الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا
باب النعت
1:
[أنواع التوابع] :
الأشياء التي تتبع ما قبلها في الإعراب2 خمسة3: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، والنسق، والبدل4.
1 ويسمى النعت أيضا: الصفة، والوصف.
2 سواء كان الإعراب لفظيا، أو تقديريا أو محليا. ومثل الإعراب: ما يشبهه من حركة عارصة لغير الإعراب؛ نحو: يا زيد الفاضل -بضم الفاضل على أنه تابع للمنادى على اللفظ.
3 دليل الحصر في الخمسة؛ أن التابع: إما أن يكون بواسطة حرف، وإما لا؛ فالذي يكون بواسطة حرف هو عطف النسق، والذي لا يكون بواسطة حرف؛ إما أن يكون له ألفاظ محصورة معروفة، وإما لا؛ فالذي لا يكون بواسطة حرف؛ وله ألفاظ محصورة معروفة، هو التوكيد؛ والذي لا يكون بواسطة حرف، وليس له ألفاظ محصورة؛ إما أن يكون بالمشق، أو ما في قوته؛ وهو النعت؛ وإما أن يكون بالجامد؛ وهو عطف البيان.
التصريح: 2/ 108.
4 اختلف في عامل التابع؛ فأما النعت، والتوكيد، وعطف البيان؛ فمذهب الجمهور: أن العامل في كل واحد منهما؛ هو نفس العامل في متبوعه، وينسب هذا القول إلى سيبويه؛ وهذا هو الرأي الراجح؛ وذهب الخليل، والأخفش: إلى أن العامل، في كل منها هو تبعيته لما قبله؛ وهي أمر معنوي. وأما البدل؛ فمذهب الجمهور أن العامل فيه محذوف مماثل للعامل في المبدل منه.
وذهب المبرد: إلى أن عامل البدل؛ هو العامل في المبدل منه، وينسب هذا القول إلى سيبويه؛ واختاره ابن مالك، وابن خروف؛ وذهب ابن عصفور: إلى أن العامل في البدل؛ هو العامل في المبدل منه؛ لكن على أنه نائب عن آخر محذوف، لا على استقلاله بذلك؛ فهو عامل في المبدل منه استقلالا، وفي البدل على سبيل النيابة؛ وأما عطف النسق؛ فمذهب الجمهور: أن العمل فيه؛ هو العامل في المعطوف عليه =
[تعريف النعت] :
فالنعت، عند الناظم، هو "التابع1 الذي يكمل متبوعه، بدلالته على معنى فيه2، أو فيما يتعلق به"3.
فخرج بقيد التكميل: النسق والبدل4، وبقيد الدلالة المذكورة: البيان
= لكنه عمل في المعطوف، بواسطة الحرف العاطف؛ وقال قوم: العامل في عطف النسق؛ هو حرف العطف؛ وقال قوم: العامل فيه محذوف.
التصريح: 2/ 108.
1 التابع: هو الاسم المشارك لما قبله، في إعرابه الحاصل والمتجدد، وليس خبرا. ومعنى قولنا:"الحاصل والمتجدد": أنه كلما تغير إعراب الاسم السابق، بسبب تغير التراكيب يتغير الاسم اللاحق بنفس التغير؛ فخرج بذلك: خبر المبتدأ؛ لأنه لو تغير المبتدأ بأن دخلت عليه إن أو إحدى أخواتها، لم يتغير الخبر بنفس تغيره، وخرج منه المفعول الثاني؛ لأنه لو تغير إعراب المفعول الأول، بأن صار نائب فاعل؛ لبناء الفعل للمجهول، لم يتغير المفعول الثاني كذلك؛ وخرج منه الحال المنصوب؛ لأنه لو تغير إعراب ذلك الاسم المنصوب؛ الذي هو صاحب الحال، إلى الرفع أو الجر لم يتغير معه إعراب الحال.
وقولنا: "وليس خبرا": مخرج للخبر الثاني، فيما إذا تعددت الأخبار؛ نحو:"الرمان حلو حامض" هذا، ولا يفصل بين التابع والمتبوع بأجنبي محض عنه ويجوز بمعمول الوصف؛ نحو قوله تعالى:{ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} ؛ وبمعمول الموصوف؛ نحو: يعجبني ضربك زيدًا الشديدُ؛ وبعامل المتبوع؛ نحو: المريض -أكرمت- الجريح؛ وبمعمول العامل؛ كقوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ} ؛ وبمفسر العامل؛ نحو؛ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} وبالاستثناء؛ وبالقسم؛ وبجوابه؛ كقوله تعالى: {بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} ؛ وبالاعتراض؛ كقوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}
…
إلخ. ولا يحوز تقديم التابع على المتبوع.
الأشموني وحاشية الصبان: 2/ 57.
2 هذا، إذا كان نعتا حقيقيا؛ وهو: ما يدل على معنى في نفس منعوته؛ أو ما هو في حكمه.
3 وذلك؛ إذا كان نعتا سببيا؛ وهو ما يدل على معنى في شيء بعده؛ له صلة وارتباط بالمتبوع.
4 لأنهما لم يقصد بهما أصلا تكميل متبوعهما، لا بإيضاح، ولا تخصيص.
والتوكيد1.
والمراد بالمكمل الموضح للمعرفة؛ كـ"جاء زيد التاجر" أو "التاجر أبوه"، والمخصص للنكرة؛ كـ"جاءني رجل تاجر" أو "تاجر أبوه"2.
1 لأنهما لا يدلان على صفة ومعنى في متبوعهما، ولا فيما يتعلق به؛ فإنهما عين متبوعهما فهما يكملان بالإيضاح ورفع الاحتمال.
2 الأصل في النعت: أن يكون للإيضاح، أو التخصيص؛ فالإيضاح:"هو رفع الاشتراك اللفظي الواقع في المعارف على سبيل الاتفاق"؛ ومعنى هذا: أنه قد يكون لك عدة أصدقاء؛ كل منهم يسمى خالدا؛ فإذا قيل لك: حضر خالد لم تدر أي الخالدين حضر؛ ولذا يلزمه أن يضيف إلى اسمه صفة توضحه لك، كأن يقول: حضر خالد الشاعر، وفسر بعضهم الإيضاح؛ بأنه: رفع الاحتمال في المعارف.
والتخصيص: "هو رفع الاشتراك المعنوي الواقع في النكرات بحسب الوضع"؛ ومعنى هذا: أن النكرة موضوعة للدلالة على فرد مبهم، من أفراد، يصدق لفظ النكرة، على كل واحد منهم؛ فرجل: يدل على واحد من أفراد الذكور البالغين، من بني آدم؛ فإذا قلت: زارنا رجل، لم يدر السامع أي أفراد هذا الجنس، قد زارك؛ لأن اللفظ بحسب وضعه، صالح للإطلاق على كل واحد منهم؛ وإذا قلت: جائني رجل عالم لم يتضح المراد اتضاحا كاملا؛ لكنه تخصص بالعالم.
وقد لا يكون للإيضاح والتخصيص؛ بل لأغراض أخرى؛ منها:
مجرد المدح؛ نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
مجرد الذم؛ نحو: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
التعميم؛ نحو: "إن الله يرزق عباده الطائعين والعاصين".
الترحم؛ نحو: "اللهم إني عبدك المسكين".
الإبهام؛ نحو: "تصدق بصدقة قليلة أو كثيرة".
التوكيد؛ نحو قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} .
انظر التصريح: 2/ 108-109، وهمع الهوامع: 2/ 116-117.
فائدة: يفسر النحاة قولهم في تعريف النعت: "المتمم لمتبوعه"؛ بأحد تفسيرين؛
الأول: أن معناه: المفيد لما يطلبه المتبوع بحسب المقام، واختار هذا التفسير الأشموني، هو شامل لكل المعاني التي يرد لها النعت من التخصيص، والتوضيح، والمدح، والذم، والترحم، والتعميم، والإبهام، والتوكيد، والتفصيل؛ فلا يرد عليه الاعتراض بأنه غير جامع.
وأما التفسير الثاني؛ فحاصله: أن معنى المتمم لمتبوعه: الموضح له في المعارف =
وهذا الحد غير شامل لأنواع النعت؛ فإن النعت قد يكون لمجرد المدح، كـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1، أو لمجرد الذم؛ نحو:"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"2، أو للترحم؛ نحو:"اللهم أنا عبدك المسكين"؛ أو للتوكيد، نحو:{نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} .
[وجوب اتباع النعت الحقيقي متبوعه في الإعراب وغيره] :
فصل: وتجب موافقة النعت لما قبله فيما هو موجود فيه من أوجه الإعراب الثلاثة، ومن التعريف والتنكير3.
= والمخصص له في النكرات؛ وهذا تفسير قاصر؛ لأنه لا يشمل ما يكون النعت فيه لغير التوضيح والتخصيص؛ من المدح، والذم، والترحم
…
إلخ؛ وهذا يعني أن تعريف النعت بهذه الصورة غير جامع؛ وكل تعريف غير جامع، يكون فاسدا؛ لخروج بعض أفراد المعرف عنه؛ وبهذا، اعترض المؤلف بعد ذكر هذا التفسير.
انظر الأشموني: 2/ 293، التصريح: 2/ 108-109.
1 1 سورة الفاتحة، الآية:2.
موطن الشاهد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "رب" صفة لـ"الله"؛ وقد أفادت الصفة مجرد المدح.
2 موطن الشاهد: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
وجه الاستشهاد: وقوع "الرجيم" صفة لـ"الشيطان" وقد أفادت الصفة مجرد الذم.
3 لأن المخالفة في ذلك تجعل الشيء معينا، وغير معين في وقت واحد، ويشترك في الموافقة فيما تقدم النعت مطلقا؛ حقيقيا، أو سببيا. وقد أجاز الأخفش نعت النكرة بالمعرفة؛ بشرط أن تكون النكرة مخصصة بوصف؛ ومثل بقوله تعالى:{فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} ؛ فجعل "الأوليان" المعرف بـ"أل" صفة لـ"آخران" مع أنه نكرة، وسوغ ذلك -عنده- كونه موصوفا بالجار والمجرور.
وأجاز ابن الطراوة نعت المعرفة بالنكرة، بشرط أن تكون النكرة، مما لا ينعت بها غير هذه المعرفة؛ كقول النابغة الذبياني:
فبت كأني ساورتني ضئيلة
…
من الرقش في أنيابها السم ناقع
فجعل "ناقع" صفة لـ"السم" مع أن السم معرفة، وناقع نكرة؛ وسوغ ذلك كون السم، لا يوصف إلا بناقع؛ فيقال: سم ناقع.
غير أن ما ذهب إليه الأخفش، وابن الطراوة غير مسلم لهما، وما مثلا به لا يلزم =
تقول: "جاءني زيد الفاضل" و"رأيت زيدا الفاضل" و"مررت بزيد الفاضل" و"جاءني رجل فاضل"، كذلك.
وأما الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث؛ فإن رفع الوصف ضمير الموصوف المستتر وافقه فيها1، كـ"جاءتني امرأة كريمة، ورجلان كريمان، ورجال كرام"، وكذلك "جاءتني امرأةٌ كريمةُ الأبِ" أو "كريمةٌ أبًا"2، و"جاءني رجلان كريما الأب"، أو "كريمان أبا"، و"جاءني رجالٌ كرامُ الأبِ" أو "كرامٌ أبًا"؛ لأن الوصف في ذلك كله رافع ضمير الموصوف المستتر3.
وإن رفع الظاهر أو الضمير البارز أُعطي حكم الفعل4؛ ولم يعتبر حال الموصوف.
= إعرابه كما زعما؛ لأنه يجوز إعراب "الأوليان" بدلا من "آخران"، أو خبرا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هما الأوليان؛ كما يجوز أن يعرب "ناقع" بدلا من "السم"؛ أو خبرا ثانيا له؛ والجار والمجرور خبرًا أول مقدما عليه؛ وقد استثنى كثير من النحاة الاسم المحلى بـ"أل" الجنسية؛ فإنه لقربه من النكرة، يجوز نعته بالنكرة؛ كما قالوا: إن جملة الفعل المضارع في محل جر صفة للمحلى بـ"أل" في قول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني
…
فمضيت ثمة قلت لا يعنيني
ومعلوم: أن الجملة نكرة؛ ومن لا يقر ذلك، يجعل جملة "يسبني": حالا من اللئيم المحلى بـ"أل" الجنسية، غير أن المعنى يأباه إلا بتكلف ظاهر.
انظر حاشية الصبان: 3/ 60-61.
1 وحينئذ، تكمل له الموافقة في أربعة من عشرة؛ وهذا هو النعت الحقيقي.
2 الوصف في هذا المثال، وما بعده، جار على غير من هو له؛ وقد حول الإسناد عن الظاهر إلى ضمير الموصوف، ويجر الظاهر؛ بالإضافة، إن كان معرفة، وينصب على التمييز، إن كان نكرة.
3 أي: أصالة، أو تحويلا، ولم يرفع السببي؛ وإذا كان النعت مما يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ كالمصدر غير الميمي، وصيغني "فعيل" و"فعول"، أو كان أفعل تفضيل -مجردا-، أو مضافا لنكرة، لم يطابق المنعوت في التأنيث، والتثنية، والجمع: بل يلزم الإفراد، والتذكير. وإذا كان صفة لجمع ما لا يعقل؛ عومل معاملة المؤنثة المفردة، أو الجمع؛ نحو:{أَيَّامًا مَعْدُودَةً} ، و {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} .
4 فيجرد من علامة التثنية، والجمع، على اللغة الفصحى، ويعتبر حالا مرفوعة في =
تقول: "مررت برجلٍ قائمةٍ أمهُ"، و"بامرأةٍ قائمٍ أبوها"، كما تقول:"قامت أمه"، و"قام أبوها"، و"مررت برجلين قائمٍ أبواهما"، كما تقول:"قام أبواهما"، ومن قال:"قاما أبواهما"1؛ قال: "قائمين أبواهما"2، وتقول: مررت برجالٍ قائمٍ آباؤهم"، كما تقول: "قامَ آباؤهم"، ومن قال: "قاموا آباؤهم"؛ قال "قائمين آباؤهم" وجمع التكسير أفصح من الإفراد3، كـ"قيامٍ آباؤهم".
[الأشياء التي ينعت بها أربعة] :
فصل: والأشياء التي ينعت بها أربعة:
أحدها: المشتق4، والمراد به ما دل على حدث وصاحبه؛ كـ"ضارب" و"مضروب"، و"حسن"، و"أفضل".
= التأنيث والتذكير؛ سواء أكان المنعوت كذلك، أم لا؛ وهذا هو النعت السببي، ولا يطابق منعوته إلا في اثنتين من خمسة؛ هما:
حركات الإعراب، والتعريف والتنكير.
1 أي: بلحاق علامة التثنية بالفعل المسند إلى المثنى؛ وهي لغة طيئ، وأزد شنوءة.
2 أي: بتثنية الوصف الرافع للسببي.
3 أي: إذا كان الوصف مسندا إلى سببي مجموع؛ جاز فيه الإفراد والتكسير على اللغة الفصحى؛ والتكسير أفصح، عند سيبويه. وقيل: إن كان النعت تابعا لجمع؛ فالتكسير أفصح للمشاكلة، وإن كان تابعا لمفرد، أو مثنى؛ فالإفراد أفصح.
التصريح: 2/ 110.
فائدة: قال الصبان -نقلا عن المغني
…
: يجوز مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين؛ وإن لزم استتار الضمير، في قاعدين، مع جريان الصفة، على غير من هي له؛ لأنه يفتقر في الثواني، ما لا يفتقر في الأوائل، ويمتنع: قائمين لا قاعد أبواه، على إعمال الثاني، للزوم ما ذكر في الأوائل.
حاشية الصبان: 3/ 61-62.
4 المراد بالمشتق: ما دل على حدث وصاحبه ممن اتصف به الفعل، أو قام به، أو وقع منه أو عليه، أو ما هو بمعنى أحدهما؛ فالذي اتصف بالفعل، أو قام به؛ هو اسم الفاعل، من اللازم؛ والذي وقع منه الفعل؛ هو اسم الفاعل من المتعدي؛ والذي وقع عليه الفعل: هو اسم المفعول. وما كان بمعنى اسم الفاعل: أمثلة المبالغة، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل. وما كان بمعنى اسم المفعول: هو صيغة "فعيل" بمعنى: =
الثاني: الجامد المشبه للمشتق في المعنى1، كاسم الإشارة2، و"ذي"3 بمعنى صاحب، وأسماء النسب، تقول:"مررت بزيد هذا" و"برجل ذي مال" و"برجل دمشقي" لأن معناها الحاضر، وصاحب مال، ومنسوب إلى دمشق4.
الثالث: الجملة؛ وللنعت بها ثلاثة شروط؛ شرط في المنعوت؛ وهو أن يكون
= "مفعول" وأفعل التفضيل، إذا كان فعله مبنيا للمجهول؛ وقلنا بجواز اشتقاقه منه؛ وعلى هذا، لا يشمل المشتق -هنا- ما أخذ من المصدر؛ للدلالة على زمان الفعل، أو مكانه، أو آلته -اسم الزمان واسم المكان واسم الآلة-؛ فهذه الثلاثة، لا ينعت بها. حاشية الصبان: 3/ 62.
1 بأن يفيد ما يفيده المشتق من المعنى؛ وهو المسمى بالمشتق تأويلا.
2 أي: الزمانية؛ مثل "هذا" وفروعه؛ وهي معارف، فلا تقع صفة إلا للمعرفة. أما اسم الإشارة المكانية؛ نحو:"هنا"، و"ثم" فلا تقع صفة بنفسها؛ ولكنها تتعلق بمحذوف، يكون هو الصفة؛ فيجوز القول: مررت برجل هنا؛ أي: كائن أو موجود هنا؛ ويقال من باب الاختصار: الظرف صفة.
انظر حاشية الصبان: 3/ 62.
3 ومثلها: فروعها؛ وهي: "ذوا، ذوي" للمثنى المذكر، و"ذوو، وذوي"؛ لجمع المذكر، و"ذات"؛ للمفردة المؤنثة، و"ذاتا، وذاتي"؛ للمثنى المؤنث، و"ذوات"؛ الجمع المؤنث، ولا تكون نعتا إلا لنكرة. ويوصف كذلك؛ للمثنى المؤنث، و"ذوات"؛ الجمع المؤنث، ولا تكون نعتا إلا لنكرة. ويوصف كذلك بـ"ذو" الموصولة وفروعها وسائر الموصولات الاسمية المبدوءة بـ"أل" كالذي والتي، و"أل" نفسها. أما "من" و"ما" ففي النعت بهما خلاف؛ والصواب جوازه.
ولما كانت الموصولات معرفة؛ وجب أن يكون منعوتها معرفة. ومن الجامد المشبه للمشتق: أسماء الأعداد؛ نحو: اشتريت الكتب الخمسة، ولفظ "أي": إذا أضيفت إلى نكرة تماثل المنعوت في المعنى؛ نحو: اتخذت صديقا أي صديق. ولفظ "كل أو جد أو حق"؛ إذا أضيف كل إلى اسم جنس يكمل معنى الموصوف؛ تقول: أنت الرجل كل الرجل، وهذا صديق جد وفيّ، وأنت الزميل حق الزميل. انظر التصريح: 2/ 111، وحاشية الصبان: 3/ 62
أي: فقد أفادت ما يفيده المشتق من المعنى، ولا يقتصر في النسب على المنسوب بالياء، بل يشمل على صيغة "فعال" أو "فاعل" أو غيرهما، كما سنرى في باب النسب. وينبغي أن يكون النسب مقصودا، وإلا بقي الاسم على جموده، فلا يقع نعتا؛ كمن اسمه: بدوي؛ أو مكي. ويصلح المنسوب نعتا للنكرة، والمعرفة بشرط المطابقة في ذلك؛ ومثل المنسوب المصغر.
التصريح: 2/ 111، وحاشية الصبان: 3/ 62-63.
نكرة إما لفظا ومعنى1 نحو: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} 2، أو معنى لا لفظا؛ وهو المعرف بأل الجنسية؛ كقوله3:[الكامل]
393-
ولقد أمر على اللئيم يسبني4
1 لأن الجملة -كما يقول الرضي: مؤولة بالنكرة، وإن كان يجري على الألسنة أنها نكرة؛ لأن التعريف والتنكير من خواص الأسماء. ويقول صاحب المفصل:"إنها نكرة بدليل وقوعها نعتا للنكرة"؛ والخلاف شكلي لا أثر له على الجوهر.
انظر التصريح: 2/ 111، والمفصل للزمخشري:115.
2 2 سورة البقرة، الآية:281.
موطن الشاهد: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "يوما" مفعولا به لـ"اتقوا" وهو نكرة لفظا؛ فوصف بجملة {تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} ؛ والتقدير: واتقوا يوما مرجوعا فيه إلى الله.
3 القائل: رجل من بني سلول.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 111، وابن عقيل: 286/ 3/ 196، وسيبويه: 1/ 416، والخصائص: 3/ 330، 332، ودلائل الإعجاز: 136، وأمالي ابن الشجري: 2/ 203، والخزانة: 1/ 173، 528، 2/ 161، والعيني: 4/ 58، والمغني: 151/ 138، 792/ 561، 1103/ 845، والسيوطي: 107، والهمع: 1/ 9، 2/ 140، والدرر: 1/ 4، 2/ 192.
المفردات الغريبة: اللئيم: الدنيء النفس، الخبيث الطباع. لا يعنيني: لا يقصدني، وهذا الرجل يصف نفسه بالحلم والوقار، وقبله قوله:
غضبان ممتلئا علي أهابه
…
إني وحقك سخطه يرضيني
المعنى: لقد أمر على اللئيم الذي ديدنه وطبعه الشتم والسب من غير مبرر، فأمضي ولا أهتم به ولا أجيبه بالمثل، أو أردعه احتقارا له؛ ولكن أقول في نفسي: إنه لا يقصدني بسبه وشتمه.
الإعراب: لقد: اللام موطئة للقسم، لا محل لها من الإعراب، قد: حرف تحقيق. أمر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل أنا. "على اللئيم": متعلق بـ"أمر". يسبني: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل، في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "يسبني": في محل جر صفة لـ"لئيم". فمضيت: الفاء حرف عطف، مضى فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله =
وشرطان في الجملة1:
أحدهما: أن تكون مشتملة على ضمير يربطها بالموصوف، إما ملفوظ به كما تقدم؛ أو مقدر؛ كقوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} 2؛ أي:
= بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل، في محل رفع فاعل. ثمت: ثم حرف عطف، والتاء: لتأنيث اللفظ. قلت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل. لا يعنيني: لا نافية، لا محل لها من الإعراب، يعني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء؛ للثقل، والنون: للوقاية، وياء المتكلم: في محل نصب مفعولا به؛ وجملة: "لا يعنيني": مقول القول في محل نصب مفعولا به.
موطن الشاهد: "اللئيم يسبني".
وجه الاستشهاد: وقوع جملة "يسبني": صفة للمعرفة "اللئيم"، وساغ ذلك؛ لكون "أل" جنسية؛ فمدخولها معرفة لفظا، نكرة معنى.
وزعم ابن عقيل: أنه يجوز في هذا البيت؛ أن تكون الجملة حالا، كما تأتي بعد المعرفة، غير أن معنى البيت، لا يوافق ذلك؛ وهذه المسألة خلافية، واختار ابن مالك في شرح التسهيل جواز كون الجملة صفة للاسم المقترن بأل الجنسية نظرا إلى معناه؛ لأن لفظه معرفة بسبب دخول "أل" عليه؛ ومعناه كمعنى النكرة؛ لأنه لا يقصد به فرد معين.
وذهب أبو حيان في "الارتشاف": إلى أنه لا يجوز أن تكون الجملة صفة للاسم المقترن بأل وعنده أن "أل" الجنسية كأل العهدية في كون مدخول كل منهما معرفة؛ وخلاصة القول: إن ابن مالك، نظر فيما اختاره إلى المعنى المراد بمصحوب "أل" الجنسية؛ وأن أبا حيان، نظر فيما اختاره إلى اللفظ.
انظر شرح التصريح: 2/ 111، وابن عقيل "ط. دار الفكر": مج 2/ 168-169.
1 بقي شرط للنكرة التي توصف بالجملة -لم يذكره المؤلف- وهو كون النكرة الموصوفة مذكورة في الكلام، ولا يجوز حذفها؛ إلا في الحالة التي سيذكرها المؤلف في حذف الموصوف؛ وهي أن تكون النكرة بعض اسم متقدم مجرور بمن أو بفي، وزعم قوم: أنه لا يشترط ذلك، بل يجوز أن تكون النكرة محذوفة.
انظر التصريح: 2/ 112.
2 2 سورة البقرة، الآية:123.
موطن الشاهد: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} .
وجه الاستشهاد: وقوع جملة {لا تَجْزِي نَفْسٌ} : في محل نصب صفة لـ"يوما"، وقد اشتملت هذه الجملة على ضمير مقدر يربطها بالموصوف؛ والتقدير: "لا تجزي =
لا تجزي فيه1.
والثاني: أن تكون خبرية؛ أي: محتملة للصدق والكذب؛ فلا يجوز "مررت برجل اضربْهُ"؛ ولا "بعبد بعتكه" قاصدا لإنشاء البيع2، فإن جاء ما ظاهره ذلك؛ يؤول على إضمار القول؛ كقوله3:[الرجز]
= فيه عن نفس شيئا"؛ كما أوضح المؤلف في "المتن". وانظر ابن عقيل "ط. دار الفكر": مج2: 170.
1 من الجمل التي تحتاج إلى رابط، يربطها بما تتصل به: جملة الصلة، وجملة الخبر، وجملة النعت؛ فأما جملة الخبر، فقد ذكر المؤلف في موضعه ما يربطها بالمبتدأ، كما ذكر أنه يجوز كون الضمير الرابط للمبتدأ بجملة الخبر محذوفا مقدرا، وذكر في باب الموصول ما يربط الصلة بالموصول؛ كما فصل القول في حذف هذا العائد مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا؛ ولم يفصل هذا التفصيل في رابط جملة الصفة بالموصوف؛ ولذا لا بد من معرفة الآتي:
أ- أن حذف الرابط من جملة الصلة أكثر من حذف الرابط من جملة الصفة، ومن جملة الخبر.
ب- وأن حذف الرابط من جملة الصفة كثير في ذاته، وحذفه من جملة الخبر قليل.
ج- وأن رابط جملة الصفة بالموصوف، قد يكون أصله -قبل الحذف- مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا بواحد من حرفين؛ وهما:"في" و"من".
فأما الذي أصله مجرور بـ"في"؛ فإنما يكون إذا كان الموصوف اسم زمان؛ ومن أمثلته؛ الآية الكريمة التي تلاها المؤلف: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} ، أي: لا تجزي فيه؛ فإن كان الموصوف غير ظرف الزمان؛ لم يجز حذف الرابط المجرور بـ"في"؛ نحو: رأيت رجلا رغبت فيه.
وأما الرابط المجرور بـ"من"؛ فقد يحذف والموصوف اسم زمان؛ نحو: هذا شهر صمت يوما مبارك؛ والتقدير: صمت يوما منه.
وقد يحذف، والموصوف غير اسم الزمان؛ نحو:"عندي بر إردب بدينارين"؛ أي: إردب منه بدينارين.
وانظر التصريح: 2/ 112.
2 أي: لا الإخبار به، وذلك؛ لأن النعت يقصد به توضيح المنعوت، أو تخصيصه؛ فلا بد من أن يكون معلوما عند السامع قبل، والإنشاء بنوعيه؛ الطلبي، وغير الطلبي ليس كذلك؛ لأنه لا خارج لمدلولهما إلا عند التلفظ بهما.
3 يُنسب البيت إلى العجاج، وينسب إلى غيره.
394-
جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط1
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من الرجز -أو بيت من مشطوره- وصدره قوله: حتى إذا جن الظلام واختلط
وكان هذا الراجز قد نزل بقوم فانتظروا عليه طويلا حتى جاء الليل بظلامه ثم جاءوه بلبن قليل، قد خلطوا به ماء كثيرا؛ حتى أصبح لونه يحاكي لون الذئب.
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 112، والأشموني: 778/ 2/ 396، وابن عقيل: 288/ 3/ 199، والكامل: 518، والمحتسب: 2/ 165، وأسرار البلاغة: 381، وأمالي ابن الشجري: 2/ 149، والمعاني الكبير: 204-399، وشرح المفصل: 3/ 53، والخزانة: 1/ 275، والمغني: 447/ 325، 994/ 761، والسيوطي: 214، والهمع: 2/ 117، والدرر: 2/ 148، وملحقات ديوان العجاج:81.
المفردات الغريبة: جن: دخل وستر. اختلط: امتزج ظلامه بالضياء. بمذق: هو مصدر بمعنى الممذوق؛ أي: المخلوط، من مذقت اللبن، إذا خلطته بالماء. قط: اسم للزمان الماضي.
المعنى: يذكر العجاج أن قوما أضافوه، وأطالوا عليه، حتى دخل الليل، ثم جاءوا بلبن مخلوط بالماء؛ حتى صار لونه في العشية، يشبه لون الذئب.
الإعراب: جاءوا: فعل ماضٍ مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف: للتفريق. "بمذق": متعلق بـ"جاء". هل: حرف استفهام، لا محل له من الإعراب. رأيت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. الذئب: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. قط: ظرف لما مضى من الزمان، مبني على الضم، في محل نصب بـ"رأى" وسكن لضرورة الوقف.
موطن الشاهد: "بمذق هل رأيت الذئب".
وجه الاستشهاد: ظاهر الكلام، يفيد وقوع الجملة الاستفهامية "هل رأيت
…
" صفة للنكرة: "مذق"، غير أن هذا الظاهر غير مراد؛ لأن جملة الاستفهام معمولة لقول محذوف؛ وهذا العامل المحذوف؛ هو الواقع صفة؛ لأن التقدير: جاءوا بمذق مقول عند رؤيته: هل رأيت الذئب قط؟ وقدر ابن عمرون الصفة المحذوفة، بقوله: "جاءوا بمذق مثل الذئب؛ هل رأيت الذئب قط؟؛ وزعم أن هذا أحسن من تقدير القول؛ لأن هذا المقدر، ورد مصرحا به نحو قولهم:"مررت برجل مثل الأسد؛ هل رأيت الأسد قط؟؛ وفي الحديث: "كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم، يا رسول الله؛ قال:"فإنها مثل شوك السعدان".
وانظر في هذه المسألة حاشية الصبان: 3/ 64. =
أي: جاءوا بلبن مخلوط بالماء مقول عنه رؤيته هذا الكلام.
الرابع: المصدر1، قالوا "هذا رجل عدل، ورضا، وزور، وفطر" وذلك، عند الكوفيين، على التأويل بالمشتق2؛ أي: عادل، ومرضي، وزائر، ومفطر، وعند البصريين على تقدير مضاف؛ أي: ذو كذا؛ ولهذا التزم إفراده وتذكيره3؛ كما يلتزمان لو صرح بذو3.
= وابن عقيل "ط. دار الفكر": مج2: 171-172.
والتصريح: 2/ 112-113.
1 شريطة أن يكون منكرا، وصريحا مؤولا، وأن يكون مصدر فعل ثلاثي، أو بزنته، وألا يبدأ بميم زائدة، وأن يلتزم صيغة واحدة؛ وهي الإفراد والتذكير غالبا؛ فلا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث -إلا ما سمع من ذلك- وهو في هذا كله مقصور على السماع؛ وإلى هذا أشار ابن مالك:
ونعتوا بمصدر كثيرا
…
فالتزموا الإفراد والتذكيرا
والمعنى: وصف العرب بالمصدر كثيرا، في أساليبهم، ولم يخرجوه عن صيغته الملازمة للإفراد والتذكير، ولو كان الموصوف غير مفرد وغير مذكر.
انظر التصريح: 2/ 113.
2 ذلك؛ لأنه لا يصح أن يكون اسم المعنى وصفا للذات. ويؤيد قولهم: ورود أساليب وقع فيها المصدر نعتا مع إضافته إلى معرفة؛ كقولهم: مررت برجل -حسبك من رجل، أو شرعك من رجل- أي: كافيك، وهمك من رجل؛ أي: مهمك، ونحوك من رجل؛ أي: مشابهك ومماثلك؛ وهذه المصادر، لم تكتسب التعريف من المضاف إليه؛ لأنها مؤولة بالمشق. ومن أمثلة المشتق -الذي لا يكتسب التعريف- قوله تعالى:{هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} ؛ فقد وصف "عارض" النكرة، بـ"ممطرنا" المضاف إلى الضمير؛ وخلاصة القول: أن الأصل في الوصف؛ هو الوصف بالمشتق؛ وأما الوصف بالمصدر؛ فهو خلاف الأصل؛ وهو مؤول بما يلي:
أ- أن المصدر الدال على الحدث أطلق، وأريد منه المشتق الدال على الذات؛ وهذا من باب إطلاق المعنى وإرادة محله؛ أو من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم.
ب- أنه على تقدير مضاف؛ وهو -على هذا- مجاز بالحذف.
ج- أنه على المبالغة. انظر تفصيل ذلك في التصريح: 2/ 113، وابن عقيل: مج2: 173، حا:"1".، وحاشية الصبان: 3/ 64-65.
3 لأن المصدر من حيث هو مصدر، لا يثنى، ولا يجمع، فأجروه على الأصل؛ للتنبيه على أن حقه ألا ينعت به؛ لجموده، وأنهم توسعوا فيه بالتأويل والحذف. التصريح: 2/ 113، ضياء السالك: 3/ 124.
[حكم تعدد النعوت والمنعوت] :
فصل: وإذا تعددت النعوت1: فإن اتحد معنى النعت؛ استُغني بالتثنية، والجمع عن تفريقه؛ نحو:"جاءني رجلان فاضلان" و"رجال فضلاء" وإن اختلف؛ وجب التفريق فيها بالعطف بالواو2؛ كقوله3: [الوافر]
395-
على ربعين مسلوب وبال4
1 وكان المنعوت دالا على متعدد، بأن كان مثنى أو مجموعا من غير تفريق.
2 أي: لا غير؛ لأن العطف بغيرها لا يفيد الترتيب في الفعل بل في حصول الوصفين أو الأوصاف للمنعوت، والترتيب في هذا غير وارد.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
بكيت وما بكا رجل حزين
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 114، وسيبويه: 1/ 214، والمقتضب: 2/ 291، والمقرب: 48، والمغني: 658/ 465، والسيوطي:262.
المفردات الغريبة: ربعين: مثنى ربع؛ وهو المنزل. مسلوب: ذاهب لم يبق له أي أثر. بال: ذهبت عينه، وبقيت آثاره ورسومه.
المعنى: بكيت من ألم الفراق والحزن على منزلين للأحبة؛ أحدهما ذهب ولم يبق له أثر ما، والثاني بلي، ولم يبق منه إلا الأطلال والرسوم؛ ولكن ماذا يفيد البكاء والحزن، على الآثار والأطلال؟!.
الإعراب: بكيت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. وما: الواو اعتراضية، لا محل لها من الإعراب. ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. بكا: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة، على الألف للتعذر، وهو مضاف. رجل: مضاف إليه مجرور. حزين: صفة لـ"رجل" مجرور، وعلامة جره الكسرة؛ وجملة "ما بكا رجل حزين": اعتراضية، لا محل لها. "على ربعين": متعلق بـ"بكيت". مسلوب: صفة لـ"ربعين" مجرور وعلامة جره الكسرة. وبال: الواو عاطفة، بال: اسم معطوف على مسلوب، مجرور مثله، وعلامة جره الكسرة المقدرة، على الياء المحذوفة -للتخلص من التقاء الساكنين- منع من ظهورها الثقل.
موطن الشاهد: "ربعين مسلوب "وبال". =
وقولك: "مررت برجال شاعر، وكاتب، وفقيه".
وإذا تعددت النعوت1، واتحد لفظ النعت؛ فإن اتحد معنى العامل وعمله؛ جاز الإتباع مطلقا2؛ كـ"جاء زيد وأتى عمرو الظريفان"، و"هذا زيد وذاك عمرو العاقلان"، و"رأيت زيدا وأبصرت خالدا الشاعرين"3، وخص بعضهم جواز الإتباع بكون المتبوعين فاعلي فعلين، أو خبري مبتدأين4.
وإن اختلفا في المعنى والعمل؛ كـ"جاء زيد ورأيت عمرا الفاضلين"؛ أو اختلف المعنى فقط؛ كـ"جاء زيد ومضى عمرو الكاتبان"، أو العمل فقط كـ"هذا مؤلم زيد وموجع عمرا الشاعران" وجب القطع5.
= وجه الاستشهاد: عطف "بال" على "مسلوب"؛ وهما صفتان، ولم يثنهما؛ لاختلافهما في المعنى.
1 أي: وكان المنعوت متعددا متفرقا.
2 سواء كان المتبوعان مرفوعين بفعلين؛ أو خبري مبتدأين؛ أو منصوبين؛ أو مجرورين. وبعضهم، يشترط -في هذه الحالة: اتفاق المنعوتين تعريفا وتنكيرا؛ لئلا تتبع المعرفة بالنكرة، أو العكس: كما يشترط: ألا يكون أول المنعوتين اسم إشارة؛ فلا يجوز: جاء هذا، وجاء محمد الشاعران: لأن نعت الإشارة، لا يفصل منه.
التصريح: 2/ 14.
3 ومثال المجرور: مررت بعلي، وجزت على خالد الكريمين.
4 ليس هنالك من سبب إلا أن سيبويه نص على هذين في كتابه؛ فتوهم الاختصاص بهما، والصحيح تعميم الحكم.
5 إما بالرفع على إضمار مبتدأ، أو بالنصب على إضمار فعل. ويمتنع الإتباع؛ لأنه يؤدي إلى تسليط عاملين مختلفي المعنى والعمل، على معمول واحد؛ لأن العامل في التابع؛ هو العامل في المتبوع؛ كما تقدم. وإن كان العامل واحدا؛ فإن اتحد عمله ونسبته؛ إلى المعمولين في المعنى "بأن تكون على جهة الفاعلية أو المفعولية مثلا" جاز الإتباع، والقطع بشرطه؛ نحو: حضر محمد وعلي الخطيبان. وإن اختلفا؛ نحو: ضرب محمد عليا الكريمان، أو اختلفت النسبة من دون العمل؛ نحو: أعطيت محمدا أباه الفاضلان، وجب القطع.
التصريح: 2/ 114.
[حكم تعدد النعوت لمنعوت واحد] :
فصل: وإذا تكررت النعوت لواحد؛ فإن تعين مسماه بدونها؛ جاز إتباعها، وقطعها، والجمع بينهما بشرط تقديم المتبع، وذلك؛ كقول خرنق1:[الكامل]
396-
لا يبعدن قومي الذين هم
…
سم العداة وآفة الجزر2
النازلون بكل معترك
…
والطيبون معاقد الأزر
1 هي: الخرنق بنت بدر بن مالك، من بني قيس بن ثعلبة؛ وهي أخت طرفة بن العبد لأمه، وزوج بشر بن عمرو بن مرثد سيد بني أسد؛ شاعرة جاهلية؛ لها في رثاء زوجها، ورثاء من قتل معه يوم قلاب شعر حسن؛ ولها في رثاء أخيها طرفة رثاء أيضا. ماتت نحو: 50ق. هـ. الخزانة: 2/ 306، سمط اللآلي: 780، أعلام النساء: 1/ 294، الأعلام: 2/ 303.
2 تخريج الشاهد: البيتان من قول الخزنق في رثاء زوجها، ومن قتل معه في يوم قلاب؛ أحد أيام العرب، وهو نسبة لجبل بديار بني أسد.
والبيتان من شواهد: التصريح: 2/ 114، والكتاب لسيبويه: 1/ 140، 246، 249، 288. والجمل للزجاجي: 82، والمحتسب: 2/ 198، وأمالي ابن الشجري: 1/ 244، والإنصاف: 1/ 468، 2/ 743، والخزانة: 1/ 301، والعيني: 3/ 602، 4/ 72، والهمع: 2/ 119، والدرر: 2/ 150.
المفردات الغريبة: لا يبعدن: دعاء خرج مخرج النهي؛ أي: لا يهلكن؛ من البعد بمعنى: الذهاب بالموت، أو الهلاك. ومن عادة العرب؛ إذا أرادوا الدعاء لشخص؛ يقولون له: لا تبعد، أو لا يبعد. وإذا أرادوا الدعاء عليه؛ قالوا: بعدت، أو بعدا لك؛ وفي التنزيل:{أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} العداة: جمع عاد -بمعنى العدو- أي: أنهم بمنزلة السم للأعداء، يقتلونهم بلا رحمة. آفة الجزر: الآفة "اسم لكل ما يؤذي، أو يهلك. والجزر: جمع جزور؛ وهي الإبل، يريد أنهم كرماء. معترك: موضع الاعتراك والقتال. معاقد: جمع معقد؛ وهو موضع عقد الإزار؛ والإزار: ما يشده الإنسان على وسطه، وكني بذلك، عن طهارتهم، وعفتهم عن الفحشاء.
المعنى: تدعو الشاعرة لقومها بالسلامة والنجاة، وتصفهم بالشجاعة وأنهم للأعداء بمنزلة السم، لا يبقون عليهم؛ وبالكرم فهم يفنون الإبل ذبحا للضيفان، وبالإقدام؛ فهم لا يجبنون عن القتل في كل معركة؛ وهم مع هذا شرفاء بعيدون عن الخنا والفحشاء.
الإعراب: لا يبعدن: لا حرف دعاء، لا محل له من الإعراب. يبعدن: فعل مضارع =
ويجوز فيه رفع "النازلين" و"الطيبين" على الإتباع لـ"قومي"، أو على القطع بإضمار "هم"، ونصبهما بإضمار "أمدح" أو "أذكر"، ورفع الأول ونصب الثاني على ما ذكرنا، وعكسه على القطع فيهما.
وإن لم يعرف إلا بمجموعها؛ وجب إتباعها كلها، لتنزيلها منه منزلة الشيء الواحد؛ وذلك، كقولك:"مررت بزيد التاجر الفقيه الكاتب"، إذا كان هذا الموصوف يشاركه في اسمه ثلاثة: أحدهم تاجر كاتب، والآخر تاجر فقيه، والآخر فقيه كاتب1.
= مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل جزم بـ"لا" الدعائية، ونون التوكيد حرف مبني على السكون، لا محل له من الإعراب. قومي: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء: في محل جر بالإضافة الذين: اسم موصول في محل رفع صفة لـ"قومي". هم: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. سم: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. العداة: مصاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وجملة "هم سم العداة": صلة للموصول، لا محل لها. وآفة: الواو عاطفة، آفة: اسم معطوف على سم، وهو مضاف. الجزر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. النازلون: صفة لـ"قومي" أو خبر لمبتدأ محذوف وجوبا؛ تقديره: هم النازلون؛ وعلى رواية "النازلين"، فهو: مفعول به لفعل محذوف وجوبا؛ تقديره: أمدح، أو: أعني النازلين. "بكل": متعلق بـ"النازلون"، وكل مضاف. معترك: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. والطيبون: الواو عاطفة، الطيبون: صفة لـ"قومي"؛ أو: خبر لمبتدأ محذوف وجوبا؛ كما في "النازلون"، وعلى رواية:"النازلين"؛ فهو: إما مفعول به لفعل محذوف وحوبا، أو معطوفا على "النازلين"؛ على رواية النصب. معاقد: منصوب على التشبيه بالمفعول به؛ لأن "الطيبون" صفة مشبهة، وهو مضاف. الأزر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "النازلون، الطيبون".
وجه الاستشهاد: مجيء كل من "النازلون" و"الطيبون": صفة لا يتوقف عليها تعيين الموصوف؛ ولهذا، يجوز فيهما الإتباع والقطع؛ كما بينا في الإعراب، وأوضحه المؤلف في المتن.
1 "فزيد" المقصود لا يتعين إلا بالنعوت الثلاثة؛ فيجب -حينئذ- إتباعها كلها.
وإن تعين ببعضها؛ جاز فيما عدا ذلك البعض الأوجه الثلاثة1.
وإن كان المنعوت نكرة تعين في الأول من نعوته الإتباع؛ وجاز في الباقي القطع؛ كقوله2: [المتقارب]
397-
ويأوي إلى نسوة عطل
…
وشعثا مراضيع مثل السعالي3
1 أي: الإتباع، والقطع، والجمع بينهما؛ بشرط تقديم المتبع، ووجب إتباع المفتقر إليه في التعيين.
2 القائل: هو أمية بن أبي عائذ الهذلي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: البيت في وصف صياد، يسعى لتحصيل قوت عياله؛ وهو من شواهد: التصريح: 2/ 117، والأشموني: 782/ 2/ 400، والعيني: 4/ 63، ومعاني الفراء: 1/ 108، وشرح المفصل: 2/ 18، والمقرب: 48، والخزانة: / 1/ 417، 2/ 301، وحاشية الدمنهوري على متن الكافي: 66، وشرح السكري: 507، وديوان الهذليين: 2/ 148.
المفردات الغريبة: يأوي، المراد: يرجع ويئوب، وأصله من أوى فلان إلى فلان؛ أي نزل عنده وسكن إليه، وفلان مأوى المساكين؛ أي: أنهم ينزلون عليه ويجدون -عنده- راحتهم. عطل: جمع عاطل؛ وهي المرأة التي خلا جيدها من الحلي. شعثا: جمع شعثاء، وهي المرأة السيئة الحال، الملبدة الشعر. مراضيع: جمع مرضع، وزيدت الياء للإشباع، أو جمع مرضاع، والياء منقلبة عن الألف، في المفرد: السعالي: جمع سعلاة؛ وهي أخبث الغيلان.
المعنى: أن هذا الصائد، يغيب عن منزله ونسائه، مدة للصيد، وسعيا وراء رزقه، ثم يعود إليه، فيجد نسوة بائسات، قد خلت أعناقهن، من الحلي، وتلبدت واغبرت شعورهن؛ وهن يرضعن أبناءهن، وتراهن في هذا المنظر القبيح، كأخبث الغيلان.
الإعراب: ويأوي: الواو عاطفة، يأوي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره هو. "إلى نسوة": متعلق بـ"يأوي". عطل: صفة لـ"نسوة" مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة. وشعثا: الواو عاطفة، شعثا: مفعول به لفعل محذوف؛ والتقدير: أعني شعثا، أو أصف، أو أذكر، أو نحو ذلك. مراضيع: صفة لـ"شعثا" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. مثل: صفة ثانية لـ"شعثا"، وهو مضاف. السعالي: مضاف إليه مجرور.
موطن الشاهد: "نسوة عطل وشعثا".
وجه الاستشهاد: جر "عطل" على الإتباع وجوبا؛ لأنه صفة للنكرة؛ وجواز الإتباع =
[ما يقصد بالقطع] :
وحقيقة القطع: أن يجعل النعت خبرا لمبتدأ؛ أو مفعولا لفعل.
فإن كان النعت المقطوع لمجرد مدح، أو ذم، أو ترحم، وجب حذف المبتدأ والفعل1؛ كقولهم:"الحمد لله الحميد" بالرفع بإضمار "هو"، وقوله تعالى:{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} 2 بالنصب بإضمار "أذم".
وإن كان لغير ذلك3 جاز ذكره، تقول:"مررت بزيد التاجر" بالأوجه الثلاثة، ولك أن تقول:"هو التاجر" و"أعني التاجر".
[جواز حذف المنعوت إن علم] :
فصل: ويجوز بكثرة حذف المنعوت إن علم، وكان النعت إما صالحا لمباشرة العامل؛ نحو:{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} 4؛ دروعا سابغات، أو بعض اسم مقدم
= والقطع في "شعثا"؛ لأنه روي مجرورا ومنصوبا؛ وفي هذا دلالة على أن نعوت النكرة يجب في أولها الإتباع، ويجوز في ما عداه الإتباع والقطع.
1 ليكون وجوب الحذف دليلا على قصد إنشاء المدح أو الذم أو الترحم.
2 111 سورة المسد، الآية:3.
موطن الشاهد: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "حمالة" مفعولا به لفعل محذوف وجوبا؛ تقديره: أذم حمالة الحطب؛ وجملة "أذم حمالة الحطب": اعتراضية، لا محل لها.
3 بأن كان للتوضيح، أو التخصيص، أو التعميم، أو التفصيل. واعلم أن النعت -إذا قطع-؛ خرج عن كونه نعتا، وتكون جملته مستنأنفة، لا محل لها؛ وجوز بعضهم كونها في محل نصب على الحال؛ والقاعدة فيما تقدم: أنك إذا أتبعت الأول؛ جاز لك في التالي الإتباع، والقطع بالرفع، أو بالنصب. وإن قطعت الأول بالرفع، أو بالنصب؛ وجب في التالي القطع كذلك، فإن قطعت الجميع؛ لم يلزم جعل التالي: كالأول؛ بل يجوز التوافق والتخالف.
التصريح: 2/ 117.
4 34 سورة سبأ، الآية:11.
موطن الشاهد: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} .
وجه الاستشهاد: حذف الموصوف "دروعا"؛ لأن الأصل: اعمل دروعا سابغات؛
مخفوض بمن أو في1.
فالأول؛ كقولهم: "منا ظعن ومنا أقام"؛ أي: منا فريق ظعن، ومنا فريق أقام2.
= فحذف الموصوف للعلم به، مع أن الصفة لا تختص بالموصوف؛ ولكن تقدم ذكر الحديد فأشعر به؛ وحكم حذف الموصوف -هنا- الجواز باتفاق.
1 أي: يحذف الموصوف جوازا أيا؛ إذا كانت الصفة جملة أو شبهها، وكان الموصوف مرفوعا -كما قال الفارسي- أو كان الموصوف بعضا -من اسم متقدم عليه- مجرورا بمن أو في.
التصريح: 2/ 118.
تنبيه: روى النحاة أبياتا من الشعر، وخرجوها على حذف الموصوف، وبقاء الصفة، وليس فيها أحد الشرطين اللذين ذكرهما المؤلف -تعبا لهم- غير أنهم حكموا بشذوذها؛ فمن ذلك قول الراجز:
مالك عندي غير سهم وحجر
…
وغير كبداء شديدة الوتر
ترمي بكفي كان من أرمى البشر
…
فالتقدير: ترمي بكفي رجل كان من أرمى البشر، إذا عدت "كان" زائدة؛ غير أن هذا الحذف للضرورة، كما ذكر الأشموني.
انظر حاشية الصبان: 3/ 70.
ومن الضرورة -أيضا- ما جاء في قول النابغة الذبياني:
كأنك من جمال بني أقيش
…
يقعقع بين رجليه بشن
كأنك جمل من جمال بني أقيش؛ فحذف الموصوف "جمل"، وأبقى الصفة "الجار والمجرور"؛ ويمكن تخريج هذا البيت على المطرد الشائع؛ ويكون تقدير الكلام: كأنك من جمال بني أقيش جمل يقعقع بين رجليه بشن؛ ليكون الموصوف بعض اسم مجرور بمن متقدم؛ ويكون "الجار والمجرور": حالا من الضمير، في "يقعقع"؛ وجملة "يقعقع": صفة لـ"جمل".
انظر حاشية الصبان: 3/ 71.
2 "فظعن وأقام" -جملتان في موضع رفع: نعتان لمنعوتين محذوفين: والمنعوتان: مرفوعان على الابتداء؛ وهما بعض اسم مقدم؛ وهو الضمير المجرور بمن. وهذا تقدير البصريين؛ ويقدر الكوفيون المحذوف اسما موصولا؛ أي: منا الذي ظعن، والذي أقام؛ وتقدير البصريين: أحسن وأقيس؛ لأن اتصال الموصول بالصلة أشد من اتصال الموصوف بصفته.
التصريح: 2/ 118.
والثاني؛ كقوله1: [الرجز]
398-
لو قلت ما في قومها لم تيثم
…
يفضلها في حسب وميسم2
أصله: "لو قلت ما في قومها أحد يفضلها لم تأثم"، فحذف الموصوف وهو "أحد"، وكسر حرف المضارعة من تأثم، وأبدل الهمزة ياء، وقدم جواب لو فاصلا بين الخبر المقدم؛ وهو الجار والمجرور، والمبتدأ المؤخر؛ وهو "أحد" المحذوف.
1 ينسب هذا البيت إلى الأسود الحماني، ويُنسب إلى حكيم الربعي -راجز إسلامي كان معاصرا للحجاج- والأسود الحماني نسبة إلى حمان بن عبد العزى من تميم، شاعر مقل.
الخزانة: 5/ 64، والجمهرة:220.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت يصف فيه الراجز امرأة.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 118، والأشموني: 783/ 2/ 400، وسيبويه: 1/ 375، والخصائص: 2/ 370، وشرح المفصل: 3/ 59، 61، والخزانة: 3/ 311، والعيني: 4/ 71، والهمع: 2/ 120، والدرر: 2/ 151.
المفردات الغريبة: لم تيثم: لم تأثم؛ أي: لم تقع في الإثم، وكسرت التاء على لغة، وقلبت الهمزة ياء؛ لسكونها إثر كسرة. يفضلها: يزيد عليها. حسب: كل ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه. ميسم: وسامة وحسن.
المعنى: لو قلت: إنه ليس في قوم هذه المرأة، أحد يفضلها، ويزيد عليها، في عراقة النسب والجمال؛ لم تكن كاذبا، في قولك.
الإعراب: لو: حرف شرط غير جازم، لا محل له من الإعراب. قلت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع فاعل. ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. "في قومها": متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف؛ والتقدير: ما في قومها أحد، وقوم مضاف، و"ها": مضاف إليه. يفضلها: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو، و"ها" في محل نصب مفعولا به. "في حسب": متعلق بقوله: "يفضل". وميسم: الواو عاطفة، ميسم: اسم معطوف على "حسب" مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وجملة "يفضلها في حسب وميسم": في محل رفع صفة لـ"المبتدأ" المحذوف.
موطن الشاهد: "ما في قومها يفضلها".
وجه الاستشهاد: حذف الموصوف "أحد" وبقيت الصفة؛ وهي جملة يفضلها؛ والأصل: لو قلت ما في قومها أحد يفضلها؛ وقد أوضح المصنف ذلك.
[جواز حذف النعت إن علم] :
ويجوز حذف النعت إن علم، كقوله تعالى:{يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} 1 أي: كل سفينة صالحة، وقول الشاعر2:[المتقارب]
399-
فلم أعط شيئا ولم أمنع3
1 18 سورة الكهف، الآية:79.
موطن الشاهد: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} .
وجه الاستشهاد: حذف الصفة للعلم بها؛ بقرينة قوله تعالى: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} ، وبقرينة أخرى؛ وهي أن الملك الغاصب، لا يأخذ ما لا نفع فيه؛ وتقدير الآية: يأخذ كل سفينة صالحة غصبا؛ وحكم حذف الصفة -هنا- الجواز.
2 الشاعر: هو العباس بن مرداس السلمي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وقد كنت في الحرب ذا تدرأ
والبيت من كلام العباس، يخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم حين وزع غنائم حنين؛ فأعطى قوما من أشراف العرب من المؤلفة قلوبهم؛ منهم أبو سفيان، ومعاوية ابنه، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن الفزاري. وأعطى العباس دون ما أعطى الواحد منهم؛ ففي ذلك يقول العباس:
أتجعل نهبي ونهب العبـ
…
ـيد بين عيينة والأقرع
وما كان حصن ولا قابس
…
يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرئ منهم
…
ومن تضع اليوم لا يرفع
العبيد: اسم فرسه. والنهب: الغنيمة.
والشاهد من شواهد التصريح: 2/ 119، والأشموني: 787/ 2/ 401، والعيني: 4/ 69، والهمع: 120، والدرر: 2/ 153، والمغني: 1062/ 818، والسيوطي:313.
المفردات الغريبة: ذا تدرأ: صاحب عدة وقوة في القتال ومحاربة الأعداء، والدرء: الدفع، والمدارأة: المدافعة.
المعنى: كنت في الحرب مجاهدا شجاعا، صاحب عدة وقوة لقهر الأعداء، وهزيمتهم؛ فلما وزعت الغنائم، لم أعط شيئا مناسبا لعملي؛ كما أعطي غيري، ولم أمنع نهائيا.
الإعراب: وقد: الواو عاطفة، قد حرف تحقيق. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء في =
أي: شيئا طائلا، وقوله1:[الوافر]
400-
مهفهفة لها فرع وجيد2
= محل رفع اسمه. "في الحرب": متعلق بـ"كان". ذا: خبر كان منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. تدرأ: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. فلم: الفاء عاطفة، لم: حرف نفي وجزم وقلب. أعط: فعل مضارع مجزوم مبني للمجهول، وعلامة جزمه الألف؛ ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا؛ وهو المفعول الأول، لـ"أعط". شيئا: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ وله صفة محذوفة يدل عليها الكلام، كما سنرى في موطن الشاهد ووجه الاستشهاد. ولم: الواو عاطفة، لم: حرف نفي وجزم وقلب. أمنع: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بـ"لم" وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر؛ لضرورة الروي، ونائب الفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره أنا.
موطن الشاهد: "فلم أعط شيئا".
وجه الاستشهاد: ذكر الموصوف "شيئا" وحذفت الصفة للعلم بها؛ لأن أصل الكلام: فلم أعط شيئا عظيما، أو نحو ذلك؛ لأن الكلام لا يستقيم من دون تقدير المحذوف؛ لأنه يكون مخالفا للواقع؛ فهو قد أُعطي بالفعل عطاء؛ غير أنه كان أقل مما كان يتوقع؛ وما يؤكد ذلك قوله:"ولم أمنع"؛ فلو كان لم يُعط شيئا مطلقا؛ لكان مُنع، وهو ينفي المنع، ويجوز أن يكون في قوله:"ولم أمنع" حذف للصفة والموصوف معا؛ لأن تقدير الكلام: فلم أعط شيئا عظيما ولم أمنع الشيء الحقير.
انظر هذه المسألة في حاشية الصبان: 3/ 71-72. والتصريح: 2/ 119.
1 القائل: هو المرقش الأكبر؛ واسمه: عمرو بن سعد بن مالك أحد بني بكر بن وائل، وقيل:"عوف" شاعر جاهلي، من المتيمين؛ له شعر جيد في أسماء بنت عمه، وكان يحسن الكتابة؛ اتصل بالحارث أبي شمر الغساني؛ فجعله كاتبه. مات نحو: 75ق. هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 210، وتجريد الأغاني: 752، الأغاني: 5/ 179، الخزانة: 3/ 515، الأعلام: 5/ 95.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ورب أسيلة الخدين بكر
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 119، والأشموني: 788/ 2/ 401، والعيني: 4/ 72، والمفضليات للضبي:224. =
أي: فرع فاحم وجيد طويل.
= المفردات الغريبة: أسيلة الخدين: ناعمتهما مع طول واسترسال. مهفهفة: ضامرة البطن خفيفة اللحم. فرع: شعر نام. جيد: عنق.
المعنى: يصف الشاعر هذه الفتاة بأن لها خدا ناعما طويلا، وجسما فيه ضمور بطن ودقة خصر، وشعر مسترسل فاحم، وعنق طويل.
الإعراب: رب: حرف جر شبيه بالزائد، يفيد التقليل. أسيلة: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا، على أنه مبتدأ، وهو مضاف. الخدين: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى. بكر: بدل أو عطف بيان من أسيلة الخدين. مهفهفة: صيغة لـ"أسيلة". "لها": متعلق بمحذوف خبر مقدم. فرع: مبتدأ مؤخر مرفوع. وجيد: الواو عاطفة، جيد: اسم معطوف على فرع مرفوع مثله. وجملة "المبتدأ وخبره": في محل رفع، أو جر صفة أخرى لـ"أسيلة".
موطن الشاهد: "لها فرع وجيد".
وجه الاستشهاد: حذف الوصفين للموصوفين: "فرع" و"جيد"؛ للدلالة مقام المجح على ذلك؛ لأن من غير المعقول أن يمدح الشاعر تلك الفتاة بأن لها شعرا وعنقا مطلقين؛ فكل إنسان له ذلك، وإنما أراد وصف الشعر بالطول والسواد والعنق بالطول على عادة العرب؛ فالتقدير -على الأغلب- لها فرع فاحم وجيد طويل؛ وما يؤكد هذا قول امرئ القيس واصفا الفرع بشدة السواد:
وفرع يزيد المتن أسود فاحم
…
أثيث كقنو النخلة المتعثكل
وقوله واصفا الجيد بالطول:
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحم
…
إذا هي نصته ولا بمعطل
تعقيبات وتوجيهات:
1-
قد يحذف النعت والمنعوت معا؛ إذا دلت القرينة عليهما، وهذا قليل؛ ومنه قوله تعالى في الأشقى:{ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} أي لا يحيى حياة نافعة؛ لأنه ليست هنالك واسطة بين الحياة والموت.
2-
هناك نعت يسمى: النعت الموطئ أو "الممهد"؛ وهو: أن يكون النعت جامدا، وغير مقصود لذاته، والمقصود ما بعده، وقد ذكر؛ ليكون توطئة وتمهيدا، للمشتق التالي له المقصود حقيقة؛ نحو: قابلت أخًا أخًا مخلصا حقا؛ فأخًا الثانية نعت موطئ غير مقصود، والمقصود ما بعده وهو مخلص.
3-
يجوز أن ينعت النعت؛ فتقول: هذا ورق أبيض ناصع البياض. وقد يقع قبل النعت المفرد: "لا" النافية أو "ما"، فيجب تكرار هذين الحرفين مع اقترانهما بالواو العاطفة؛ لما بعدهما على ما قبلهما؛ تقول: صاحب صديقا، لا بخيلا ولا مسرفا، واختر زميلا، إما شاعرا، وإما خطيبا.
............................................
4- إذا تعددت النعوت واتحدت أنواعها -بأن كانت مفردة- فيجوز تقديم بعضها على بعض، وكذلك إذا كانت جملا. أما إذا اختلفت؛ فالغالب تقديم المفرد على شبه الجملة؛ وهذا على الجملة؛ تقول: هذا طائر أليف على غصن يغرد بصوت حسن؛ ومنه قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} ومن غير الغالب؛ قوله سبحانه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} ، وهو فصيح، يجوز القياس عليه.
5-
إذا تكررت النعوت لمنعوت واحد؛ وكانت مفردة متحدة المعنى، لم يجز عطف أحدها على الآخر؛ نحو: هذا محمد الشجاع الفاتك؛ لأن العطف يقتضي المغايرة. وإن كانت مختلفة المعنى؛ جاز العطف في المفردات. بجميع حروف العطف ما عدا: "أم"، و"حتى". وفي الجمل خلاف؛ نحو: هذا طالب يعرف العربية ويتقن الإنجليزية، ويتعثر في الفرنسية.
6-
من الأسماء ما ينعت، وينعت به لاستيفائه شروط ذلك؛ كاسم الإشارة؛ تقول: مررت بمحمد هذا، وبهذا الشاعر، ولا يكون نعتا إلا لمعرفة؛ لأنه معرفة. وإذا وقع منعوتا؛ وجب أن يكون النعت مقرونا بأل. وإذا كان جامدا فالأحسن: اعتباره عطف بيان؛ ويجب أن يطابق منعوته، في الإفراد، والتذكير وفروعهما، والموصول، والإشارة. ومنها ما لا ينعت، ولا ينعت به، وذلك؛ كالمضمر، والمصدر الدال على الطلب، وكثير من الأسماء المتوغلة في الإبهام؛ كأسماء الشرط والاستفهام، و"كم" و"ما" التعجبية، وبعض الظروف المبهمة؛ كقبل وبعد؛ ويستثنى من ذلك "غير"، و"سوى"، و"من"، و"ما" النكرتان التامتان. ومنها ما ينعت، ولا ينعت به؛ كالأعلام: ومنها ما يقع نعتا، ولا يقع منعوتا، ومن ذلك "أي"؛ بشرط أن يكون المنعوت بها نكرة، و"كل" نحو: أنت الأمين كل الأمين؛ أي المتناهي في الأمالنة، و"جد" تقول؛ سمعت خطابا بليغا جد بليغ. وإذا صلح النعت لمباشرة العامل؛ جاز تقديمه، ويكون المنعوت بدلا منه؛ نحو قوله تعالى:{إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} .
حاشية الصبان: 2/ 72-73، النحو الوافي: 3/ 482-500.