الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب التحذير] :
هذا باب التحذير
[تعريف التحذير] :
وهو: تنبيه المخاطب على أمر مكروه؛ ليجتنبه1.
فإن ذكر المحذر بلفظ "إيا"؛ فالعامل محذوف لزوما2؛ سواء عطفت عليه؛ أم كررته؛ أم لم تعطف ولم تكرر3؛ تقول: "إياك والأسد" الأصل: "احذر تلاقي
1 هذا التعريف شبه لغوي؛ لأن التحذير مصدر معناه التخويف، والمناسب للنحوي الذي يبحث عن أحوال الكلم إعرابا وبناء- أن يقال في التعريف: اسم منصوب معمول لفعل مضمر تقديره: أحذر ونحوه. والأصل في أسلوب التحذير: أن يشتمل على ثلاثة أشياء: المحذر: وهو المتكلم الذي يوجه التحذير لغيره. والمحذر: وهو الذي يتوجه إليه التنبيه والتحذير. والمحذر منه: وهو الشيء الذي يطلب تجنبه والبعد عنه، وقد يقتصر على بعض هذه الأمور كما سيأتي، ويكون التحذير بأمور كثيرة؛ كصورة الأمر، أو النهي، تقول: افعل كذا- ولا تفعله، ولكن المقصود في هذا الباب أساليب خاصة؛ تخضع لضوابط وقواعد وضعها النحاة ويكون بثلاثة طرق:
أ- ذكر المحذور: وهو "إياك" وفروعه؛ أما بعطف المحذور منه على "إياك"؛ نحو: إياك والأسد؛ أو بخفضه بمن نحو: إياك من الإهمال.
ب- ذكر المحل المخوف عليه؛ ويكون بذكره نائبا عن "إيَّا" مضافا إلى كاف خطاب للمحذر من غير عطف ولا تكرار. أو من العطف أو التكرار، مثل: يدك نفسك. أي: نفسك والأسد، أو نفسك نفسك.
ج- ذكر المحذر فيه مكررا أو معطوفا عليه- أو بدونهما؛ نحو: البرد البرد- البرد والمطر، وسيأتي بيان لذلك.
وانظر ضياء السالك: 3/ 283.
2 لأنه لما كثر التحذير بلفظ: "أيا"؛ جعلوه عوضًا عن اللفظ بالفعل والتزموا معه إضمار العامل، ولا يجمع بين العوض والمعوض؛ وهو منصوب باعتباره مفعولا به للمحذوف. ولا بد من أن يذكر بعده المحذر منه.
3 الأحسن: أنه إذا سبقت الاسم المذكور بعد "إياك" واو العطف: أن يُختار فعل يناسب المعطوف غير الفاعل الناصب لـ "إياك"؛ فيكون في الأسلوب فعلان محذوفان وجوبا مع مرفوعهما.
نفسك والأسد"1،ثم حذف الفعل وفاعله، ثم المضاف الأول، وأنيب عنه الثاني؛ فانتصب2، ثم الثاني، وأنيب عنه الثالث فانتصب وانفصل3.
[عامل التحذير] :
وتقول: "إياك من الأسد"4؛ والأصل: "باعد نفسك من الأسد"، ثم حذف باعد وفاعله والمضاف5؛ وقيل: التقدير "أحذرك من الأسد"، فنحو:"إياك الأسد" ممتنع على التقدير الأول، وهو قول الجمهور6، وجائز على الثاني، وهو رأي ابن الناظم 7، ولا خلاف في جواز:"إياك أن تفعل"8 لصلاحيته لتقدير من.
1 بجر "نفس"، و"الأسد".
2 فصار: نفسك والأسد؛ بنصبهما.
3 أي بعد أن كان مجرورًا متصلا، وذلك لتعذر أتصاله؛ فصار:"إياك"، ويقال في أعرابه:"إياك" في محل نصب مفعول به بفعل محذوف وجوبا؛ تقديره: أحذر ونحوه؛ والكاف: حرف خطاب "والأسد" معطوف على "إياك". والأحسن: أن يكون منصوبا بفعل آخر مضمر وجوبا يناسب الكلام -كما أسلفنا- ويكون من عطف الجمل.
4 أي: بجر المحذر منه "بمن"؛ بدلا من العطف بالواو.
5 أي: وهو "نفس" فانفصل الضمير وانتصب، "فإياك" منصوب بـ "باعد" المحذوف، "ومن الأسد" متعلق به.
6 لأن "باعد" لا يتعدى بنفسه إلى مفعولين، ولا يجوز نصب "الأسد" بنزع الخافض وهو "من"؛ لأن ذلك سماعي في غير أن، وأن، وكي.
7 لأن "احذر" يتعدى إلى مفعولين بنفسه؛ قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} ، وينبني على التقديرين: أن الكلام على تقدير الجمهور إنشائي، وعلى تقدير ابن الناظم خبري.
والحق -كما رأي بعض المحققين: أنه لا يتعين تقدير: "باعد" ولا "أحذر" ولا غيرهما؛ بل الواجب تقدير ما يؤدي الغرض، ويناسب الحال؛ مثل: دع، اتق
…
إلخ؛ لأن المقدر ليس أمرا متعبدا به لا يعدل عنه. وينبغي الأخذ بهذا الرأي عند تقدير المحذوف في كل ما يحتاج إلى تقدير.
ضياء السالك: 3/ 284.
8 أي: مما فيه المحذر منه "أن" المصدرية وصلتها؛ لأن حذف الجر قبل "أن" جائز في سعة الكلام.
[لا تكون "إيا" لمتكلم] :
ولا تكون "إيا" في هذا الباب لمتكلم1، وشذ قول عمر رضي الله عنه:"لِتُذَكّ لكم الأسلُ والرماحُ والسهامُ، وإياي وأن يحذف أحدُكُم الأرنبَ"2 وأصله: إياي باعدوا عن حذف الأرنب، وباعدوا أنفسكم أن يحذف أحدكم الأرنب3، ثم حذف من الأول المحذور4، ومن الثاني المحذر5.
[لا يكون لغائب] :
ولا يكون لغائب6، وشذ قول بعضهم:"إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشوَابِّ"7 والتقدير: فليحذر تلاقي نفسه وأنفس الشواب8؛ وفيه شذوذان؛ أحدهما: اجتماع حذف الفعل، وحذف حرف الأمر9؛ والثاني: إقامة الضمير، وهو "إيا" مقام الظاهر، وهو الأنفس؛ لأن المستحق للإضافة إلى الأسماء الظاهرة، إنما هو المظهر لا المضمر10.
1 لأن المتكلم لا يحذر نفسه، ولم يلزم عليه من اتحاد المحذور والمحذر.
2 "لتذك" اللام لام الأمر، وتذك مضارع مجزوم بها؛ من التذكية وهي الذبح. الأسل؛ أصله: الشوك الطويل من شوك الشجر، المراد به هنا: مارق وأرهف من الحديد؛ كالسيف والسكين، ونحوهما، يأمر رضي الله عنه أن يكون الذبح بالأسل، والرماح، أو السهام عند الرمي بها، وينهى عن حذف الأرنب وغيره بنحو حجر؛ فإن ذلك لا يحله.
التصريح: 2/ 194.
3 الصواب: أنهما تحذيران حذف من كل منهما نظير ما أثبته الآخر؛ وهو قول الجمهور والزجاج.
4 أي: وهو حذف الأرنب.
5 وهو: أنفسكم.
6 ذلك: لاختصاص التحذير المخاطب، والغائب لا يحذر.
7 قول سمع عن العرب؛ كما قال سيبويه. والشوابّ: جمع شابَّة، ويروى: السوءات جمع سوأة؛ ومعناه: إذا بلغ الرجل ستين سنة؛ فلا ينبغي له أن يولع بشابة، أو أن يفعل سوأة.
8 فقد حذف الفعل ما فاعله، ثم المضاف الأول؛ وهو "تلاقي" وأنيب عنه الثاني؛ وهو "نفس" ثُمَّ الثاني؛ فانفصل الضمير وانتصب، وأبدل أنفس بإيا.
9 ولام الأمر لا تحذف إلا في الضرورة. فحذفها مع مجزومها أشد.
10 ذلك؛ لأن الإضافة للتعريف، أو للتخصيص، والضمير في غنىً عن ذلك؛ لأنه أعرف المعارف، قال صاحب اللمع: ويجوز أن يكون المحذر منه ضميرا غائبا معطوفا على المحذر؛ كقول الشاعر:
فلا تصحب أخا الجهل
…
وإياك وإياه
وعلى ذلك لا يكون التحذير بضميري الغائب والمتكلم شاذًّا؛ إلا إذا كان محذرا لا محذرا منه، وهذا وما قبله؛ هما الأسلوبان الثاني والثالث، من أساليب التحذير اللذان أشرنا إليهما سابقا. ضياء السالك: 3/ 286.
وإن ذكر المحذر بغير لفظ "إيا"، أو اقتُصِرَ على ذكر المحذر منه، فإنما يجب الحذف إن كررت أو عطفت، فالأول نحو:"نفسك نفسك" والثاني نحو: "الأسد الأسد" و: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} 1، وفي غير ذلك يجوز الإظهار؛ كقوله2:[البسيط]
458-
خل الطريق لمن يبنِي المنار به3
1 "91" سورة الشمس، الآية:13.
موطن الشاهد: {نَاقَةَ اللَّهِ} .
وجه الاستشهاد: انتصاب "ناقة" بفعل مضمر وجوبا على التحذير، ولفظ الجلالة مضاف إليه، وسقياها: معطوف على "الناقة"؛ والتقدير: ذروا ناقة الله وسقياها: فلا تمنعوها عنها؛ فعطفت الواو محذرا منه على مثله، ويجوز أن تكون الواو للمعية؛ وحينئذ يجوز إظهار العامل لعدم العطف.
2 القائل: هو: جرير بن عطية الشاعر الأموي وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد:
هذا صدر بيت في هجاء عمر بن لجأ، وعجزه قوله:
وابرز ببرزة حيث اضطرك القدرُ
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 195، والأشموني:"982/ 3/ 481"، والعيني: 4/ 307، وسيبويه: 1/ 128، وأمالي ابن الشجري: 1/ 342، وشرح المفصل: 2/ 30، وديوان جرير.
المفردات الغريبة: خل: أمر من التخلية، أي اترك ودع، الطريق المراد هنا: سبيل المجد والشرف. المنار: علامات توضع في الطريق؛ ليهتدي بها السالكون.
المعنى: اترك طريق المجد وسبيل العظمة والشرف لمن يعمل له، ويأخذ في أسبابه، فلست له أهلا. واسلك مع أمك طريق الغي والضلال؛ حيث ألجأك القدر الذي لا يغالب. وقيل: إن المراد ببرزة: الأرض الواسعة، والباء فيه للظرفية بمعنى "في". =
.........................................................................
= الإعراب: خل: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والفاعل: أنت. الطريق: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. "لمن": متعلق بـ "خل". يبني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى "من" الموصولة. المنار: مفعول به منصوب لـ "يبني". "به": متعلق بـ "يبني"؛ وجملة "يبني": صلة للموصول، لا محل لها. وابرز: الواو عاطفة، ابرز: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل: أنت. "ببرزة": متعلق بـ "ابرز" و"برزة" ممنوع من الصرف. حيث: ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب متعلق بـ "ابرز".
اضطرك: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعولٍ به. القدر: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ وجملة:"اضطرك القدر": في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "خلِّ الطريق".
وجه الاستشهاد: إظهار العامل "خلِّ" في التحذير؛ لكون المحذر منه "الطريق" غير مكرر، ولا معطوف عليه.
خلاصة وتوجيه: إذا كان التحذير بـ "أيا" وفروعها؛ وجب نصب هذا الضمير بعامل محذوف مع مرفوعه وجوبا؛ سواء كان الضمير مكررا أو لا؛ معطوفا عليه، أو لا؛ ولك أن تخفض المحذر منه بمن؛ فتقول: إياك من الإهمال، أو أن تنصبه بغير عطف؛ فتقول: إياك الأسد. وإن كان التحذير بغير ذلك؛ وجب نصب الاسم بعامل محذوف مع مرفوعه وجواب؛ بشرط العطف والتكرار؛ فإن لم يوجد عطف ولا تكرار؛ كان النصب بعالم محذوف جوازا. ويجوز ضبط الاسم بغير النصب ولا يتعين الأسلوب للتحذير حينئذٍ.
انظر التصريح: 2/ 195. وضياء السالك: 3/ 287.