الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب نوني التوكيد
1] :
هذا باب نوني التوكيد.
[نونا التوكيد] :
لتوكيد الفعل نونان: ثقيلة، وخفيفة؛ نحو:{لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا} 2.
[توكيد الأمر] :
ويؤكد بهما الأمر مطلقا3، ولا يؤكد بهما الماضي مطلقا4.
1 ذهب جمهور البصريين: إلى أن كل واحد منهما أصل وليس أحدهما فرعًا من الآخر؛ وذلك لتخالف بعض أحكامهما؛ كإبدال الخفيفة ألفًا؛ في نحو: {وَلْيَكُونًا} ، وحذفها؛ كما في قول الأضبط بين قريع: "لا تهين الفقير
…
" وكلاهما ممتنع في الثقيلة؛ قاله سيبويه وعورض بأن الفرع، قد يختص بما ليس للأصل أحيانا؛ وقد قال سيبويه نفسه؛ في "أن" المفتوحة: إنها فرع المكسورة؛ ولها إذا خففت أحكام تخصها؛ ومذهب الكوفيين: أن الخفيفة فرع الثقيلة. وذكر الخليل: أن التوكيد بالثقيلة أشد من التوكيد بالخفيفة؛ ويدل له قوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا} ؛ فإن امرأة العزيز؛ كانت أشد حرصا على سجنه من كينونته صاغرا.
التصريح: 2/ 203، والمغني: 443، والجنى الداني: 141، ورصف المباني:334.
2 "12" سورة يوسف، الآية:32.
موطن الشاهد: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا} .
وجه الاستشهاد: اجتماع النونين؛ الثقيلة والمخففة في هذه الآية؛ وقد جاءت النون المؤكدة مشددة في "ليسجنن"؛ لأن امرأة العزيز كانت أشد حرصا على سجنه، من كينونته صاغرا. التصريح: 2/ 203.
3 أي: من غير شرط؛ سواء كان بالصيغة أم بلام الأمر؛ نحو: ليقومن؛ لأنه مستقبل يدل على الطلب دائما. وسواء كان باقيا على معنى الأمر الخالص؛ أم خرج إلى غرض آخر؛ كالدعاء مثلا مع بقاء صيغته على حالها.
4 أي: ولو كان بمعنى الاستقبال؛ ذلك لأنهما يخلصان مدخولهما للاستقبال؛ وذلك ينافي المضي، فيكون هناك تناقض؛ وأما قول الشاعر:
دامنَّ سعدك إن رحمت متيما
…
لولاكِ لم يك للصبابة جانحا
فضرورة؛ سهلها أن الفعل مستقبل معنى؛ لأن الدعاء إنما يتحقق في الاستقبال.
التصريح: 2/ 203، والدرر اللوامع: 2/ 99، والمغني:444.
[حالات توكيد المضارع] :
وأما المضارع؛ فله حالات:
إحداها: أن يكون توكيده بهم واجبا، وذلك إذا كان: مثبتا، مستقبلا؛ جوابا لقسم غير مفصول من لامه بفاصل1؛ نحو:{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 2، ولا يجوز توكيده بهما إن كان منفيًّا؛ نحو:{تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ} 3؛ إذ التقدير: لا تفتأ، وكان حالا؛ كقراءة ابن كثير4:{لا أُُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} 5؛ وقول الشاعر6: [المتقارب]
1 قيل: إنما وجب التوكيد في هذه الحالة؛ للفرق بين لام القسم ولام الابتداء. ولا بد من توكيده باللام والنون عند البصريين. وأجاز الكوفيون الاكتفاء بأحدهما.
2 "21" سورة الأنبياء، الآية:57.
موطن الشاهد: {تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ} .
وجه الاستشهاد: وقوع فعل "أكيدن" مؤكدا بنون التوكيد الثقيلة؛ وحكم هذا التأكيد واجب؛ لكونه مثبتا، مستقبلا، وقع جوابا للقسم، مقترنا باللام الواقعة في جواب القسم.
3 "12" سورة يوسف، الآية:85.
موطن الشاهد: {تَاللَّهِ تَفْتَؤٌا} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تفتأ" غير مؤكد مع وقوعه جوابا للقسم؛ لكونه منفيا تقديرا بـ "لا" محذوفة؛ إذ التقدير: تالله لا تفتأ؛ وحذف "لا" في جواب القسم مطرد.
4 مرت ترجمته.
5 "75" سورة القيامة، الآية:1.
أوجه القراءات: قرأ ابن كثير: "لَأُقْسِمُ بيوم القيامة".
التصريح: 2/ 203.
موطن الشاهد: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} .
وجه الاستشهاد: عدم توكيد الفعل المضارع -على هذه القراءة- حيث اللام للقسم؛ لأن لام جواب القسم الداخلة على المضارع؛ تخلص زمنه للحال عند فريق من النحاة؛ فالإقسام موجود عند المتكلم، ونون التوكيد تخلصه للمستقبل؛ فيتعارض الحال مع المستقبل ولذلك امتنع التوكيد.
6 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
476-
يمينا لأُبْغِضَ كلَّ امرئٍ1
وكان مفصولا من اللام2؛ مثل: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} 3؛ ونحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} 4.
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
يزخرف قولا ولا يفعلُ
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 203، والأشموني: "955/ 2/ 496، والعيني: 4/ 338.
المفردات الغريبة: أبغض: أكره؛ مضارع، وماضيه أَبْغَضَ-كأكرم؛ وقولهم: ما أبغضه لي شاذ. يزخرف: يزين ويحسن.
المعنى: أقسم أني أبغض وأمقت، ولا أحب كل إنسان يقول قولا مزخرفا مملوءًا بالمواعد والأفعال الكريمة، ولكنه لا ينفذ شيئا مما يقول.
الإعراب: يمينا: مفعول مطلق لفعل محذوف من معناه؛ والتقدير: أقسم يمينا. لأبغض: اللام واقعة في جواب القسم، أبغض: فعل مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنا؛ وجملة "أبغض" جواب القسم لا محل لها من الإعراب. كل: مفعول به منصوب، وهو مضاف. امرئ: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
يزخرف: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ وجملة "يزخرف": في محل جر صفة لـ "امرئ". قول: مفعول به لـ "يزخرف". ولا: الواو عاطفة، لا: نافية. يفعل: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو وجملة "يفعل": معطوفة على جملة "يزخرف"، في محل جر.
موطن الشاهد: "لأبغض".
وجه الاستشهاد: عدم توكيد الفعل بالنون، مع أنه فعل مضارع مثبت ومقترن بـ "لام جواب القسم"، ومتصل بها؛ وسبب ذلك: أن الفعل ليس بمعنى الاستقبال، بل يراد به الحال؛ لأن البغض واقع أو حاصل عند التكلم.
فائدة: لا يؤكد الفعل المضارع، المراد به الحال بنون التوكيد؛ لأنها تخلص الفعل المضارع للاستقبال، فلو أننا أكدنا هذا الفعل لوقعنا في التناقض.
2 ذلك؛ لأن الفصل يدل على الاهتمام بالفعل، وهذا ينافي التوكيد، سواء كان الفصل بمعمول الجواب، أو بغيره، وقد مثل لهما المصنف.
3 "3" سورة آل عمران، الآية:158.
موطن الشاهد: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} .
وجه الاستشهاد: امتناع تأكيد الفعل المضارع "تحشرون"؛ لأنه فصل عن اللام بمعموله "إلى الله"، والأصل فيها: لئن متم أو قلتم لتحشرون إلى الله.
4 "93" سورة الضحى، الآية: 5
موطن الشاهد: {لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} .
وجه الاستشهاد: امتناع تأكيد "يعطيك" المعطوف على جواب القسم: "ما ودعك"، والمعطوف على الجواب له حكم الجواب؛ لأنه الآن فصل بينه وبين اللام بـ "سوف"؛ ومثل الفصل بـ "سوف" الفصل بـ "السين، أو بـ "قد".
ومثل هذه الآية قول الشاعر:
فوربي لسوف يجزي الذي أسـ
…
ـلفه المرء سيئًا أو جميا
والثانية: أن يكون قريبا من الواجب؛ وذلك إذا كان شرطا؛ لأن المؤكدة بما 1؛ نحو: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ} 2، {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ} 3، {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} 4.
ومن ترك توكيده؛ قوله5: [البسيط]
468-
يا صاح إما تَجِدْنِي غير ذي جدة 6
1 أي: إذا كان المضارع فعل شرط لـ "إن" الشرطية المدغمة فيها "ما" الزائدة للتوكيد ويرى المبرد والزجاج: أن التوكيد في هذه الحالة واجب؛ إلا في ضرورة الشعر.
3 "8" سورة الأنفال، الآية:58.
موطن الشاهد: {إِمَّا تَخَافَنَّ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "إن" شرطية مدغمة في "ما" الزائدة، وتخافن: فعل مضارع وقع فعلا للشرط، وقد أكد بالنون، وحكم توكيده واجب؛ إلا في ضرورة الشعر على رأي المبرد والزجاج وهو قريب من الواجب عند الجمهور.
3 "47" سورة الزخرف، الآية:41.
موطن الشاهد: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "تذهبن" مؤكدا؛ لكونه شرطا لـ "عن" المؤكدة بـ "ما" الزائدة، وحكم توكيده واجب، أو قريب من الواجب، كما في الآية السابقة.
4 "19" سورة مريم، الآية:26.
موطن الشاهد: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "ترين" مؤكدا؛ لكونه شرطا؛ لـ "إن" المؤكدة بـ "ما" الزائدة؛ وحكم توكيده واجب، أو قريب من الواجب؛ كما في الآية السابقة.
5 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فما التخلي عن الخلان من شيمي
وهو قليل؛ وقيل: يختص بالضرورة1.
الثالثة: أن يكون كثيرًا؛ وذلك إذا وقع بعد أداة طلب2؛ كقوله تعالى:
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 204، والأشموني:"957/ 2/ 497"، والعيني: 4/ 339.
المفردات الغريبة: جدة: غنى وسعة في المال. الخلان: جمع خليل. شيمي: طبيعتي وخلقي.
المعنى: يقول الشاعر لصاحبه؛ أو صديقه: إن كنت لست في سعة من المال، ولا أستطيع مساعدة إخواني بمالي؛ فلا أستطيع التخلي عنهم ونصرتهم بنفسي؛ لأن ذلك ليس من خلقي، ولا من شيمتي.
الإعراب: يا: حرف نداء. صاح: منادى مرخم "صاحب". إما: إن شرطية جازمة، ما: زائدة، لا محل لها. تجدني: فعل الشرط مجزوم، علامة جزمه السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت، والنون للوقاية، والياء: في محل نصب مفعول به أول. غير: مفعول به ثانٍ، لـ "تجد"، وهو مضاف. ذي: مضاف إليه، وهو مضاف جدة: مضاف إليه. فما: الفاء واقعة في جواب الشرط، ما: نافية مهملة، أو عاملة عمل ليس. التخلي: مبتدأ، أو اسم "ما" النافية. "عن الإخوان": متعلق بـ "التخلي". "من شيمي": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، أو بخبر "ما" النافية؛ وجملة "ما التخلي
…
": في محل جزم جواب الشرط.
موطن الشاهد: "تجدني".
وجه الاستشهاد: عدم تأكيد فعل "تجدني" الواقع شرطا لـ "إن" الشرطية المؤكدة بـ "إما" الزائدة؛ وحكم عدم تأكيده هنا القلة، أو أنه ضرورة من ضرورات الشعر.
1 مذهب سيبويه، أنه ليس بلازم؛ ولكنه أحسن؛ ولهذا لم يقع في القرآن إلا كذلك؛ وإليه ذهب الفارسي وأكثر المتأخرين؛ وهو الصحيح؛ ومن مجيء الفعل بعد "إما" غير مؤكد قول الشاعر.
فإما تَرَيْنِي كابنة الرمل ضاحيا
…
على رقة أحفى ولا أتنعل
وقول الآخر:
فإما تَرَيْنِي ولي لمة
…
فإن الحوادث أودى بها
الأشموني: 2/ 497.
2 أي: حقيقي؛ وهو: الأمر والنهي، والدعاء، والعرض، والتحضيض، والتمني، والاستفهام؛ أما الخبر المراد به الطلب مجازا؛ كقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} ؛ لأن معناه: الأمر، وكقولك للعاطس: يرحمك الله؛ فلا يؤكد. وإنما كان التوكيد بعد الطلب كثيرا؛ لأن عناية الطالب بالمطلوب، واهتمامه به يستدعي تأكيده.
1 "14" سورة إبراهييم، الآية:42.
موطن الشاهد: {لَا تَحْسَبَنَّ} .
وجه الاستشهاد: وقوع فعل "تحسبن" مؤكدا بعد "لا" الناهية الطلبية؛ وحكم هذا التوكيد كثير وشائع؛ لأن عناية الطالب بالمطلوب واهتمامه به، يستدعي تأكيده.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
كما عهدتك في أيام ذي سلم
هو من شواهد: التصريح: 2/ 204، والأشموني:"948/ 2/ 495"، والعيني: 4/ 232 والهمع: 2/ 78، والدرر: 2/ 96.
المفردات الغريبة: مخلفة: اسم فاعل مؤنث من الإخلاف؛ وهو عدم الوفاء بالوعد. ذي سلم: اسم موضع بالحجاز وبالشام.
المعنى: يطلب الشاعر إلى محبوبته بشدة وحث أن تشفق عليه وتفي بوعدها ولا تخلفه؛ كما عهدها موفية أيام كانوا مربعين بذي سلم.
الإعراب: هلا: حرف تحضيض، يفيد الحث على الفعل بعنف وشدة. تمنن: فعل مضارع مرفوضع، وعلامة رف عه النون المحذوفة؛ لتوالي الأمثال، وياء المخاطبة المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين في محل رفع فاعل، والنون المذكورة للتوكيد؛ وحذفت نون الرفع -هنا- مع نون التوكيد الخفيفة، حملا على الثقيلة؛ وأصل الفعل: تمنينين. "بعد": متعلق بـ "تمنن". غير: حال منصوب من ياء المخاطبة المحذوفة، وهو مضاف. مختلفة:
مضاف إليه مجرور. كما: الكاف حرف جر وتشبيه، وما: مصدرية؛ والمصدر المؤول من "ما المصدرية وما دخلت عليه": مجرور بالكاف؛ و"كما" متعلق بـ "تمنن". عهدتك: فعل ماضٍ مبني على السكون والتاء في محل رفع فاعل، والكاف في محل نصب مفعولا به. "في أيام": متعلق بـ "عهدتك"، وأيام: مضاف. ذي: مضاف إليه، وهو مضاف. سلم: مضاف إليه مجرورا؛ وجملة "عهدتك
…
" صله للموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.
موطن الشاهد: "تَمُنِّنْ".
وجه الاستشهاد: تأكيد فعل "تمنن"؛ لكونه فعلا مضارعا واقعا بعد حرف التحضيض: "هلا".
وقول الأخر1: [الطويل]
470-
فليتك يوم الملتقى تَرَيِنَّنِي2
وقوله3: [الكامل]
471-
أفبعد كندة تمدحنَّ قبيلا 4
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
لكي تعلمي أني امرؤ بك هائمُ
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 204، والأشموني:"949/ 2/ 4956".
المفردات الغريبة: يوم الملتقى: يريد يوم الحرب التي يلتقي فيها الأقران. هائم: غارق في الحب.
المعنى: يتمنى أن تراه في هذا اليوم؛ حيث ينشط الأبطال فيه نشاطا تاما، ويذكر كل منهم أحب الناس إليه؛ ليكون ذلك أبعث على نشاطه، وأشد إثارة لشجاعته؛ حتى تعلم أنه بها مغرم متيم؛ لأنه يذكرها وحدها في ذلك الوقت.
الإعراب: ليتك: ليت: حرف مشبه بالفعل، والكاف في محل نصب اسمه. "يوم": متعلق بـ "ترينني"، وهو مضاف. الملتقى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة، على الألف؛ منع من ظهورها التعذر. ترينني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه النون المحذوفة؛ لتوالي الأمثال، وياء المخاطبة المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين في محل رفع فاعل، والنون المشددة نون التوكيد لا محل لها من الإعراب، والنون الثانية؛ للوقاية؛ والياء في محل نصب مفعول به؛ وجملة "ترينني": في محل رفع خبر "ليت". لكي: اللام للتعليل، لكي: مصدرية وناصبة. تعلمي: فعل مضارع منصوب بـ "كي"، وعلامة نصبه حذف النون؛ والياء ضمير متصل، في محل رفع فاعل؛ وجملة "تعلمي
…
": صلة للموصول الحرفي، لا محل لها من الإعراب. أني: أن: حرف مشبه بالفعل، والياء ضمير متصل في محل نصب اسمه. امرؤ: خبر "أن" مرفوع. "بك": متعلق بـ "هائم" الآتي. هائم: صفة لخبر "أن"، ويجوز أن يكون خبرا ثانيا لـ "أن"؛ والمصدر المؤول من "أن واسمها وخبرها": سد مسد مفعولي "تعلمي".
موطن الشاهد: "ترينَّني".
وجه الاستشهاد: تأكيد فعل "ترينني"؛ لوقوعه بعد "ليت" التي تفيد التمني.
3 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز البيت وصدره قوله:
قالت فطيمة: حَلِّ شِعْرَك مدحه
=
الرابعة: أن يكون قليلا؛ وذلك بعد "لا" النافية، أو "ما" الزائدة التي لم تسبق بـ "إن"؛ كقوله تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} 1؛
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 204، والأشموني:"951/ 2/ 495"، وسيبويه: 2/ 151، والخزانة: 4/ 558، والهمع: 2/ 87، والدرر: 2/ 96.
المفردات الغريبة: فطيمة: تصغير فاطمة تصغير ترخيم. حل: فعل أمر من حلأه عن الماء؛ أي: منعه وطرده وأصله حلئ، فقلبت الهمزة ياء؛ لسكونها إثر كسر، ثم حذفت تخفيفا. كندة: اسم قبيلة امرئ القيس. قبيلا: أي: قبيلة، ورخم للضرورة.
المعنى: إن محبوبته فاطمة، قالت له: تجنب المدح في شعرك؛ لأنه ليس هناك من يستحق المدح بعد قبيلتك.
الأعراب: قالت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. فطيمة: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. حل: فعل أمر مبني على حذف الياء؛ والفاعل: ضمير مستتر وجواب؛ تقديره: أنت. شعرك: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه. مدحه: منصوب على نزع الخافض؛ لأن التقدير: "حل شعرك بمدحه"، والهاء: في محل جر بالإضافة. أفبعد: الهمزة حرف الاستفهام، والفاء عاطفة على محذوف؛ والتقدير: أتعتد بقبيل، فبعد كندة تمدحن. و"بعد": متعلق بقوله "تمدحن"، وهو مضاف. كندة: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لكونه ممنوعا من الصرف.
تمدحن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة؛ ونون التوكيد لا محل لها من الإعراب. قبيلا: مفعول به منصوب؛ وهو مرخم قبيلة كما ذكرنا.
موطن الشاهد: "تمدحن".
وجه الاستشهاد: تأكيد الفعل المضارع "تمدح"؛ لوقوعه بعد همزة الاستفهام؛ وحكم هذا التأكيد الجواز.
فائدة: لم يذكر المؤلف أمثلة عن أنواع الطلب الأخرى، فمثال توكيد الفعل المضارع بعد لام الأمر؛ نحو: لتدرسن كثيرا؛ لتضمن النجاح، وبعد العرض: ألا تسافرنَّ، في رحلة ممتعة معنا؟ وبعد الدعاء: لا يبعدن أصدقائي المخلصون ضياء السالك: 3/ 39.
1 "8" سورة الأنفال، الآية:24.
موطن الشاهد: {لَا تُصِيبَنَّ} .
وجه الاستشهاد: تأكيد فعل "تصيبن" بعد "لا" النافية؛ تشبيهًا لها بـ "لا" الناهية صورة؛ وعلي هذا؛ فجملة "لا تصيبن": في محل نصب صفة لـ "فتنة"، فتكون الإصابة عامة للظالمين وغيرهم؛ لا خاصة بالظالمين؛ لأنها قد وصفت بأنها تصيب الظالمين خاصة، فكيف تكون مع هذا خاصة بهم؟؛ وقيل: إن "لا" ناهية وأقيم المسبب مقام السبب؛ والأصل: لا تتعرضوا للفتنة فتصيبكم، ثم عدل عن النهي عن التعرض إلى النهي عن الإصابة؛ لأن الإصابة مسببة عن التعرض، وأسند المسبب إلى فاعله، فالإصابة خاصة بالمتعرضين، وعلي هذا؛ لا يكون التوكيد هنا قليلا؛ بل كثيرا ولكن وقوع الطلب صفة للنكرة ممتنع؛ فوجب إضمار القول؛ أي: واتقوا فتنة مقولا فيها ذلك.
انظر التصريح: 2/ 204-205.
وكقولهم1: [الطويل]
472-
وَمن عِضَةٍ ما يَنْبُتَنَّ شَكِيرُهَا2
1 هذا مثل من أمثال العرب يضرب للفرع الذي ينشأ كأصله، وقد جاء عجز بيت لشاعر لم يذكر اسمه، وصدره قوله:
إذا مات منهم ميت سرق ابنه
ووقع صدر بيت آخر، وعجزه قوله:
قديما، ويقتط الزناد من الزند
2 تخريج الشاهد: البيت بالرواية الأولى، من شواهد: التصريح: 2/ 205، والأشموني:"959/ 2/ 497" وسيبويه: 2/ 153، وشرح المفصل: 7/ 103، 9/ 5، 42، والمقرب: 171، والخزانة: 1/ 83، 4/ 489، 566، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي:1092. والمغني: "638/ 444"، والسيوطي: 258.
المفردات الغريبة: عضة: شجرة ذات شوك، من أشجار البادية؛ والجمع: عضاه. شكيره؛ الشكير: ما ينبت حول الشجرة من أصلها.
المعنى: إذا مات من هؤلاء القوم شخص سرق ابنه صفاته وخلاله، وأصبح مثله؛ وإنما يجيء الفرع وفق أصله.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية، متعلق بـ "سرق". مات: فعل ماضٍ مبني على الفتح. "منهم": متعلق بحال مذحوفة من قول "ميت" الآتي. ميت: فاعل مات مرفوع؛ وجملة "مات منهم ميت": في محل جر بالإضافة. سرق: فعل ماضٍ مبني على الفتح. ابنه: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه؛ وجملة "سرق ابنه": جواب شرط غير جازم، لا محل له، ومن: الواو استئنافية، من: حرف جر، عضة: اسم مجرور، و"من عضة": متعلق بـ "ينبتن" الآتية. ما: زائدة، لا محل لها. ينبتن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، والنون: لا محل لها من الإعراب؛ والفعل في محل رفع؛ لكونه مجردا من الجازم أو الناصب. شكيرها: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"ها": في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "ما ينبتَنَّ".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "ينبتن" مؤكدًا بالنون الثقيلة؛ لوقوعه بعد "ما" الزائدة، وغير المسبوقة بـ "إن" الشرطية؛ وحكم هذا التوكيد القلة.
وقال1: [الطويل]
473-
قليلا به ما يحمدنك وارث2
1 القائل: هو حاتم الطائي، الجواد المشهور، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
إذا نال مما كنت تجمع مغنما
ويروى قبله:
أهِنْ للذي يهوى التلاد؛ فإنه
…
إذا مت كان المال نهبا مقسما
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 205، والأشموني:"960/ 2/ 497" والعيني: 4/ 328، والهمع: 2/ 78،والدرر: 2/ 99، وديوان حاتم:108.
المفردات الغريبة: مغنما: غنيمة، وهي الحصول على الشيء بلا مشقة.
المعنى: قلما يحمد الوارث من ورثه، مع أنه يستولي على ما جمعه من المال، وأفنى عمره في الحصول عليه، فلينظر الإنسان في خير ما ينفق فيه ماله.
الإعراب: قليلا: صفة لموصوف محذوف؛ يقع مفعولا مطلقا لفعل محذوف يدل عليه قوله: "يحمدنك" الآتي؛ لأن مفعول الفعل المؤكد لا يتقدم عليه. "به": متعلق بـ "يحمد: "الآتي. ما: زائدة، لا محل لها من الإعراب. يحمدنك: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، والنون: لا محل لها من الإعراب، والكاف: في محل نصب مفعول به لـ "يحمد". وارث: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. إذا: متعلق بـ "يحمد" مبني على السكون، في محل نصب. نال: فعل ماض، والفاعل: هو، يعود إلى وارث. "ما": متعلق بـ "نال". كنت: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون، والتاء: في محل رفع اسمه؛ وجملة "كنت تجمع" صلة للموصول، لا محل لها. تجمع: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنت؛ وجملة "تجمع": في محل نصب خبر "كان". مغنما: مفعول به منصوب لفعل "نال".
موطن الشاهد: "ما يحمدنك".
وجه الاستشهاد: توكيد الفعل المضارع: "يحمد" بالنون الثقيلة بعد "ما" الزائدة؛ التي جاءت بمعنى النفي؛ حكم هذا التوكيد أنه قليل؛ غير أن الدماميني قال: "لا أدري الوجه الذي عين ذلك"، وليس المراد بكون توكيد المضارع المسبوق بـ "ما" الزائدة غير المصاحبة لـ "إن" قليلا أنه قليل في ذاته؛ فإنه كثير؛ بل قيل: إنه مطَّرد. ويجوز عند سيبويه توكيد المضارع الواقع بعد "ربما"؛ كما في قول الشاعر:
ربما أوفيت في علم
…
ترفعن ثوبي شِمالاتُ
انظر شرح التصريح: 2/ 206. وضياء السالك: 3/ 311.
الخامسة: أن يكون أقل؛ وذلك عرضا، وابن عقيل:"بعد "لم" وبعد أداة جزاء غير "إما"؛ كقوله1: [الرجز]
474-
يحسبه الجاهل ما لم يعلما2
1 القائل: هو مساور بن هند العبسي، شاعر معمر، ولد أيام داحس والغبراء، وعاش إلى أيام الحجاج، كان أعور العين، وهو من المتقدمين في الإسلام، وكان يهاجي المرار الفقعسي، يعرف: بأنه، وأبيه، وجده من أشراف عبس وشعرائهم وفرسانهم، مات سنة 75 هـ. الشعر والشعراء: 1/ 348، الأغاني: 9/ 11، الخزانة: 4/ 573، الأعلام: 7/ 214.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من الرجز، وعجزه قوله:
شيخا على كرسيه معمما
وفيه يصف وطب -أي سقاء- لبن.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 205، ونسبة إلى ابي حيان الفقعسي، وقال: هو في وصف جبل عَمَّهُ الخصب وحفه النبات، وتبع في ذلك العيني، والأعلم. والأشموني: 2/ 2/ 498 عرضا، وابن عقيل: "317/ 3/ 310، وسيبويه: 2/ 152، والنوادر لأبي زيد: 13، وأمالي ابن الشجري: 1/ 384، والإنصاف: 653، والخزانة: 4/ 569، وشرح المفصل: 9/ 42، والمقرب: 86، والعيني: 4/ 329، والهمع: 2/ 78، والدرر: 2/ 98، وحاشية الدمنهوري:89.
المفردات الغريبة: يحسبه: يخاله ويظنه. معمَّمًا: لابسا عمامة.
المعنى: يصف الشاعر قعب لبن عَلَتْهُ رغوة حتى امتلأ، يظنه الجاهل الذي لا يعلم الحقيقة شيخا لابس عمامته، وقد جلس وتربع فوق كرسيه. وقيل إنه يصف جبلا عمه الصخب، وحفه النبات، والأجود ما قلنا كما عليه الأكثرون.
انظر ضياء السالك: 3/ 311.
الإعراب: يحسبه: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول. الجاهل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. ما لم:"ما" مصدرية ظرفية، و"لم": حرف جزم ونفي وقلب. يعلما. فعل مضارع مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا؛ =
وكقوله1: [الكامل]
475-
من نثقفنْ منهم فليس بآئب2
= للوقف، في محل جزم بـ "لم"؛ والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ ونون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا، لا محل لها من الإعراب. شيخا: مفعول به ثانٍ لـ "يحسب". "على كرسيه": متعلق بمحذوف صفة لـ "شيخا"، وكرسي: مضاف، والهاء: مضاف إليه، معمما: صفة ثانية لـ "شيخا".
موطن الشاهد: "لم يعلما".
وجه الاستشهاد: توكيد الفعل المضارع "يعلم" بالنون الخفيفة المنقلبة ألفا بعد حرف النفي "لم"؛ وحكم هذا التوكيد أنه نادر ومثل هذا الشاهد قول بعض الأعراب:
ألم تعلمنْ يا ربُّ أنْ رُبَّ دعوة
…
دعوتك فيها مخلصا لو أجابها
1 القائل: هي ابنة مرة بن عاهان الحارثي من ربيعة بن كعب إحدى قبائل اليمن وكان عاهان شريفا عظيما بينهم، ويقال له: هاعان أيضا؛ وهو جاهلي قديم. الخزانة: 11/ 403.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قولها:
أبدًا، وقتل بني قتيبة شافي
والبيت أحد ثلاثة ابيات، ترثي فيها أباها الذي قتلته باهلة، والأبيات هي:
إنا وباهلة بن أعصر بيننا
…
داء الضرائر بغضة وتقافي
من نثقفن......
…
...... البيت
ذهبت قتيبة في اللقاء بفارس
…
لا طائش رعش ولا وقافِ
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 205، والأشموني:"962/ 2/ 500"، وابن عقيل:"318/ 3/ 311"، وسيبويه: 2/ 152، والمقتضب: 3/ 14، والمقرب: 86، والخزانة: 4/ 565، والعيني: 4/ 330، والهمع: 2/ 79، والدرر: 2/ 100.
المفردات الغريبة: يثقفن: يوجدن، من ثقفته: وجدته، ويروى بتاء الخطاب، وبنون المتكلم مبنيا للفاعل، أي: تجدن أو نجدن. آئب: اسم فاعل من آب يؤوب؛ أي: رجع يرجع. بني قتيبة: فرع من باهلة.
المعنى: من يوجد من بني قتيبة، فسيقتل حتما، ولن يرجع أبدا إلى قومه؛ فإن قتلهم يشفي الغلة، ويطفي جذوة الغضب، بسبب ما سفكوا من دماء.
الإعراب: من: اسم شرط جازم مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ. نثقفن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفي محل جزم فعل الشرط؛ والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: نحن، والنون لا محل لها من الإعراب. "متعلق بـ "نثقفن".فليس: الفاء واقعة في جواب الشرط، ليس: فعل ماضٍ ناقص =
[في حكم آخر المؤكد] :
اعلم أن هنا أصلين يستثنى من كل منهما مسألة:
الأصل الأول: أن آخر المؤكد يفتح1؛ تقول: "لتضربن" و"اضربن".
ويستثنى من ذلك أن يكون مسندا إلى ضمير ذي لين؛ فإنه يحرك آخره -حينئذ- بحركة تجانس ذلك اللين؛ كما نشرحه.
والأصل الثاني: أن ذلك اللين يجب حذفه؛ إن كان ياء أو واوا؛ تقول: "اضربُنَّ يا قوم" بضم الباء، و"اضربِنَّ يا هند" بكسرها؛ والأصل: اضربونَّ، واضربينَّ، ثم حذفت الواو والياء؛ لالتقاء الساكنين.
ويستثنى من ذلك أن يكون آخر الفعل ألفا؛ كـ "يخشى"؛ فإنك تحذف آخر الفعل، وتثبت الواو مضمومة، والياء مكسورة؛ فتقول:"يا قوم اخشوُنَّ" و"يا هند
= واسمه: ضمير مستتر جوازا، تقديره: هو، يعود إلى اسم الشرط. بآئب: الباء حرف جر زائد، آئب: اسم مجرور لظفا منصوب محلا على أنه خبر ليس؛ وجملة "ليس بآئب": في محل جزم جواب الشرط؛ وجملة "الشرط وجوابه": في محل رفع خبر المبتدأ "من".
موطن الشاهد: "نثقفن".
وجه الاسشهاد: تأكيد الفعل المضارع؛ كما مثل المصنف. هذا، وقد اختلف في الفتحة، التي قبل نون التوكيد، المؤكد بها الفعل المضارع، فذهب المبرد والفارسي وابن السراج: إلى أن هذه الفتحة فتحة البناء، والفعل عندهما مبني على الفتح؛ وذلك لتركبه مع النون تركيب "خمسة عشر". وذهب السيرافي، وسيبويه، والزجاج: إلى أن الفعل -مضارعا كان أو أمرا- مبني مع نون التوكيد على السكون؛ لأنه الأصل في البناء؛ ثم حرك آخر الفعل؛ للتخلص من التقاء الساكنين؛ وهما آخر الفعل والنون، وكانت الحركة هي الفتحة؛ لأنها أخف الحركات؛ وعلى هذا يقال في "لا تلعبن": مبني على سكون مقدر على آخره، منع من ظهوره الفتحة العارضة؛ لأجل التخلص من التقاء الساكنين، مع طلب التخفيف. التصريح: 2/ 206. الهمع: 3/ 79.
اخشيِنَّ"1؛ فإنه أسند هذا الفعل إلى غير الواو والياء2 لم تحذف آخره؛ بل تقلبه ياء؛ فتقول: "لِيَخْشَين زيد"، و"لتخشيَنَّ يا زيد"، و"لتخشيَانِّ يا يزيدان" و"لتخشينَانِّ يا هندات"3.
1 أصلها: اخشيون، واخشيين، حذفت الضمة والكسرة؛ للثقل على حروف العلة، ثم حذفت الياء للساكنين، وحركت الواو والياء بما يناسبهما.
2 وذلك هو: الاسم الظاهر، والضمير المستتر، والألف، ونون النسوة.
3 إيضاح ما ذكره المصنف: أن الفعل الذي يراد توكيده يتبع فيه ما يأتي:
أ- إن كان مسندا إلى اسم ظاهر، أو إلى ضمير الواحد المذكر، بني آخره على الفتح؛ لمباشرة النون، خفيفة كانت، أو ثقيلة؛ ولم يحذف منه شيء؛ سواء أكان صحيحا أم معتلا. وترد لام المعتل إلى أصلها؛ إن كانت قد حذفت، وإن كانت ألفا؛ قلبت ياء لتقبل الفتحة، تقول: لتجتهدن، لتدعون، لترضين.
ب- وإن كان مسندا إلى ألف اثنين فكذلك الحكم، غير أنه يجب حذف نون الرفع. إن كانت موجودة؛ للجازم، أو لتوالي الأمثال؛ وتكسر نون التوكيد؛ تشبيهًا بنون الرفع، ولا تكون النون بعد الألف إلا مشددة؛ تقول: لتنصران. لتدعوان، لترضيان. والفعل معرب مرفوع بالنون المحذوفة، والألف فاعل، والنون المذكورة المشددة حرفٌ للتوكيد.
ج- وإذا أسند لنون النسوة، فكما تقدم أيضا؛ وتزاد ألف فارقة بين نون النسوة ونون التوكيد؛ لأنها سم، تقول: لتنصرنَّانّ -لترمينَّانّ- لتدعونَّانّ. والفعل مبني على السكون ونون النسوة فاعل، والألف زائدة للفصل، ونون التوكيد المشددة حرف، لا محل له.
د- وإذا أسند لواو الجماعة أو ياء المخاطبة؛ فإن كان صحيحا؛ حذفت نون الرفع؛ لما تقدم، وحذفت واو الجماعة، أو ياء المخاطبة؛ لالتقاء الساكنين مع بقاء الضمة قبل واو الجماعة؛ لتدل عليها، والكسرة قبل ياء المخاطبة لذلك". تقول: لتجتهدُنَّ يا أبنائي ولتجلسِنَّ يا هند، وإن كان معتلا؛ حذف آخر الفعل مطلقا، ثم إن كان معتلا بالألف؛ حذفت نون الرفع أيضا، فيلتقي ساكنان، ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما، فحرك واو الجماعة بالضم، وياء المخاطبة بالكسر؛ مع فتح ما قبلهما؛ تقول: لترضوُنَّ يا قوم، ولترضيِنَّ. وتقول في إعرابه: مضارع مرفوع بالنون المحذوفة، وواو الجماعة، أو ياء المخاطبة: فاعل، ونون التوكيد: حرف، لا محل له من الإعراب، وإن كان معتلا بالواو، أو بالياء؛ حذفت مع الآخر واو المعية، أو ياء المخاطبة؛ مع بقاء الضمة، قبل الواو المحذوفة، والكسرة قبل الياء؛ لتدل على المحذوف؛ تقول: لتدعن، لترجن، لتدعن، لترجن. ويكون الفعل مرفوعا بالنون المحذوفة، واو الجماعة، أو ياء المخاطبة المحذوفة فاعل، والنون المذكورة للتوكيد.
[أحكام النون الخفيفة] :
فصل: تنفرد النون الخفيفة بأربعة أحكام:
أحدها: أنها لا تقع بعد الألف1؛ نحو: "قُومَا"، و"اقعدا"؛ لئلا يلتقي ساكنان2؛ وعن يونس3 والكوفيين إجازته4، ثم صرح الفارسي في الحجة5: بأن يونس يبقي النون ساكنة، ونظَّر ذلك، بقراءة نافع6:"ومحيايْ"7 وذكر
1 سواء أكانت الألف اسما؛ أي: ضمير الاثنين، بأن أسند إليهما الفعل، أو حرفا بأن كان الفعل مسندا إلى ظاهر -على لغة- كيضربان المحمدان، أو كانت زائدة؛ وهي التالية لنون النسوة للفصل بينهما وبين نون التوكيد؛ نحو: أضربتنَّانّ. وهذا مذهب عامة البصريين.
2 هما: الألف التي قبل النون، ونون التوكيد الخفيفة الساكنة؛ فأما نون الرفع فإنها محذوفة؛ لأن الأمر يبني حينئذ على حذفها حينئذ؛ للفرار من اجتماع الأمثال.
3 يونس بن حبيب، مرت ترجمته.
4 احتج الكوفيون ويونس؛ لوقوع نون التوكيد الخفيفة الساكنة بعد الألف؛ سواء أكانت الألف ضمير الاثنين، أم كانت التقاء الساكنين؛ وليس ثانيهما مدغما في مثله؛ وقد وجدنا العرب لا يرون بهذا بأسا؛ حيث نقل عنهم:"حلقتا البطان" مع إبقائهم الألف ساكنة، مع سكون ما يليها؛ وهو سكون لام التعريف، كما في قول أوس بن حجر:
وازدحمت حلقتا البطان بأقـ
…
ـوام وجاشت نفوسم جزعا
وقاسوا عليها قراءة: "محيايْ ومماتِيْ" بسكون ياء المتكلم مع سكون الألف قبلها في الوصل والوقف. انظر التصريح مع حاشية الصبان: 2/ 207.
5 كتاب جليل الشأن في تعليل قراءات الأئمة القراء؛ وقد تناول فيه الفارسي كثيرا من المسائل النحوية والصرفية والبلاغية، والتفسير، والحديث، وبعض العلوم الأخرى، وقدمه إلى عضد الدولة.
6 مرت ترجمته.
7 "6" سورة الأنعام، الآية:162.
أوجه القراءات: قرأ نافع، وورش؛ وقالون، وأبو جعفر:"محيايْ" بتسكين الياء، وقرأ عيسي بن عمر، والجحدري:"محيي"، وقرأ الجمهور:"محيايَ". انظر البحر المحيط: 4/ 262، وإعراب القرآن، للنحاس: 1/ 596.
موطن الشاهد: "محياي".
الناظم: أنه يكسر النون، وحمل على ذلك قراءة بعضهم:"فَدَمِّرَانِهَم تَدْمِيرًا"1، وجوزه في قراءة ابن ذكوان2:"وَلا تَتَّبِعَانِ"3؛ بتخفيف النون.
وأما الشديدة فتقع بعدها اتفاقا؛ ويجب كسرها؛ كقراءة باقي السبعة: {وَلا تَتَّبِعَانِّ} 3.
1 "25" سورة الفرقان، الآية:36.
أوجه القراءات: قرأ علي بن أبي طالب، ومسلمة بن محارب:"فدمرانِّهم"؛ وقرأ على أيضا: "فدمرا بهم" بالباء، وقرأ:"فدَمِرْنَاهم"؛ وقرأ على والحسن وملسمة: "فدَمِّرَاهم"، وقرأ على:"فدمَّرَتهم"، بالتاء؛ وفي قرءة غير منسوبة:"فدمرانهم"؛ بتخفيف نون التوكيد بعد ألف التثنية. انظر الكشاف: 3/ 92، تفسير الألوسي: 19/ 18، والمحتسب: 2/ 12، والبحر المحيط: 6/ 498.
موطن الشاهد: "فدمرانِهم".
وجه الاستشهاد: مجيء كسرة النون الخفيفة -على هذه القراءة- بعد الألف الساكنة؛ حملا على جواز كسر نون التوكيد الخفيفة بعد الألف الساكنة؛ وحكم كسرها هنا الجواز على قلة.
2 هو عبد الرحمن بن أحمد بن بشر بن ذكوان، من أصحاب ابن عامر، كان شيخ القراء بالشام، وإمام الجامع الأموي. قال الحافظ الدمشقي: لم يكن بالعراق، ولا بالحجاز ولا بالشام، ولا بمصر، ولا بخراسان في زمان ابن ذكوان أقرأ منه عندي. توفي سنة: 202هـ. وقيل: 242هـ.
غاية النهاية: 1/ 404،. تهذيب التهذيب: 5/ 104- الأعلام: 4/ 65.
3 "10" سورة يونس، الآية:89.
أوجه القراءات: قرأ ابن ذكوان: "تتَّبعانِ"، وقرأ ابن عامر وابن عباس وابن ذكوان:"تَتْبَعانِّ"، وقرأ ابن عامر:"تَتْبَعان"، وقرأ السبعة:{وَلا تَتَّبِعَانِّ} .
انظر إتحاف الفضلاء: 253، والبحر المحيط: 2/ 18.
موطن الشاهد: {وَلا تَتَّبِعَانِّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء نون فعل "تتبعان" -على هذه القراءة- مكسورة مخففة؛ وتخريجها: على أن الواو عاطفة، و"لا": ناهية؛ والألف: ضمير للاثنين، في محل رفع فاعل؛ ونون الرفع: محذوفة للجزم؛ والنون المذكورة: مؤكدة مكسورة؛ ويجوز أن تكون الواو: للحال، و"لا": نافية؛ والنون الموجودة: علامة الرفع؛ وجملة "لا تتبعان": خبر مبتدأ محذوف؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل نصب على الحال.
الثاني: أنها لا تؤكد الفعل المسند إلى نون الإناث؛ وذلك لأن الفعل المذكور، يجب أن يؤتى بعد فاعله بألف فاصلة بين النونين؛ قصدا للتخفيف؛ فيقال:"اضربنَانِّ"، وقد مضى أن الخفيفة لا تقع بعد الألف، ومن أجاز ذلك فيما تقدم؛ أجازه هنا بشرط كسرها.
الثالث: أنها تحذف قبل الساكن؛ كقوله1: [المنسرح]
476 -
لا تهين الفقير عَلَّكَ أن تَرْ
…
كَعَ يوما والدهر قد رفعه2
1 القائل هو: الأضبط بن قريع السعدي، من عوف بن كعب، من رهط الزبرقان بن بدر، ورهط أنف الناقة، جاهلي قديم؛ له أخبار مع قومه مذكورة، في كتب الأدب.
الخزانة: 11/ 455-الشعر والشعراء: 1/ 382.
2 تخريج الشاهد: البيت من كلمة مطلعها:
لكل هم من الهموم سعهْ
…
والمسي والصبح لا فلاح معهْ
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 208، والأشموني:"968/ 2/ 504"، وابن عقيل:"319/ 3/ 318" والبيان والتبيين: 3/ 341، وفيه "لا تحقرن الفقير
…
" والمعمرين: 8، وأمالي القالي: 1/ 108، وفيه: "لا تعاد"، وأمالي ابن الشجري: 1/ 385، والإنصاف: 221، وشرح المفصل: 9/ 43، والمقرب: 74، والخزانة: 4/ 588، وشرح شواهد الشافية: 960، والعيني: 4/ 334، والهمع: 1/ 134، 2/ 79، والدرر: 1/ 111، 2/ 102، والمغني: "279/ 206" "1094/ 842"، والسيوطي:155.
المفردات الغريبة: تهين: مضارع من الإهانة؛ وهي الاحتقار والازدراء. علَّك: لغة في لعلك. تركع: أصله الركوع؛ وهو الانخفاض، من أعلى إلى أسفل، والمراد هنا: انحطاط: الحال، وتبدل الحال الحسنة بأخرى مغايرة لها.
المعنى: لا تحتقر الفقير، ولا تهنه، ولا تستخف به، فبما يتبدل الحال -والدهر قلب- فيخفضك الزمان ويرفعه عليك.
الإعراب: لا نهاية جازمة، لا محل لها من الإعراب. تهين: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة؛ المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، في محل جزم بـ "لا" الناهية، الفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت. الفقير: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. علَّك: حرف مشبه بالفعل، والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب اسم "لعل". أن: حرف مصدري ونصب. تركع: فعل مضارع منصوب، وعلامة نصبه الفتحة، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت؛ وجملة؛ "تركع": صلة للموصول الحرفي، لا محل لها. والمصدر المؤول من "أن =
أصله: "لا تهينَنْ".
الرابع: أنها تعطى في الوقف حكم التنوين؛ فإن وقعت بعد فتحة؛ قلبت ألفا؛ كقوله تعالى: {لَنَسْفَعًا} 1، {وَلَيَكُونًا} 2؛ وقول الشاعر3:[الطويل]
477-
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا4
= وما بعدها": في محل رفع خبر "لعل"؛ التقدير: لعلك راكع يوما؛ وهو الأفضل. "يوما":
متعلق بـ "تركع" منصوب. والدهر: الواو حالية، الدهر: مبتدأ مرفوع. قد: حرف تحقيق. رفعه: فعل ماض، والفاعل: هو، والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به؛ وجملة "قد رفعه": في محل رفع خبر المبتدأ؛ وجملة "الدهر قد رفعه": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "لا تهين".
وجه الاستشهاد: حذف نون التوكيد الخفيفة؛ لتخلص من التقاء الساكنين؛ نون التوكيد، ولا الفقير؛ لأن ألف الوصل، لا حركة لها عند الوصل؛ والفتحة على آخر الفعل دليل على النون المحذوفة؛ وبقاء الياء آخر الفعل المضارع مع وجود الجازم دليل على أن الفعل مؤكد.
1 "96" سورة العلق، الآية:15.
موطن الشاهد: {لَنَسْفَعَنْ} .
وجه الاستشهاد: انقلاب نون التوكيد الخفيفة ألفا؛ لوقوعها بعد فتحة للوقف عليها؛ لأنها تعطى في الوقف حكم التنوين.
2 "12" سورة يوسف، الآية:32.
موطن الشاهد: {وَلَيَكُونًا} .
وجه الاستشهاد: انقلاب نون التوكيد الخفيفة ألفًا؛ لوقوعها بعد فتحة للوقف عليها؛ لأنها تعطى في الوقف حكم التنوين.
3 الشاعر: هو الأعشى ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وإياك والميتات لا تقربنها
وهو من قصيدة في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان قدم إليه؛ لينشدها بين يديه، فمنعته قريش؛ ومنها قوله:
له نافلات ما يغب نوالُها
…
وليس عطاء اليوم مانعه غدا
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 208، والأشموني:"969/ 2/ 504" والمغني.