الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب الاستغاثة
1] :
هذا باب الاستغاثة:
[الأشياء التي يتحقق بها أسلوب الاستغاثة] :
إذ استغيث اسم منادى وجب كون الحرف "يا" وكونها مذكورة2، وغلب جره بلام واجبة الفتح3؛ كقول عمر4 رضي الله تعالى عنه:"يا لَلَّهِ"5 وقول الشاعر6. [الخفيف]
1 الاستغاثة: مصدر قولك: "استغاث فلان بفلان"؛ إذا دعاه؛ ليدفع عنه مكروهًا، أو يعينه على مشقة، فمعنى الاستغاثة، نداء من يخلص من شدة أو يدفع مكروها أو يعين على احتمال مشقة؛ وفي القرآن الكريم:{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} ويجوز أن يكون كل من المستغاث له والمستغاث ضميرا، تقول:"يا لك لي"، تدعو المخاطب لنفسك، وأسلوب الاستغاثة: أحد أساليب النداء، ولا يتحقق إلا بثلاث أشياء: حرف النداء "يا" لا غير، وبعده غالبا المستغاث فيه؛ وهو الذي يطلب منه العون والمساعدة؛ وقد يسمى المستغاث، ثم المستغاث له؛ وهو الذي يطلب العون بسببه؛ ولكل من هذه الثلاث شروط، أو أحكام تتضح فيما يأتي.
2 هذان شرطان في حرف النداء.
3 هذا حكم من أحكام المستغاث، ووجود اللام ليس واجبًا؛ وإنما الواجب فتحها حين تذكر؛ لأنه واقع موقع كاف الخطاب ولام الجر تفتح معها؛ وليحصل الفرق بينها وبين لام المستغاث من أجله.
4 هو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، أمير المؤمنين؛ أبو حفصة، أسلم في السنة السادسة للنبوة، وله سبع وعشرون سنة، ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، كان من أشراف قريش وسفيرهم في الجاهلية، ولي الخلافة بعد أبي بكر سنة ثلاث عشرة، قتله غلام مجوسي يدعى: أبا لؤلؤة؛ وله ثلاث وستون سنة، وذلك سنة 23هـ. تاريخ الخلفاء للسيوطي: 108-147- الأعلام: 5/ 45.
5 قال رضي الله- تعالى- عنه لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي: "يا لَلَّهِ للمسلمين".
6 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
447-
يا لَقومي ويا لَأمثال قومي1
[لام المستغاث له مكسورة دائما] :
إلا أن كان معطوفا، ولم تعد معه "يا" فتكسر2، ولام المستغاث له مكسورة
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
لأناس عتوهم في ازدياد
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 181، والأشموني:"897/ 2/ 462". وال عيني: 4/ 256.
المفردات الغريبة: عتوهم، العتو: الاستكبار، والطغيان. في ازدياد: أي يزيد- يوما بعد يوم.
المعنى: استغيث بقومي وبأمثالهم في النجدة والشجاعة ليمنعوني من قوم يزدادون عُلُوًّا واستكبارًا عليَّ، ويظلمونني بغير سبب.
الإعراب: يا: حرف نداء واستغاثة، لا محل له من الإعراب. لقومي: اللام المفتوحة، لام المستغاث به، وهي حرف جر، وقوم: اسم مجرور بها، وهو مضاف، وياء المتكلم: في محل جر بالإضافة. و"لقومي": متعلق بحرف النداء؛ لنيابته عن فعل أدعو، وقيل اللام: زائدة لا تتعلق بشيء؛ والمستغاث: منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة منع منها حرف الجر الزائد؛ وقيل غير ذلك. ويا: الواو عاطفة، يا: حرف نداء واستغاثة.
لأمثال: اللام حرف جر، أمثال: اسم مجرور، وهو مضاف. قومي: مضاف إليه، وهو مضاف، والياء: في جر بالإضافة. لأناس: اللام حرف جر- وهي اللام الداخلة على المستغاث من أجله، وأناس: مجرور باللام؛ و"لأناس": متعلق بمحذوف؛ والتقدير: أدعوكم لأناس، عتوهم: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف؛ و"هم": مضاف إليه. "في ازدياد": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ؛ وجملة "المبتدأ وخبره": في محل جر صفة لـ "أناس".
موطن الشاهد: "يا لقومي، ويا لأمثال".
وجه الاستشهاد: جر المستغاث به في "لقومي" و"لأمثال" بلام واجبة الفتح؛ أما الأول: فسببه ظاهر، وأما الثاني: فسببه أنه تكرر مع إعادة "يا"؛ ومثل الشاهد السابق قول أبي حية النميري:
يا لَمعد ويا لَلناس كلهم
…
ويا لَغائبهم يوما ومن شهدا
2 هذا استثناء من وجوب بناء لام المستغاث على الفتح، وهو وجوب الكسر، إذا كان المستغاث غير مسبوق بـ "يا"، ولكنه معطوف على آخر مسبوق به، وكذلك يجب الكسر إذا كان المستغاث ياء المتكلم؛ نحو: يا لِي لِلغرباء على رأي ابن جني، ومن جواز كونه قد استغاث بنفسه؛ ويرى غيره: أن "يا لي" لا يكون إلا مستغاثا لأجله، والمستغاث به محذوف.
دائما، كقوله:"يا لَلَّهِ لِلمسلمين"1، وقول الشاعر2:[البسيط]
448-
يا لَلكهول ولِلشبان لِلعجبِ3
1 إنما يجب كسر لام المستغاث له؛ إذا لم يكن ضميرا غير ياء المتكلم، وإلا فتحت لامه نحو: يا لَلمخلص لَنا، ويا لَمحمد لَك. بخلاف يا لَلزائر لِي؛ لأن الضمير ياء المتكلم، وهذا حكم من أحكام المستغاث له. ويجب كذلك تأخيره عن المستغاث، كما أنه يجوز حذفه إذا علم، وأمن اللبس،؛ نحو:
يا لَقومي من للندى والسماح؟
التصريح: 21/ 181، والأشموني: 2/ 462-463.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدر قوله:
يبكيك ناء بعيد الدار مغترب
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 181، والأشموني:"898/ 2/ 462"، والعيني: 4/ 257، والمقتضب، 4/ 256، والجمل: 180، والمقرب: 38،والخزانة: 1/ 296، والهمع: 1/ 180 والدرر: 1/ 155.
المفردات الغريبة: ناء: بعيد، وهو اسم فاعل من نأى ينأى بمعنى بعد. مغترب: غريب.
الكهول: جمع كهل، وهو من جاوز الثلاثين، وقيل الأربعين. والشبان: جمع شاب، وهو من كانت سنه دون سن الكهل.
المعنى: يبكيك ويحزن لفقدك وموتك الأباعد الغرباء، لما كانت تسدي إليهم من معروف وعون، وقد يسر الأقارب لما يرثونه منك بعد فقدك، فهيَّا معشر الكهول والشباب؛ لمشاركتنا في العجب من ذلك.
الإعراب: يا: حرف نداء واستغاثة. للكهول: اللام حرف جر -لام المستغاث به المفتوحة- والكهول: اسم مجرور، و"للكهول": متعلق بـ "يا" أو بـ "أدعو". وللشبان: الواو عاطفة، "للشبان": معطوف على "الكهول"؛ كسرت اللام هنا؛ لعدم تكرر "يا" مع العاطف. "للعجب": متعلق بـ "يا"، أو بالفعل "أدعو" أو بمحذوف حال. واللام المكسورة، لام المستغاث من أجله.
موطن الشاهد: "للشبان، للعجب".
وجه الاستشهاد: كسر لام المستغاث به في "للشبان"؛ لكونه معطوفا من دون أن تتكرر مع "يا"؛ وفي البيت شاهد آخر على كسر لام المستغاث من أجله في "للعجب".
ويجوز أن لا يبدأ المستغاث باللام؛ فالأكثر حينئذٍ أن يختم بالألف1؛ كقوله2: [الخفيف]
449-
يا يزيدًا لآملٍ نَيلَ عِزٍ3
1 وتكون هذه الألف عوضًا عن اللام، ومن ثم لا يجتمعان، ويبقى المنادى دالا على الاستغاثة بالقرينة؛ ولكنه لا يكون في هذه الصورة ملحقا بالمنادى المضاف؛ بل يكون مبنيا على الضم المقدر في محل نصب، منع من ظهوره الفتحة الطارئة؛ لمناسبة الألف.
ويجوز في تابعه الرفع مراعاة للفظه، والنصب مراعاة لمحله، ولا يجوز مراعاة الفتحة الطارئة لمناسبة الألف. وإذا وقف على المستغاث المختوم بالألف؛ فالأحسن مجيء "هاء" السكت الساكنة، تقول: يا شاعراه، وتحذف عند الوصل.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وغنىً بعد فاقة وهوان
وهو من شواهد: الأشموني: "901/ 2/ 463" والتصريح: 2/ 181، والعيني: 4/ 262، والمغني:"696/ 486"، والسيوطي: 267
المفردات الغريبة: آمل: اسم فاعل من الأمل؛ وهو الرجاء والتوقع. نيل: حصول. فاقة: فقر وحاجة. هوان: مذلة واحتقار.
المعنى: أستغيث بك يا يزيد، وأدعوك لمن يرجو الثراء والقوة بعد الفقر والمذلة.
الإعراب: يا: حرف نداء واستغاثة. يزيدا: مستغاث به مبني على الضم المقدر على آخره، منع من ظهوره اشتغال المحل بالفتحة المأتي بها لمناسبة ألف الاستغاثة، في محل نصب، والألف: عوض عن لام الاستغاثة المفتوحة التي تلحق المستغاث به كما رأينا في الشاهدين السابقين. "لآمل": اللام المكسورة لام المستغاث من أجله، وهي حرف جر، وآمل: اسم مجرور، و"لآمل": متعلق بـ "يا" أو بالفعل المحذوف، أو بالحال المحذوف كما رأينا سابقا؛ وفي آمل: ضمير مستتر؛ تقديره: هو في محل رفع فاعل لاسم الفاعل "آمل". نيل: مفعول به لاسم ال فاعل منصوب، وهو مضاف. عز: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف المحذوفة؛ لتخلص من التقاء الساكنين. "بعد": متعلق بـ "نيل" أو "بآمل"، وهو مضاف. فاقة: مضاف إليه مجرور. وهوان: الواو عاطفة، هوان: معطوف على مجرور فهو مجرور مثله.
موطن الشاهد: "يا يزيدا".
وجه الاستشهاد: مجيء"يزيدا" مستغاثا به مختتما بالألف، لكونه لم يؤت معه باللام المفتوحة التي تدخل على المستغاث به.
وقد يخلو منها؛ كقوله1: [الوافر]
450-
ألا يا قوم لِلْعَجَبِ العجيبِ2
[جواز نداء المتعجب منه] :
ويجوز نداء المتعجب منه؛ فيعامل معاملة المستغاث؛ كقولهم: "يا لَلماء"
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وللغفلات تعرض للأريب
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 181، والأشموني:"902/ 2/ 463"، والعيني: 4/ 263.
المفردات الغريبة: الغفلات: جمع غفلة؛ مصدر غفل عن الشيء، لم يلتفت إليه، ولم يُلْقِ إليه باله. تعرض له: تنزل به. الأريب: العالم بالأمور، البصير بالعواقب؟.
الإعراب: ألا: حرف استفتاح وتنبيه، لا محل له من الإعراب. يا: حرف نداء واستغاثة.
قوم: منادى مستغاث به، منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة؛ اجتزاءً بكسرة الميم قبله؛ ويجوز أن يكون مبنيا على الضم؛ إذا قدرنا قطعه عن الإضافة؛ والوجهان جائزان؛ وقوم: مضاف، و"ياء المتكلم" المدلول عليها بالكسرة مضاف إليه. "للعجب": اللام المكسورة لام المستغاث لاجله، و"للعجب": متعلق بـ "يا" أو بالفعل المحذوف الذي نابت عنه "يا"؛ وبحال محذوف. العجيب: صفة لـ "العجب" مجرورون وعلامة جره الكسرة الظاهرة. وللغفلات: الواو عاطفة، و"للغفلات": معطوف على "للعجب". تعرض: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، والفاعل: هي، جملة "تعرض": في محل نصب على الحال من "الغفلات". "للأريب": متعلق بقوله: تعرض.
موطن الشاهد: "يا قوم".
وجه الاستشهاد: مجيء المستغاث به "قوم" خاليا من اللام المفتوحة في أوله، ومن الألف في آخره؛ وحكم مجيئه على هذه الحالة نادر، وخلاف المألوف.
و"يا للدواهي"، إذا تعجبوا من كثرتهما1.
1 قد يراد بأسلوب النداء: التعجب من شيء عظيم يتميز بذاته بكثرته، أو شدته أو غرابته، فينادي جنس ما رآه؛ نحو: يا للماء، أو من له صلة أو معرفة به، نحو: يا للعلماء. ويأتي على صورة الاستغاثة مشتملا على حرف النداء "يا"، وعلي منادى مجرور باللام المفتوحة، ولكن ليس هناك مستغاث، وذلك كأن ترى البدر فيبهرك جماله، تقول: يا للبدر؛ أو ترى الماء الكثير فتعجب من كثرته؛ فتقول: يا للماء. مثل هذا الأسلوب يقال فيه: إنه اسلوب نداء واستغاثة أريد به التعجب، فإنك تنادي البدر والماء، وتقول: أحضر ليتعجب منك، وعلي هذا ينبغي أن يعامل معاملة المستغاث؛ فيجر باللام الفمتوحة، وإذا حذفت جيء بالألف في آخره عوضا عنها، وتلحقه هاء السكت عند الوقف. وقد يأتي على صورة أخرى فلا يبدأ باللام، ولا يختم بالألف، تقول: يا عجب.
ومن أمثلة ما يختم بالألف المعوض بها عن اللام قول امرئ القيس:
ويوم عقرت للعذاري مطيتي
…
فيا عجبًا من كورها المتحمل
وقول الراجز:
يا عجبًا من هذه الفليقة
…
هل تذهبن القوباء الريقة
هذا، وقد يجر المستغاث له "بمن" بدلا من اللام؛ إذا كان مستنصرا عليه؛ كقوله:
يا للرجال ذوي الألباب من نفر
فإن كان مستنصرا له تعين جره باللام؛ نحو: يا الله للمجاهدين. ويجوز الجمع بين "يا" و"ال" التي في صدر المستغاث، إذا كان مجرورا باللام كما مثلنا. همع الهوامع: 1/ 180.