ لأن اللفظ بحسب وضعه، صالح للإطلاق على كل واحد منهم؛ وإذا قلت: جائني رجل عالم لم يتضح المراد اتضاحا كاملا؛ لكنه تخصص بالعالم.
وقد لا يكون للإيضاح والتخصيص؛ بل لأغراض أخرى؛ منها:
مجرد المدح؛ نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
مجرد الذم؛ نحو: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
التعميم؛ نحو: "إن الله يرزق عباده الطائعين والعاصين".
الترحم؛ نحو: "اللهم إني عبدك المسكين".
الإبهام؛ نحو: "تصدق بصدقة قليلة أو كثيرة".
التوكيد؛ نحو قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} .
انظر التصريح: 2/ 108-109، وهمع الهوامع: 2/ 116-117.
فائدة: يفسر النحاة قولهم في تعريف النعت: "المتمم لمتبوعه"؛ بأحد تفسيرين؛
الأول: أن معناه: المفيد لما يطلبه المتبوع بحسب المقام، واختار هذا التفسير الأشموني، هو شامل لكل المعاني التي يرد لها النعت من التخصيص، والتوضيح، والمدح، والذم، والترحم، والتعميم، والإبهام، والتوكيد، والتفصيل؛ فلا يرد عليه الاعتراض بأنه غير جامع.
وأما التفسير الثاني؛ فحاصله: أن معنى المتمم لمتبوعه: الموضح له في المعارف =
وهذا الحد غير شامل لأنواع النعت؛ فإن النعت قد يكون لمجرد المدح، كـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1، أو لمجرد الذم؛ نحو:"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"2، أو للترحم؛ نحو:"اللهم أنا عبدك المسكين"؛ أو للتوكيد، نحو:{نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} .
[وجوب اتباع النعت الحقيقي متبوعه في الإعراب وغيره] :
فصل: وتجب موافقة النعت لما قبله فيما هو موجود فيه من أوجه الإعراب الثلاثة، ومن التعريف والتنكير3.
= والمخصص له في النكرات؛ وهذا تفسير قاصر؛ لأنه لا يشمل ما يكون النعت فيه لغير التوضيح والتخصيص؛ من المدح، والذم، والترحم
…
إلخ؛ وهذا يعني أن تعريف النعت بهذه الصورة غير جامع؛ وكل تعريف غير جامع، يكون فاسدا؛ لخروج بعض أفراد المعرف عنه؛ وبهذا، اعترض المؤلف بعد ذكر هذا التفسير.
انظر الأشموني: 2/ 293، التصريح: 2/ 108-109.
1 1 سورة الفاتحة، الآية:2.
موطن الشاهد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "رب" صفة لـ"الله"؛ وقد أفادت الصفة مجرد المدح.
2 موطن الشاهد: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
وجه الاستشهاد: وقوع "الرجيم" صفة لـ"الشيطان" وقد أفادت الصفة مجرد الذم.
3 لأن المخالفة في ذلك تجعل الشيء معينا، وغير معين في وقت واحد، ويشترك في الموافقة فيما تقدم النعت مطلقا؛ حقيقيا، أو سببيا. وقد أجاز الأخفش نعت النكرة بالمعرفة؛ بشرط أن تكون النكرة مخصصة بوصف؛ ومثل بقوله تعالى:{فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} ؛ فجعل "الأوليان" المعرف بـ"أل" صفة لـ"آخران" مع أنه نكرة، وسوغ ذلك -عنده- كونه موصوفا بالجار والمجرور.
وأجاز ابن الطراوة نعت المعرفة بالنكرة، بشرط أن تكون النكرة، مما لا ينعت بها غير هذه المعرفة؛ كقول النابغة الذبياني:
فبت كأني ساورتني ضئيلة
…
من الرقش في أنيابها السم ناقع
فجعل "ناقع" صفة لـ"السم" مع أن السم معرفة، وناقع نكرة؛ وسوغ ذلك كون السم، لا يوصف إلا بناقع؛ فيقال: سم ناقع.
غير أن ما ذهب إليه الأخفش، وابن الطراوة غير مسلم لهما، وما مثلا به لا يلزم =
تقول: "جاءني زيد الفاضل" و"رأيت زيدا الفاضل" و"مررت بزيد الفاضل" و"جاءني رجل فاضل"، كذلك.
وأما الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث؛ فإن رفع الوصف ضمير الموصوف المستتر وافقه فيها1، كـ"جاءتني امرأة كريمة، ورجلان كريمان، ورجال كرام"، وكذلك "جاءتني امرأةٌ كريمةُ الأبِ" أو "كريمةٌ أبًا"2، و"جاءني رجلان كريما الأب"، أو "كريمان أبا"، و"جاءني رجالٌ كرامُ الأبِ" أو "كرامٌ أبًا"؛ لأن الوصف في ذلك كله رافع ضمير الموصوف المستتر3.
وإن رفع الظاهر أو الضمير البارز أُعطي حكم الفعل4؛ ولم يعتبر حال الموصوف.
= إعرابه كما زعما؛ لأنه يجوز إعراب "الأوليان" بدلا من "آخران"، أو خبرا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هما الأوليان؛ كما يجوز أن يعرب "ناقع" بدلا من "السم"؛ أو خبرا ثانيا له؛ والجار والمجرور خبرًا أول مقدما عليه؛ وقد استثنى كثير من النحاة الاسم المحلى بـ"أل" الجنسية؛ فإنه لقربه من النكرة، يجوز نعته بالنكرة؛ كما قالوا: إن جملة الفعل المضارع في محل جر صفة للمحلى بـ"أل" في قول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني
…
فمضيت ثمة قلت لا يعنيني
ومعلوم: أن الجملة نكرة؛ ومن لا يقر ذلك، يجعل جملة "يسبني": حالا من اللئيم المحلى بـ"أل" الجنسية، غير أن المعنى يأباه إلا بتكلف ظاهر.
انظر حاشية الصبان: 3/ 60-61.
1 وحينئذ، تكمل له الموافقة في أربعة من عشرة؛ وهذا هو النعت الحقيقي.
2 الوصف في هذا المثال، وما بعده، جار على غير من هو له؛ وقد حول الإسناد عن الظاهر إلى ضمير الموصوف، ويجر الظاهر؛ بالإضافة، إن كان معرفة، وينصب على التمييز، إن كان نكرة.
3 أي: أصالة، أو تحويلا، ولم يرفع السببي؛ وإذا كان النعت مما يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ كالمصدر غير الميمي، وصيغني "فعيل" و"فعول"، أو كان أفعل تفضيل -مجردا-، أو مضافا لنكرة، لم يطابق المنعوت في التأنيث، والتثنية، والجمع: بل يلزم الإفراد، والتذكير. وإذا كان صفة لجمع ما لا يعقل؛ عومل معاملة المؤنثة المفردة، أو الجمع؛ نحو:{أَيَّامًا مَعْدُودَةً} ، و {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} .
4 فيجرد من علامة التثنية، والجمع، على اللغة الفصحى، ويعتبر حالا مرفوعة في =
تقول: "مررت برجلٍ قائمةٍ أمهُ"، و"بامرأةٍ قائمٍ أبوها"، كما تقول:"قامت أمه"، و"قام أبوها"، و"مررت برجلين قائمٍ أبواهما"، كما تقول:"قام أبواهما"، ومن قال:"قاما أبواهما"1؛ قال: "قائمين أبواهما"2، وتقول: مررت برجالٍ قائمٍ آباؤهم"، كما تقول: "قامَ آباؤهم"، ومن قال: "قاموا آباؤهم"؛ قال "قائمين آباؤهم" وجمع التكسير أفصح من الإفراد3، كـ"قيامٍ آباؤهم".
[الأشياء التي ينعت بها أربعة] :
فصل: والأشياء التي ينعت بها أربعة:
أحدها: المشتق4، والمراد به ما دل على حدث وصاحبه؛ كـ"ضارب" و"مضروب"، و"حسن"، و"أفضل".
= التأنيث والتذكير؛ سواء أكان المنعوت كذلك، أم لا؛ وهذا هو النعت السببي، ولا يطابق منعوته إلا في اثنتين من خمسة؛ هما:
حركات الإعراب، والتعريف والتنكير.
1 أي: بلحاق علامة التثنية بالفعل المسند إلى المثنى؛ وهي لغة طيئ، وأزد شنوءة.
2 أي: بتثنية الوصف الرافع للسببي.
3 أي: إذا كان الوصف مسندا إلى سببي مجموع؛ جاز فيه الإفراد والتكسير على اللغة الفصحى؛ والتكسير أفصح، عند سيبويه. وقيل: إن كان النعت تابعا لجمع؛ فالتكسير أفصح للمشاكلة، وإن كان تابعا لمفرد، أو مثنى؛ فالإفراد أفصح.
التصريح: 2/ 110.
فائدة: قال الصبان -نقلا عن المغني
…
: يجوز مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين؛ وإن لزم استتار الضمير، في قاعدين، مع جريان الصفة، على غير من هي له؛ لأنه يفتقر في الثواني، ما لا يفتقر في الأوائل، ويمتنع: قائمين لا قاعد أبواه، على إعمال الثاني، للزوم ما ذكر في الأوائل.
حاشية الصبان: 3/ 61-62.
4 المراد بالمشتق: ما دل على حدث وصاحبه ممن اتصف به الفعل، أو قام به، أو وقع منه أو عليه، أو ما هو بمعنى أحدهما؛ فالذي اتصف بالفعل، أو قام به؛ هو اسم الفاعل، من اللازم؛ والذي وقع منه الفعل؛ هو اسم الفاعل من المتعدي؛ والذي وقع عليه الفعل: هو اسم المفعول. وما كان بمعنى اسم الفاعل: أمثلة المبالغة، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل. وما كان بمعنى اسم المفعول: هو صيغة "فعيل" بمعنى: =
الثاني: الجامد المشبه للمشتق في المعنى1، كاسم الإشارة2، و"ذي"3 بمعنى صاحب، وأسماء النسب، تقول:"مررت بزيد هذا" و"برجل ذي مال" و"برجل دمشقي" لأن معناها الحاضر، وصاحب مال، ومنسوب إلى دمشق4.
الثالث: الجملة؛ وللنعت بها ثلاثة شروط؛ شرط في المنعوت؛ وهو أن يكون
= "مفعول" وأفعل التفضيل، إذا كان فعله مبنيا للمجهول؛ وقلنا بجواز اشتقاقه منه؛ وعلى هذا، لا يشمل المشتق -هنا- ما أخذ من المصدر؛ للدلالة على زمان الفعل، أو مكانه، أو آلته -اسم الزمان واسم المكان واسم الآلة-؛ فهذه الثلاثة، لا ينعت بها. حاشية الصبان: 3/ 62.
1 بأن يفيد ما يفيده المشتق من المعنى؛ وهو المسمى بالمشتق تأويلا.
2 أي: الزمانية؛ مثل "هذا" وفروعه؛ وهي معارف، فلا تقع صفة إلا للمعرفة. أما اسم الإشارة المكانية؛ نحو:"هنا"، و"ثم" فلا تقع صفة بنفسها؛ ولكنها تتعلق بمحذوف، يكون هو الصفة؛ فيجوز القول: مررت برجل هنا؛ أي: كائن أو موجود هنا؛ ويقال من باب الاختصار: الظرف صفة.
انظر حاشية الصبان: 3/ 62.
3 ومثلها: فروعها؛ وهي: "ذوا، ذوي" للمثنى المذكر، و"ذوو، وذوي"؛ لجمع المذكر، و"ذات"؛ للمفردة المؤنثة، و"ذاتا، وذاتي"؛ للمثنى المؤنث، و"ذوات"؛ الجمع المؤنث، ولا تكون نعتا إلا لنكرة. ويوصف كذلك؛ للمثنى المؤنث، و"ذوات"؛ الجمع المؤنث، ولا تكون نعتا إلا لنكرة. ويوصف كذلك بـ"ذو" الموصولة وفروعها وسائر الموصولات الاسمية المبدوءة بـ"أل" كالذي والتي، و"أل" نفسها. أما "من" و"ما" ففي النعت بهما خلاف؛ والصواب جوازه.
ولما كانت الموصولات معرفة؛ وجب أن يكون منعوتها معرفة. ومن الجامد المشبه للمشتق: أسماء الأعداد؛ نحو: اشتريت الكتب الخمسة، ولفظ "أي": إذا أضيفت إلى نكرة تماثل المنعوت في المعنى؛ نحو: اتخذت صديقا أي صديق. ولفظ "كل أو جد أو حق"؛ إذا أضيف كل إلى اسم جنس يكمل معنى الموصوف؛ تقول: أنت الرجل كل الرجل، وهذا صديق جد وفيّ، وأنت الزميل حق الزميل. انظر التصريح: 2/ 111، وحاشية الصبان: 3/ 62
أي: فقد أفادت ما يفيده المشتق من المعنى، ولا يقتصر في النسب على المنسوب بالياء، بل يشمل على صيغة "فعال" أو "فاعل" أو غيرهما، كما سنرى في باب النسب. وينبغي أن يكون النسب مقصودا، وإلا بقي الاسم على جموده، فلا يقع نعتا؛ كمن اسمه: بدوي؛ أو مكي. ويصلح المنسوب نعتا للنكرة، والمعرفة بشرط المطابقة في ذلك؛ ومثل المنسوب المصغر.
التصريح: 2/ 111، وحاشية الصبان: 3/ 62-63.
نكرة إما لفظا ومعنى1 نحو: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} 2، أو معنى لا لفظا؛ وهو المعرف بأل الجنسية؛ كقوله3:[الكامل]
393-
ولقد أمر على اللئيم يسبني4
1 لأن الجملة -كما يقول الرضي: مؤولة بالنكرة، وإن كان يجري على الألسنة أنها نكرة؛ لأن التعريف والتنكير من خواص الأسماء. ويقول صاحب المفصل:"إنها نكرة بدليل وقوعها نعتا للنكرة"؛ والخلاف شكلي لا أثر له على الجوهر.
انظر التصريح: 2/ 111، والمفصل للزمخشري:115.
2 2 سورة البقرة، الآية:281.
موطن الشاهد: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "يوما" مفعولا به لـ"اتقوا" وهو نكرة لفظا؛ فوصف بجملة {تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} ؛ والتقدير: واتقوا يوما مرجوعا فيه إلى الله.
3 القائل: رجل من بني سلول.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 111، وابن عقيل: 286/ 3/ 196، وسيبويه: 1/ 416، والخصائص: 3/ 330، 332، ودلائل الإعجاز: 136، وأمالي ابن الشجري: 2/ 203، والخزانة: 1/ 173، 528، 2/ 161، والعيني: 4/ 58، والمغني: 151/ 138، 792/ 561، 1103/ 845، والسيوطي: 107، والهمع: 1/ 9، 2/ 140، والدرر: 1/ 4، 2/ 192.
المفردات الغريبة: اللئيم: الدنيء النفس، الخبيث الطباع. لا يعنيني: لا يقصدني، وهذا الرجل يصف نفسه بالحلم والوقار، وقبله قوله:
غضبان ممتلئا علي أهابه
…
إني وحقك سخطه يرضيني
المعنى: لقد أمر على اللئيم الذي ديدنه وطبعه الشتم والسب من غير مبرر، فأمضي ولا أهتم به ولا أجيبه بالمثل، أو أردعه احتقارا له؛ ولكن أقول في نفسي: إنه لا يقصدني بسبه وشتمه.
الإعراب: لقد: اللام موطئة للقسم، لا محل لها من الإعراب، قد: حرف تحقيق. أمر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل أنا. "على اللئيم": متعلق بـ"أمر". يسبني: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل، في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "يسبني": في محل جر صفة لـ"لئيم". فمضيت: الفاء حرف عطف، مضى فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله =
وشرطان في الجملة1:
أحدهما: أن تكون مشتملة على ضمير يربطها بالموصوف، إما ملفوظ به كما تقدم؛ أو مقدر؛ كقوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} 2؛ أي:
= بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل، في محل رفع فاعل. ثمت: ثم حرف عطف، والتاء: لتأنيث اللفظ. قلت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل. لا يعنيني: لا نافية، لا محل لها من الإعراب، يعني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء؛ للثقل، والنون: للوقاية، وياء المتكلم: في محل نصب مفعولا به؛ وجملة: "لا يعنيني": مقول القول في محل نصب مفعولا به.
موطن الشاهد: "اللئيم يسبني".
وجه الاستشهاد: وقوع جملة "يسبني": صفة للمعرفة "اللئيم"، وساغ ذلك؛ لكون "أل" جنسية؛ فمدخولها معرفة لفظا، نكرة معنى.
وزعم ابن عقيل: أنه يجوز في هذا البيت؛ أن تكون الجملة حالا، كما تأتي بعد المعرفة، غير أن معنى البيت، لا يوافق ذلك؛ وهذه المسألة خلافية، واختار ابن مالك في شرح التسهيل جواز كون الجملة صفة للاسم المقترن بأل الجنسية نظرا إلى معناه؛ لأن لفظه معرفة بسبب دخول "أل" عليه؛ ومعناه كمعنى النكرة؛ لأنه لا يقصد به فرد معين.
وذهب أبو حيان في "الارتشاف": إلى أنه لا يجوز أن تكون الجملة صفة للاسم المقترن بأل وعنده أن "أل" الجنسية كأل العهدية في كون مدخول كل منهما معرفة؛ وخلاصة القول: إن ابن مالك، نظر فيما اختاره إلى المعنى المراد بمصحوب "أل" الجنسية؛ وأن أبا حيان، نظر فيما اختاره إلى اللفظ.
انظر شرح التصريح: 2/ 111، وابن عقيل "ط. دار الفكر": مج 2/ 168-169.
1 بقي شرط للنكرة التي توصف بالجملة -لم يذكره المؤلف- وهو كون النكرة الموصوفة مذكورة في الكلام، ولا يجوز حذفها؛ إلا في الحالة التي سيذكرها المؤلف في حذف الموصوف؛ وهي أن تكون النكرة بعض اسم متقدم مجرور بمن أو بفي، وزعم قوم: أنه لا يشترط ذلك، بل يجوز أن تكون النكرة محذوفة.
انظر التصريح: 2/ 112.
2 2 سورة البقرة، الآية:123.
موطن الشاهد: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} .
وجه الاستشهاد: وقوع جملة {لا تَجْزِي نَفْسٌ} : في محل نصب صفة لـ"يوما"، وقد اشتملت هذه الجملة على ضمير مقدر يربطها بالموصوف؛ والتقدير: "لا تجزي =
لا تجزي فيه1.
والثاني: أن تكون خبرية؛ أي: محتملة للصدق والكذب؛ فلا يجوز "مررت برجل اضربْهُ"؛ ولا "بعبد بعتكه" قاصدا لإنشاء البيع2، فإن جاء ما ظاهره ذلك؛ يؤول على إضمار القول؛ كقوله3:[الرجز]
= فيه عن نفس شيئا"؛ كما أوضح المؤلف في "المتن". وانظر ابن عقيل "ط. دار الفكر": مج2: 170.
1 من الجمل التي تحتاج إلى رابط، يربطها بما تتصل به: جملة الصلة، وجملة الخبر، وجملة النعت؛ فأما جملة الخبر، فقد ذكر المؤلف في موضعه ما يربطها بالمبتدأ، كما ذكر أنه يجوز كون الضمير الرابط للمبتدأ بجملة الخبر محذوفا مقدرا، وذكر في باب الموصول ما يربط الصلة بالموصول؛ كما فصل القول في حذف هذا العائد مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا؛ ولم يفصل هذا التفصيل في رابط جملة الصفة بالموصوف؛ ولذا لا بد من معرفة الآتي:
أ- أن حذف الرابط من جملة الصلة أكثر من حذف الرابط من جملة الصفة، ومن جملة الخبر.
ب- وأن حذف الرابط من جملة الصفة كثير في ذاته، وحذفه من جملة الخبر قليل.
ج- وأن رابط جملة الصفة بالموصوف، قد يكون أصله -قبل الحذف- مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا بواحد من حرفين؛ وهما:"في" و"من".
فأما الذي أصله مجرور بـ"في"؛ فإنما يكون إذا كان الموصوف اسم زمان؛ ومن أمثلته؛ الآية الكريمة التي تلاها المؤلف: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} ، أي: لا تجزي فيه؛ فإن كان الموصوف غير ظرف الزمان؛ لم يجز حذف الرابط المجرور بـ"في"؛ نحو: رأيت رجلا رغبت فيه.
وأما الرابط المجرور بـ"من"؛ فقد يحذف والموصوف اسم زمان؛ نحو: هذا شهر صمت يوما مبارك؛ والتقدير: صمت يوما منه.
وقد يحذف، والموصوف غير اسم الزمان؛ نحو:"عندي بر إردب بدينارين"؛ أي: إردب منه بدينارين.
وانظر التصريح: 2/ 112.
2 أي: لا الإخبار به، وذلك؛ لأن النعت يقصد به توضيح المنعوت، أو تخصيصه؛ فلا بد من أن يكون معلوما عند السامع قبل، والإنشاء بنوعيه؛ الطلبي، وغير الطلبي ليس كذلك؛ لأنه لا خارج لمدلولهما إلا عند التلفظ بهما.
3 يُنسب البيت إلى العجاج، وينسب إلى غيره.
394-
جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط1
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من الرجز -أو بيت من مشطوره- وصدره قوله: حتى إذا جن الظلام واختلط
وكان هذا الراجز قد نزل بقوم فانتظروا عليه طويلا حتى جاء الليل بظلامه ثم جاءوه بلبن قليل، قد خلطوا به ماء كثيرا؛ حتى أصبح لونه يحاكي لون الذئب.
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 112، والأشموني: 778/ 2/ 396، وابن عقيل: 288/ 3/ 199، والكامل: 518، والمحتسب: 2/ 165، وأسرار البلاغة: 381، وأمالي ابن الشجري: 2/ 149، والمعاني الكبير: 204-399، وشرح المفصل: 3/ 53، والخزانة: 1/ 275، والمغني: 447/ 325، 994/ 761، والسيوطي: 214، والهمع: 2/ 117، والدرر: 2/ 148، وملحقات ديوان العجاج:81.
المفردات الغريبة: جن: دخل وستر. اختلط: امتزج ظلامه بالضياء. بمذق: هو مصدر بمعنى الممذوق؛ أي: المخلوط، من مذقت اللبن، إذا خلطته بالماء. قط: اسم للزمان الماضي.
المعنى: يذكر العجاج أن قوما أضافوه، وأطالوا عليه، حتى دخل الليل، ثم جاءوا بلبن مخلوط بالماء؛ حتى صار لونه في العشية، يشبه لون الذئب.
الإعراب: جاءوا: فعل ماضٍ مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف: للتفريق. "بمذق": متعلق بـ"جاء". هل: حرف استفهام، لا محل له من الإعراب. رأيت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. الذئب: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. قط: ظرف لما مضى من الزمان، مبني على الضم، في محل نصب بـ"رأى" وسكن لضرورة الوقف.
موطن الشاهد: "بمذق هل رأيت الذئب".
وجه الاستشهاد: ظاهر الكلام، يفيد وقوع الجملة الاستفهامية "هل رأيت
…
" صفة للنكرة: "مذق"، غير أن هذا الظاهر غير مراد؛ لأن جملة الاستفهام معمولة لقول محذوف؛ وهذا العامل المحذوف؛ هو الواقع صفة؛ لأن التقدير: جاءوا بمذق مقول عند رؤيته: هل رأيت الذئب قط؟ وقدر ابن عمرون الصفة المحذوفة، بقوله: "جاءوا بمذق مثل الذئب؛ هل رأيت الذئب قط؟؛ وزعم أن هذا أحسن من تقدير القول؛ لأن هذا المقدر، ورد مصرحا به نحو قولهم:"مررت برجل مثل الأسد؛ هل رأيت الأسد قط؟؛ وفي الحديث: "كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم، يا رسول الله؛ قال:"فإنها مثل شوك السعدان".
وانظر في هذه المسألة حاشية الصبان: 3/ 64. =
أي: جاءوا بلبن مخلوط بالماء مقول عنه رؤيته هذا الكلام.
الرابع: المصدر1، قالوا "هذا رجل عدل، ورضا، وزور، وفطر" وذلك، عند الكوفيين، على التأويل بالمشتق2؛ أي: عادل، ومرضي، وزائر، ومفطر، وعند البصريين على تقدير مضاف؛ أي: ذو كذا؛ ولهذا التزم إفراده وتذكيره3؛ كما يلتزمان لو صرح بذو3.
= وابن عقيل "ط. دار الفكر": مج2: 171-172.
والتصريح: 2/ 112-113.
1 شريطة أن يكون منكرا، وصريحا مؤولا، وأن يكون مصدر فعل ثلاثي، أو بزنته، وألا يبدأ بميم زائدة، وأن يلتزم صيغة واحدة؛ وهي الإفراد والتذكير غالبا؛ فلا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث -إلا ما سمع من ذلك- وهو في هذا كله مقصور على السماع؛ وإلى هذا أشار ابن مالك:
ونعتوا بمصدر كثيرا
…
فالتزموا الإفراد والتذكيرا
والمعنى: وصف العرب بالمصدر كثيرا، في أساليبهم، ولم يخرجوه عن صيغته الملازمة للإفراد والتذكير، ولو كان الموصوف غير مفرد وغير مذكر.
انظر التصريح: 2/ 113.
2 ذلك؛ لأنه لا يصح أن يكون اسم المعنى وصفا للذات. ويؤيد قولهم: ورود أساليب وقع فيها المصدر نعتا مع إضافته إلى معرفة؛ كقولهم: مررت برجل -حسبك من رجل، أو شرعك من رجل- أي: كافيك، وهمك من رجل؛ أي: مهمك، ونحوك من رجل؛ أي: مشابهك ومماثلك؛ وهذه المصادر، لم تكتسب التعريف من المضاف إليه؛ لأنها مؤولة بالمشق. ومن أمثلة المشتق -الذي لا يكتسب التعريف- قوله تعالى:{هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} ؛ فقد وصف "عارض" النكرة، بـ"ممطرنا" المضاف إلى الضمير؛ وخلاصة القول: أن الأصل في الوصف؛ هو الوصف بالمشتق؛ وأما الوصف بالمصدر؛ فهو خلاف الأصل؛ وهو مؤول بما يلي:
أ- أن المصدر الدال على الحدث أطلق، وأريد منه المشتق الدال على الذات؛ وهذا من باب إطلاق المعنى وإرادة محله؛ أو من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم.
ب- أنه على تقدير مضاف؛ وهو -على هذا- مجاز بالحذف.
ج- أنه على المبالغة. انظر تفصيل ذلك في التصريح: 2/ 113، وابن عقيل: مج2: 173، حا:"1".، وحاشية الصبان: 3/ 64-65.
3 لأن المصدر من حيث هو مصدر، لا يثنى، ولا يجمع، فأجروه على الأصل؛ للتنبيه على أن حقه ألا ينعت به؛ لجموده، وأنهم توسعوا فيه بالتأويل والحذف. التصريح: 2/ 113، ضياء السالك: 3/ 124.
[حكم تعدد النعوت والمنعوت] :
فصل: وإذا تعددت النعوت1: فإن اتحد معنى النعت؛ استُغني بالتثنية، والجمع عن تفريقه؛ نحو:"جاءني رجلان فاضلان" و"رجال فضلاء" وإن اختلف؛ وجب التفريق فيها بالعطف بالواو2؛ كقوله3: [الوافر]
395-
على ربعين مسلوب وبال4
1 وكان المنعوت دالا على متعدد، بأن كان مثنى أو مجموعا من غير تفريق.
2 أي: لا غير؛ لأن العطف بغيرها لا يفيد الترتيب في الفعل بل في حصول الوصفين أو الأوصاف للمنعوت، والترتيب في هذا غير وارد.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
بكيت وما بكا رجل حزين
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 114، وسيبويه: 1/ 214، والمقتضب: 2/ 291، والمقرب: 48، والمغني: 658/ 465، والسيوطي:262.
المفردات الغريبة: ربعين: مثنى ربع؛ وهو المنزل. مسلوب: ذاهب لم يبق له أي أثر. بال: ذهبت عينه، وبقيت آثاره ورسومه.
المعنى: بكيت من ألم الفراق والحزن على منزلين للأحبة؛ أحدهما ذهب ولم يبق له أثر ما، والثاني بلي، ولم يبق منه إلا الأطلال والرسوم؛ ولكن ماذا يفيد البكاء والحزن، على الآثار والأطلال؟!.
الإعراب: بكيت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. وما: الواو اعتراضية، لا محل لها من الإعراب. ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. بكا: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة، على الألف للتعذر، وهو مضاف. رجل: مضاف إليه مجرور. حزين: صفة لـ"رجل" مجرور، وعلامة جره الكسرة؛ وجملة "ما بكا رجل حزين": اعتراضية، لا محل لها. "على ربعين": متعلق بـ"بكيت". مسلوب: صفة لـ"ربعين" مجرور وعلامة جره الكسرة. وبال: الواو عاطفة، بال: اسم معطوف على مسلوب، مجرور مثله، وعلامة جره الكسرة المقدرة، على الياء المحذوفة -للتخلص من التقاء الساكنين- منع من ظهورها الثقل.
موطن الشاهد: "ربعين مسلوب "وبال". =
وقولك: "مررت برجال شاعر، وكاتب، وفقيه".
وإذا تعددت النعوت1، واتحد لفظ النعت؛ فإن اتحد معنى العامل وعمله؛ جاز الإتباع مطلقا2؛ كـ"جاء زيد وأتى عمرو الظريفان"، و"هذا زيد وذاك عمرو العاقلان"، و"رأيت زيدا وأبصرت خالدا الشاعرين"3، وخص بعضهم جواز الإتباع بكون المتبوعين فاعلي فعلين، أو خبري مبتدأين4.
وإن اختلفا في المعنى والعمل؛ كـ"جاء زيد ورأيت عمرا الفاضلين"؛ أو اختلف المعنى فقط؛ كـ"جاء زيد ومضى عمرو الكاتبان"، أو العمل فقط كـ"هذا مؤلم زيد وموجع عمرا الشاعران" وجب القطع5.
= وجه الاستشهاد: عطف "بال" على "مسلوب"؛ وهما صفتان، ولم يثنهما؛ لاختلافهما في المعنى.
1 أي: وكان المنعوت متعددا متفرقا.
2 سواء كان المتبوعان مرفوعين بفعلين؛ أو خبري مبتدأين؛ أو منصوبين؛ أو مجرورين. وبعضهم، يشترط -في هذه الحالة: اتفاق المنعوتين تعريفا وتنكيرا؛ لئلا تتبع المعرفة بالنكرة، أو العكس: كما يشترط: ألا يكون أول المنعوتين اسم إشارة؛ فلا يجوز: جاء هذا، وجاء محمد الشاعران: لأن نعت الإشارة، لا يفصل منه.
التصريح: 2/ 14.
3 ومثال المجرور: مررت بعلي، وجزت على خالد الكريمين.
4 ليس هنالك من سبب إلا أن سيبويه نص على هذين في كتابه؛ فتوهم الاختصاص بهما، والصحيح تعميم الحكم.
5 إما بالرفع على إضمار مبتدأ، أو بالنصب على إضمار فعل. ويمتنع الإتباع؛ لأنه يؤدي إلى تسليط عاملين مختلفي المعنى والعمل، على معمول واحد؛ لأن العامل في التابع؛ هو العامل في المتبوع؛ كما تقدم. وإن كان العامل واحدا؛ فإن اتحد عمله ونسبته؛ إلى المعمولين في المعنى "بأن تكون على جهة الفاعلية أو المفعولية مثلا" جاز الإتباع، والقطع بشرطه؛ نحو: حضر محمد وعلي الخطيبان. وإن اختلفا؛ نحو: ضرب محمد عليا الكريمان، أو اختلفت النسبة من دون العمل؛ نحو: أعطيت محمدا أباه الفاضلان، وجب القطع.
التصريح: 2/ 114.
[حكم تعدد النعوت لمنعوت واحد] :
فصل: وإذا تكررت النعوت لواحد؛ فإن تعين مسماه بدونها؛ جاز إتباعها، وقطعها، والجمع بينهما بشرط تقديم المتبع، وذلك؛ كقول خرنق1:[الكامل]
396-
لا يبعدن قومي الذين هم
…
سم العداة وآفة الجزر2
النازلون بكل معترك
…
والطيبون معاقد الأزر
1 هي: الخرنق بنت بدر بن مالك، من بني قيس بن ثعلبة؛ وهي أخت طرفة بن العبد لأمه، وزوج بشر بن عمرو بن مرثد سيد بني أسد؛ شاعرة جاهلية؛ لها في رثاء زوجها، ورثاء من قتل معه يوم قلاب شعر حسن؛ ولها في رثاء أخيها طرفة رثاء أيضا. ماتت نحو: 50ق. هـ. الخزانة: 2/ 306، سمط اللآلي: 780، أعلام النساء: 1/ 294، الأعلام: 2/ 303.
2 تخريج الشاهد: البيتان من قول الخزنق في رثاء زوجها، ومن قتل معه في يوم قلاب؛ أحد أيام العرب، وهو نسبة لجبل بديار بني أسد.
والبيتان من شواهد: التصريح: 2/ 114، والكتاب لسيبويه: 1/ 140، 246، 249، 288. والجمل للزجاجي: 82، والمحتسب: 2/ 198، وأمالي ابن الشجري: 1/ 244، والإنصاف: 1/ 468، 2/ 743، والخزانة: 1/ 301، والعيني: 3/ 602، 4/ 72، والهمع: 2/ 119، والدرر: 2/ 150.
المفردات الغريبة: لا يبعدن: دعاء خرج مخرج النهي؛ أي: لا يهلكن؛ من البعد بمعنى: الذهاب بالموت، أو الهلاك. ومن عادة العرب؛ إذا أرادوا الدعاء لشخص؛ يقولون له: لا تبعد، أو لا يبعد. وإذا أرادوا الدعاء عليه؛ قالوا: بعدت، أو بعدا لك؛ وفي التنزيل:{أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} العداة: جمع عاد -بمعنى العدو- أي: أنهم بمنزلة السم للأعداء، يقتلونهم بلا رحمة. آفة الجزر: الآفة "اسم لكل ما يؤذي، أو يهلك. والجزر: جمع جزور؛ وهي الإبل، يريد أنهم كرماء. معترك: موضع الاعتراك والقتال. معاقد: جمع معقد؛ وهو موضع عقد الإزار؛ والإزار: ما يشده الإنسان على وسطه، وكني بذلك، عن طهارتهم، وعفتهم عن الفحشاء.
المعنى: تدعو الشاعرة لقومها بالسلامة والنجاة، وتصفهم بالشجاعة وأنهم للأعداء بمنزلة السم، لا يبقون عليهم؛ وبالكرم فهم يفنون الإبل ذبحا للضيفان، وبالإقدام؛ فهم لا يجبنون عن القتل في كل معركة؛ وهم مع هذا شرفاء بعيدون عن الخنا والفحشاء.
الإعراب: لا يبعدن: لا حرف دعاء، لا محل له من الإعراب. يبعدن: فعل مضارع =
ويجوز فيه رفع "النازلين" و"الطيبين" على الإتباع لـ"قومي"، أو على القطع بإضمار "هم"، ونصبهما بإضمار "أمدح" أو "أذكر"، ورفع الأول ونصب الثاني على ما ذكرنا، وعكسه على القطع فيهما.
وإن لم يعرف إلا بمجموعها؛ وجب إتباعها كلها، لتنزيلها منه منزلة الشيء الواحد؛ وذلك، كقولك:"مررت بزيد التاجر الفقيه الكاتب"، إذا كان هذا الموصوف يشاركه في اسمه ثلاثة: أحدهم تاجر كاتب، والآخر تاجر فقيه، والآخر فقيه كاتب1.
= مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل جزم بـ"لا" الدعائية، ونون التوكيد حرف مبني على السكون، لا محل له من الإعراب. قومي: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء: في محل جر بالإضافة الذين: اسم موصول في محل رفع صفة لـ"قومي". هم: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. سم: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. العداة: مصاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وجملة "هم سم العداة": صلة للموصول، لا محل لها. وآفة: الواو عاطفة، آفة: اسم معطوف على سم، وهو مضاف. الجزر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. النازلون: صفة لـ"قومي" أو خبر لمبتدأ محذوف وجوبا؛ تقديره: هم النازلون؛ وعلى رواية "النازلين"، فهو: مفعول به لفعل محذوف وجوبا؛ تقديره: أمدح، أو: أعني النازلين. "بكل": متعلق بـ"النازلون"، وكل مضاف. معترك: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. والطيبون: الواو عاطفة، الطيبون: صفة لـ"قومي"؛ أو: خبر لمبتدأ محذوف وجوبا؛ كما في "النازلون"، وعلى رواية:"النازلين"؛ فهو: إما مفعول به لفعل محذوف وحوبا، أو معطوفا على "النازلين"؛ على رواية النصب. معاقد: منصوب على التشبيه بالمفعول به؛ لأن "الطيبون" صفة مشبهة، وهو مضاف. الأزر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "النازلون، الطيبون".
وجه الاستشهاد: مجيء كل من "النازلون" و"الطيبون": صفة لا يتوقف عليها تعيين الموصوف؛ ولهذا، يجوز فيهما الإتباع والقطع؛ كما بينا في الإعراب، وأوضحه المؤلف في المتن.
1 "فزيد" المقصود لا يتعين إلا بالنعوت الثلاثة؛ فيجب -حينئذ- إتباعها كلها.
وإن تعين ببعضها؛ جاز فيما عدا ذلك البعض الأوجه الثلاثة1.
وإن كان المنعوت نكرة تعين في الأول من نعوته الإتباع؛ وجاز في الباقي القطع؛ كقوله2: [المتقارب]
397-
ويأوي إلى نسوة عطل
…
وشعثا مراضيع مثل السعالي3
1 أي: الإتباع، والقطع، والجمع بينهما؛ بشرط تقديم المتبع، ووجب إتباع المفتقر إليه في التعيين.
2 القائل: هو أمية بن أبي عائذ الهذلي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: البيت في وصف صياد، يسعى لتحصيل قوت عياله؛ وهو من شواهد: التصريح: 2/ 117، والأشموني: 782/ 2/ 400، والعيني: 4/ 63، ومعاني الفراء: 1/ 108، وشرح المفصل: 2/ 18، والمقرب: 48، والخزانة: / 1/ 417، 2/ 301، وحاشية الدمنهوري على متن الكافي: 66، وشرح السكري: 507، وديوان الهذليين: 2/ 148.
المفردات الغريبة: يأوي، المراد: يرجع ويئوب، وأصله من أوى فلان إلى فلان؛ أي نزل عنده وسكن إليه، وفلان مأوى المساكين؛ أي: أنهم ينزلون عليه ويجدون -عنده- راحتهم. عطل: جمع عاطل؛ وهي المرأة التي خلا جيدها من الحلي. شعثا: جمع شعثاء، وهي المرأة السيئة الحال، الملبدة الشعر. مراضيع: جمع مرضع، وزيدت الياء للإشباع، أو جمع مرضاع، والياء منقلبة عن الألف، في المفرد: السعالي: جمع سعلاة؛ وهي أخبث الغيلان.
المعنى: أن هذا الصائد، يغيب عن منزله ونسائه، مدة للصيد، وسعيا وراء رزقه، ثم يعود إليه، فيجد نسوة بائسات، قد خلت أعناقهن، من الحلي، وتلبدت واغبرت شعورهن؛ وهن يرضعن أبناءهن، وتراهن في هذا المنظر القبيح، كأخبث الغيلان.
الإعراب: ويأوي: الواو عاطفة، يأوي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره هو. "إلى نسوة": متعلق بـ"يأوي". عطل: صفة لـ"نسوة" مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة. وشعثا: الواو عاطفة، شعثا: مفعول به لفعل محذوف؛ والتقدير: أعني شعثا، أو أصف، أو أذكر، أو نحو ذلك. مراضيع: صفة لـ"شعثا" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. مثل: صفة ثانية لـ"شعثا"، وهو مضاف. السعالي: مضاف إليه مجرور.
موطن الشاهد: "نسوة عطل وشعثا".
وجه الاستشهاد: جر "عطل" على الإتباع وجوبا؛ لأنه صفة للنكرة؛ وجواز الإتباع =
[ما يقصد بالقطع] :
وحقيقة القطع: أن يجعل النعت خبرا لمبتدأ؛ أو مفعولا لفعل.
فإن كان النعت المقطوع لمجرد مدح، أو ذم، أو ترحم، وجب حذف المبتدأ والفعل1؛ كقولهم:"الحمد لله الحميد" بالرفع بإضمار "هو"، وقوله تعالى:{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} 2 بالنصب بإضمار "أذم".
وإن كان لغير ذلك3 جاز ذكره، تقول:"مررت بزيد التاجر" بالأوجه الثلاثة، ولك أن تقول:"هو التاجر" و"أعني التاجر".
[جواز حذف المنعوت إن علم] :
فصل: ويجوز بكثرة حذف المنعوت إن علم، وكان النعت إما صالحا لمباشرة العامل؛ نحو:{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} 4؛ دروعا سابغات، أو بعض اسم مقدم
= والقطع في "شعثا"؛ لأنه روي مجرورا ومنصوبا؛ وفي هذا دلالة على أن نعوت النكرة يجب في أولها الإتباع، ويجوز في ما عداه الإتباع والقطع.
1 ليكون وجوب الحذف دليلا على قصد إنشاء المدح أو الذم أو الترحم.
2 111 سورة المسد، الآية:3.
موطن الشاهد: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "حمالة" مفعولا به لفعل محذوف وجوبا؛ تقديره: أذم حمالة الحطب؛ وجملة "أذم حمالة الحطب": اعتراضية، لا محل لها.
3 بأن كان للتوضيح، أو التخصيص، أو التعميم، أو التفصيل. واعلم أن النعت -إذا قطع-؛ خرج عن كونه نعتا، وتكون جملته مستنأنفة، لا محل لها؛ وجوز بعضهم كونها في محل نصب على الحال؛ والقاعدة فيما تقدم: أنك إذا أتبعت الأول؛ جاز لك في التالي الإتباع، والقطع بالرفع، أو بالنصب. وإن قطعت الأول بالرفع، أو بالنصب؛ وجب في التالي القطع كذلك، فإن قطعت الجميع؛ لم يلزم جعل التالي: كالأول؛ بل يجوز التوافق والتخالف.
التصريح: 2/ 117.
4 34 سورة سبأ، الآية:11.
موطن الشاهد: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} .
وجه الاستشهاد: حذف الموصوف "دروعا"؛ لأن الأصل: اعمل دروعا سابغات؛
مخفوض بمن أو في1.
فالأول؛ كقولهم: "منا ظعن ومنا أقام"؛ أي: منا فريق ظعن، ومنا فريق أقام2.
= فحذف الموصوف للعلم به، مع أن الصفة لا تختص بالموصوف؛ ولكن تقدم ذكر الحديد فأشعر به؛ وحكم حذف الموصوف -هنا- الجواز باتفاق.
1 أي: يحذف الموصوف جوازا أيا؛ إذا كانت الصفة جملة أو شبهها، وكان الموصوف مرفوعا -كما قال الفارسي- أو كان الموصوف بعضا -من اسم متقدم عليه- مجرورا بمن أو في.
التصريح: 2/ 118.
تنبيه: روى النحاة أبياتا من الشعر، وخرجوها على حذف الموصوف، وبقاء الصفة، وليس فيها أحد الشرطين اللذين ذكرهما المؤلف -تعبا لهم- غير أنهم حكموا بشذوذها؛ فمن ذلك قول الراجز:
مالك عندي غير سهم وحجر
…
وغير كبداء شديدة الوتر
ترمي بكفي كان من أرمى البشر
…
فالتقدير: ترمي بكفي رجل كان من أرمى البشر، إذا عدت "كان" زائدة؛ غير أن هذا الحذف للضرورة، كما ذكر الأشموني.
انظر حاشية الصبان: 3/ 70.
ومن الضرورة -أيضا- ما جاء في قول النابغة الذبياني:
كأنك من جمال بني أقيش
…
يقعقع بين رجليه بشن
كأنك جمل من جمال بني أقيش؛ فحذف الموصوف "جمل"، وأبقى الصفة "الجار والمجرور"؛ ويمكن تخريج هذا البيت على المطرد الشائع؛ ويكون تقدير الكلام: كأنك من جمال بني أقيش جمل يقعقع بين رجليه بشن؛ ليكون الموصوف بعض اسم مجرور بمن متقدم؛ ويكون "الجار والمجرور": حالا من الضمير، في "يقعقع"؛ وجملة "يقعقع": صفة لـ"جمل".
انظر حاشية الصبان: 3/ 71.
2 "فظعن وأقام" -جملتان في موضع رفع: نعتان لمنعوتين محذوفين: والمنعوتان: مرفوعان على الابتداء؛ وهما بعض اسم مقدم؛ وهو الضمير المجرور بمن. وهذا تقدير البصريين؛ ويقدر الكوفيون المحذوف اسما موصولا؛ أي: منا الذي ظعن، والذي أقام؛ وتقدير البصريين: أحسن وأقيس؛ لأن اتصال الموصول بالصلة أشد من اتصال الموصوف بصفته.
التصريح: 2/ 118.
والثاني؛ كقوله1: [الرجز]
398-
لو قلت ما في قومها لم تيثم
…
يفضلها في حسب وميسم2
أصله: "لو قلت ما في قومها أحد يفضلها لم تأثم"، فحذف الموصوف وهو "أحد"، وكسر حرف المضارعة من تأثم، وأبدل الهمزة ياء، وقدم جواب لو فاصلا بين الخبر المقدم؛ وهو الجار والمجرور، والمبتدأ المؤخر؛ وهو "أحد" المحذوف.
1 ينسب هذا البيت إلى الأسود الحماني، ويُنسب إلى حكيم الربعي -راجز إسلامي كان معاصرا للحجاج- والأسود الحماني نسبة إلى حمان بن عبد العزى من تميم، شاعر مقل.
الخزانة: 5/ 64، والجمهرة:220.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت يصف فيه الراجز امرأة.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 118، والأشموني: 783/ 2/ 400، وسيبويه: 1/ 375، والخصائص: 2/ 370، وشرح المفصل: 3/ 59، 61، والخزانة: 3/ 311، والعيني: 4/ 71، والهمع: 2/ 120، والدرر: 2/ 151.
المفردات الغريبة: لم تيثم: لم تأثم؛ أي: لم تقع في الإثم، وكسرت التاء على لغة، وقلبت الهمزة ياء؛ لسكونها إثر كسرة. يفضلها: يزيد عليها. حسب: كل ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه. ميسم: وسامة وحسن.
المعنى: لو قلت: إنه ليس في قوم هذه المرأة، أحد يفضلها، ويزيد عليها، في عراقة النسب والجمال؛ لم تكن كاذبا، في قولك.
الإعراب: لو: حرف شرط غير جازم، لا محل له من الإعراب. قلت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع فاعل. ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. "في قومها": متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف؛ والتقدير: ما في قومها أحد، وقوم مضاف، و"ها": مضاف إليه. يفضلها: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو، و"ها" في محل نصب مفعولا به. "في حسب": متعلق بقوله: "يفضل". وميسم: الواو عاطفة، ميسم: اسم معطوف على "حسب" مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وجملة "يفضلها في حسب وميسم": في محل رفع صفة لـ"المبتدأ" المحذوف.
موطن الشاهد: "ما في قومها يفضلها".
وجه الاستشهاد: حذف الموصوف "أحد" وبقيت الصفة؛ وهي جملة يفضلها؛ والأصل: لو قلت ما في قومها أحد يفضلها؛ وقد أوضح المصنف ذلك.
[جواز حذف النعت إن علم] :
ويجوز حذف النعت إن علم، كقوله تعالى:{يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} 1 أي: كل سفينة صالحة، وقول الشاعر2:[المتقارب]
399-
فلم أعط شيئا ولم أمنع3
1 18 سورة الكهف، الآية:79.
موطن الشاهد: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} .
وجه الاستشهاد: حذف الصفة للعلم بها؛ بقرينة قوله تعالى: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} ، وبقرينة أخرى؛ وهي أن الملك الغاصب، لا يأخذ ما لا نفع فيه؛ وتقدير الآية: يأخذ كل سفينة صالحة غصبا؛ وحكم حذف الصفة -هنا- الجواز.
2 الشاعر: هو العباس بن مرداس السلمي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وقد كنت في الحرب ذا تدرأ
والبيت من كلام العباس، يخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم حين وزع غنائم حنين؛ فأعطى قوما من أشراف العرب من المؤلفة قلوبهم؛ منهم أبو سفيان، ومعاوية ابنه، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن الفزاري. وأعطى العباس دون ما أعطى الواحد منهم؛ ففي ذلك يقول العباس:
أتجعل نهبي ونهب العبـ
…
ـيد بين عيينة والأقرع
وما كان حصن ولا قابس
…
يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرئ منهم
…
ومن تضع اليوم لا يرفع
العبيد: اسم فرسه. والنهب: الغنيمة.
والشاهد من شواهد التصريح: 2/ 119، والأشموني: 787/ 2/ 401، والعيني: 4/ 69، والهمع: 120، والدرر: 2/ 153، والمغني: 1062/ 818، والسيوطي:313.
المفردات الغريبة: ذا تدرأ: صاحب عدة وقوة في القتال ومحاربة الأعداء، والدرء: الدفع، والمدارأة: المدافعة.
المعنى: كنت في الحرب مجاهدا شجاعا، صاحب عدة وقوة لقهر الأعداء، وهزيمتهم؛ فلما وزعت الغنائم، لم أعط شيئا مناسبا لعملي؛ كما أعطي غيري، ولم أمنع نهائيا.
الإعراب: وقد: الواو عاطفة، قد حرف تحقيق. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء في =
أي: شيئا طائلا، وقوله1:[الوافر]
400-
مهفهفة لها فرع وجيد2
= محل رفع اسمه. "في الحرب": متعلق بـ"كان". ذا: خبر كان منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. تدرأ: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. فلم: الفاء عاطفة، لم: حرف نفي وجزم وقلب. أعط: فعل مضارع مجزوم مبني للمجهول، وعلامة جزمه الألف؛ ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا؛ وهو المفعول الأول، لـ"أعط". شيئا: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ وله صفة محذوفة يدل عليها الكلام، كما سنرى في موطن الشاهد ووجه الاستشهاد. ولم: الواو عاطفة، لم: حرف نفي وجزم وقلب. أمنع: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بـ"لم" وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر؛ لضرورة الروي، ونائب الفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره أنا.
موطن الشاهد: "فلم أعط شيئا".
وجه الاستشهاد: ذكر الموصوف "شيئا" وحذفت الصفة للعلم بها؛ لأن أصل الكلام: فلم أعط شيئا عظيما، أو نحو ذلك؛ لأن الكلام لا يستقيم من دون تقدير المحذوف؛ لأنه يكون مخالفا للواقع؛ فهو قد أُعطي بالفعل عطاء؛ غير أنه كان أقل مما كان يتوقع؛ وما يؤكد ذلك قوله:"ولم أمنع"؛ فلو كان لم يُعط شيئا مطلقا؛ لكان مُنع، وهو ينفي المنع، ويجوز أن يكون في قوله:"ولم أمنع" حذف للصفة والموصوف معا؛ لأن تقدير الكلام: فلم أعط شيئا عظيما ولم أمنع الشيء الحقير.
انظر هذه المسألة في حاشية الصبان: 3/ 71-72. والتصريح: 2/ 119.
1 القائل: هو المرقش الأكبر؛ واسمه: عمرو بن سعد بن مالك أحد بني بكر بن وائل، وقيل:"عوف" شاعر جاهلي، من المتيمين؛ له شعر جيد في أسماء بنت عمه، وكان يحسن الكتابة؛ اتصل بالحارث أبي شمر الغساني؛ فجعله كاتبه. مات نحو: 75ق. هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 210، وتجريد الأغاني: 752، الأغاني: 5/ 179، الخزانة: 3/ 515، الأعلام: 5/ 95.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ورب أسيلة الخدين بكر
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 119، والأشموني: 788/ 2/ 401، والعيني: 4/ 72، والمفضليات للضبي:224. =
أي: فرع فاحم وجيد طويل.
= المفردات الغريبة: أسيلة الخدين: ناعمتهما مع طول واسترسال. مهفهفة: ضامرة البطن خفيفة اللحم. فرع: شعر نام. جيد: عنق.
المعنى: يصف الشاعر هذه الفتاة بأن لها خدا ناعما طويلا، وجسما فيه ضمور بطن ودقة خصر، وشعر مسترسل فاحم، وعنق طويل.
الإعراب: رب: حرف جر شبيه بالزائد، يفيد التقليل. أسيلة: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا، على أنه مبتدأ، وهو مضاف. الخدين: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى. بكر: بدل أو عطف بيان من أسيلة الخدين. مهفهفة: صيغة لـ"أسيلة". "لها": متعلق بمحذوف خبر مقدم. فرع: مبتدأ مؤخر مرفوع. وجيد: الواو عاطفة، جيد: اسم معطوف على فرع مرفوع مثله. وجملة "المبتدأ وخبره": في محل رفع، أو جر صفة أخرى لـ"أسيلة".
موطن الشاهد: "لها فرع وجيد".
وجه الاستشهاد: حذف الوصفين للموصوفين: "فرع" و"جيد"؛ للدلالة مقام المجح على ذلك؛ لأن من غير المعقول أن يمدح الشاعر تلك الفتاة بأن لها شعرا وعنقا مطلقين؛ فكل إنسان له ذلك، وإنما أراد وصف الشعر بالطول والسواد والعنق بالطول على عادة العرب؛ فالتقدير -على الأغلب- لها فرع فاحم وجيد طويل؛ وما يؤكد هذا قول امرئ القيس واصفا الفرع بشدة السواد:
وفرع يزيد المتن أسود فاحم
…
أثيث كقنو النخلة المتعثكل
وقوله واصفا الجيد بالطول:
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحم
…
إذا هي نصته ولا بمعطل
تعقيبات وتوجيهات:
1-
قد يحذف النعت والمنعوت معا؛ إذا دلت القرينة عليهما، وهذا قليل؛ ومنه قوله تعالى في الأشقى:{ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} أي لا يحيى حياة نافعة؛ لأنه ليست هنالك واسطة بين الحياة والموت.
2-
هناك نعت يسمى: النعت الموطئ أو "الممهد"؛ وهو: أن يكون النعت جامدا، وغير مقصود لذاته، والمقصود ما بعده، وقد ذكر؛ ليكون توطئة وتمهيدا، للمشتق التالي له المقصود حقيقة؛ نحو: قابلت أخًا أخًا مخلصا حقا؛ فأخًا الثانية نعت موطئ غير مقصود، والمقصود ما بعده وهو مخلص.
3-
يجوز أن ينعت النعت؛ فتقول: هذا ورق أبيض ناصع البياض. وقد يقع قبل النعت المفرد: "لا" النافية أو "ما"، فيجب تكرار هذين الحرفين مع اقترانهما بالواو العاطفة؛ لما بعدهما على ما قبلهما؛ تقول: صاحب صديقا، لا بخيلا ولا مسرفا، واختر زميلا، إما شاعرا، وإما خطيبا.
............................................
4- إذا تعددت النعوت واتحدت أنواعها -بأن كانت مفردة- فيجوز تقديم بعضها على بعض، وكذلك إذا كانت جملا. أما إذا اختلفت؛ فالغالب تقديم المفرد على شبه الجملة؛ وهذا على الجملة؛ تقول: هذا طائر أليف على غصن يغرد بصوت حسن؛ ومنه قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} ومن غير الغالب؛ قوله سبحانه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} ، وهو فصيح، يجوز القياس عليه.
5-
إذا تكررت النعوت لمنعوت واحد؛ وكانت مفردة متحدة المعنى، لم يجز عطف أحدها على الآخر؛ نحو: هذا محمد الشجاع الفاتك؛ لأن العطف يقتضي المغايرة. وإن كانت مختلفة المعنى؛ جاز العطف في المفردات. بجميع حروف العطف ما عدا: "أم"، و"حتى". وفي الجمل خلاف؛ نحو: هذا طالب يعرف العربية ويتقن الإنجليزية، ويتعثر في الفرنسية.
6-
من الأسماء ما ينعت، وينعت به لاستيفائه شروط ذلك؛ كاسم الإشارة؛ تقول: مررت بمحمد هذا، وبهذا الشاعر، ولا يكون نعتا إلا لمعرفة؛ لأنه معرفة. وإذا وقع منعوتا؛ وجب أن يكون النعت مقرونا بأل. وإذا كان جامدا فالأحسن: اعتباره عطف بيان؛ ويجب أن يطابق منعوته، في الإفراد، والتذكير وفروعهما، والموصول، والإشارة. ومنها ما لا ينعت، ولا ينعت به، وذلك؛ كالمضمر، والمصدر الدال على الطلب، وكثير من الأسماء المتوغلة في الإبهام؛ كأسماء الشرط والاستفهام، و"كم" و"ما" التعجبية، وبعض الظروف المبهمة؛ كقبل وبعد؛ ويستثنى من ذلك "غير"، و"سوى"، و"من"، و"ما" النكرتان التامتان. ومنها ما ينعت، ولا ينعت به؛ كالأعلام: ومنها ما يقع نعتا، ولا يقع منعوتا، ومن ذلك "أي"؛ بشرط أن يكون المنعوت بها نكرة، و"كل" نحو: أنت الأمين كل الأمين؛ أي المتناهي في الأمالنة، و"جد" تقول؛ سمعت خطابا بليغا جد بليغ. وإذا صلح النعت لمباشرة العامل؛ جاز تقديمه، ويكون المنعوت بدلا منه؛ نحو قوله تعالى:{إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} .
حاشية الصبان: 2/ 72-73، النحو الوافي: 3/ 482-500.
هذا
باب التوكيد
1
[التوكيد المعنوي وألفاظه] :
وهو ضربان: لفظي وسيأتي، ومعنوي2؛ وله سبعة ألفاظ3.
[حكم التوكيد بالنفس والعين] :
الأول والثاني: النفس والعين4، ويؤكد بهما؛ لرفع المجاز عن الذات، تقول:"جاء الخليفة" فيحتمل أن الجائي خبره أو ثقله5، فإذا أكدت بالنفس أو بالعين أو بهما6؛ ارتفع ذلك الاحتمال.
ويجب اتصالهما بضمير مطابق للمؤكد، وأن يكون لفظهما طبقه في الإفراد
1 هو في الأصل: مصدر وكد، ثم استعمل في التابع المذكور؛ ويقال فيه: التأكيد، بقلب الواو همزة؛ والأول أشهر في استعمال النحاة.
2 هو التابع الذي يزيل عن متبوعه الشك، واحتمال إرادة غير معناه الحقيقي الظاهر، وعدم إرادة العموم والشمول.
3 لفظ سبعة غير دقيق؛ لأن المؤلف، ذكر ألفاظ التوكيد المعنوي المشهور استعمالها؛ ومعلوم أنه يوجد ألفاظ غيرها، تستعمل في التوكيد المعنوي، غير أنها ليست مشهورة. انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 120.
4 المراد بهما -النفس والعين: ذات الشيء، وحقيقته التي يتكون منها -ولو لم يكن في تركيبه نفس ولا عين-؛ ويختصان عن بقية ألفاظ التوكيد المعنوي، بجواز جرهما بالباء الزائدة؛ تقول: رأيت الرجل نفسه، أو بنفسه؛ وقابلت الموظف عينه، أو بعينه؛ والمجرور يكون في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب المتبوع. وإذا أكد معهما بكلمة "كل"، يحسن تأخير "كل" عنهما، كما سيتضح لاحقا.
انظر حاشية الصبان: 3/ 73-74. والتصريح: 2/ 120.
5 الثقل: واحد الأثقال، وبفتح الثاء والقاف: متاع المسافر وحشمه.
6 أي: معا من دون عطف. ويشترط تقديم النفس على العين.
والجمع1؛ وأما في التثنية: فالأصح جمعهما على أفعل2، ويترجح إفرادهما على تثنيتهما، عند الناظم، وغيره بعكس ذلك.
والألفاظ الباقية: كلا وكلتا للمثنى3، وكل وجميع وعامة لغيره4.
ويجب اتصالهن بضمير المؤكد؛ فليس منه: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} 5؛ خلافا لمن وهم6، ولا قراءة بعضهم:"إنا كلا فيها"7؛ خلافا
1 ينبغي أن يجمع النفس والعين جمع تكسير للقلة على "أفعل" لا غير؛ حين يكون المؤكد جمعا؛ مع إضافتهما لضمير الجمع. ولا يجوز أن يؤكد بهما مجموعين على نفوس وعيون على المختار.
2 فيقال: جاء المحمدان أنفسهما أو أعينهما؛ ويجوز إفرادهما وتثنيتهما؛ فيقال: نفسهما وعينهما، أو: نفساهما، وعيناهما، ولا بد من إضافتهما إلى ضمير المثنى؛ ليطابق المؤكد.
3 أي: ولو على سبيل التفريق؛ نحو: فاز محمد وعلي كلاهما؛ بشرط اتحاد العامل. ويقصد بهما: إزالة الاحتمال والمجاز عن التثنية، وإثبات أنها هي المقصودة.
4 أي: لغير المثنى؛ وهو الجمع مطلقا، والمفرد بشرط أن يتجزأ بنفسه، أبو بعامله؛ نحو: نجح الطلبة كلهم أو جميعهم أو عامتهم، واشتريت الدابة كلها، أو جميعها، أو عامتها.
5 2 سورة البقرة، الآية:29.
موطن الشاهد: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} .
وجه الاستشهاد: عدم وقوع "جميعا" توكيدا في هذه الآية؛ لعدم اتصاله بالضمير؛ لأنه لو كان توكيدا؛ لجاء "جميعه" على أن التوكيد بجميع غريب -كما سيأتي- فلا يحمل التنزيل عليه. التصريح: 2/ 122.
6 هو ابن عقيل؛ أحد شراح الألفية؛ فإنه أعرب "جميعا": توكيدا لـ"ما" الموصولة الواقعة مفعولا "لخلق"، ولو كان كذلك لقيل جميعه، ثم التوكيد بجميع قليل فلا يحمل عليه التنزيل. مغني اللبيب: 662، التصريح: 2/ 122.
7 أوجه القراءات: قرأ الجمهور: {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} ، برفع "كل"، وقرأ بعض القراء:"إنا كلا" بنصب "كلا" على أنها بدل من اسم "إن" على الصحيح. انظر التصريح: 2/ 123.
موطن الشاهد: "إنا كلا فيها".
وجه الاستشهاد: عدم مجيء "كلا" توكيدا لـ"نا" الواقع اسما لـ"إن"؛ لأنه لم يتصل بها الضمير، وإنما هي بدل من اسم "إن" على الصحيح؛ و"جميعا" في الآية السابقة: في محل نصب على الحال من "ما" الموصولة.
للفراء والزمخشري1؛ بل "جميعا" حال2، و"كلا" بدل3، ويجوز كونه حالا من ضمير الظرف4
ويؤكد بهن؛ لرفع احتمال تقدير بعض مضاف إلى متبوعهن؛ فمن ثم جاز "جاءني الزيدان كلاهما" و"المرأتان كلتاهما"؛ لجواز أن يكون الأصل: جاء أحد الزيدين أو إحدى المرأتين؛ كما قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} 5، بتقدير يخرج من أحدهما6، وامتنع على الأصح:"اختصم الزيدان كلاهما"، و"الهندان كلتاهما"؛ لامتناع التقدير المذكور7، وجاز "جاء القوم كلهم"،
1 مرت ترجمة لكل منهما.
2 أي: من "ما" الموصولة، ومعناها: مجتمعا، وخلق: بمعنى قدر خلق ذلك في علمه، فلا يرد أن الحالية، تقتضي وقوع الخلق، على ما في الأرض، في حالة الاجتماع، وليس كذلك.
حاشية يس على التصريح: 2/ 123.
3 أي: بدل "كل" من اسم "إن"؛ وهو لا يحتاج إلى ضمير.
4 أي: من ضمير الاستقرار المرفوع في "فيها"؛ وفيه ضعفان؛ تقدم الحال على عامله الظرفي، وتنكير "كل"، بقطعها عن الإضافة لفظا ومعنى؛ والحال واجبة التنكير. قيل: وقد يُستغنى عن الإضافة إلى الضمير بالإضافة إلى مثل ظاهر المؤكد بكل؛ ومنه قول كثير:
كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركمو
…
يا أشبه الناس كل الناس بالقمر
مغني اللبيب: 256.
5 55 سورة الرحمن، الآية:22.
موطن الشاهد: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} .
وجه الاستشهاد: وقوع المثنى "منهما"؛ وإرادة الواحد به؛ وهو البحر الملح.
6 أي: وهو البحر الملح؛ لأن العذب، ليس فيه ذلك. واللؤلؤ: كبار الدر. والمرجان: صغاره. التصريح: 2/ 123.
7 لأن التخاصم، لا يتحقق معناه إلا بوقوعه من اثنين حتما؛ فلا فائدة من التوكيد هنا؛ ومثله: كل ما يدل على المفاعلة، والمشاركة؛ نحو: تقاتل، وتحارب؛ وهذا رأي الأخفش، ومن تبعه. وأجاز الجمهور مثل ذلك -على ما فيه من ضعف بلاغي-؛ لأن التوكيد، قد يكون للتقوية؛ لا لرفع الاحتمال.
التصريح: 2/ 123، وحاشية الصبان: 3/ 75.
و"اشتريت العبد كله"، وامتنع "جاء زيد كله"1.
[التوكيد بـ"جميع"] :
والتوكيد بجميع غريب، ومنه قول امرأة:[مجزوء الرجز]
401-
فداك حي خولان
…
جميعهم وهمدان2
1 لعدم الفائدة من التوكيد؛ لأنه يستحيل نسبة المجيء إلى جزئه.
2 تخريج الشاهد: البيت: قالته امرأة أعرابية ترقص به ولدها وبعده:
وكل آل قحطان
…
والأكرمون عدنان
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 123، والعيني: 4/ 91، والهمع: 2/ 123، والدرر: 2/ 155.
المفردات الغريبة: فداك؛ الفداء بالمد والقصر: ما يُعطى من مال ونحوه عوضا عن المفدى؛ والمراد هنا: الدعاء والثناء. خولان وهمدان: قبيلتان من قبائل اليمن. قحطان: أبو العرب اليمانية. عدنان: أبو عرب الحجاز.
المعنى: تخاطب تلك المرأة طفلها -وهي تداعبه- قائلة: تفديك قبيلتا خولان وهمدان جميعهما؛ وهذا كقول القائل: فداك أبي وأمي؛ ونحو ذلك.
الإعراب: فداك: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة. حي: خبر المبتدأ مرفوع، وهو مضاف. خولان: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف، وسكن لضرورة الوقف. جميعهم: توكيد لـ"حي خولان"، و"هم" في محل جر مضاف إليه. وهمدان: الواو حرف عطف، همدان: اسم معطوف على حي خولان.
موطن الشاهد: "جميعهم".
وجه الاستشهاد: مجيء هذا اللفظ توكيدا للخبر، أو للفاعل إن حركنا الفاء بالفتح؛ وهو بمنزلة كل في المعنى والاستعمال، ويقصد به رفع احتمال التجوز بإرادة البعض، وإطلاق اسم الكل عليه.
فائدة: قد يأتي لفظ "جميع" بمعنى: مجتمع؛ أي: ضد متفرق، فلا يفيد توكيدا، كقول الشاعر:
نهيتك عن هذا وأنت جميع
انظر ضياء السالك 3/ 141.
[التوكيد بـ"عامة"] :
وكذلك التوكيد بعامة، والتاء فيها بمنزلتها في النافلة؛ فتصلح مع المؤنث والمذكر1؛ فتقول "اشتريت العبد عامته"، كما قال الله تعالى:{وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} 2.
[جواز تقوية التوكيد بـ"أجمع وجمعاء"] :
فصل: ويجوز، إذا أريد تقوية التوكيد، أن تتبع كله بأجمع، وكلها بجمعاء، وكلهم بأجمعين، وكلهن بجمع؛ قال الله تعالى:{فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} 3.
1 قال ابن مالك في الألفية:
واستعملوا أيضا ككل فاعله
من "عم" في التوكيد مثل النافله
فقد ذكر ابن هشام -هنا- أن المراد بهذا التشبيه، أن التاء في "عامة" مثل التاء في لفظ "نافلة" يؤتى بها مع المذكر، ومع المؤنث، وليس ذكره استدراكا على النحاة. فقد ذكر ابن الناظم في شرحه على الألفية؛ أن قوله:"مثل النافلة؛ معناه: أن ذكر هذا اللفظ -في هذا الباب- زائدة على ما ذكره النحاة؛ فإن أكثرهم أغفل ذكره؛ فكما أن النافلة زيادة على ما فرضه الله تعالى على عباده، يكون ذكر لفظ "عامة" في ألفاظ التوكيد، زيادة، على ما ذكره النحاة، من ألفاظه.
هذا، واعتبار لفظ "عامة"؛ بمعنى: جميع، ومجيئه توكيدا؛ هو مذهب سيبويه؛ وذهب المبرد إلى أن معنى "عامتهم" في مثل: جاء القوم عامتهم؛ أكثرهم لا جميعهم؛ وعلى هذا يكون بدل بعض من كل لا للتعميم؛ كما يرى سيبويه.
التصريح: 2/ 124. كتاب سيبويه: 1/ 376-377.
2 21 سورة الأنبياء، الآية:72.
موطن الشاهد: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} .
وجه الاستشهاد: استشهد بالآية الكريمة على أن "عامة" لفظ يشبه "نافلة" في الوزن، ولزوم التاء في الأحوال كلها؛ تذكيرا، وتأنيثا، وإفرادا
…
3 15 سورة الحجر، الآية:30.
موطن الشاهد: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "كلهم" توكيدا، و"أجمعون" توكيدا ثانيا؛ جيء به؛ لتقوية التوكيد الأول.
وقد يؤكد بهن وإن لم يتقدم كل1؛ نحو: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 2، {لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} 3، ولا يجوز تثنية أجمع ولا جمعاء استغناء بكلام وكلتا4، كما استغنوا بتثنية سي عن تثنية سواء5؛ وأجاز الكوفيون والأخفش ذلك؛ فتقول "جاءني الزيدان أجمعان" و"الهندان جمعاوان".
وإذا لم يفد توكيد النكرة لم يجز باتفاق6، وإن أفاد جاز، عند الكوفيين، وهو الصحيح، وتحصل الفائدة بأن يكون المؤكد محدودا والتوكيد من ألفاظ
1 وفي هذه الحالة؛ يجوز إعراب "أجمعين" وأخواتها: حالا؛ ولكن المعنى يختلف عن إعرابها توكيدا؛ فإن معناها -على الحال- يكون: مجتمعين؛ أي: في حال اجتماعهم، وعدم تفرقهم. وعلى التوكيد؛ يكون معناها: الشمول، والإحاطة، وينبغي ملاحظة ذلك عند الإعراب.
2 38 سورة ص، الآية:82.
موطن الشاهد: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أجمعين" توكيدا لـ"هم" الواقع مفعولا به؛ وحكم وقوع "أجمعين" توكيدا من دون أن يسبق بـ"كل" الجواز باتفاق.
3 15 سورة الحجر، الآية:43.
موطن الشاهد: {لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أجمعون" توكيدا لـ"هم" الواقع في محل جر بالإضافة؛ وحكم وقوع "أجمعين" توكيدا من دون أن يسبق بـ"كل" الجواز، كما في الآية السابقة.
4 قيل: إنما يصح الاستغناء بذلك؛ إذا قصد شمول الأفراد؛ أما إذا قصد شمول أجزاء الأفراد -كما في اشتريت المنزلين أو الحديقتين- فإن "كلا" و"كلتا" لا تفيده.
5 فقالوا: سيان، ولم يقولوا: سواءان؛ وهذا رأي جمهور البصريين.
هذا، وإذا تكررت ألفاظ التوكيد؛ فهي للمتبوع، وليس الثاني توكيدا للتوكيد. ولا يجوز فيها القطع، ولا عطف بعضها على بعض؛ وهي كلها معارف إما بالإضافة، إلى الضمير؛ نحو: كلهم، وإما بالعلمية؛ نحو: أجمعون، ومن ثم امتنع نصب شيء منها على الحال.
6 لأن الغرض من التوكيد إزالة اللبس؛ وألفاظه معارف، والنكرة تدل، على الإبهام والشيوع؛ فهما متعارضان تعريفا وتنكيرا.
الإحاطة؛ كـ"اعتكفت أسبوعا كله"، وقوله1:[البسيط]
402-
يا ليت عدة حول كله رجب2
1 القائل: هو عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي، أحد بني خزيمة بن صاهلة وأحد شعراء العصر الأموي.
له ترجمة في شرح أشعار الهذليين للسكري: 909.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
لكنه شاقه أن قيل ذا رجب
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 125، وشذور الذهب: 228/ 556، والقطر: 138/ 397، والأشموني: 793/ 2/ 407، والعيني: 4/ 96، والإنصاف: 1/ 451، وشرح المفصل: 3/ 35، وأشعار الهذليين:91.
المفردات الغريبة: شاقه: أعجبه وهاجه، أو بعث الشوق في نفسه. والشوق: تموع النفس إلى الشيء. الحول: العام.
المعنى: يقول الشاعر: إنه أعجبه وبعث الشوق في نفسه حين قيل: هذا الشهر رجب، وتمنى أن تكون شهور العام كلها "رجب" لما يجد فيه من الخير والأنس.
الإعراب: لكنه: حرف مشبه بالفعل، والهاء ضمير متصل مبني على الضم، في محل نصب اسمه. شاقه: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والهاء ضمير متصل، مبني على الضم، في محل نصب مفعولا به. أن: حرف مصدري. قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول. ذا: اسم إشارة مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ. رجب: خبر مرفوع. وجملة "شاقه رجب": في محل رفع خبر "لكن". وجملة "ذا رجب": في محل رفع نائب فاعل لـ"قيل"؛ والمصدر المؤول من "أن المصدرية وما دخلت عليه": في محل رفع فاعل "شاق". يا: حرف تنبيه. ليت: حرف مشبه بالفعل. عدة: اسم "ليت" منصوب، وهو مضاف. حول: مضاف إليه. كله: توكيد لـ"حول" مجرور، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. رجب: خبر ليت مرفوع -على رواية الرفع في رجب.
ورأى بعضهم أن "رجبا" -بالنصب وليس بالرفع- وعليها فإما أن يكون الشاهد، قد جرى على اللغة الضعيفة التي تنصب بـ"ليت" وأخواتها الجزأين؛ وإما أن يكون "رجبا" مفعولا به لفعل محذوف تقع جملته خبرا لـ"ليت"؛ والتقدير: يا ليت عدة حول كله تشبه رجبا؛ والأول أفضل؛ غير أن البيت من قصيدة منصوبة الروي؛ ومطلعها:
يا للرجال ليوم الأربعاء أما
…
ينفك يحدث لي بعد النهى طربا
موطن الشاهد: "حول كله".
وجه الاستشهاد: توكيد النكرة "حول" على رأي الكوفيين؛ لكونها محدودة؛ لأن العامة معلوم الأول والآخر؛ ولفظ التوكيد "كله" من الألفاظ الدالة على الإحاطة؛ وهذا مذهب الكوفيين، وهو ما ارتضاه ابن مالك.
ومن أنشد "شهر" مكان حول فقد حرفه1، ولا يجوز "صمت زمنا كله"2، ولا "شهرا نفسه"3.
[توكيد الضمير بالنفس أو بالعين] :
فصل: وإذا أكد ضمير مرفوع متصل4، بالنفس أو بالعين؛ وجب توكيده أولا بالضمير المنفصل5؛ نحو "قوموا أنتم أنفسكم"، بخلاف "قام الزيدون أنفسهم" فيمتنع الضمير6، وبخلاف "ضربتهم أنفسهم"، و"مررت بهم أنفسهم"، و"قاموا كلهم"، فالضمير جائز لا واجب7.
1 لأنه يفسد المعنى؛ إذ لا يتصور أن يتمنى أن يكون الشهر كله رجبا؛ فإن الشهر، لا يكون بعضه رجبا، وبعضه غير رجب؛ حتى يتمنى أن يكون كله رجبا.
2 لأن النكرة غير محدودة الوقت، ولا معلومة المقدار.
3 لأن لفظ التوكيد، ليس من ألفاظ الإحاطة والشمول.
4 سواء أكان بارزا؛ كما مثل المصنف، أم مستترا؛ نحو: محمد حضر هو نفسه.
5 لوقوع اللبس -أحيانا- في مثل: هند خرجت نفسها، أو ذهبت عينها؛ إذ يحتمل أن المراد: هو خروج نفسها؛ التي بها حياتها، وذهاب عينها؛ التي تبصر بها؛ فإذا جاء الفاصل، منع هذا الاحتمال؛ ويعرب الضمير المنفصل توكيدا لفظيا للضمير السالف؛ وقيل: إن الشرط مطلق فاصل، ولو غير ضمير؛ نحو؛ قوموا في الدار أنفسكم، ولكن الفصل بالضمير المنفصل أحسن وأفصح.
التصريح: 2/ 126، وكتاب سيبويه: 2/ 379.
6 لأن المؤكد؛ وهو: "الزيدون" ليس ضميرا متصلا، وإنما هو اسم ظاهر، والضمير لا يؤكد الظاهر؛ فإن الظاهر أقوى منه؛ لأنه لا يحتاج إلى مرجع يفسره.
7 لأن الضمير المؤكد في الأولين، ليس مرفوعا، فهو منصوب المحل على المفعولية في الأول، ومجرور المحل بالباء، في الثاني؛ فلا يلزم توكيده بالضمير المنفصل، قبل توكيده بالنفس أو بالعين؛ ومع هذا يجوز توكيده بالضمير. تقول: ضربتهم هم أنفسهم، ومررت بهم هم أنفسهم، ويجوز بغير توكيد بالضمير. والتوكيد في الثالث بغير النفس والعين. أما توكيد الضمير المرفوع المنفصل بالنفس أو بالعين؛ فحكمه حكم توكيد الاسم الظاهر بهما؛ لا يحتاج إلى فاصل. تقول: أنت نفسك حضرت، وأنتما أنفسكما سافرتما، وأنتم أنفسكم امتنعتم عن الإجابة
…
إلخ.
التصريح: 2/ 125-126، وضياء السالك: 3/ 146.
[التوكيد اللفظي وأحكامه] :
[معنى التوكيد اللفظي] :
وأما التوكيد اللفظي فهو: اللفظ المكرر به ما قبله1.
فإن كان جملة فالأكثر اقترانها بالعاطف2، نحو:{كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} 3، ونحو:{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} 4، وتأتي بدونه، نحو
1 إما بعينه ولا يضر فيه بعض تغيير؛ نحو: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ} ، أو بمرادفه؛ كقوله الشاعر:
"أنت بالخير حقيق قمن"
أي: جدير، ويكون المرادف فعلا واسما. ولا يزيد التكرير عن ثلاث؛ لأنه لم يقع أكثر منها في كلام العرب، وأما ما في سورة الرحمن والمرسلات؛ فليس بتأكيد؛ لأنها لم تتعدد على معنى واحد؛ بل كل آية قيل فيها ذلك؛ فالمراد التكذيب بما ذكر فيها.
2 وهو "ثم" خاصة. وجعل الرضي "الفاء" كثم، ويؤيده قوله تعالى:{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ، والعطف -هنا- صوري؛ لأن بين الجملتين تمام الاتصال؛ فلا تعطف الثانية، على الأولى، عطفا حقيقيا، وإلا كانت التبعية بالعطف، لا بالتوكيد.
حاشية يس على التصريح: 2/ 127.
3 78 سورة النبأ، الآية: 4، والآية:5.
موطن الشاهد: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع جملة {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} الثانية توكيدا لفظيا للجملة الأولى، وقد اقترنت بحرف العطف "ثم"؛ وحكم هذا الاقتران جائز بكثرة.
4 75 سورة القيامة، الآية: 34، والآية:35.
موطن الشاهد: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} .
وجه الاستشهاد: وقوع جملة {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} الثانية توكيدا لفظيا، للجملة الأولى، مع اقترانها بحرف العطف، كما في الآية السابقة.
ومن أمثلته -أيضا- قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} ؛ لأنه لو عطف بثم، أو بالفاء؛ لتوهم تكرار الضرب.
قوله عليه الصلاة والسلام: "والله لأغزون قريشا" ثلاث مرات، ويجب الترك عند إيهام التعدد، نحو "ضربت زيدا ضربت زيدا"1.
[أحكام التوكيد اللفظي] :
وإن كان اسما ظاهرا أو ضميرا منفصلا منصوبا فواضح2؛ نحو: "فنكاحها باطل باطل باطل"3 وقوله4: [الطويل]
403-
فإياك إياك المراء فإنه5
1 أي: وتأتي الجملة توكيدا لفظيا، لجملة سبقتها، من دون أن تقترن بحرف العطف، ولو كررت عدة مرات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: كرر الجملة عينها ثلاث مرات.
2 أي أن توكيده، يكون بمجرد التكرار، من غير شرط، ويتبع الثاني الأول في الضبط، ولا محل له من الإعراب. ويجب في الأسماء الموصولة، عند توكيدها توكيدا لفظيا، إعادة لفظها وصلتها معه، ولا يجوز تكرار الموصول -وحده- دون صلته.
3 هذا جزء من حديث شريف؛ وهو: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير وليها فنكاحها باطل باطل باطل".
والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 6/ 66-166، وشرح معاني الآثار: 3/ 7، وإرواء الغليل: 6/ 243.
موطن الشاهد: "نكاحها باطل باطل باطل".
وجه الاستشهاد: وقوع "باطل" توكيدا لفظيا مكررا؛ كما هو واضح.
4 القائل: هو الفضل بن عبد الرحمن القرشي، شاعر بني هاشم وعالمهم في وقته، أول من لبس السواد على زيد بن علي بن الحسين، ورثاه بقصيدة طويلة حسنة، تخفى عند بني تميم، من هارون الرشيد الذي طلبه، فدلوا عليه؛ فهجاهم بأببات مشهورة. توفي سنة: 173هـ.
الأعلام: 5/ 150، المرزباني: 310، نسب قريش:89.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
إلى الشر دعاء وللشر جالب
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 128، والأشموني: 796/ 2/ 409، وسيبويه: 1/ 141، والمقتضب: 3/ 213، والخصائص: 3/ 102، وشرح المفصل: 2/ 25، والعيني: 4/ 113، 308، والخزانة: 1/ 465، ومعجم الشعراء للمرزباني:310.
المفردات الغريبة: المراء: الجدال والمعارضة بالباطل. دعاء: صيغة مبالغة من دعا فلان فلانا؛ إذا طلب حضوره. جالب: مسبب له؛ من جلبه إذا ساقه وجاء به. =
وإن كان ضميرا منفصلا مرفوعا؛ جاز أن يؤكد به كل ضمير متصل1، نحو "قمت أنت"، و"أكرمتك أنت"، و"مررت بك أنت".
= المعنى: أحذرك الجدال والمعارضة، مع الناس، من غير وجه حق، فإن ذلك كثيرا ما يجر إلى الشرور والخصومات، ويسبب للإنسان متاعب ومصاعب.
الإعراب: إياك: مفعول به منصوب على التحذير، بفعل محذوف وجوبا. إياك: توكيد للأول مبني على السكون في محل نصب، والكاف للخطاب. المراء: مفعول ثان؛ لفعل التحذير المحذوف؛ والتقدير: أحذرك المراء؛ وأعربه الجمهور: منصوبا على نزع الخافض؛ والتقدير: باعد نفسك من المراء. فإنه: الفاء تعليلية، إن حرف مشبه بالفعل، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم "إن". "إلى الشر": متعلق بـ"دعاء" الواقع خبرا لـ"إن". دعاء: خبر "إن" مرفوع. وللشر: الواو عاطفة، "للشر": متعلق بـ"جالب" الآتي. جالب: معطوف على "دعاء" مرفوع مثله.
موطن الشاهد: "إياك إياك".
وجه الاستشهاد: توكيد الضمير المنفصل "إياك" بإعادة اللفظ نفسه؛ وهو من التوكيد اللفظي؛ وخالف بعضهم محتجا، بأن الضمير المنصوب، يحتاج إلى عامل ينصبه؛ وهذا لا بد له من فاعل؛ فهو يريد جعله من توكيد الجملة بالجملة؛ وهو غير لازم؛ لأننا نستطيع أن نؤكد الجملة بأكملها: فنقول: جاء زيد، جاء زيد، وقد نؤكد الفعل وحده؛ فنقول: جاء جاء زيد وقد نؤكد الفاعل وحده؛ فنقول: جاء زيد زيد.
وإن كان في الجملة مفعول فقد نؤكده وحده؛ فنقول: ضرب علي خالدا خالدا.
انظر أوضح المسالك 3/ 337.
1 أي: مرفوع، أو منصوب، أو مجرور، ويكون على وجه الاستعارة في توكيده ضمير النصب والجر، وليس له محل إعرابي. ويؤكد به كذلك المنفصل المرفوع، لا المنصوب، فلا يقال: إياك أنت أكرمت. وليس هناك ضمير منفصل مختص بالجر؛ وإلى ما تقدم يشير ابن مالك بقوله:
ومضمر الرفع الذي قد انفصل
…
أكد به كل ضمير اتصل
والمعنى: أن الضمير المنفصل المرفوع، يجوز أن يؤكد به كل ضمير متصل؛ ولكن على وجه الاستعارة، في توكيده ضمير النصب والجر، كما سبق.
حاشية الصبان: 2/ 84. والتصريح: 2/ 128.
فائدة: إذا أتبعت المتصل المنصوب بمنفصل منصوب؛ نحو: رايتك إياك، فمذهب البصريين: أنه بدل، ومذهب الكوفيين: أنه توكيد. قال المصنف: وقولهم -عندي- أصح؛ لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل؛ كنسبة المرفوع المنفصل =
وإن كان ضميرا متصلا؛ وصل بما وصل به المؤكد؛ نحو: "عجبت منك منك".
وإن كان فعلا أو حرفا جوابيا فواضح؛ كقولك: "قام قام زيد" وقوله1: [الكامل]
404-
لا لا أبوح بحب بثنة إنها2
= من المرفوع المتصل؛ في نحو: فعلت أنت، والمرفوع تأكيد بإجماع. حاشية الصبان: 3/ 84.
توجيه: لا يجوز حذف المؤكَّد وقيام المؤكِّد مقامه على الأصل؛ وأجاز الخليل ذلك؛ في نحو: مررت بزيد، وأتاني أخوه أنفسهما؛ على تقدير: هما صاحباي أنفسهما. حاشية الصبان: 3/ 84.
1 القائل هو: جميل بن معمر العذري، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
أخذت علي مواثقا وعهودا
وهو من شواهد التصريح: 2/ 129، والأشموني: 808/ 2/ 411، والخزانة: 2/ 353، والعيني: 4/ 114، والهمع: 2/ 125، والدرر: 2/ 159، وحاشية يس: 2/ 130 وديوان جميل: 79.
المفردات الغريبة: لا أبوح: لا أفشي ولا أظهر، من باح بسره، إذا أفشاه، وتكلم به، وأخبر عنه. بثنة: محبوبته، واسمها بثينة، وقد تصرف في اسمها تمليحا. مواثقا: جمع موثق؛ وهو العهد والميثاق.
المعنى: لا أفشي، ولا أخبر أحدا بالحب الذي بيني وبين بثينة؛ لأنها أخذت علي عهدا مؤكدا ألا أبوح بحبها، ولا أظهره، ويجب أن أفي بعهدي لها.
الإعراب: لا: حرف نفي، لا محل له من الإعراب. لا: توكيد للأول. أبوح: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا. "بحب": متعلق بـ"أبوح"، وهو مضاف. بثنة: مضاف إليه مجرور وعلمة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف. إنها: حرف مشبه بالفعل، و"ها" في محل نصب اسمها. أخذت: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي. علي: متعلق بـ"أخذ". مواثقا: مفعول به لـ"أخذ" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وقد صرفه الشاعر ونونه -وهو ممنوع من الصرف- لضرورة الشعر. وعهودا: الواو عاطفة، عهودا: اسم معطوف على قوله: "مواثق" منصوب مثله. =
وإن كان غير جوابي؛ وجب أمران: أن يفصل بينهما، وأن يعاد مع التوكيد ما اتصل بالمؤكد إن كان مضمرا، نحو:{أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} 1، وأن يعاد هو أو ضميره إن كان ظاهرا2؛ نحو:"إن زيدا إن زيدا فاضل" أو "إن زيدا إنه فاضل"؛ وهو الأولى3، وشذ اتصال الحرفين؛ كقوله4:[الخفيف]
= موطن الشاهد: "لا لا".
وجه الاستشهاد: توكيد "لا" توكيدا لفظيا؛ وهي حرف جواب، لا تحتاج إلى الفصل بين المؤكَّد والمؤكِّد، ولا إلى شيء آخر؛ كالحروف غير الجوابية؛ فنستطيع أن نقول: لا لا، نعم نعم، نعم جير. فنعيد حرف الجواب بنفسه، أو بمرادفه، كما قال المضرس بن ربعي.
وقلن على الفردوس أول مشرب
…
أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره
أوضح المسالك 3/ 339.
1 23 سورة المؤمنون، الآية:35.
وجه الاستشهاد: وقوع "أنكم" الثانية مؤكدة لـ"أنكم" الأولى الواقعة مفعولا ثانيا لـ"يعد"؛ وفصل بينهما بالظرف وما بعده -إذا متم وكنتم ترابا وعظاما- وأعيد مع الثانية ما اتصل بالأولى؛ وهو الكاف والميم؛ لأنه مضمر؛ وحكم الفصل، وإعادة ما اتصل بالمؤكد الوجوب. التصريح: 2/ 129.
2 أي: يعاد لفظ المتصل بالحرف، أو ضميره؛ إن كان ما اتصل به الحرف اسما ظاهرا.
3 أي: إعادة الضمير أولى وأفصح، من إعادة اللفظ؛ لأنه الأصل، ويلزم من إعادة اللفظ التكرار، وإيهام أن الثاني غير الأول، وبه جاء التنزيل، قال تعالى:{فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . أما إعادة الظاهر، فمن وضعه موضع المضمر. وفي توكيد الحرف، يقول ابن مالك:
كذا الحروف غير ما تحصلا
به جواب كنعم وكـ"بلى"
فالمعنى: أن توكيد الضمير المتصل، لا يكون إلا بإعادته، وإعادة ما اتصل به -كما سبق- وكذلك الحروف غير الجوابية، لا يعاد لفظها إلا مع الاسم الظاهر المتصل بها، أو ضميره. أما حروف الجواب كـ"نعم" و"بلى"؛ فتعاد وحدها.
حاشية الصبان: 3/ 82، والتصريح: 2/ 128، 129.
4 لم يُنسب البيت إلى قائل معين.
405-
إن إن الكريم يحلم ما لم1
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
يرين من أجاره قد ضيما
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 130، والأشموني: 802/ 2/ 410، والعيني: 4/ 107 والهمع: 2/ 125، والدرر: 2/ 161 وفيه برواية: أضيما.
المفردات الغريبة: يحلم: من الحلم، وهو الأناة والتعقل. أجاره: جعله في جواره وحمايته. ضيم: مبني للمجهول، أي ظلم وبخس حقه.
المعنى: أن الرجل الكريم الخلق الأبي الطيب النفس؛ يتحلى بالحلم، والصبر، والتعقل في أحواله، وتصرفاته؛ ما لم ير أن من أجاره، وجعله في حماه، قد ظُلم واعتُدي عليه؛ فعند ذلك، يذهب عنه حلمه ويبطش بهذا الظالم، المعتدي على ما التجأ إليه.
الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. إن: توكيد لـ"إن" الأولى. الكريم: اسم "إن" منصوب. يحلم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، وجملة "يحلم": في محل رفع خبر "إن". ما لم: ما مصدرية ظرفية، لا محل لها من الإعراب، لم: حرف نفي وجزم وقلب. يرين: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل جزم بـ"لم"، والنون: لا محل لها من الإعراب؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالإضافة، بإضافة اسم زمان مقدر منصوب بـ"يحلم"؛ والتقدير: يحلم مدة عدم رؤيته. من: اسم موصول، مبني على السكون، في محل نصب مفعولا به، لـ"يرى". أجاره: فعل ماضٍ والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم، في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "أجاره": صلة للموصول، لا محل لها. قد: حرف تحقيق. ضيما: فعل ماضٍ، مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ والألف للإطلاق؛ وجملة "ضيما": في محل نصب حال، وأما إن عدت "يرى" قلبية علمية؛ كان الاسم الموصول مفعولا أول لها، وجملة "قد ضيما": في محل نصب مفعولا ثانيا.
موطن الشاهد: "إن إن".
وجه الاستشهاد: توكيد الحرف "إن" بإعادته من غير فاصل بينهما مع أنه ليس من حروف الجواب، وهذا التوكيد شاذ، ولا يقاس عليه.
وأسهل منه قوله1: [الرجز]
406-
حتى تراها وكأن وكأن2
لأن المؤكد حرفان؛ فلم يتصل لفظ بمثله، وأشد منه قوله3:[الوافر]
407-
ولا للما بهم أبدا دواء4
1 القائل: قيل هو الأغلب العجلي، وقيل هو: خطام المجاشعي.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور، في وصف إبل، وبعده قوله:
أعناقها مشددات بقرن
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 130، والأشموني: 803/ 2/ 410، والعيني: 4/ 100، والهمع: 2/ 125، والدرر: 2/ 160.
المفردات الغريب: أعناقها: جمع عنق -وهو الرقبة. قرن: حبل تربط به الإبل، ويقرن بعضها إلى بعض.
المعنى: يصف إبلا في سرعة سيرها وانتظامه فيقول: إن أصحاب هذه الإبل، يستحثونها على السير، بنظام واعتدال، حتى إن من يراها يظن أن أعناقها مربوط بعضها إلى بعض بحبال؛ لانتظامها على السير.
الإعراب: حتى: حرف غاية وجر. تراها: فعل مضارع -يقصد به هنا حكاية الحال- مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت و"ها" في حل نصب مفعولا به. وكأن: الواو واو الحال، كأن: حرف مشبه بالفعل. كأن: توكيد للأولى، وخففت لضرورة الشعر. أعناقها: اسم "كأن"، و"ها" في محل جر مضاف إليه. مشددات: خبر كأن مرفوع. "بقرن": متعلق بقوله: "مشددات"، وسكن "قرن"؛ لضرورة الشعر.
موطن الشاهد: "وكأن وكأن".
وجه الاستشهاد: تأكيد "كأن" بمثلها، مع عدم الفاصل، بمعمول الأولى، مع أنها ليست من أحرف الجواب؛ غير أن هذا الشذوذ أخف من سابقه؛ لأنه فصل بين اللفظين بواو العطف.
3 القائل: هو مسلم بن معبد الوالبي الأسدي، شاعر اشتهر في العصر الأموي؛ أورد له صاحب الخزانة قصيدة همزية في خبر إبل له.
خزانة الأدب: 1/ 364، الأعلام: 7/ 223.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فلا والله لا يلفى لما بي
=
لكون الحرف على حرف واحد.
وأسهل منه قوله1: [الطويل]
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 230، والأشموني: 806/ 2/ 410، ومعاني الفراء: 1/ 68، والمحتسب: 2/ 256، والخصائص: 2/ 282، والإنصاف: 1/ 571، وشرح المفصل: 7/ 18، 8/ 43، 9/ 15، والمقرب: 51، والخزانة: 1/ 364، 2/ 35، 4/ 273، والعيني: 4/ 102، والهمع: 2/ 78، 125، 158، والدرر: 2/ 95، 161، 221، والمغني: 328/ 240، 334/ 242، 655/ 462، والسيوطي: 172، 262.
المفردات الغريبة: لا يلفى: لا يوجد، من ألفى، إذا وجد. لما بي؛ أي: للذي بي.
المعنى: يقسم أنه لا يوجد للذي به من الموجدة والألم، ولا للذي عند خصومه من الحقد والضغينة علاج، وليس هنالك أمل، في المودة، والمصالحة، وإزالة الأحقاد، والضغائن، بعد أن تفاقم الخطب وعظم الخلاف.
الإعراب: فلا: الفاء عاطفة، لا: نافية. والله: الواو حرف قسم وجر، و"اسم الجلالة": مقسم به مجرور؛ و"والله": متعلق بفعل قسم محذوف. لا: نافية. يلفى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. "لما بي": متعلق بـ"يلفى". "بي": متعلق بمحذوف صلة الموصول. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. للما: اللام الأولى حرف جر، واللام الثانية توكيد للأولى؛ و"ما" اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل جر باللام الأولى؛ و"للما": معطوف بالواو على "لما بي". "بهم": متعلق بمحذوف صلة. "أبدا": متعلق بـ"يلفى". دواء: نائب فاعل مرفوع.
موطن الشاهد: "للما". وجه الاستشهاد: مجيء اللام الثانية توكيدا للأولى الجارة من دون أن يفصل بينهما فاصل؛ ومعلوم أن اللام، ليست من أحرف الجواب؛ وحكم هذا التأكيد: أنه بالغ الشذوذ؛ لأن الحرف المؤكد موضوع على حرف هجائي واحد، لا يكاد يقوم بنفسه؛ والصواب أن يقول: لما لما بهم.
1 القائل: هو: الأسود بن يعفر التميمي: أبو نهشل، شاعر جاهلي، من سادات تميم ومن أهل العراق، كان فصيحا جوادا، نادم النعمان بن المنذر، ولما أسن كف بصره. ويقال له:"أعشى بني نهشل". مات سنة 22ق. هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 255، تجريد الأغاني: 1446، الجمحي: 147، الأعلام: 1/ 330. السمط: 248.
408-
فأصبح لا يسألنه عن بما به1
لأن المؤكد على حرفين؛ ولاختلاف اللفظين.
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
أصعد في علو الهوى أم تصوبا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 130، والأشموني: 708/ 2/ 411، والمغني: 656/ 462.
المفردات الغريبة: أصعد: أرتفع وأرتقى. تصوبا: نزل وتسفل.
المعنى: أن هؤلاء الغواني أصبحن -بعد أن وخط المحب الشيب، وهذا الكبر ونالت منه الشيخوخة- لا يكترثن به ولا يملن إليه، ولا يسألن عما به من ضعف أو غيره؛ وهل لا يزال يحلق في الهوى والحب؟ أم نزل وهبط ونسي كل شيء؟.
الإعراب: فأصبح: الفاء عاطفة، أصبح: فعل ماضٍ ناقص، واسمه ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو. لا: نافية. يسألنه: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون في محل رفع فاعل، والهاء: في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "لا يسألنه": في محل نصب خبر "أصبح". عن: حرف جر. بما: الباء حرف جر بمعنى "عن" توكيد لفظي لـ"عن"، و"ما" اسم موصول مبني على السكون في محل جر بـ"عن"، و"بما": متعلق بـ"يسأل". "به": متعلق بمحذوف صلة الموصول.
موطن الشاهد: "عن بما".
وجه الاستشهاد: تأكيد "عن" الجارة بلفظ مرادف؛ هو الباء التي بمعنى "عن"؛ وهذا شاذ لعدم الفاصل، غير أنه أهون من سابقه؛ لأن الحرف المؤكد "عن" موضوع على حرفين؛ ولأن اللفظين مختلفان، وإن اتفقا في المعنى.
فوائد وتوجيهات: أ- يمتنع حذف المؤكد لفظيا؛ لأن حذفه منافٍ لتكراره.
ب- من الأساليب الصحيحة: جاء القوم بأجمعهم، وتعرب "أجمع" توكيدا مجرور اللفظ، بالباء الزائدة، في محل رفع، أو نصب، أو جر؛ على حسب حالة المؤكد "المتبوع"؛ وبعضهم يعربها: بدلا -وإن كانت تؤدي معنى التوكيد-؛ ولا بد من إضافتها إلى ضمير مطابق للمتبوع.
ج- لا يفصل بين المؤكَّد والمؤكِّد، "بإما" على الأصح؛ وأجاز الفراء: مررت بالقوم، إما أجمعين، وإما بعضهم.
د- لا يلي العامل شيء من ألفاظ التوكيد -وهو على حاله في التوكيد- إلا "جميعا"، و"عامة" مطلقا؛ فتقول: القوم، قام جميعهم، وعامتهم؛ ورأيت جميعهم، وعامتهم؛ ومررت بجميعهم، وعامتهم.
حاشية الصبان: 3/ 84.
هذا باب العطف
[باب عطف البيان
1]
[عطف البيان وتعريفه] :
وهو ضربان: عطف نسق، وسيأتي، وعطف بيان2؛ وهو "التابع3 المشبه للصفة في توضيح متبوعه4؛ إن كان معرفة؛ وتخصيصه إن كان نكرة".
والأول5: متفق عليه، كقوله:[مشطور الرجز]
409-
أقسم بالله أبو حفص عمر6
والثاني7: أثبته الكوفيون وجماعة وجوزوا أن يكون منه: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ
1 العطف -في الأصل- مصدر قولك: "عطفت" الشيء؛ إذا ثنيته، فجعلت أحد طرفيه على طرفه الآخر، وعطف الفارس على قرنه إذا التفت إليه.
وأطلق على التابع المذكور؛ لأن المتكلم رجع إلى الأول فأوضحه بالثاني، أو أشركه معه في الحكم.
2 إنما سمي بذلك؛ لأن اللفظ الثاني تكرار للفظ الأول، ويشبه أن يكون مرادفا؛ للأول؛ لأن الذات المدلول عليها باللفظين واحدة، وإنما يؤتى بالثاني لزيادة البيان.
3 يشترط فيه أن يكون جامدا، بخلاف النعت؛ فإنه لا يكون إلا مشتقا، أو مؤولا به.
4 النعت يوضح متبوعه ببيان صفة من صفاته، ومعنى فيه، أو في سببيه.
أما عطف البيان؛ فيوضح متبوعه ويزيل عنه شائبة الإبهام بنفسه.
ضياء السالك: 3/ 137.
5 وهو توضيح ذات متبوعه المعرفة، وإزالة ما قد يصيبها من الشيوع بسبب تعدد مدلولها.
6 هذا الرجز لأعرابي؛ اسمه عبد الله بن كيسبة، وبعد الشاهد قوله:
ما مسها من نقب ولا دبر
…
فاغفر له اللهم إن كان فجر
وقد مر تخريج هذا البيت والتعليق عليه في باب العلم.
موطن الشاهد: "أبو حفص عمر".
وجه الاستشهاد: وقوع "عمر" عطف بيان -وهو معرفة- على "أبو حفص"، وهو علم معرفة؛ وقصد به الإيضاح؛ وفي البيت شاهد آخر على تقدم الكنية على الاسم.
7 وهو تخصيص النكرة، فقد نفاه البصريون، وأثبته الكوفيون، وبعض البصريين =
مَسَاكِينَ} 1، فيمن نون كفارة، ونحو:{مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} 2، والباقون: يوجبون في ذلك البدلية3، ويخصون عطف البيان بالمعارف4.
[ما يوافق فيه متبوعه] :
ويوافق متبوعه في أربعة من عشرة أوجه الإعراب الثلاثة، والإفراد، والتذكير، والتنكير5، وفروعهن، وقول الزمخشري6: إن {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} 7
= المتقدمين كالفارسي، وابن جني، وبعض المتأخرين كالزمخشري وابن عصفور، والناظم وابنه.
التصريح: 2/ 131، والأشموني: 2/ 413.
1 5 سورة المائدة، الآية:95.
موطن الشاهد: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} .
وجه الاستشهاد: عطف "طعام" عطف بيان على "كفارة"؛ وكلاهما نكرة؛ على رأي الكوفيين ومن معهم من البصريين؛ كأبي علي الفارسي وابن جني، ومن المتأخرين كالزمخشري، وابن مالك وابنه؛ خلاف لبقية البصريين؛ الذي يعدون ذلك بدل كل من كل.
2 14 سورة إبراهيم، الآية:16.
موطن الشاهد: {مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "صديد" عطف بيان على "ماء" كما في الآية السابقة، والبصريون يعدون ذلك بدل كل من كل، كما أسلفنا.
3 أي: بدل كل من كل، وقال ابن عصفور: إن هذا مذهب أكثر النحويين، ونسبه الشلوبين إلى البصريين.
4 حجتهم: أن عطف البيان -كاسمه- يقصد به البيان والإيضاح، والنكرة مجهولة؛ والمجهول لا يعين المجهول. ويقول المجيزون: إن بعض النكرات، قد يكون أخص من بعض. فلا مانع من أن يبين الأخص غيره، والتخصيص نوع من البيان والإيضاح. التصريح: 2/ 131.
5 هذا هو الغالب، ويصح تخالفهما تعريفا وتنكيرا؛ بشرط أن يكون التابع هو المعرفة؛ ليتحقق الغرض من عطف البيان. وقد يقع عطف البيان بعد "أي" المفسرة؛ نحو: هذا الخاتم لجين؛ أي فضة، ويجوز أن يعرب في هذه الصورة بدلا.
6 مرت ترجمته.
7 3 سورة آل عمران، الآية:97. =
عطف على {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} مخالف لإجماعهم1؛ وقوله وقول الجرجاني2: يشترط كونه أوضح من متبوعه مخالف لقول سيبويه في "يا هذا ذا الجمة": إن "ذا الجمة" عطف بيان مع أن الإشارة أوضح من المضاف إلى ذي الأداة3.
[جواز إعراب عطف البيان بدل كل وشروطه] :
ويصح في عطف البيان أن يعرب بدل كل4، إلا إن امتنع الاستغناء عنه5؛
= موطن الشاهد: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} .
وجه الاستشهاد: ذهب الزمخشري إلى أن "مقام إبراهيم": عطف بيان على "آيات بينات" مع أنه مخالف لآيات في التنكير والتأنيث والجمع؛ والمراد بالآيات: أثر القدم في الصخرة. وقد رد الجمهور على الزمخشري بالآتي: الحاشية رقم "1".
1 إن المانع من أن يكون قوله تعالى: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} . بيانا لقوله: {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} ؛ وهو ما خالف به الزمخشري إجماع النحاة، يظهر في المخالفة بين البيان والمبين من ثلاثة أوجه؛ فقوله تعالى:{مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} . معرفة بالإضافة إلى العلم، ومذكر، ومفرد. وقوله:{آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} : نكرة؛ ومؤنث، وجمع.
ومن جهة أخرى، لا يجوز أن يكون {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} بدل كل من كل؛ لأن شرط هذا البدل: أنه إذا كان المبدل منه دالا على متعدد أن يكون البدل وافيا بالعدة. وقوله: {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} : جمع؛ وأقل ما يدل عليه الجمع ثلاثة، ولم يذكر في الآية إلا واحد فلم يتحقق شرط البدل.
وقيل: يجوز أن يكون بدل بعض من كل؛ كما صرح به البيضاوي، ولا يلزم في بدل البعض من كل شيء مما ذكر؛ وقيل: بدل كل من كل؛ وبه يتأول: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} بأنه مفرد في اللفظ؛ ولكن له جهات متعددة، تجعله في حكم الجمع؛ فإن الآيات المتعددة فيه: أثر القدم في الصخرة الصماء. وغوصه فيها إلى الكعبين؛ وكونها قد خصت بذلك من بين الصخور، وبقاؤه دون آثار الأنبياء، وحفظه.
أي: أن قوله تعالى: {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} ، يجوز أن يكون بدلا على تأويل البيضاوي، فيتعين أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ خبره محذوف؛ والتقدير: بعضها.
مقام إبراهيم؛ أو منها مقام إبراهيم.
التصريح، وحاشية يس على التصريح: 2/ 131-132.
2 مرت ترجمته.
3 لم يعرب سيبويه "ذا الجمة": نعتا؛ لأن نعت اسم الإشارة، لا يكون إلا محلى بأل.
4 وذلك، إذا قصد به ما يقصد بالبدل، وحينئذ، يتعين كونه بدلا.
5 أي: فيمتنع أن يكون بدلا؛ ومن ذلك -غير ما سيذكره الناظم- أن تفتقر جملة الخبر.
نحو: "هند قام زيد أخوها"، أو إحلاله محل الأول؛ نحو:"يا زيد الحارث" وقوله1: [الطويل]
410-
أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا2
= إلى رابط؛ وهو في التابع، كمثال المؤلف؛ فـ"أخوها": يتعين كونه عطف بيان؛ لأنه لو أعرب بدلا؛ لخلت جملة الخبر من الرابط؛ لأن البدل على نية تكرار العامل على الصحيح؛ فهو من جملة أخرى، وكذلك جملة الصلة، والصفة؛ نحو: حضر الذي -أو رجل- ضرب محمد أخوه؛ وجملة الحال؛ نحو: هذا محمد قام رجل أخوه. وانظر التصريح: 2/ 132. وحاشية الصبان: 3/ 85-86.
1 القائل: هو: طالب بن أبي طالب بن عبد المطلب، أخو أمير المؤمنين علي، وابن عم النبي عليه الصلاة والسلام.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من كلمة يمدح فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ويبكي أصحاب القليب من قريش، وعجزه:
أعيذكما بالله أن تحدثا حربا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 132، والأشموني: 811/ 2/ 414، والعيني: 4/ 119، والهمع: 2/ 121، والدرر: 2/ 153، والسيرة النبوية "بولاق": 2/ 62.
المفردات الغريبة: عبد شمس: فصيلة من قريش؛ منهم بنو أمية. نوفل: فصيلة أخرى من قريش أيضا أعيذكما بالله. يريد: ألجأ إلى الله من أجلكما، أو أحصنكما بالله وأجعلكما في رعايته، مخافة أن تشعلا نار الحرب بينكما.
المعنى: واضح.
الإعراب: أيا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. أخوينا: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، و"نا" في محل جر بالإضافة. عبد: عطف بيان على "أخوينا" منصوب مثله، وهو مضاف. شمس: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. ونوفلا: الواو عاطفة، نوفلا: اسم معطوف على عبد شمس، والمعطوف على المنصوب منصوب مثله، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. أعيذكما: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا، و"كما": ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعولا به. "بالله": متعلق بـ"أعيذ". أن: حرف مصدري ونصب، لا محل له من الإعراب. تحدثا: فعل مضارع منصوب بـ"أن" وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والألف: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في =
وقوله1: [الوافر]
411-
أنا ابن التارك البكري بشر2
= محل جر بحرف جر محذوف؛ والتقدير: أعيذكما بالله من إحداثكما حربا؛ و"من إحداثكما": متعلق بـ"أعيذ"؛ وجملة "تحدثا حربا"؛ صلة للموصول الحرفي، لا محل لها.
موطن الشاهد: "عبد شمس ونوفلا".
وجه الاستشهاد: تعين كون "عبد شمس" عطف بيان على "أخوينا" و"نوفلا" معطوفا عطف نسف بالواو عليه؛ ولا يجوز أن يكون "عبد شمس" بدلا؛ لعدم صحة حلوله محل "أخوينا"؛ لأن ذلك يستلزم ضم "نوفل" المعطوف عليه؛ لأنه مفرد علم، يستحق البناء على الضم؛ كما لو أنه منادى مستقل؛ لأن أخوينا منادى و"عبد شمس" تابع للمنادى، ونوفل تابع لتابع المنادى؛ وحكم تابع المنادى، إذا كان عطف بيان أن يتبع بالنصب، إما على محل المنادى؛ أو لفظه، وإذا كان بدلا أن يعامل معاملة المنادى المستقل؛ بسبب كون البدل على نية تكرار العامل؛ فكأنه مسبوق بحرف نداء؛ ولهذا، كان يجب أن يضم "نوفل" والرواية بالنصب. ولهذا، لما لم يجز أن يجعل "نوفلا" بدلا؛ التزم في "عبد شمس" إلا يكون بدلا أيضا. الدرر اللوامع: 2/ 153.
1 القائل: هو المرار بن سعيد بن نضلة بن الأشتر الفقعسي، ويكنى أبا حسان، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية؛ له شعر كثير منه ما كان يهاجي به مساور بن هند؛ وهو صاحب أكرم بيت قالته العرب، وكان قصير القامة مفرطا في القصر ضئيلا.
الشعر والشعراء: 2/ 699، والأغاني: 9/ 151، والخزانة: 2/ 193، والأعلام: 7/ 199.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
عليه الطير ترقبه وقوعا
البيت من كلمة يفتخر فيها الشاعر بأن جده خالد بن نضلة، قتل بشر بن عمرو بن مرثد زوج الخرنق، أخت طرفة بن العبد البكري الشاعر المشهور؛ وذلك في يوم القلاب.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 133، وابن عقيل: 293/ 3/ 22، والأشموني: 811/ 2/ 414، والشذور: 230/ 566، والقطر: 139/ 400، وسيبويه: 1/ 93، وشرح المفصل: 3/ 72، والمقرب: 53، والخزانة: 2/ 193، و364، 383، والعيني: 4/ 121، والهمع: 122، والدرر: 2/ 153.
المفردات الغريبة: تارك: اسم فاعل من ترك. البكري: المنسوب إلى بكر بن وائل؛ =
وتجوز البدلية في هذا عند الفراء؛ لإجازته "الضارب زيد"، وليس بمرضي1.
= وهي قبيلة مشهورة، منها جساس بن مرة قاتل كليب بن وائل. ترقبه: تنتظره، ويروى بدله:"تركبه".
المعنى: يصف الشاعر نفسه بالشجاعة، وأنه ابن الذي ترك البكري بشرا مجندلا في العراء مثخنا بالجراح، في حالة يرثى لها، تنتظر الطير خروج روحه لتهبط عليه وتنهش من جسده؛ فهو شجاع من نسل شجعان.
الإعراب: أنا: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ابن: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. التارك: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهو مضاف. البكري: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وهو من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. بشر: عطف بيان على البكري مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. "عليه": متعلق بمحذوف خبر مقدم. الطير: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "عليه الطير": في محل نصب مفعولا ثانيا لـ"التارك". ترقبه: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "ترقبه": في محل نصب على الحال. وقوعا: حال منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره؛ ويجوز أن يكون مفعولا لأجله؛ حذف متعلقه؛ والتقدير: ترقبه لأجل وقوعها عليه.
موطن الشاهد: "البكري بشر".
وجه الاستشهاد: تعين كون "بشر" عطف بيان؛ لأنه لو أعرب بدلا؛ والبدل على نية تكرار العامل؛ لكان التقدير: أنا ابن التارك البكري، التارك بشر؛ وعلى هذا، فيضاف الوصف المقترن بـ"أل" إلى اسم مجرد منها، ومن الإضافة إلى المقترن بها، أو إلى ضميره؛ وذلك غير جائز، كما رأينا في باب الإضافة.
فائدة: جوز الفراء إضافة الوصف المقترن بـ"أل" إلى الاسم العلم -وعلى مذهبه- يجوز أن يكون "بشر" في البيت الشاهد بدلا؛ ولكنه رأي ضعيف خلاف الأولى.
1 على الرغم من المشابهة الكبيرة بين عطف البيان، وبدل الكل من الكل في المعنى والإعراب، فإن عطف البيان؛ يقصد به إيضاح الذات نفسها، أو تخصيصها لا أمرا عرضيا طارئا عليها؛ فهو بمنزلة التفسير للمتبوع؛ أما البدل؛ فيدل على ذات المتبوع بلفظ آخر يساويه في المعنى؛ بحيث يقع اللفظان على ذات واحدة وفرد معين واحد في حقيقته، ولا شأن له بالإيضاح والتخصيص. ويذكر النحاة فروقا آخر بينهما من جهة الصناعة؛ منها: أن عطف البيان، لا يكون ضميرا، ولا تابعا لضمير؛ ولهذا، =
..............................................
= امتنع إعراب "مخصوص حبذا" عطف بيان، ولا مخالفا لمتبوعه في التعريف والتنكير على الصحيح. ولا يقع جملة، ولا تابعا لجملة، ولا فعلا، ولا تابعا لفعل. وأنه لا يلحظ فيه إحلاله محل الأول؛ بخلاف البدل في ذلك كله، وفي بعض تلك الأمور خلاف بين العلماء؛ ولهذا يرى الإمام الرضي وفريق من النحاة: أنه لا فرق بين عطف البيان والبدل؛ فإن المشابهة بينهما تامة.
وما ذكر من الفروق مبني على دعوى أن البدل على نية تكرار العامل؛ وهي دعوى، لا تثبت عند التمحيص، على أنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل، أي يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع.
الأشموني: 2/ 414، والتصريح، وحاشية يس: 2/ 133-134.
[باب عطف النسق]
هذا باب عطف النسق1:
[تعريف عطف النسق] :
وهو "تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الأحرف الآتي ذكرها"2.
[نوعا أحرف العطف] :
وهي نوعان: ما يقتضي التشريك في اللفظ والمعنى3؛ إما مطلقا؛ وهو الواو
1 النسق، بالفتح: اسم مصدر، يقال: كلام نسق إذا جاء على نظام واحد.
أما النسق: بفتح النون وسكون السين؛ فهو مصدر قولك: "نسقت الكلام" إذا عطفت بعضه على بعض، ولم يقل أحد من النحاة إلا بفتح النون والسين وكأنهم أخذوه من قولهم:"كلام نسق"؛ أي: على نظام واحد، والنظام الواحد؛ هو علامات الإعراب التي يشترك فيها المعطوف والمعطوف عليه؛ ولهذا، المعنى سماه سيبويه:"باب الشركة".
التصريح، وحاشية يس: 2/ 134.
2 أخرج المصنف بقوله: "يتوسط" التوابع كلها ما عدا عطف النسق؛ بالقيد بالحروف المخصوصة ما بعد "أي" التفسيرية؛ فإنه عطف بيان، وهذا مذهب البصريين، وليس في العربية -عندهم- عطف بيان يتوسط بينه وبين متبوعه حرف إلا نحو "لقيت الغضنفر أي الأسد"؛ وقد ذهب الكوفيون: إلى أن "أي" حرف عطف كسائر الحروف؛ فمدخولها -عندهم- عطف نسق.
التصريح: 2/ 134.
3 أما في اللفظ فبوجوه الإعراب. وأما في المعنى؛ فباحتمال كل من المتعاطفين للمعنى المراد.
والفاء و"ثم" و"حتى"1؛ وإما مقيدا؛ وهو "أو" و"أم"2؛ فشرطهما: أن لا يقتضيا إضرابا3، وما يقتضي التشريك في اللفظ دون المعنى؛ إما لكونه يثبت لما بعده ما انتفى عما قبله؛ وهو "بل" عند الجميع، و"لكن" عند سيبويه وموافقيه4؛ وإما لكونه بالعكس؛ وهو "لا" عند الجميع، و"ليس" عند البغداديين؛ كقوله5:[الرمل]
412-
إنما يجزي الفتى ليس الجمل6
1 خالف في "حتى" الكوفيون؛ فعندهم لا تكون حرف عطف؛ بل هي حرف ابتداء دائما، ويقدرون عاملا لما بعدها، تتم به الجملة؛ ففي مثل: قدم الحجاج حتى المشاة، يقدرون: حتى قدم المشاة.
التصريح: 2/ 134، ورصف المباني: 180، والجنى الداني:542.
2 ذهب أبو عبيدة إلى أن "أم" حرف استفهام؛ كالهمزة، فإذا قلت: أقادم أبوك أم أخوك"؛ فأخوك -عنده- ليس معطوفا على السابق؛ بل هو مبتدأ، وخبره محذوف. وتقدير الكلام -عنده- أقادم أبوك أم أخوك قادم، وتقدر في النصب والجر عاملا مناسبا.
مغني اللبيب: 66، والجنى الداني: 204، ورصف المباني:93.
3 فإن اقتضيا إضرابا؛ كانا مشركين في اللفظ فقط؛ مثل: "بل".
4 ذهب يونس بن حبيب؛ إلى أن "لكن": حرف استدراك، ولا تكون حرف عطف؛ وتأتي الواو قبلها عند إرادة العطف؛ فتكون هذه الواو عاطفة لمفرد على مفرد. وإلى هذا، ذهب ابن مالك؛ في التسهيل. واختلف القائلون بأنها حرف عطف؛ فذهب الفارسي وأكثر النحويين: إلى جواز ذلك بشرط؛ ألا تقدمها الواو. وما ذهب إليه ابن عصفور من أنها عاطفة لا تستعمل إلى بالواو الزائدة قبلها لزوما؛ وزعم أن كلام سيبويه والأخفش محمول عليه؛ وذهب ابن كيسان إلى أنها عاطفة تقدمتها الواو أم لم تتقدمها.
مغني اللبيب: 386، والتصريح: 2/ 135، الجنى الداني: 586، رصف المباني:474.
5 القائل: هو لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته.
6 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وإذا أقرضت قرضا فاجزه
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 191، 2/ 135، وسيبويه: 1/ 370، والمقتضب: =
[أحكام الواو] :
فصل: أما الواو فلمطلق الجمع1؛ فتعطف متأخرا في الحكم؛ نحو: {وَلَقَدْ
= 4/ 410، ودلائل الإعجاز: 299، والخزانة: 4/ 68، 477، والعيني: 4/ 176، ومجالس ثعلب: 515، وديوان لبيد:179.
المفردات الغريبة: أقرضت قرضا: أعطيت شيئا من المال على سبيل القرض لتؤديه بعد، والمراد: إذا قدمت إليك معونة ما، أو صنع معك معروف؛ فاجزه: كافئ صاحبه. الفتى: الإنسان. الجمل: الحيوان المعروف، وقد يراد بالفتى الشاب الذي في طراوة الشباب، وبالجمل: الرجل الذي تقدمت به السن. المعنى إذا أسدى إليك أحد يدا، أو صنع معك معروفا، فكافئه بمثله، أو بخير منه، فإن هذا شأن الشاب القادر الخير؛ أما من كان كالجمل في اللؤم والخداع، أو من ضعف وقعدت به السن، فلا يجازي على المعروف إلا مضطرا.
الإعراب: إذا ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. أقرضت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الفتح، في محل رفع نائب فاعل. قرضا: مفعولا مطلق منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ وجملة "أقرضت قرضا": في محل جر بالإضافة بعد إذا. فاجزه: الفاء واقعة في جواب الشرط غير الجازم، اجز: فعل أمر مبني على حذف الياء، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت؛ والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر، في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "اجزه": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. إنما: أداة حصر، لا محل لها. يجزي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل. الفتى: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. ليس: حرف عطف بمعنى "لا" على مذهب البغداديين. الجمل: اسم معطوف على الفتى مرفوع مثله، وعلامة رفعه الضمة، وسكن لضرورة الروي.
موطن الشاهد: "ليس الجمل".
وجه الاستشهاد: استعمال "ليس" حرف عطف بمعنى "لا"؛ لتنفي صنع الخبر الذي ثبت لما قبلها؛ وهذا على رأي البغداديين، تبعا لابن عصفور؛ ونقله أبو جعفر النحاس، وابن بابشاذ عن الكوفيين، وجرى عليه الناظم في التسهيل. ويخرج المانعون الشاهد كما يلي: ليس: فعل ماضٍ ناقص، والجمل: اسمها، وخبرها: محذوف؛ والتقدير: ليس الجمل جازيا. انظر شرح التصريح: 2/ 135.
1 أي: الاجتماع والاشتراك بين المتعاطفين في المعنى والحكم، من غير دلالة على مصاحبة، أو ترتيب زمني، أو مهلة، أو نحو ذلك.
وقد خالف في ذلك بعض الكوفيين وقطرب وثعلب والربعي والفراء والكسائي وابن =
أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} 1، ومتقدما؛ نحو:{كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} 2، ومصاحبا؛ نحو:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} 3.
[ما تنفرد به الواو]
وتنفرد الواو4 بأنها تعطف اسما على اسم لا يكتفي الكلام به كـ"اختصم
= درستويه؛ فذهبوا جميا إلى أنها تفيد الترتيب؛ والتعبير بمطلق الجمع مساوٍ للتعبير بالجمع المطلق من حيث المعنى.
التصريح: 2/ 135.
1 57 سورة الحديد، الآية:26.
موطن الشاهد: {نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الواو حرف عطف لمطلق الجمع، عطف المتأخر في الحكم "إبراهيم" على "نوحا" المتقدم.
2 42 سورة الشورى، الآية:3.
موطن الشاهد: {إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الواو حرف عطف لمطلق الجمع، عطف متقدم في الحكم على متأخر؛ لأن "الذين" معطوف على "الكاف" في إليك مع إعادة الجار.
3 29 سورة العنكبوت، الآية:15.
موطن الشاهد: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الواو حرف عطف لمطلق الجمع، عطف أصحاب السفينة على الهاء عطف مصاحب، والسفينة: مضاف إليه.
4 أي: من بين سائر حروف العطف؛ ومن المواضع التي انفردت بها الواو:
أ- عطف سببي على أجنبي -في باب الاشتغال-؛ نحو قولك: زيد ضربت عمرا وأخاه.
ب- عطف المرادف على مرادفه؛ نحو قوله تعالى: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} .
ج- عطف عامل قد حذف وبقي معموله، نحو قوله تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} .
د- جواز الفصل بين المتعاطفين بها بالظرف أو "الجار والمجرور"؛ نحو قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} .
هـ- جواز العطف بها على الجواز في الجر خاصة؛ نحو قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} في قراءة جر "الأرجل". =
.................................................................
= و جواز حذفه عند أمن اللبس؛ نحو قول الشاعر:
كيف أصبحت كيف أمسيت مما
…
يغرس الود في فؤاد الكريم
ز- وقوع "لا" بينها وبين المعطوف بها؛ وذلك إذا عطفت مفردا على مفرد، بعد النهي والنفي، أو ما هو في تأويل النفي؛ فالأول؛ كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} ، والثاني: كقوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} ، والثالث: كقوله جل جلاله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} .
ح- وقوع "إما" بينها وبين معطوفها، إذا عطفت مفردا على مفرد، ويغلب أن تكون مسبوقة بـ"إما" أخرى -نحو قوله- تباركت أسماؤه:{إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ} ؛ ونحو قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} .
ط- عطف "لفظ العقد" على "النيف"؛ نحو قولك: أعطيته ثلاثة وعشرين قلما.
ي- عطف النعوت المتفرقة، نحو قول الشاعر:
بكيت وما بكا رجل حزين
…
على ربعين مسلوب وبال
ك- عطف ما كان حقه أن يثنى أو يجمع؛ فالأول، كقول الفرزدق:
إن الرزية لا رزية بعدها
…
فقدان مثل محمد ومحمد
فمن حقه أن يقول: فقدان مثل المحمدين -بالتثنية- ولكنه عطف أحدهما على الآخر. ومثال الثاني؛ كقول أبي نواس:
أقمنا بها يوما ويوما وثالثا
…
ويوما له يوم الترحل خامس
فالأصل أن يقول: أقمنا بها ثمانية أيام.
ل- عطف العام على الخاص؛ كقوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} فـ"المؤمنين" و"المؤمنات" أعم ممن دخل بيته مؤمنا.
وأما عطف الخاص على العام؛ أن يكون بالواو، كما في قوله تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} ، ويجوز أن يكون بـ"حتى"؛ نحو قولك: مات الناس حتى الأنبياء.
م- امتناع الحكاية مع وجودها: فإن قيل: رأيت زيدا؛ جاز في الإجابة القول: من زيدا؟ بالحكاية من غير الواو؛ فإذا جئت بالواو؛ لم تجز الحكاية، ووجب أن ترفع زيدا، فتقول: ومن زيد؟ وفي هذا الموضع نقد؛ حاصله: أن الفاء، تشارك الواو فيه.
ن- العطف في بابي "التحذير والإغراء"؛ نحو قوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} . =
زيد وعمرو" و"تضارب زيد وعمرو" و"اصطف زيد وعمرو" و"جلست بين زيد وعمرو"، إذ الاختصام والتضارب والاصطفاف والبينية من المعاني النسبية التي لا تقوم إلا باثنين فصاعدا، ومن هنا قال الأصمعي1: الصواب أن يقال2: [الطويل]
413-
بين الدخول وحومل3
= س- عطف "أي" على مثلها؛ نحو قول الشاعر:
فلئن لقيتك خاليين لتعلمن
…
أيي وأيك فارس الأحزاب
انظر التصريح: 2/ 135-138.
1 مرت ترجمته.
2 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا جزء من مطلع معلقة امرئ القيس، وهو بتمامه:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
…
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 136، والأشموني: 813/ 2/ 417، ومجالس ثعلب: 127، ومجالسي العلماء للزجاجي: 273، والمنصف: 1/ 224، والمحتسب: 2/ 49، ودلائل الإعجاز: 265، وأمالي ابن الشجري: 2/ 39، والإنصاف: 656، وشرح المفصل: 4/ 15، 9/ 33، 78، 10/ 21، والخزانة: 4/ 379، وشرح شواهد الشافية: 242، والهمع: 2/ 129، والدرر: 2/ 166، وسيبويه: 2/ 298، والمغني: 291/ 214، 661/ 466، والسيوطي:158.
المفردات الغريبة: قفا: فعل أمر من الوقوف، والألف فيه للاثنين؛ وقيل: منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، والمخاطب واحد، وعوملت الكلمة في الوصل؛ كما تعامل في الوقف. ذكرى: مصدر بمعنى التذكر. سقط اللوى: السقط -بتثليث السين وسكون القاف: منقطع الرمل حيث يستدق طرفه. واللوى: رمل يتلوى وينحني. الدخول: اسم موضع، وكذلك: حومل.
المعنى: قفا يا صاحبي وشاركاني في البكاء وإرسال الدموع، من أجل تذكر حبيب، كان يقيم هنا، ومنزل كان عامرا به بين هذين الموضعين.
الإعراب: قفا: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بألف الاثنين، والألف ضمير متصل في محل رفع فاعل. نبك: فعل مضارع مجزوم؛ لوقوعه في جواب الطلب، وعلامة جزمه حذف الياء، والفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: نحن. "من ذكرى": متعلق بـ"نبك"، وذكرى مضاف. حبيب: مضاف إليه مجرور. ومنزل: الواو حرف عطف، منزل: اسم معطوف على حبيب. "بسقط": متعلق بمحذوف صفة لـ"منزل"، وسقط مضاف. اللوى: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة =
بالواو1؛ وجحة الجماعة أن التقدير: بين أماكن الدخول فأماكن حومل2؛ فهو بمنزلة "اختصم الزيدون فالعمرون"3.
[الفاء ومعناها] :
وأما الفاء فللترتيب4 والتعقيب5، نحو:{أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} 6، وكثيرا ما
= على الألف؛ للتعذر. "بين": متعلق بمحذوف صفة ثانية لـ"منزل". الدخول: مضاف إليه مجرور. فحومل: الفاء حرف عطف، حومل: اسم معطوف على الدخول مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
موطن الشاهد: "بين الدخول فحومل".
وجه الاستشهاد: معلوم أن بين لا تضاف إلا إلى متعدد سواء أكان التعدد بسبب التثنية، أم الجمع أم العطف؛ ومعلوم أن الفاء العاطفة تدل على الترتيب من غير مهلة؛ فالبينية غير متحققة -هنا- وإنما تتحقق بالعطف بالواو التي تدل على اشتراك العاطف والمعطوف معا دفعة واحدة في مدلول العامل؛ ولهذا، خطأ الأصمعي امرأ القيس، وعُني العلماء بتصحيح عبارته كما بين المصنف.
1 لأن البينية، لا يتحقق معناها بواحد، ولا يعطف فيها بالفاء؛ لأن الفاء تدل على الترتيب.
2 أي: أن كلمتي "الدخول" و"حومل" -هنا- لا يراد بهما جزئي مشخص، وإنما يراد بهما أجزاء هذين المكانين؛ وهنالك مضاف محذوف، يفيد هذا التعدد مثل: أماكن، أو مواضع، أو أجزاء الدخول وحومل. وقد قدر يعقوب: بين أهل الدخول فحومل
…
إلخ. انظرالتصريح: 2/ 136.
3 يقال هذا؛ إذا كان كل فرد، من كل فريق خصما لمن هو من فريقه؛ فيكون اختصام العمرين بعضهم مع بعض، عقب اختصام الزيدين؛ بعضهم مع بعض. ضياء السالك: 3/ 167-168.
4 بنوعيه: المعنوي، والذكري؛ والمعنوي: أن يكون زمن تحقق المعنى في المعطوف متأخرا عنه في المعطوف عليه؛ نحو: من الخير الإنصات؛ فالسماع؛ فمحاولة الفهم. وأما الترتيب الذكري؛ فهو: وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه بحسب التحدث عنهما لا بحسب زمان وقوع المعنى على أحدهما؛ نحو: حدثنا المعلم عن أبي بكر، فعثمان، فعمر.
مغني اللبيب: 213، والتصريح: 2/ 138.
5 هو اتصال المعطوف بالمعطوف عليه بلا مهلة وقصر المدة التي بين وقوع المعنى عليهما، والتعقيب في كل شيء بحسبه.
6 80 سورة عبس، الآية:21. =
تقتضي أيضا التسبب1 إن كان المعطوف جملة؛ نحو: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} 2، واعترض على الأول بقوله تعالى:{أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} 3؛ ونحو: "توضأ فغسل وجهه ويديه" الحديث4؛ والجواب: أن المعنى أردنا إهلاكها، وأراد الوضوء، وعلى الثاني بقوله تعالى:{فَجَعَلَهُ غُثَاءً} 5، والجواب: أن التقدير:
= موطن الشاهد: {أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الفاء حرف عطف مفيدا الترتيب والتعقيب؛ لأن دفن الإنسان في القبر، يعقب موته عادة.
1 أي الدلالة على السببية؛ بأن يكون المعطوف متسببا عن المعطوف عليه؛ ولكنها لا تسمى فاء السببية إلا إذا دخلت على مضارع منصوب بأن المصدرية المضمرة.
2 28 سورة القصص، الآية:15.
موطن الشاهد: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع الفاء حرف عطف يفيد التعقيب والترتيب ومقتضيا التسبب؛ لأن جملة {قَضَى عَلَيْهِ} متسببة عن الجملة الأولى: {وَكَزَهُ مُوسَى} ؛ فالمعطوف عليه سبب في حصول المعطوف.
3 7 سورة الأعراف، الآية:4.
موطن الشاهد: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} .
وجه الاستشهاد: اعترض الفراء على كون الفاء للترتيب المعنوي بهذه الآية؛ لأن الهلاك متأخر عن مجيء الباس في المعنى، وهو متقدم في التلاوة، وذلك ينافي الترتيب الذي في الفاء، ورد عليه بما جاء في المتن؛ أو بأن الفاء للترتيب الذكري لا المعنوي.
4 حديث شريف.
موطن الشاهد: "توضأ فغسل وجهه ويديه".
وجه الاستشهاد: اعترض بهذا الحديث على كون الفاء للترتيب المعنوي كما في الآية الكريمة السابقة، ورد على هذا الاعتراض، بأحد وجهين؛ الأول: أن المعنى: على إضمار الإرادة؛ والتقدير: أراد الوضوء؛ فغسل وجهه وغسل الأعضاء الأربعة مترتب على إرادة الوضوء.
والثاني: أن الفاء للترتيب الذكري لا المعنوي. انظر شرح التصريح: 2/ 139.
5 87 سورة الأعلى، الآية:5.
موطن الشاهد: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} .
وجه الاستشهاد: اعترض بهذه الآية على كون الفاء للتعقيب، في قوله تعالى:{الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} ؛ لأن إخراج المرعى، لا يعقبه جعله غثاء =
فمضت مدة فجعله غثاء1، أو بأن الفاء نابت عن ثم كما جاء عكسه وسيأتي.
[ما تختص به الفاء] :
وتختص الفاء بأنها تعطف على الصلة ما لا يصح كونه صلة لخلوه من العائد2؛ نحو: "اللذان يقومان فيغضب زيد أخواك"3؛ وعكسه؛ نحو: "الذي يقوم أخواك فيغضب هو زيد"، ومثل ذلك جارٍ في الخبر والصفة والحال4؛ نحو:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} 5؛ وقوله6: [الطويل]
= أحوى؛ أي: يابسا أسود؛ ورد على هذا الاعتراض بأن جملة "جعله
…
" معطوفة على جملة محذوفة؛ والتقدير: فمضت مدة فجعله غثاء، أو: بأن الفاء نابت عن "ثم"؛ والمعنى: "ثم جعله غثاء". انظر التصريح: 2/ 139.
1 فيكون المعطوف عليه محذوفا. وقد قيل: إن هذا لا يدفع الاعتراض؛ لأن مضي المدة، لا يعقب الإخراج. وأجيب بأنه يكفي أن يكون أول أجزاء المضي متعقبا للإخراج، وإن لم يحصل بتمامه إلا في زمن طويل؛ نحو قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} ؛ فإن اخضرار الأرض يبتدئ بعد نزول المطر، لكن يتم في مدة ومهلة.
2 وذلك؛ لأن ما فيها من معنى السببية؛ التي تجعل ما قبلها وما بعدها في حكم جملة واحدة يغني عن الرابط.
3 "اللذان": مبتدأ. "يقومان": الجملة صلة "فيغضب زيد" الجملة معطوف بالفاء على جملة يقومان الواقعة صلة؛ وكان القياس عدم صحة العطف؛ لخلوها من ضمير يعود إلى الموصول؛ لأنها رفعت الظاهر، وهو "زيد" ولكن عطفها بالفاء سوغ ذلك؛ لما في الفاء من معنى السبب "أخوك" خبر المبتدأ.
4 أي: تعطف جملة تصلح لتلك الأشياء، على جملة لا تصلح.
5 22 سورة الحج، الآية:63.
موطن الشاهد: {فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} .
وجه الاستشهاد: عطف جملة "فتصبح" على جملة "أنزل" الواقعة خبرا لـ"أن"، وكان القياس أن لا يصح العطف؛ لخلوها من ضمير يعود على اسم "أن"؛ لأن الجملة المعطوفة على الخبر خبر؛ ولكنها لما قرنت بالفاء ساغ ذلك.
التصريح: 2/ 139.
6 القائل: هو غيلان بن عقبة، المعروف بذي الرمة. وقد مرت ترجمته.
414-
وإنسان عيني يحسر الماء تارة
…
فيبدو1.........
[ثم ومعناها] :
وأما "ثم" فللترتيب والتراخي2، نحو:{فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} 3، وقد
1 تخريج الشاهد: البيت بتمامه:
وإنسان عيني يحسر الماء تارة
…
فيبدو وتارات يجم فيغرق
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 139، والأشموني: 537/ 2/ 288، والعيني: 1/ 578، 4/ 178، ومجالس ثعلب: 612، والمحتسب: 1/ 150، والمقرب: 13، والهمع: 1/ 89، والدرر: 1/ 74، وديوان ذي الرمة:395.
المفردات الغريبة: إنسان عيني: هو النقطة السوداء اللامعة وسط سواد العين. يحسر: ينكشف وينزاح. فيبدو: فيظهر. يجم: يكثر.
المعنى: أن إنسان العين ينكشف عنه الماء ويزول أحيانا، فيظهر الإنسان للرائي وأحيانا يكثر الماء في العين فيغرق إنسانها ويستتر، ولا يرى.
الإعراب: إنسان: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. عيني: مضاف إليه، وهو مضاف، والياء في محل جر بالإضافة. يحسر: فعل مضارع مرفوع. الماء: فاعل مرفوع.
تارة: مفعول مطلق منصوب. فيبدو: الفاء عاطفة، يبدو: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو للثقل، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وتارات: الواو عاطفة، تارات: اسم معطوف على تارة منصوب وعلام نصبه الكسرة لأنه جمع مؤنث سالم. يجم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو يعود إلى الماء. فيغرق: الفاء عاطفة، يغرق: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو يعود إلى إنسان عيني.
موطن الشاهد: "فيبدو".
وجه الاستشهاد: عطف جملة "يبدو" التي تصلح لأن تكون خبرا عن المبتدأ "إنسان"؛ لاشتمالها على ضمير يعود إليه على جملة لا تصلح لذلك لخلوها من ذلك الضمير؛ وهي جملة: "يحسر الماء".
2 التراضي هو "انقضاء مدة زمنية بين وقوع المعنى على المعطوف عليه، ووقوعه على المعطوف وتحديد هذه المدة متروك للعرف. و"ثم" تعطف المفردات والجمل، وقد تدخل عليها تاء التأنيث لتأنيث اللفظ. فتخص بعطف الجمل؛ نحو: من ظفر بمطلوبه ثمت أهمل في الحفاظ عليه فلا يلومن إلا نفسه. وتكتب بتاء غير مربوطة. مغني اللبيب: 160، والتصريح: 2/ 140، والجنى الداني:426.
3 80 سورة عبس، الآية: 21، 22. =
توضع موضع الفاء؛ كقوله1: [المتقارب]
415-
جرى في الأنابيب ثم اضطرب2
= موطن الشاهد: {فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ثم" حرف عطف يفيد الترتيب والتراخي؛ لأن نشر الموتى يوم القيامة؛ وبين دفن الإنسان وبين نشره مدة طويلة لا يعلمها إلا الله.
القائل هو: أبو دؤاد الإيادي، واسمه حارثة بن الحجاج؛ وقد مرت ترجمته.
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
كهز الرديني تحت العجاج
والبيت من قصيدة يصف فيها فرسه، وينشد قبله قوله:
إذا قيد قحم من قاده
…
وولت علابيبه واجلعب
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 140، والأشموني: 814/ 2/ 417، والمغني: 186/ 160، والسيوطي: 124، ومعاني ابن قتيبة: 1/ 58، والعيني: 4/ 131، والهمع: 2/ 131، والدرر: 2/ 174، وديوان أبي دؤاد الإيادي:292.
المفردات الغريبة: الرديني: الرمح المنسوب إلى ردينة؛ وهي امرأة اشتهرت بصنع الرماح بهجر. العجاج: الغبار، والمراد: ما تثيره أقدام المتحاربين أو خيولهم. الأنابيب: جمع أنبوب؛ وهو ما بين كل عقدتين من القصب.
المعنى: أن اهتزاز هذا الفرس وسرعة عدوه ذهابا وجيئة في أثناء القتال، يشبه اهتزاز الرمح واضطرابه، في سرعة وخفة، في كل ناحية تحت غبار المعركة.
الإعراب: "كهز": متعلق بخبر لمبتدأ محذوف؛ وبعضهم علقه بمحذوف واقع صفة لمفعول مطلق محذوف عامله "اجعلب" في بيت "سابق، وهو مضاف. الرديني: مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله. "تحت": منصوب متعلق بـ"هز"، وهو مضاف. العجاج: مضاف إليه مجرور. جرى: فعل ماضٍ مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر؛ والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو. "في الأنابيب": متعلق بـ"جرى". ثم: حرف عطف. اضطرب: فعل ماضٍ مبني على الفتح، وسكن لضرورة الروي.
موطن الشاهد: "ثم اضطرب".
وجه الاستشهاد: مجيء ثم -هنا- بمعنى الفاء؛ لأن اضطراب الرمح يحدث عقب اهتزاز أنابيبه مباشرة، في لحظات من غير مهلة. وفي معنى الفاء وثم، يقول ابن مالك:
والفاء للترتيب باتصال
…
وثم للترتيب بانفصال
=
[حتى وشروطها] :
وأما "حتى" فالعطف بها قليل؛ والكوفيون ينكرونه1، وشروطه أربعة أمور: أحدها: كون المعطوف اسما2.
= ومعنى باتصال؛ أي: من غير مهلة زمنية؛ وهو ما عبر عنه بالتعقيب.
ومعنى بانفصال؛ أي: بمهلة زمنية، وهي ما عبر عنها بالتراخي.
فائدة: قد ترد "ثم" للترتيب الذكري الإخباري؛ الذي يقصد به مجرد الإخبار وسرد المعطوفات من غير ملاحظة ترتيب كلامي سابق، ولا ترتيب زمني حقيقي؛ كقول الشاعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه
…
ثم قد ساد قبل ذلك جده
انظر ضياء السالك: 3/ 172-173.
توجيهان: أ- قد ترد "ثم" للترتيب الذكري الإخباري؛ أي الذي يقصد به مجرد الإخبار وسرد المعطوفات من غير ملاحظة ترتيب كلامي سابق، ولا ترتيب زمني حقيقي؛ كقول الشاعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه
…
ثم قد ساد قبل ذلك جده
الأشموني: 2/ 418.
ب- وقد تدخل همزة الاستفهام على "ثم"، و"الواو"، و"الفاء"، مثل:{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} .
فقيل: إن الهمزة تقدمت على العاطف لأصالتها في التصدير؛ وقيل: إن هذا حروف استئناف داخلة على جمل مستأنف.
1 ويجعلونها ابتدائية في مثل: جاء القوم حتى محمد، وما بعدها على إضمار عامل. وحتى تفيد ترتيب أجزاء ما قبلها ذهنا.
مغني اللبيب: 173.
2 هذا مذهب جمهور النحاة، وحجتهم أنها منقولة من "حتى" الجارة، وحرف الجر لا يدخل إلا على الاسم؛ فبقي لحتى بعد نقلها ما كان لها قبل النقل. وخالف بذلك ابن السيد، وكأنه نظر إلى ما طرأ عليها من النقل للعطف، وقاسها على غيرها من حروف العطف، فإذا قلت:"أكرمت زيدا بكل ما أقدم عليه حتى جعلت نفسي له حارسا" أو قلت: "بخل علي زيد بكل شيء حتى منعني دانقا"؛ جاز في هذين المثالين اعتبار حتى عاطفة عند ابن السيد، والجمهور يمنعون ذلك؛ فالمثالان عندهم إما خطأ، وإما على تأويل الفعل التالي لحتى بمصدر مجرور بها. هذا ولا يصح أن يكون المعطوف =
والثاني: كونه ظاهرا1؛ فلا يجوز "قام الناس حتى أنا" ذكره الخضراوي2.
والثالث: كونه بعضا من المعطوف عليه، إما بالتحقيق3؛ نحو:"أكلت السمكةَ حتى رأسَها"، أو بالتأويل؛ كقوله4:"الكامل"
416-
ألقى الصحيفة كي يخفف رحله
…
والزاد حتى نعله ألقاها5
= بحتى حرفا؛ لأن الحرف لا يدخل على نظيره غالبا إلا في التوكيد اللفظي أو الضرورة الشعرية، ولا يصح أن يكون جملة.
مغني اللبيب: 172، والتصريح: 2/ 141، ورصف المباني: 180، والجنى الداني:542.
1 ذكر ابن هشام أنه لم يقف عليه لغيره، ووجه قول الخضراوي: أن أصل "حتى": أن تكون جارة، فاستصحبوا بعد نقلها إلى العطف حالها بعد النقل؛ ولهذا، لا يجوز أن تقول:"حضر الناس حتى أنا"؛ لأن حتى الجارة لا تجر إلا الأسماء الظاهرة؛ هذا، وقد حقق الصبان عدم اشتراط ذلك.
مغني اللبيب: 171، وحاشية الصبان: 3/ 67.
2 مرت ترجمته.
3 يعتبر بعضا من المعطوف عليه بالتحقيق ثلاثة أمور هي:
الأول: أن يكون جزءا من كل؛ نحو: أكلت السمكة حتى رأسها.
الثاني: أن يكون فردا من جمع؛ نحو قولهم: قدم الحجاج حتى المشاة.
الثالث: أن يكون نوعا من جنس؛ نحو: أعجبني التمر حتى البرين.
التصريح: 2/ 141.
4 القائل: هو أبو مروان النحوي، ولم أعثر له على ترجمة.
تخريج الشاهد: البيت من كلمة يحكي فيها قصة المتلمس، وفراره من عمرو بن هند، وبعده قوله:
ومضى يظن بريد عمرو خلفه خوفا، وفارق أرضه وقلاها.
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 141، 214، والأشموني: 538/ 2/ 289، والمغني: 199/ 167، 203/ 171، 262/ 175، وسيبويه: 1/ 50، والجمل: 81، والعيني: 4/ 134، والهمع: 2/ 24، 136، والدرر: 2/ 16، 188، وحاشية يس على التصريح: 1/ 302.
المفردات الغريبة: ألقى: رمى إلى الأرض. الصحيفة: ما يكتب فيه من ورق وغيره. =
........................................................
= رحله، الرحل: ما يستصحبه المرء من المتاع وهو أيضا: ما يوضع على ظهر الناقلة بمنزلة السرج للفرس. الزاد: كل ما يستصحبه المسافر ليبلغه مقصده.
المعنى: أن المتلمس رمى بالصحيفة؛ ليخفف ما معه من متاع، وألقى كذلك ما معه من زاد يتبلغ به، حتى نعله التي يلبسها رمى بها. وكان من أمر هذه الصحيفة: أنه وطرفة هجيا عمرو بن هند -الملك-؛ ثم مدحاه بعد ذلك، فكتب لكل منهما صحيفة إلى عامله بالحيرة وختمهما، وأمره فيهما بقتلهما، وأوهمهما، بأنه كتب لهما بصلة، فلما بلغا الحيرة، فتح المتلمس صحيفته، وعلم بما فيها؛ فألقاها في النهر، وفر إلى الشام، وأبى طرفة أن يفتح صحيفته ودفعها إلى العامل فقتله.
الإعراب: ألقى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والفاعل: هو. الصحيفة: مفعول به منصوب. كي: حرف تعليل. يخفف: فعل مضارع منصوب بـ"أن" المضمرة بعد "كي"؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": مجرور بـ"كي"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"ألقى"؛ والتقدير: ألقى الصحيفة؛ لتخفيف رحله؛ وجملة "يخفف رحله": صلة للموصول الحرفي، لا محل لها. رحله: مفعول به منصوب، وهو مضاف، و"الهاء": في محل جر بالإضافة. والزاد: الواو عاطفة، الزاد: اسم معطوف على رحله، منصوب. حتى: حرف عطف، لا محل له من الإعراب. نعله: مفعول به منصوب لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ والهاء: مضاف إليه. وتقدير الكلام: حتى ألقى نعله؛ وعلى هذا التقدير: "فحتى" عطفت جملة "ألقى فعله" على جملة "ألقى الصحيفة". ألقاها: فعل ماضٍ، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، و"ها": في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "ألقاها": تفسيرية، لا محل لها؛ ويجوز أن تكون "حتى": حرف عطف بمعنى الواو، ويكون "نعله" معطوفا على الزاد؛ عطف مفرد على مفرد، وجملة "ألقاها": توكيد لجملة "ألقى الصحيفة"؛ ويكون ضمير "ها" البارز في ألقاها عائدا إلى الصحيفة؛ وهذا الوجه والذي سبقه على رواية النصب في "نعله"؛ وقد وردت بالجر والرفع؛ وتخريجهما؛ كالآتي: تخرج رواية الجر على أن "حتى" حرف جر، و"نعله" مجرور بها، ومضاف إليه؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"ألقى" السابق؛ وجملة "ألقاها": توكيدية. وتخرج رواية الرفع في "نعله" على أنها مبتدأ مرفوع، ومضاف إليه؛ وخبره: جملة "ألقاها"؛ وعليها فـ"حتى" ليست عاطفة، وإنما هي حرف ابتداء؛ وجملة "نعله ألقاها": ابتدائية لا محل لها.
موطن الشاهد: "حتى نعله".
وجه الاستشهاد: عطف "نعله" بـ"حتى" على ما قبله؛ لأنه بعض من المعطوف عليه -بالتأويل- كما بين المصنف؛ ويجوز أن يكون "نعله" منصوبا بفعل محذوف، يفسره =
فيمن نصب "نعله"، فإن ما قبلها في تأويل ألقى ما يثقله، أو شبيها بالبعض؛ كقولك:"أعجبتني الجاريةُ حتى كلامُها"، ويمتنع "حتى ولدُها"1 وضابط ذلك أنه إن حسن الاستثناء حسن دخول حتى2.
والرابع: كونه غاية في زيادة حسية؛ نحو: "فلان يهب الأعدادَ الكثيرةَ حتى الألوفَ" أو معنوية؛ نحو: "مات الناسُ حتى الأنبياءُ، أو الملوكُ"، أو في نقص كذلك؛ نحو" المؤمن يجزى بالحسناتِ حتى مثقالِ الذرةِ"، ونحو:"غلبك الناس حتى الصبيان، أو النساء"3.
[أم المتصلة ومعناها] :
وأما "أم" فضربان: منقطعة وستأتي، ومتصلة: وهي المسبوقة إما بهمزة
= المذكور -كما بينا في الإعراب- وهذا على رواية النصب؛ وعلى روايتي الرفع والجر، أوضحنا تخريجهما بما لا يستلزم الإعادة؛ والذي يهمنا -هنا- ما الذي سوغ العطف بـ"حتى" على رواية النصب؟ والجواب هو: لما كان النعل بعض ما يثقله، ويضعف حركته في الهرب؛ كان من ضمن ما يثقله؛ لأنه يشترط بالعطف بـ"حتى" أن يكون المعطوف بعض المعطوف عليه.
1 لأن الولد ليس جزءا منها ولا شبيها بالجزء؛ بخلاف كلامها، فإنه لشدة اتصاله بها؛ صار كجزئها.
2 المراد: الاستثناء المتصل؛ لأن شرط الاستثناء المتصل؛ أن يتناول ما قبل أداته ما بعدها نصا.
3 إذا لم يكن ما بعد "حتى" من جنس ما قبلها -إما تحقيقا وإما تأويلا وإما تشبيها- أو كان ما بعدها من جنس ما قبلها على أحد الوجوه الثلاثة؛ ولكنه لم يكن غاية لما قبلها، أو كان ما بعدها غاية وطرفا لما قبلها؛ لكنه ليس دالا على زيادة، أو نقص حسيين، أو معنويين؛ فإنه لا يجوز أن تجعلها عاطفة، ويتفرع على هذا، أنك لو قلت: صادقت العرب حتى "العجم"؛ لم يصح؛ لأن العجم ليس من جنس العرب؛ ولو قلت: "خرج الفرسان إلى القتال حتى بنو فلان"، وكان بنو فلان هؤلاء في وسط الفرسان؛ لم يصح؛ لأن ما بعد حتى -حينئذ- ليس غاية لما قبلها؛ إذ الغاية، ليست إلا في الأطراف -عاليها وسافلها- ولو قلت:"زارني القوم حتى زيد"، ولم يكن زيد متميزا بفضل، أو منفردا بخسيسة؛ لم يصح؛ لأن ما بعد حتى -حينئذ- ليس ذا زيادة ولا نقص.
انظر التصريح: 2/ 142.
التسوية1؛ وهي الداخلة على جملة في محل المصدر2، وتكون هي والمعطوفة عليها فعليتين؛ نحو:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} 3، أو اسميتين؛ كقوله4:[الطويل]
417-
أموتي ناءٍ أم هو الآن واقعُ5
1 سميت بذلك؛ لوقوعها غالبا بعد لفظ "سواء" أو: لا أبالي، أو: لا أدري، أو ما يشبهها؛ في الدلالة على أن الجملتين بعدها متساويتان في الحكم عند المتكلم؛ كقول الشاعر:
ما أبالي أنب بالحزن تيس
…
أم لحاني بظهر غيب لئيم
2 من علاماتها: أن تتوسط بين جملتين خبريتين؛ قبلهما همزة، وكلتا الجملتين يصلح أن يحل محلها هي والهمزة، مصدر مؤول منهما معا.
3 2 سورة البقرة، الآية: 6، 36 سورة يس، الآية:10.
موطن الشاهد: {أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" حرف عطف؛ عطف جملة فعلية على جملة فعلية مثلها؛ والتقدير: إنذارك وعدم إنذارك سواء؛ بعد تأويل الجملة بمصدر؛ وهذا من مواضع سبك الجملة بلا سابك على تقدير "أن". انظرالتصريح: 2/ 142.
4 لم ينسب البيت إلى قائل معين، ويظهر أنه لمتمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ولست أبالي بعد فقدي مالكا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 142، والأشموني: 821/ 2/ 421، والعيني: 4/ 136 والهمع: 2/ 132، والدرر: 2/ 175، والمغني: 55/ 61، والسيوطي:49.
المفردات الغريبة: أبالي: أكترث وأعبأ. ناء: بعيد. وهو اسم فاعل من نأى ينأى: أي: بعد.
المعنى: لست مهتما ولا مكترثا بشيء في الحياة، بعد أن فقدت أخي مالكا، ولا يعنيني -وقد فقدته- أن يكون موتي بعيدا أو ينزل بي الآن.
الإعراب: لست: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم "ليس". أبالي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا؛ وجملة "أبالي": في محل نصب خبر "ليس". "بعد": متعلق بـ"أبالي"، وهو مضاف. فقدي: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة؛ من إضافة المصدر إلى فاعله. مالكا: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه =
أو مختلفتين؛ نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} 1، وإما بهمزة يطلب بها وبأم التعيين2، وتقع بين مفردي متوسط بينهما ما لا يسأل عنه؛ نحو:{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} 3، أو متأخرا عنهما؛ نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ
= الفتحة الظاهرة. أموتي: الهمزة حرف استفهام، موتي: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل الياء، والياء: في محل جر بالإضافة. ناءٍ: خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين؛ وجملة "موتي ناءٍ": في محل نصب مفعولا به لـ"أبالي"؛ المعلق عن العمل في اللفظ بالاستفهام. أم: حرف عطف. هو؛ ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الآن: مفعول فيه ظرف زمان منصوب بقوله: "واقع" الآتي. واقع: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ وجملة "هو الآن واقع": معطوفة على الجملة السابقة "موتي ناءٍ": في محل نصب.
موطن الشاهد: "أموتي ناءٍ أم هو واقع".
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" بين جملتين اسميتين؛ وقد عطفت إحداهما على الأخرى؛ والمعنى: لست أبالي؛ بعد موتي أو حصل الآن.
1 7 سورة الأعراف، الآية:193.
موطن الشاهد: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} .
وجه الاستشهاد: عطفت "أم" جملة اسمية على جملة فعلية؛ والتقدير -بعد التأويل: سواء عليكم دعاؤكم إياهم -أي الأصنام- وصمتكم؛ ومن هذه الآية وما قبلها، يتضح لنا، أن "أم" المتصلة المسبوقة بهمزة التسوية، لا تعطف إلا جملة على جملة، وعطفها للمفرد نادر لا يقاس عليه.
2 همزة التعيين: هي الواقعة بعد ما أدري، ولا أعلم، وليت شعري ونحوها، وتسد، "أي" مسدها مع "أم" في طلب التعيين، وتخالف همزة التسوية؛ فتتطلب جواب بتعيين أحد الشيئين؛ لأنها لم تنسلخ عن الاستفهام.
3 79 سورة النازعات، الآية:27.
موطن الشاهد: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" حرف عطف مسبوقا بهمزة يراد بها معها التعيين؛ لأن الاستفهام -هنا- توبيخي، والسؤال عن المبتدأ:"أنتم"، والمعادل:"السماء" المعطوفة على "أنتم"؛ وهما مفردان، وقد توسط بينهما غير المسئول عنه؛ وهو "أشد خلقا" الواقع خبرا تقديرا عن المتعاطفين.
أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} 1، وبين فعليتين؛ كقوله2:[البسيط]
418-
فقلت أهي سرت أم عادني حلم3
1 21 سورة الأنبياء، الآية:109.
موطن الشاهد: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} .
وجه الاستشهاد: السؤال في هذه الآية عن الخبر؛ وهو قريب وبعيد؛ والمسئول عنه متأخر؛ وهو ما توعدون؛ وذلك؛ لأن شرط الهمزة المعادلة لـ"أم" أن يليها أحد الأمرين المطلوب تعيين أحدهما، ويلي "أم" المعادل الآخر؛ ليفهم السامع من أول الأمر ما يطلب تعيينه؛ ويرى سيبويه: أن إيلاء المسئول عنه الهمزة أولى، لا واجب. انظر التصريح: 2/ 143.
2 قيل هو: زيادة بن حمل، وقيل: زياد بن منقذ العدوي؛ المعروف بالمرار الحنظلي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فقمت للطيف مرتاعا فأرقني
وهو من كلمة يحن فيها الشاعر إلى وطنه؛ وقبله قوله:
زارت رقية شعثا بعد ما هجعوا
…
لدى نواحل في أرساغها الخدم
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 143، والأشموني: 823/ 2/ 421، والخصائص: 1/ 305، 2/ 330، والخزانة: 2/ 391، وشرح المفصل: 7/ 179، والهمع: 1/ 61، 2/ 132، والدرر: 1/ 37، 2/ 175، ومجالس العلماء للزجاجي: 1396 وشرح شواهد الشافعية للبغدادي: 190، والمغني: 56/ 62، 705/ 495، والسيوطي: 49 وشرح التبريزي على ديوان الحماسة: 3/ 324.
المفردات الغريبة: الطيف: المراد به خيال المحبوبة الذي يراه في النوم. مرتاعا: خائفا، يقال: راعه فارتاع؛ أي: أفزعه ففزع، ولا ترع: أي لا تخف. أرقني: أسهرني. أهي "بسكون الهاء": إجراء لهمزة الاستفهام مجرى واو العطف وفائه. سرت: من السرى؛ وهو السير ليلا. عادني: زارني وأتاني بعد إعراض.
المعنى: استيقظت من النوم فزعا خائفا؛ لما رأيت في نومي خيال المحبوبة وقلت في نفسي -وقد أطار ذلك النوم من عيني: أهي المحبوبة جاءت إلي ليلا؟ أم ذلك حلم ومنام؟!
الإعراب: فقلت: الفاء عاطفة، قلت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. أهي: الهمزة حرف استفهام. هي: فاعل لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده "سرت". سرت: =
لأن الأرجح كون "هي" فاعلا بفعل محذوف، واسميتين1؛ كقوله2:[الطويل]
419-
شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر3
= فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، والتاء للتأنيث، لا محل لها من الإعراب، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي؛ وجملة "سرت": تفسيرية، لا محل لها؛ وجملة "الفعل المحذوف وفاعله": في محل نصب مفعولا به بعد القول. أم: حرف عطف، لا محل له من الإعراب. عادني: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به. حلم: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ وجملة "عادني حلم": معطوفة على جملة "الفعل المحذوف وفاعله" في محل نصب.
موطن الشاهد: "أهي سرت أم عادني حلم".
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" المعادلة لهمزة الاستفهام بين جملتين فعليتين؛ لأن "هي" فاعل لفعل محذوف على الأرجح -كما بينا في الإعراب- لأن الأصل في الاستفهام أن يكون عن أحوال الذوات المتجددة؛ لأنها تتجدد وتحصل بعد أن لم تكن؛ والدال على هذه الأحوال، هو الفعل؛ وأما الاستفهام عن نفس الذوات التي تدل عليها الأسماء فقليل؛ والقليل لا يحمل عليه الكثير، ما دام الكثير صحيح المعنى.
1 وقد تكون الجملتان مختلفتين؛ أولاهما: اسمية، والثانية: فعلية؛ نحو: قوله تعالى: {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} ؛ ومن مجيء الأولى فعلية، والثانية اسمية قوله تعالى:{أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} ؛ لأن "أنتم": فاعل بفعل محذوف يفسره المذكور لما علمت من أن همزة الاستفهام أولى بالفعل من حيث إن الأصل في الاستفهام؛ أن يكون عما من شأنه أن يكون محل شك أو تردد وذلك هو أحوال الذوات التي تعبر عنها الأفعال، فأما الذوات أنفسها فيقل أن تكون محل تردد أوشك.
مغني اللبيب: 61، حاشية يس على التصريح: 2/ 143.
2 ينسب البيت إلى الأسود بن يعفر التميمي، وينسب إلى اللعين المنقري، وقد مرت ترجمة كل منهما.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، في هجاء قبيلة شعيث بأنها لا تعزى إلى أب معين؛ وصدره قوله:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا
=
...........................................
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 143، والأشموني: 824/ 2/ 421، والمغني: 57/ 62، والسيوطي: 51، وسيبويه: 1/ 485، وفيه منسوب إلى الأسود بن يعفر، والكامل للمبرد: 1/ 357، 380، وفيه منسوب إلى: اللعين المنقري، والمحتسب: 1/ 50، والخزانة: 4/ 450، والعيني: 4/ 138، والهمع: 2/ 132، والدرر: 2/ 175.
المفردات الغريبة: ما أدري: ما أعلم. داريا: أي: من أهل الدراية والعلم بالأنساب. شعيث: اسم حي من بني تميم. سهم: اسم حي من قيس عيلان. منقر: حي ينتهي إلى زيد مناة بن تميم.
المعنى: يقسم الشاعر بأنه لا يعلم -وإن كان من أهل العلم والمعرفة بالأنساب- أي نسبي شعيث هو الصحيح والحق؛ أنسبتها إلى سهم؟ أم نسبتها إلى منقر؟.
الإعراب: لعمرك: اللام لام الابتداء، عمر: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة؛ والخبر محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمرك قسمي. ما أدري: ما نفية، لا محل لها من الأعراب. أدري: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره أنا. وإن: الواو اعتراضية، إن: شرطية جازمة؛ ويجوز أن تكون الواو حالية، فتكون "إن" زائدة. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: في محل رفع اسمه. داريا: خبر كان منصوب؛ وجملة "كنت داريا": في محل نصب على الحال؛ إن عدت الواو حالية؛ وإن عدت الواو اعتراضية؛ فالجملة معترضة، لا محل لها. شعيث: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. ابن: خبر مرفوع، وهو مضاف. سهم: مضاف إليه مجرور. أم: حرف عطف. شعيث: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. ابن: خبر المبتدأ وهو مضاف. منقر: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "شعيث بن سهم": في محل نصب مفعولا به لـ"أدري" وقد علق فعل أدري عن العمل في اللفظ بالهمزة المحذوفة؛ وجملة "شعيث بن منقر": معطوفة على الجملة السابقة في محل نصب.
موطن الشاهد: "شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر".
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" المعادلة للهمزة بين جملتين اسميتين؛ ولهذا، ثبتت همزة "ابن"؛ لأنها تحذف إذا كان "ابن" صفة لعلم، ومضافا إلى علم؛ والثاني أبو الأول؛ وهو -هنا- خبر.
فائدة: ذكر سيبويه: أنه إذا جاءت همزة التسوية بعد كلمة "سواء" فلا بد من ذكر "أم" العاطفة؛ فإن لم تأت الهمزة بعد "سواء" عطف الثاني على الأول بـ"أو"؛ نحو: سواء =
الأصل: "أشعيث" فحذفت الهمزة والتنوين منهما1.
[أم المنقطعة ومعناها] :
والمنقطعة هي الخالية من ذلك2، ولا يفارقها معنى الإضراب3، وقد
= علينا رضي العدو أو سخط. وجاء في المغني: أنه لا يصح العطف بـ"أو" بعد "سواء"؛ سواء ذكرت همزة التسوية أم حذفت.
انظر ضياء السالك: 3/ 179.
1 أما حذف التنوين فللضرورة؛ بناء على أن "شعيثا" مصروف نظرا إلى الحي، ويحتمل أنه ممنوع من الصرف نظرا إلى القبيلة، ولا ينافي ذلك الوصف بابن؛ لجواز رعاية التذكير والتأنيث باعتبارين. وأما حذف الهمزة؛ فجائز اختيارا. ونقل الدماميني اطراد حذفها اخيتارا قبل أم المتصلة؛ لكثرته نظما ونثرا، وذلك إن علم أمرها، ولم يوقع حذفها في لبس.
التصريح، وحاشية التصريح: 2/ 143.
هذا، وقد تحذف "أم" مع معطوفها على قلة؛ كقول الشاعر:
دعاني إليها القلب إني لأمره
…
سميع فما أدري أرشد طلابها
يريد: أرشد أم غي؟
وقيل: إن الهمزة للتصديق؛ فلا تحتاج لمعادل.
2 يريد أنها هي التي لا تتقدم عليها همزة التسوية، ولا الهمزة التي يطلب بها وبأم التعيين: وإنما سميت منقطعة -والحالة هذه-؛ لوقوعها بين جملتين مستقلتين في معناهما؛ لكل منهما معنى خاص يخالف معنى الأخرى، ولا يتوقف أداء أحدهما وتمامه على الآخر، التصريح: 2/ 144.
3 الإضراب -هنا: إبطال الحكم السابق ونفي مضمونه والانصراف عنه إلى ما بعدها، ويسمى هذا: الإضراب الإبطالي. وقد يراد الانتقال من غرض إلى آخر يخالفه، وحينئذ؛ يسمى: الإضراب الانتقالي.
هذا، ويذهب البصريون إلى أن "أم" المنقطعة تدل على الإضراب والاستفهام معا، في كل مثال؛ فلا تكون في مثال ما للإضراب وحده، ولا تكون في مثال ما للاستفهام وحده. ويذهب الكوفيون: إلى أنها تدل على الإضراب في كل مثال، وقد تدل -مع دلالتها على الإضراب- على الاستفهام الحقيقي، أو الإنكاري، وقد لا تدل على الاستفهام أصلا، ولا تأتي للدلالة على الاستفهام وحده في مثال ما، وعلى هذا جرى المؤلف هنا. ويذهب أبو عبيدة إلى أن "أم" المنقطعة على ثلاثة أوجه: =
تقتضي مع ذلك استفهاما؛ حقيقيا نحو: "إنها لإبلٌ أم شاءٌ"1؛ أي: بل أهي شاء، وإنما قدرنا بعدها مبتدأ؛ لأنها لا تدخل على المفرد2، أو إنكاريا؛ كقوله تعالى:{أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ} 3؛ أي: أله البنات، وقد لا تقضيه البتة؛ نحو:{أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} 4؛ أي: بل هل تستوي؛ إذ لا يدخل استفهام على استفهام5؛
= 1- دالة على الإضراب وحده. 2- دالة على الاستفهام وحده. 3- دالة على الإضراب والاستفهام معا.
ويذكر بعض العلماء: أنه لا خلاف بين الكوفيين والبصريين في مجيء "أم"؛ للدلالة على الإضراب وحده، وإنما الخلاف في تسميتها؛ هل تسمى منقطعة أو لا؟.
مغني اللبيب: 66، التصريح: 2/ 144، ورصف المباني: 93، والمقتضب: 3/ 286.
1 أخبر أولا بأنها إبل، ثم تحقق غير ذلك، فاضرب عنه مستفهما عن كونها شاء.
2 لأنها غير عاطفة؛ بل هي بمعنى بل الابتدائية، وحرف الابتداء، لا يدخل إلا على جملة، فـ"شاء" خبر لمبتدأ محذوف، وقيل: لعطف المفرد بقلة.
التصريح: 2/ 144، ومغني اللبيب:68.
3 52 سورة الطور، الآية:39.
موطن الشاهد: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أم" مفيدة الاستفهام الإنكاري؛ ولا يصح أن تقدر هنا للإضراب المحض؛ لأن ذلك يجعل الكلام إخباريا بنسبة البنات إليه تعالى والله سبحانه منزه عن ذلك.
انظر شرح التصريح: 2/ 144.
4 13 سورة الرعد، الآية:16.
موطن الشاهد: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}
غير مقتضية الاستفهام؛ لا الحقيقي، ولا الإنكاري؛ لأن التقدير:"بل هل تستوي الظلمات والنور؟ " ولا يقدر: بل أهل؛ لأنه لا يدخل استفهام على استفهام. التصريح: 2/ 144.
5 عرفنا سابقا أن مذهب البصريين في "أم" المنقطعة أنها تدل على الإضراب والاستفهام معا، وأن مذهب الكوفيين أنها تدل على الإضراب دائما، وقد تدل على الاستفهام مع دلالتها على الإضراب، وقد لا تدل على الاستفهام. وعلمنا أن ابن هشام، اختار مذهب الكوفيين؛ لأن الآية التي تلاها:{أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} ترجح مذهب الكوفيين وذلك؛ لأن "أم" خالية من الدلالة على الاستفهام؛ لوقوع حرف =
هذا باب نعم وبئس1
[معناهما وشروط مرفوعهما] :
وهما فعلان عند البصريين والكسائي؛ بدليل "فبها ونعمت"2، واسمان عند باقي الكوفيين3؛ بدليل "ما هي بنعم الولد"4؛.......................
1 اعلم أنهما يستعملان تارة للإخبار بالنعمة والبؤس فيتصرفان كسائر الأفعال، تقول: نعم محمد بكذا ينعم به فهو ناعم، وبئس كذلك. وتارة لإنشاء المدح والذم فلا يتصرفان لما سيأتي، وهذا الاستعمال هو المراد هنا.
2 هذا جزء من حديث؛ وتمامه: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل".
والحديث أخرجه: أبو داود في سننه: 354، والنسائي: 3/ 94، والترمذي:497. والسنن الكبرى للبيهقي: 1091، ومسند أحمد بن حنبل: 5/ 15-16، 22، وفي شرح السنة للبغوي: 2/ 67، ومشكاة المصابيح للتبريزي: 540، وتفسير القرطبي: 18/ 106.
موطن الشاهد: "نعمت".
وجه الاستشهاد: مجيء "نعم" فعلا؛ بدليل اتصاله بتاء التأنيث الساكنة؛ وهي لا تدخل إلا على الفعل؛ وحكى الكسائي: نعما رجلين، ونعموا رجالا؛ وضمائر الرفع البارزة المتصلة؛ من خصائص الأفعال أيضا؛ فهذا دليل "ثان" على الفعلية. ضياء السالك: 3/ 81؛ والتصريح: 2/ 94.
3 وقد بنيا على الفتح لتضمنهما معنى الإنشاء، ويعربان مبتدأين، ومعناهما: الممدوح والمذموم، وما هو فاعل على المشهور يعرب بدلا أو عطف بيان. والخبر هو المخصوص بالمدح أو الذم، ويجوز العكس. وفي مثل: نعم رجلا محمد؛ يعرب "رجلا" تمييزا أو حالا.
4 قول لبعض العرب حين بشر بأنثى، وتمامه:"نصرها بكاء، وبرها سرقة". ووجه الدلالة فيه دخول حرف الجر على "نعم"، والولد ونحوه فيما استدلوا به مجرور؛ لأنه تابع للمجرور، أي: ما هي بالممدوح الولد، فإن كان مرويا بالرفع فلعله مقطوع عما =
[العطف بـ"أو". معنى "أو" وأنواعها] :
وأما "أو" فإنها بعد الطلب1 للتخيير؛ نحو: "تزوج زينب أو أختها" أو للإباحة2؛ نحو: "جالس العلماء أو الزهاد"، والفرق بينهما: امتناع الجمع بين المتعاطفين في التخيير، وجوازه في الإباحة.
وبعد الخبر للشك3؛ نحو: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ
= بـ"ضجيعتي"، واللام: للبعد، الكاف: للخطاب. أم: حرف دال على الإضراب بمعنى: "بل" لا محل له من الإعراب. "في جنة": متعلق بمحذوف واقع خبرا لـ"ليت" المحذوفة مع اسمها؛ والتقدير: بل ليت سليمى ضجيعتي في جنة. أم: حرف دال على الإضراب بمعنى: "بل" لا محل له من الإعراب. "في جنة": متعلق بمحذوف واقع خبرا لـ"ليت" المحذوفة مع اسمها؛ والتقدير: بل ليت سليمى ضجيعتي في جنة. أم: حرف عطف دال على الإضراب. "في جهنم": متعلق بمحذوف واقع خبرا لـ"ليت" المحذوفة مع اسمها كما سبق؛ والتقدير: بل ليت سليمى ضجيعتي في جهنم.
موطن الشاهد: "أم".
وجه الاستشهاد: مجيء "أم" في الشاهد منقطعة متمحضة للإضراب؛ بمعنى "بل"، فهي لا تدل على الاستفهام، ولا تقتضيه أصلا؛ لأن الشاعر، لا يريد الاستفهام، وإنما ساقه مساق التمني؛ ولهذا، قدر بعدها "جملة"؛ لأن "أم" التي بمعنى "بل" لا يقع بعدها إلا الجمل.
1 المراد بالطلب: الصيغة التي تدل على معنى الأمر؛ سواء كانت فعل الأمر، أو لام الأمر الداخلة على المضارع؛ لأن الإباحة والتخيير لا يتأتيان في الاستفهام، ولا في باقي الأنواع الطلبية على الصحيح، ولا فرق بين الأمر الملفوظ والملحوظ؛ كقوله تعالى:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ؛ أي: فليفعل أي الثلاثة.
2 المراد: الإباحة بحسب العقل، أو العرف في أي وقت، وعند أي قوم لا الإباحة الشرعية.
3 المراد بالخبر: ما يحتمل الصدق والكذب لذاته. والشك: أن يكون المتكلم نفسه واقعا في الشك والتردد، وأما التشكيك؛ فهو أن يوقع المتكلم المخاطب في الشك والتردد. وأما الإبهام: فهو أن يكون المتكلم عالما بحقيقة الأمر غير شاك ولا متردد فيه؛ ولكنه يخرج كلامه في صورة الاحتمال؛ ليكون المخاطب أقبل لما يلقى إليه من الكلام؛ ولكنه يخرج كلامه في صورة الاحتمال؛ ليكون المخاطب أقبل لما يلقى إليه من الكلام، فإذا سمع الكلام وتفهمه؛ ظهر له الأمر؛ ومثال المؤلف يبين ذلك، فقد أورد الكلام في صورة الاحتمال؛ ليسترعي انتباه المخاطب، ويحمله على السماع والتفهم، ولم يورده في صورة الخبر القاطع مع أن المتكلم، يعلم علم اليقين أن من عبد الله، وأفرده بالألوهية والتوجه إليه؛ هو الذي يكون على هدى وأن من أشرك معه غيره؛ هو الذي يكون في ضلال مبين.
حاشية يس على التصريح: 2/ 145، وحاشية الصبان: 3/ 106.
يَوْمٍ} 1، أو للإبهام؛ نحو:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 2، وللتفصيل، نحو:{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} 3، أو للتقسيم؛ نحو:"الكلمة اسم أو فعل أو حرف"4،
1 18 سورة الكهف، الآية:19.
موطن الشاهد: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أو" مفيدة معنى الشك؛ لوقوعها بعد كلام خبري؛ وهو قوله تعالى: {لَبِثْنَا} و"أو" للشك من القائلين ذلك؛ في الآية الكريمة.
التصريح: 2/ 144.
2 34 سورة سبأ، الآية:24.
موطن الشاهد: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أو" مفيدة معنى الإبهام على المخاطب؛ {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . للإبهام؛ فيكون الشاهد في الثانية، وقال في "المغني": الشاهد في الأولى؛ وقال الدماميني: الشاهد في الأولى والثانية. انظر شرح التصريح: 2/ 145.
3 2 سورة البقرة، الآية:135.
موطن الشاهد: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أو" مفيدة التفصيل؛ لأن "قالوا" كلام خبري، وهو مشتمل على الواو العائدة على اليهود والنصارى؛ فذكر الفريقين على الإجمال، بالضمير العائد إليهما، ثم فصل ما قاله كل فريق؛ أي: قالت اليهود: كونوا هودا، وقالت النصارى: كونوا نصارى "فأو" لتفصيل الإجمال في فاعل "قالوا" وهو الواو.
التصريح: 2/ 145.
4 قيل: الفرق بين التفصيل والتقسيم، أن الأول: تبيين للأمور المجتمعة بلفظ واحد؛ وأما التقسيم؛ فهو: تبيين لما دخل تحت حقيقة واحدة، وقد مثل المؤلف لكل منهما، ويرى المحققون: ألا فرق بينهما، ولا ضرر من توحيد معناهما وجعلهما مترادفين، والمسألة اصطلاحية محضة.
وللإضراب، عند الكوفيين وأبي علي1؛ حكى الفراء2 "اذهب إلى زيد أو دع ذلك فلا تبرح اليوم"، وبمعنى الواو، عند الكوفيين3؛ وذلك عند أمن اللبس؛ كقوله4:[الكامل]
421-
ما بين ملجم مهره أو سافع5
1 ممن ذهب إلى أن "أو" تفيد الإضراب: ابن برهان، وابن جني ومن معهما؛ وهؤلاء ذهبوا إلى أنها تفيد الإضراب مطلقا؛ أي سواء كان المتقدم خبرا مثبتا، أو منفيا، أم كان المتقدم عليها أمرا، أو نهيا؛ وسواء أعيد معها العامل في الكلام المتقدم عليها أم لم يعد. تقول:"أنا مسافر اليوم" ثم يبدو لك، فتقول:"أو مقيم" تريد الإضراب عن الكلام الأول، وإثبات ما بعد أو؛ ومنه قول الشاعر:
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية
…
لولا رجاؤك قد قتلت أولادي
ونسب ابن عصفور القول بإفادة "أو" الإضراب إلى سيبويه؛ لكنه قرر أن سيبويه يشترط في إفادتها للإضراب؛ أن يتقدمها نفي أو نهي، وأن يعاد معها العامل ومثال ذلك: قولك: لا يقم بكر أو لا يقم خالد.
التصريح: 2/ 145-146، مغني اللبيب: 91، رصف المباني: 131، الجنى الداني:227.
2 مرت ترجمته.
3 أي: تكون للدلالة على الاشتراك ومطابق الجمع بين المتعاطفين، ويصح أن يحل محلها الواو؛ ووافق الكوفيين على ذلك: الجرمي، والأخفش، بالشرط الذي ذكره المؤلف.
مغني اللبيب: 88-89، والتصريح: 2/ 146.
4 القائل: هو: حميد بن ثور الهلالي، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 146، والأشموني: 828/ 2/ 424، والعيني: 4/ 146، والسيرة: 200، والمغني: 99/ 90، والسيوطي: 72، وديوان حميد بن ثور:111.
المفردات الغريبة: الصريخ: صوت المستصرخ المستغيث، ويطلق على المستغيث نفسه؛ وكلا المعنيين يصلح هنا، وقد يطلق الصريخ على المغيث، قال تعالى:{فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} ؛ أي: لا مغيث. ملجم: جاعل اللجام في موضعه من الفرس. مهره: أصله الحصان الصغير، والمراد هنا: الحصان. سافع: قابض على ناصية فرسه. =
وزعم أكثر النحويين1: أن "إما" الثانية في الطلب والخبر، نحو: "تزوج إما
= المعنى: يصف القوم بالشجاعة والنجدة، فيقول: إنه إذا سمعوا استغاثة من أحد؛ أسرعوا لإجابته ونجدته؛ فترى من يلجم فرسه، ومن يأخذ بناصية فرسه حتى يحضر له غلامه اللجام للإسراع في نجدة المستغيث
…
إلخ.
الإعراب: قوم: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هم قوم. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط. سمعوا: فعل ماضٍ مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: فاعل، والألف: للتعريف. الصريخ: مفعول به منصوب؛ وجملة "سمعوا الصريخ": في محل جر بالإضافة. رأيتهم: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل، و"هم": مفعول به؛ وجملة "رأيتهم": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. ما: زائدة، لا عمل لها. "بين": متعلق بـ"رأى"، وهو مضاف. ملجم: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. مهره: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة، أو: حرف عطف، لا محل له من الإعراب. سافع: اسم معطوف على ملجم مهره مجرور مثله.
موطن الشاهد: "بين ملجم مهره أو سافع".
وجه الاستشهاد: استعمال "أو" بمعنى الواو العاطفة؛ وذلك؛ لأن "بين" لا تضاف إلا لمتعدد لفظا ومعنى؛ ولو أبقيت "أو" على معناها -وهو أحد الشيئين أو الأشياء- لأضيفت "بين" إلى واحد، وهو غير سائغ في اللغة.
ونظير البيت الشاهد قول امرئ القيس:
فظل طهاة اللحم ما بين منضج
…
صفيف شواء أو قدير معجل
فـ"أو" هنا بمعنى الواو أيضا.
فائدة: تكون "أو" للتخيير والإباحة بعد الأمر، وتكون للشك والإبهام بعد الجمل الخبرية. وتكون بمعنى التفصيل والإضراب، والواو بعد الطلب وبعد الخبر؛ والأفضل في الإضراب: أن يسبقه نفي أو نهي، وأن يتكرر العامل معه؛ ومعلوم أن هذه المعاني المسموعة خاضعة للسياق، والقرائن لتبين نوع كل منها.
ضياء السالك: 3/ 185.
1 فوائد وتوجيهات:
فائدة أولى: لغة أكثر العرب كسر همزة "إما"، ولغة تميم وقيس وأسد فتح همزتها.
فائدة ثانية: يغلب في "إما" تكرارها، وقد تحذف الثانية ويؤتى في الكلام ما يقوم مقامها؛ كما يقال:"إما أن تتكلم بخير وإلا فاسكت"، وقد تحذف الأولى ويُكتفى بالثانية؛ كقول الشاعر:
تلم بدار قد تقادم عهدها
…
وإما بأموات ألم خيالها
فالمعنى تلم إما بدار قد تقادم عهدها وإما بأموات. =
هندا وإما أختها" و"جاءني إما زيد وإما عمرو"، بمنزلة "أو" في العطف والمعنى، وقال أبو علي وابنا كيسان1 وبرهان2: هي مثلها في المعنى فقط، ويؤيده قولهم: إنها مجامعة للواو لزوما، والعاطف لا يدخل على العاطف؛ وأما قوله3:[البسيط]
422-
أيما إلى جنة أيما نار4
= فائدة ثالثة: اتفق النحاة على أن "إما، لا تأتي بمعنى الواو، ولا بمعنى "بل"، وإنما تأتي لما تأتي له "أو" من المعاني المشهورة المتفق عليها؛ وهي التخيير والإباحة بعد الطلب، والشك والإبهام بعد الخبر.
فائدة رابعة: اختلف النحاة في "إما" أمركبة هي أم بسيطة؟ فذهب سيبويه: إلى أنها مركبة من "إن" و"ما"، وذهب غيره من النحاة إلى أنها بسيطة، وضعت هكذا من أول الأمر؛ وهذا الرأي؛ هو الراجح؛ لأن البساطة -أي: عدم التركيب- هي الأصل.
فائدة خامسة: لا خلاف بين النحاة في أن "إما" الأولى غير عاطفة؛ لأنها تقع بين العامل ومعموله؛ نحو: تزوج إما هندا، وإما أختها، واختلفوا في "إما" الثانية؛ فذهب أكثر النحاة: إلى أنها عاطفة والواو قبلها زائدة؛ لكيلا يلزم دخول العاطفة على العاطف. وذهب أبو علي الفارسي وابن كيسان وابن برهان: إلى أن العاطف هو الواو و"إما": دالة على الإباحة، أو التخيير، أو الشك، أو الإبهام. فـ"إما" -عند هؤلاء- مثل "أو" في الدلالة على المعنى فقط؛ وليست مثلها في عطف ما قبلها على ما بعدها، وزعم ابن عصفور: أن النحاة مجمعون على أن "إما" غير عاطفة وزعمه مخالف لما ذهب إليه العلماء.
انظر التصريح: 2/ 146، والمغني: 84-87، وحاشية الصبان: 3/ 109-110.
1 ابن كيسان مرت ترجمته.
2 ابن برهان هو أبو القاسم، عبد الواحد بن علي بن برهان الأسدي العكبري، عالم في اللغة والتاريخ، وأيام العرب، تصدر للتدريس ببغداد، ويعرف بشراسة خلقه، على من يقرأ عليه ولا يلبس السراويل، ولا يغطي رأسه؛ له من المصنفات: الاختيار في الفقه، وأصول اللغة، واللمع في النحو، مات سنة: 456هـ.
البلغة: 133، إنباه الرواة: 2/ 213، وبغية الوعاة: 2/ 120، ومعجم المؤلفين: 6/ 210، والأعلام: 4/ 326.
3 القائل: هو سعد بن قرظ.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، يهجو فيه الشاعر أمه وكان عاقا شريرا؛ وصدره قوله:
يا ليتما أمنا شالت نعامتها =
فشاذ، وكذلك فتح همزتها وإبدال ميمها الأولى.
[معنى لكن وشروط عطفها] :
وأما "لكن" فعاطفة خلافا ليونس1، وإنما تعطف بشروط: إفراد معطوفها، وأن تسبق بنفي أو نهي، وأن لا تقترن بالواو؛ نحو: "ما مررت برجل صالح، لكن
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 146، والأشموني: 830/ 2/ 426، والعيني: 4/ 153، والمحتسب: 1/ 41، 284، وشرح المفصل: 6/ 75، والخزانة: 4/ 431، الهمع: 5/ 135، والدرر: 2/ 182، والمغني: 88/ 85، والسيوطي:67.
المفردات الغريبة: شالت نعامتها: كناية من كنايات العرب، ومعناها: ماتت؛ وأصل شالت: ارتفعت، والنعامة: باطن القدم، ومن مات ترتفع رجلاه وينخفض رأسه فتظهر نعامته. وقيل النعامة هنا: النعش. أيما: لغة في "إما".
المعنى يتمنى هذا الشاعر العاق لأمه، أن تكون قد ماتت، وسيان -عنده- بعد ذلك، أن يكون مصيرها الذهاب إلى الجنة، أو إلى النار.
الإعراب: يا: حرف تنبيه؛ أو يا: حرف نداء والمنادى محذوف. ليتما: كافة ومكفوفة، لا عمل لها. أمنا: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"نا": مضاف إليه. شالت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. نعامتها: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"ها": في محل جر بالإضافة؛ وجملة "شالت نعامتها": في محل رفع خبر المبتدأ. ويجوز إعراب ليت: حرف مشبه بالفعل عاملة، و"ما" زائدة غير كافة وأمنا: اسم ليت ومضاف إليه؛ وجملة "شالت نعامتها": في محل رفع خبر "ليت". أيما: حرف دال على التقسيم، لا محل له من الإعراب؛ أو دال على التفصيل. "إلى الجنة": متعلق بـ"شالت". أيما: حرف عطف، لا محل له من الإعراب. "إلى نار": بـ"أيما" على "إلى الجنة".
موطن الشاهد: "أيما".
وجه الاستشهاد: مجيء "أيما" عاطفة غير مسبوقة بالواو؛ وهذا شاذ، وكذلك فتح همزتها مع قلب ميمها ياء -كما ذكر المصنف- وأما فتح همزتها وحده؛ فلا شذوذ فيه، وإنما هو لغة جماعة من العرب كـ"تميم وقيس وأسد"؛ كما ذكر المؤلف في المتن.
1 فإنها -عنده- مخففة من الثقيلة؛ ومعناها: الاستدراك، وما بعدها معمول بمحذوف يدل عليه المذكور قبلها، وإذا ذكرت معها الواو فالعطف بالواو لا بها.
انظر مغني اللبيب: 385-386، التصريح: 2/ 146-147.
طالح" ونحو: "لا يقم زيد، لكن عمرو" وهي حرف ابتداء إن تلتها جملة؛ كقوله1:[البسيط]
423-
إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره
…
لكن وقائعه في الحرب تنتظر2
أو تلت واوا؛ نحو: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} 3؛ أي: ولكن كان رسول الله،
1 القائل: هو زهير بن أبي سلمى المزني، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة، يمدح فيها الشاعر الحارث بن ورقاء الصيداوي. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 147، والأشموني: 836/ 2/ 427، والعيني: 4/ 178، والهمع: 2/ 137، والدرر: 2/ 189، والمغني: 544/ 385، والسيوطي: 239، وديوان زهير:306.
المفردات الغريبة: ورقاء: اسم رجل. بوادره: جمع بادرة؛ وهي ما يبدر من الإنسان عند الغضب. وقائعه: جمع وقيعة؛ وهي إنزال الشر بالأعداء. تنتظر: تخشى ويرتقب وقوعها.
المعنى: أن هذا الرجل، لا يخاف منه -عند غضبه وحدته-؛ لأنه يملك نفسه عند الغضب، فلا يغدر ولا يخون؛ ولكن فتكه بأعدائه في الحرب، يرتقب ويخشى منه.
الإعراب: أن: حرف مشبه بالفعل. ابن: اسم "إن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. ورقاء: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف. لا: نافية، لا محل له من الإعراب. تخشى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. بوادره: نائب فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه؛ وجملة "تخشى بوادره": في محل رفع خبر "إن". لكن: حرف ابتداء يفيد الاستدراك، لا محل له من الإعراب. وقائعه: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. "في الحرب": متعلق بقوله "تنتظر" الآتي؛ أو بمحذوف حال من "وقائعه" أو من الضمير المستتر في "تنتظر"؛ العائد إلى "وقائعه". تنتظر: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى وقائعه؛ وجملة "تنتظر": في محل رفع خبر المبتدأ.
موطن الشاهد: "لكن".
وجه الاستشهاد: وقوع "لكن" حرف ابتداء، لا حرف عطف؛ لأن الواقع بعدها جملة لا مفرد.
3 33 سورة الأحزاب، الآية:40.
موطن الشاهد: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} . =
وليس المنصوب معطوفا بالواو1؛ لأن متعاطفي الواو المفردين لا يختلفان بالسلب والإيجاب2، أو سبقت بإيجاب؛ نحو:"قام زيد لكن عمرو لم يقم"، ولا يجوز "لكن عمرو" على أنه معطوف؛ خلافا للكوفيين.
["بل" معناها وشروط عطفها] :
وأما "بل" فيعطف بها بشرطين؛ إفراد معطوفها3، وأن تسبق بإيجاب أو أمر أو نفي أو نهي؛ ومعناها بعد الأولين: سلب الحكم عما قبلها وجعله لما بعدها؛ كـ"قام زيد بل عمرو"، و"ليقم زيد بل عمرو"؛ وبعد الأخيرين: تقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها4؛ كما أن لكن كذلك؛ كقولك: "ما كنت في منزل
= وجه الاستشهاد: وقوع "لكن" حرف ابتداء، ورسول الله: خبر لكان المحذوفة، ومضاف إليه؛ والتقدير: ولكن كان رسول الله؛ وليس "رسول" معطوفا على "أبا" بالواو الداخلة على "لكن" عطف مفرد على مفرد، خلافا لـ"يونس"؛ الذي يعد "الواو" عاطفة، و"لكن" حرف استدراك. التصريح: 2/ 147.
1 أي: على أنه من عطف مفرد؛ وهو: "رسول الله"؛ علم مفرد؛ وهو: "أبا أحد".
2 فإن المعطوف عليه؛ وهو: "أبا أحد" منفي، والمعطوف؛ وهو:"رسول الله" مثبت. أما عطف الجملتين بالواو: فيجوز تخالفهما، نفيا وإيجابا؛ تقول: حضر محمد، ولم يحضر علي.
3 فإن وقع بعد "بل" جملة؛ لم تكن عاطفة، وكانت -حينئذ- حرف ابتداء دال على الإضراب؛ ويكون هذا الإضراب إبطاليا؛ أي: الدلالة على أن ما قيل قبلها كلام باطل، وذلك؛ نحو قوله تعالى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} ؛ ونحو قوله سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} ؛ وقد يكون نحو قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} . وقد تزاد "لا" قبل "بل"، بعد الإيجاب؛ للدلالة على توكيد الإضراب؛ نحو قوله:
وجهك البدر لا بل الشمس لو لم
…
يقض للشمس كشفة أو أفول
وقد تزاد "لا" قبل "بل" بعد النفي؛ لتقرير ما قبلها؛ نحو قول الشاعر:
وما هجرتك لا بل زادني شغفا
…
هجر وبعد تراخى لا إلى أجل
وهذا البيت رد على ابن درستويه الذي ادعى أن "لا" لا تزاد قبل بل بعد النفي. مغني اللبيب: 151-153، ورصف المباني: 153، والجنى الداني:235.
4 هذا مذهب جمهور النحاة؛ وأجاز المبرد هذا المعنى، كما أجاز أن تكون "بل" بعد =
ربيع بل في أرض لا يهتدى بها"، و"لا يقم زيد بل عمرو"، وأجاز المبرد1 كونها ناقلة معنى النفي والنهي لما بعدها؛ فيجوز على قوله: "ما زيد قائما بل قاعدا"2؛ على معنى بل ما هو قاعدا، ومذهب الجمهور: أنها لا تفيد نقل حكم ما قبلها لما بعدها إلا بعد الإيجاب والأمر؛ نحو: "قام زيد بل عمرو"، و"اضرب زيدا بل عمرا".
[لا، معناها وشروط عطفها] :
وأما "لا" فيعطف بها بشروط: إفراد معطوفها3، وأن تسبق بإيجاب أو أمر اتفاقا؛ كـ"هذا زيد لا عمرو"، و"اضرب زيدا لا عمرا"، أو نداء؛ خلافا لابن سعدان4؛ نحو:"يابن أخي لا ابن عمي" وأن لا يصدق أحد متعاطفيها على
= النفي والنهي ناقلة حكم ما قبلها لما بعدها؛ فقولك: "ما زيد قائم بل عمرو" معناه -عند الجمهور: انتفاء القيام عن زيد، والحكم بثبوت القيام لعمرو. ولا معنى للكلام سوى هذا عندهم؛ ويحتمل هذا الكلام عند المبرد معنيين؛ أحدهما: ما حكيناه عن الجمهور، والثاني: أن يكون زيد المذكور قبل "بل" غير محكوم عليه بشيء؛ لا بانتفاء القاسم، ولا بثبوته؛ وعمرو المذكور بعد "بل" محكوم عليه بانتفاء القيام عنه؛ الذي كان حكم ما قبل "بل"، وقد بين ذلك المؤلف.
مغني اللبيب: 152، والتصريح: 148، المقتضب: 1/ 12 و4/ 298.
1 مرت ترجمته.
2 قال بعضهم: إن مثل هذا الاستعمال، لم يسمع عن العرب؛ لأنه يلزم -عليه- أن "ما" لا تعمل في -قائما- شيئا؛ لأن شرط عملها بقاء النفي، في المعمول، وقد انتقل عنه؛ وقد رد نحاة آخرون: بأن الانتقاض، جاء بعد مضي العمل، فلا يضر.
انظر التصريح: 2/ 148، وحاشية الصبان: 3/ 112-113.
3 أي: ولو تأويلا؛ فيجوز أن يقال: قلت: محمد قائم لا قاعد. ولا يعطف بها جملة لا محل لها من الإعراب. ويشترط في المفرد؛ ألا يكون صالحا؛ لأن يكون صفة لموصوف مذكور، أو يكون خبرا، أو حالا؛ فإن صلح لشيء من ذلك؛ كانت "لا" للنفي المحض، وليست عاطفة، ووجب تكرارها؛ نحو قوله تعالى:{لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} محمد لا كاتب، ولا شاعر؛ كما يشترط ألا تقترن بعاطف، وإلا كان العطف به؛ وهي لإفادة نفي ما قبلها؛ نحو: جاء محمد لا بل علي.
مغني اللبيب: 318، الجنى الداني: 294، ورصف المباني:275.
4 هو أبو جعفر؛ محمد بن سعدان الضرير، كان من النحاة الكوفيين الموثوق بهم؛ عالما بالعربي والقراءة، وقد أخذها عن أهل مكة والمدينة وغيرهما، وكان يقرأ بقراءة حمزة، وصنف كتابا في النحو والقراءات؛ له ولد اسمه إبراهيم، كان من أهل العلم والفضل. مات ابن سعدان يوم الأضحى سنة: 231هـ.
بغية الوعاة: 1/ 111.
الآخر، نص عليه السهيلي1؛ وهو حق؛ فلا يجوز "جاءني رجل لا زيد"، ويجوز "جاءني رجل لا امرأة".
وقال الزجاجي2: وأن لا يكون المعطوف عليه معمول فعل ماضٍ؛ فلا يجوز "جاءني زيد لا عمرو"3 ويرده قوله4: [الطويل]
424-
عقاب تنوفى لا عقاب القواعل5
1 هو: عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي، وقد مرت ترجمته.
2 هو: عبد الرحمن بن إسحاق، وقد مرت ترجمته.
3 وحجته: أن العامل يقدر بعد العاطف، ولا يصح أن يقال: لا جاء عمرو إلا على سبيل الدعاء. حروف المعاني: 71.
4 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
كان دثارا حلقت بلبونه
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 150، والأشموني: 837/ 2/ 427، والعيني: 4/ 154، والخزانة: 4/ 471، والخصائص: 3/ 191، والمغني: 439/ 318.
المفردات الغريبة: دثار: اسم رجل كان راعيا لامرئ القيس. حلقت: ذهبت وارتفعت. بلبونه: اللبون: الإبل ذوات اللبن. عقاب: طائر معروف من الطيور الكواسر. تنوفى: اسم موضع مرتفع في جبال طيئ، أغير على إبل امرئ القيس من ناحيته. القواعل: موضع دون تنوفى.
المعنى: كأن هذا الراعي -حين أغار عليه الأعداء وشردت إبله بعيدا- طارت بها عقبان ذلك الجبل العظيم، وارتفعت بها فوقه؛ فهو لا يستطيع ردها، ولا الوصول إليها، لا عقبان هذا الجبل الصغير.
الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل. دثارا: اسم "كأن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. حلقت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. "بلبونه": متعلق بقوله: "حلقت"، و"لبون" مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. عقاب: فاعل "حلقت" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. =
[جواز العطف على الظاهر والضمير] :
فصل: يعطف على الظاهر والضمير المنفصل والضمير المتصل المنصوب بلا شرط؛ كـ"مقام زيد وعمرو" و"إياك والأسد"؛ ونحو: {جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} 1.
[لا يعطف على الضمير المرفوع إلا بعد توكيده] :
ولا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل؛ بارزا كان أو مستترا إلا بعد توكيده بضمير منفصل2؛ نحو: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} 3، أو وجود فاصل؛ أي
= تنوفى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر؛ وجملة "حلقت": في محل رفع خبر "كأن".
لها: حرف عطف، لا محل له من الإعراب.
عقاب: معطوف على عقاب الأول، وهو مضاف.
القواعل: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "لا".
وجه الاستشهاد: عطف "لا" لـ"عقاب القواعل" على "عقاب تنوفى" والمعطوف عليه معمول لفعل ماضٍ "حلقت"؛ وفي هذا رد على الزجاجي الذي يمنع ذلك؛ حيث يشترط أن يكون المعطوف عليه بـ"لا" غير معمول للفعل الماضي.
1 77 سورة المرسلات، الآية:38.
موطن الشاهد: {جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} .
وجه الاستشهاد: عطف "الأولين" بالواو على الضمير المتصل الواقع في محل نصب مفعولا به لـ"جمعنا"؛ وهو "كم"؛ وحكم هذا العطف الجواز اتفاقا.
2 قيل في سبب ذلك: إن المتصل المرفوع؛ كالجزء من عامله المتصل به لفظا ومعنى؛ فالعطف عليه يكون كالعطف على جزء الكلمة؛ فإذا أكد دل على انفصاله فحصل له نوع استقلال.
هذا، ومثل توكيد الضمير المرفوع -توكيدا لفظيا بالضمير المنفصل- توكيده توكيدا معنويا؛ بلفظ من ألفاظ التوكيد المعنوي؛ التي مرت في باب التوكيد؛ ومن ذلك قول الشاعر:
ذعرتم أجمعون ومن يليكم
…
برؤيتنا وكنا الظافرينا
فقوله "ومن يليكم": معطوف على تاء المخاطبين في قوله: "ذعرتم"؛ وهذه "التاء" نائب فاعل؛ لأنها، قد أكدت بقوله:"أجمعون".
3 21 سورة الأنبياء، الآية:54. =
فاصل كان بين المتبوع والتابع؛ نحو: {يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} 1، أو فصل بـ"لا" بين العاطف والمعطوف؛ نحو {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} 2، وقد اجتمع الفصلان في نحو:{مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} 3، ويضعف بدون ذلك، كـ"مررت بردل سواء والعدم"4؛ أي: مستوٍ هو والعدم، وهو فاشٍ في الشعر، كقوله5:[الكامل]
425-
ما لم يكن وأب له لينالا6
= موطن الشاهد: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} .
وجه الاستشهاد: عطف "آباؤكم" على الضمير المتصل الواقع في محل رفع اسم "كان" بعد أن أكد الضمير المتصل "التاء" بالضمير المنفصل "أنتم".
1 13 سورة الرعد، الآية:23.
موطن الشاهد: {يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} .
وجه الاستشهاد: عطف "من صلح" بالواو على الضمير المتصل الواو؛ الواقع في محل رفع فاعل لفعل "يدخلونها" بعد أن فصل بين المتعاطفين بضمير النصب "ها".
2 6 سورة الأنعام، الآية:148.
موطن الشاهد: {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} .
وجه الاستشهاد: عطف "آباؤنا" على "نا" المتصلة بفعل أشرك، بالواو، وفصل بين العاطف والمعطوف بـ"لا" كما هو واضح:"ولا آباؤنا".
3 6 سورة الأنعام، الآية:91.
وجه الاستشهاد: {مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} .
موطن الشاهد: عطف "آباؤكم" بالواو على الضمير المتصل بفعل تعلم؛ وهو "الواو" بعد أن فصل بين المتعاطفين بالتوكيد "أنتم"؛ وفصل بين العاطف "الواو"، والمعطوف "آباؤكم" بـ"لا".
4 هذه عبارة مأثورة عن العرب، فقد رفع "العدم" بالعطف على الضمير المستتر في "سواء"؛ لأنه مؤول بالمشتق فيتحمل الضمير؛ وليس بينهما فاصل.
5 القائل: هو جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته.
6 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت يهجو فيه الشاعر الأخطل التغلبي وقومه؛ وصدر. قوله:
ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 151، والأشموني: 840/ 2/ 429، والعيني: =
[العطف على الضمير المخفوض] :
ولا يكثر العطف على الضمير المخفوض إلا بإعادة الخافض، حرفا كان أو
= 4/ 160، والإنصاف: 2/ 476، والمقرب: 50، والهمع: 2/ 138، والدرر: 2/ 181 والكامل للمبرد "الخيرية": 1/ 119، 2/ 39، وديوان جرير:451.
المفردات الغريبة: رجا: أمل؛ من الرجاء، وهو الأمل في الحصول على الشيء. سفاهة رأيه: ضعف رأيه وفساده.
المعنى: أن الأخطل يرجو ويتمنى -لخفته وضعف رأيه وعدم حصافته- ما لا يمكن أن يناله هو وأبوه من الآمال والأحلام.
الإعراب: رجا: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الأخيطل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "من سفاهة": متعلق بـ"رجا"، وسفاهة مضاف. رأيه: مضاف إليه، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. ما: نكرة بمعنى شيء؛ أو اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعولا به لـ"رجا" لم: حرف نفي وجزم وقلب. يكن: فعل مضارع ناقص مجزوم، وعلامة جزمه السكون؛ واسمه: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى الأخيطل. وأب: الواو عاطفة، أب: اسم معطوف على الضمير المستتر في "يكن" والعائد إلى الأخطل. "له": متعلق بمحذوف صفة لـ"أب". لينالا: اللام لام الجحود، لا محل له من الإعراب. ينالا: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد لام الجحود؛ وعلامة نصبه حذف النون؛ والألف: ضمير متصل في محل رفع فاعل؛ وجملة "ينالا": صلة للموصول الحرفي، لا محل لها؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": مجرور باللام؛ و"الجار والمجرور"؛ متعلق بخبر يكن؛ وجملة "يكن واسمها وخبرها": في محل نصب صفة لـ"ما" إذا عددناها نكرة تامة بمعنى شيء؛ وصلة للموصول إذا عددناها اسما موصولا بمعنى الذي؛ وعلى هذا التقدير: فالعائد إلى الاسم الموصول محذوف؛ وتقديره: رجا الأخيطل شيئا لم يكن هو وأبوه لينالاه.
موطن الشاهد: "يكن وأب له".
وجه الاستشهاد: عطف "أب" بالواو على الضمير المرفوع المستتر في "يكن" -على رأي الكوفيين- والبصريون لا يجيزون ذلك، ويشترطون تأكيده؛ فلو جاء بالكلام على ما التزمه البصريون؛ لقال: ما لم يكن هو وأب له؛ أو لفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بشيء؛ ومثل هذا الشاهد السابق قول الراعي النميري:
فلما لحقنا والجياد عشية
…
دعوا يا لكلب واعتزينا لعامر
انظر الدرر اللوامع: 2/ 191.
اسما؛ نحو: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ} 1، {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} 2 وليس بلازم، وفاقا ليونس والأخفش والكوفيين، بدليل قراءة ابن عباس والحسن3 وغيرهما:"تساءلون به والأرحامِ"4، وحكاية قطرب5 "ما فيها غيره..............
1 41 سورة فصلت، الآية:11.
موطن الشاهد {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ} .
وجه الاستشهاد: عطف "للأرض" على "الهاء" في "لها" المجرورة باللام، وأعيدت الأم مع المعطوف؛ وحكم إعادة الخافض؛ الجواز مع الكثرة.
2 2 سورة البقرة، الآية:133.
موطن الشاهد: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "آبائك" معطوفا على الكاف المخفوضة بإضافة "إله" إليها، وأعيد المضاف؛ وهو "إله" مع المعطوف؛ وأعيد الخافض في هذه الآية والتي قبلها؛ لأن الضمير المخفوض؛ كالتنوين في شدة اللزوم -كما قال الحوفي- وكما لا يعطف على التنوين؛ لشدة لزومه؛ لا يعطف على ما أشبهه. التصريح: 2/ 151.
3 عبد الله بن عباس، والحسن البصري؛ وقد مرت ترجمتهما.
4 4 سورة النساء، الآية:1.
أوجه القراءات: قرأ ابن عباس، والحسن البصري، وحمزة:"والأرحام"، بالجر عطفا على الضمير المتصل الواقع في محل جر بالباء في قوله تعالى:{تَسَاءَلُونَ بِهِ} .
وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر:" تَسَاءَلُونَ بِهِ "، وقرأ ابن مسعود:"تسألون". البحر المحيط: 3/ 157، والتيسير: 93، والحجة:188.
موطن الشاهد: {تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} .
وجه الاستشهاد: جر "الأرحام" وعطفه على الضمير المجرور بالياء -على هذه القراءة- من دون إعادة الجار؛ لأن التقدير: تساءلون به وبالأرحام؛ فدل ذلك على أنه يجوز إعادة الجار، وعدم إعادته.
5 هو أبو علي، محد بن المستنير البصري النحوي، لازم سيبويه، وأخد عنه كثيرا، وكان يدلج إليه، فإذا خرج سيبويه سحرا رآه على بابه، فقال له: ما أنت إلا قطرب ليل؛ فلقب به؛ والقطرب: دويبة تسعى طول الليل لا تفتر.
وقد أخذ كذلك، عن عيسى بن عمر، وجماعة من علماء البصرة؛ له مصنفات كثيرة؛ منها: الاشتقاق، والأضداد، ومعاني القرآن، والعلل في النحو، وغير ذلك. مات سنة 206هـ.
البلغة: 247، إنباه الرواة: 3/ 219، بغية الوعاة: 1/ 242، الفهرست: 52، الأعلام: 7/ 315.
............................... وفرسه"1، قيل: ومنه {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 2 إذ ليس العطف على السبيل؛ لأنه صلة المصدر3، وقد عطف عليه {كُفْرٌ} ولا يعطف على المصدر حتى تكمل معمولاته4.
[عطف الفعل على الفعل] :
ويعطف الفعل على الفعل بشرط اتحاد زمانيهما؛ سواء اتحد نوعاهما؛ نحو:
1 هذه قولة لبعض العرب؛ وقد جرت "فرسه" بالعطف على الهاء المجرورة بإضافة "غير" إليها، من غير إعادة الجار، وهو المضاف.
2 2 سورة البقرة، الآية:217.
موطن الشاهد: {كُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} .
وجه الاستشهاد: عطف "المسجد" على "الهاء" المجرور محلا بالباء، من غير إعادة الخافض؛ لأنه لو أعيد؛ لقيل: وبالمسجد؛ وذكر صاحب التصريح: "وقال في المغني: والصواب أن خفض المسجد بباء محذوفة؛ لدلالة ما قبلها عليها، لا بالعطف؛ ومجموع "الجار والمجرور" عطف على "به".
انظر التصريح: 2/ 152.
3 أي: وهو "صد"؛ لأنه متعلق به.
4 وذلك، لئلا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي؛ فلو عطف "المسجد" على "سبيل"؛ لكان من جملة معمولات "صد"؛ لأن المعطوف على معمول المصدر، من جملة معمولاته؛ وفي العطف على الضمير المخفوض، يقول الناظم:
وعود خافض لدى عطف على
…
ضمير خفض لازما قد جعلا
وليس عندي لازما إذ قد أتى
…
في النثر والنظم الصحيح مثبتا
والمعنى: أن عود الخافض -عند العطف، على الضمير- أمر لازم عند النحاة؛ ولكنه ليس بلازم، عند ابن مالك؛ لأن عدم إعادته، قد ورد مثبتا في النظم، وفي النثر معا. هذا، وقد استدل من أجاز العطف على الضمير المجرور من دون إعادة الجار، بقول الشاعر:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا
…
فاذهب فما بك والأيام من عجب
حيث عطف "الأيام" على الضمير المخاطب المتصل في قوله: "بك"، من غير إعادة "الجار" مع المعطوف؛ لأنه لو أعاد؛ لقال: فما بك وبالأيام؛ والأمثلة على هذا كثيرة.
انظر التصريح: 2/ 152، والمغني: 700، وحاشية الصبان: 3/ 114-115.
{لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ} 1؛ ونحو: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} 2، أم اختلفا؛ نحو:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} 3؛ ونحو: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} 4 الآية.
[عطف الفعل على الاسم المشبه له في المعنى] :
ويعطف الفعل على الاسم المشبه له في المعنى5؛ نحو: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا
1 25 سورة الفرقان، الآية:49.
موطن الشاهد: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ} .
وجه الاستشهاد: عطف فعل "نسقيه" على فعل "نحيي"؛ وكلاهما فعل مضارع منصوب؛ وحكم هذا العطف الجواز باتفاق.
2 47 سورة محمد، الآية:36.
موطن الشاهد: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} .
وجه الاستشهاد: عطف "تتقوا" على "تؤمنوا"، و"يسألكم" على "يؤتكم"؛ من عطف الشرط على الشرط، والجواب على الجواب؛ وكلاهما فعل مضارع مجزوم؛ وحكم هذا العطف الجواز باتفاق.
3 11 سورة هود، الآية:98.
موطن الشاهد: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} .
وجه الاستشهاد: عطف فعل "أورد" على فعل "يقدم"؛ وأورد ماض، ولكنه مستقبل المعنى؛ لأنه بمعنى يورد؛ والثاني: مضارع؛ وحكم هذا العطف جائز باتفاق.
4 25 سورة الفرقان، الآية:10.
موطن الشاهد: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} .
وجه الاستشهاد: عطف "يجعل" وهو مضارع مجزوم على "جعل" الماضي؛ لأنه في محل جزم؛ وهو مستقبل بسبب دخول أداة الشرط عليه؛ التي تستلزم أن يكون زمن فعل الشرط وجوابه مستقبلا، وحكم العطف -هنا- جائز باتفاق.
هذا، ويلاحظ -هنا: أن المصنف مثل للماضي والمضارع ولم يمثل للأمر؛ وذلك لأن فعل الأمر بدون فاعله، لا يكون معطوفا، ولا معطوفا عليه -على الصحيح-؛ لأنه لا يفارق فاعله لا لفظا، ولا تقديرا. ويعرف عطف الفعل وحده على آخر كذلك؛ إذا نصب الفعلان، أو جزما بغير تكرار الناصب، أو الجازم. أما في حالة الرفع في المضارعين؛ فيجوز أن يكون من عطف المفرد، أو الجملة؛ والقرينة هي التي توضح المراد. ضياء السالك: 3/ 196.
5 هو الاسم المشتق العامل؛ كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة والمصدر الصريح أيضا، واسم الفعل في بعض أحواله.
فَأَثَرْنَ} 1؛ ونحو: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} 2؛ ويجوز العكس كقوله3: [الرجز]
426-
أم صبي قد حبا أو دارج4
1 100 سورة العاديات، الآية: 3، والآية 4.
موطن الشاهد: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا فَأَثَرْنَ} .
وجه الاستشهاد: عطف "أثرن" وهو فعل ماض على "المغيرات"؛ وهو اسم فاعل مشبه للفعل؛ لأنه في تأويل الفعل؛ والتقدير: واللائي أغرن؛ وقيل: إن "أثرن" لا محل لها؛ لأنها معطوفة على صلة أل؛ وهو الرأي الأرجح.
2 67 سورة الملك، الآية:19.
موطن الشاهد: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} .
وجه الاستشهاد: عطف فعل "يقبضن" على "صافات"؛ وهو اسم فاعل؛ لأنه في معنى "يصففن"؛ ومعنى صافات: ناشرات أجنحتهن في الجو؛ ومعنى يقبضن: يضممن الأجنحة إلى الأجسام.
3 القائل هو: جندب بن عمرو؛ ولم أعثر له على ترجمة وافية.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، يذكر فيه امرأة الشماخ بن ضرار الغطفاني الشاعر المعروف؛ وصدره قوله:
يا رب بيضاء من العواهج
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 152، والأشموني: 844/ 2/ 430.
المفردات الغريبة: العواهج: جمع عوهج؛ وهي في الأصل: الطويلة العنق من الظباء والنوق والنعام؛ والمراد هنا: المرأة التامة الخلق. حبا: زحف ومشى على عجزه. دارج: اسم فاعل، من درج الصبي إذا مشى هينا متقارب الخطو.
المعنى: يريد الشاعر امرأة تامة الخلق، تشبه الظباء في طول عنقها، ولا يكون معها غير صبي يحبو، أو قريب عهد بالمشي لا يكاد يدرك، حتى لا ينم عن اتصاله بها.
الإعراب: يا: للتنبيه. رب: حرف جر شبيه بالزائد. بيضاء: اسم مجرور لفظا بـ"رب" وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف، في محل رفع مبتدأ. "من العواهج": متعلق بمحذوف صفة لـ"بيضاء". أم: بالجر بدل أو عطف بيان على "بيضاء" باعتبار اللفظ؛ وبالرفع باعتبار المحل؛ أو خبر لمبتدأ محذوف، أم: مضاف. صبي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. قد: حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. حبا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى "صبي"؛ وجملة "حبا": في محل جر صفة لـ"صبي". أو: حرف عطف. دارج: معطوف على =
وجعل منه الناظم: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} 1 وقدر الزمخشري عطف "مخرج" على "فالق"2.
= "حبا"؛ لتأويله بـ"درج"؛ مجرور بالكسرة الظاهرة؛ لأن محل المعطوف عليه "حبا" جر؛ لكونه -كما علمنا- صفة لـ"صبي"؛ وفي هذا شيء من التساهل؛ لأن الذي هو في محل جر، إنما هو الفعل وفاعله معا، وليس للفعل وحده محل.
موطن الشاهد: "دارج". وجه الاستشهاد: عطف الاسم المشبه للفعل "دارج" على الفعل "حبا"؛ وفي هذا تساهل -كما أسلفنا-؛ لأن المعطوف عليه: محل جملة "حبا"؛ لأنها صفة للنكرة؛ فهو من العطف على الجملة؛ لا على الفعل.
وقيل: إن قبل هذا الرجز:
يا ليتني علقت غير حارج
…
قبل الصباح ذات خلق بارج
فيكون قوله: "أم صبي" بدلا أو عطف بيان من "ذات خلق بارج" ومعنى غير حارج: غير آثم، ولا واقع في الحرج. وبارج: حسن وجميل.
انظر ضياء السالك: 3/ 197.
1 6 سورة الأنعام، الآية:95.
موطن الشاهد: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} .
وجه الاستشهاد: استشهد المؤلف بهذه الآية على عطف اسم الفاعل "مخرج" على الفعل "يخرج" -تبعا لابن مالك-؛ ويرى الزمخشري: أن "مخرج" معطوف على "فالق"؛ فيكون من عطف الاسم على الاسم؛ ولكل منهما مرجحان، فمرجح الأول: سلامته من الفصل بين المتعاطفين بجملة، وذكر الشيء ومقابله؛ ومرجح الثاني: عدم التأويل، والتوافق بين نوعي المتعاطفين. التصريح: 2/ 153.
2 فيكون من عطف الاسم على الاسم.
هذا، ويجوز عطف الجملة الاسمية على نظيرتها؛ كما يجوز عطف الجملة الفعلية على مثلها؛ بشرط اتفاقهما خبرا أو إنشاء. ويمتنع إن اختلفا في ذلك على الصحيح. أما عطف الاسمية على الفعلية، والعكس؛ فجائز على الراجح. ومن الحكم المأثورة:"للباطل جولة ثم يضمحل"؛ فالجملة المضارعة معطوفة على الجملة الاسمية قبلها. وقد تعطف الجملة على المفرد، أو العكس؛ إذا كانت الجملة في الحالتين مؤولة بالمفرد؛ كأن تكون نعتا، أو خبرا، أو حالا؛ كقوله تعالى:{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ؛ أي: أو قائلين. وقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} ؛ فقاعدا معطوف على قوله "لجنبه".
[ما تختص به الفاء والواو] :
فصل: تختص الفاء والواو بجواز حذفهما مع معطوفهما لدليل1؛ مثاله في الفاء: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ} 2؛ أي: فضرب فانبجست، وهذا الفعل المحذوف معطوف على "أوحينا"؛ ومثاله في الواو قوله3:[الطويل]
427-
فما كان بين الخير لو جاء سالما
…
أبو حجر إلا ليال قلائل4
1 وتشاركهما في ذلك "أم" المتصلة؛ كقول الشاعر:
دعاني إليها القلب إني لأمره
…
سميع فما أدري أرشد طلابها
والتقدير: أرشد طلابها أم غي؟ فحذف أم ومعطوفها؛ لانفهام ذلك من همزة الاستفهام. وقيل: إن الهمزة للتصديق؛ فلا تحتاج لمعادل.
ونظير ذلك قول أبي ذؤيب أيضا:
وقال صحابي قد غبنت وخلتني
…
غبنت فما أدري أشكلكم شكلي
وتقدير الكلام: فما أدري أشكلكم شكلي أم غيره؟
وإنما اقتصر المؤلف -هنا- على ذكر الواو والفاء -كما اقتصر ابن مالك في الألفية عليهما-؛ لأن حذفهما مع معطوفهما أكثر من ذلك الحذف مع غيرهما.
التصريح: 2/ 154.
2 7 سورة الأعراف، الآية:160.
موطن الشاهد: {فَانْبَجَسَتْ}
وجه الاستشهاد: عطف "فانبجست" على "ضرب" المحذوف؛ والتقدير: فضرب فانبجست؛ والفعل المحذوف "ضرب": معطوف على "أوحينا" من قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ} ؛ وتسمى الفاء العاطفة على مقدر فاء الفصيحة. التصريح: 2/ 153.
3 هو: النابغة الذبياني، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا بيت من قصيدة للنابغة، يرثي فيها أبا حجدر النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغساني. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 153، والأشموني: 844/ 2/ 430، والعيني: 4/ 167، وديوان النابغة الذبياني:62.
المعنى: لم يكن بيني وبين ما كنت أرجو وأطمع فيه، من خير ونعمة، إلا مدة قليلة؛ لو سلم النعمان، وجاء إلينا؛ ولكن القدر كان له بالمرصاد؛ فذهبت آمالي.
الإعراب: ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. كان: فعل ماض ناقص. "بين": متعلق بمحذوف خبر "كان" تقدم على اسمه، وهو مضاف. الخير: مضاف إليه مجرور. لو: حرف شرط غير جازم. جاء: فعل ماض مبني على الفتح. سالما: حال =
أي: بين الخير وبيني؛ وقولهم: "راكب الناقة طليحان"؛ أي: والناقة.
وتختص الواو بجواز عطفها عاملا قد حذف وبقي معموله1؛ مرفوعا كان؛ نحو؛ {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} 2؛ أي: وليسكن زوجك، أو منصوبا؛ نحو:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} 3؛ أي: وألفوا الإيمان، أو مجرورا، نحو:"ما كل سوداءَ تمرة ولا بيضاءَ شحمة"؛ أي، ولا كل بيضاء.
وإنما لم يجعل العطف فيهن على الموجود في الكلام لئلا يلزم في الأول: رفع
= منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ تقدم على صاحبه "أبو حجر". أبو: فاعل جاء مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. حجر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وجواب "لو" محذوف؛ لدلالة سياق الكلام عليه؛ وجملة "لو وفعلها وجوابها": اعتراضية، لا محل لها؛ لاعتراضها بين خبر كان واسمها. إلا: أداة حصر، لا محل لها من الإعراب. ليال: اسم كان مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين. قلائل. صفة لـ"ليال" مرفوعة، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
موطن الشاهد: "وبيني".
وجه الاستشهاد: حذف "الواو" ومعطوفها وهو "وبيني"؛ لأن التقدير: بين الخير وبيني؛ كما ذكر المصنف، والدليل على ذلك: أن "بين" يجب أن تضاف إلى متعدد، كما أسلفنا.
1 انظر هذا الموضوع في مباحث المفعول معه.
2 2 سورة البقرة، الآية:35.
موطن الشاهد: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "زوجك" فاعلا لفعل محذوف، معطوف على "سكن"؛ والتقدير: اسكن أنت ولتسكن زوجك؛ فهو من عطف الأمر على الأمر؛ وحكم هذا العطف الجواز باتفاق.
3 59 سورة الحشر، الآية:9.
موطن الشاهد: {تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "الإيمان" مفعولا به؛ لفعل محذوف، معطوف على تبوءوا؛ والتقدير: تبوءوا الدار وألفوا الإيمان؛ فهو من عطف جملة على جملة؛ وحكم هذا العطف الجواز.
فعل الأمر للاسم الظاهر1؛ وفي الثاني: كون الإيمان متبوأ، وإنما يتبوأ المنزل2؛ وفي الثالث: العطف على معمولي عاملين3؛ ولا يجوز في الثاني أن يكون الإيمان مفعولا معه؛ لعدم الفائدة في تقييد الأنصار بمصاحبة الإيمان؛ إذ هو أمر معلوم.
[جواز حذف المعطوف عليه بالفاء والواو] :
ويجوز حذف المعطوف عليه بالفاء والواو4؛ فالأول كقول بعضهم: "وبك وأهلا وسهلا"، جوابا لمن قال له: مرحبا، والتقدير: ومرحبا بك وأهلا5، والثاني؛ نحو:{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} 6؛ أي: أنهملكم فنضرب، ونحو:
1 أي: لو جعل "وزوجك" معطوفا على فاعل اسكن المستتر؛ لكان شريكه في عامله؛ والأمر لا يرفع الظاهر.
2 أي: لو جعل "الإيمان" معطوفا على "الدار"؛ لكان معمولا لتبوءوا؛ والتبوء؛ معناه: التهيؤ. وقيل: إنه يقال: تبوأ فلان الدار، إذا لزمها، وعلى هذا يصح العطف، ولا يحتج إلى تقدير عامل.
3 ذلك؛ لأن "سوداء": معمول لـ"كل"، و"تمرة" معمول "ما" فلو عطف بيضاء على سوداء، وشحمة على تمرة؛ لزم ذلك المحذور، وهو غير جائز على الأصح عند الجمهور.
التصريح: 2/ 154.
4 ومثلهما "أم" المتصلة، وذلك عند أمن اللبس في الجميع.
5 الجار والمجرور وهو "بك" متعلقان بكلمة "مرحبا" المحذوفة "وأهلا" الواو عاطفة، و"أهلا" معطوف على مرحبا المحذوفة؛ عطف مفرد على مفرد؛ فالمعطوف عليه محذوف؛ وهو محل الشاهد، و"سهلا" معطوف على مرحبا المحذوفة؛ فالمعطوف عليه محذوف. وسيبويه يجعل "مرحبا" و"أهلا" منصوبين على المصدر. ونظير هذه العبارة قول القائل:"وعليكم السلام"؛ جوابا لمن قال: "السلام عليكم"، فالواو في الجواب؛ لعطف كلام المتكلم المجيب، على كلام المخاطب؛ مثلها في العبارة السابقة.
التصريح: 2/ 155، كتاب سيبويه: 1/ 295.
6 43 سورة الزخرف، الآية:5.
موطن الشاهد: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} .
وجه الاستشهاد: عطف جملة "نضرب" على جملة محذوفة؛ والتقدير: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا؟.
{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} 1؛ أي: أعموا فلم يروا.
1 34 سورة سبأ، الآية:9.
موطن الشاهد: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} .
وجه الاستشهاد: عطف كل من جملتي "نضرب"، و"لم يروا" بالفاء على جملة محذوفة بينها وبين الهمزة؛ لأن المعطوف عليه بالفاء خاص بالجمل؛ والهمزة في الموضعين في موضعها الأصلي؛ وهذا رأي الزمخشري ومن تبعه، واختاره المصنف. غير أن سيبويه والجمهور، يرون: أن الهمزة قدمت من تأخير؛ تنبيها على أصالتها في التصدير؛ ومحلها الأصلي بعد الفاء؛ والأصل: فأنضرب، فألم يروا. والأول أرجح.
ومثال الحذف مع بقاء "أم" المتصلة، قوله تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} ؛ فالتقدير: أعلمتم أن الجنة حفت بالمكاره؟ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة
…
وقد أشار ابن مالك إلى ما تقدم بقوله:
"وحذف متبوع بدا هنا استبح".
والمعنى: أي استبح حذف معطوف عليه ظهر، وذكر في هذا الموضع، وهو العطف بالواو والفاء وأم.
انظر التصريح: 2/ 154-155.
حاشية الصبان: 3/ 117.
فوائد وملحقات: أ- لا يجوز تقديم المعطوف على المعطوف عليه، وما ورد من ذلك؛ فهو شاذ يقتصر فيه على المسموع؛ ومنه قول الأحوص:
ألا يا نخلة من ذات عرق
…
عليك ورحمة الله السلام
ب- يجوز الفصل بين الواو ومعطوفها بظرف، أو جار ومجرور؛ ومنه قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} ، ولا يجوز بين الفاء ومعطوفها إلا في الضرورة الشعرية.
ج- الأصل في عطف النسق: المغايرة بين المتعاطفين، فلا يصح عطف الشيء على نفسه. وأجاز بعضهم ذلك إذا اختلف اللفظان لغرض بلاغي، أو لقصد التفسير والتوضيح، ومنه قول الشاعر:
وألفى قولها كذبا ومينا
انظر ضياء السالك: 3/ 201.
باب عطف النسق
…
إلى مضاف لما قارنها؛ كقوله1: [الطويل]
383-
فنعم ابن أخت القوم غير مكذب2
1 القائل: هو أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: البيت من كلمة يمدح فيها أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم، ويعاتب قريشا على ما كان منها، وهذا البيت يذكر فيه زهير بن أبي أمية -وهو ابن أخته عاتكة- يذكره بالخير؛ لأنه كان أحد الذين نقضوا الصحيفة التي كتبتها قريش لتقاطع آل النبي في حديث معروف.
وما ذكره المصنف صدر بيت وعجزه قوله:
زهير حساما مفردا من حمائل
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 95، والأشموني: 739/ 2/ 371، والسيرة: 176، وتاريخ ابن كثير: 3/ 56، والعيني: 4/ 15، والهمع: 2/ 85، والدرر: 2/ 109، وديوان أبي طالب: الورقة: 3.
المفردات الغريبة: حسام، الحسام: السيف القاطع سمي بذلك؛ لأنه يحسم الخلاف بين الناس، حمائل: جمع حمالة، وهي علاقة السيف.
المعنى: يمدح أبو طالب زهيرًا ابن أخته بأنه صادق المودة، مخلص لرحمه، لا ينسب إلى الكذب، وهو ماضي العزيمة نسيج وحده، كالسيف الذي يفرد عن حمائله؛ وزهير هذا هو ابن أمية بن عاتكة بنت عبد المطلب؛ أخت أبي طالب، وعمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زهير أحد الرجال الذين اتفقوا على نقض الصحيفة التي تعاهدت فيها قريش على مقاطعة بني هاشم، وعلقوها في الكعبة؛ ليلجئوهم إلى حمل النبي على ترك دعوته.
الإعراب: نعم: فعل ماضٍ جامد، دال على إنشاء المدح مبني على الفتح. ابن: فاعل نعم مرفوع، وهو مضاف. أخت: مضاف إليه، وهو مضاف. القوم: مضاف إليه. غير: حال من فاعل نعم، وهو مضاف. مكذب: مضاف إليه؛ وجملة "نعم وفاعله": في محل رفع خبر مقدم. زهير: مخصوص بالمدح مبتدأ مؤخر، ويجوز أن نعرب "زهير": خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبا والتقدير: هو زهير. حساما -بالنصب- حال من زهير منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ خلافا لرواية العيني بالرفع حيث أعربها صفة لزهير، وإن صحت هذه الرواية -بالرفع- لم يصح الإعراب؛ لأن زهيرا علم، فهو معرفة وحساما نكرة، ومعلوم أن المعرفة لا توصف بالنكرة، ولهذا تخرج رواية الرفع على أن "حسام": خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: هو حسام. مفردا: صفة لـ"حسام" منصوب. من: حرف جر. حمائل: اسم مجرور، وجره =