المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[باب الإضافة 1] هذا باب الإضافة [ما يحذف من الاسم المراد إضافته] : تحذف - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك - ت هبود - جـ ٣

[ابن هشام النحوي]

الفصل: ‌ ‌[باب الإضافة 1] هذا باب الإضافة [ما يحذف من الاسم المراد إضافته] : تحذف

‌[باب الإضافة

1]

هذا باب الإضافة

[ما يحذف من الاسم المراد إضافته] :

تحذف من الاسم2 الذي تريد إضافته ما فيه من تنوين؛ ظاهر، أو مقدر؛

1 الإضافة في اللغة: مطلق الإسناد، قال امرؤ القيس بن حجر الكندي:

فلما دخلناه أضفنا ظهورنا

إلى كل حاري جديد مشطب

يريد: لما دخلنا هذا البيت، أسندنا ظهرونا إلى كل رحل منسوب إلى الحيرة؛ لأن جلب منها أو صنع بها. والإضافة في اصطلاح النحاة: إسناد اسم إلى غيره، على تنزيل الثاني من الأول منزلة التنوين أو ما يقوم مقامه.

وإن شئت قلت: هي نسبة تقييدية بين اسمين تقتضي أن يكون ثانيهما مجرورا دائما والمراد بالنسب: الإسناد والحكم. ومعنى كونها تقييدية: أنها نسبة جزئية؛ الغرض منها تقييد المضاف بالمضاف إليه، وإيجاد نوع من القصر والتحديد له بعد أن كان عاما مطلقا. هذا، ولا يكون المصاف إلا اسما؛ لأن الإضافة تعاقب التنوين أو النون القائمة مقام التنوين والذي -أي التنوين- هو من صفات الأسماء، ولأن الغرض من الإضافة تعريف المضاف. والفعل لا يتعرف، فلا يكون مضافا؛ وكذلك المضاف إليه، لا يكون إلا اسما؛ لأنه محكوم عليه، ولا يحكم إلا على الأسماء.

انظر شرح التصريح: 2/ 23-24، وهمع الهوامع: 2/ 46.

2 يحذف من الاسم المراد إضافته ثلاثة أشياء:

1-

التنوين الظاهر من الاسم المنصرف؛ نحو: "ثوب خالد"، والتنوين المقدر في الاسم الممنوع من الصرف؛ نحو: دراهم زيد.

2-

النون المعوض بها عن التنوين، وذلك في المثنى، تقول في عصوان: عصواك. وجمع المذكر السالم، فتقول في "مستوطنون" مستوطنو مصر.

3-

"أل" المعرفة، وذلك في الإضافة المحضة مطلقا فتقول في إضافة الدرهم: درهمك، ولا تقول: الدرهمك. وأما الإضافة غير المحضة، فإن كان المضاف مثنى أو جمع مذكر سالما أو لم يكن واحدا منهما لكن كان المضاف إليه مقترنا بأل صح أن تبقى أل في المضاف نحو: المستوطنا عدن، والضاربو زيد، والضارب الرجل، فأما إذا كان المضاف =

ص: 70

كقولك في "ثوب ودراهم": "ثوب زيد" و"دراهمه" ومن نون تلي علامة الإعراب؛ وهو نون التثنية وشبهها؛ نحو: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} 1، و"هذان اثنا زيد"، ونون جمع المذكر السالم وشبهه؛ نحو:{وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} 2، و"عشرو عمرو"3، ولا تحذف النون التي تليها علامة الإعراب؛ نحو:"بساتين زيد"، و {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ} 4.

ويجر المضاف إليه بالمضاف، وفاقا لسيبويه5، لا بمعنى اللام؛ خلافا للزجاج6.

= مفردا والمضاف إليه غير مقترن بأل فيجب حذف أل من المضاف، فتقول في إضافة "الساكن": ساكن مصر، ولا تقول: الساكن مصر.

ويجوز حذف تاء التأنيث بشرط ألا يوقع حذفها في لبس؛ نحو: عدة وإقامة، يجوز أن تقول: عدتك وإقامتك -بذكر التاء- وقد حذفت التاء في قوله تعالى: {وَأَقَامَ الصَّلاةَ} .

انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 24، وحاشية الصبان: 2/ 237.

1 111 سورة المسد، الآية:1.

موطن الشاهد: {يَدَا أَبِي لَهَبٍ} .

وجه الاستشهاد: حذف نون التثنية في "يدا" لإضافتها إلى أبي لهب.

2 22 سورة الحج، الآية:35.

موطن الشاهد: {الْمُقِيمِي الصَّلاةِ} .

وجه الاستشهاد: حذف نون جمع المذكر السالم في "المقيمي" لإضافتها إلى الصلاة؛ ولو أعمل اسم الفاعل؛ لثبتت النون في "المقيمين" وانتصبت الصلاة على المفعولية.

3 عشرو: شبيه بجمع المذكر في إعرابه بالحروف، وليس بجمع؛ لأنه لا مفرد له.

4 6 سورة الأنعام، الآية:112.

موطن الشاهد: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ} .

وجه الاستشهاد: ثبوت النون في "شياطين" على الرغم من إضافتها؛ فكونها لا تشبه التنوين فيما ذكر؛ لأن النون -هنا- تليها علامة الإعراب، وهي حركة الضمة.

5 ووافقه الجمهور وهو الصحيح؛ بدليل اتصال الضمير به، والضمير لا يتصل إلا بعامله.

6 حيث ذهب إلى أن الجار هو ما تتضمنه الإضافة من معنى اللام.

هذا وقد ذهب السهيلي، وأبو حيان إلى أن الجار، هو الإضافة، وذهب ابن الباذش إلى أن الجار للمضاف حرف جر مقدر، ويرده أنا لا نجد لهذا الحرف الذي سنقدره متعلقا يتعلق به.

انظر التصريح: 2/ 35، وحاشية الصبان: 2/ 238، والإنصاف: 2/ 427.

ص: 71

[معاني الإضافة] :

فصل: وتكون الإضافة على معنى "اللام" بأكثرية؛ وعلى معنى "من" بكثرة، وعلى معنى "في" بقلة1.

وضابط التي بمعنى "في": أن يكون الثاني ظرفا للأول؛ نحو: {مَكْرُ اللَّيْلِ} 2، و {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} 3.

والتي بمعنى "من": أن يكون المضاف بعض المضاف إليه وصالحا للإخبار به عنه4؛ كـ"خاتم فضة"؛ ألا ترى أن الخاتم، بعض جنس الفضة، وأنه يقال: هذا الخاتم فضة.

1 للنحاة في معنى الإضافة عدة مذاهب منها:

أ- ذهب أبو حيان إلى أن الإضافة، ليست على معنى حرف أصلا، ولا هي على نية حرف.

ب- وذهب أبو إسحاق الزجاج وأبو الحسن بن الصائغ إلى أن الإضافة، تكون على معنى اللام فقط.

ج- وذهب الجمهور إلى أن الإضافة، تكون على معنى اللام أو على معنى من، ولا تكون على معنى في.

د- ورأى ابن مالك -تبعا لطائفة من النحاة- وتبعه شارحو كلامه؛ ومنهم ابن هشام الأنصاري أن الإضافة، تجيء على معنى أحد حروف ثلاثة؛ وهي اللام، ومن، وفي.

انظر شرح التصريح: 2/ 25-26.

2 34 سورة سبأ، الآية:33.

موطن الشاهد: {مَكْرُ اللَّيْلِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء الإضافة بمعنى في؛ حيث وقع المكر مضافا والليل مضافا إليه؛ والليل ظرف للمكر؛ والتقدير: مكر في الليل.

3 12 سورة يوسف، الآية: 39، 41.

موطن الشاهد: {صَاحِبَيِ السِّجْنِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء الإضافة بمعنى في؛ حيث وقع "صاحبي" مضافا، والسجن مضافا إليه؛ ومعلوم أن السجن ظرف مكان لـ"صاحبي"؛ والتقدير: يا صاحبان في السجن.

4 أي: يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف.

ص: 72

فإن انتفى الشرطان معا، نحو "ثوب زيد" و"غلامه"، و"حصير المسجد"، و"قنديله"1؛ أو الأول فقط، نحو:"يوم الخميس"2، أو الثاني فقط؛ نحو:"يد زيد"3؛ فالإضافة بمعنى لام الملك والاختصاص4.

[أنواع الإضافة] :

فصل: والإضافة على ثلاثة أنواع:

1-

نوع يفيد تعرف المضاف والمضاف إليه إن كان معرفة، كـ"غلام زيد"، وتخصصه به إن كان نكرة5؛ كـ"غلام امرأة"؛ وهذا النوع، هو الغالب6.

1 فالثوب والغلام، ليسا بعض زيد، وكذلك الحصير والقنديل، ليسا بعض المسجد، ولا يصح الإخبار بزيد، ولا بالمسجد عما قبلهما؛ والإضافة في الأولين للملك، وفي الآخرين للاختصاص؛ وفي الحالات الأربع، لا يصح الإخبار فيها بالمضاف إليه عن المضاف، ولا المضاف إليه فيها ظرف للمضاف. شرح التصريح: 2/ 25.

2 فإن اليوم، ليس بعض الخميس، وإن كان يصح الإخبار عنه بالخميس؛ فالإضافة -هنا- من إضافة المسمى إلى الاسم.

3 فاليد -وإن كانت بعض يد- غير أنه لا يصح الإخبار عنها به، والإضافة فيه من إضافة الجزء إلى كله.

4 المقصود بلام الملك، كما في ثوب زيد وغلامه؛ ولام الاختصاص، كما في بقية الأمثلة، وعلى هذا، تكون الإضافة التي على معنى اللام، هي التي يتحقق معناها من دون معنى "من" أو "في".

فائدتان:

فائدة "أ": لا يشترط في الإضافة التي بمعنى اللام صحة التصريح بها؛ بل يكفي إفادة معناها؛ نحو: يوم الاثنين، وعلم البلاغة، وشجرة التفاح؛ فإنها بمعنى لام الاختصاص، ولا يصح إظهار اللام فيها.

فائدة "ب": من الإضافة التي على معنى "من": إضافة الأعداد إلى المعدودات؛ نحو: خمسة طلاب. وإضافة العدد إلى مثله؛ نحو: خمسمائة، ولا يضر -هنا- عدم صحة الإخبار في الظاهر؛ لأن المضاف إليه يشمل المضاف.

وإضافة المقادير إلى الأشياء المقدرة؛ نحو: اشتريت صاع بر. ضياء السالك: 2/ 288.

5 المراد بالتخصص: تقليل الشيوع والاشتراك في النكرة، بحيث تصبح في درجة بين المعرفة والنكرة؛ من ناحية التعيين والتحديد.

6 وذلك؛ لأن كلا من المتضايفين، يؤثر في الآخر؛ فالمضاف يؤثر الجر في المضاف إليه؛ =

ص: 73

2-

ونوع يفيد تخصص المضاف دون تعرفه1؛ وضابطه: أن يكون المضاف متوغلا في الإبهام2؛ كـ"غير" و"مثل"؛ إذا أريد بهما مطلق المماثلة والمغايرة3، لا كمالهما4؛ ولذلك صح وصف النكرة بهما في نحو:"مررت برجل مثلك"، أو "غيرك"5.

وتسمى الإضافة -في هذين النوعين- معنوية؛ لأنها، أفادت أمرا معنويا6،

= وهذا يؤثر في الأول التعريف أو التخصيص؛ وضابطه: انتفاء ضابطي القسمين الآتيين. شرح التصريح: 2/ 26.

1 ينقسم هذا النوع إلى قسمين؛ الأول: ملازم للتنكير، ولا يقبل التعريف أصلا، ولو أضيف إلى معرفة؛ لشدة توغله في الإبهام، وقد ذكر المؤلف ضابطه.

والقسم الثاني: يقبل التعريف، ولكن يجب تأويله بنكرة؛ لأنه حل محل ما لا يكون إلا نكرة؛ ومن ذلك: المعطوف على مجرور رب، وعلى التمييز المجرور بعد "كم"؛ نحو: رب رجل وصديقه، كم ناقة وفصيلها؛ لأن مجرور "رب" و"كم" لا يكون إلا نكرة، فالمعطوف عليهما نكرة كذلك؛ وكذا كلمة "وحد" و"جهد" و"طاقة" ونحوها؛ نحو: فعل ذلك وحده؛ أو جهده؛ أو طاقته؛ لأن هذه الكلمات أحوال غالبا -والحال لا يكون إلا نكرة- ولهذا، يجب تأويلها بـ"منفردا وجاهدا ومطيقا"؛ والإضافة في هذه الأمثلة ونحوها، تفيد التخصيص دون التعريف. شرح التصريح: 2/ 26.

2 أي: متعمقا ومتغلغلا وشديد الدخول فيه.

3 نحو: مررت برجل غيرك؛ أو مثلك؛ لأن المغايرة أو المماثل العامة بين شيئين، لا تخص وجها بعينه.

4 لأن صفات المخاطب معلومة، فثبوتها كلها لشخص، أو ثبوت أضدادها جميعها لشخص؛ يستلزم تعيينه؛ وإذا أريد بـ"غير" و"مثل" مغايرة خاصة ومماثلة خاصة؛ حكم بتعريفهما، وأكثر ما يكون ذلك في "غير" إذا وقعت بين ضدين معرفتين؛ نحو: رأيت العلم غير الجهل، ومررت بالكريم غير الشحيح؛ ويكون في "مثل": إذا أضيفت إلى معرفة، وقارنها ما يشعر بمماثلة خاصة؛ نحو: محمد مثل عنترة؛ أي: في الشجاعة.

فائدة: من الألفاظ المتوغلة في الإبهام: تربك، نحوك، ندك، شبهك؛ ومعناها: نظيرك، وشرعك، قطك، وقدك؛ وهي بمعنى: حسبك، وكافيك، وخدنك -بمعنى صاحبك- ولا يقاس على هذه، بل يقتصر على السماع. انظر شرح التصريح: 2/ 27.

5 وفي هذا دلالة على أنها تتعرف بالإضافة؛ لأن النكرة، لا توصف بمعرفة.

6 وهو استفادة المضاف من المضاف إليه التعريف أو التخصيص؛ ولأنها تتضمن معنى حرف من حروف الجر الثلاثة: من، في، اللام.

ص: 74

ومحضة؛ أي: خالصة من تقدير الانفصال1.

3-

ونوع لا يفيد شيئا من ذلك؛ وضابطه: أن يكون المضاف صفة تشبه المضارع في كونها مرادا بها الحال أو الاستقبال2؛ وهذه الصفة ثلاثة أنواع: اسم فاعل3؛ كـ"ضارب زيد"، و"راجينا"، واسم مفعول كـ"مضروب العبد"، و"مروع القلب"4، والصفة المشبهة كـ"حسن الوجه"، و"عظيم الأمل"، و"قليل الحيل".

والدليل على أن هذه الإضافة لا تفيد المضاف تعريفا: وصف النكرة به في

1 فنحو: "والد محمد مثلك" ليس في تقدير: والد لمحمد مثلك؛ بل بين المضاف والمضاف إليه قوة ارتباط واتصال. وأكثر ما يكون المضاف في الإضافة المحضة اسما جامدا غير مؤول بالمشتق؛ كالمصادر وأسمائها، والمشتقات الشبيهة بالجوامد التي لا تعمل مطلقا، كأسماء المكان، والزمان، والآلة، وأفعل التفضيل على المشهور. ضياء السالك: 2/ 290.

2 وإذا كانت الصفة بمعنى الماضي، أو مطلق الزمن، فالإضافة فيها محضة، نحو: قارئ الدرس أمس كان نشيطا، وقارئ الدرس نشيط. واختلف في الصفة التي بمعنى الاستمرار؛ فقيل: هي الحال، وقيل: الاستمرار يحتوي الأزمنة الثلاثة؛ فإذا اعتبر جانب الماضي؛ كانت الإضافة حقيقية، فلا يعمل، ويتعرف بالإضافة، كما في قوله تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بدليل وصف المعرفة به؛ وإن اعتبر جانب الحال أو الاستقبال؛ كانت الإضافة غير حقيقية، فيعمل، ولا يتعرف كما في قوله تعالى:"وجاعل الليل سكنا".

وإذا كان المضاف إليه جملة في هذا النوع من الإضافة؛ فإن الجملة تعتبر في حكم المفرد المضاف إليه؛ لأنها تؤول بمصدر مضاف إلى فاعله -إن كانت فعلية- وبمصدر مضاف إلى مبتدئه -إن كانت اسمية- نحو: أزورك حين تكون في المنزل -أي حين وجودك- وأزورك حين والدك موجود -أي حين وجود والدك- وهذا المصدر يكون معرفة إن أضيف إلى معرفة، ونكرة متخصصة إن أضيف إلى نكرة.

3 سواء أكان مضافا إلى معمولة الظاهر أم المضمر، وقد مثل لهما المؤلف؛ ومثل اسم الفاعل صيغ المبالغة.

4 سواء كان من الثلاثي أم من غيره كمثالي المتن؛ ومروع: من روعه الشيء بمعنى أفزعه.

ص: 75

نحو: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} 1، ووقوعه حالا في نحو:{ثَانِيَ عِطْفِهِ} 2، وقوله3:[الكامل]

317-

فأتت به حوش الفؤاد مبطنا4

1 5 سورة المائدة الآية: 95.

موطن الشاهد: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "هديا" نكرة منصوبة على الحال، و"بالغ الكعبة" صفتها ومضاف إليه؛ ومعلوم أن الإضافة -هنا- لم تفد المضاف تعريفا؛ لأنه لا توصف النكرة بالمعرفة.

2 22 سورة الحج، الآية:9.

موطن الشاهد: "ثاني عطفه".

وجه الاستشهاد: مجيء "ثاني" حالا من فاعل "يجادل" في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} ؛ ومعلوم أن الحال واجب التنكير، والأصل عدم التأويل.

3 القائل: هو أبو كبير الهذلي، وقد مرت ترجمته.

4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

سهدا إذا ما نام ليل الهوجل

والبيت من كلام أبي كبير في وصف ابن زوجته؛ تأبط شرا، أحد فتاك العرب وذؤبانهم.

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 28، والأشموني: 593/ 2/ 305، والعيني: 3/ 361، والمغني: 895/ 664، والسيوطي: 298، وديوان الهذليين: 2/ 92.

المفردات الغريبة: أتت به: فاعل أتت يعود إلى أم تأبط شرا، وكان أبو كبير قد تزوجها.

حوش الفوائد: حديد القلبي، جريء الجنان. مبطنا: ضامر البطن. سهدا: قليل النوم. الهوجل: الثقيل الكسلان، أو الأحمق.

المعنى: أن هذه المرأة جاءت بمولود ذكي جريء ضامر البطن يقظ، قليل النوم في الليل حين ينام غيره من الكسالى الحمقى.

الإعراب: فأتت: الفاء عاطفة، أتت: فعل ماض، مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهوره التعذر؛ والتاء للتأنيث، لا محل لها من الإعراب، والفاعل: هي. "به": متعلق بـ"أتى". حوش: حال من الضمير المجرور محلا بالباء، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. الفؤاد: مضاف إليه مجرور. مبطنا: حال ثانية من الضمير المجرور محلا بالباء. شهدا: حال ثالثة، إذا: ظرف زمان متعلق بـ"سهدا" مبني على السكون في محل نصب. ما: زائدة. نام: فعل ماض مبني على الفتح. ليل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو =

ص: 76

ودخول "رب" عليه في قوله1: [البسيط]

318-

يا رب غابطنا لو كان يطلبكم2

= مضاف. الهوجل: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "نام ليل الهوجل": في محل جر بالإضافة.

موطن الشاهد: "حوش الفؤاد".

وجه الاستشهاد: إضافة الصفة المشبهة "حوش" إلى فاعلها المحلى بأل، ولم يفدها ذلك تعريفا؛ ودليل ذلك وقوعها حالا، ومعلوم أن الحال، لا تكون إلا نكرة.

فائدة: إسناد النوم إلى الليل في -الشاهد المذكور- مجاز عقلي، من إسناد الفعل إلى زمنه؛ أي: نام الهوجل في الليل.

1 القائل: هو جرير بن عطية؛ وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت لجرير في هجاء الأخطل النصراني، وعجزه قوله:

لاقى مباعدة منكم وحرمانا

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 28، والأشموني: 592/ 2/ 305، والعيني: 3/ 364، وسيبويه: 1/ 212، والمقتضب: 3/ 227، 4/ 150، 289، والجمل: 103، وشرح المفصل: 3/ 51، والهمع: 2/ 47، والدرر: 2/ 56، والمغني: 896/ 664، والسيوطي: 298، وديوان جرير:595.

المفردات الغريبة: غابطنا: اسم فاعل من الغبطة، وهي أن يتمنى الإنسان مثل حال من يغبطه، من غير أن يتمنى زوال ما عنده. مباعدة، بعدا وانصرافا. حرمانا: منعا وعدم استجابة.

المعنى: كثير من الناس يغبطوننا على اتصالنا بكم، ويتمنون أن يكونوا مثلنا؛ لأنهم يظنون أننا ننعم بهذا الاتصال، ولو قصدوكم، وطلبوا شيئا مما عندكم لأبعدتموهم وحرمتموهم العطاء، ولعرفوا حقيقة ما يناله المتصل بكم.

الإعراب: يا: حرف تنبيه؛ أو حرف نداء، والمنادى محذوف؛ والتقدير: يا هؤلاء رب

رب: حرف جر شبيه بالزائد. غابطنا: "غابط" اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ، وهو مضاف، و"نا" في محل جر بالإضافة. لو: حرف امتناع لامتناع؛ أو أداة شرط غير جازمة. كان: فعل ماض ناقص، مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب؛ واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره: هو: يطلبكم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو؛ يعود إلى اسم كان، و"كم": في محل نصب مفعولا به. وجملة "يطلبكم": في محل نصب خبر كان؛ وجملة "كان واسمها وخبرها": شرط "لو". لاقى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف؛ للتعذر؛ والفاعل: هو؛ يعود إلى =

ص: 77

والدليل على أنها لا تفيد تخصيصا: أن أصل قولك: "ضارب زيد": ضارب زيدا؛ فالاختصاص موجود1 قبل الإضافة؛ وإنما تفيد هذه الإضافة التخفيف2، أو رفع القبح.

أما التخفيف، فبحذف التنوين الظاهر؛ كما في "ضارب زيد"، و"ضاربات عمرو" و"حسن وجهه"، أو المقدر؛ كما في:"ضوارب زيد"، و"حواج بيت الله"3، أو نون التثنية؛ كما في "ضاربا زيد"، أو الجمع؛ كما في:"ضاربو زيد".

وأما رفع القبح؛ ففي نحو: "مررت بالرجل الحسن الوجه"؛ فإن في رفع "الوجه"4 قبح خلو الصفة من ضمير، يعود على الموصوف5؛ وفي نصبه6 قبح إجراء وصف القاصر، مجرى وصف المتعدي7؛ وفي الجر تخلص منهما. ومن

= "غابطنا". مباعدة: مفعول به لـ"لاقى". "منكم": متعلق بمحذوف صفة لمباعدة. وحرمانا: الواو عاطفة، حرمانا: اسم معطوف على "مباعدة" منصوب مثله؛ وجملة "لاقى منكم

": جواب لو، لا محل لها؛ وجملة "لو وشرطها وجوابها": في محل رفع خبر المبتدأ المجرور لفظا بـ"رب".

موطن الشاهد: "رب غابطنا".

وجه الاستشهاد: دخول "رب" على "غابطنا"؛ وهو اسم فاعل مضاف إلى ضمير المتكلم؛ ومعلوم أن "رب" لا تدخل إلا على النكرات؛ وفي ذلك دلالة على أن المضاف "اسم الفاعل" لم يستفد من إضافته إلى الضمير تعريفا.

1 أي بمعمول اسم الفاعل.

2 لأن الأصل في الصفة، أن تعمل النصب، والمختص أخف؛ لأنه لا تنوين معه ولا نون كما بين المصنف.

3 في "ضوارب" و"حواج" تنوين مقدر، حذف للإضافة، بدليل نصبهما المفعول.

4 أي: على الفاعلية بالصفة المشبهة.

5 لأن الصفة، لا ترفع ظاهرا وضميرا معا، والغالب في الصفة المشبهة أن تشتمل على ضمير، يكون بمنزلة رابط بينهما، وبين ما تجري عليه، ويدل على معناها.

6 أي على التشبيه بالمفعول به -إن كان معرفة، وعليه أو على التمييز- إن كان نكرة.

7 أي في نصب الشبيه بالمفعول به؛ لأن الصفة المشبهة، لا تصاغ إلا من اللازم، فهي كفعلها، لا تنصب المفعول به.

ص: 78

ثم1 امتنع "الحسن وجهه"؛ لانتفاء قبح الرفع2؛ ونحو: "الحسن وجه" لانتفاء؛ قبح النصب؛ لأن النكرة تنصب على التمييز3.

وتسمى الإضافة في هذا النوع لفظية؛ لأنها أفادت أمرا لفظيا4، وغير محضة؛ لأنها في تقدير الانفصال5.

[اختصاص الإضافة اللفظية بجواز دخول "أل" على المضاف] :

فصل: تختص الإضافة اللفظية بجواز دخول "أل" على المضاف في خمس مسائل6.

إحداها: أن يكون المضاف إليه بأل7؛ كـ"الجعد الشعر"، وقوله8:[الطويل]

1 أي: ومن أجل أن الإضافة، فيما ذكر إنما هي لرفع قبح الرفع والنصب على النحو الذي بسط.

2 لأن في المرفوع ضميرا مضافا إليه، يعود على الموصوف.

3 أي: والتمييز ينصبه المتعدي والقاصر.

4 وهو التخفيف بحذف التنوين ونوني المثنى والجمع من آخر المضاف، والتحسين المترتب على إزالة القبح.

5 فإن المضاف فيها، لا بد من أن يكون وصفا عاملا، وكثيرا ما يرفع ضميرا مستترا، وهذا الضمير يكون فاضلا تقديرا بين الوصف المضاف ومعموله على الرغم من استتاره، ويجعل الإضافة غير خالصة الاتصال.

6 أما المحضة: فلا تدخل "أل" فيها على المضاف؛ لئلا يلزم اجتماع معرفين على شيء واحد أو إضافة المعرفة إلى النكرة. وأجاز الكوفيون دخول "أل" على المضاف إذا كان اسم عدد مضاف إلى معدود فيه "أل" نحو: قرأت الثلاثة الكتب في الأربعة الأيام. وحجتهم في ذلك السماع. وكان القياس في اللفظية كذلك، لكن لما كانت الإضافة فيها على نية الانفصال؛ اغتفر ذلك فيها.

7 لأن رفع القبح عن نصب ما بعد الصفة المشبهة بالإضافة، لا يكون إلا بذلك الشرط كما بينا قريبا. وحمل عليها اسم الفاعل. والجعد: صفة مشبهة، من جعد شعره جعودة -ضد بسط.

8 القائل: الفرزدق الشاعر الأموي، وقد مرت ترجمته.

ص: 79

319-

شفاء وهن الشافيات الحوائم1

الثانية: أن يكون مضافا لما فيه "أل"2؛ كـ"الضارب رأس الجاني"، وقوله3:[الطويل]

1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

أبأنا بهم قتلى وما في دمائهم

البيت من كلمة، يقولها الشاعر حين خرج قتيبة بن مسلم الباهلي على سليمان بن عبد الملك، وخلع طاعته، فقتله وكيع بن حسان بن قيس، وبعث برأسه إلى سليمان.

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 29، والأشموني: 599/ 2/ 308 والعيني: 3/ 389، والهمع: 2/ 31، والدرر: 2/ 29، وفيه اختلاف في الرواية ولم ينسبه.

المفردات الغريبة: أبأنا: قتلنا وعوضنا، يقال أبأت فلانا بفلان؛ قتلته به وجعلته بواء، أي عوضا به. والضمير في "بهم" و"هن" للسيوف، وفي "دمائهم" للقتلى. الشافيات: جمع شافية اسم فاعل من الشفاء. الحوائم: العطاش، جمع حائمة، وهي التي تحوم حول الماء من العطش، والمراد: المتشوقة للقتل.

المعنى: قتلنا بهذه السيوف قتلى منهم، وعوضنا بها قتلانا، ولكن ما سفك من دماء القتلى لم يشف ما في صدورنا من غيظ ورغبة في الانتقام؛ لأن من قتلنا غير أكفاء لنا، ولا وفاء في دمائهم لقتلانا، وإنما يشفي غيظ الصدور، وتهدأ حرارة الألم إذا قتلنا مثل من فقدنا؛ والسيوف هي الشافيات التي بها تنال الثارات.

الإعراب: أبأنا: فعل ماض، و"نا": فاعله. "بهم": متعلق بـ"أبأنا". قتلى: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف، منع من ظهورها التعذر. وما: الواو حالية، "ما": نافية. "في دمائهم": متعلق بمحذوف خبر مقدم، ودماء: مضاف، وضمير الغائبين مضاف إليه. شفاء: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "ما في دمائهم شفاء" في محل نصب على الحال. وهن: الواو حالية أيضا، و"هن" ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الشافيات: خبر مرفوع. الحوائم: مضاف إليه؛ وجملة "هن الشافيات الحوائم": في محل نصب على الحال.

موطن الشاهد: "الشافيات الحوائم".

وجه الاستشهاد: إضافة الوصف المقترن بأل "الشافيات" إلى الحوائم؛ لأن المضاف إليه "الحوائم" مقترن بها أيضا؛ ومعلوم أن الإضافة -هنا- لفظية.

2 فإن وجودها فيه كوجودها في الثاني؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، ولهذا لا يسوغ أن يكون بين الوصف وما فيه "أل" أكثر من مضاف واحد، فلا يصح: الضارب رأس صديق الجاني.

3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

ص: 80

320-

لقد ظفر الزوار أقفية العدى1

الثالثة: أن يكون مضافا إلى ضمير ما فيه "أل"؛ كقوله2: [الكامل]

321-

الود أنت المستحقة صفوه3

1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

بما جاوز الآمال ملأسر والقتل

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 29، والأشموني: 600/ 2/ 308، والتصريح: 2/ 245.

المفردات الغريبة: ظفر: نال. الزوار: جمع زائر. أقفية: جمع قفا وهو مؤخرالعنق. ملأسر: أصله من الأسر؛ فحذفت النون على لغة وهو كثير في كلام العرب، وكذلك همزة الوصل وذلك كثير أيضا في كلامهم.

المعنى: أن الإعداء فروا أما هؤلاء الأبطال حين رأوهم، ولم يثبتوا، وأعطوهم ظهورهم وأقفيتهم؛ فظفروا منهم بأكثر مما كانوا يأملون من أسرهم وقتلهم.

الإعراب: لقد: اللام واقعة في جواب قسم مقدر، قد: حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. ظفر: فعل ماض مبني على الفتح، الزوار: فاعل ظفر مرفوع، وهو مضاف. أقفية: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. العدى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. "بما": متعلق بـ"ظفر"؛ وما اسم موصول بمعنى الذي في محل جر بحرف الجر. جاوز: فعل ماض، والفاعل: هو، يعود إلى "ما" الموصولة. الآمال: مفعول به منصوب؛ وجملة "جاوز الآمال": صلة للموصول، لا محل لها. "ملأسر": متعلق بـ"جاوز". والقتل: الواو عاطفة، القتل: اسم معطوف على الأسر مجرور مثله.

موطن الشاهد: "الزوار أقفية العدى".

وجه الاستشهاد: إضافة "الزوار" وهو صفة مقترنة بأل، إلى اسم خال منها؛ وهو "أقفية" وإنما سوغ ذلك كون المضاف إليه -أقفية- مضافا إلى اسم مقترن بأل؛ وهو "العدى".

2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

مني وإن لم أرج منك نوالا

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 29، والأشموني: 601/ 2/ 308، والعيني: 3/ 392، والهمع: 2/ 48، والدرر: 2/ 57، وحاشية يس على التصريح: 2/ 28. =

ص: 81

ومنع ذلك المبرد1.

الرابعة: أن يكون المضاف مثنى؛ كقوله2: [البسيط]

322-

إن يغنيا عني المستوطنا عدن3

= المفردات الغريبة: الود: الحب والمودة. صفوة: خالصة. أرج: آمل وأطمع. نوالا: عطاء.

المعنى: يخاطب الشاعر محبوبته قائلا: أنت -من دون سائر الناس- التي تستحق وتستوجب مني خالص الحب والمودة، ولست أرجو من وراء ذلك منك عطاء، ولا أطلب جزاء؛ أي: أمنحك هذه المحبة الخالصة وأنا على يقين من أنك لا تمنين علي بما يكافئ ذلك كله؛ فلا مطمع لي في شيء مما يطمع فيه المحبون.

الإعراب: الود: مبتدأ أول مرفوع. أنت: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ثان. المستحقة: خبر المبتدأ الثاني مرفوع، وهو مضاف. صفوة:"صفو" مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة؛ وجملة "أنت المستحقة صفوه": في محل رفع خبر المبتدأ الأول. "مني": متعلق بـ"المستحقة". وإن: الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف. إن: حرف شرط جازم. لم: نافية جازمة. أرج: فعل مضارع مجزوم بـ"إن" -وهو فعل الشرط- وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره؛ والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقدير: أنا. "منك": متعلق بـ"أرجو". نوالا: مفعول به منصوب؛ وجواب الشرط محذوف، دل عليه سابق الكلام؛ وجملة "إن لم أرج منك نوالا": معطوفة على جملة أخرى محذوفة، هي أولى بالحكم الذي هو استحقاقها للود من هذه الجملة المذكورة، وتقدير الكلام: إن رجوت منك نوالا، وإن لم أرج منك نوالا.

موطن الشاهد: "المستحقة صفوه".

وجه الاستشهاد: إضافة الوصف المقترن بأل -المستحقة- إلى مضاف فيه ضمير يعود إلى ما فيه "أل"؛ وهو "صفوه"؛ حيث إن "الهاء" فيه ضمير عائد إلى الود؛ وحكم هذه الإضافة جائزة عند الجمهور؛ خلاف للمبرد.

1 سقطت العبارة في أوضح المسالك "ط. دار الفكر"؛ وأوجب المبرد النصب -هنا- ولم يعتبر الضمير العائد إلى ما فيه "أل" بمنزلة الاسم المقرون بها، وهو محجوج بالسماع؛ والأفصح في المسائل الثلاث: النصب بالوصف.

2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

فإنني لست يوما عنهما بغني

وهو من شواهد: التصريحك 2/ 29، والأشموني: 602/ 2/ 309، والعيني: 3/ 393، والهمع: 2/ 48، الدرر: 2/ 57

ص: 82

الخامسة: أن يكون جمعا اتبع سبيل المثنى؛ وهو جمع المذكر السالم؛ فإنه يعرب بحرفين، ويسلم فيه بناء الواحد، ويختم بنون زائدة، تحذف للإضافة، كما أن المثنى كذلك؛ كقوله1:[البسيط]

323-

ليس الأخلاء بالمصغي مسامعهم2

= المفردات الغريبة: يغنيا: يستغنيا، مضارع غني بمعنى استغنى. المستوطنا عدن: اللذان اتخذا "عدن" وطنا وموضع إقامة.

المعنى: أن يستغن هذان الشخصان المقيمان بعدن، ويريا أنهما في غير حاجة إلي، فإني لا أستغني عنهما يوما، وأراني محتاجا إليهما دائما.

الإعراب: إن: حرف شرط جازم. يغنيا: فعل مضارع مجزوم -وهو فعل الشرط- وعلامة جزمه حذف النون، والألف: ضمير متصل في محل رفع فاعل. "عني": متعلق بـ"يغنيا". المستوطنا: بدل من ألف الاثنين -على اللغة الفصحى- مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، وهو مضاف. عدن: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة. فإنني: الفاء رابطة لجواب الشرط. إن: حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل في محل نصب اسم "إن". لست: فعل ماض ناقص، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم "ليس". "يوما": متعلقا بقوله "غني" الآتي. "عنهما": متعلق بـ"غني" أيضا. بغني: الباء حرف جر زائد، مجرور لفظا، منصوب محلا على أنه خبر "ليس"؛ وجملة "ليس مع اسمها وخبرها": في محل رفع خبر "إن"؛ وجملة "إن واسمها وخبرها": في محل جزم جواب الشرط.

موطن الشاهد: "المستوطنا عدن".

وجه الاستشهاد: إضافة الاسم المقترن بـ"أل" إلى اسم ليس مقترنا بها؛ وهو "عدن" وسوغ ذلك كون المضاف وصفا دالا على مثنى؛ وعلل النحويون هذا بأن الوصف، لما طال بالتثنية والجمع؛ ناسبه التخفيف، فلم يحتج لاتصالها بالمضاف إليه.

فائدة: في قوله: "يغنيا المستوطنا" شاهد على إلحاق علامة التثنية بالفعل مع كونه رافعا لاسم ظاهر مثنى؛ وذلك على لغة "أكلوني البراغيث"؛ ولهذا أعربنا "المستوطنا" بدلا؛ لكيلا يأتي فاعلان لفعل واحد، كما هو معلوم.

1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

إلى الوشاة ولو كانوا ذوي رحم

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 30، والعيني: 3/ 394، والهمع: 2/ 48، والدرر: 2/ 57. =

ص: 83

وجوز الفراء إضافة الوصف المحلى بأل إلى المعارف كلها1، كـ"الضارب زيد"، و"الضارب هذا"، بخلاف "الضارب رجل"2. وقال المبرد والرماني3 في "الضاربك" و"ضاربك": موضع الضمير خفض4، وقال الأخفش:............

= المفردات الغريبة: الأخلاء: جمع خليل؛ وهو الصديق المخلص. بالمصغي: جمع مصغ؛ وهو اسم فاعل من أصغى إليه إذا أنصت له وأمال أذنه إليه. مسامعهم: جمع مسمع وهو مكان السمع أي الأذن. الوشاة: جمع واش، وهو النمام الذي يسعى بين المتصافين لإفساد قلوبهم. رحم: قرابة.

المعنى: أن الأصدقاء المخلصين في صداقتهم، لا يستمعون، ولا يلتفتون إلى كلام النمامين الذين يسعون للإفساد بين الأصدقاء، ولو كان هؤلاء الساعون من الأقرباء.

الإعراب: ليس: فعل ماض ناقص. الأخلاء: اسم ليس مرفوع. بالمصغي: الباء حرف جر زائد. المصغي: اسم مجرور لفظا، منصوب محلا على أنه خبر "ليس"؛ وهو مضاف، مسامعهم:"مسامع" مضاف إليه مجرور؛ وهو مضاف، و"هم" مضاف إليه. "إلى الوشاة": متعلق بقوله: "المصغي". ولو: الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف؛ وسنبين ذلك لاحقا. لو: حرف امتناع لامتناع؛ أو حرف شرط غير جازم. كانوا: فعل ماض ناقص، مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متصل في محل رفع اسم "كان". ذوي: خبر "كان" منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم؛ وهو مضاف. رحم: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "كان واسمها وخبرها": معطوفة بالواو على محذوف هو أولى بالحكم -الذي هو انتفاء الخلة عمن يصغي مسامعه إلى الوشاة من الأخلاء- من المذكور؛ والتقدير: إن لم يكن الوشاة ذوي رحم، وإن كانوا

موطن الشاهد: "المصغي مسامعهم".

وجه الاستشهاد: إضافة الاسم المقترن بـ"أل" إلى اسم، ليس مقترنا بها؛ وهو مسامعهم؛ لكون المضاف وصفا مجموعا جمع مذكر سالما.

1 أي سواء كان تعريفها بالعلمية، أم بالإشارة، أم بالضمير، أم بغيرها، حملا على المعرف بأل وإذا أضيف المحلى بأل إلى الضمير، نحو: الضاربك، والضاربه جاز كون الضمير في محل جر بالإضافة، أو في محل نصب على المفعولية خلافا للمبرد.

2 فلا يجوز؛ لامتناع إضافة المعرفة إلى النكرة.

3 مرت ترجمته.

4 حجتهما: أن الضمير نائب عن الظاهر، وعند حذف التنوين من الوصف بكون الظاهر مخفوضا؛ فكذلك نائبه.

التصريح: 2/ 30.

ص: 84

.......... نصب1، وقال سيبويه: الضمير كالظاهر؛ فهو منصوب في "الضاربك"2 مخفوض في "ضارك"3، ويجوز في "الضارباك" و"الضاربوك" الوجهان4.

[اكتساب المضاف المذكر التأنيث من المضاف إليه] :

مسألة5: قد يكتسب المضاف المذكر من المضاف إليه المؤنث تأنيثه،

1 وذهب معه إلى هذا هشام، وحجتهما: أن موجب النصب المفعولية وهي محققة، وموجب الخفض الإضافة وهي غير محققة؛ لأن دليلها حذف التنوين، وهو قد يحذف بسبب آخر غير الإضافة، كصون الضمير المتصل من وقوعه منفصلا، واستدلوا بقوله تعالى:{إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} .

2 لانتفاء شروط إضافة الوصف المحلى بأل المتقدمة.

3 أي على المحل؛ لأن عدم تنوين الوصف دليل على الإضافة، ولا مانع منها لأنه مجرد من أل.

4 أما الخفض فعلى أن النون حذفت للإضافة، والضمير في محل خفض.

وأما النصب فعلى أن النون حذفت للتخفيف وتقصير الصلة، ويكون الضمير في محل نصب. وقال الجرمي والمازني والمبرد وجماعة: إن الضمير في موضع جر فقط؛ لأن الأصل حذف التنوين للإضافة؛ فلا يعدل عنه إلا إذا تعين غيره.

التصريح: 2/ 30-31.

5 ذكر المصنف من الأمور التي يكتسبها المضاف من المضاف إليه: التعريف؛ إن كان المضاف إليه معرفة، والتخصيص إن كان نكرة، والتخفيف إذا كان المضاف اسم فاعل مضافا إلى معموله، ورفع القبح إن كان صفة مشبهة. وذكر -هنا- التذكير والتأنيث، وأتى بأمثلة موضحة لذلك.

وهناك أشياء أخرى يستفيدها المضاف من المضاف إليه لم يأت المصنف على ذكرها، منها:

1-

الظرفية؛ بشرط أن يكون المضاف دالا على الكلية أو الجزئية، كلفظ "كل" و"بعض"، والمضاف إليه ظرفا، مثل قوله تعالى:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} .

2-

المصدرية أحيانا؛ إذا كان المضاف إليه مصدرا والمضاف ليس بمصدر كقوله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} فكلمة "أي" مفعول مطلق منصوب بقوله "ينقلبون".

وكقول مجنون بني عامر:

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما

يظنان كل الظن أن لا تلاقيا

3-

وجوب التصدير؛ إذا كان المضاف إليه لفظا من الألفاظ التي يجب تصديرها في =

ص: 85

وبالعكس؛ وشرط ذلك في الصورتين: صلاحة المضاف للاستغناء عنه بالمضاف إليه1.

= جملتها، كألفاظ الاستفهام؛ فإن وجوب التصدير ينتقل إلى المضاف الذي ليس من ألفاظ الصدارة، ولهذا وجب تقديم المبتدأ في نحو: كتاب من معك؟ والخبر في مثل: صبيحة أي يوم سفرك؟ والمفعول في مثل: غلام أيهم أكرمت؟ والجار والمجرور في مثل: من صديق أيهم أنت أشعر.

4-

الإعراب؛ نحو: هذه خمسة عشر زيد فيمن أعربه.

5-

البناء وذلك في مواضع.

أحدها: أن يكون المضاف مبهما كـ"غير، مثل، ودون"، وكان المضاف إليه مبنيا؛ وذلك؛ نحو قوله تعالى:{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} في قراءة من فتح بين، وهي فاعل تقطع؛ بدليل قراءة الرفع؛ وكقول الفرزدق في بعض التخريجات التي مر ذكرها:

إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر

بفتح مثل على أنه خبر مقدم، وبشر مبتدأ مؤخر؛ لأن "ما" الحجازية، لا يتقدم خبرها على اسمها، وكذلك قوله تعالى:{أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ} فيمن فتح مثل.

الثاني: أن يكون المضاف زمانا مبهما، والمضاف إليه لفظ "إذ" نحو قوله تعالى:{مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} ، {مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} بفتح يوم فيهما.

الثالث: أن يكون المضاف زمانا مبهما، والمضاف إليه فعل مبني، سواء أكان بناؤه أصليا كالماضي، في نحو قول النابغة:

على حين عاتبت المشيب على الصبا

فقلت ألما تصح والشيب وازع

أم كان بناؤه عارضا كالمضارع المقترن بنون النسوة في نحو قوله:

لأجتذبن منهن قلبي تحلما

على حين يستصبين كل حليم

مغني اللبيب: 663-674.

1 أي مع صحة المعنى ولو مجازا، وعدم تغييره في الجملة. ويشترط أن يكون المضاف جزءا من المضاف إليه، أو مثل جزئه؛ وذلك بأن تجمعه بكله صلة قوية غير صلة الجزيئة، تدل على اتصاله به؛ كاللون، أو الثوب، أو الخلق، أو الحب

إلخ. أو أن يكون المضاف كلا للمضاف إليه؛ نحو قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} . أو يكون المضاف وصفا في المعنى للمضاف إليه؛ كإضافة المصدر في البيت الآتي؛ فإن تحقق الشرطان؛ كان اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه -على قلته- قياسيا، وإلا فلا اكتساب، وإن صح الحذف، فلا يجوز أعجبتني يوم العروبة؛ لأن المضاف -وهو "يوم"- ليس جزءا، ولا كالجزء، ولا كلا، ولا وصفا.

مغني اللبيب: 665-666، التصريح، وحاشية يس: 2/ 31-32.

ص: 86

[اكتساب المذكر التأنيث] :

فمن الأول قولهم: "قطعت بعض أصابعه"1، وقراءة بعضهم2:"تلتقطه بعض السيارة"3؛ وقوله4: [مشطور الرجز]

324-

طول الليالي أسرعت في نقضي5

1 "بعض" نائب فاعل قطعت، وأنث الفعل؛ لأن "بعض" اكتسب التأنيث من المضاف إليه، وهو الأصابع، ويصح الاستغناء عنه بالأصابع، فيقال: قطعت أصابعه، والمضاف بعض المضاف إليه.

2 هو الحسن البصري، رضي الله عنه.

3 12 سورة يوسف، الآية:10.

أوجه القراءات: قرأ "تلتقطه" الحسن البصري.

وقرأ الجمهور "يلتقطه" التصريح: 2/ 31.

موطن الشاهد: "تلتقطه بعض السيارة".

وجه الاستشهاد: تأنيث فعل "تلتقطه"؛ لكونه مسندا إلى اسم اكتسب التأنيث من المضاف إليه "السيارة"؛ لصلاحية الاستغناء عن المضاف "بعض" إذ يجوز في غير القرآن الكريم القول: تلتقطه السيارة.

4 القائل: هو الأغلب العجلي، أحد بني ربيعة، شاعر راجز معمر، أدرك الجاهلية والإسلام، توجه مع سعد بن أبي وقاص، واستشهد في نهاوند، فضله الكثير على غيره من الرجاز؛ لرصانة كلامه، ودقة معانيه. مات سنة 21هـ. الخزانة: 1/ 333، المؤتلف: 22، والسمط: 801، والأعلام: 1/ 335.

5 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز، يقوله الأغلب من كلمة يتحسر فيها على ذهاب شبابه وضعف قوته، بسبب الكبر والشيخوخة، وبعده قوله:

نقضن كلي ونقضن بعضي

ويروى:

أخذن بعضي وتركن بعضي.

ويروى قبل الشاهد قوله:

أصبحت لا يحمل بعضي بعضي

منفها أروح مثل النقض

والشاهد من شواهد: سيبويه: 1/ 26، وقد نسبه إلى العجاج، والتصريح 2/ 31، والأشموني: 607/ 2/ 310، والبيان للجاحظ: 4/ 60 ورواه: أرى الليالي أسرعت

، ولا شاهد فيه، والمقتضب: 4/ 99، والأغاني: 18/ 164، والخزانة: 2/ 168، ومغني اللبيب: 898/ 666، والسيوطي: 298، والعيني: 3/ 395، والخصائص: 2/ 418، وملحقات ديوان العجاج:80. =

ص: 87

[اكتساب المؤنث التذكير] :

ومن الثاني قوله1: [البسيط]

325-

إنارة العقل مكسوف بطوع هوى2

= المفردات الغريبة: نقضين النقض: الهدم والكسر، وهو -هنا- كناية عن ضعف قواه، المعنى: أن طول الليالي، أسرعت في ضعفي، وذهبت بقوتي شيئا فشيئا، ولم تبق لي شيئا من تلك القوة التي أحتاجها في شيخوختي.

الإعراب: طول: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الليالي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء، منع من ظهورها الثقل. أسرعت: فعل ماض مبني على الفتح؛ لاتصاله بتاء التأنيث الساكنة، والفاعل: هي، يعود إلى طول الليالي؛ وجملة "أسرعت": في محل رفع خبر المبتدأ. "في نقضي": متعلق بـ"أسرعت"؛ ونقض مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة. نقضن: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة؛ والنون: ضمير متصل مبني على الفتح، في محل رفع فاعل. كلي:"كل" مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء، والياء: ضمير متصل، مبني على السكون في محل جر بالإضافة. ونقضن: الواو عاطفة جملة على جملة، نقضن: فعل ماض، وفاعل. بعضي: مفعول به، ومضاف إليه؛ وجملة "نقضن بعضي": معطوف على جملة "نقضن كلي".

موطن الشاهد: "طول الليالي أسرعت".

وجه الاستشهاد: تأنيث الضمير في "أسرعت" مع إعادته إلى "طول" المذكر؛ وإنما سوغ ذلك إضافة "طول" إلى مؤنث؛ وهو الليالي؛ فاكتسب منه التأنيث؛ ومعلوم أن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، فكأن المضاف مؤنث؛ ولا يجوز أن يقال: إن الضمير عائد إلى المضاف إليه وحده؛ لأن ذلك خلاف الأصل.

ومثل هذا الشاهد قول ابن أحمر:

ولهت عليه كل معصفة

هيفاء ليس للبها زبر

اللسان مادة "زبر".

1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا.

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 32، والأشموني: 611/ 2/ 310، والخزانة: 2/ 169 =

ص: 88

= عرضا. والعيني: 3/ 396؛ وقال: إن قائله من المولدين، والمغني: 897/ 665، والسيوطي:298.

المفردات الغريبة: إنارة العقل: إضاءته، والمراد: الغريزة التي بها يدرك العقل الأشياء. مكسوف: مظلم، من قولهم: كسفت الشمس؛ إذا ذهب نورها وزال ضوءها. بطوع هوى: بالطاعة والانقياد لشهوة النفس.

المعنى: أن مطاوعة الإنسان هواه، وانطلاقه وراء شهوات نفسه، يغطي نور العقل، ووضاءة البصيرة؛ وعصيانه لهواه، يزيد العقل نورا، والبصيرة تبصرة، وحسن نظر إلى الأشياء، وتقدير لها.

الإعراب: إنارة: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. العقل: مضاف إليه مجرور. مكسوف: خبر مرفوع. "بطوع": متعلق بـ"مكسوف"، وطوع: مضاف. هوى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. وعقل: الواو عاطفة، عقل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. عاصي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء، منع من ظهورها الثقل، وعاصي: مضاف. الهوى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف، منع من ظهورها التعذر. يزداد: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره: هو؛ وجملة "يزداد": في محل رفع خبر المبتدأ "عقل عاصي". تنويرا: تمييز منصوب، ووعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

موطن الشاهد: "إنارة العقل مكسوف".

وجه الاستشهاد: إعادة الضمير في "مكسوف" مذكرا على "إنارة"؛ وهو مؤنث؛ والذي سوغ ذلك كون المرجع "إنارة" مضافا إلى مذكر؛ وهو العقل؛ فاكتسب التذكير منه؛ لما أسلفنا.

ومثل هذا الشاهد، قول الآخر:

رؤية الفكر ما يؤول به الأمر

معين على اجتناب التواني

حيث أعاد الضمير في معين -مذكرا- على "رؤية" الواقع مبتدأ؛ وهو مؤنث؛ لإضافة المؤنث إلى "الفكر"؛ وهو مذكر؛ فاكتسب التذكير منه.

1 7 سورة الأعراف، الآية:56.

موطن الشاهد: "قريب".

وجه الاستشهاد: عودة الضمير في قريب -مذكرا- على "رحمة"؛ لأنها اكتسبت التذكير من إضافتها إلى لفظ الجلالة؛ وحكم هذا سائغ شائع في اللغة، وكذا في الأمثلة السابقة. قال الصبان: عبر المصنف بالاحتمال، لما في إطلاق المذكر على الله تعالى من سوء =

ص: 89

هند"، ولا "قام امرأة زيد"؛ لعدم صلاحية المضاف فيهما للاستغناء عنه بالمضاف إليه.

[بامتناع إضافة اسم إلى مرادفه] :

مسألة: لا يضاف اسم لمرادفه1؛ كـ"ليث أسد"، ولا موصوف إلى

= الأدب، ولكن التذكير وصف للفظ الجلالة؛ لأنه المضاف إليه، لا لذاته سبحانه وتعالى، وقيل:"قريب" فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ وهذا تخريج الفراء، وقيل: إن تذكير "قريب" بسبب المعنى، وذلك أن المقصود من رحمة الله غفرانه؛ وهو مذكر؛ وهذا تخريج الزجاج والأخفش.

وقيل: إن تذكير "قريب" حاصل بسبب أن الرحمة مؤنث مجازي؛ وهذا تخريج الجوهري؛ وهو فاسد؛ لأن التأنيث المجازي يبيح تذكير الفعل المسند إلى المؤنث المجازي؛ فأما الذي يسند إلى ضميره؛ فلا يجوز تأنيثه، والوصف -هنا- مسند إلى ضمير الرحمة.

هذا ولم يجعل المصنف منه قوله تعالى: {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} . واعلم أن للمصنف رسالة في هذه الآية الشريفة نفيسة ضمنها أقوال الأئمة، أوصلها إلى ستة عشر قولا؛ وهي مذكورة في الأشباه والنظائر للسيوطي.

مغني اللبيب: 666، والتصريح: 2/ 32، وحاشية الصبان: 2/ 249.

1 ذلك؛ لأن المضاف يتعرف، أو يتخصص بالمضاف إليه، فلا بد من أن يكون غيره في المعنى: لأن الشيء لا يتعرف أو يتخصص بنفسه.

وذهب الكوفيون إلى أنه يجوز أن يضاف الشيء إلى نفسه، متى اختلف اللفظان، وجعلوا اختلاف اللفظين بمنزلة اختلاف المعنيين، احتجوا على ما منعه البصريون من إضافة الاسم إلى اللقب وإضافة الصفة إلى الموصوف، وإضافة الموصوف إلى الصفة، ومتى ورد عن العرب في الكلام المنثور لم يكن بد من قبوله، وسلكوا -مع هذا السماع- طريقا عن القياس، وذلك بعطف الشيء على مرادفه؛ كقول الشاعر:

وقددت الأديم لراهشيه

وألفى قولها كذبا ومينا

والأصل في العطف أن يكون المعطوف عليه.

هذا وقد اختار ابن مالك في كتاب "التسهيل" مذهب الكوفيين، وجوز ما منعه هنا، فجعل الإضافة ثلاثة أقسام: محضة، وغير محضة، وشبيهة بالمحضة؛ وهي سبعة أنواع، منها إضافة الموصوف إلى الصفة وبالعكس، والمسمى إلى الاسم. حاشية يس على التصريح: 2/ 34.

ص: 90

صفته1؛ كـ"رجل فاضل"، ولا صفة إلى موصوفها2؛ كـ"فاضل رجل" فإن سمع ما يوهم شيئا من ذلك، يؤول.

فمن الأول قولهم: "جاءني سعيد كرز"3؛ وتأويله: أن يراد بالأول المسمى وبالثاني الاسم؛ جاءني مسمى هذا الاسم4.

ومن الثاني5 قولهم: "حبة الحمقاء"6، و"الصلاة الأولى"، و"مسجد

1 لأن الصفة تابعة لموصوفها في الإعراب؛ فلو أضيف إليها الموصوف لكانت مجرورة دائما.

2 لأن الصفة، يجب أن تكون تابعة ومتأخرة عن الموصوف، ولا يمكن ذلك في الإضافة.

3 فإن "سعيد" و"كرز" اسمان مترادفان مسماهما واحد، وأضيف أحدهما إلى الآخر. والكرز في الأصل: الخرج الذي يضع فيه الراعي زاده ومتاعه.

وجمعه: كرزة؛ والكراز: الكبش الذي يحمله ويسير به أمام القوم. ومثل قولهم "سعيد كرز"؛ جئت ذا صباح: تريد وقتا صاحب اسم هو صباح. وسرت ذات يوم؛ تريد مدة صاحبة اسم هو يوم.

4 هذا إذا كان الحكم مناسبا للمسمى، فإن ناسب الاسم، عكس التأويل؛ نحو: كتبت سعيد كرز؛ أي كتبت اسم هذا المسمى، والإضافة بهذا التأويل على معنى لام الاختصاص.

التصريح: 2/ 33.

5 الثاني: هو إضافة الموصوف إلى الصفة؛ فالأصل: حبة حمقاء، وصلاة أولى، ومسجد جامع، واللفظ الثاني، من هذه الأمثلة، صفة للفظ الأول؛ فلما أضافوا الأول إلى الثاني -وهما دالان على ذات واحدة- كانوا قد أضافوا اللفظ الدال على معنى إلى لفظ آخر، يدل على نفس معنى اللفظ الأول؛ وهذه هي إضاف المترادفين.

وتأويل كل مثال غير تأويل غيره. لكن الضابط العام، أن يقدر قبل اللفظ الثاني -وهو المضاف إليه- اسم عام يصلح لأن يكون موصوفا بالمضاف إليه، فيكون تقدير المثال الأول: حبة البقلة الحمقاء، بتقدير اسم من أسماء الأعيان عام يشمل الاسم الأول وغيره؛ ويكون تقدير الثاني: صلاة الساعة الأولى، بتقدير اسم زمان يصلح أن يكون وقتا للاسم الأول وغيره؛ ويكون تقدير الثالث: مسجد المكان الجامع، بتقدير اسم مكان يصلح أن يكون محلا للاسم الأول وغيره.

انظر شرح التصريح: 2/ 33.

6 الحمقاء: هي المسماة بـ"الرجلة" ووصفت بالحمق مجازا؛ لأنها تنبت في مجاري السيول، فيمر السيل بها فيقطعها فتطؤها الأقدام. =

ص: 91

الجامع"؛ وتأويله: أن يقدر موصوف؛ أي: حبة البقلة الحمقاء، وصلاة الساعة الأولى، ومسجد المكان الجامع.

ومن الثالث1 قولهم: "جرد قطيفة"، و"سحق عمامة"2؛ وتأويله: أن يقدر موصوف أيضا، وإضافة الصفة إلى جنسها3؛ أي: شيء جرد من جنس القطيفة، وشيء سحق من جنس العمامة4.

[الغالب في الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد] :

فصل: الغالب على الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد، كـ"غلام" و"ثوب".

ومنها ما يمتنع إضافته كالمضمرات، والإشارات، وكغير أي من الموصولات وأسماء الشرط، والاستفهام5.

= وقال الصبان: وهذا يظهر لو كانت الحبة تطلق على "الرجلة" ونحوها من البقول. أما إذا كانت واحدة الحب؛ كالبر وبذر الرجلة، وسائر الحبوب؛ فلا.

التصريح: 2/ 33، وحاشية الصبان: 2/ 250.

1 وهو إضافة الصفة إلى موصوفها.

2 جرد: بمعنى مجردة. وسحق بمعنى بالية، أي: قطيفة مجرودة، وعمامة بالية، قيل ومنه قوله تعالى:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} ، إذا قدر أنه من إضافة الصفة إلى الموصوف، ومعناه: الأعين الخائنة.

ونظيره قول شاعر الحماسة:

إنا محيوك يا سلمى فحيينا

وإن سقيت كرام الناس فاسقينا

وإن دعوت إلى جلي ومكرمة

يوما سراة كرام القوم فادعينا

فأصل: كرام الناس؛ الناس الكرام، وأصل: سراة كرام القوم؛ سراة القوم الكرام.

3 أي جنس موصوفها، وتكون الإضافة معنوية؛ من إضافة الشيء إلى جنسه، ويجر الجنس بمن؛ لأن الإضافة على معناها؛ لأن المضاف إليه جنس للمضاف لا موصوف به إذ الموصوف محذوف، كما أوضح في المتن. شرح التصريح: 2/ 34.

4 ذهب الكوفيون: إلى جواز الإضافة في جميع ذلك، إذا اختلف اللفظان من غير تأويل محتجين بنحو قوله تعالى:{حَقُّ الْيَقِينِ} ، {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} ، {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} وغيره.

التصريح: 2/ 34.

5 إنما امتنعت إضافة هذه الأنواع من الأسماء؛ لأنها أشبهت الحرف، والحرف لا يضاف؛ فلهذا بنيت، وأخذ ما أشبه الحرف حكم الحرف. =

ص: 92

ومنها: ما هو واجب الإضافة إلى المفرد؛ وهو نوعان: ما يجوز قطعه عن الإضافة في اللفظ1؛ نحو: "كل"، و"بعض"، و"أي"؛ قال الله تعالى:{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 2، و {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} 3، و {أَيًّا مَا تَدْعُوا} 4، وما

= وإنما جازت إضافة "أي" الموصولة والاستفهامية والشرطية؛ لضعف شبه الحرب بسبب شدة افتقارها إلى مفرد يبين المراد منها، وتضاف هي إليه.

شرح التصريح: 2/ 34.

1 حيث يحذف المضاف إليه لفظا، وينوي معناه، ويستغنى عنه بالتنوين الذي يدل عليه -والذي يسمى تنوين العوض- ويبقى للمضاف حكمه في التعريف أو التنكير.

2 36 سورة يس، الآية:4.

موطن الشاهد: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} .

وجه الاستشهاد: مجيء التنوين في "كل" عوضا عن المضاف إليه المحذوف -أي: كلهم- والضمير المحذوف عائد إلى الشموس والأقمار؛ وأفرد "فلك" مراعاة للفظ "كل" وجمع "يسبحون" مراعاة للمضاف إليه المحذوف.

3 2 سورة البقرة، الآية:253.

موطن الشاهد: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} .

وجه الاستشهاد: مجيء التنوين في "بعض" الثانية عوضا عن المضاف إليه المحذوف -أي: على بعضهم.

فائدة:

اختلف عند قطع "كل" و"بعض" عن الإضافة لفظا؛ هل هما معرفتنا بنية الإضافة؟ فذهب سيبويه والجمهور إلى عدهما معرفتين؛ وعليه، فتأتي الحال منهما متأخرة، فتقول: مررت بكل ساجدًا وببعضٍ جالسًا؛ وهو الصحيح؛ وذهب الفارسي، إلى أنهما نكرتان، وهذا الخلاف، حين يكون المضاف إليه معرفة؛ فإن كان نكرة، فلا خلاف في تنكيرهما، وحجة الفارسي في كونهما نكرتين؛ نظرا لحالتهما الراهنة؛ لأن نية الإضافة، لا تكون سببا في التعريف؛ ورأيه محجوج كما أسلفنا. انظر شرح التصريح: 2/ 35.

يشترط في "كل" و"بعض" و"أي" عندما تقطع عن الإضافة لفظا ما يلي:

أ- أن لا تكون "كل" للتوكيد، ولا للنعت؛ فإن كانت كذلك، وجب إضافتها لفظا كما ذكرنا.

ب- ويشترط في "أي" ألا تقع صفة أو حالا، وإلا تعينت إضافتها لفظا.

4 17 سورة الإسراء، الآية:110.

موطن الشاهد: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} =

ص: 93

يلزم الإضافة لفظا؛ وهو ثلاثة أنواع: ما يضاف للظاهر والمضمر؛ نحو: "كلا" و"كلتا" و"عند" و"لدى" و"قصارى"1 و"سوى"، وما يختص بالظاهر كـ"أولى" و"أولات" و"ذي" و"ذات"2؛ قال الله تعالى:{نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ} {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ} 4 {وَذَا النُّونِ} 5، و {ذَاتَ بَهْجَةٍ} 6، وما يختص بالمضمر؛ وهو نوعان: ما يضاف لكل مضمر؛ وهو "وحد"؛ نحو: {إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ}

= وجه الاستشهاد: مجيء "أيا" اسم شرط جازم، وقع في محل نصب مفعولا به مقدما لـ"تدعوا"، و"ما" زائدة.

1 قصارى الشيء وقصاراه: غايته ونهايته. يقال: قصاراك أن تفعل كذا؛ أي جهدك، وغايتك وآخر أمرك؛ ومثله: حمادى، تقول: حماداك وحمادي؛ أي: غايتك وغايتي

إلخ.

2 وفروعها؛ كذوا، وذواتا، وذووا، وذوات؛ والكل بمعنى صاحب.

3 27 سورة النمل، الآية:33.

موطن الشاهد: {أُولُو قُوَّةٍ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "أولو" بمعنى أصحاب؛ وهو مضاف إلى اسم ظاهر، ولا يجوز إضافته إلى المضمر إطلاقا.

4 65 سورة الطلاق، الآية:4.

موطن الشاهد: {أُولاتُ الْأَحْمَالِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "أولات" بمعنى صاحبات؛ وهو مضاف إلى اسم ظاهر، ولا يجوز إضافته -كسابقه- إلى المضمر.

5 21 سورة الأنبياء، الآية:87.

موطن الشاهد: {ذَا النُّونِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "ذا" بمعنى صاحب؛ وهو مضاف إلى اسم ظاهر، ولا يجوز إضافته -كسابقيه- إلى المضمر.

6 27 سورة النمل، الآية:60.

موطن الشاهد: {ذَاتَ بَهْجَةٍ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "ذات" بمعنى صاحبة؛ وهو مضاف إلى اسم ظاهر، ولا يجوز إضافته إطلاقا إلى المضمر كما سبق.

7 40 سورة غافر، الآية:12.

موطن الشاهد: {وَحْدَهُ} . =

ص: 94

وقوله1: [الرجز]

326-

وكنت إذ كنت إلهي وحدكا2

= وجه الاستشهاد: مجيء "وحد" مضافا إلى الضمير الهاء؛ وحكم إضافته إلى الضمير من دون الظاهر الوجوب؛ وهو يضاف إلى ضمير الغائب، والمخاطب، والمتكلم -كما مثل المؤلف- من دون تمييز بين مفرد وغيره، ولا مؤنث ومذكر؛ وهو -وحد- مصدر يدل على التوحيد والانفراد ملازم للإفراد والتنكير، وربما ثني شذوذا؛ وهو منصوب على الحال غالبا؛ لتأويله بموحد، أي: منفردا؛ وقيل: على أنه مفعول مطلق؛ فعل من لفظه؛ يقال: وحد الرجل يحد؛ إذا انفرد؛ أو مصدر لا فعل من لفظه؛ وقد يجر بعلى أو بالإضافة.

1 القائل: هو: عبد الله بن عبد الأعلى القرشي.

2 تخريج الشاهد: هذا بيت، من الرجز، وبعده قوله:

لم يك شيء يا إلهي قبلكا

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 32، وسيبويه: 1/ 316، والمقتضب: 4/ 247، والمنصف: 2/ 232، وشرح المفصل: 2/ 11، والعيني: 3/ 397، والهمع: 2/ 50، والدرر: 2/ 60، والمغني: 509/ 368، والسيوطي:233.

المفردات الغريبة: قبلك، قيل: إن معنى القبلية: المعية، بدليل مقابلتها بقوله وحدك؛ لأن القبلية محالة في حقه تعالى. وقيل: إن الظرف ليس قيدا في الفعل المنفي بلم.

المعنى: وجدت -يا إلهي- مذ وجدت وحدك، لم يك معك شيء قبل خلق هذا العالم، ثم أوجدته؛ ولم يكن شيء قبلك؛ لأن الله واجب الوجود؛ وهو قديم بالذات والعالم موجود بإراد الله وفعله.

الإعراب: كنت: فعل ماض تام، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل؛ وكان تامة -هنا- لأنها بمعنى الوجود. إذ: ظرف للزمن الماضي، مبني على السكون في محل نصب؛ وهو متعلق بـ"كان". كنت: فعل ماض تام، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل؛ ويمكن عده ناقصا، ويكون خبره محذوفا والتقدير: كنت موجودا؛ والأول: أفضل؛ وجملة "كان وفاعلها" أو "كان واسمها": في محل جر بالإضافة بعد إذ. إلهي: منادى مضاف، بحرف نداء محذوف، والتقدير: يا إلهي؛ وهو منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء؛ والياء: ضمير متصل مبني على السكون، في محل جر بالإضافة. وحدكا:"وحد" حال من ضمير المخاطب في كان الأولى -وهذا هو الأرجح- لأن الغالب في "وحد" أن تأتي =

ص: 95

وقوله1: [المنسرح]

327-

والذئب أخشاه إن مررت به

وحدي2.........

= منصوبة على الحال و"وحد" مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة؛ والألف للإطلاق. لم: جازمة نافية. يك: فعل مضارع تام مجزوم، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة تخفيفا. شيء: فاعل "يك" مرفوع. يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. إلهي: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء؛ والياء: ضمير متصل مبني على السكون، في محل جر بالإضافة؛ وجملة النداء: اعتراضية، لا محل لها. قبلكا:"قبل": متعلق بـ"يك" التامة؛ فإن عددناها ناقصة؛ يكون "شيء" اسمها، و"قبل": متعلقا بخبره المحذوف؛ والأول أفضل، و"قبل" مضاف، وضمير المخاطب: في محل جر بالإضافة، والألف: للإطلاق.

موطن الشاهد: "وحدكا".

وجه الاستشهاد: إضافة لفظ "وحد" إلى كاف الخطاب؛ وسبق أن "وحد" تضاف إلى المضمر وجوبا؛ لأنها لا تضاف إلى الاسم الظاهر.

1 القائل: هو الربيع بن ضبيع الفزاري الذبياني، شاعر جاهلي معمر من الفرسان، كان أحكم العرب في زمانه، ومن أشعرهم وأخطبهم، شهد يوم الهباءة، وهو ابن مائة عام وقاتل في حرب داحس، وأدرك الإسلام، وقد كبر وخرف؛ فقيل: أسلم وقيل: منعه قومه. الأعلام: 3/ 15، الأغاني: 14/ 118، الخزانة: 3/ 38، السمط:802.

2 تخريج الشاهد: هذه قطعة من بيت؛ قاله الربيع -حين تقدمت سنه وأصابه ضعف الكبر- والبيت بتمامه:

والذئب أخشاه إن مررت به

وحدي، وأخشى الرياح والمطرا

ويروى قبله:

أصبحت لا أحمل السلاح ولا

أملك رأس البعير إن نفرا

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 36، والهمع: 2/ 50، والدرر: 2/ 60، ونوادر أبي زيد: 159، والجمل: 52، العيني: 3/ 397.

المعنى: صرت -لكبر سني وضعفي وعدم قدرتي على مقاومة أي شيء يعتريني- أخاف من الذئب إن مررت به وليس معي أحد، ولا أحتمل هبوب الريح، وسقوط المطر؛ فإن ذلك يؤذيني؛ لشدة ضعفي وقلة حيلتي.

الإعراب: الذئب -على رواية النصب- مفعول به لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ والتقدير: وأخشى الذئب أخشاه. أخشاه: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف؛ منع من ظهورها التعذر، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: =

ص: 96

وما يختص بضمير المخاطب؛ وهو مصادر مثناة لفظا؛ ومعناها التكرار1؛ وهي: "لبيك" بمعنى إقامة على إجابتك بعد إقامة2، و"سعديك" بمعنى: إسعادا لك بعد إسعاد؛ ولا تستعمل إلا بعد لبيك3، و"حنانيك" بمعنى: تحننا عليك بعد تحنن، و"دواليك" بمعنى: تداولا بعد تداول4، و"هذاذيك" -بذالين معجمتين- بمعنى: إسراعا لك بعد إسراع، قال5:[مشطور الرجز]

= أنا، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم، في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "أخشاه": تفسيرية، لا محل لها. إن: حرف شرط جازم، لا محل له من الإعراب. مررت: فعل ماض، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل. وهو فعل الشرط في محل جزم. "به": متعلق بـ"مر". وحدي: حال من ضمير المتكلم في "مررت" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء؛ والياء: في محل جر بالإضافة. وأخشى: الواو عاطفة، أخشى: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. الرياح: مفعول به لـ"أخشى" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. المطرا: الواو عاطفة، المطر: اسم معطوف على الرياح منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والألف: للإطلاق.

موطن الشاهد: "وحدي".

وجه الاستشهاد: إضافة لفظ "وحد" إلى ضمير المتكلم؛ وتبين لنا من هذا الشاهد وما قبله أن لفظ "وحد" يضاف إلى الضمائر كلها على السواء؛ لأنه أضيف في الآية إلى ضمير الغائب؛ وفي البيت السابق، أضيف إلى ضمير المخاطب؛ وفي هذا البيت، أضيف إلى ضمير المتكلم؛ وسبق أن قلنا: إنه لا فرق في هذه الأنواع الثلاثة بين المذكر والمؤنث، ولا بين ضمير المفرد، وضمير المثنى، وضمير الجمع.

1 المراد بالتكرار التكثير الذي يزيد على اثنين، وهي ملحقة بالمثنى في إعرابه؛ مراعاة لمظهرها، وليست مثنى حقيقيا من حيث معناها، وتعرب مفعولا مطلقا لفعل من لفظها -إلا هذاذيك، فيقدر فعلها من معناها، وهو: أسرع على الصحيح.

2 أصل لبيك: ألب لك إلبابين؛ أي: أقيم على طاعتك وإجابتك إقامة كثيرة؛ فحذف الفعل، وأقيم المصدر مقامه، ثم حذفت الزوائد، وحذف الجار من الضمير المفعول، وأضيف المصدر إليه؛ وقيل: إنه من لب بمعنى ألب؛ أي: أقام، وكذا الباقي؛ ومثلها: حجازيك: أي: محاجزة بعد محاجزة، وحذاريك: أي: حذرا بعد حذر.

3 لأن "لبيك" هي الأصل في الإجابة، و"سعديك" بمنزلة التوكيد لها.

4 أي: تواليا وتناوبا في طاعتك بعد توال وتناوب.

5 القائل: هو العجاج الراجز المشهور، وقد مرت ترجمته.

ص: 97

328-

ضربا هذاذيك وطعنا وخضا1

وعامله وعامل لبيك: من معناهما، والبواقي من لفظها2.

1 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور، وبعده قوله:

يمضي إلى عاصي العروق النحضا

وهو من أرجوزة للعجاج يمدح فيها الحجاج بن يوسف الثقفي.

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 37، والأشموني: 615/ 2/ 313، وسيبويه: 1/ 175 ومجالس ثعلب: 175، والجمل للزجاجي: 296، وأمالي الزجاجي: 132، والمحتسب: 2/ 279، والمخصص: 6/ 88، 103، 13/ 273، وشرح المفصل: 1/ 119، والخزانة: 1/ 274، والعيني: 3/ 399، والهمع: 1/ 189، والدرر: 1/ 162، وديوان العجاج:54.

المفردات الغريبة: ضربا هذاذيك: أي ضربا يهذ هذا بعد هذ، والهذ: الإسراع في القطع وغيره. وخضا، الوخض: الطعن الذي يصل إلى الجوف، وقيل: العكس، والمراد: الطعن الذي يسرع إلى الموت. عاصي العروق: هو العرق الذي يسيل ولا يرقأ دمه، وجمعه عواص. النحضا؛ النحض: اللحم المكتنز كلحم الفخذ.

المعنى: أضرب ضربا كثيرا مسرعا في القطع، وأطعن طعنا جائفا في اللحم حتى يمزق الأجسام، فتصل أجزاؤها إلى العروق العاصية التي يسيل دمها بلا انقطاع.

الإعراب: ضربا: مفعول مطلق لفعل محذوف؛ أو مفعول به لفعل محذوف؛ والتقدير: نجزيهم ضربا. هذاذيك: مفعول مطلق لفعل محذوف، يقدر من معناه؛ أي: أسرع إسراعا؛ أو أقطع قطعا، وهو مضاف إلى الكاف؛ وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى. وطعنا: الواو عاطفة، طعنا: معطوف على "ضربا" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وخضا: صفة لـ"طعنا" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

موطن الشاهد: "هذاذيك".

وجه الاستشهاد: إضافة "هذاذي" إلى ضمير المخاطب؛ وهو مفعول مطلق؛ لفعل من معناه -كما بينا في الإعراب- ولا يصح مجيئه حالا، خلافا لسيبويه.

2 فيقدر: أسرع، وأجيب، وأسعد، وأتحنن، وأتداول، وقد علمت أن للبيك فعلا من لفظها. قال الصبان: والمتجه عندي: أن لبيك منصوب بفعل من لفظه. وذكر بعضهم فعلا لهداذيك، وهو: هذ يهذ هذا، أي أسرع.

حاشية الصبان: 2/ 252-253.

ص: 98

وتجويز سيبويه في "هذاذيك" في البيت، وفي "دواليك" من قوله1:[الطويل]

329-

دواليك حتى لكنا غير لابس2

1 القائل: هو سحيم الأسود؛ عبد بني الحسحاس، شاعر رقيق الشعر، أعجمي الأصل، اشتراه بنو الحسحاس -وهم بطن من بني أسد- فنشأ فيهم، رآه النبي صلى الله عليه وسلم وأعجب بشعره، وعاش إلى أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه، شبب بنساء بني الحسحاس، فقتلوه، وأحرقوه، وذلك نحو 40هـ.

الجمحي: 1/ 36، فوات الوفيات: 1/ 166، والسمط: 721، الأعلام: 3/ 79.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

إذا شق برد شق بالبرد مثله

وينشد قبله:

كأن الصبيريات وسط بيوتنا

ظباء تبدت من خلال المكانس

فكم قد شققنا من رداء منير

على طفلة ممكورة غير عانس

وهن بنات القوم إن يظفروا بنا

يكن في ثبات القوم إحدى الدهارس

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 37، والأشموني: 616/ 2/ 313، وسيبويه: 1/ 175؛ وروى عجزه: دواليك حتى ليس للبرد لابس، وأمالي الزجاجي: 131، والجمل: 297، والخصائص: 3/ 45، والأغاني: 20/ 4، والمخصص: 13/ 232، والهمع: 1/ 189، والدرر: 1/ 162؛ وقال إن الرواية الصحيحة: "إذا شق برد شق بالجيب برقع"، وصبح الأعشى: 1/ 407، ونهاية الأرب: 3/ 126، وديوان سحيم:16.

المفردات الغريبة: برد: هو الكساء الموشى؛ أي المخطط المزخرف. دواليك: من المداولة، وهي المناوبة بينك وبين غيرك.

المعنى: إذا شق واحد منا برد صاحبه ومزقه؛ شق الآخر برده كذلك بالتناوب؛ حتى نرى ولكنا ليس عليه برد. قيل في سبب ذلك؛ إن الرجل كان إذا أراد تأكيد المودة بينه وبين من يحب، واستدامة صحبته شق كل واحد منهما برد الآخر؛ لاعتقادهم أن ذلك، أبقى للمودة بينهما.

الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه منصوب بجوابه مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. شق: فعل ماض مبني للمجهول. برد: نائب فاعل مرفوع. شق: فعل ماض مبني للمجهول أيضا. "بالبرد": متعلق بـ"شق" الثاني. مثله: نائب فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. دواليك: مفعول مطلق -لفعل محذوف- منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، وهو مضاف، =

ص: 99

الحالية بتقدير نفعله متداولين؛ وهاذين، أي مسرعين، ضعيف1 للتعريف2؛ ولأن المصدر الموضوع للتكثير، لم يثبت فيه غير كونه مفعولا مطلقا.

وتجويز الأعلم3 في "هذاذيك" في البيت الوصفية مردود لذلك.

= وكاف المخاطب: في محل جر بالإضافة. حتى: حرف ابتداء، لا محل له من الإعراب. كلنا: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"نا": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. غير: خبر مرفوع، وهو مضاف. لابس: مضاف إليه مجرور.

موطن الشاهد: "دواليك".

وجه الاستشهاد: إضافة "دوالي" إلى ضمير المخاطب؛ وهو مفعول مطلق؛ لفعل من معناه، ولا يصح مجيئه حالا، خلافا لسيبويه.

1 خلاصة ما ذكره المؤلف في هذه المسألة، أن جمهور النحاة ذهبوا إلى أن "دواليك" مفعول مطلق دال على التكرار، ولم يجيزوا في هذا اللفظ غير هذا الوجه من الإعراب؛ ومثله:"هذاذيك" فمعنى "دواليك": تداولا بعد تداول؛ ومعنى "هذاذيك": هذا لك بعد هذ. وذهب سيبويه إلى تجويز وجهين من الإعراب في كل من هاتين الكلمتين؛ الوجه الأول: أن تكون مفعولا مطلقا -كما قال الجمهور- والوجه الثاني: أن تكون حالا على التأويل بالمشتق؛ وتقدير دواليك -على الوجه الثاني: متداولين، وتأويل هذاذيك -عليه- هاذين؛ وقد رد المؤلف على سيبويه، بأنه يلزم على القول بأن كل واحدة من هاتين الكلمتين حال أمران؛ كل واحد منهما خلاف الأصل؛ الأول: أن يقع الحال معرفة؛ لأنا علمنا أن هذا اللفظ مصدر مضاف إلى ضمير المخاطب؛ ومعلوم أن إضافة المصدر، تفيد التعريف.

الثاني: أنه يلزم وقوع المصدر الدال على تكرار الحدث حالا، ولم يرد في كلام العرب وقوع هذا المصدر حالا، ولكنا حفظنا من كلامهم وقوعه مفعولا مطلقا؛ بدليل مجيئه في القرآن الكريم؛ نحو قوله تعالى:{ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} وما دام وقع المصدر الدال على التكرار مفعولا مطلقا بدليل ظاهر في ذلك، ولم يرد وقوعه حالا، بدليل ظاهر في الحالية؛ لزمنا أن نذهب إلى ما ثبت بدليل ظاهر.

انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 37.

2 لأنه معرفة بإضافته للضمير، والحال واجب التنكير، وقوله: "ولأن المصدر

إلخ" دفع به ما قد يقال: إن هذه الحال مما جاء معرفا لفظا، وإن كان منكرا معنى.

3 أي: صفة لـ"ضربا"؛ والمعنى: اضرب ضربا مسرعا أو مكررا؛ غير أن هذا الإعراب مردود بأن "ضربا" نكرة، و"هذاذيك" معرفة -عند الجمهور- ومعلوم أنه لا توصف =

ص: 100

وقوله فيه وفي أخواته: إن الكاف لمجرد الخطاب؛ مثلها في "ذلك" مردود أيضا؛ لقولهم: "حنانيه"، و"لبي زيد" ولحذفهم النون؛ لأجلها، ولم يحذفوها في "ذانك" وبأنها، لا تلحق الأسماء التي لا تشبه الحرف.

وشذت إضافة "لبي" إلى ضمير الغائب؛ في نحو قولك1: [مشطور الرجز]

= النكرة بمعرفة؛ وليبرر ما ذهب إليه، ادعى أن هذه الكاف في "هذاذيك" وأخواتها حرف خطاب، مثل الكاف في أسماء الإشارة؛ نحو: ذلك، وتلك، وهذا فاسد لما يأتي:

أ- لأنهم أضافوا بعض هذه الألفاظ إلى ضمير الغيبة -وإن كان ذلك شذوذا-؛ نحو: لبيه، وإلى الاسم الظاهر؛ نحو:"لبي يدي ميسور"، ومعلوم أن اسم الإشارة، لا يتصل به إلا كاف الخطاب؛ ولما اختلف حال هذه الألفاظ وحال اسم الإشارة، لم يكن لنا حمل هذه الألفاظ عليه.

ب- معلوم أن هذه الألفاظ مثناة لفظا، ولما تتصل بها كاف الخطاب، تحذف نونها للإضافة؛ نحو: حنانيك، ودواليك، كما تحذف من كل مثنى عند الإضافة؛ نحو قوله تعالى:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ؛ ومعلوم أنهم لم يحذفوا النون من اسم الإشارة المراد به المثنى، في نحو:"ذانك" و"تانك" فعلم أن اسم الإشارة غير مضاف إلى هذه الكاف الملحقة به؛ ونستنتج أن: الكاف حرف مع اسم الإشارة؛ ولحذفها مع دواليك وأخواته، أنه مضاف إلى الكاف؛ وعلى هذا، فهي اسم مع هذه الألفاظ.

ج- علم باستقراء كلام العرب أنهم يلحقون الكاف الحرفية بالأسماء التي تشبه الحروف مثل أسماء الإشارة، في نحو: ذلك، وتلك، وذانك، وتانك، ومثل الضمائر، في نحو:"إياك" ولم نجدهم ألحقوا هذه الكاف باسم غير مشبه للحرف، ولا شك في أن "دواليك" وأخواته أسماء، لا تشبه الحرف، فلم يكن لنا أن نقر شيئا خارج عن مجرى كلامهم. انظر شرح التصريح: 2/ 38.

فائدة: للكاف في دواليك محلان من الإعراب؛ فهي محل جر بإضافة المصدر المثنى إليها؛ ولها محل آخر، هو الرفع أو النصب؛ لأن المصدر، يضاف إلى فاعله، ويضاف إلى مفعوله؛ فإذا عدت الكاف فاعل المصدر؛ كانت في محل رفع، وإذا عدت مفعول المصدر؛ كانت في محل نصب.

والنحاة يرون أنها مفعول المصدر -من دون اطراد في الكافات كلها- لأن المعنى المقصود بالكلام، هو الذي يحدد ذلك؛ فهي في لبيك وسعديك -مثلا- تكون للمفعول؛ لأن التقدير: أجيبك إجابة متكررة، وأسعدك إسعادا متكررا؛ وهي في حنانيك -مثلا- تكون فاعلا للحنان؛ لأن التقدير: تحنن علي وارفق بي.

1 لم ينسب إلى قائل معين.

ص: 101

330-

لقلت لبيه لمن يدعوني1

وإلى الظاهر في نحو قوله2: [المتقارب]

1 تخريج الشاهد: ينشد قبل الشاهد قوله:

إنك لو دعوتني ودوني

زوراء ذات مترع بيون

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 38، والأشموني: 614/ 2/ 313، وابن عقيل: 224/ 3/ 52، والعيني: 3/ 383، والهمع: 1/ 190، والدرر: 1/ 163 ومغني اللبيب: 981/ 753، واللسان:"لبب""بين" وفيه "منزع بدل مترع".

المفردات الغريبة: زوراء: هي الأرض البعيدة الأطراف. مترع: مملوء أو ممتد، من قولهم: حوض مترع؛ أي ممتلئ. والذي في اللسان: منزع: وهو الفراغ الذي في البئر حتى الماء. بيون: هي البئر الواسعة الرأس الضيقة الأسفل، أو البعيدة القاع.

المعنى: أنك لو طلبتني، وناديتني لأمر من الأمور -وبيننا أرض نائية صعبة المسالك ذات مياه بعيدة الغور- لأجبتك سريعا، ولما تأخرت عن تلبية طلبك.

الإعراب: إنك: حرف مشبه بالفعل، والكاف: في محل نصب اسمه. لو: حرف امتناع لامتناع؛ أو حرف شرط غير جازم، لا محل له من الإعراب. دعوتني: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع فاعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به. ودوني: الواو حالية، دون: ظرف مكان -متعلق بمحذوف خبر مقدم- منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء؛ والياء: في محل جر بالإضافة. زوراء: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "دوني زوراء": في محل نصب على الحال. ذات: صفة لـ"زوراء" مرفوعة، وذات مضاف. مترع: مضاف إليه مجرور. بيون: صفة لـ"مترع" مجرورة، وعلامة جرها الكسرة الظاهرة. لقلت: اللام واقعة في جواب "لو"، قلت: فعل ماض وفاعل. لبيه: "لبي" مفعول مطلق بفعل محذوف؛ والتقدير: أجيبك إجابة بعد إجابة، والهاء: في محل جر بالإضافة "لمن: متعلق بـ"قلت". يدعوني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو؛ للثقل، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى الاسم الموصول المجرور محلا باللام، والنون: للوقاية، وياء المتكلم: في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "يدعوني": صلة للموصول الاسمي، لا محل لها؛ وجملة "لو وشرطه وجوابه": في محل رفع خبر "إن".

موطن الشاهد: "لبيه".

وجه الاستشهاد: إضافة "لبي" إلى ضمير الغائب "الهاء"؛ وحكم إضافته إلى ضمير الغائب أنه شاذ؛ لأنه مختص بضمير المتكلم.

2 القائل: هو أعرابي، من بني أسد.

ص: 102

331-

فلبى قلبي يدي مسور1

وفيه رد على يونس في زعمه أنه مفرد2؛ وأصله لبا؛ فقلبت ألفه ياء؛ لأجل الضمير، كما في لديك وعليك، وقول ابن الناظم: إن خلاف يونس في "لبيك"

1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

دعوت لما نابني مسورا

وكان هذا الرجل، قد استعان برجل اسمه مسور في دفع غرامة مالية؛ فأعانه. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 38، والأشموني: 613/ 2/ 312، وابن عقيل: 225/ 3/ 53، وسيبويه: 1/ 176، والمحتسب: 1/ 78، 2/ 23، وشرح المفصل: 1/ 119، والخزانة: 1/ 268، 578، والعيني: 3/ 381. والهمع: 1/ 190، والدرر: 1/ 165، واللسان "لبب".

المفردات الغريبة: دعوت: استعنت. نابني: أصابني ونزل بي. مسور: اسم رجل. فلبى: أجاب دعائي بقوله لبيك.

المعنى: دعوت مسورا، واستغثت به؛ لدفع ما نابني، وحل بي؛ فأجابني إلى ما دعوته إليه؛ فتلبية تلو تلبية ليدي مسور، أبادر إليه، إذا ناداني وسألتني في أمر ينوبه؛ كما بادر إلي؛ ومعلوم أنه خص يديه بالذكر؛ لأنهما اللتان قدمتا المال له.

الإعراب: دعوت: فعل ماض وفاعل. "لما": متعلق بـ"دعوت". نابني: فعل ماض والفاعل: هو، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "نابني": صلة للموصول المجرور محلا باللام، لا محل لها. مسورا: مفعول به منصوب لـ"دعوت". فلبى: الفاء عاطفة، لبى: فعل ماض، والفاعل: هو؛ يعود إلى مسور. فلبي: الفاء عاطفة، لبي: مفعول مطلق منصوب، بفعل محذوف، وهو مضاف. يدي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى، وهو مضاف. مسور: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

موطن الشاهد: "فلبي يدي".

وجه الاستشهاد: إضافة "لبي" إلى الاسم الظاهر "يدي"؛ وحكم هذه الإضافة شاذة؛ لأن لبي مختصة بالإضافة إلى ضمير المتكلم، كما أسلفنا.

2 وجده الرد -كما قال سيبويه: أنه لو كان مفردا مقصورا -كما يرى يونس- لما قلبت ألفه ياء مع الظاهر في قوله: "فلبي يدي مسور" كما لا تقلب ألف "لدى" و"على" عند ذلك كما في قوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} وقوله جل شأنه: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ} وذلك ببقاء الألف؛ فكان ينبغي أن يقال: لبى زيد، ولبى يدي. فدل ذلك على أنه مثنى وليس بمقصور.

شرح التصريح: 2/ 38.

ص: 103

وأخواته وهم1.

[ما هو واجب الإضافة] :

ومنها ما هو واجب الإضافة إلى الجمل؛ اسمية كانت، أو فعلية؛ وهو:"إذ"، و"حيث". فأما "إذ"؛ فنحو:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} 2 {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا} 3، وقد يحذف ما أضيفت إليه للعلم به4؛ فيجاء بالتنوين عوضا منه؛ كقوله تعالى:{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} 5، وأما "حيث"؛ فنحو:"جلست حيث جلس زيد" و"حيث زيد جالس"6 وربما أضيفت إلى المفرد7؛ كقوله8. [الطويل]

1 يعني أن ابن الناظم وهم في نسبة الخلاف في هذه الألفاظ كلها إلى يونس؛ لأن خلافه فيلبيك وحده.

2 8 سورة الأنفال، الآية:26.

موطن الشاهد: "إذا أنتم".

وجه الاستشهاد: إضافة إذ إلى الجملة الاسمية، وحكم هذه الإضافة الوجوب.

3 7 سورة الأعراف، الآية:86.

موطن الشاهد: {إِذْ كُنْتُمْ} .

وجه الاستشهاد: إضافة إذ إلى الجملة الفعلية؛ وهي كسابقتها تماما من حيث التقدير.

4 وأكثر ما يكون ذلك؛ إذا كان المضاف اسم زمان، كيومئذ، وحينئذ، وساعتئذ؛ فيحذف المضاف ويؤتى بالتنوين عوضا عن الجملة المحذوفة، وتحرك الذال عند التنوين بالكسر للتخلص من الساكنين.

5 30 سورة الروم، الآية:4.

موطن الشاهد: {يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ} .

وجه الاستشهاد: حذف الجملة بعد إذ -كما أسلفنا- للعلم بها؛ وجيء بالتنوين عوضا منها، وكسرت الذال لالتقاء الساكنين، وإذ باقية على بنائها على الأرجح، والتقدير: يوم إذ غلبت الروم

6 الغالب في الجملة الاسمية بعد "حيث" إلا يكون خبرها فعلا. وإضافتها إلى الجملة الفعلية أكثر؛ سواء كانت مثبتة أم منفية.

7 يجيز بعض النحاة إضافتها إلى المفرد مع بقائها مبنية؛ نحو: أنا مسافر حيث الهدوء. ويؤيده جواز فتح همزة "إن" بعدها، فتكون مضافة إلى المصدر المنسبك من أن ومعموليها، وهو مفرد؛ وبعضهم يعربها، ويندر أن تقع ظرف زمان أو غيره ولا يقاس على ما يسمع من ذلك.

حاشية يس على التصريح: 2/ 39، وهمع الهوامع: 1/ 212.

8 قيل: هو الفرزدق، وقيل: هو عملس بن عقيل، والأرجح أنه غير معين.

ص: 104

332-

ببيض المواضي حيث لي العمائم1

ولا يقاس عليه، خلافا للكسائي.

1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 39، والأشموني: 618/ 2/ 314، والهمع: 1/ 212، والدرر: 1/ 180، والأغاني: 11/ 83، وأمالي ابن الشجري: 1/ 136، وشرح المفصل: 4/ 90، والخزانة: 3/ 152، والعيني: 3/ 387، والمغني: 215/ 177، والسيوطي: 133، وليس في ديوان الفرزدق.

المفردات الغريبة: نطعنهم -بضم العين وفتحها: نضربهم، يقال: طعنه بالرمح، كمنعه ونصره؛ ضربه ووخزه. الحبا: جمع حبوة؛ وهي الثوب الذي يحتبى به، والاحتباء: أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشده عليهما، وقد يكون الاحتباء باليدين. والمراد هنا: أواسطهم. بيض: جمع أبيض، والمراد: السيف. المواضي: جمع ماضٍ؛ وهو النافذ القاطع، أي السيوف القواطع. لي العمائم: لفها وشدها طاقة بعد طاقة على الرءوس.

المعنى: نضربهم برماحنا في أواسطهم، حيث لا يبرءون من الطعن بعد ضربهم بالسيوف القواطع على رءوسهم.

الإعراب: ونطعنهم: الواو عاطفة، نطعن: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: مستتر وجوبا؛ تقديره: نحن؛ وضمير الغائبين "هم": في محل نصب مفعولا به. حيث: ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب؛ وهو متعلق بـ"نطعن"، وهو مضاف. الكلى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف؛ منع من ظهورها التعذر؛ وهذا الوجه الذي أراده المؤلف. "بعد": متعلق بـ"نطعن" وهو مضاف. ضربهم: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"هم": في محل جر بالإضافة. "ببيض": متعلق بـ"ضربهم"، و"بيض" مضاف. المواضي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء؛ منع من ظهورها الثقل. "حيث": متعلق بـ"ضرب" وهو مبني على الضم في محل نصب، و"حيث" مضاف. لي: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. العمائم: مضاف إليه مجرور.

موطن الشاهد: "حيث لي العمائم".

وجه الاستشهاد: مجيء "حيث" مضافة إلى اسم مفرد "لي" -على رواية جر "لي"- غير أن بعض العلماء عدوا "حيث" مضافة إلى الجملة -على رواية رفع "لي"- فتكون "لي" مبتدأ محذوف الخبر، ولا شاهد في البيت حينئذ على إضافة "حيث" إلى الاسم المفرد؛ =

ص: 105

[ما يختص بالجمل الفعلية] :

ومنها: ما يختص بالجمل الفعلية، وهو "لما"، عند من قال باسميتها1؛ نحو:"لما جاءني أكرمته"، و"إذا"2، عند غير الأخفش والكوفيين3؛ نحو: {إِذَا

= وما قلناه -هنا- أحرى به أن يكون في صدر البيت "حيث الكلى

" فإن "الكلى" يصح كونها مبتدأ، وخبره محذوف؛ والتقدير: حيث الكلى موجودة؛ وعلى هذا، فلا شاهد في البيت في الموضوعين. والذي يرجح ما ذهبنا إليه من عدم وجود ما يؤكد إضافة "حيث" إلى المفرد أمران؛

أحدهما: الرواية الثانية للبيت برفع "لي" وإنشاء بعضهم صدر البيت: "ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم" فلا شيء فيه على هذه الرواية أيضا.

وثانيهما: ما قاله ابن هشام نفسه -في المعنى- نقلا عن كتاب التمام لابن جني: "من أضاف حيث إلى المفرد أعربها؛ واستشهد بما رآه بخط الضابطين:

أما ترى حيث سهيل، طالعا

بفتح الثاء من "حيث"؛ وخفض سهيل؛ وحيث بالضم وسهيل بالرفع، أي موجود؛ فحذف الخبر. وفي الشاهد الذي نحن في صدده لم تعرب حيث؛ بل بقيت مبنية؛ وهذا ما يرجح إضافتها إلى الجملة لا إلى الاسم. انظر مغني اللبيب:178.

1 القائل باسميتها: الفارسي وابن جني وابن السراج والجرجاني وآخرون، وقالوا: هي ظرف بمعنى "حين"؛ ولذا تسمى "لما الحينية"؛ وقيل: بمعنى "إذا" ورجحه ابن مالك في المغني؛ لأنها مختصة بالماضي، وفيها معنى الشرط. ويجب أن يكون شرطها وجوبها ماضيين عند الأكثرين، وتضاف إلى شرطها، وتنصب بجوابها. وعند سيبويه؛ هي حرف وجود لوجود لا محل لها.

مغني اللبيب: 369، والتصريح: 2/ 39-40.

2 "إذا" ظرف غير جازم مبني دائما متضمن معنى الشرط غالبا، وتكون للزمان المستقبل كثيرا وللماضي قليلا، ووقوع الماضي، في جملة شرطها، أو جزائها؛ لا يخرجها عن الدلالة على المستقبل. ويقع شرطها وجوابها ماضيين، أو مضارعين أو مختلفين وناصبها: إما شرطها، فلا تضاف إلى ما بعدها؛ لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف، وهذا رأي المحققين. وإما جوابها؛ فتكون مضافة إلى جملة الشرط، وهو المشهور. ويجوز أن يحذف المضاف إليه ويجيء التنوين عوضا عنه. تقول: من ينكر المعروف فليس إذًا يستحقه؛ أي: فليس إذا يجحده يستحقه. وتأتي "إذا" للمفاجأة فتختص بالجملة الاسمية؛ وهي حينئذ حرف على الأصح، نحو: خرجت فإذا محمد ينتظرني؛ وقيل: هي ظرف.

3 أما عندهما؛ فيجوز إضافتها إلى الجمل الاسمية تمسكا بظاهر قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ =

ص: 106

طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} 1؛ وأما نحو: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} 2، فمثل:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 3؛ وأما قوله4: [الطويل]

333-

إذا باهلي تحته حنظلية5

= انْشَقَّتِ} ، قوله:{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وهاتان الآيتان مؤولتان بتقدير فعل مماثل للفعل المتأخر مفسر به، كما ذكر المصنف.

مغني اللبيب: 127، والتصريح: 2/ 40، همع الهوامع: 1/ 206-207.

1 65 سورة الطلاق، الآية:1.

موطن الشاهد: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} .

وجه الاستشهاد: دخول إذا على الجملة الفعلية، ومجيء فعل الشرط ماضيا، وجواب الشرط أمرا؛ وهذا الاختلاف في الصيغة بين فعل الشرط وجوابه جائز باتفاق، وشائع في اللغة.

2 84 سورة الانشقاق، الآية:1.

موطن الشاهد: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} .

وجه الاستشهاد: استدل الأخفش والكوفيون بهذه الآية على جواز دخول إذا على الجملة الاسمية؛ والجمهور يعدونها داخلة على الجملة الفعلية -هنا- لأن "السماء" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، وما ذهب إليه الجمهور، هو الصواب؛ والذي سوغ للكوفيين والأخفش ما ذهبوا إليه كونهم لا يعدون إذا، وإن مختصتين بالجمل الفعلية.

3 9 سورة التوبة، الآية:6.

موطن الشاهد: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "أحد" فاعلا لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ والتقدير: وإن استجارك أحد استجارك

وفي ذلك دلالة على دخول إن على الجملة الفعلية؛ وحكم دخولها على الجملة الفعلية الوجوب عند الجمهور، والجواز عند الكوفيين والأخفش.

4 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته.

5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

له ولد منها فذاك المذرع

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 40، والأشموني: 62/ 2/ 316، والعيني: 3/ 413، وهمع الهوامع: 1/ 207، والدرر اللوامع: 1/ 174، ومغني اللبيب: 118/ 127، والسيوطي: 94، وديوان الفرزدق:514. =

ص: 107

فعلى إضمار "كان" كما أضمرت هي، وضمير الشأن في قوله1:[الطويل]

= المفردات الغريبة: باهلي: منسوب إلى باهلة؛ وهي قبيلة، من قيس عيلان، ويكثر الشعراء من ذمها، ومن ذلك:

إذا قيل للكلب يا باهلي

عوى الكلب من لؤم هذا النسب

ومن ذلك قول الآخر:

وما سأل الله عبد له

فخاب ولو كان من باهله

حنظلية: نسبة إلى حنظلة؛ وهي أكرم قبائل تميم، حتى ليقال:"حنظلة الأكرمون" المذرع: الذي أمه أشرف من أبيه.

المعنى: إذا تزوج رجل من باهلة امرأة من حنظلة، وأتى منها بولد؛ فهو المذرع؛ أي الذي أمه أشرف من أبيه.

الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. باهلي: اسم "كان" محذوفة وحدها. "تحته": متعلق بمحذوف خبر مقدم، والهاء: في محل جر بالإضافة. حنظلية: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "تحته حنظلية": في محل نصب خبر "كان" المحذوفة وحدها. ويجوز أن تكون كان محذوفة مع اسمها -ضمير الشأن- وعليه فباهلي: مبتدأ أول، وحنظلية: مبتدأ ثاني؛ وجملة "تحته حنظلية": في محل رفع خبر المبتدأ الأول؛ وجملة "باهلي تحته حنظلية": في محل نصب خبر كان المحذوفة مع اسمها؛ والأول أفضل. "له": متعلق بمحذوف خبر مقدم. "ولد": مبتدأ مؤخر؛ وجملة "له ولد": في محل رفع صفة لـ"باهلي". "منها": متعلق بمحذوف صفة لـ"ولد". "فذاك": الفاء واقعة في جواب الشرط، ذا: اسم إشارة مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ، والكاف: للخطاب، لا محل لها من الإعراب. المذرع: خبر مرفوع؛ وجملة "ذاك المذرع": لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم.

موطن الشاهد: "إذا باهلي".

وجه الاستشهاد: مجيء "باهلي" اسما لكان المحذوفة بعد "إذا"؛ لأن إذا لا يليها إلا الفعل لفظا أو تقديرا؛ ولم يعرب "باهلي" فاعلا لفعل محذوف؛ لأنه لم يأت بعده ما يفسره. واحتج الأخفش بهذا البيت على دخول إذا على الجملة الاسمية؛ والصواب ما ذهب إليه الجمهور؛ لما بينا.

1 القائل: هو قيس بن الملوح؛ والمعروف بمجنون ليلى، وقد مرت ترجمته.

وقيل: هو عبد الله بن الدمينة؛ وقيل: هو عبد الله بن الصمة القشيري؛ وقيل: هو إبراهيم بن العباس الصولي.

ص: 108

334-

فهلا نفس ليل شفيعها1

1 تخريج الشاهد: هذا جزء من بيت، وهو بتمامه:

ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة

إلي فهلا نفس ليلى شفيعها

وينشد بعده قوله:

أأكرم من ليلى علي فتبتغي

به الجاه أم كنت امرأ لا أطيعها

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 4، والأشموني: 624/ 2/ 316، والخزانة: 1/ 463، 3/ 597، 4/ 498، 524، والعيني: 3/ 416، 4/ 457-478، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 1220، والهمع: 2/ 67، والدرر: 2/ 83، والمغني: 117/ 103، 477/ 354، 572/ 404، 990/ 759، والسيوطي: 79، وديوان قيس:195.

المفردات الغريبة: نبئت: أخبرت. بشفاعة؛ الشفاعة: التوسل ابتغاء الخير. الشفيع: الذي يكون منه التوسل.

المعنى: أخبرت أن ليلى أرسلت إلي شفيعا، يطلب مني العودة إلى الوصل والمودة؛ فهلا تقدمت بنفسها؛ لطلب ذلك، فإن هذا كان أجدى وأحق بالقبول.

الإعراب: نبئت: فعل ماض مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل؛ وهو المفعول الأول في الأصل. ليلى: مفعول به ثان منصوب؛ وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. أرسلت: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء. للتأنيث؛ والفاعل: هي؛ وجملة "أرسلت": في محل نصب مفعولا به ثالثا لـ"نبئت"؛ لأنه يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل. بشفاعة: الباء حرف جر زائد، شفاعة: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به منصوب؛ وهو الأفضل. "إلي": متعلق بـ"أرسلت". فهلا: الفاء سببية، لا محل لها، هلا: حرف تحضيض، لا محل له من الإعراب. نفس: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. ليلى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف، منع من ظهورها التعذر. شفيعها: خبر مرفوع، وهو مضاف، و"ها": في محل جر بالإضافة؛ ويجوز أن يكون "نفس ليلى" خبرا مقدما، و"شفيعها" مبتدأ مؤخرا؛ والأول أفضل؛ وعلى كل فجملة "نفس ليلى شفيعها": في محل نصب خبر كان المحذوفة مع اسمها ضمير الشأن؛ والتقدير: فهلا كان هو -أي الحال والشأن- نفس ليلى شفيعها. ويجوز أن نعرب -هنا- "نفس ليلى" فاعلا لفعل محذوف؛ والتقدير: فهلا شفعت نفس ليلى؛ وعلى هذا الوجه، من الإعراب، يكون قوله:"شفيعها" خبرا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هو شفيعها؛ والوجه الأول أفضل وأسهل.

موطن الشاهد: "فهلا نفس ليلى".

وجه الاستشهاد: حذف كان واسمها ضمير الشأن بعد "هلا"، ولم نعرب "نفس ليلى" =

ص: 109

[ما كان بمنزلة إذ وإذا فهو بمنزلتهما فيما يضافان إليه] :

فصل: وما كان بمنزلة "إذ" أو "إذا"، في كونه اسم زمان مبهم لما مضى أو لما يأتي1، فإنه بمنزلتهما فيما يضافان إليه2؛ فلذلك تقول:"جئتك زمن الحجاج أمير"، أو "زمن كان الحجاج أميرا"؛ لأنه بمنزلة "إذ"3، و"آتيك زمن يقدم الحاج"؛ ويمتنع "زمن الحاج قادم" لأنه بمنزلة إذا4؛ هذا قول سيبويه، ووافقه الناظم في مشبه إذ دون مشبه إذا؛ محتجا بقوله تعالى:{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} 5، وقوله:

= اسما لـ"كان المحذوفة" -كما في الشاهد السابق- لأن "شفيعها" اسم مفرد مرفوع، لا يصلح أن يكون خبرا لها إلا على وجه شاذ -رفع الجزأين بكان- وإذا لم يصلح قوله:"نفس ليلى" أن يكون اسم كان؛ لزم تقدير اسمها ضمير الشأن؛ والجملة بعد ذلك في محل نصب خبرها؛ وهلا من الأدوات التي لا يليها إلا الفعل؛ ولا يجوزو حذف كان -وحدها- كما في البيت السابق؛ لما ذكرنا.

1 قول المصنف: "لما مضى" راجع لوجه الشبه بإذ. وقوله: "أو لما يأتي" راجع لوجه الشبه بإذا. والمراد بالمبهم من الزمان: ما ليس محدودا؛ بألا يكون له أي اختصاص، كحين، ومدة، ووقت، وزمن، ولحظة، وبرهة، أو يكون له اختصاص من بعض النواحي؛ كغداة وعشية، وليل ونهار، وصباح ومساء. أما المحدود فهو: ما دل على عدد معين؛ كيومين، وأسبوع، وشهر، وسنة، أو وقت محدود؛ كأمس، وغد، وهذا لا يضاف إلى جملة.

2 فما يكون بمعنى "إذ" يجوز إضافته إلى الجملة بنوعيها بالشرط الذي ذكرناه وهو أن يكون معنى الجملة ماضيا أو مستقبلا محتم الوقوع، كما يجوز أن يضاف إلى المفرد، أو لا يضاف. وما يكون بمنزلة "إذا" يضاف إلى الجملة الفعلية؛ غير أن الإضافة في "إذ" و"إذا" واجبة، وفيما يكون بمنزلتهما جائزة.

التصريح: 2/ 41.

3 فـ"زمن" في المثال الأول مضاف إلى جملة اسمية. وفي الثاني مضاف إلى فعلية.

4 أي: و"إذا" لا تضاف إلى الجمل الاسمية، فكذلك ما كان بمعناها.

5 51 سورة الذاريات الآية: 13.

موطن الشاهد: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} .

وجه الاستشهاد: إضافة "يوم" إلى الجملة الاسمية؛ ويوم مشبه إذا في الاستقبال، وإذا لا تضاف إلى الجملة الاسمية.

ص: 110

وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة1

وهذا ونحوه، مما نزل في المستقبل، لتحقق وقوعه، منزلة ما قد وقع ومضى2.

[يجوز في الزمان المحمول على "إذا" أو "إذ" الإعراب على الأصل] :

فصل: ويجوز في الزمان المحمول على "إذا" أو "إذ" الإعراب على الأصل، والبناء حملا عليهما3؛ فإن كان ما وليه فعلا مبنيا؛ فالبناء أرجح للتناسب؛

1 هذا صدر بيت لسواد بن قارب الدوسي الصحابي، وعجزه قوله:

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب

مر تخريج هذا البيت والتعليق عليه في باب "كان وأخواتها".

موطن الشاهد: "يوم لا ذو شفاعة بمغن".

وجه الاستشهاد: إضافة "يوم" إلى الجملة الاسمية -على رأي ابن مالك- مع أنه بمنزلة "إذا" في دلالته على المستقبل؛ ومعلوم أن إذا لا تضاف إلى الجملة الاسمية؛ وظاهر البيت رد على سيبويه الذي لا يجيز ذلك؛ والمذكور من الآية، وهذا البيت ونحوه -عند سيبويه- مما نزل في المستقبل؛ لتحقق وقوعه منزلة ما قد وقع ومضى؛ فيوم -فيه- مشبه إذ لا مشبه إذا؛ فلذلك أضيف إلى الجملة الاسمية؛ ولو كان الزمان محدودا كأسبوع، ويومين، وشهر؛ لم يضف إلى الجمل خلافا لبعض المغاربة. انظر شرح التصريح: 2/ 42.

2 أي فيكون "يوم" مشبها لإذ لا لإذا؛ لأن المراد من الماضي ما كان متحقق الوقوع، سواء عبر عنه بالماضي، أو بالمضارع. وهذا توجيه سيبويه، وهو رد على رأي الناظم.

3 "إذ" و"إذا" مبنيان دائما؛ لكونهما أشبها الحرف في الافتقار المتأصل إلى جملة؛ فإذا أضيف الظرف المبهم إلى جملة، وكان غير مستحق للبناء في ذاته؛ جاز فيه وجهان:

الأول: الإعراب بحسب العوامل؛ نظرا إلى ما هو الأصل في الأسماء.

الثاني: البناء على الفتح حملا على إذ وإذا؛ وقد اختلف النحاة في تعليل البناء؛ فمنهم من قال: علة بناء الظرف المبهم المضاف إلى جملة، هي الحمل على إذ أو إذا؛ ومنهم من قال: سبب بناء الظرف المبهم المضاف إلى جملة الاعتداد بالافتقار العارض لهذا الظرف، وتنزيل الافتقار العارض منزلة الافتقار المتأصل الذي أوجب البناء لـ"إذ" و"إذا" وللموصولات؛ ولما كان الافتقار عارضا وليس أصليا؛ فإنه لم يوجب البناء، ولكن جوزه؛ فجواز الإعراب منظور فيه إلى ما هو الأصل في الأسماء؛ ومنها هذا الظرف؛ =

ص: 111

كقوله1: [الطويل]

335-

على حين عاتبت المشيب على الصبا2

= وجواز البناء منظور فيه إلى الشبه بين إذ أو إذا وهذا الظرف؛ وأن الجملة المضاف إليها، إن كان صدرها مبنيا قوي الشبه فلهذا كان البناء في هذه الحالة أرجح. حاشية يس على التصريح: 2/ 42.

1 القائل: هو النابغة الذبياني، وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

وقلت ألما أصح والشيب وازع

وهو من قصيدة يعتذر فيها للنعمان بن المنذر، وقبل الشاهد قوله:

فكفكفت مني عبرة فرددتها

على النحر منها مستهل ودامع

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 42، وسيبويه: 1/ 369، والمنصف: 1/ 58، وأمالي ابن الشجري: 1/ 46، 2/ 132، 164، وشرح المفصل: 3/ 16، 81، 4/ 91، 8/ 146. والإنصاف: 292، والمقرب: 63، والخزانة: 3/ 151، والعيني: 2/ 406، 4/ 357، والهمع: 1/ 218، والدرر: 1/ 187، والمغني: 910/ 672، والسيوطي: 298، وابن عقيل: 227/ 3/ 59، وديوان النابغة:51.

المفردات الغريبة: "على" الأولى بمعنى "في" والثانية للتعليل. عاتبت، العتاب: اللوم مع السخط وعدم الرضا. الصبا: الصبوة والميل إلى الهوى. أصح: أتنبه. وازع: زاجر، من وزع، أي زجر ونهى.

المعنى: سال مني الدمع وانهمل وقت معاتبتي للشيب وقد حل بي بعد ذهاب زمان الصبوة والفتوة والانغماس في الشهوات، وقلت لنفسي موبخا إياها: كيف لا أصحو وأفيق من غفلتي واسترسالي في الشهوات، والشيب أكبر زاجر وواعظ!!

الإعراب: "على حين": متعلق بـ"كفكفت" أو "بأسبل" أو بـ"رددتها" في بيت سابق؛ وحين: ظرف زمان مبني على الفتح في محل جر. عاتبت: فعل ماض، والتاء: في محل رفع فاعل؛ وجملة "عاتبت": في محل جر بالإضافة. المشيب: مفعول به منصوب.

على الصبا": متعلق بـ"عاتبت". وقلت: الواو عاطفة، قلت: فعل ماض وفاعل. ألما: الهمزة حرف للاستفاهم الإنكاري، لما: نافية جازمة، لا محل لها من الإعراب. أصح: فعل مضارع مجزوم بـ"لما" وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والفاعل: أنا. والشيب: الواو حالية، الشيب: مبتدأ مرفوع. وازع: خبر مرفوع؛ وجملة "الشيب وازع": في محل نصب على الحال.

موطن الشاهد: "حين عاتبت". =

ص: 112

وقوله1: [الطويل]

336-

على حين يستصبين كل حليم2

وإن كان فعلا معربا أو جملة اسمية؛ فالإعراب أرجح عند الكوفيين3،

= وجه الاستشهاد: ورود "حين" مبنيا على الفتح؛ لإضافته إلى مبني؛ هو الفعل الماضي المبني أصالة؛ فاكتسب البناء مما أضيف إليه. وورد بالخفض -على رواية- فيكون مجرورا بعلى معربا.

1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

لأجتذبن منهن قلبي تحلما

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 42، والأشموني: 620/ 2/ 315، والعيني: 3/ 41، والهمع: 1/ 218، والدرر: 1/ 187، والمغني: 911/ 672، والسيوطي:298.

المفردات الغريبة: تحلما: التحلم: تكلف الحلم وتصنعه. يستصبين: يستملن ويجتذبن. حليم: عاقل رزين.

المعنى: والله لأجتذبن قلبي وأشده إلى نفسي، من هؤلاء الفاتنات، متكلفا الحلم والكف عن الميل إلى الهوى؛ لأنهن يستملن إلى اللهو والصبوة كل عاقل.

الإعراب: لأجتذبن: اللام واقعة في جواب قسم مقدر، تفيد التوكيد، أجتذبن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل رفع، والفاعل: أنا، والنون: لا محل لها من الإعراب. "منهن": متعلق بـ"أجتذب". قلبي: مفعول به لـ"أجتذب" والياء: في محل جر بالإضافة. تحلما: مفعول لأجله منصوب. "على حين": على: حرف جر، وحين: مفعول فيه ظرف زمان مبني على الفتح، في محل جر بعلى و"على حين": متعلق بأجتذب. يستصبين: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة؛ والنون في محل رفع فاعل، كل: مفعول به منصوب، وهو مضاف.

حليم: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "يستصبين كل حليم": في محل جر بالإضافة.

موطن الشاهد: "على حين يستصبين".

وجه الاستشهاد: مجيء "حين" مبنية على الفتح -على هذه الرواية- بسبب إضافتها إلى الفعل المضارع المبني؛ لاتصاله بنون النسوة؛ ومعلوم أن "حين" اكتسبت البناء من المضاف إليه المبني لا بالأصالة، وإنما بسبب اتصاله بنون النسوة، كما أسلفنا.

3 ووافق الأخفش الكوفيين في هذا؛ ومال إلى الأخذ برأيهم أبو علي الفارسي، وابن مالك، وهو يقول في هذا الصدد في الألفية:

وقبل فعل معرب أو مبتدا

أعرب ومن بنى فلن يفندا =

ص: 113

وواجب عند البصريين، واعترض عليهم بقراءة نافع1:{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ} 2 بالفتح؛ وقوله3: [الوافر]

337-

على حين التواصل غير دان4

= لن يفندا: لن يغلط بنائه الظرف الواقع قبل فعل مضارع أو جملة اسمية مؤلفة من مبتدأ وخبر.

التصريح: 2/ 42.

2 5 سورة المائدة، الآية:119.

أوجه القراءات: قرأ نافع وابن محيصن: "يومَ" بالنصب، وقرأ الباقون:"يوم" بالرفع.

توجيه القراءات: من رفع "يوم" جعله خبرا لـ"هذا"؛ وهذا إشارة إلى يوم القيامة؛ والجملة في محل نصب بالقول؛ فأما على قراءة النصب فـ"يومَ" ظرف للقول، وهذا: إشارة إلى القصص والخبر الذي تقدم. انظر المشكل: 1/ 254، والنشر: 2/ 247، والإتحاف:204.

موطن الشاهد: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "يومَ" مبنيا على الفتح -على قراءة نافع- فالفتح -هنا- فتح بناء؛ لا فتحة إعراب؛ لأن الإشارة إلى اليوم -كما في قراءة نافع- فلا يكون ظرفا؛ والتوفيق بين القراءتين أليق؛ وأجاب جمهور البصريين بأن الفتحة فيه فتحة إعراب؛ مثلها مثل: صمت يوم الخميس؛ والتزموا لأجل ذلك أن تكون الإشارة، ليست لليوم، وإلا لزم كون الشيء ظرفا لنفسه؛ وإنما هي للمذكور من قبل؛ من كلامه مع عيسى وكلام عيسى معه -أي هذا المذكور كائن في هذا اليوم.

انظر شرح التصريح: 2/ 442 وضياء السالك: 2/ 319.

3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

تذكر ما تذكر من سليمى

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 42، والشذور: 26/ 119، والأشموني: 622/ 2/ 315، والعيني: 3/ 411، والهمع: 1/ 218، والدرر: 1/ 187.

المفردات الغريبة: التواصل: المواصلة وترك القطيعة والهجر. دان قريب.

المعنى: تذكر، وأعاد إلى مخيلته، وذاكرته، ما كان بينه، وبين سليمى؛ وأبهم المذكور تعظيما له وتفخيما في وقت لا ينتظر فيه قرب الوصال، والتقرب بينهما.

الإعراب: تذكر: فعل ماض، والفاعل: هو. ما: اسم موصول بمعنى "الذي" في محل =

ص: 114

[شروط إضافة "كلا" و"كلتا"] :

فصل: مما يلزم الإضافة "كلا" و"كلتا"1، ولا يضافان إلا لما استكمل ثلاثة شروط:

أحدها: التعريف2؛ فلا يجوز "كلا رجلين"، ولا "كلتا امرأتين" خلافا للكوفيين.

= نصب مفعولا به. تذكر: فعل ماض، والفاعل: هو؛ وجملة "تذكر": صلة للموصول، لا محل لها؛ وعائد الاسم الموصول محذوف؛ والتقدير: تذكره. "من سليمى": متعلق بمحذوف حال من "ما" الموصولة؛ والتقدير: تذكر الذي تذكره حال كونه من شئون سليمى. "على حين": متعلق بـ"تذكر" الأول؛ وحين: اسم مجرور بعلى؛ وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ ويروى بالفتح؛ فيكون مبنيا على الفتح، في محل جر بعلى. التواصل: مبتدأ مرفوع. غير: خبر مرفوع، وهو مضاف. دان: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهورها الثقل؛ وجملة "التواصل غير دان": في محل جر بالإضافة.

موطن الشاهد: "على حين التواصل

".

وجه الاستشهاد: مجيء "حين" مبنيا على الفتح -على هذه الرواية- في محل جر بـ"على" مع إضافته إلى الجملة الاسمية "التواصل غير دان"؛ وفي هذا رد على البصريين الذين يمنعون البناء في هذه الحالة؛ وإن كان الإعراب -هنا- أكثر. ومثل هذا الشاهد قول مبشر بن الهذيل الفزاري:

ألم تعلمي يا عمرك الله أنني

كريم على حين الكرام قليل

الفتح في "حين". انظر شرح التصريح: 2/ 42، والأشموني: 621/ 2/ 315.

1 أي: الإضافة لفظا ومعنى؛ وكلا، وكلتا؛ لفظان مثنيان معنى، يدلان على اثنين واثنتين، ويجوز في خبرهما، وفي كل ما يحتاج إلى المطابقة بينه وبينهما مراعاة اللفظ؛ وهو الأفصح، ومراعاة المعنى.

2 لأنهما عند التحقيق، يدلان على توكيد ما يضافان إليه، والبصريون من النحاة، لا يجيزون توكيد النكرة سواء أفاد توكيدها، أم لم يفد، فأما الكوفيون فإنهم يجيزون ذلك؛ ولهذا لم يشترطوا هذا الشرط، وأجازوا إضافتهما إلى نكرة مختصة؛ وذلك، لجواز توكيدها، تقول: حضر كلا رجلين عالمين، وكلتا امرأتين شاعرتين، والأحسن الأخذ بهذا الرأي. مغني اللبيب: 269، والتصريح: 2/ 42.

ص: 115

والثاني: الدلالة على اثنين1؛ إما بالنص؛ نحو: "كلاهما" و"كلتا الجنتين"2، أو بالاشتراك؛ نحو قوله3:[الطويل]

338-

كلانا غني عن أخيه حياته4

1 أي: شيئين مذكرين، أو مؤنثين. واشترط ذلك؛ لأن الفرض منهما تقوية التثنية في المضاف إليه، وتأكيدها، ولا بد من أن يطابق التأكيد المؤكد.

2 18 سورة الكهف، الآية:33.

موطن الشاهد: "كلتا الجنتين".

وجه الاستشهاد: دلالة "كلتا" على اثنتين بالنص المظهر "الجنتين"؛ ومعلوم أن "الجنتين" مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى.

3 هو: عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب؛ أحد شجعان الطالبيين وأجوادهم وشعرائهم، طلب الخلافة في أواخر دولة بني أمية، وبايعه الكثير من أهل المدائن، قاتله أبو مسلم الخراساني، وقبض عليه، وقيل: قتله، وقيل: مات في سجنه، وذلك سنة 131هـ، الأعلام: 4/ 139، الطبري "ط. المكتبة التجارية": 5/ 599، سرح العيون:193.

تخريج الشاهد: هذا صدر بيت يخاطب فيه الشاعر الحسين بن عبد الله أحد أصدقائه، بعد أن تهاجرا، وعجزه قوله:

ونحن إذا متنا أشد تغانيا

وقد نسبه ابن الأعرابي إلى الأبيرد الرياحي، ونسبه القالي إلى سيار بن هبيرة بن ربيعة. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 43، والأشموني: 226/ 2/ 316 والمغني: 370/ 270، والسيوطي: 189، واللسان "غنا" ونسبه لمغيرة بن حبناء.

المعنى: كل منا مستغنٍ بنفسه عن الآخر في هذه الحياة؛ وإذا ما متنا يكون كل واحد منا أكثر استغناء عن صديقه.

الإعراب: كلانا: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه ملحق بالمثنى، ونا: في محل جر بالإضافة. غني: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "عن أخيه": متعلق بـ"غني" والهاء: في محل جر بالإضافة. "حياته": متعلق بـ"غني" والهاء: في محل جر بالإضافة. ونحن: الواو عاطفة، نحن: في محل رفع مبتدأ. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط، مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. متنا: فعل ماض، ونا: في محل رفع فاعل؛ وجملة "متنا": في محل جر بالإضافة؛ وجواب الشرط محذوف؛ و"جملة الشرط": اعتراضية، لا محل لها. أشد: خبر مرفوع. تفانيا: تمييز منصوب. =

ص: 116

فإن كلمة "نا" مشتركة بين الاثنين والجماعة. وإنما صح قوله1: [الرمل

339-

إن للخير وللشر مدى

وكلا ذلك وجه وقبل2

= موطن الشاهد: "كلانا".

وجه الاستشهاد: إضافة "كلا" إلى الضمير المتصل "نا"؛ وهو لفظ مشترك، يدل على الاثنين والجماعة؛ فصحت إضافة "كلا" إليه؛ ومعلوم أن دلالة "نا" على الاثنين، من دلالة المشترك على أحد معانيه.

1 القائل: هو عبد الله بن الزبعرى بن قيس السهمي القرشي، أبو سعد، شاعر قريش في الجاهلية. كان شديدا على المسلمين، إلى أن فتحت مكة؛ فهرب إلى نجران، فقال فيه "حسان" أبياتا، فلما بلغته، عاد إلى مكة، فأسلم، واعتذر، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر له بحلة.

الجمحي: 1/ 235، والأغاني: 1/ 4/ 14، سمط اللآلي:387.

2 تخريج الشاهد: هذا بيت من كلمة، قالها بعد غزوة أحد يتشفى بالمسلمين، وكان وقتئذ، لا يزال على جاهليته. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 43، والأشموني: 627/ 2/ 317، وابن عقيل: 228/ 3/ 62، والهمع: 2/ 50، والدرر: 2/ 61، والسيرة: 616، وشرح المفصل: 3/ 2، والمقرب: 45، والمغني: 366/ 268، والسيوطي:187.

المفردات الغريبة: مدى، المدى: غاية الشيء ونهايته. وجه: جهة، ومستقبل كل شيء وجهه. قبل، القبل: المحجة الواضحة. وضبطه بعضهم "قبَل" بكسر القاف وفتح الباء: جمع قبله.

المعنى: إن للخير، وللشر غاية ونهاية ينتهيان إليها، ويقفان عندها؛ وكلاهما أمر معروف، يستقبله الإنسان، ويعرفه كما يستقبل الوجه؛ أو إن كليهما بمثابة القبلة التي يتوجه إليها المصلي.

الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. "للخير": متعلق بمحذوف خبر مقدم لـ"إن". وللشر: الواو عاطفة، "للشر": معطوف على "للخير" السابق. مدى: اسم "إن" مؤخر، منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، منع من ظهورها التعذر. وكلا: الواو عاطفة، كلا: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف؛ منع من ظهورها التعذر، وهو مضاف. ذلك: ذا اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة، واللام للبعد، والكاف للخطاب، لا محل لها من الإعراب. وجه: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. وقبل: الواو عاطفة، قبل: اسم معطوف على "وجه" مرفوع مثله، وسكن لضرورة القافية.

موطن الشاهد: "كلا ذلك".

وجه الاستشهاد: إضافة "كلا" إلى مفرد لفظا، مثنى معنى؛ وهو ذلك؛ لكونه عائدا على اثنين هما: الخير والشر.

ص: 117

لأن "ذا" مثناة في المعنى؛ مثلها في قوله تعالى: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} 1؛ أي: وكلا ما ذكر، وبين ما ذكر.

والثالث: أن يكون كلمة واحدة2؛ فلا يجوز "كلا زيد وعمرو" فأما قوله3: [البسيط]

340-

كلا أخي وخليلي واجدي عضدا4

فمن نوادر الضرورات

1 2 سورة البقرة، الآية:68.

موطن الشاهد: "بين ذلك".

وجه الاستشهاد: دلالة "ذلك" على ما ذكر؛ أي: بين الفارض والبكر؛ والفارض: المسنة، والبكر: الفتية، والعوان: ما كانت وسطا، فليست بالبكر ولا بالفارض.

2 فلا يضافان إلى كلمتين متفرقتين؛ لأنهما موضوعان لتأكيد المثنى.

3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

4 تخريج الشاهد:

هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

في النائبات وإلمام الملمات

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 43، والأشموني: 628/ 2/ 317، وابن عقيل: 229/ 3/ 63، والعيني: 3/ 319، والهمع: 2/ 50، والدرر: 2/ 61، والمغني: 367/ 269، والسيوطي:188.

المفردات الغريبة: الخليل: الصديق. عضدا: سندا يعتمد عليه ويركن إليه عند الشدائد.

النائبات: المصائب التي تنوب الإنسان؛ جمع نائبة. إلمام: نزول مصدر ألم؛ أي نزل. الملمات: نوازل الدهر وحوادثه، جمع ملمة.

المعنى: كل من أخي وصديقي، يجدني عند حلول المصائب والشدائد، ونزول حوادث الدهر ونوائبه، معينا وركنا قويا، يستند إليه؛ ويجدني ناصرا ومساعدا له في الملمات.

الإعراب: كلا: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف؛ منع من ظهورها التعذر، وهو مضاف. أخي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على ما قبل الياء، وهو مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة. وخليلي: الواو عاطفة، خليل: معطوف على "أخي" وهو مضاف، والياء: مضاف إليه. واجدي: خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل الياء؛ منع من ظهورها اشتغال المحل، بحركة المناسبة، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله؛ وهي في =

ص: 118

["أي" وإضافتها إلى النكرة مطلقا] :

ومنها "أي": وتضاف للنكرة مطلقا؛ نحو: "أي رجل"، و"أي رجلين"، و"أي رجال"؛ وللمعرفة، إذا كانت مثناة، نحو:{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ} 1، أو مجموعة؛ نحو {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} 2 ولا تضاف إليها مفردة إلا إن كان بينهما3 جمع مقدر4؛ نحو "أي زيد أحسن"؛ إذ المعنى أي أجزاء زيد أحسن؛ أو عطف عليها مثلها بالواو5.

= محل نصب مفعوله الأول. عضدا: مفعول به ثان لاسم الفاعل "واجد"؛ وهو الأفضل؛ ويجوز إعرابه حالا على تأويله بمساعد أو معين. "في النائبات": متعلق بواجدي. وإلمام: الواو عاطفة، إلمام: اسم معطوف على النائبات مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهو مضاف. "الملمات" مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

موطن الشاهد: "كلا أخي وخليلي".

وجه الاستشهاد: إضافة "كلا" إلى متعدد مع التفريق بالعطف "أخي وخليلي" وحكم هذه الإضافة الشذوذ مع الندرة.

فائدة: "أ" لا تضاف "كلا وكلتا" إلى شيء من الضمائر سوى "نا" و"الكاف" المتصلة بالميم والألف، والهاء كذلك؛ نحو: كلانا، وكلاكما، وكلاهما؛ وكذلك كلتا.

فائدة: "ب" أجاز ابن الأنباري إضافة "كلا" إلى المفرد بشرط تكررها؛ نحو: كلاي، وكلاك فحسنان، شرح التصريح: 2/ 43.

1 6 سورة الأنعام، الآية:81.

موطن الشاهد: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} .

وجه الاستشهاد: إضافة "أي" إلى المعرفة؛ لأنها مثناة؛ وحكم هذه الإضافة الجواز.

2 67 سورة الملك، الآية:2.

موطن الشاهد: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ} .

وجه الاستشهاد: إضافة "أي" إلى "كم" ضمير الجمع؛ وهو معرفة؛ وحكم هذه الإضافة الجواز.

3 أي: بين "أي" وبين المعرفة المفردة.

4 أي: لفظ يدل على جمع؛ وهو أجزاء في المثال المذكور في المتن، أو قصد الجنس بالمضاف إليه؛ نحو: أي الدينار دينارك؛ وأي الكسب كسبك.

5 أي: تكررت بعطف معرفة مفردة على الأولى بالواو خاصة، ولا يشترط إضافة الأولى منهما إلى ضمير المتكلم خلافا لبعضهم؛ فيصح أن يقال: أيك وأي محمد أفقه؟ وأي علي وأي محمد أفضل؟

انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 44، وضياء السالك: 2/ 324.

ص: 119

كقوله1: [الكامل]

341-

أيي وأيك فارس الأحزاب2

إذ المعنى: أينا.

1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

فلئن لقيتك خاليين لتعلمن

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 44، والأشموني: 630/ 2/ 317، واللسان "سوا" وقال هو تحريف وصوابه: الأجراف.

المفردات الغريبة: خاليين: منفردين ليس معنا أحد. الأحزاب: جمع حزب وهو الجماعة من الناس أمرهم واحد.

المعنى: يتوعد الشاعر محدثه قائلا: إذا تقابلنا منفردين ليس معنا أحد، ونزل كل منها إلى صاحبه، فستعلم أينا الفارس المغوار الذي لا ينازعه أحد.

الإعراب: لئن: اللام موطئة القسم، إن: حرف شرط جازم. لقيتك: فعل ماض مبني على لاسكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: فاعل، والكاف: في محل نصب مفعولا به؛ ولقي في محل جزم فعل الشرط. خاليين: حال منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، والنون: عوض عن التنوين في الاسم المفرد. لتعلمن: اللام واقعة في جواب القسم، تعلم: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والفاعل: أنت؛ وجملة "تعلمن": جواب القسم، لا محل لها؛ وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة جواب القسم عليه. أيي: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وهو مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة. وأيك: الواو عاطفة، أي: اسم معطوف على "أي" مروفع مثله، وهو مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة. فارس: خبر مرفوع، وهو مضاف. الأحزاب: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "أيي وأيك فارس الأحزاب": سدت مسد مفعولي "تعلم".

موطن الشاهد: "أيي وأيك".

وجه الاستشهاد: إضافة "أي" إلى مفرد معرفة "ياء المتكلم" والذي سوغ هذه الإضافة تكرارها بعطف مثلها عليها بالواو؛ ولولا هذا التكرار، لم تجز إضافة "أي" إلى المعرفة المفردة. =

ص: 120

[لا تضاف "أي" الموصولة إلا إلى معرفة] :

ولا تضاف "أي"1 الموصولة إلا إلى معرفة؛ نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} 2؛ خلافا لابن عصفور3، ولا "أي" المنعوت بها والواقعة حالا إلا لنكرة4؛ كـ"مررت بفارس أي فارس"، و"بزيد أي فارس".

["أي" الاستفهامية والشرطية تضافان إلى المعرفة والنكرة] :

وأما الاستفهامية والشرطية، فيضافان إليهما؛ نحو:{أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} 5 {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} 7؛ وقولك "أي رجل جاءك

= فائدة: ثني الحال "خاليين"؛ لأن أصل الكلام: لقيتك خاليا وخاليا؛ فلما تعدد الحال، وكان لفظ الحالين واحدا، ومعناهما واحدا، والعامل المسلط عليهما واحدا؛ ثني الحال.

1 لأنه يراد بها معين، والصلة لا تستقل بذلك مع أي؛ لتوغلها في الإبهام؛ فلا بد من إضافتها إلى معرفة، ولا بد من أن تدل المعرفة على متعدد أو يعطف مثلها بالواو.

2 19 سورة مريم، الآية:69.

موطن الشاهد: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} .

وجه الاستشهاد: إضافة "أي" التي بمعنى الذي إلى "هم"؛ وهو معرفة؛ لأن الضمير من أعرف المعارف؛ ولا تجوز إضافة "أي" إلى غير المعرفة عند الجمهور.

3 مرت ترجمته؛ وابن عصفور؛ أجاز إضافة "أي" الموصولة إلى نكرة.

4 أي: في الغالب؛ لأن صفة النكرة، والحال ينبغي أن يكونا نكرتين؛ وينبغي أن تكون هذه النكرة مماثلة للموصوف لفظا ومعنى، أو معنى فقط؛ كما مثل المؤلف. شرح التصريح: 2/ 44.

5 27 سورة النمل، الآية:38.

موطن الشاهد: {أَيُّكُمْ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "أي" اسم استفهام مضافا إلى معرفة؛ "ضمير المخاطب الجمع" وحكم إضافة "أي" الاستفهامية إلى المعرفة الجواز.

6 28 سورة القصص، الآية:28.

موطن الشاهد: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "أي" الشرطية مضافة إلى معرفة؛ وحكم إضافتها إلى المعرفة الجواز.

7 7 سورة الأعراف، الآية:185.

موطن الشاهد: {بِأَيِّ حَدِيثٍ} . =

ص: 121

فأكرمه1.

[خصوصيات "لدن"] :

ومنها "لدن"2 بمعنى عند؛ إلا أنها تختص بستة أمور:

أحدها: أنها ملازمة لمبدأ الغايات3، فمن ثم يتعاقبان4 في نحو: "جئت من

= وجه الاستشهاد: مجيء "أي" الاستفهامية مضافة إلى حديث؛ وهو نكرة؛ وحكم إضافة "أي" الاستفهامية إلى النكرة الجواز.

1 لأي ثلاثة أحوال، هي:

أ- الإضافة إلى النكرة والمعرفة -إن كانت أي شرطية أو استفهامية- وتضاف إلى النكرة مطلقا؛ سواء أكانت لمتعدد أم لغير متعدد، وهي في هاتين الحالتين بمعنى المضاف إليه كاملا؛ ولذا تكون بمعنى "كل"؛ ويشترط في المعرفة أن تكون لمتعدد، وتكون معها بمعنى "بعض"، ويجوز قطعها عن الإضافة؛ فمثال الشرطية، قوله تعالى:{أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ، ومثال الاستفهامية قولك: أكرمت رجلا، فيقال لك: أيا يا فتى؟.

ب- الإضافة إلى النكرة في "أي" الوصفية والحالية، ومعنى الوصفية؛ الدلالة على بلوغ الموصوف الغاية مدحا أو ذما. ويشترط أن تكون النكرة مماثلة للموصوف لفظا ومعنى، أو معنى فقط. والوصفية لا تكرر، ولا تنوى بها الأجزاء. وتدل الحالية على ما تدل عليه الحال؛ من بيان هيئة صاحبها المعرفة.

ج- الإضافة إلى المعرفة في "أي" الموصولة؛ التي بمعنى الذي؛ ويشترط في المعرفة أن تدل على متعدد بالإضافة، أو بالعطف بالواو على مثل المتقدم، كما سبق بيانه، ويراعى لفظها في المطابقة، وقد تقطع عن الإضافة لفظا؛ نحو: أكرم أيا هو أفضل. ضياء السالك: 2/ 325-326، وشرح التصريح: 2/ 45، ومغني اللبيب:107.

2 هي ظرف مبهم، يدل على بدء الغاية الزمانية، أو المكانية. والمراد بالغاية: ما يدل عليه الكلام بعدها من المقدار الزمني، أو المسافة المكانية، من حيث يكون البدء بها، وتجر ما بعدها بالإضافة لفظا إن كان معربا، ومحلا إن كان مبنيا أو جملة.

3 أي: أول المسافات المكانية، أو المقادير الزمانية، فمسماها نقطة البداية ودخول "من" التي للابتداء عليها؛ لتدل على هذا المعنى المراد منها؛ لأنه غير مألوف في الأسماء.

أما "عند" فتكون لمبدأ الغايات كثيرا، وللدلالة على الحضور المجرد؛ نحو: جلست عندك. ويندر أن يقال: جلست لدنك. وإنما تكون "عند" لابتداء الغاية كثيرا إذا دخلت عليها "من" الابتدائية؛ فإن لم تدخل عليها "من" كانت للدلالة على مجرد الحضور.

المغني: 208، والتصريح: 2/ 45، والهمع: 1/ 214-215.

4 أي: يتداولان على شيء واحد.

ص: 122

عنده" و"من لدنه" وفي التنزيل: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} 1، بخلاف نحو: "جلست عنده"؛ فلا يجوز فيه "جلست لدنه" لعدم معنى الابتداء هنا2.

الثاني: أن الغالب استعمالها مجرورة بمن3.

الثالث: أنها مبنية4 إلا في لغة قيس5؛ وبلغتهم قرئ: {مِنْ لَدُنْهُ} 6.

الرابع: جواز إضافتها إلى الجمل7؛ كقوله8: [الطويل]

1 18 سورة الكهف، الآية:65.

موطن الشاهد: "من عندنا، من لدنا".

وجه الاستشهاد: مجيء "لدنا" دالة على مبدأ الغاية في الآية الكريمة.

مجيء "عندنا" دالة على مبدأ الغاية في الآية الكريمة.

2 لأن المقصود: جلست في مكان قريب منه.

3 فتكون مبنية على السكون في محل جر، ولم ترد في القرآن الكريم إلا كذلك. ومن القليل تجردها للظرفية، وحينئذ تكون مبنية على السكون في محل نصب أما "عند" فتنصب كثيرا على الظرفية، أو تجر بمن. وجرها بمن -على كثرته- قليل بالنسبة لجر "لدن" بها.

4 بخلاف "عند" فإنها معربة، عند أكثر العرب.

5 فإنها معربة عندهم تشبيها بعند، وإعرابها عندهم مخصوص بالمشهور فيها وهو "لدن" وقد سكنت الدال للتخفيف مع الإشمام بالضمة، والأصل ضمها.

6 18 سورة الكهف، الآية:65.

أوجه القراءات: قرأ أبو بكر عن عاصم: لينذر بأسا شديدا من "لدنه" بإسكان الدال وإشمامها الضم، وكسر النون والهاء، ووصلها بياء في الوصل.

موطن الشاهد: {مِنْ لَدُنْهُ} .

وجه الاستشهاد: جر "لدن" بمن تشبيها لها بـ"عند" على قراءة أبي بكر عن عاصم؛ غير أنه ورد في أمالي ابن الشجري: "وزعم الفارسي: أن "لدن" في الآية على هذه القراءة مبنية، والكسرة للتخلص من الساكنين؛ سكون الدال، والنون؛ لأجل بناء "لدن"؛ فظهر بذلك أن "لدن" مبنية دائما بخلاف عند.

انظر شرح التصريح: 2/ 46.

7 وإذا أضيفت إلى الجملة، تمحضت للدلالة على بداية الغاية الزمانية دون المكانية؛ لأن الأرجح أنه لا يضاف إلى الجملة من ظروف المكان غير "حيث" كما تقدم.

8 القائل: هو القطامي؛ عمير بن شييم بن عمرو التغلبي، يكنى أبا سعيد. وهو ابن أخت =

ص: 123

342-

لدن شب حتى شاب سود الذوائب1

= الأخطل النصراني، شاعر فحل من شعراء الغزل، كان حسن التشبيب رقيقه حتى سمي صريع الغواني، أسره زفر بن الحارث ثم من عليه وفداه من قيس، حين أراد قتله؛ فأكثر لذلك، من مدحه، ثم أسلم القطامي، وترك النصرانية، ومات سنة 130هـ.

الشعر والشعراء: 2/ 723، والجمحي: 2/ 535، والأغاني: 20/ 118، والخزانة 1/ 391.

1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

صريع غوان شاقهن وشقنه

ويروى قبل الشاهد قوله:

لمستهلك قد كاد من شدة الهوى

يموت ومن طول العدات الكواذب

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 46، والأشموني: 634/ 2/ 318، والعيني: 3/ 427، والهمع: 1/ 215، والدرر: 1/ 184، وأمالي ابن الشجري: 1/ 233، ومغني اللبيب: 283/ 208، والسيوطي: 156، والخزانة: 3/ 188، 189، وديوان القطامي:50.

المفردات الغريبة: صريع: مصروع، وهو المطروح على الأرض. غوان: جمع غانية؛ وهي المرأة الحسناء التي استغنت بجمالها عن التزين. راقهن: أعجبهن، ويروى: شاقهن؛ أي: بعث الشوق في أنفسهن. الذوائب: جمع ذؤابة؛ وهي الضفيرة من الشعر. المعنى: أن هذا المخاطب مصروع ومغلوب على أمره، بسبب هؤلاء الغانيات الفاتنات اللاتي تعلقن به، وقد أعجب وتعلق بهن منذ نشأ، حتى شابت ذوائبه.

الإعراب: صريع: فيه روايتان؛ الجر على أنه بدل من "مستهلك" في البيت السابق، ويجوز فيه الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وهو مضاف. الغواني: مضاف إليه مجرور. شاقهن: فعل ماض، مبني على الفتح، والفاعل: هو، و"هن": في محل نصب مفعولا به. وشقنه: الواو عاطفة، شاق: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون: في محل رفع فاعل، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعولا به. "لدن": ظرف زمان مبني على السكون، في محل نصب، وهو متعلق بشاقهن؛ أو شقنه؛ لتنازعهما العمل فيه. شب: فعل ماض، والفاعل: هو، يعود على صريح الغواني؛ وجملة "شب": في محل جر بالإضافة؛ لإضافة "لدن" إليها. حتى: حرف غاية وجر، لا محل له من الإعراب. شاب: فعل ماض مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. سود: فاعل "شاب" مرفوع، وهو مضاف. الذوائب: مضاف إليه؛ من =

ص: 124

الخامس: جواز إفرادها قبل "غدوة"1 فتنصبها: إما على التمييز2؛ أو على التشبيه بالمفعول به3؛ أو على إضمار "كان" واسمها4، وحكى الكوفيون رفعها على إضمار "كان" تامة5؛ والجر القياس والغالب في الاستعمال6.

= إضافة الصفة إلى موصوفها؛ "والمصدر المؤول من أن المصدرية -المقدرة بعد حتى- وما دخلت عليه": في محل جر بـ"حتى"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"شاقهن"؛ أو شقنه، وتقدير الكلام: شاقهن وشقنه من وقت شبابه إلى وقت شيب ذوائبه.

موطن الشاهد: "لدن شب".

وجه الاستشهاد: إضافة "لدن" إلى جملة "شب"؛ وقد دلت -هنا- على بداية الغاية الزمانية؛ وحكم إضافتها إلى الجمل الجواز.

1 أي: قطعها عن الإضافة لفظا ومعنى، من غير أن يفصل بينهما فاصل؛ ومن ذلك قول أبي سفيان بن الحارث يوم أحد:

وما زال مهري مزجر الكلب منهم

لدن غدوة حتى دنت لغروب

الهمع: 1/ 215، والدرر اللوامع: 1/ 184-185، وشرح التصريح: 2/ 46.

2 أي: لـ"لدن"؛ لأن نونها تشبه التنوين، ويكون من تمييز المفرد سماعا؛ لأنها اسم لأول زمن مبهم، ففسر بـ"غدوة". وانظر شرح التصريح: 2/ 47.

3 لأن "لدن" تشبه اسم الفاعل؛ لكون نونها، تثبت تارة، وتحذف أخرى مثله.

4 فتكون "غدوة" خبرا؛ وأصل الكلام -على هذا: لدن كان الوقت غدوة؛ وهذا الوجه حسن؛ لبعده عن التكلف، ولأن فيه إبقاء "لدن" على ما ثبت لها من الإضافة إلى الجملة.

شرح التصريح: 2/ 47.

5 فتكون "غدوة" فاعلا لـ"كان" التامة المضمرة؛ والتقدير -على هذا: لدن كانت غدوة؛ أي: وجدت وظهرت؛ وعليه، تكون "لدن" ظرفا مضافا إلى الجملة تقديرا؛ وقال بعضهم:"غدوة" مرفوع بـ"لدن" لشبهها بالفاعل، كما عملت "يا" في المنادى؛ لنيابتها عن "أدعو"؛ ونسب هذا القول إلى ابن جني، وقال المرادي: فظاهره أنها مرفوعة بـ"لدن"، وقال الزرقاني:"ولا مانع من ذلك؛ لأنها كما تنصب على التشبيه بالمفعول، ترفع عليه". انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 47.

6 أي: بإضافة "لدن" إليها، كما تجر سائر الظروف. أما "عند" فلا ينقطع عن الإضافة، إلا إذا كان اسما محضا، وبَعد عن الظرفية؛ هذا فلا ينصب بعد "لدن" من الأسماء إلا غدوة، ولا تكون إلا منونة؛ أما "عند" فلا ينصب بعدها شيء من المفردات. شرح التصريح: 2/ 47.

ص: 125

السادس: أنها لا تقع إلى فضلة1؛ تقول "السفر من عند البصرة"2 ولا تقول "من لدن البصرة".

[مع وحالاتها] :

ومنها "مع": وهو اسم لمكان الاجتماع3، معرف، إلا في لغة ربيعة وغنم4 فتبنى على السكون؛ كقوله5:[الوافر]

343-

فريشي منكم وهواي معكم6

1 لأنها ظرف غير متصرف؛ فهي مقصورة على النصب على الظرفية، أو الجر بمن. أما "عند" فلا.

2 فالجار والمجرور خبر عن السفر.

هذا، وتأتي "عند" ظرفا للأعيان والمعاني؛ تقول: هذا القول عندي صواب، وعند فلان علم به؛ ويندر ذلك في "لدى". قيل: ومنه قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} . وتقول: عندي مال؛ وإن كان غائبا عنك. ولا تقول: لدي مال إلا إذا كان حاضرا.

3 هي ظرف مكان أو ظرف زمان، يدل على اجتماع والتقاء بين اثنين في مكان واحد، أو زمان واحد، وإرادة المكان أو الزمان توضحه القرائن. مثال دلالته على المكان: التواضع مع الغنى كرم نفس؛ ومثال الزمان، يذهب الفلاح إلى الحقل مع الصباح الباكر؛ وهي حينئذ ظرف غير متصرف، ملازم في الغالب، للإضافة لفظا ومعنى، معرب منصوب على الظرفية. ولأنها اسم؛ يخبر بها عن الذوات، تقول: محمد معك. وتأتي بمعنى "عند فتفيد الحضور المجرد، ولا تدل على اجتماع ومصاحبة، وتكون حينئذ معربة مضافة. واجبة الجر بمن الابتدائية؛ نحو: من أراد البذل، فلينفق من معه، لا من مع غيره.

4 ربيعة: إحدى قبيلتين عظيمتين تفرعت إليهما العرب العدنانية، والثانية مضر؛ وربيعة أو القبيلة. وغنم: قبيلة؛ أبوها ورئيسها غنم بن تغلب بن وائل.

5 القائل: هو جرير بن عطية الشاعر الأموي، وقد مرت ترجمته. انظر شرح التصريح: 2/ 47-48.

6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من قصيدة يمدح فيها هشام بن عبد الملك بن مروان، وعجزه قوله:

وإن كانت مودتكم لماما

وقد نسب الأعلم، هذا البيت إلى الراعي النميري؛ وهو من شواهد: التصريح: 2/ 48، 190، والأشموني: 636/ 2/ 320، وابن عقيل: 234/ 3/ 70، وسيبويه: 2/ 45، =

ص: 126

.............................................

= وأمالي ابن الشجري: 1/ 245، 2/ 234، وشرح المفصل: 1/ 128، 5/ 138، والعيني: 3/ 432، وديوان جرير:506.

المفردات الغريبة: الريش: اللباس الفاخر؛ ومثله الرياش، أو المال والخصب ونحوهما، هواي، الهوى: الميل القلبي. لماما: أي في بعض الأحايين وقتا بعد وقت.

المعنى: كل ما عندي من لباس فاخر، أو مال وفير، أو عيش خصب؛ هو من تفضلكم علي، وأنا محب لكم، وقلبي متعلق بكم، وإن كانت زياراتكم لي قليلة، لا تدل على موالاتكم لي؛ أو: وإن كانت زياراتي لكم متفرقة وقليلة؛ لأنني لا ألتفت إلى المظاهرة.

الإعراب: ريشي: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء؛ وياء المتكلم: ضمير متصل مبني على السكون، في محل جر بالإضافة. "منكم": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ؛ والتقدير: ريشي كائن منكم؛ أو حاصل

وهواي: الواو عاطفة، هواي: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف، منع من ظهورها التعذر، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه. "معكم": "مع": ظرف متعلق بخبر محذوف للمبتدأ "هواي"، و"مع" مضاف، و"كم": في محل جر بالإضافة. وإن: الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف، إن؛ حرف شرط جازم. كانت: فعل ماض ناقص -في محل جزم فعل الشرط- مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. زيارتكم: اسم "كان" مرفوع، وهو مضاف، و"كم": مضاف إليه. لماما: خبر "كان" منصوب؛ وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة الكلام السابق عليه، والتقدير: إن كانت زيارتي لماما فريشي منكم وهواي معكم؛ وأما المعطوف عليه -بالواو- المحذوف؛ فتقديره: إن لم تكن زيارتكم لماما وإن كانت زيارتكم لماما؛ لأنه يريد أن يوضح لهم أنه متعلق بهم في مختلف الأحوال.

موطن الشاهد: "معكم".

وجه الاستشهاد: بناء "مع" على السكون -على لغة ربيعة- والمشهور فتحها على أنها معربة؛ والفتحة للإعراب.

فوائد:

فائدة أولى: اختلف النحاة في "مع" أهي ثنائية الوضع، أم ثلاثية حذفت لامها؛ وأصلها معي؟

فذهب فريق الخليل بن أحمد، ومن وافقه إلى أنها ثنائية الوضع.

وذهب يونس والأخفش، ومن وافقهما إلى أنها ثلاثية الوضع.

والراجح: أن الظرفية ثنائية الوضع، معربة، يحذف تنوينها عند الإضافة. وتقع حالا، أو خبرا على حسب السياق، وهي متعلقة بمحذوف. =

ص: 127

وإذا لقي الساكنة ساكن؛ جاز كسرها وفتحها1؛ نحو: "مع القوم"، وقد تفرد بمعنى جميعا2،.......................................................

= أما المنونة التي تجردت عن الظرفية؛ فإن أعربت حالا، كانت منصوبة وعلامة نصبها الفتحة الظاهرة إن عدت ثنائية، أو الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة -لالتقائها ساكنة مع التنوين- إن عدت ثلاثية. وإن أعربت خبرا، فلا بد من عدها ثلاثية مرفوعة، وعلامة رفعها الضمة المقدرة على الألف المحذوفة لفظا لا خطا.

وأما من يعربها خبرا -وهي ثنائية- فيحتم بناءها على الظرفية، وتعليقها بمحذوف هو الخبر.

انظر شرح التصريح؛ 2/ 48، والمغني:439.

فائدة ثانية: اختلف النحاة في "معا" هل ألفها منونة بدل التنوين أم هي من أصول الكلمة؟

للنحاة في هذه المسألة قولان؛ أحدهما: أن الألف بدل من التنوين، كما في "بدا، أخا، غدا" فتعرب بالحركات الظاهرة على الدال والخاء، وهذا رأي الخليل، بناء على قوله إنها ثنائية الوضع.

وثانيهما: أن الألف لام الكلمة، كما في "رحى وعصا"؛ وهذا قول يونس والأخفش، بناء على قولهما إنها ثلاثية الوضع.

شرح التصريح: 2/ 48.

فائدة ثالثة: ذهب سيبويه إلى أن "مع" معربة في أحوالها كلها، وفي مختلف لغاتها؛ فإن جاءت منصوبة؛ فهي منصوبة على الظرفية، وإن جاءت ساكنة، كما في الشاهد السابق، فذاك ضرورة.

وذهب الكسائي إلى أنها معربة إذا انتصبت، مبنية إذا سكنت -على لغة ربيعة وغنم- واختار المتأخرون هذا الرأي.

انظر شرح ابن عقيل: 2/ 32، وحاشية الصبان: 2/ 265.

مرفوعة، وعلامة رفعها الضمة المقدرة على الألف المحذوفة لفظا لا خطا.

1 فتبنى على الكسر؛ للتخلص من الساكنين، أو على الفتح للخفة.

2 ويكون معناها في هذه الحال الدلالة على مجرد اصطحاب اثنين، أو أكثر، واجتماعهما، ولا تدل على اتحاد في الزمان أو المكان إلا بقرينة، وتكون حينئذ معربة منصوبة منونة، ولا حظ لها في الإضافة.

ص: 128

فتنصب على الحال1؛ نحو: "جاءوا معا"2.

[غير وحالاتها] :

ومنها "غير": وهو اسم دال على مخالفة ما قبله لحقيقة ما بعده3، وإذا وقع بعد "ليس"، وعلم المضاف إليه؛ جاز ذكره كـ"قبضت عشرة ليس غيرها"4، وجاز حذفه لفظا5؛ فيضم بغير تنوين6 ثم اختلف؛ فقال المبرد: ضمة بناء؛ لأنها كقبل في الإبهام، فهي اسم أو خبر7، وقال الأخفش8: إعراب؛ لأنها اسم ككل وبعض، لا ظرف كقبل وبعد؛ فهي اسم لا خبر، وجوزهما ابن خروف9، ويجوز

1 وقد تعرب ظرفا مخبرا به عن المبتدأ؛ نحو: الطالبان معا؛ وهي تستعمل للجمع مطلقا، كما تستعمل للاثنين، كقولك: الطلاب معا؛ أي: هم مجتمعون، وموجودون معا. حاشية الصبان: 2/ 265.

2 ومن ذلك قول متمم بن نويرة:

فلما تفرقنا كأني ومالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

ومنه قول الخنساء:

وأفنى رجالي فبادوا معا

فأصبح قلبي بهم مستفزا

3 إما في ذاته وحقيقته؛ كمررت برجل غيرك؛ أو في وصف من الأوصاف العرضية التي تطرأ على الذات؛ نحو: خرج الطالب من الامتحان بوجه غير الذي دخل به، وهو اسم محض لا ظرفية فيه. شرح التصريح: 2/ 49.

4 برفع "غير" على أنها اسم "ليس" وخبرها محذوف، والتقدير: ليس غيرها مقبوضا، وبنصبها على أنها خبر "ليس" واسمها محذوف؛ والتقدير: ليس المقبوض غيرها. مغني اللبيب: 209.

5 أي: إذا نوي معناه بأي لفظ آخر، يؤدي المعنى المقصود من دون لفظه.

6 حيث يحذف التنوين لنية معنى المضاف إليه.

7 أي: اسم لـ"ليس" في محل رفع، أو خبر لها في محل نصب، والاسم محذوف.

8 مرت ترجمته.

9 مرت ترجمته؛ وبالنسبة إلى "غير" فهي على البناء اسم "ليس" أو خبرها؛ وعلى الإعراب؛ هي اسم وليست خبرا.

ص: 129

الفتح قليلا مع التنوين ودونه1، فهي خبر، والحركة إعراب باتفاق، كالضم مع التنوين2.

[قبل وبعد وحالاتهما] :

ومنها "قبل" و"بعد"3 ويجب إعرابهما في ثلاث صور:

إحداها: أن يصرح بالمضاف إليه؛ كـ"جئتك بعد الظهر" و"قبل العصر" و"من قبله" و"من بعده"4.

1 فمع التنوين؛ لقطعها عن الإضافة لفظا ومعنى، وأما مع عدمه؛ فلنية لفظ المضاف إليه.

2 وتكون "غير" اسم ليس. وصفوة القول: أن غير تعرب بالحركات كلها من دون تنوين على حسب الجملة قبلها؛ إذا أضيفت لفظا ومعنى. وكذلك الحال إذا حذف المضاف، ونوي لفظه، وسبقتها "ليس" أو "لا" النافيتان.

وأما إذا قطعت عن الإضافة نهائيا، ولم ينو لفظ المضاف، ولا معناه؛ أعربت كذلك بالحركات كلها، ولكنها تكون منونة.

وأما إذا حذف المضاف إليه، ونوي معناه، من دون لفظ فتبنى على الضم من غير تنوين، وتبنى على الفتح، إذا كان المضاف إليه المحذوف المنوي لفظه مبنيا.

وإذا لم تسبق "غير" بـ"ليس" ولا بـ"لا" النافيتين؛ استعملت صفة، أو نصبت على الاستثناء على حسب الحالة. وذهب بعض النحاة إلى جواز إعراب "غير" وبنائها عند حذف المضاف إليه مطلقا؛ سواء نوي لفظه أو نوي معناه، وحسنه الكثيرون.

3 هما اسمان ظرفان؛ يدل أولهما على سبق شيء على آخر، وتقدمه عليه في الزمان، أو المكان الحسي، أو المعنوي. ويدل الثاني على تأخر شيء على آخر كذلك، وهما ملازمان للإضافة غالبا.

4 في المثال الأول نصبا على الظرفية الزمانية، وفي الثاني جرا بمن.

ص: 130

الثانية: أن يحذف المضاف إليه وينوى ثبوت لفظه، فيبقى الإعراب وترك التنوين، كما لو ذكر المضاف إليه؛ كقوله1:[الطويل]

344-

ومن قبل نادى كل مولى قرابة2

1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

فما عطفت مولى عليه العواطف

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 50، والأشموني: 643/ 2/ 322، وابن عقيل: 235/ 3/ 72، والعيني: 3/ 443، والهمع: 1/ 210، والدرر: 1/ 177.

المفردات الغريبة: من قبل: أي من قبل ما حدث. مولى: للمولى معانٍ كثيرة منها: ابن العم، والسيد، والناصر، والقريب؛ والأول أو الأخير، هو المراد هنا. عطفت: أمالت ورققت. العواطف: الصلات والروابط التي تستلزم العطف، وميل بعض الناس لبعض؛ كالصداقة، والمروءة، والنجدة، ونحوها: وهي جمع عاطفة.

المعنى: يبين الشاعر في معرض وصفه لشدة نزلت به: كيف نادى كل ابن عم أو عصبة قرابته؛ ومن بينهم وبينه صلات مودة وعطف؛ ليساعدوه، ويأخذوا بناصره؛ ولهول الموقف، لم يجب أحد مستجيرا، ولم يعطف قريب على قريب، أو يساعد صديق صديقا.

الإعراب: ومن: الواو بحسب ما قبلها، من: حرف جر. قبل: اسم مجرور بمن، وعلامة جره الكسرة؛ و"من قبل": متعلق بقوله: "نادى" الآتي. نادى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف؛ منع من ظهروه التعذر. كل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. مولى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، منع من ظهورها التعذر على رواية التنوين في "مولى"؛ وعليها تكون قرابة: مفعول به منصوب؛ والتقدير: نادى كل ابن عم قرابته؛ وعلى الرواية التي في المتن فـ"مولى" -من غير تنوين- مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف؛ للتعذر، وهو مضاف؛ وعليها تكون. قرابة: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وعلى هذه الرواية فالمفعول به لـ"نادى" محذوف، والتقدير: نادى كل مولى قرابة قرابته. فما: الفاء =

ص: 131

أي: ومن قبل ذلك، وقرئ {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 1، بالجر من غير تنوين؛ أي: من قبل الغلب ومن بعده.

الثالثة: أن يحذف ولا ينوَى شيء؛ فيبقى الإعراب2، ولكن يرجع التنوين لزوال ما يعارضه في اللفظ والتقدير؛ كقراءة بعضهم:"من قبلٍ ومن بعدٍ"1 بالجر

= عاطفة، ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. عطفت: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث، لا محل لها. مولى: إما أن يكون مفعولا به لـ"عطف" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، منع من ظهورها التعذر؛ أو بدلا من الضمير المجرور بـ"على" بعده بدل كل من كل، قدم عليه لضرورة الشعر؛ أو حالا من الضمير المجرور محلا بـ"على"؛ والتقدير: فما عطفت العواطف عليه حال كونه مولى؛ أي: قريبا "عليه": متعلق بـ"عطف".

العواطف: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.

موطن الشاهد: "ومن قبل".

وجه الاستشهاد: مجيء "قبل" مجرورة؛ لمجيئها مضافة إلى مضاف إليه، محذوف لفظه، منوي ثبوته؛ وترك التنوين للإضافة المذكورة؛ لأن المنوي ثبوت لفظه كالثابت؛ والتقدير: من قبل ذلك؛ وحكم إعراب "قبل" في هذه الحال الوجوب، كما جاء في المتن.

1 30 سورة الروم، الآية:4.

أوجه القراءات: قرأ الجحدري والعقيلي: "من قبل ومن بعد" بالخفض من غير تنوين؛ وقرأ الجمهور: "من قبل ومن بعد"؛ وقرأ بعضهم: "من قبلٍ ومن بعدٍ" بالخفض والتنوين. التصريح: 2/ 50.

توجيه القراءات: قراءة الخفض من غير تنوين على نية لفظ المضاف إليه؛ أي من قبل القلب، ومن بعده؛ وقراءة الخفض مع التنوين؛ على نية حذف المضاف إليه وعدم نية لفظه أو معناه.

موطن الشاهد: "من قبل ومن بعد".

وجه الاستشهاد: مجيء كل من "قبل" و"بعد" مجرورا بمن مع التنوين؛ الذي كان حذف للإضافة؛ فلما حذف المضاف إليه، ولم ينوَ لفظه، ولا معناه، عاد التنوين إلى ما كان عليه قبل الإضافة.

2 أي بالنصب على الظرفية أو بالجر بمن إن وجدت. ويكون معنى "قبل" و"بعد" في هذه الحالة، القبلية المطلقة والبعدية المطلقة، من غير تقييد بشيء ما، أي أن معناهما هو المعنى الاشتقاقي العام.

ص: 132

والتنوين؛ وقوله1: [الوافر]

345-

فساغ لي الشراب وكنت قبلا2

1 القائل: هو يزيد بن الصعق؛ ونسبه العيني إلى عبد الله بن يعرب، حيث كان له ثأر فأدركه. انظر شرح الشواهد للعيني، حاشية الصبان: 2/ 269.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، يقول الشاعر وقد أدرك ثأره من الربيع بن زياد العبسي وكان قد أغار عليه وعلى قومه. ولعجز البيت روايتان؛ الأولى:

أكاد أغص بالماء الفرات

وبهذه الرواية استشهد: العيني: 3/ 354، والهمع: 1/ 210، والدرر: 1/ 76، والثعالبي، ونسبوا البيت إلى عبد الله بن يعرب.

والرواية الثانية:

أكاد أغص بالماء الحميم

وهو من وشاهد: التصريح: 2/ 50، والأشموني: 644/ 2/ 322، وابن عقيل: 236/ 3/ 73، والشذور: 47/ 147، والقطر: 5/ 34.

هذا ويروى ليزيد بن الصعق قطعة رويها على حرف الميم؛ منها:

ألا أبلغ لديك أبا حريث

وعاقبة الملامة للمليم

فكيف ترى معاقبتي وسعيي

بأذواد القصيمة والقصيم

المفردات الغريبة: ساغ: سهل وحلا. أغص: أشرق -بفتح الهمزة والغين- مضارع غص من باب فرح، وروي أغص بضم الهمزة وفتح الغين مبنيا للمجهول. الحميم: هو الماء الحار، والمراد هنا: الماء البارد الذي تشتهيه النفس كما جاء في اللسان عن ابن الاعرابي؛ فهو من أسماء الأضداد. والرواية الثانية: الفرات: العذب.

المعنى: هدأت نفسي، حين أدركت ثأري، وساغ لي الشراب، وكنت قبل أن أدركه، أكاد أشرق بالماء البارد الشهي إلى النفوس.

الإعراب: فساغ: الفاء بحسب ما قبلها، ساغ: فعل ماضٍ مبني على الفتح. "لي". متعلق بـ"ساغ". الشراب: فاعل مرفوع. وكنت: الواو حالية، كنت: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع اسم "كان". قبلا: ظرف زمان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، و"قبلا": متعلق بـ"كان". أكاد: فعل مضارع ناقص مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، واسمه: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا. أغص: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل: أنا؛ وجملة "أغص": في محل نصب خبر "أكاد"؛ وجملة "أكاد =

ص: 133

وقوله1: [الطويل]

346-

فما شربوا بعدا على لذة خمرا2

= أغص": في محل نصب خبر "كان". "بالماء": متعلق بـ"أغص". الحميم: صفة للماء، وصفة المجرور مجرورة مثله، وعلامة جرها الكسرة الظاهرة.

موطن الشاهد: "قبلا".

وجه الاستشهاد: مجيء "قبلا" مقطوعا عن الإضافة لفظا ومعنى؛ ولهذا، جاء معربا منونا -وهو منصوب على الظرفية كما أسلفنا- وهذا التنوين، يسمى تنوين التمكين الذي يلحق الأسماء المعربة، وقبلا -عند جمهور النحاة- نكرة؛ لأنه لما قال:"كنت قبلا" يريد مطلق التقدم؛ فهو لا ينوي تقدما على شيء بعينه؛ بخلاف الحال في أثناء الإضافة أو نيتها؛ حيث يكون التقدم على شيء معين.

1 القائل: هو رجل من بني عقيل لم يعين.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

ونحن قتلنا الأسد أسد شنوءة

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 50 وفيه "

أسد خفية"، والأشموني: 645/ 2/ 322، والشذور: 48/ 148، والخزانة: 3/ 131، والعيني: 436 "وفيه

أسد خفية"، والهمع: 1/ 210، والدرر: 1/ 176، وفيه "

أسد خفية".

المفردات الغريبة: أسد شنوءة، ويقال "أزد" حي من اليمن أبوهم الأزد بن الغوث؛ ويقال له: الأسد بن الغوث؛ وهم فرق؛ منهم: أزد شنوءة، وأزد السراة، وأزد عمان.

المعنى: أنا قتلنا أولئك القوم، ومزقناهم شر ممزق، وشتتنا شملهم، فما عرفوا بعد ذلك الهوان لذة للشراب. والمراد: أنهم بهزيمتهم حرموا ملاذ الحياة ونعيمها.

الإعراب: ونحن: الواو بحسب ما قبلها، نحن: ضمير رفع منفصل، في محل رفع مبتدأ. قتلنا: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، و"نا": فاعل؛ وجملة "قتلنا": في محل رفع خبر "نحن". الأسد: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، أسد: بدل من "الأسد منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. شنوءة: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. فما: الفاء عاطفة، ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. شربوا: فعل ماض مبني على الضم، والواو: فاعل، والألف: للتفريق. "بعدا": متعلق بـ"شربوا" منصوب. "على لذة": متعلق بـ"شربوا". خمرا: مفعول به منصوب. =

ص: 134

وهما نكرتان في هذا الوجه؛ لعدم الإضافة لفظا وتقديرا؛ ولذلك نونا1، ومعرفتان في الوجهين قبله.

فإن نوي معنى المضاف إليه دون لفظه2؛ بنيا على الضم3؛ نحو: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 4، في قراءة الجماعة.

[أول ودون وأسماء الجهات] :

ومنها "أول"5................................................

= موطن الشاهد: "بعدا".

وجه الاستشهاد: مجيء "بعدا" منونة منصوبة على الظرفية؛ لقطعها عن الإضافة لفظا وتقديرا؛ وهي -على هذا الحال- نكرة عند جمهور النحاة. وقال بعضهم: إن التنوين في هذا البيت والذي قبله؛ لضرورة الشعر، وجوز الرضي تنوين الظروف المقطوعة عن الإضافة في حالة البناء لذلك. انظر شرح التصريح: 2/ 50-51.

1 هذا على أن تنوينهما تنوين تمكين للتنكير، وقيل: إن التنوين فيهما للعوض، وهما معرفتان بنية المضاف إليه، واستحسن ذلك ابن مالك في الكافية.

2 نية المعنى: أي أن يلاحظ المعنى من غير نظر إلى عبارة مخصوصة، أو لفظ معين يدل عليه، بل يقصد المسمى معبرا عنه بأي لفظ كان. أما نية اللفظ، فيلاحظ لفظ المضاف إليه المعروف من المقام.

3 في محل نصب على الظرفية، أو في محل جر إن سبقا بمن. وإنما لم تقتض الإضافة بنية المعنى الإعراب؛ لضعفها بخلافها مع نية اللفظ؛ ففيها قوة. وهنالك حالة أخرى يبنيان فيها على الفتح جوازا؛ وهي: إذا أضيفا إلى مبني، وكذلك الشأن في جميع الأسماء المبهمة، وأسماء الزمان المبهمة.

همع الهوامع: 1/ 209-210.

4 30 سورة الروم، الآية:4.

موطن الشاهد: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} .

وجه الاستشهاد: مجيء "قبل" و"بعد" مبنيين على الضم؛ لانقطاعهما عن الإضافة مع نية معنى المضاف إليه من دون لفظه؛ وهما مبنيان على الضم في محل جر بحرف الجر.

5 الصحيح أن أصله "أوأل" بدليل جمعه على أوائل، قلبت الهمة الثانية واوا وأدغمتا. ويستعمل اسما بمعنى مبدأ الشيء، ووصفا بمعنى سابق فيصرف، نحو: لقيته عاما أولا. ووصفا بمعنى أسبق فيمنع من الصرف للوصفية ووزن الفعل. وينصب على =

ص: 135

............... و"دون"1 وأسماء الجهات كـ"يمين"، و"شمال" و"وراء"، و"أمام"، و"فوق"، و"تحت"2؛ وهي على التفصيل المذكور في قبل وبعد؛ تقول:"جاء القوم وأخوك خلف" أو "أمام" 3 تريد خلفهم أو أمامهم؛ قال4: [الكامل]

347-

لعنا يشن عليه من قدام5

= الحال أو غيره، ومعناه "متقدم" كجئتك أول الناس، أو أولا، أي متقدمهم ومتقدما، وتليه "من"، تقول: هذا أول من هذين، وهل هو حينئذ أفعل تفضيل لا فعل له من لفظه، أو جاز ومجرور؟ خلاف. وظرفا نحو رأيت الهلال أول الناس، أي: قبلهم، وهذا هو الذي يبنى على الضم إذا قطع عن الإضافة.

حاشية يس على التصريح: 2/ 51.

1 أصله: اسم المكان الأدنى، أي: الأقرب من مكان المضاف إليه، كجلست دون محمد؛ أي قريبا من مكانه، ثم توسع فيه فاستعمل في المكان المفضول، ثم في الرتبة المفضولة كعلي دون محمد فضلا، ثم في مطلق تجاوز شيء لشيء، كأكرمت محمدا دون علي.

2 يمين وشمال، كثيرا التصرف، وفوق وتحت يتصرفان أحيانا إذا تجردا عن الظرفية، وباقي الظروف متوسطة التصرف: والظرف بنوعيه: المتصرف وغير المتصرف؛ حين يكون ظرفا معربا ينصب على الظرفية أو يجر بمن، وحين يكون مبنيا على الضم يكون في محل نصب أو في محل جر بمن، إن وجدت قبله. وإذا جرد من الظرفية لا ينصب على الظرفية، بل يعرب على حسب الجملة.

3 أي: بالبناء على الضم؛ لحذف المضاف إليه ونية معناه.

4 هو رجل من بني تميم لم يعين اسمه.

5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره:

لعن الإله تعلة بن مسافر

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 51، والأشموني: 641/ 2/ 322، والكامل للمبرد: 37، والعيني: 3/ 437، والهمع: 210، والدرر: 1/ 177.

المفردات الغريبة: لعن؛ اللعن: الطرد والإبعاد. تعلة: اسم رجل. يشن: يصب، من شن الماء يشنه إذا صبه متفرقا. من قدام: من أمامه.

المعنى: يلعن الشاعر رجلا؛ اسمه تعلة بن مسافر سائلا الله تعالى أن يطرده من رحمته ويصب عليه البلاء صبا من أمامه؛ ليكون الطرد أبلغ والبلاء أفظع.

الإعراب: لعن: فعل ماض مبني على الفتح. الإله: فاعل مرفوع، وعلامة

رفعه =

ص: 136

وقوله1: [الطويل]

348-

على أينا تعدو المنية أول2

= الضمة الظاهرة على آخره. تعلة: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. ابن: صفة لتعلة منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف. مسافر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. لعنا: مفعول مطلق منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. يشن: فعل مضارع مبني للمجهول، مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو؛ وجملة "يشن": في محل نصب صفة لـ"لعنا". "عليه": متعلق بـ"يشن". من: حرف جر. قدام: ظرف مكان، مبني على الضم في محل جر بـ"من"، و"من قدام": متعلق بـ"يشن".

موطن الشاهد: "من قدام".

وجه الاستشهاد: مجيء قدام مبنيا على الضم؛ لحذف المضاف إليه، ونية معناه وشبيه بهذا البيت قول الشاعر:

إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن

لقاؤك إلا من وراء وراء

1 هو: معن بن أبوس بن نصر المزني، شاعر، مجيد، متين الكلام، حسن الديباجة، فخم المعاني، من مخضرمي الجاهلية والإسلام؛ له مدائح كثيرة في الصحابة الكرام. مات سنة 64هـ.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

لعمرك ما أدري وإني لأوجل

وهو مطلع قصيدة مشهورة يستعطف بها الشاعر صديقا له، وقد أنشد أبو تمام في حماسته أكثرها، وأنشدها أبو علي القالي في أماليه، وبعد الشاهد قوله:

وإني أخوك الدائم العهد لم أحل

إن ابزاك خصم أو نبا بك منزل

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 51، والمقتضب: 3/ 346، والمصنف: 3/ 35، وأمالي ابن الشجري: 1/ 328، 2/ 263، وشرح المفصل: 4/ 87، 6/ 98، والخزانة: 3/ 505، والأشموني: 640/ 2/ 322، والعيني: 3/ 439، والشذور: 45/ 145، وديوان معن:57.

المفردات الغريبة: أوجل: من الوجل، وهو الخوف، وهذا يحتمل أن يكون وصفا، أو فعلا مضارعا مبدوءا بهمزة المتكلم. تعدو: تسطو، من عدا عليه، اجترأ وسطا. وروي: تغدو، أي تصبح. المنية: الموت.

المعنى: أقسم بحياتك لست أدري، ولا أعلم -وإني لخائف- على أينا ينقض الموت قبل صاحبه؛ فلا تقطع حبل المودة والصلة، فالموت آتٍ لا بد منه.

الإعراب: لعمرك: اللام للابتداء. عمر: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة =

ص: 137

وحكى أبو علي1: "ابدأ بذا من أول" بالضم على نية معنى المضاف إليه2؛ وبالخفض على نية لفظه؛ وبالفتح على نية تركها؛ ومنعه من الصرف للوزن والوصف3.

[حسب واستعمالاتها] :

ومنها "حسب"؛ ولها استعمالان:

أحدهما: أن تكون بمعنى كافٍ4؛ فتستعمل استعمال الصفات5، فتكون

= على آخره، وهو مضاف، وضمير المخاطب مبني على الفتح في محل جر بالإضافة وخبر المبتدأ محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمرك قسمي. ما أدري: ما: نافية لا عمل لها. أدري: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنا. وإني: الواو: حالية، إني: إن: حرف مشبه بالفعل، مبني على الفتح المقدر على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهوره اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء، والياء: ضمير متصل في محل نصب اسم إن. لأوجل: اللام لام المزحلقة، أوجل: خبر إن مرفوع؛ وجملة "إني لأوجل": في محل نصب على الحال. "على أينا": متعلق بـ"تعدو" و"نا" في محل جر بالإضافة. تعدو: فعل مضارع. المنية: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. أول: ظرف زمان متعلق بـ"تعدو" مبني على الضم في محل نصب.

موطن الشاهد: "أول".

وجه الاستشهاد: مجيء "أول" مبنيا على الضم؛ لحذف المضاف إليه ونية معناه؛ لأن المراد: أول الوقتين، لأن لكل وقتا يموت فيه؛ ويقدر أحدهما أسبق من الآخر.

1 هو أبو علي الفارسي، وقد مرت ترجمته.

2 أي من أول الأمر.

3 لأنه اسم تفضيل بمعنى الأسبق، أي المتقدم. ويستفاد من حكاية أبي علي الفارسي: أن "أول" له استعمالان؛ أحدهما: أن يكون اسما كقبل، والثاني: أن يكون صفة، كالأسبق، وقد تقدم ما فيه.

تنبيه: إذا قلت: سافر محمد منذ عام أول، جاز أن تعرب "عام" خبرا مرفوعا عن "منذ"، و"أول" بالرفع صفة لها، ويكون المعنى: سافر منذ عام سابق على عامنا الحالي. وجاز في "أول" النصب على أنه ظرف زمان بمعنى قبل، ويكون المعنى: منذ عام قبل العام الحالي.

4 أي اسم فاعل، وهي حينئذ معربة مضافة لفظا، لا تتعرف بالإضافة نظرا للفظها.

5 أي المشتقة، وذلك من افتقارها إلى موصوف تجري عليه، وهذا الاستعمال بالنظر لمعناها.

ص: 138

نعتا لنكرة؛ كـ"مررت برجل حسبك من رجل"؛ أي: كافٍ لك عن غيره؛ وحالا لمعرفة، كـ"هذا عبد الله حسبك من رجل"، واستعمال الأسماء؛ نحو:{حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} 1 {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} 2 "بحسبك درهم"3 وبهذا4، يرد على من زعم أنها اسم فعل، فإن العوامل اللفظية، لا تدخل على أسماء الأفعال باتفاق.

والثاني: أن تكون بمنزلة "لا غير" في المعنى: فتستعمل مفردة5؛ وهذه هي

1 58 سورة المجادلة، الآية:8.

موطن الشاهد: {حَسْبُهُمْ} .

وجه الاستشهاد: وقوع "حسب" موقع الاسم الجامد؛ وحسب: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، "وهم" مضاف إليه. و"جهنم": خبر مرفوع، ويجوز أن يكون "جهنم": مبتدأ مؤخرا؛ و"حسبهم" خبرا مقدما.

2 8 سورة الأنفال، الآية:62.

موطن الشاهد: {حَسْبَكَ} .

وجه الاستشهاد: وقوع "حسب"، موقع الاسم الجامد؛ وهي في محل نصب اسم "إن"، والكاف: في محل جر بالإضافة، ولفظ الجلالة: في محل رفع خبر "إن".

3 الباء من "بحسبك" حرف جر زائدة. وحسب: مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وضمير المخاطب مضاف إليه، ودرهم: خبر المبتدأ، ولا يجوز العكس؛ لأن "درهم" نكرة لا مسوغ للابتداء بها إذ الخبر مفرد لا جملة ولا شبه جملة.

4 المراد: أن دخول "إن" على حسبك، ودخول الباء الزائدة عليها في:"بحسبك درهم"، وتأثر "حسب" بـ"إن"؛ حتى نصبت، وبـ"الباء" حتى جرت؛ يدل دلالة واضحة على أنها ليست اسم فعل؛ لأن اسم الفعل ناب عن الفعل؛ والفعل لا تدخل عليه هذه العوامل؛ فيجب أن يكون نائبه مثله في عدم دخول هذه العوامل عليه؛ فدخول العوامل على حسب دليل على أنه ليس اسم فعل.

5 أي مقطوعة عن الإضافة لفظا، وإن نوي معنى المضاف إليه المحذوف. وفي هذا الاستعمال تبنى "حسب" على الضم، وتقع صفة للنكرة، أو حالا من المعرفة، أو مبتدأ بشرط اقترانها بالفاء الزائدة لتزيين اللفظ. تقول: إن لكل قربة جمعية تعاونية حسب، فحسب صفة لجمعية مبني على الضم في محل نصب وتقول: انصرف المنافقون حسب، أي لا غير، فحسب حال مبني على الضم في محل نصب. وتقول قرأت ثلاثة أجزاء من القرآن فحسب، فالفاء زائدة وحسب: مبتدأ مبني على الضم في محل رفع، والخبر محذوف، أي: فحسب الثلاثة مقروء، ويجوز العكس في هذا؛ =

ص: 139

حسب المتقدمة؛ ولكنها عند قطعها عن الإضافة، تجدد لها إشرابها هذا المعنى، وملازمتها للوصفية، أو الحالية، أو الابتدائية، وبناؤها على الضم1؛ تقول:"رايت رجلا حسب" و"رأيت زيدا حسب"2.

قال الجوهري3: كأنك قلت: "حسبي" أو "حسبك"، فأضمرت ذلك4، ولم تنون، ا. هـ. وتقول:"قبضت عشرة فحسب" أي فحسبي ذلك.

واقتضى كلام ابن مالك، أنها تعرف نصبًا -إذا نكرت- كقبل وبعد.

قال أبو حيان5: ولا وجه لنصبها؛ لأنها غير ظرف إلا أن نقل عنهم نصبها حالا إذا كانت نكرة، ا. هـ.

فإن أراد بكونها نكرة قطعها عن الإضافة اقتضى أن استعمالها حينئذ منصوبة شائع. وأنها كانت مع الإضافة معرفة، وكلاهما ممنوع6، وإن أراد تنكيرها مع الإضافة فلا وجه لاشتراطه التنكير حينئذ؛ لأنها لم ترد إلا كذلك7، وأيضا فلا وجه لتوقفه في تجويز انتصابها على الحال حينئذ؛ فإنه مشهور، حتى إنه مذكور في كتاب الصحاح8؛ قال: تقول: "هذا رجل حسبك من رجل" وتقول في المعرفة: "هذا

= بشرط حذف الفاء، فيكون المبتدأ هو المحذوف، تقول: المقروء حسب، أي كافيني مثلا.

1 لقطعها عن الإضافة لفظا، وقد كانت في الاستعمال الأول معربة بحسب العوامل.

2 حسب: حال من زيد مبني على الضم في محل نصب، وفيما قبله وصف لرجل كذلك، وقد حذف المضاف إليه، ونوي معناه.

3 مرت ترجمته.

4 أي حذفت المضاف إليه منهما، وأضمرته في نفسك، ولم تنون؛ لأنك نويت معناه فبنيت على الضم، كقبل وبعد.

5 مرت ترجمته.

6 أما الأول، فلأنها إذا قطعت عن الإضافة، وجب بناؤها على الضم. وأما الثاني؛ فلأنها نكرة دائما أضيفت، أو لم تضف.

7 أي إلا نكرة؛ لأن إضافتها لا تفيد التعريف، وإنما هي في تقدير الانفصال، كما يقول ابن مالك في شرح العمدة.

التصريح: 2/ 53.

8 كتاب مشهور متداول للجوهري.

ص: 140

عبد الله حسبك من رجل"، فتنصب حسبك على الحال1، ا. هـ. وأيضا، فلا وجه للاعتذار عن ابن مالك بذلك؛ لأن مراده التنكير الذي ذكره قبل وبعد، وهو: أن تقطع عن الإضافة لفظا وتقديرا2.

["عل" موافقتها "فوق" ومخالفتها لها] :

وأما "عل" فإنها توافق "فوق" في معناها، وفي بنائها على الضم، إذا كانت معرفة، كقوله3:[الكامل]

349-

وأتيت نحو بني كليب من عل4

1 فحسبك من الأول: وقعت بعد نكرة مرفوعة، فرفعت على أنها نعت لها. وفي الثاني وقعت بعد معرفة، فنصبت على أنها حال منها، وهي في الموضعين نكرة؛ لأن إضافتها لا تفيد التعريف.

2 أي: وتنصب على الظرفية، وليس المراد مطلق التنكير كما توهمه أبو حيان، وما ذكره الموضح دفاعا عن ابن مالك لا يمنع النقد، فالصواب أن يحمل قول الناظم:

وما من بعده قد ذكرا

على المجموع لا على كل فرد؛ حتى لا يرد عليه "حسب" و"عل".

التصريح: 1/ 54.

3 القائل: هو الفرزدق؛ همام بن غالب وقد مرت ترجمته.

4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت يهجو فيه جريرا وعجزه قوله:

ولقد سددت عليك كل ثنية

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 54، وشذور الذهب "49/ 151"، وشرح المفصل: 4/ 89، والعيني: 3/ 447، وهمع الهوامع: 1/ 210، والدرر اللوامع: 1/ 177، وديوان الفرزدق:723.

المفردات الغريبة: ثنية: هي العقبة، أو الجبل، أو الطريق إليهما، والجمع ثنايا. بني كليب: رهط جرير.

المعنى: لقد سددت عليك با جرير كل طريق ومنجى تسلكه؛ للمفاخرة وأتيتكم من أعلى، فألحقت بأصولكم عارا لا تستطيعون دفعه، والخلاص منه.

الإعراب: لقد: اللام موطئة للقسم، قد: حرف تحقيق. سددت: فعل ماض، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في =

ص: 141

أي: من فوقهم، وفي إعرابها إذا كانت نكرة؛ كقوله1:[الطويل]

350-

كجلمود صخر حطه السيل من عل2

أي: من شيء عال.

= محل رفع فاعل. "عليك": متعلق بـ"سد". كل: مفعول به "لسد" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. ثنية: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. وأتيت: الواو حرف عطف، أتى: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. نحو: ظرف، بني: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف. كليب: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. من: حرف جر. عل: ظرف مبني على الضم في محل جر بـ"من".

موطن الشاهد: "من عل".

وجه الاستشهاد: مجيء "عل" مبنيا على الضم؛ لكونه معرفة، حيث حذف المضاف إليه مع نية معناه؛ والتقدير: من علهم، أي: من فوقهم.

1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

مكر مفر مقبل مدبر معا

والبيت من معلقته المشهورة ومن أبيات يصف فيها فرسه، وقبله قوله:

وقد أغتدي والطير في وكناتها

بمنجرد قيد الأوابد هيكل

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 54، والأشموني: 646/ 2/ 323، وسيبويه: 2/ 309، والمحتسب: 2/ 342، وشرح المفصل: 4/ 89، والمقرب: 46، والعيني: 3/ 449، والهمع: 1/ 210، والدرر: 1/ 177، وحاشية الدمنهوري: 81، والمغني: 278/ 205، والسيوطي:155. وديوان امرئ القيس: 154.

المفردات الغريبة: مكر: عظيم الكر والهجوم، لا يسبقه غيره. مفر: سريع الفرار من الأعداء. كجلمود، الجلمود: الصخرة العظيمة الصلبة. حطه السيل: حدره وألقاه من أعلى إلى أسفل. من عل: من فوق. و"مكر" وما بعده صفة لمنجرد في البيت قبله.

المعنى: يصف الشاعر فرسه بسرعة كره على الأعداء، وشدته وسرعته بالفرار عند النجاة؛ فهو لسرعته كأنه يقبل ويدبر في وقت واحد، وهو في ذلك كصخر حدره السيل من مكان عالٍ فلا يقف في طريقه شيء.

الإعراب: مكر: صفة لـ"منجرد" في البيت السابق مجرورة، وعلامة جرها الكسرة الظاهرة. مفر: صفة ثانية لـ"منجرد" مجرورة. مقبل: صفة ثالثة لـ"منجرد" =

ص: 142

وتخالفها في أمرين: أنها لا تستعمل إلا مجرورة بمن، وأنها لا تستعمل مضافة1؛ كذا قال جماعة؛ منهم ابن أبي الربيع2؛ وهو الحق، وظاهر ذكر ابن مالك لها في عداد هذه الألفاظ: أنها يجوز إضافتها، وقد صرح الجوهري3 بذلك؛ فقال: يقال "أتيته من علِ الدارِ" بكسر اللام، أي: من عالٍ، ومقتضى قوله4:

وأعربوا نصبا إذا ما نكرا

قبلا وما من بعده قد ذكرا

أنها يجوز انتصابها على الظرفية، أو غيرها، وما أظن شيئا من الأمرين5 موجودا.

= مجرورة. مدبر: صفة رابعة لـ"منجرد" مجرورة. "معا" متعلق بـ"مقبل مدبر". "كجلمود": متعلق بمحذوف صفة لـ"منجرد"؛ أو متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف؛ والتقدير هو كجلمود، وجلمود مضاف. صخر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. حطه: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والهاء: ضمير متصل مبني على لاضم في محل نصب مفعولا به. السيل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. "من عل": متعلق بـ"حط".

موطن الشاهد: "من عل".

وجه الاستشهاد: مجيء "عل" مجرورا بـ"من"؛ لأن الشاعر قطعه عن الإضافة، ولم ينوِ لفظ المضاف إليه، ولا معناه، ولهذا أعربه، حيث لم يرد الشاعر أن الصخر ينحط من أعلى شيء خاص، وكان حقه التنوين؛ لأنه نكرة، ولكنه حذف للشعر.

1 أي لفظا، بل تستعمل مبنية على الضم لنية معنى المضاف إليه، أو منونة لقطعها عن الإضافة رأسا.

2 أبو الحسن؛ عبيد الله بن أحمد بن أبي الربيع القرشي الأموي الإشبيلي، إمام أهل النحو في زمانه، قرأ على الدباج والشلوبين، وأذن له في التصدر للقراءة، ولما استولى الفرنجة على إشبيلية جاء إلى سبتة، وقرأ بها النحو، وصنف فيه الإفصاح في شرح مسائل الإيضاح، كما شرح كتاب سيبويه، وشرح الجمل شرحا وافقا في عشر مجلدات، لم يشذ عنه مسألة في العربية، توفي سنة: 688هـ. بغية الوعاة: 1/ 319. غاية النهاية: 1/ 484، الأعلام: 4/ 191.

3 مرت ترجمته.

4 هذا من كلام ابن مالك في الألفية.

5 أي: جواز إضافتها، وجواز نصبها على الظرفية أو غيرها كالحالية، وأما قول الجوهري: يقال: "أتيته من على الدار" بالإضافة، فهو سهو كما في الشذور.

التصريح: 2/ 54.

ص: 143

وإنما بسطت القول قليلا في شرح هاتين الكلمتين، لأني لم أر أحدا وفاهما حقهما من الشرح، وفيما ذكرته كفاية والحمد لله.

[جواز حذف ما علم من مضاف أو مضاف إليه] :

فصل: يجوز أن يحذف ما علم من مضاف ومضاف إليه.

[حكم ما إذا كان المضاف هو المحذوف] :

فإن كان المحذوف المضاف1؛ فالغالب أن يخلفه في إعرابه2 المضاف إليه؛ نحو: {وَجَاءَ رَبُّكَ} 3؛ أي: أمر ربك، ونحو:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 4؛ أي: أهل القرية.

1 يشترط لجواز حذف المضاف شرطان، أحدهما أن يقوم دليل على المحذوف، لئلا يقع اللبس، فلو قلت: جلست زيدا. تريد جلست جلوس زيد، لم يصح ذلك؛ لأنه ليس في الكلام ما يدل على الجلوس المقدر، والكلام يحتمل ما زعمت أنك تريده، ويحتمل أن يكون التقدير: جلست إلى زيد، فحذف حرف الجر، فانتصب الاسم الذي كان مجرورا، والشرط الثاني: أن يكون المضاف إليه مفردا لا جملة؛ لأنه لو كان المضاف إليه جملة لم يستدل على المحذوف، ولم تصح إقامة المضاف إليه مقام المضاف المحذوف.

حاشية يس على التصريح: 2/ 55، والهمع: 2/ 51.

2 فيكون فاعلا في مكانه، ومفعولا، ومبتدأ وخبرا، وظرفا، وحالا

إلخ، وكذلك في باقي أحكامه، كالتذكير والتأنيث والإفراد والتنكير

إلخ.

3 89 سورة الفجر، الآية:22.

موطن الشاهد: {وَجَاءَ رَبُّكَ} .

وجه الاستشهاد: مجيء المضاف محذوفا؛ للعلم به، ونيابة المضاف إليه منابه في إعرابه؛ لأن التقدير: وجاء أمر ربك؛ فلما حذف المضاف؛ وهو فاعل، حل محله المضاف إليه، وأعرب إعرابه على الفاعلية؛ وحكم هذا الحذف جائز باتفاق.

4 12 سورة يوسف، الآية:82.

موطن الشاهد: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} .

وجه الاستشهاد: مجيء المضاف محذوفا؛ للعلم به، ونيابة المضاف إليه منابه في إعرابه؛ لأن التقدير: واسأل أهل القرية؛ فلما حذف المضاف؛ وهو مفعول به؛ حل محله المضاف إليه، وأعرب إعرابه على المفعولية؛ وحكم هذا الحذف جائز باتفاق.

ص: 144

وقد يبقى على جره؛ وشرط ذلك في الغالب: أن يكون المحذوف معطوفا، على مضاف بمعناه1؛ كقولهم:"ما مثل عبد الله ولا أخيه يقولان ذلك"2 أي: ولا مثل أخيه؛ بدليل قولهم: "يقولان" بالتثنية3؛ وقوله4: [المتقارب]

351-

أكل امرئ تحسبين امرأ

ونار توقد بالليل نارا5

1 أي: يماثله لفظا ومعنى فقط، أو يقابله بأن يكون ضده أو نقيضه، ليكون المعطوف عليه دليلا على المحذوف. ويشترط كذلك أن يكون حرف العطف متصلا بالمضاف إليه، أو منفصلا منه "بلا" النافية.

2 فـ"أخيه" مجرور بإضافة "مثل" المحذوفة إليه، وهي معطوفة على "مثل" المذكورة.

3 أي: نظرا إلى المذكور والمحذوف، ولو كان "أخيه" معطوفا على "عبد الله" لكان العامل فيهما واحدا وهو "مثل"، وكان يجب أن يقال: يقول بالإفراد؛ لأنه خبر لاسم "ما" وهو مفرد.

4 القائل: هو أبو دؤاد الإيادي؛ حارثة بن الحجاج. وقد مرت ترجمته.

5 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 2/ 56، والأشموني: 651/ 2/ 325، وابن عقيل: 238/ 3/ 77، وسيبويه: 2/ 33، والكامل: 163، 498، وأمالي ابن الشجري: 1/ 296، والإنصاف: 743، وشرح المفصل: 3/ 26، 79، 5/ 142، 8/ 52، 9/ 105، والمقرب: 51، والخزانة: 2/ 253 عرضا، والهمع: 2/ 52، والدرر: 2/ 65، والمغني: 537/ 382، والسيوطي:239. وديوان أبي دؤاد: 353.

المفردات الغريبة: تحسبين: تظنين. توقد: تتوقد وتشتعل.

المعنى: أتظنين كل شخص جديرا بأن يسمى رجلا؟ وكل نار تشتعل تسمى نارا، إنما الخليق باسم الرجل هو من اكتملت فيه صفات الرجولة الكريمة، والنار الجديرة بهذا الاسم، هي النار التي توقد للخير والقرى.

الإعراب: أكل: الهمزة حرف استفهام، لا محل له من الإعراب، كل: مفعول به أول لفعل "تحسبين" الآتي تقدم عليه، وهو مضاف. امرئ: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. تحسبين: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والياء ضمير متصل في محل رفع فاعل. امرأ: مفعول به ثان لـ"تحسبين" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. ونار: الواو عاطفة، نار مجرور بإضافة اسم يقع معطوفا بالواو على المفعول الأول؛ وتقدير الكلام: وتحسبين كل نار. يوقد: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي؛ وجملة "توقد": في محل جر صفة لـ"نار". "بالليل": متعلق =

ص: 145

أي: وكل نار؛ لئلا يلزم العطف على معمولي عاملين1.

ومن غير الغالب قراءة ابن جماز2: {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} 3؛ أي: عمل الآخرة، فإن المضاف ليس معطوفا؛ بل المعطوف جملة فيها المضاف4.

= بـ"توقد". نارا: اسم معطوف على "امرأ" المنصوب الواقع مفعولا ثانيا لـ"تحسبين"، والمعطوف على المنصوب منصوب مثله.

موطن الشاهد: "ونار".

وجه الاستشهاد: مجيء الواو عاطفة، و"نار" مجرورة على أنها مضاف إليه لـ"كل" محذوفة، معطوفة بالواو على كل المذكورة، وهذا هو الوجه الأقرب. ويمكن أن تكون مجرورة بإضافة مفعول أول محذوف لفعل محذوف؛ والتقدير: وتحسبين كل نار.

1 أي: إنما جعل المعطوف محذوفا، ولم يعطف "نار" الأولى على امرئ المعمول لكل، و"نار" الثانية على امرأ المعمول لتحسبين؛ لئلا يلزم عطف معمولين وهما "نار" المجرورة والمنصوبة على معمولين، وهما: امرئ وامرأ، لعاملين مختلفين وهما:"كل" و"تحسبين" بعاطف واحد وهو الواو، وذلك لا يجوز عند سيبويه والمبرد وابن السراد وهشام؛ لأن العاطف نائب عن العامل، والعامل الواحد لا يعمل جرا ونصبا، ولا يقوى أن ينوب عن عاملين. أما على حذف "كل" فيكون العطف على معمولي عامل واحد، وهو تحسبين، وذلك جائز.

هذا وقد خالفهم في ذلك: الأخفش والكسائي والفراء والزجاج، وذهبوا إلى جوازه. مغني اللبيب: 632-633، والتصريح:256.

2 هو أبو الربيع، سليمان بن مسلم بن جماز الزهري المدني، كان مقرئا جليلا وضابطا محسنا من أفاضل رواة أبي جعفر أحد القراء العشرة المشهورين توفي سنة: 70هـ.

3 8 سورة الأنفال، الآية:67.

أوجه القراءات: قرأ ابن جماز الزهري: والله يريد "الآخرة" بجر الآخرة على تقدير حذف مضاف؛ أي: يريد عمل الآخرة؛ وعلى هذا؛ فعمل المحذوف، ليس معطوفا وحده؛ بل المعطوف جملة من مبتدأ وخبر فيها المضاف "وعمل" على جملة فعلية؛ فيها مضاف غير مماثل للمحذوف؛ والأصل -على هذه القراءة- تريدون عرض الدنيا والله يريد عمل الآخرة. التصريح: 2/ 56.

موطن الشاهد: {يُرِيدُ الْآخِرَةَ} .

وجه الاستشهاد: بقاء المضاف إليه مجروروا على أصله بعد حذف المضاف "عمل"؛ وهذا قليل.

4 هذا: وقد يحذف أكثر من مضاف، فيقوم الأخير مقام الأول، فمثال حذف مضافين =

ص: 146

[حكم ما إذا كان المحذوف المضاف إليه] :

وإن كان المحذوف المضاف إليه؛ فهو على ثلاثة أقسام؛ لأنه تارة يزول من المضاف ما يستحقه من إعراب وتنوين ويبنى على الضم؛ نحو: "ليس غير"، ونحو:{مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 1، كما مر؛ وتارة يبقى إعرابه، ويرد إليه تنوينه؛ وهو الغالب؛ نحو:{وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ} {أَيًّا مَا تَدْعُوا} 3؛ وتارة يبقى إعرابه، ويترك

= قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} ، فإن الأصل: وتجعلون، بدل "شكر رزقكم" تكذيبكم، فحذف:"بدل، وشكر"، وكلاهما مضاف، وقام "رزق" مقام الأول. ومثال حذف ثلاثة قوله تعالى:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} . أصله: فكان الرسول صلى الله عليه وسلم من جبريل قدر مسافة قرب قاب قوسين. فحل المضاف إليه الأخير: وهو "قاب" محل الأول وهو "قدر".

وإذا حذف المضاف -بعد استيفاء شروط حذفه- جاز عدم الالتفات إليه عند عود الضمائر ونحوها، مما يقتضي المطابقة، كالتعريف والتنكير والإفراد وغير ذلك. وجاز مراعاته كأنه موجود. وقد اجتمع الأمران في قوله تعالى:{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ، الأصل: وكم من أهل قرية، فرجع الضمير "ها" مؤنثا إلى القرية، ورجع الضمير "هم" مذكرا إلى "أهل" المحذوف. الأشموني: 2/ 324.

1 30 سورة الروم، الآية:4.

موطن الشاهد: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} .

وجه الاستشهاد: بناء كل من "قبل" و"بعد" على الضم؛ لانقطاعه عن الإضافة، بعد حذف المضاف إليه؛ وكلاهما في محل جر بمن، كما أسلفنا.

2 25 سورة الفرقان، الآية:39.

موطن الشاهد: "كلا".

وجه الاستشهاد: انتصاب "كلا" وتنوينه؛ لأنه حذف المضاف إليه، ولم يُنْوَ لفظه، ولا معناه، ورد إليه التنوين؛ الذي حذف للإضافة؛ لأنه رجع إلى حالته الإعرابية قبلها.

3 17 سورة الإسراء الآية: 110.

موطن الشاهد: {أيًّا} .

وجه الاستشهاد: انتصاب "أيا" -وهو من أسماء الشرط-؛ لانقطاعه عن الإضافة؛ ولم ينو لفظ المضاف إليه، ولا معناه، ورد إليه التنوين: الذي حذف للإضافة، كما في الآية السابقة.

ص: 147

تنوينه1، كما كان في الإضافة، وشرط ذلك في الغالب أن يعطف عليه اسم عامل في مثل المحذوف؛ وهذا العامل إما مضاف؛ كقولهم:"خذ ربع ونصف ما حصل"2، أو غيره؛ كقوله3:[الرجز]

352-

بمثل أو أنفع من وبل الديم4

1 وذلك إذا حذف المضاف إليه، ونوي ثبوت لفظه، فلا يتغير إعراب المضاف، ولا يرد إليه ما حذف للإضافة، كالتنوين والنون إن كان مثنى أو مجموعا.

2 ذهب النحاة في تخريج هذا المثال مذهبين:

الأول: أن هذا المثال من باب حذف المضاف إليه، وإبقاء المضاف على حاله الذي كان يستحقه حين الإضافة؛ وأصل الكلام على هذا المذهب: خذ ربع ما حصل ونصف ما حصل؛ بإضافة ربع إلى اسم موصول، وإضافة نصف إلى اسم موصول مشبه للاسم الموصول الأول، فحذفوا الاسم الموصول الأول الذي أضيف إليه ربع وصلته؛ لدلالة الاسم الموصول الثاني وصلته عليه، وأبقوا المضاف على إعرابه وترك تنوينه؛ لأن المضاف إليه المحذوف منوي الثبوت، وهذا مذهب المبرد واختاره ابن مالك وابن هشام تبعا له.

الثاني: أن هذا المثال ونحوه من باب الفصل بين المضاف والمضاف إليه؛ وأصل الكلام على هذا خذ ربع ما حصل ونصفه، ثم أقحم ونصفه بين المضاف "ربع"؛ والمضاف إليه "ما حصل" فصار الكلام خذ ربع ونصفه ما حصل، ثم حذف الضمير فصار: خذ ربع ونصف ما حصل. وإنما حذفوا الضمير إصلاحا للفظ، وهذا مذهب سيبويه والجمهور، والمذهب الأول أقرب مأخذا من هذا، ومثل هذا المثال قولهم: قطع الله يد ورجل من قالها، وقول الفرزدق:

يا من رأى عارضا أسر به

بين ذراعي وجبهة الأسد

انظر التصريح: 2/ 56-57، الأشموني: 2/ 326، سيبويه: 1/ 92.

3 لم ينسب إلى قائل معين.

4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من الرجز وصدره قوله:

علقت آمالي فعمت النعم

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 57، والعيني: 3/ 451.

المفردات الغريبة: علقت: وصلت. آمالي: جمع أمل، وهو ما يطمع فيه المرء =

ص: 148

ومن غير الغالب؛ قولهم: "ابدأ بذا من أول"، بالخفض من غير تنوين1، وقراءة بعضهم:{فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} 2؛ أي: فلا خوف شيء عليهم3.

= ويرجوه. وبل، الوبل: المطر الغزير كالوابل. الديم: جمع ديمة، وهي المطر الدائم لا رعد فيه ولا برق.

المعنى: وصلت آمالي وما أرجوه في الحياة، ووضعتها بين يدي رجل أسبغ علي نعمه وعمني بفضله، فكان مثل الغيث العميم، أو أكثر منه نفعا.

الإعراب: علقت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. آمالي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم؛ والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. فعمت: الفاء عاطفة، عم: فعل ماض، والتاء: للتأنيث. النعم: فاعل مرفوع، وسكن لضرورة الشعر. "بمثل": متعلق بـ"علق"، و"مثل" مضاف إلى محذوف يدل عليه المذكور بعده، والتقدير: بمثل وابل الديم. أو: حرف عطف. أنفع: اسم معطوف على مثل، مجرور وعلامة جره الفتحة بدل الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف. "من وابل": متعلق بـ"أنفع"، ووابل مضاف. الديم: مضاف إليه مجرور، وسكن لضرورة الشعر.

موطن الشاهد: "بمثل".

وجه الاستشهاد: حذف المضاف إليه بعد مثل؛ لدلالة "وابل الديم" عليه؛ والتقدير: بمثل وابل الديم، أو أنفع من وابل الديم.

1 أي: على نية لفظ المضاف إليه، والتقدير: من أول الأمر. حكى ذلك أبو علي الفارسي.

2 5 سورة المائدة، الآية:69.

أوجه القراءات: قرأ ابن محيصن: "فلا خوف" بالرفع من غير تنوين، وقرأ ابن يعقوب:"فلا خوف" بالفتح من غير تنوين على الإعمال؛ وقرأ الجمهور: "فلا خوف عليهم" بالرفع والتنوين.

أوجه القراءات: قراءة الرفع -من غير تنوين- على أن "لا" مهملة، أو عاملة عمل ليس؛ وقراءة الفتح: على أن "لا" عاملة عمل "إن".

موطن الشاهد: {فَلا خَوْفٌ} .

وجه الاستشهاد: حذف المضاف إليه -على هذه القراءة- مع نية لفظ المضاف إليه؛ والتقدير: فلا خوف شيء عليهم؛ وذلك على تقدير الفتحة إعرابا، وأما إن قدرت بناء فلا شاهد في الآية على هذه القراءة.

3 "خوف" بالضم بلا تنوين على أن "لا" مهملة، أو عاملة عمل ليس، وبالفتح على أن =

ص: 149

.................................................

= "لا" عاملة عمل "إن"، فإن قدرت الفتحة إعرابا ففيه الشاهد، وإن قدرت بناء فلا. وقد يحذف المضاف إليه ويبقى المضاف على حاله؛ إذا كان معطوفا على مضاف إلى مثل المحذوف، عكس الصورة المذكورة. ومنه الحديث: عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -سبع غزوات، أو ثمانيَ- بفتح الياء بلا تنوين، أي ثماني غزوات. ويقتصر في هذا على السماع. الأشموني: 2/ 326.

فائدة: اعلم أن حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه قد يكون قياسيا، وقد يكون سماعيا، فأما السماعي فضابطه أن يكون المضاف إليه الباقي صالحا لأن ينسب إليه ما كان منسوبا للمضاف المحذوف قبل الحذف كما في قول عمر بن أبي ربيعة:

لا تلمني عتيق حسبي الذي بي

إن بي يا عتيق ما قد كفاني

فأراد عمر أن يقول: لا تلمني يابن أبي عتيق غير أن وزن الشعر لم يمكنه من أن يقول ذلك، وعتيق الذي كان مضافا إليه قبل الحذف صالح لأن ينادى، وينهى عن ترك اللوم.

وأما القياسي، فضابطه العام أن يكون المضاف إليه الباقي غير صالح في نفسه لأن يُنسب إليه العامل الذي كان منسوبا قبل الحذف إلى المضاف، وهذا الجنس يقع في كثير من مواقع الإعراب منها:

أ- أن يكون المضاف قبل الحذف فاعلا كما في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} ، والتقدير: وجاء أمر ربك؛ لأن نسبة المجيء إلى الله تعالى لما تقتضيه من المكانية والانتقال مستحيلا.

ب- أن يكون المضاف قبل حذفه مبتدأ في الحال، أو في الأصل، كما في قوله تعالى:{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} ، والتقدير: ولكن أهل البر من آمن. وكقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، والتقدير: زمن الحج أشهر.

ح- أن يكون المضاف قبل حذفه خبر مبتدأ، كقول الشاعر:

وشر المنايا ميت وسط أهله

والتقدير: وشر المنايا منية ميت وسط أهله، وقد تحتمل الآيتان في الموضع الثاني هذا الوجه فيكون تقدير الأولى: ولكن البر بر من آمن. ويكون تقدير الثانية: الحج حج أشهر معلومات.

د- أن يكون المضاف مفعولا به قبل الحذف، كقوله تعالى:{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} ، والتقدير: وأشربوا في قلوبهم حب العجل.

هـ- أن يكون المضاف قبل حذفه مفعولا مطلقا، كقول الأعشى:

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا

وبت كما بات السليم مسهدا

=

ص: 150

[الفصل بين المتضايفين] :

فصل: زعم كثير من النحويين: أنه لا يفصل بين المتضايفين إلا في الشعر1؛ والحق أن مسائل الفصل سبع؛ منها ثلاث جائزة في السعة2:

= والتقدير: ألم تغتمض عيناك اغتماض ليلة أرمدا.

و أن يكون المضاف قبل حذفه مفعولا فيه، كقولهم:"جاءنا طلوع الشمس" والتقدير: جاءنا وقت طلوع الشمس. وكقولهم: "حدث هذا إمارة الحجاج" والتقدير: حدث هذا زمن إمارة الحجاج.

ز- أن يكون المضاف قبل حذفه مفعولا معه، كقولك:"جاء زيد والشمس" والتقدير: جاء زيد وطلوع الشمس.

ح- أن يكون المضاف قبل حذفه حالا، كما في المثل:"تفرقوا أيدي سبأ" والتقدير: تفرقوا مثل أيدي سبأ.

ط- أن يكون المصاف قبل حذفه مجرورا بحرف جر، كقوله تعالى:{تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} ، والتقدير: تدور أعينهم كدوران عين من يغشى عليه.

ي- أن يكون المضاف قبل الحذف مجرورا بإضافة شيء إليه، كقول النابغة: ولا يحول عطاء اليوم دون غد.

ك- أن يكون المضاف قبل حذفه مفعولا لأجله، كقولك:"زرنا الشيخ فضله" والمراد: زرنا الشيخ ابتغاء فضله وهذا الموضع ذكره ابن الخباز.

انظر المغني: 811، أوضح المسالك: 3/ 174-176.

1 ذلك لأن المضاف إليه بمنزلة الجزء من المضاف، فكما لا يفصل بين أجزاء الاسم، لا يفصل بينه وبين ما نزل منزلة الجزء منه؛ وهذا رأي البصريين، وهو رأي حسن؛ لأن الفصل بين المتضايفين يُبعد المعنى عن الذهن، ويحتاج إلى تفكير لفهمه، ولا بد من قرينة تدل على ذلك، ومما جاء من الفصل بين المتضايفين في الشعر قول عمرو بن قميئة:

لما رأت ساتيذما استعبرت

لله در اليوم من لامها

فـ"در" -في البيت- مضاف إلى "من لامها"، وقد فصل بينهما بالظرف اليوم و"ساتيذما" اسم جبل، استعبرت: بكت.

انظر التصريح: 2/ 57، سيبويه: 1/ 90.

2 وضابطها أن يكون المضاف؛ إما اسما يشبه الفعل والفاصل بينهما معمول للمضاف منصوب، أو اسما لا يشبه الفعل والفاصل القسم.

ص: 151

[المسائل التي يجوز الفصل فيها في سعة الكلام] :

إحداها: أن يكون المضاف مصدرا والمضاف إليه فاعله، والفاصل إما مفعوله؛ كقراءة ابن عامر1:"قتلُ أولادَهم شركائِهم"2، وقول الشاعر3:[الطويل]

353-

فسقناهم سوق البغاث الأجادل4

1 مرت ترجمته.

2 6 سورة الأنعام، الآية:137.

أوجه القراءات: قرأ ابن عامر: "زُين لكثيٍر قتلُ أولادَهم شركائهم"، وقرأ الجمهور:{زَيَّنَ} بفتح الزاي والياء؛ وروي -أيضا- عن ابن عامر أنه قرأ: "زُين" بضم الزاي، ورفع "قتل"، وخفض "الأولاد"؛ فيصير الشركاء اسما للأولاد؛ لمشاركتهم الآباء في النسب والميراث والدين. انظر البحر المحيط: 4/ 229، وإعراب القرآن، للنحاس، وتفسير القرطبي: 7/ 91-92.

أوجه القراءات: من قرأ "زُين" بالبناء للمجهول، ورفع "قتل" على أنه نائب فاعل، ورفع "شركاء" حملا على المعنى، كأنه قيل: من زينه لهم؟ قيل: شركاؤهم؛ وأضيفت "الشركاء" إليهم؛ لأنهم هم استخرقوها وجعلوها شركاء الله؛ تعالى الله عن ذلك؛ فباستخراقهم لها أضيفت إليهم.

ومن قرأ هذه القراءة، ونصب "الأولاد" وخفض الشركاء بإضافة القتل إليهم؛ فهي قراءة بعيدة لما سيأتي.

موطن الشاهد: "قتلُ أولادَهم شركائِهم".

وجه الاستشهاد: رفع "قتلُ" على أنه نائب فاعل، لـ"زُين" وجر "شركائهم" على إضافة "قتل" إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله، باعتبار أمرهم به، ونصب "أولادهم" على أنه مفعول به؛ وقد فصل بين المتضايفين؛ وقال بعضهم: والفصل في هذا حسن. التصريح: 2/ 57.

3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

عتوا إذ أجبناهم إلى السلم رأفة.

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 57، والأشموني: 655/ 2/ 327، والعيني: 3/ 465.

المفردات الغريبة: عتوا: من العتو، وهو مجاوزة الحد. السلم "بكسر السين =

ص: 152

وإما ظرفه؛ كقول بعضهم: "ترك يوما نفسك وهواها"1.

= وفتحها": الصلح: البغاث "بفتح الباء بزنة السحاب وبكسرها بزنة الكتاب وبضمها بزنة الغراب": طائر ضعيف يصاد ولا يصيد ولا نفع له. الأجادل: جمع أجدل، وهو الصقر.

المعنى: أن أعداءنا تكبروا، وطغوا، وأفسدوا، لما رحمناهم وسالمناهم وصالحناهم رأفة بهم، ولما بدر منهم ذلك لم نر بدا من أن نطاردهم ونأخذهم بالقسوة والشدة، فسقناهم أمامنا كما تسوق كواسر الطير -الأجادل- الطيور الضعيفة كالبغاث منها.

الإعراب: عتوا: عتا: فعل ماض، مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف للتفريق. "إذ": متعلق بـ"عتوا"، ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب. أجبناهم: فعل ماضٍ مبني على السكون، و"نا" ضمير متصل في محل رفع فاعل، و"هم": ضمير متصل في محل نصب مفعول به؛ وجملة "أجبناهم": في محل جر بالإضافة: "إلى السلم": متعلق بـ"أجاب". رأفة: مفعول لأجله منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. فسقناهم: الفاء عاطفة، ساقه: فعل ماض، و"نا" فاعله، و"هم" مفعوله. سوق: مفعول مطلق، مبين للنوع منصوب بـ"ساق"، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. الأجادل: مضاف إليه مجرور من إضافة المصدر إلى فاعله. البغاث: مفعول به للمصدر سوق؛ وقد فصل بهذا المفعول بين المصدر "سوق"، وفاعله "الأجادل".

موطن الشاهد: "سوق البغاث الأجادل".

وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "سوق"، والمضاف إليه "الأجادل" فاعل المصدر بالمفعول "البغاث" لأن التقدير: سوق الأجادل البغاث، ومثل هذا البيت قول الشاعر:

"ترك يوما نفسك وهواها سعي لها في رداها"

فقوله: "زد" مصدر أضيف على فاعله "أبي مزاده"، وقد فصل بين المضاف والمضاف إليه بمفعول المصدر "القلوص".

1 نصيحة نثرية، وهي بتمامها:

"ترك يوما نفسك وهواها سعي لها في رداها"

ترك: مصدر مبتدأ. يوما: ظرف منصوب به، وقد فصله من المضاف إليه، وهو نفسك الواقع فاعلا للمصدر، ومفعوله محذوف. وهواها: مفعول معه، أي: ترك نفسك شأنها يوما مع هواها. سعي: خبر المبتدأ. ويجوز أن يكون المصدر مضافا إلى مفعوله والفاعل محذوف، أي: تركك نفسك.

ص: 153

الثانية: أن يكون المضاف وصفا1، والمضاف إليه إما مفعوله2 الأول، والفاصل مفعوله الثاني؛ كقراءة بعضهم:"فلا تحسبن الله مخلف وعدَه رسلِه"3، وقول الشاعر4:[الكامل]

354-

وسواك مانع فضله المحتاج5

1 اسم فاعل بمعنى الحال، أو الاستقبال.

2 لم يأت المصنف لـ"إما" هذه بمقابل، والصواب تأخيرها بعد كلمة "الفاصل"؛ لأن التنويع فيه، وأن يقول: والفاصل إما مفعوله الثاني؛ لأنه قد عادل ذلك؛ بقوله: أو ظرفه.

3 14 سورة إبراهيم، الآية:47.

موطن الشاهد: "مخلف وعدَه رسلِه".

وجه الاستشهاد: وقوع "مخلف" اسم فاعل متعدٍّ لاثنين، وهو مضاف، و"رسله" مضاف إليه، من إضافة الوصف إلى مفعوله الأول، و"وعده" مفعوله الثاني؛ وفصل به بين المضاف والمضاف إليه؛ والأصل: فلا تحسبن الله مخلف رسله وعده.

انظر التصريح: 2/ 58.

4 لم ينسب البيت إلى قائل معين.

5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

ما زال يوقن من يؤمك بالغنى

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 58، والأشموني: 658/ 2/ 327، والعيني: 3/ 469.

المفردات الغريبة: يوقن: يعلم علما لا شك فيه. يؤمك: يقصدك. المحتاج: الذي به حاجة إلى غيره.

المعنى: أن من يقصدك طالبا معروفك ونداك يعلم علما لا يخالطه شك أنك ستغنيه وتجيب سؤله، وأما غيرك فيمنع المحتاجين فضله ووفرة ماله.

الإعراب: ما زال: ما: نافية، زال: فعل ماضٍ ناقص. يوقن: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو يعود إلى اسم زال المتأخر، وجملة "يوقن": في محل نصب خبر "زال" تقدم على اسمه. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع اسم "زال" تأخر عن الخبر. يؤمك: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعولا به، وجملة "يؤمك": صلة للموصول لا محل لها من الإعراب. بالغنى: متعلق بـ"يوقن". وسواك: الواو عاطفة، سوى: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة =

ص: 154

أو ظرفه؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: "هل أنتم تاركو لي صاحبي" 1، وقول الشاعر2:[الطويل]

355-

كناحت يوما صخرة بعسيل3

= المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف، والكاف في محل جر مضاف إليه. مانع: خبر مرفوع، وهو مضاف. المحتاج: مضاف إليه. فضله: مفعول به لمانع، وهو مضاف، والهاء: في محل جر مضاف إليه.

موطن الشاهد: "مانع فضله المحتاج".

وجه الاستشهاد: مجيء مانع اسم فاعل من فعل "منع" الذي يتعدى إلى مفعولين، وقد اضاف الشاعر هذا العامل إلى مفعوله الأول "المحتاج"؛ وفصل بينهما بالمفعول الثاني "فضله"؛ لأن الأصل: وسواك مانع المحتاج فضله.

1 هذا جزء من حديث شريف رواه أبو الدرداء، قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حين وقع خلاف بين أبي بكر وبعض الصحابة؛ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"فهل أنتم تاركو لي صاحبي".

والحديث أخرجه البخاري: 7/ 18، وجامع الأصول: 8/ 592 برواية "تاركون".

موطن الشاهد: "تاركو لي صاحبي".

وجه الاستشهاد: وقوع "تاركو" -جمع تارك- اسم فاعل من "ترك"، وهو مضاف إلى مفعوله "صاحبي"؛ بدليل حذف النون من "تاركو"، و"لي": جار ومجرور متعلق بـ"تاركو"، وقد فصل به بين المضاف والمضاف إليه؛ لأن الأصل: هل أنتم تاركون صاحبي لي.

انظر التصريح: 2/ 58.

2 لو يُنسب البيت إلى قائل معين.

3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

فرشني بخير لا أكونن ومدحتي

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 58، والأشموني: 659/ 2/ 328، والعيني: 3/ 481، والهمع: 2/ 52، والدرر: 2/ 66، واللسان "عسل".

المفردات الغريبة: رشني: فعل أمر: من راش السهم، ألزق عليه الريش لتقويته، والمراد: قوني وأصلح شأني. بعسيل، العسيل: مكنسة العطار التي يجمع بها العطر.

المعنى: يخاطب الشاعر من يستجديه، ويطلب عونه قائلا: قوني وأصلح لي شأني، ولا تبخل علي وتخيب آمالي فيك، حتى لا أكون في مدحي لك، وثنائي عليك كمن ينحت الصخر بمكنسة العطار؛ والمراد أن جودة شعره في مدحه لم تؤثر فيه.

الإعراب: فرشني: الفاء استئنافية، رش: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير =

ص: 155

الثالثة: أن يكون الفاصل قسما؛ كقولك: "هذا غلام والله زيد"1.

[المسائل التي تختص بالشعر] :

والأربع الباقية تختص بالشعر:

إحداها: الفصل بالأجنبي، ونعني به معمول غيره المضاف؛ فاعلا كان؛ كقوله2:[المنسرح]

= مستتر وجوبا تقديره: أنت، والنون للوقاية، والياء: مفعول به. "بخير": متعلق بـ"رش". لا أكونن: لا: نافية، أكونن: فعل مضارع ناقص، مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والنون: لا محل لها من الإعراب، واسم أكون ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره "أنا". ومدحتي: الواو واو المعية، مدحة: مفعول معه منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، و"مدحة" مضاف و"ياء المتكلم" مضاف إليه.

"كناحت": متعلق بمحذوف خبر أكون، و"ناحت" مضاف، و"صخرة" مضاف إليه مجرور من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. "يوما" متعلق بـ"ناحت"، وقد فصل بالظرف بين المضاف "ناحت" والمضاف إليه "صخرة". "بعسيل": متعلق بـ"ناحت".

موطن الشاهد: "كناحت يوما صخرة".

وجه الاستشهاد: مجيء "ناحت" اسم فاعل مضاف إلى مفعوله "صخرة"، وقد فصل بينما بالظرف "يوما" كما بينا في الإعراب.

1 بجر "زيد" بإضافة "غلام" إليه. وقد ذكر الكسائي عن العرب أنهم يقولون ذلك. وحكى أبو عبيده عن العرب قولهم: إن الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربها.

ومن مواضع الفصل اختيارا، وزاده ابن مالك في الكفاية؛ الفصل بـ"إما" كقول تأبط شرا:

هما خطتا إما إسار ومنة

وإما دم والقتل بالحر أجدر

أي: هما خطتا إسار. وقد حذفت نون المثنى المضاف وفصل بينهما بإما. والخطة: الحالة والطريقة. وإسار: أي: أسر ووقوع في يد العدو. ومنة: أي: امتنان وعفو بإطلاق السراح. أي: أن الخطتين المعلومتين من السياق، هما: خطتا أسر وامتنان إن رأيتم العفو، أو قتل وهو أولى بالحر، وهذا تهكم واستهزاء.

وقد حكى ابن الأنباري: هذا غلام إن شاء الله أخيك، ففصل بإن شاء الله. هذا: ويشترط في الفصل مطلقا: ألا يكون المضاف إليه ضميرا؛ لأنه لا يفصل من عامله. الأشموني: 2/ 328-329، والتصريح: 2/ 58، والإنصاف.

2 القائل: هو الأعشى ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته.

ص: 156

356-

أنجب أيام والده به

إذ نجلاه فنعم ما نجلا1

أو مفعولا؛ كقوله1: [البسيط]

357-

تسقي امتياحا ندى المسواك ريقتها2

أي: تسقي ندى ريقتها المسواك.

1 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة في مدح سلامة ذا فائش الحميري، هو من شواهد: التصريح: 2/ 58، والأشموني: 661/ 2/ 328، والمحتسب: 1/ 152، وأسرار البلاغة: 380، ومعاهد التنصيص: 1/ 253، وديوان الأعشى:157.

المفردات الغريبة: أنجب: من أنجب الرجل -ولد ولدا نجيبا. نجلاه: ولداه.

المعنى: أن والدي هذا المولود أتيا بولد نجيب حين ولداه، فنعم المولود الذي أنجباه.

الإعراب: أنجب: فعل ماضٍ مبني على الفتح. "أيام": متعلق بـ"أنجب" منصوب. والداه: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. "به": متعلق بـ"أنجب". إذ: ظرف زمان مضاف إليه لأيام؛ من إضافة العام إلى الخاص وقد فصل بينهما بأجنبي من المضاف، وهو "والداه" الواقع فاعلا لأنجب. نجلاه: فعل ماضٍ مبني على الفتح، وألف الاثنين في محل رفع فاعل والهاء في محل نصب مفعولا به، وجملة "نجلاه" في محل جر بالإضافة بعد "إذ". فنعم: نعم: فعل ماضٍ لإنشاء المدح، ما: اسم موصول في محل رفع فاعل نعم. نجلا: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والألف في محل رفع فاعل، وجملة "نجلا": صلة للموصول لا محل لها من الإعراب، والعائد إلى الاسم الموصول ضمير منصور بـ"نجلا" محذوف، وتقدير الكلام: فنعم الذي نجلا؛ وهذا هو الوجه الأرجح.

موطن الشاهد: "أنجب أيام والداه به إذ نجلا".

وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "أيام"، والمضاف إليه "إذ نجلا"؛ حيث إن "إذ" ظرف زمان أضيف إلى أيام، والفاصل بينهما أجنبي ليس معمولا للمضاف، وهذا الفاصل "والداه" فاعل أنجب، ولا علاقة له بالمضاف؛ لأن أصل البيت أنجب والده به أيام إذ نجلاه فنعم ما نجلا؛ وفي البيت أيضا فصل بالجار والمجرور "به"؛ وهذا يدل على جواز الفصل بأكثر من معمول أجنبي للضرورة.

1 القائل هو: جرير بن عطية، وقد مرت ترجمته.

2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

كما تضمن ماء المزنة الرصف

=

ص: 157

أو ظرفا؛ كقوله1: [الوافر]

= والبيت من قصيدة يمدح فيها يزيد بن عبد الملك بن مروان ويذم آل المهلب، وقبله قوله:

ما ستوصف الناس عن شيء يروقهم

إلا أرى أم عمرو فوق ما وصفوا

كأنهم مزنة غراء واضحة

أو درة لا يواري ضوءها الصدف

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 58، والأشموني: 662/ 2/ 328، والعيني: 3/ 374، والهمع: 2/ 52، والدرر: 2/ 66، وديوان جرير:386.

المفردات الغريبة: امتياحا: مصدر امتاح، أي غرف الماء، والمراد هنا الاستياك. الندى: البلل. المسواك: العود الذي يستاك به. ريقتها؛ الريقة: الرضاب، وهو ماء الفم. المزنة: السحابة البيضاء. الرصف: الحجارة المرصوفة، والمفرد رصفة.

المعنى: أن أم عمرو تسقي من رضاب فمها المسواك الذي تستاك به فيشتمل على ريقها العذب الصافي كما تشتمل الحجارة المرصوفة على ماء المطر الصافي، ذلك أن الماء المتراكم فوق هذه الحجارة أصفى وأنقى ما يعرف العرب من الماء.

الإعراب: تسقي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء؛ للثقل، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي يعود إلى أم عمرو. امتياحا: مصدر نائب عن ظرف الزمان؛ أي: وقت امتياحها، أو حال مؤولة بمشتق؛ أي: ممتاحة، والتقدير: حال كونها ممتاحة: أي: مستاكة. ندى: مفعول به ثان لـ"تستقي" تقدم على المفعول الأول منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف. ريقتها: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهو مضاف، و"ها" في محل جر بالإضافة. المسواك: مفعول به أول لـ"تسقي"، وقد فصل به بين المضاف "ندى"، والمضاف إليه "ريقتها"؛ لأن أصل الكلام تسقي أم عمرو المسواك ندى ريقها. كما: الكاف حرف جر، ما: مصدرية. تضمن: فعل ماضٍ مبني على الفتح. ماء: مفعول به منصوب وهو مضاف. المزنة: مضاف إليه مجرور. الرصف: فاعل مرفوع؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بحرف الجر؛ والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا لـ"تسقي"، وتقدير الكلام تسقي أم عمرو المسواك ندى ريقتها سقيا مشابها لتضمن الرصف ماء المزنة.

موطن الشاهد: "ندى المسواك ريقتها".

وجه الاستشهاد: فصل الشاعر بين المضاف "ندى"، والمضاف إليه "ريقتها" بـ"المسواك"، وهو مفعول "تسقي"، ومعلوم أنه أجنبي غير معمول للمضاف.

1 القائل: هو أبو حية النميري، واسمه: الهيثم بن الربيع بن زرارة: شاعر مجيد وراجز =

ص: 158

358-

كما خط الكتاب بكف يوما

يهودي يقارب أو يزيل1

الثانية: الفصل بفاعل المضاف؛ كقوله2: [الرجز]

359-

ولا عدمنا فهر وجد صب3

= فصيح من أهل البصرة، ومن مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، كان أهوج جبانا كذابا، توفي سنة: 183هـ.

تجريد الأغاني: 4/ 1758، الشعر والشعراء: 2/ 774، والأغاني: 15/ 61، والخزانة: 4/ 283.

1 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 2/ 59، والأشموني: 663/ 2/ 328، وابن عقيل: 24/ 3/ 83، وسيبويه: 1/ 91، والمقتضب: 1/ 237، 4/ 377، والإنصاف: 1/ 432، وشرح المفصل: 1/ 103، 2/ 250. والعيني: 3/ 470، والهمع: 2/ 52، والدرر: 2/ 66.

المفردات الغريبة: يقارب: يجعل بعض الكتابة قريبا من بعض. يزيل: يفرق ويباعد بينها.

المعنى: أن رسم هذه الدار محكم منسق على حسب المواقع، كخط الكتاب الذي يكتبه يهودي ماهر، فيدني بعض الكتابة من بعضها أحيانا، ويباعد بينها أحيانا أخرى تبعا لما يتطلبه الرونق والجمال؛ وخص اليهودي؛ لأنه من أهل الكتاب فيما يعرف العرب.

الإعراب: كما: الكاف حرف تشبيه وجر، وما: مصدرية لا محل لها من الإعراب. خط: فعل ماضٍ مبني للمجهول. الكتاب: نائب فاعل مرفوع. "بكف": متعلق بـ"خط". "يوما": متعلق بـ"خط"؛ وكف مضاف. يهودي: مضاف إليه مجرور. يقارب: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. وجملة "يقارب": في محل جر صفة لـ"يهودي"، أو: حرف عطف مبني على السكون، لا محل له من الإعراب. يزيل: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو؛ وجملة "يزيل": معطوفة على جملة "يقارب": في محل جر.

موطن الشاهد: "بكف يوما يهودي".

وجه الاستشهاد: الفصل بالظرف يوما بين المضاف "بكف"، والمضاف إليه "يهودي"؛ ومعلوم أن هذا الظرف أجنبي من المضاف؛ لأنه لم يتعلق به، وهو ظرف لقوله "خط"؛ وأصل الكلام: كما خط الكتاب يوما بكف يهودي.

2 لم ينسب هذا الرجز إلى قائل معين.

3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

ما إن رأينا للهوى من طب

=

ص: 159

ويحتمل أن يكون منه أو من الفصل بالمفعول قوله1: [الوافر]

= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 59، والأشموني: 668/ 2/ 329، والعيني: 3/ 482، والهمع: 2/ 53، والدرر: 2/ 67.

المفردات الغريبة: الهوى: العشق، أو محبة الإنسان الزائدة للشيء. طب: علاج الجسم والنفس. عدمنا: فقدنا. قهر: غلبة. وجد: شدة الشوق والحب. صب: من الصبابة؛ وهي رقة الشوق وجراءته.

المعنى: لم يجد من برح به العشق علاجا ينفع ويشفي؛ إذ كثيرا ما يغلب الحب والشوق على لعاشق، فيملك عليه نفسه وقلبه، ويقوده إلى حتفه.

الإعراب: ما إن: ما نافية مهملة، إن: حرف زائد، لا محل له من الإعراب. راينا: فعل ماضٍ مبني على السكون، و"نا": ضمير متصل في محل رفع فاعل. "للهوى": متعلق بمحذوف واقع مفعولا ثانيا لـ"رأى"، تقدم على مفعوله الأول، والتقدير: ما رأينا علاجا نافعا للهوى. من: حرف جر زائد. طب: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به أول لـ"رأى". ولا: الواو: عاطفة، لا: حرف زائد لتأكيد النفي. عدمنا: فعل ماضي مبني على السكون، و"نا": ضمير متصل في محل رفع فاعل. قهر: مفعول به منصوب، وهو مضاف. صب: مضاف إليه مجرور؛ من إضافة المصدر لمفعوله؛ وقوله: "وجد": فاعل لـ"قهر"؛ وقد فصل به بين المضاف، والمضاف إليه كما سنرى في وجه الاستشهاد.

موطن الشاهد: "قهر وجد صب".

وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "قهر"، والمضاف إليه "صب" بفاعل المضاف "وجد"؛ لأنه فاعل المصدر "قهر".

فائدة: يلاحظ في المسألة الأولى من مسائل الجواز في السعة جواز الفصل بين المصدر المضاف، وفاعله بالمفعول، كما في قوله تعالى:"قتل أولادهم شركائهم"، ونلحظ -هنا- امتناع إضافة المصدر إلى مفعوله، والفصل بالفاعل في السعة فما الفرق مع أنه معلوم جواز إضافة المصدر إلى فاعله، ومفعوله على حد سواء؟ ولعل السبب في ذلك هو أن إضافة المصدر إلى المفعول مع ذكر الفاعل فيه خلاف بين النحاة، حتى منعه بعضهم، على أن المعول عليه هو السماع.

1 هو: الأحوص؛ محمد بن عبد بن عاصم بن ثابت الأوسي، وعاصم من الأنصار وهو حمي الدبر، والأحوص شاعر هجاء، وصاحب نسب من طبقة جميل بن معمر، سمي الأحوص؛ لضيق في مؤخر عينه، توفي سنة 105هـ.

الشعر والشعراء: 1/ 518، والجمحي: 1/ 137، والأغاني: 4/ 40، والخزانة: 1/ 231.

ص: 160

360-

فإن نكاحها مطر حرام1

1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

فإن يكن النكاح أحل شيء

والبيت: من قصيدة للشاعر. وكان قد هوي امرأة وشبب بها، ثم زوجها أهلها رجلا اسمه مطرن وبعد الشاهد قوله:

فلا غفر الإله لمنكحيها

ذنوبهم وإن صلوا وصاموا

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 59، والأشموني: 669/ 2/ 329، والعيني: 3/ 466، والمغني: 1132/ 881، والسيوطي:322.

المفردات الغريبة: النكاح: الزواج. مطر: اسم رجل من أقبح الرجال، وزوجته من أجمل النساء، وكانت تريد فراقه وهو يأبى ذلك. وقيل: إن الأحوص كان يهواها ولكن أهلها زوجوها مطرا هذا.

المعنى: والله لئن كان الزواج أحل شيء؛ فإن زواج مطر من تلك المرأة، يعد حراما؛ لأنه غير كفء لها؛ لقباحته مع جمالها.

الإعراب: إن: حرف شرط جازم. يكن: فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر؛ لالتقاء الساكنين، وهو فعل مضارع ناقص. النكاح: اسم "يكن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. أحل: خبر "يكن" منصوب، وهو مضاف. شيء: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة. فإن: الفاء واقعة في جواب الشرط، إن حرف مشبه بالفعل. نكاحها: اسم "إن" منصوب، وهو مضاف، و"ها": مضاف إليه؛ من إضافة المصدر إلى معموله؛ فإن رويت مطر بالرفع كان من إضافته المصدر إلى مفعوله؛ وإن رويت مطر بالنصب كانت من إضافة المصدر إلى فاعله؛ وأما إن رويت مطر بالجر، فإن "نكاح" لا يكون مضافا إلى الضمير، بل يكون مضافا إلى مطر، وتحتمل إضافته إلى مطر حينئذ الوجهين؛ فيحتمل أن يكون الضمير فاعل المصدر، إن اعتبرت "مطر" المجرور مفعول المصدر، ويحتمل أن تكون إضافته من إضافة المصدر إلى مفعوله، إذا عددت "مطر" المجرور فاعلا للمصدر: حرام: خبر إن مرفوع؛ وجملة "إن واسمها وخبرها": في محل جزم جواب الشرط.

موطن الشاهد: "نكاحها مطر".

وجه الاستشهاد: رُوي البيت برفع "مطر"، ونصبه وجره؛ فرواية الرفع على أن نكاحها مصدر أضيف إلى مفعوله ومطر فاعله؛ والتقدير: فإن نكاح مطر إياها. ورواية النصب على أن نكاحها مصدر مضاف إلى فاعله ومطر مفعوله؛ وأما رواية الجر -المرادة هنا- فعلى أن نكاح مصدر مضاف إلى مطر.

ص: 161

بدليل أنه يروى بنصب مطر وبرفعه؛ فالتقدير فإن نكاح مطر إياها أو هي.

والثالثة: الفصل بنعت المضاف؛ كقوله1: [الطويل]

361-

من ابن أبي شيخ الأباطح طالب2

1 القائل: هو معاية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية، وأحد دهاة العرب المشهورين فصيح اللسان عظيم الجسم حتى سماه عمر بن الخطاب كسرى العرب، أسلم يوم الفتح، وكان أحد كتاب النبي صلى الله عليه وسلم كانت بينه وبين علي بن أبي طالب معارك وخلاف. مات سنة 60هـ وقد بلغ الثمانين.

الأعلام: 7/ 261، ابن الأثير: 4/ 2، الطبري: 2/ 180.

2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

نجوت وقد بل المرادي سيفه

البيت قاله معاوية بعد أن نجا من ضربة الخارجي الذي أراد قتله، وكان قد قتل عبد الرحمن بن ملجم -لعنه الله- عليا بن أبي طالب، وقتل نائب عمرو بن العاص الذي شاء الله أن لا يخرج للصلاة تلك الليلة، والقصة مشهورة.

والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 59، والأشموني: 664/ 2/ 328، وابن عقيل: 241/ 3/ 84، والعيني: 3/ 478، والهمع: 2/ 52، والدرر:67.

المفردات الغريبة: المرادي: نسبة إلى قبيلة مراد باليمن، والمراد ابن ملجم. الأباطح: جمع أبطح، وهو المكان الواسع ومسيل الماء فيه دقاق الحصى، والمراد مكة. وأراد بشيخها: أبا طالب؛ لأنه كان عظيما فيها.

المعنى: تخلصت من القتل، وقد لطخ ابن ملجم -لعنه الله- سيفه بدم علي بن أبي طالب شيخ مكة وعظيمها.

الإعراب: نجوت: فعل ماض، والتاء فاعله. وقد: الواو: حالية، قد: حرف تحقيق. بل: فعل ماضٍ مبني على الفتح. المرادي: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. سيفه: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والهاء مضاف إليه. من: حرف جر مبني على السكون وحرك بالفتح؛ لالتقاء الساكنين. ابن: اسم مجرور، و"من ابن": متعلق بـ"بل"، وابن مضاف، وأبي: مصاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وأبي: مضاف. طالب: مضاف إليه مجرور. شيخ الأباطح: شيخ: صفة لأبي طالب، وهو مضاف. والأباطح: مضاف إليه؛ ويمكن أن نعد "شيخ الأباطح" مركبا إضافيا، واقعا صفة لأبي طالب وتقدير الكلام؛ من ابن أبي طالب شيخ الأباطح. =

ص: 162

الرابعة: الفصل بالنداء1؛ كقوله2: [الرجز]

362-

كأن برذون أبا عصام

زيد حمار دق باللجام3

أي: كأن برذون زيد يا أبا عصام.

= موطن الشاهد: "أبي شيخ الأباطح طالب".

وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "أبي"، والمضاف إليه "طالب" بصفة المضاف "شيخ الأباطح"؛ لأن أصل الكلام: من ابن أبي طالب شيخ الأباطح كما أسلفنا.

1 من هذا القبيل قول بجير بن زهير بن أبي سلمى المزني لأخيه كعب:

وفاق كعب بجير منقذ لك من

تعجيل تهلكة والخلد في سفر

فإن قوله: "وفاق" مضاف إلى "بجير"، وقد فصل بينهما بالمنادى، وأصل نظم الكلام: وفاق بجير يا كعب منقذ لك من تعجيل تهلكة.

هذا: والنداء مما يكثر دوره في الكلام كالقسم، وقد فصلوا به بين الموصول وصلته كما في قول الفرزدق:

تعش فإن عاهدتني لا تخونني

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

فقد فصل بين الموصول "من"، وصلته "يصطحبان" بالنداء "يا ذئب".

وقد أجاز جماعة من النحاة الفصل بين إذن الناصبة، والفعل المضارع بالنداء، فكان من حق الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالنداء أن يكون جائزا في سعة الكلام كالفصل بالقسم؛ لأنهما بمنزلة واحدة، ولكن النحاة جعلوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالقسم جائزا في السعة، والفصل بالنداء مقصورا على ضرورة الشعر، وذلك لأنهم وجدوا في كلام العرب المنثور الفصل بالقسم كعبارة الكسائي، وعبارة أبي عبيدة، ولم يجدوا مثل هذا في الفصل بالنداء، فوقفوا عند السماع؛ لأنه هو الأساس في كل ما أصلوه من قواعد. حاشية الصبان على شرح الأشموني: 3/ 279.

2 لم يُنسب إلى قائل معين.

3 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز أو بيتان من مشطوره، وهو من شواهد: التصريح: 2/ 60، والأشموني: 665/ 2/ 329، وابن عقيل: 244/ 3/ 86، والخصائص: 2/ 404، والعيني: 3/ 580، والهمع: 2/ 53، والدرر: 2/ 67.

المفردات الغريبة: برذون: البرذون من الخيل: ما ليس بعربي. أبا عصام: كنية رجل. دق: من الدقة، ضد غلظ.

المعنى: أن برذون زيد -يا أبا عصام- غير أصيل، وهو هزيل مثل حمار ضعف وهزل بسبب اللجام.

الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل. برذون: اسم كأن منصوب. أبا: منادى مضاف =

ص: 163

[أحكام المضاف إلى ياء المتكلم] :

فصل: في أحكام المضاف للياء.

يجب كسر آخره1 كغلامي، ويجوز فتح الياء وإسكانها2.

[ما يستثنى من كسر الآخر] :

ويستثنى من هذين الحكمين أربع مسائل؛ وهي: المقصور كفتى وقذى، والمنقوص كرامٍ وقاضٍ، والمثنى كابنين وغلامين، وجمع المذكر السالم كزيدِينَ ومسلمِينَ3.

فهذه الأربعة: آخرها واجب السكون؛ والياء معها واجبة الفتح4، وندر

= بحرف نداء محذوف منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وأبا مضاف. عصام: مضاف إليه مجرور. برذون: مضاف، وزيد: مضاف إليه. حمار: خبر كأن مرفوع. دق: فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. "باللجام": متعلق بـ"دق"؛ وجملة "دق": في محل رفع صفة لـ"حمار".

موطن الشاهد: "برذون أبا عصام زيد".

وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "برذون"، والمضاف إليه "زيد" بالنداء "أبا عصام"؛ ويجوز أن يكون "أبا عصام" هو زيد، وعلى هذا يكون برذون مضافا إلى "أبا عصام" على لغة القصر، ويكون زيد بالجر بدلا منه، ولا شاهد في البيت حينئذ.

1 أي آخر المضاف، وذلك لمناسبة الياء؛ سواء كان صحيحا كما مثل المصنف أو شبيها به وهو: ما آخره واو أو ياء قبلها ساكن، كدلوي وظبي.

2 والإسكان هو الأصل، وتكون مبنية على السكون أو الفتح في محل جر، وقد تحذف الياء اكتفاء بالكسرة قبلها، وقد تقلب الياء مع فتح ما قبلها كغلاما، وقد تحذف الألف اكتفاء بالفتحة، وتختص هذه الأوجه بالإضافة المحضة لا بالنداء كما في التسهيل، أما في غريها فلا حذف ولا قلب. كمكرمي؛ لأنها في نية الانفصال فليست الياء كجزء من الكلمة.

التصريح: 2/ 60.

3 لأن آخر المقصور والمثنى المرفوع ألف، وآخر المنقوص والمثنى المجرور والمنصوب، وجمع المذكر مطلقا ياء مدغمة في ياء المتكلم، والألف والحرف المدغم لا يقبلان التحريك.

4 وذلك للتخلص من التقاء الساكنين.

ص: 164

إسكانها بعد الألف في قراءة نافع1: "ومحيايْ"2، وكسرها بعدها في قراءة الأعمش3 والحسن4:"هي عصايِ"5؛ وهو مطرد في لغة بني يربوع6 في الياء المضاف إليها جمع المذكر السالم؛ وعليه قراءة حمزة7 "بمصرخيِّ إني"8.

1 مرت ترجمته.

2 6 سورة الأنعام، الآية:162.

أوجه القراءات قرأ نافع وورش وقالون وأبو جعفر: "محيايْ" بإسكان الياء؛ وقرأ عيسى بن عمر والجحدري: محييَّ"؛ وقرأ الجمهور: "محيايَ" بالفتح بعد الألف. البحر المحيط: 4/ 262، والحجة:279.

موطن الشاهد: "محيايْ".

وجه الاستشهاد: وقوع "الياء" ساكنة -على هذه القراءة- وذلك نادر؛ لأنه يلزم -عليها- التقاء ساكنين على غير حده الجائز.

3 هو: أبو محمد؛ سليمان بن مهران بن الأعمش، الأسدي الكوفي، أحد أصحاب القراءات الشاذة بعد العشرة، أخذ القراءة عن عاصم ومجاهد وغيرهما، وكان حافظا ثبتا واسع العلم بالقراءة، ورعا ناسكا يتجنب الاتصال بأصحاب السلطان، وكان يسمى "المصحف" لشدة إتقانه وضبطه. قال عنه هشام: ما رأيت بالكوفة أحدا أقرأ منه لكتاب الله، وكان مع هذا صاحب نوادر وملح، توفي سنة 148هـ.

طبقات القراء: 1/ 315، تذكرة الحفاظ: 1/ 154، وفيات الأعيان: 2/ 400.

4 هو الحسن البصري، وقد مرت ترجمته.

5 20 سورة طه، الآية:18.

أوجه القراءات: قرأ الأعمش والحسن البصري: "هي عصايِ" بكسر الياء بعد الألف على أصل التقاء الساكنين، وقرأ الجمهور:{هِيَ عَصَايَ} بفتح الياء.

موطن الشاهد: "عصايِ".

وجه الاستشهاد: كسر الياء بعد الألف؛ وحكم هذا الكسر نادر.

6 حي من تميم، رأسه يربوع بن حنظلة بن مالك، وشاعرهم الأغلب العجلي، ومنهم متمم بن نويرة الصحابي.

7 مرت ترجمته في الجزء الأول.

8 14 سورة إبراهيم، الآية:22.

أوجه القراءات: قرأ حمزة والأعمش ويحيى بن وثاب: "ما أنتم بمصرخيِّ إني" بكسر الياء في الوصل؛ ولذا، أعقبه بـ"إني"؛ وقرأ الجمهور:{مَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} بفتح الياء في الوصل. =

ص: 165

وتدغم ياء المنقوص، والمثنى، والمجموع في ياء الإضافة؛ كقاضيَّ1، ورأيت ابنيَّ، وزيديَّ2، وتقلب واو الجمع ياء، ثم تدغم3، كقوله4:[الكامل]

363-

أودى بني وأعقبوني حسرة5

= موطن الشاهد: "بمصرخيِّ".

وجه الاستشهاد: كسر الياء المضافة إلى جمع المذكر السالم في الوصل؛ وهذه اللغة حكاها الفراء وقطرب، وأجازها أبو عمرو بن العلاء؛ وبذلك يسقط كلام المعري في رسالته:"أجمع أصحاب العربية على كراهة قراءة حمزة "وما أنتم بمصرخيِّ" بالكسر. انظر شرح التصريح: 2/ 60.

1 رفعا ونصبا وجرا، ويعرب بحركات مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها سكون الإدغام.

2 أصلهما: ابنين لي وزيدين لي، حذفت النون واللام للإضافة، ثم أدغمت الياء الساكنة في الياء الثانية التي هي المضاف إليه، وفتحت ياء المتكلم.

3 أي تطبيقا للقاعدة الصرفية وهي: أنه إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وكسر ما قبلها إن لم يكن هنالك مانع، تقول: أنتم معاوني ضد العدو. وأصله معاونون لي. حذفت النون واللام للإضافة كما سبق. فصار معاونوي قلبت الواو ياء على القاعدة، وأدغمتا وكسر ما قبلهما للمناسبة، فهو مرفوع بالواو المنقلبة ياء.

التصريح: 2/ 60-61.

4 القائل هو: أبو ذؤيب الهذلي؛ خويلد بن خالد بن محرث، وقد مرت ترجمته.

5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

عند الرقاد وعبرة لا تقلع

والبيت من قصيدة يرثي فيها أبناء له خمسة هلكوا جميعا في عام واحد، وتعد هذه المرثية في الذروة من شعر الرثاء ومطلع هذه القصيدة:

أمن المنون وريبه نتوجع

والدهر ليس بمعتب من يجزع

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 61، والأشموني: 673/ 2/ 331، والعيني: 3/ 498، والمفضليات للضبي: 421، وديوان الهذليين: 1/ 2.

المفردات الغريبة: أودي: هلك. أعقبوني: أورثوني وخلفوا لي. حسرة: حزنا مع ألم. عبرة: دمعا. الرقاد: النوم. لا تقلع: لا تذهب ولا تنقضي. =

ص: 166

وإن كان قبلها ضمة؛ قلبت كسرة، كما في بنيَّ ومسلميَّ، أو فتحة؛ أبقيت كمصطفى، وتسلم ألف التثنية؛ كمسلماي، وأجازت هذيل1 في ألف المقصور قلبها ياء2؛ كقوله3:[الكامل]

364-

سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم4

= المعنى: هلك بني وتركوا لي حزنا مضنيا، وألما ممضا، ودموعا لا تنقطع؛ وخص الرقاد؛ لأنه مثار الهموم والأشجان.

الإعراب: أودى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف. بني: فاعل مرفوع، وعلامة رفع الواو المنقلبة ياء المدغمة في يا المتكلم نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، وياء المتكلم في محل جر بالإضافة. وأعقبوني: الواو حرف عطف، أعقب فعل ماضٍ مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو في محل رفع فاعل، والنون للوقاية، والياء في محل نصب مفعول به أول. حسرة: مفعول به ثانٍ. "عند": متعلق بـ"أعقب"، وهو مضاف. الرقاد: مضاف إليه مجرور. وعبرة: الواو: حرف عطف، عبرة: اسم معطوف على حسرة منصوب مثله. لا تقلع: لا: نافية، تقلع: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي؛ يعود إلى عبرة، وجملة "لا تقلع": في محل نصب صفة لـ"عبرة".

موطن الشاهد: "بنيَّ".

وجه الاستشهاد: قلب واو الجمع ياء عند إضافته إلى ياء المتكلم وإدغامهما. وحكم هذا الإدغام جائز.

1 هذيل: بالتصغير؛ حي من مضر، وهو هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر أخو خزيمة بن مدركة؛ أمهما هند بنت وبرة أخت كلب بن وبرة.

2 أي: لتكون عوضا عن الكسرة قبل الياء ثم يدغمونها في ياء المتكلم فيقولون: في هدى: هدي. وتكون في هذه الحالة معربة بالياء التي أصلها الألف بدلا من الحركات المقدرة على الألف، فهو مما ناب فيه حرف عن حركة.

التصريح: 2/ 61.

3 القائل: هو أبو ذؤيب الهذلي أيضا وقد مرت ترجمته.

4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

فتخرموا ولكل جنب مصرع

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 61، والأشموني: 674/ 2/ 331، والعيني: 3/ 493، والمحتسب: 1/ 76، وأمالي ابن الشجري: 1/ 281، وشرح المفصل: =

ص: 167

واتفق الجميع على ذلك1 في علي ولدي2، ولا يختص بياء المتكلم، بل

= 3/ 33، والمقرب: 46، والهمع: 2/ 53، والدرر: 2/ 68، والمفضليات للضبي: 421، وديوان الهذليين: 1/ 2.

المفردات الغريبة: هوي: ما أهواه وأشتهيه. أعنقوا: أسرعوا؛ من العنق وهو السير السريع، والمراد: تبع بعضهم بعضا. فتخرموا: اخترمهم الموت واستأصلهم. مصرع: مكان يصرع ويطرح فيه.

المعنى: مات أبنائي وسبقوني إلى ما كنت أحب وأشتهي، واستأصلهم الموت واحدا بعد واحد، ولكل إنسان أجله، ومكانه الي يوارى فيه جثمانه.

الإعراب: سبقوا: فعل ماض، والواو في محل رفع فاعل. هوي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المنقلبة ياء؛ لإدغامها في ياء المتكلم -على لغة هذيل- منع من ظهورها التعذر، وياء المتكلم: في محل جر بالإضافة. وأعنقوا: الواو: حرف عطف، أعنق: فعل ماض، والواو فاعله، "لهواهم": متعلق بـ"أعنق"، و"هم": في محل جر بالإضافة فتخرموا: الفاء: عاطفة، تخرموا: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والواو: في محل رفع نائب فاعل. ولكل: الواو: حالية "لكل": متعلق بخبر مقدم محذوف، و"كل" مضاف. جنب: مضاف إليه مجرور. مصرع: مبتدأ مؤخر مرفوع، وجملة "لكل جنب مصرع": في محل نصب إلى الحال.

موطن الشاهد: "هوي".

وجه الاستشهاد: قلب ألف المقصور في "هوى" ياء، على لغة هذيل، وإدغامها في ياء المتكلم؛ والأصل: هواي، ومعلوم أن العرب كافة يبقون ألف المقصور على حالها عند إضافته إلى الياء كما في قول الشاعر:

هواي مع الركب اليمانين مصعد

جنيب وجثماني بمكة موثق

غير أن هذيلا -كما أسلفنا- يقلبون الألف ياء، ويدغمونها في ياء المتكلم فيقولون في "فتاي"، و"عصاي": فتيَّ وعصيَّ، كما في رواية البيت، وحكى قوم هذه اللغة عن طيئ، وحكاها آخرون عن قريش، وبها قرأ الجحدري قوله تعالى:{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} ، وهذا القلب جائز عند من ذكر.

انظر شرح التصريح؛ 2/ 61.

1 أي: على قلب الألف ياء مع ياء المتكلم.

2 المراد "علا" الظرف، وهو لغة في "عل" بمعنى فوق، وكذلك "لدى" الظرف بمعنى عند. أما الحرفية لا تضاف. تنبيه: إذا أضيف "ابنم" لياء المتكلم جاز إبقاء ميمه الزائدة، وحذفها مع إسكان الياء وكسر ما قبلها في الحالتين تقول: ابنمي أو ابني. هذا: ويجوز زيادة هاء السكت الساكنة غالبا عند الوقوف على ياء المتكلم مع بناء الياء على الفتح كقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} ، وقول السيدة عائشة:"أَبِيَهْ وما أَبِيَهْ".

ص: 168

هو عام في كل ضمير؛ نحو: عليه ولديه، وعلينا ولدينا، وكذا الحكم في إليَّ.

_________

ص: 169