المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب البدل - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك - ت هبود - جـ ٣

[ابن هشام النحوي]

الفصل: ‌ باب البدل

هذا‌

‌ باب البدل

1

[تعريف البدل] :

وهو2: "التابع، المقصود بالحكم، بلا واسطة".

[محترزات التعريف] :

فخرج بالفصل الأول النعت والبيان والتأكيد؛ فإنها مكملات للمقصود بالحكم.

وأما النسق فثلاثة أنواع:

أحدها: ما ليس مقصودا بالحكم، كـ"جاء زيد لا عمرو" و"ما جاء زيد بل عمرو"، أو "لكن عمرو" أما الأول": فواضح3؛ لأن الحكم السابق منفي عنه؛ وأما

1 هذه هي تسمية البصريين؛ لهذا النوع من التوابع، وأما الكوفيون، فيسمونه الترجمة والتبيين؛ حكى ذلك الأخفش، وحكى ابن كيسان أنهم يسمونه؛ التكرير. التصريح: 1/ 155.

2 البدل في اللغة العوض، وفي الاصطلاح ما ذكره المؤلف.

والغرض الذي يقصده المتكلم من الإتيان في كلامه بالبدل، بعد ذكره المبدل منه؛ هو إفادة توكيد الحكم، وتقريره، بواسطة ذكر الاسم مقصودا بالحكم، بعد أن يوطئ، ومهد لذلك، بالتصريح بتلك النسبة إلى ما قبله؛ ألا ترى أنك حين تقول:"سمعت أبا الأنوار محمدا"، أو تقول:"أعجبني الأستاذ علمه"، وقد ذكرت الاسم الثاني مقصودا لك، بنسبة الحكم إليه، بعد أن ذكرت هذا الحكم مصرحا بنسبته، إلى الاسم الأول؛ فكنت كمن ذكر الحكم والمحكوم عليه مرتين؛ وهذا هو السر في قولهم:"البدل في حكم تكرير العامل". وانظر حاشية الصبان: 3/ 123-124، والتصريح: 2/ 155، وأوضح المسالك: 3/ 399-400.

3 بيان ذلك: أن الحكم في المثال الأول؛ هو إثبات المجيء لزيد؛ وهذا الحكم منفي عن عمرو بواسطة لا.

ص: 362

الآخران: فلأن الحكم السابق؛ هو نفي المجيء، والمقصود به: إنما هو الأول1.

النوع الثاني: ما هو مقصود بالحكم هو وما قبله؛ فيصدق عليه أنه مقصود بالحكم لا أنه المقصود2، وذلك كالمعطوف بالواو؛ نحو:"جاء زيد وعمرو"، و"ما جاء زيد ولا عمرو".

وهذان النوعان خارجان بما خرج به النعت والتوكيد والبيان.

النوع الثالث: ما هو مقصود بالحكم دون ما قبله، وهذا هو المعطوف ببَل بعد الإثبات؛ نحو:"جاءني زيد بل عمرو".

وهذا أنوع خارج بقولنا: "بلا واسطة"، وسلم الحد بذلك للبدل.

وإذا تأملت ما ذكرته في تفسير هذا الحد، وما ذكره الناظم وابنه ومن قلدهما علمت أنهم عن إصابة الغرض بمعزل.

[أقسام البدل] :

وأقسام البدل أربعة3:

1 وذلك؛ لأن المعطوف ببل والمعطوف بلكن بعد النفي يثبت لهما نقيض الحكم السابق؛ وأما الحكم المذكور؛ فالمقصود به: هو الأول؛ فقولك "ما جاء زيد بل عمرو"؛ معناه: أن عدم المجيء ثابت لزيد وأن عمرا ثبت له المجيء -عند غير المبرد- كما علمت مما تقدم؛ وكذلك شأن مثال لكن.

التصريح: 2/ 155.

2 أي: وحده؛ لأن قوله: "هذا مقصود بالحكم" لا يمنع أن يكون غير المشار إليه مقصودا بالحكم أيضا؛ وأما عبارة "المقصود بالحكم"؛ فتدل على أنه مقصود بالحكم وحده، ولا يشاركه غيره.

انظر التصريح: 2/ 155.

3 زاد بعض النحاة نوعا خامسا؛ سماه: بدل الكل من البعض، واستدل بأمثلة متعددة من القرآن، والحديث، والشعر؛ ففي القرآن قوله تعالى:{فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّاتِ عَدْنٍ} ؛ فجنات بدل "كل" من الجنة، وهي جمع، والجنة مفرد. ويؤيد ذلك: ما رواه البخاري، عن أنس، أن حارثة أصيب يوم بدر؛ فقالت =

ص: 363

الأول: بدل كل من كل؛ وهو بدل الشي مما هو طبق معناه؛ نحو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ} 1؛ سماه الناظم البدل المطابق؛ لوقوعه في اسم الله تعالى نحو: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} 2، فيمن قرأ بالجر؛ وإنما يطلق "كل" على ذي أجزاء؛ وذلك ممتنع هنا.

= أمه: إن يكن في الجنة صبت، فقال عليه الصلاة والسلام:"جنة واحدة؛ إنها جنات كثيرة"

ومن الشعر قول أحدهم:

كأني غداة البين يوم تحملوا

لدى سمرات الحي ناقف حنظل

"فاليوم" بدل من "غداة" مع أنه يشملها؛ وهي جزء منه. وسمرات: جمع سمرة؛ وهي: شجرة الطلح. ناقف. وجامع الحنظل تدمع عيناه؛ فلهذا شبه به وعيناه تدمعان.

ومثله قول الآخر:

رحم الله أعظما دفنوها

بسجستان طلحة الطلحات.

فإن "طلحة" بدل من قوله: "أعظما"؛ وطلحة كل؛ والأعظم: جمع عظم؛ وهو بعض طلحة.

الهمع: 2/ 127، حاشية يس على التصريح: 2/ 155-156.

1 1 سورة الفاتحة، الآية: 6 والآية 7.

موطن الشاهد: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ} .

وجد الاستشهاد: وقوع "صراط" الثانية بدل كل من كل من "صراط" الأولى.

2 14 سورة إبراهيم، الآية:1.

أوجه القراءات: قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر والحسن: "الله" بالرفع، وقرأ الجمهور:"الله" بالجر. إتحاف الفضلاء: 271، والتيسير: 134، وإملاء ما من به الرحمن: 2/ 36.

موطن الشاهد: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} .

وجه الاستشهاد: مجيء لفظ الجلالة "الله" بدلا مطابقا من "العزيز"؛ ولا يقال فيه بدل كل من كل؛ لأن مسماه -تعالى- لا يقبل التجزئة. التصريح: 2/ 156.

فائدة: لا يحتاج البدل المطابق إلى رابط يربطه بالمتبوع؛ لأنه نفس المبدل منه في المعنى، كما أن الجملة؛ التي هي نفس المبتدأ، في المعنى، لا تحتاج إلى رابط.

ص: 364

والثاني: بدل بعض من كل؛ وهو بدل الجزء من كله1؛ قليلا كان ذلك الجزء أو مساويا، أو أكثر، كـ"أكلت الرغيف ثلثه، أو نصفه، أو ثلثيه".

ولا بد من اتصاله بضمير يرجع على المبدل منه2: مذكور كالأمثلة المذكورة، وكقوله تعالى:{ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} 3، أو مقدر؛ كقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} 4؛ أي: منهم.

الثالث: بدل الاشتمال، وهو بدل شيء من شيء يشتمل عامله على معناه اشتمالا بطريق الإجمال5؛ كـ"أعجبني زيد علمه؛ أو حسنه" و"سرق زيد ثوبه، أو فرسه".

1 ضابطه: أن يكون البدل جزءا حقيقيا من المبدل منه، وأن يصح الاستغناء عنه بالمبدل منه، ولا يفسد المعنى بحذفه.

2 أي: ليربط البعض بكله. ويجب في هذا الضمير؛ أن يطابق المتبوع في الإفراد والتذكير وفروعهما؛ ولا فرق بين أن يتصل هذا الضمير بالبدل مباشرة، أو بلفظ آخر له صلة بالبدل؛ نحو: قابلت العائدين من القتال أربعة منهم.

وقد يغني عن الضمير في إفادة الربط: "أل" عند أمن اللبس؛ نحو: إذا رأيت والدك فقبله اليدا؛ أي: يده، و"إلا" في الاستثناء إذا كان المبدل منه هو المستثنى منه في كلام تام؛ حيث يجوز في المستثنى النصب على الاستثناء، أو الإتباع على البدلية؛ نحو: ما نجح الطلاب إلا واحدا.

3 5 سورة المائدة، الآية:71.

موطن الشاهد: {عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} .

وجه الاستشهاد: وقوع "كثير" بدلا من الواو الأولى في "عموا"؛ والواو الثانية في "صموا" عائدة على "كثير"؛ لأنه مقدم رتبة؛ والتقدير -والله أعلم: ثم عموا كثير منهم وصموا؛ وإنما قدر هذا التقدير؛ لأنه لو جعل "كثير" بدلا من الواوين معا؛ لزم توارد عاملين على معمول واحد. انظر تفصيل ذلك في التصريح: 2/ 156.

4 3 سورة آل عمران: الآية: 97.

موطن الشاهد: {لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} .

وجه الاستشهاد: وقوع "من استطاع" بدلا من "الناس"، بدل بعض من كل؛ والضمير العائد إلى المبدل منه مقدر كما بين المؤلف في المتن. التصريح: 2/ 157.

5 لتوضيح هذا التعريف، نقول: إن بدل الاشتمال، تابع يقصد به، تعيين وتوضيح أمر، =

ص: 365

وأمره في الضمير كأمر بدل البعض؛ فمثال المذكور ما تقدم من الأمثلة، وقوله تعالى:{يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 1؛ ومثال المقدر قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ} 2؛ أي: النار فيه، وقيل: الأصل "ناره" ثم نابت أل عن الضمير.

[البدل المباين وأقسامه] :

والرابع: البدل المباين3؛ وهو ثلاثة أقسام4؛ لأنه لا بد أن يكون مقصودا كما تقدم في الحد:

= في متبوعه؛ وهذا الأمر من الأمور العارضة الطارئة التي ليست جزءا أصيلا من المتبوع؛ ويشتمل على هذا الأمر، ويدل عليه "العامل" في المبدل منه، ولكن بطريق إجمالية؛ لأنه لا يليق نسبته إلى ذات المبدل منه. ويرى ابن مالك: أن المشتمل؛ هو المبدل منه. وذهب الفارسي: إلى أنه البدل، وما رآه المؤلف: من أن المشتمل؛ هو "العامل" جدير بالاتباع. وهذا الاشتمال، قد يكون في أمر مكتسب؛ كالعلم والكرم والزهد، أو غير مكتسب؛ ولكنه ملازم لصاحبه؛ كالحسن، أو غير ملازم؛ كالكلام، وقد يكون الاشتمال بطريق التبعية؛ كالثوب والفرس

انظر التصريح: 2/ 157-158، وحاشية الصبان: 3/ 124-125، وضياء السالك: 3/ 206-207.

1 2 سورة البقرة، الآية:217.

موطن الشاهد: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} .

وجه الاستشهاد: وقوع "قتال" بدل اشتمال من "الشهر"؛ والرابط بينهما الهاء المجرورة محلا بـ"في"؛ وهي متصلة بما يتعلق بالبدل. التصريح: 2/ 158.

2 85 سورة البروج، الآية:4.

موطن الشاهد: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ} .

وجه الاستشهاد: وقوع "النار" بدل اشتمال من "الأخدود"؛ واختلف في الرابط، فقيل: محذوف متصل بغير البدل؛ أي: النار فيه؛ وهو قول البصريين؛ وقيل: لا تقدير؛ والأصل: ناره، ثم نابت أل عن الضمير، وهو قول الكوفيين. التصريح: 2/ 158.

3 أي المغاير للمبدل منه.

4 لا بد من كل من الأقسام الثلاثة أن يكون البدل هو المقصود بالحكم؛ وهذا النوع بأقسامه الثلاثة، لا يحتاج إلى ضمير يربطه بالمتبوع.

ص: 366

تم الأول إن لم يكن مقصودا البتة، ولكن سبق إليه اللسان؛ فهو بدل الغلط، أي: بدل عن اللفظ الذي هو غلط؛ لا أن البدل نفسه هو الغلط، كما قد يتوهم.

وإن كان مقصودا؛ فإن تبين بعد ذكره فساد قصده؛ فبدل نسيان؛ أي: بدل شيء ذكر نسيانا.

وقد ظهر أن الغلط متعلق باللسان، والنسيان متعلق بالجنان1؛ والناظم وكثير من النحويين لم يفرقوا بينهما فسموا النوعين بدل غلط.

وإن كان قصد كل واحد منهما صحيحا؛ فبدل الإضراب، ويسمى أيضا بدل البداء2.

وقول الناظم: "خذ نبلا مدى" يحتمل الثلاثة؛ وذلك باختلاف التقادير؛ وذلك لأن النبل: اسم جمع للسهم، والمدى: جمع مدية؛ وهي السكين.

فإذا كان المتكلم إنما أراد الأمر بأخذ المدى، فسبقه لسانه إلى النبل؛ فبدل غلط.

وإن كان أراد الأمر بأخذ النبل، ثم تبين له فساد تلك الإرادة؛ وأن الصواب الأمر بأخذ المدى؛ فبدل نسيان.

وإن كان أراد الأول، ثم أضرب عنه إلى الأمر بأخذ المدى وجعل الأول في حكم المتروك؛ فبدل إضراب وبداء.

والأحسن فيهن أن يؤتى ببل3.

1 الجنان -بفتح الجيم: هو القلب.

2 البداء -بفتح الباء وبالدال المهملة: هو ظهور الأمر بعد أن لم يكن ظاهرا؛ والمراد أن يظهر لك الصواب، بعد خفاء حاله عليك.

3 لئلا يتوهم: أن "مدى" صفة لنبل. والمعنى: نبلا حادا على ما بينه المصنف.

توجيهات: أ- لا يلزم موافقة البدل لمتبوعه في التعريف والتنكير، فقد يكونان معرفتين؛ كقوله تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} ؛ بجر كلمة "الله" على أنها بدل من =

ص: 367

[إبدال الظاهر من الظاهر] :

فصل: يبدل الظاهر من الظاهر كما تقدم.

ولا يبدل المضمر من المضمر، ونحو:"قمت أنت" و"مررت بك أنت" توكيد اتفاقا؛ وكذلك نحو: "رأيتك إياك" عند الكوفيين والناظم1.

[لا يبدل مضمر من ظاهر] :

ولا يبدل مضمر من ظاهر؛ ونحو: "رأيت زيدا إياه" من وضع النحويين، وليس بمسموع.

= "العزيز" وقد يكونان نكرتين؛ كقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} وقد تبدل المعرفة من النكرة؛ نحو: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} والعكس؛ كقوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} .

ب- أما الإفراد، والتذكير، وفروعهما؛ فإن كان بدل "كل" طابق مبتوعه فيها، ما لم يمنع مانع عن التثنية أو الجمع؛ كأن يكون أحدهما مصدرا، لا يثنى، ولا يجمع؛ كالمصدر الميمي في الآية السابقة؛ {مَفَازًا، حَدَائِقَ} ، أو قصد التفصيل؛ كقول الشاعر:

وكنت كذي رجلين رجل صحيحة

ورجل رمى فيها الزمان فشلت

أما غيره من أنواع البدل؛ فلا يلزم موافقته فيها.

ج- إذا اجتمعت التوابع كلها أو عدد منها؛ قدم النعت، ويليه عطف البيان، فالتوكيد، فالبدل، فعطف النسق.

الأشموني: 2/ 438.

1 لأنه لا فرق -عندهم- في تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل؛ بين المرفوع وغيره. وذهب البصريون إلى أنه بدل؛ لما ثبت عن العرب -كما نقل عن سيبويه، وتلقاه من بعده بالقبول- أنك إذا أردت التوكيد، أتيت بالضمير المرفوع المنفصل؛ فتقول: جئت أنت، ورأيتك أنت، ومررت بك أنت. فإذا أردت البدلية؛ وافقت بين التابع والمتبوع؛ فقلت: جئت أنت، ورأيتك إياك، ومررت به به؛ فيتحد لفظ التوكيد والبدل في المرفوع، ويختلف في غيره. وذهب الكوفيون: إلى أن الضمير الثاني -في حالتي النصب والجر- توكيد للأول؛ كما هو في حالة الرفع، ولو كان موافقا له؛ نحو: رأيتك إياك، ومررت بك بك؛ وبهذا، أخذ ابن مالك.

انظر التصريح: 2/ 195-160.

وضياء السالك: 3/ 211.

ص: 368

[يجوز إبدال الظاهر من مضمر] :

ويجوز عكسه: مطلقا1 إن كان الضمير لغائب؛ نحو: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} 2 في أحد الأوجه3؛ أو كان لحاضر بشرط أن يكون بدل بعض؛ كـ"أعجبتني وجهك" وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} 4، أو بدل اشتمال، كـ"أعجبتني كلامك" وقول الشاعر5:[الطويل]

1 المراد بالإطلاق في هذا الموضع: أن جميع أنواع البدل سواء.

2 21 سورة الأنبياء، الآية:3.

موطن الشاهد: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} .

وجه الاستشهاد: إبدال "الذين" من الواو في "أسروا" بدل كل من كل؛ وقيل: الذين فاعل أسروا، والواو: حرف دال على الجمع، لا ضمير -لغة أكلوني البراغيث- وقيل: الذين: مبتدأ مؤخر و {أَسَرُّوا النَّجْوَى} : خبر مقدم.

التصريح: 2/ 160.

3 هو إبدال "الذين" من الواو في "أسروا" بدل كل من كل. وقيل "الذين": فاعل أسروا؛ والواو حرف دال على الجمع، لا ضمير؛ وهو لغة أكلوني البراغيث؛ وقيل:{الَّذِينَ ظَلَمُوا} : مبتدأ مؤخر، و {أَسَرُّوا النَّجْوَى} ؛ خبر مقدم؛ ومثال: بدل البعض: محمد أوثقته يديه؛ والاشتمال: علي استجدته عقله؛ والغلط: إبراهيم ضرته فرسه.

التصريح: 2/ 160.

4 33 سورة الأحزاب، الآية:21.

موطن الشاهد: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} .

وجه الاستشهاد: وقوع "من" الموصولة المجرورة باللام في "لمن" بدلا من ضمير "لكم"، وأعيدت اللام مع البدل للفصل والتوكيد؛ وهذه الإعادة جائزة لا واجبة؛ والجر بها لا باللام الأولى ولا بأخرى مقدرة على الأصح. وزعم الأخفش: أنه بدل كل من كلح ونظير هذه الآية في إبدال الظاهر من الضمير بدل بعض من كل قول الراجز:

أوعدني بالسجن والأداهم

رجلي فرجلي شثنة المناسم

فإن قوله: "رجلي" بدل بعض من كل؛ والمبدل منه: هو ياء المتكلم الواقعة مفعولا به، في قوله:"أوعدني".

التصريح: 2/ 160، والأشموني: 2/ 439.

5 الشاعر: هو النابغة الجعدي، قيس بن عبد الله، وقيل: حسان بن قيس، وقيل: غير =

ص: 369

428-

بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا

أو بدل كل مفيد للإحاطة؛ نحو: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} 1 ويمتنع إن

= ذلك، يكنى أبا ليلى؛ شاعر مفلق صحابي من المعمرين، كان ممن هجر الأوثان والخمر قبل الإسلام. أسلم وشهد صفين مع علي بن أبي طالب؛ له أخبار كثيرة، وديوان مطبوع؛ مات سنة 50هـ. تجريد الأغاني: 613، والشعر والشعراء: 289، والجمحي: 123، الأعلام: 5/ 207، السمط:247.

1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

وهو من كلمة أنشدها الشاعر بين يدي حضرة النبي صلى الله عليه وسلم.

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 161، والأشموني: 859/ 2/ 439، والعيني: 4/ 193، ودلائل الإعجاز للجرجاني: 16، وجمهرة القرشي: 148، وديوان النابغة الجعدي: 68، 73.

المفردات الغريبة: بلغنا السماء: وصلنا إليها، وهو كناية عن علو المنزلة. مجدنا؛ المجد كرم الآباء. سناؤنا: السناء: الشرف والرفعة.

المعنى: واضح. وقيل: إنه لما أنشد هذا بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: "إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ "، فقال: الجنة. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أجل، إن شاء الله".

الإعراب: بلغنا: فعل ماض مبني على السكون، و"نا": في محل رفع فاعل. السماء: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. مجدنا: مجد بدل اشتمال من فاعل "بلغ" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف، و"نا": في محل جر بالإضافة. وسناؤنا: الواو عاطفة، سناؤنا: معطوف على "مجد" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف، و"نا" مضاف إليه. وإنا: الواو عاطفة، إنا: حرف مشبه بالفعل. و"نا" اسمها. لنرجو: اللام لام المزحلقة، نرجو: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: نحن؛ وجملة "نرجو": في محل رفع خبر "إن". "فوق": متعلق بمحذوف حال من "مظهر" تقدم عليه، وهو مضاف. ذلك: ذا اسم إشارة في محل جر بالإضافة، واللام: للبعد، والكاف: للخطاب. مظهرا: مفعولا به منصوب لـ"نرجو".

موطن الشاهد: "مجدنا وسناؤنا".

وجه الاستشهاد: مجيء "مجدنا وسناؤنا" بدل اشتمال من الضمير البارز الواقع فاعلا في "بلغنا".

1 5 سورة المائدة، الآية:114. =

ص: 370

لم يفد؛ خلافا للأخفش؛ فإنه أجاز "رأيتك زيدا"، و"رأيتني عمرا"1.

جواز إبدال كل من الاسم والفعل والجملة من مثله:

فصل: يبدل كل من الاسم، والفعل، والجملة من مثله2، فالاسم -كما تقدم- والفعل: كقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ} 3، والجملة

= موطن الشاهد: {لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} .

وجه الاستشهاد: وقوع "أولنا وآخرنا" بدل كل من الضمير "نا" المجرور محلا باللام؛ ولهذا، أعيدت اللام جوازا مع البدل مجاراة للمبدل منه؛ وهو مفيد للإحاطة والشمول؛ لأن المراد: بأولنا وآخرنا -جميعا- على عادة العرب؛ من ذكر طرفي الشيء، وإرادة جميعه. التصريح: 2/ 162، وضياء السالك: 3/ 212.

1 خرج الأخفش المثال الأول على أن "زيدا": بدل من الياء المنصوبة المحل في "رأيتك"، وخرج المثال الثاني على أن "عمرا": بدل من الياء المنصوبة المحل في "رأيتني"، ويؤيد الذي ذهب إليه الأخفش؛ ما حكاه الكسائي -عن بعض العرب- أنه قال:"إلى أبي عبد الله"؛ بإبدال "أبي عبد الله" من ياء المتكلم المجرورة محلا بإلى في قوله: "إلي" كما يؤيده قول الشاعر:

بكم قريش كفينا كل معضلة

وأم نهج الهدى من كان ضليلا

محل الاستدلال قوله: "بكم قريش"؛ فإن قوله: "قريش" بالجر بدل من كاف المخاطب في قوله: "بكم"؛ والأخفش تابع للكوفيين، فيما ذهب إليه.

التصريح: 2/ 161.

2 ويرى بعض النحاة: جواز إبدال الفعل من اسم يشبهه والعكس؛ كما جاز في العطف؛ تقول: محمد متق يخاف ربه، ومحمد يخاف ربه متق؛ وقيل: إن هذا خبر بعد خبر.

حاشية يس على التصريح: 2/ 161.

3 25 سورة الفرقان، الآية:68.

موطن الشاهد: {يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ} .

وجه الاستشهاد: وقوع فعل "يضاعف" بدل اشتمال من فعل "يلق"؛ لأن ملاقاة الآثام تستلزم مضاعفة العذاب؛ وقيل: بدل كل من كل؛ لأن مضاعفة العذاب هي ملاقاة الآثام.

التصريح: 2/ 161، وضياء السالك: 3/ 213.

وهذه الآية الكريمة مثال لإبدال الفعل من الفعل، بدل كل من كل؛ ومثال بدل البعض فيه قولك:"إن تصل تسجد لله يرحمك" فتسجد بدل من تصل؛ وهو بدل بعض من كل؛ لأن السجود بعض الصلاة؛ ومثال بدل الاشتمال، قول الراجز:

إن علي الله أن تبايعا

تؤخذ كرها أو تجيء طائعا

فإن الأخذ كرها والمجيء طائعا من صفات المبايعة؛ ومثال بدل الغلط فيه قولك: "إن تطعم الفقير تكسه تؤجر".

التصريح: 2/ 161.

ص: 371

كقوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} 1، وقد تبدل الجملة من المفرد؛ كقوله2:[الطويل]

429-

إلى الله أشكو بالمدينة حاجة

وبالشام أخرى كيف يلتقيان3

1 26 سورة الشعراء، الآية: 132 والآية: 133.

موطن الشاهد: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} .

وجه الاستشهاد: وقوع جملة "أمدكم" الثانية بدل بعض من كل من "أمدكم" الأولى؛ لأنها أخص منها؛ لأن "ما تعلمون" يشمل الأنعام وغيرها.

فائدة: تبدل الجملة من الجملة بدل اشتمال؛ كما في قول الشاعر:

أقول له ارحل لا تقيمن عندنا

وإلا فكن في السر والجهر مسلما

فإن قوله: "لا تقيمن عندنا": بدل من قوله "ارحل"؛ وليس توكيدا له؛ لأنه ليس بلفظه ولا بمعناه؛ وهو بدل اشتمال؛ لما بينهما من التلازم.

أما إبدال الجملة، من الجملة، بدل كل؛ فمنعه البعض، أجازه آخرون، بشرط أن تكون الجملة الثانية، أدل من الأولى على بيان المراد؛ نحو: اقطع عنقود العنب اقطعه. ولا يحتاج هذا النوع من البدل إلى ضمير يعود على المبدل منه؛ لتعذر عودته على الفعل؛ أو على الجملة.

التصريح: 2/ 162، والأشموني: 2/ 440.

2 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته.

3 تخريج الشاهد: هذا بيت يشكو فيه الشاعر من تفرق حاجاته وتباعد ما بينها، وأنه موزع القلب مشتت البال، ويذكر بعده بيتا آخر، وهو:

سأعمل نص العيس حتى يكفني

غنى المال يوما أو غنى الحدثان

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 162، والأشموني: 863/ 2/ 440، والعيني: 4/ 201، والخزانة: 1/ 328، والهمع: 2/ 128، والدرر: 2/ 166 والمغني: 372/ 273، 788/ 556، والسيوطي: 189، 284، وهو في ديوان عمر بن أبي ربيعة:495.

المعنى: يشكو الشاعر من تفرق أغراضه، وتباعد ما بين حاجاته؛ فهو لذلك، موزع =

ص: 372

أبدل "كيف يلتقيان" من "حاجة وأخرى" أي: إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما.

[الإبدال من اسم مضمن معنى الاستفهام والشرط] :

فصل: وإذا أبدل اسم من اسم مضمن معنى حرف استفهام، أو حرف شرط،

= القلب، مشتت البال؛ لكونه لا يستطيع الجمع بين تلك الأغراض، وهاتيك الحاجات.

الإعراب: "إلى الله": متعلق بقوله "أشكو". أشكو: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا، تقديره: أنا. "بالمدينة": متعلق بمحذوف حال من "حاجة" تقدم عليه؛ والأصل فيه صفة، فلما تقدم على النكرة أعرب حالا. حاجة: مفعول به منصوب لـ"أشكو". وبالشام: الواو عاطفة، "بالشام": معطوف على "بالمدينة". أخرى: معطوف بالواو على "حاجة"؛ وكلاهما معمول لـ"أشكو"؛ لأن العامل في الحال؛ هو العامل في صاحبها، كما هو معلوم؛ وكأنه قال: وأشكو أخرى بالشام. كيف: اسم استفهام مبني على الفتح، في محل نصب على الحال، تقدم على صاحبه وعامله؛ لأن أسماء الاستفهام لها الصدارة في الكلام. يلتقيان: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ والألف: ضمير متصل في محل رفع فاعل.

موطن الشاهد: "كيف يلتقيان".

وجه الاستشهاد: إبدال جملة "كيف يلتقيان" من المفرد "حاجة، وأخرى" بدل كل؛ وسوغ ذلك، أن الجملة في التقدير: بمنزلة المفرد -كما بين المصنف- وما ذهب إليه المصنف؛ هو رأي ابن جني، ومن جاء بعده. وقال الدماميني: يحتمل أن يكون قوله: "كيف يلتقيان؟ " جملة مستأنفة؛ أريد بها التنبيه على سبب الشكوى؛ وهو استبعاد اجتماع هاتين الحاجتين.

فائدة: قد يبدل المفرد من الجملة؛ كقوله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا} ؛ فكلمة "قيما": بدل من جملة "لم يجعل له عوجا"؛ لأنها في معنى المفرد؛ أي: جعله مستقيما.

انظر تفصيل هذه المسألة والتي قبلها في:

شرح التصريح: 2/ 163.

وهمع الهوامع: 2/ 628.

ومغني اللبيب: 557.

ص: 373

ذكر ذلك الحرف مع البدل1؛ فالأول كقولك: "كم مالك أعشرون أم ثلاثون"، و"من رأيت أزيدا أم عمرا"، و"ما صنعت أخيرا أم شرا"2؛ والثاني نحو:"من يقم إن زيد، وإن عمرو وأقم معه" و"ما تصنع إن خيرا، وإن شرا تجز به" و"متى تسافر إن غدا، وإن بعد غد، أسافر معك"3.

1 وذلك؛ ليوافق البدل المبدل منه في تأدية المعنى؛ وهذا، بشرط ألا يظهر حرف الاستفهام مع المبدل منه؛ فإن ظهر، فلا يلي البدل ذلك. ومعنى تضمنه معنى همزة الاستفهام: أنه استفهام يؤدي معنى الهمزة؛ وهذا الاستفهام عام مجمل، وما بعد الهمزة من البدل فرد يدخل ضمنا في اسم الاستفهام المبدل منه، وكذلك يقال في الشرط.

2 فعشرون وما عطف عليه: بدل تفصيل من "كم"، زيدا: بدل من "مَن"، وخيرا: بدل من "ما"؛ وقرن الجميع بالهمزة لتضمن المبدل منه معنى الاستفهام، وتكرير الأمثلة؛ لأن الاستفهام إما لمعرفة الكميات، أو لتعيين الذوات، أو المعاني.

3 فزيد وعمرو: بدلان من "مَن"، وخيرا وشرا: بدلان من "ما" الشرطية، وغدا: بدل من "متى"، وقرنت كلها بإن لتضمن المبدل منه معنى الشرط. وكرر الأمثلة؛ للعاقل، وللزمان، والمكان.

انظر التصريح: 2/ 163.

ص: 374