الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب المنصوب على الاختصاص] :
هذا باب المنصوب على الاختصاص1:
[تعريف المنصوب على الاختصاص] :
وهو اسم معمول لأخص واجب الحذف2.
1 الاختصاص: مصدرا اختصصته بكذا، أي خصصته به وقصرته عليه؛ فهو لغة: قصر الحكم على بعض أفراد المذكور أولا. واصطلاحا: إصدار حكم على ضمير مبهم لغير الغائب بعده اسم ظاهر معرفة يوضحه ويختص بهذا الحكم. وهو معمول لـ "أخص" محذوفا وجوبا. ومثل أخص: أعني، أقصد، أريد، أو ما شاكل هذا، غير أن لفظ "أخص" هو المشهور؛ ومنه سمي الاختصاص.
والكلام المشتمل على الاختصاص خيب استعمل في صورة الداء من باب التوسع ونظيره أنهم استعملوا صورة الأمر في الخبر قياسا في نحو: "أجمل بذي المروءةَ! "، وهو صيغة من صيغتي التعجب؛ كما استعملوا صيغة الخبر في الأمر والدعاء؛ كقوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} أي: ليرضعن أولادهم.
والباعث على الاختصاص: إرادة القصر والتخصيص؛ وقد يكون الفخر؛ نحو: أنا -العربي- أن لا استكين للمذلة؛ والتواضع نحو: إني -أيها الضعيف- قوي الإيمان؛ وقد يكون الغرض منه تفصيل وبيان ما يراه من الضمير؛ من جنس، أو نوع أو عدد، نحن -بني الإنسان- نخطئ ونصيب؛ ونحن- الجنود- قدوة في الكفاح، نحن -العشرة- أعضاء الاتحاد.
التصريح: 2/ 190، الهمع: 1/ 170، وضياء السالك: 3/ 280.
2 وعليه: فيكون تقدير الفعل المحذوف: أخص أو أعني -كما قدره سيبويه- وقدره ابن الناظم في نحو قولهم: "اللهم اغفر لنا أيتها العصابة" على معنى: اللهم افر لنا مختصين من بين العصائب؛ وعلي هذا، تكون الجملة "من الفعل المحذوف والاسم المنصوب على الاختصاص": في محل نصب على الحال؛ ولكن ليس باطراد؛ لأنها قد تكون معترضة، كما سيأتي.
حاشية يس على التصريح: 2/ 190-191.
وحاشية الصبان: 2/ 186-187.
[حكم "أي" و"أية"] :
فإن كان "أيها"، أو "أيتها"، استعملا كما يستعملان في النداء؛ فيضمان ويوصفان لزوما باسم لزم الرفع محلىً بـ "أل"؛ نحو:"أنا افعل كذا أيها الرجل" و"اللهم اغفر لنا أيتها العصابة"1
1 ما ذهب إليه المؤلف، هو مذهب الجمهور، ويعني: أن الاختصاص، إذا كان بلفظ:"أيها" المستعمل في المذكر؛ مفردا أو مثنى أو جمعا -أو كان بلفظ: "أيتها"- المستعمل في المؤنث؛ مفردا أو مثنى أو جمعا -كان اللفظان مبنيين على الضم، في محل نصب؛ والناصب له: فعل محذوف وجوبا؛ تقديره: أخص أو أعني وما شابه ذلك؛ فهو على هذا: مفعول به؛ وجملة: "أخص أيها وأعني أيتها": قد تكون في محل نصب على الحال؛ وقد تكون اعتراضية، لا محل لها؛ كما في قولهم:"نحن المعلمين أكثر الناس عطاء"؛ فجملة "أخص المعلمين": لا محل لها؛ لأنها اعترضت بين المبتدأ "نحن"، وخبرة: أكثر الناس عطاء.
انظر التصريح: 2/ 191. وحشاية الصبان: 3/ 186.
فائدة أولى: ذهب الأخفش إلى أن "أيها وأيتها" في مثل قولك: "أنا -أيها العبد- فقير إلى عفو الله": منادى -بحرف نداء محذوف- وهو مبني على الضم، في محل نصب على النداء، وقال: لا ينكر أن ينادي الإنسان نفسه؛ ألا ترى إلى قول عمر رضي الله عنه: "كل الناس أفقه منك يا عمر". حاشية الصبان: 3/ 187. والتصريح: 2/ 191.
فائدة ثانية: ذهب السيرافي إلى أن كلا من "أي، وأية" في الاختصاص اسم معرب مرفوع؛ وهو يحتمل وجهين من الإعراب.
أحدهما: أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير في قولك؛ "أنا -أيها العبد- فقير إلى عفو الله": أنا هو أيها العبد.
ثانيهما: أن يكون مبتدأ محذوف الخبر؛ والتقدير في المثال المذكور: أنا أيها العبد المخصوص.. ويلاحظ في هذا الرأي، وسابقه تكلف ظاهر وبعد عن سلامة السياق؛ مما يجعلهما رأيين غير مقررين، ولا يؤخذ بهما؛ والصواب: ما ذهب إليه جمهور النحاة.
حاشية الصبان: 3/ 187. والتصريح: 2/ 190-191.
وإن كان غيرهما نصب1، نحو:"نحن معاشر الأنبياء لا نورث"2
[ما يفارق فيه الاختصاص المنادى] :
ويفارق المنادى في أحكام3:
أحدهما: أنه ليس معه حرف نداء لا لفظا، ولا تقديرا.
الثاني: أنه لا يقع في أول الكلام؛ بل في أثنائه؛ كالواقع بعد "نحن" في الحديث المتقدم، أو بعد تمامه؛ كالواقع بعد "أنا" و"نا" في المثالين قبله.
1 أي: وجوبا؛ سواء كان معرفا بالإضافة، كما مثل المصنف، أو بـ "أل"، نحو: نحن العرب أسخى من بذل. أو كان علما غير مضاف، وذلك قليل؛ نحو: أنا الطبيب لا أتواني من إجابة الداعي، ومنه قول رؤبة:
بنا تميما يشكف الضباب
ضياء السالك: 3/ 280-281.
2 هذا جزء من حديث شريف، وتمامه:"ما تركناه صدقة" ما: اسم موصول مبتدأ. تركناه: الجملة صلة. صدقة: خبر المبتدأ.
والحديث أخرجه: البخاري: 6/ 197، والبداية والنهاية لابن كثير: 4/ 203.
موطن الشاهد: "نحن معاشر".
وجه الاستشهاد: انتصاب "معاشر" على الاختصاص؛ لمعمول واجب الحذف.
3 ويوافق الاختصاص النداء في أمور هي:
أ- أن كلا منهما يفيد الاختصاص، وهو في هذا الباب خاص بالمتكلم أو المخاطب، وفي باب النداء مقصور على المخاطب.
ب- أن كلا منهما للحاضر -أي المتكلم أو المخاطب- وإن كان النداء لا يكون للمتكلم.
ج- أن كلا منهما يرى معه الاسم -أحيانا- مبنيا على الضم في محل نصب في "أي" و"أية" مع وجود "ها" التنبيه، والنعت بعدهما، وتارة يكون منصوبا.
د- أن الاختصاص يقصد به تقوية المعنى وتوكيده، وكذلك يكون النداء أحيانا فقولك لمن تحدثه وهو مصغٍ إليك:"قد كان كذا وكذا يا فلان"، وقعت فيه عبارة "يا فلان" موقع التوكيد؛ لأنك تطلب بها إقبال من هو مقبل عليك.
التصريح: 2/ 191.
والثالث: أنه يشترط أن يكون المقدم عليه اسما بمعناه1؛ والغالب كونه ضمير تكلم؛ وقد يكون ضمير خطاب؛ كقول بعضهم: "بك -الله- نرجو الفضل"2.
والرابع والخامس: أنه يقل كونه علما، وأنه ينتصب3 مع كونه مفردا، كما في هذا المثال.
والسادس: أنه يكون بـ "أل" قياسا؛ كقولهم: "نحن العرب أقرى الناس للضيف".
1 أي: بأن يكون المراد منهما شيء واحد.
2 بك: متعلق بـ "نرجو". "الله" لفظ الجلالة منصوب على الاختصاص، وهو علم. الفضل: مفعول نرجو؛ هذا ولا يقع المختص بعد ضمير غيبة، ولا بعد اسم ظاهر.
3 أي: لفظا لا محلا فقط، وهذا في غير "أي"، و"أية"؛ فإن نصبهما محلا ليس غير؛ لأنهما مبنيان على الضم في محل نصب.